وتواجهنا هنا مفارقة، وهي:
أن عمرو بن معد يكرب جاء إلى خالد بن سعيد بن العاص
الذي خلّفه علي «عليه السلام» في بني زبيد، فأظهر عودته إلى الإسلام،
ثم كلّمه في امرأته وولده، فوهبهم له.
ولكن هذا المستكبر المغرور بنفسه بالأمس، والذي جرَّ
على نفسه هذه الهزيمة الفضيحة اليوم، وكان سبباً في قتل أخيه، وابن
أخيه، ثم في سبي زوجته وولده.. لا لشيء إلا لأن الرسول الأعظم «صلى
الله عليه وآله» لم يجب له طلباً ظالماً رفعه إليه..
إن هذا الرجل بالذات يتراجع عن موقفه، ويستعطف ذلك الذي
خلَّفه ابن عم الرسول «صلى الله عليه وآله» في قومه ليجبي صدقاتهم،
ويؤمِّن من عاد إليه من هرّابهم مسلماً..
وقد كان هذا الرجل في غنى عن هذا الإستعطاف هنا، وعن
الإستكبار هناك..
والأغرب من ذلك:
أن نجده حتى حين يرى نفسه بحاجة إلى الإستعطاف والخضوع،
ويمارسه، لا يتخلى عن العنجهية والغرور، وحب الظهور، وإثبات الذات،
وإظهار القوة بغباوة وحمق. فإنه لما وقف على باب خالد وجد جزوراً قد
نحرت، فجمع قوائمها، ثم ضربها بسيفه فقطعها جميعاً..
ثم وهب سيفه الذي كان يسميه بالصمصامة لخالد بن سعيد،
إمعاناً منه في ادِّعاء الشدة، والقوة لنفسه..
وذلك كله ـ إن صح ـ يجعلنا نقول:
لقد صدق من وصفه:
بأنه «مائق بني زبيد»([1]).
فإن المائق هو:
الأحمق في غباء، أو الهالك حمقاً وغباوة([2]).
([1])
راجع: بحار الأنوار ج41 ص96 عن ابن إسحاق، ومناقب آل أبي طالب
ج2 ص333.
([2])
أقرب الموارد ج2 ص1252.
|