بغضهم علياً
عليه السلام:
وعن البراء قال:
بعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى اليمن جيشين،
وأمَّر علياً على أحدهما. وعلى الآخر خالد بن الوليد. وقال: «إذا كان
قتال فعلي رضي الله تعالى عنه الأمير».
قال:
فافتتح علي حصناً، فغنمت أواقي ذوات عدد، وأخذ علي منه جارية.
قال:
فكتب معي خالد إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» «يشي
به» كما في جامع الترمذي.
قال:
فلما قدمت على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وقرأ
الكتاب رأيته يتغير لونه، فقال: «ما ترى في رجل يحب الله ورسوله، ويحبه
الله تعالى ورسوله»؟!
فقلت:
أعوذ بالله من غضب الله تعالى وغضب رسوله، إنما أنا
رسول.
فسكت([1]).
وعن بريدة بن الحصيب قال:
«أصبنا سبياً، فكتب خالد إلى رسول الله «صلى الله عليه
وآله»: «ابعث إلينا من يخمسه». وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبي.
فبعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» علياً إلى خالد
ليقبض منه الخمس، وفي رواية: ليقسم الفيء، فقبض منه، فخمس وقسم، واصطفى
علي سبية، فأصبح وقد اغتسل ليلاً.
وكنت أبغض علياً بغضاً لم أبغضه أحداً، وأحببت رجلاً من
قريش لم أحبه إلا لبغضه علياً.
فقلت لخالد:
ألا ترى إلى هذا؟!
وفي رواية:
فقلت: يا أبا الحسن، ما هذا؟!
قال:
ألم تر إلى الوصيفة، فإنها صارت في الخمس، ثم صارت في
آل محمد، ثم في آل علي، فوقعت بها.
فلما قدمنا على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ذكرت له
ذلك([2]).
وفي رواية:
فكتب خالد إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقلت:
ابعثني، فبعثني، فجعل يقرأ الكتاب وأقول: صدق، فإذا النبي «صلى الله
عليه وآله» قد احمر وجهه، فقال: «من كنت وليه فعلي وليه».
ثم قال:
«يا بريدة أتبغض علياً»؟!
فقلت:
نعم.
قال:
«لا تبغضه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك»([3]).
وفي رواية:
«والذي نفسي بيده لنصيب علي في الخمس أفضل من وصيفة،
وإن كنت تحبه فازدد له حباً»([4]).
وفي رواية:
«لا تقع في علي، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي»([5]).
قال بريدة:
فما كان في الناس أحد أحب إلي من علي.
وعن بريدة:
بعث «صلى الله عليه وآله» علي بن أبي طالب «عليه
السلام»، وخالد بن الوليد كل واحد منهما وحده، وجمعهما، فقال: إن
اجتمعتما فعليكم علي.
قال:
فأخذا يميناً ويساراً، فدخل علي، وأبعد وأصاب سبياً،
وأخذ جارية من السبي، قال بريدة: وكنت من أشد الناس بغضاً لعلي.
قال:
فأتى رجل خالد بن الوليد فذكر أنه أخذ جارية من الخمس.
فقال:
ما هذا؟!
ثم جاء آخر، ثم تتابعت الأخبار على
ذلك، فدعاني خالد، فقال:
يا بريدة قد عرفت الذي صنع، فانطلق بكتابي هذا إلى رسول
الله «صلى الله عليه وآله».
فكتب إليه، فانطلقت بكتابه حتى دخلت على رسول الله «صلى
الله عليه وآله»، فأخذ الكتاب بشماله، وكان كما قال الله عز وجل: لا
يقرأ ولا يكتب، وكنت إذا تكلمت طأطأت رأسي حتى أفرغ من حاجتي، فطأطأت
رأسي، فرأيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» غضب غضباً لم أره غضب مثله
إلا يوم قريظة والنضير.
فنظر إليّ، فقال:
يا بريدة، أحِبَّ علياً، فإنما يفعل ما أمر به، فقمت
وما من الناس أحد أحب إليّ منه([6]).
وعن بريدة:
أنه لما استلم علي «عليه السلام» الغنائم من خالد بن
الوليد في غزوتهم لبني زبيد، حصلت جارية من أفضل السبي في الخمس، ثم
صارت في سهم آل علي، فخرج عليهم علي «عليه السلام» ورأسه يقطر، فسألوه؛
فأخبرهم: أنه وقع بالوصيفة التي صارت في سهم آل علي.
فقدم بريدة في كتاب من خالد على النبي «صلى الله عليه
وآله»، وصار يقرؤه عليه بريدة، ويصدق (أي بريدة) ما فيه، فأمسك «صلى
الله عليه وآله» بيده، وقال: يا بريدة أتبغض علياً؟!
قال:
نعم.
فقال «صلى الله عليه وآله»:
لا تبغضه، وإن
كنت تحبه فازدد له حباً،
فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة.
وفي نص آخر:
فتكلم بريدة
في علي عند الرسول، فوقع فيه، فلما فرغ رفع رأسه، فرأى رسول الله غضب
غضباً
لم يره غضب مثله إلا يوم قريظة والنضير، وقال: يا بريدة، أحب علياً،
فإنه يفعل ما آمره. وكذا روي عن غير بريدة([7]).
وفي الرواية التي عند المفيد «رضوان
الله عليه»:
«فسار بريدة،
حتى انتهى إلى باب النبي «صلى الله عليه وآله»، فلقيه عمر، فسأله عن
حال غزوتهم، وعن الذي أقدمه؛ فأخبره: أنه إنما جاء ليقع في علي، وذكر
له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه، فقال له عمر:
امض
لما جئت له؛ فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي»([8]).
قال الصالحي الشامي:
تنبيهات:
الأول:
قال ابن إسحاق وغيره: كانت غزوة علي بن أبي طالب إلى
اليمن مرتين، قال في العيون: ويشبه أن تكون هذه السرية الأولى، وما
ذكره ابن سعد هي السرية الثانية كما سيأتي.
الثاني:
قال الحافظ: كان بعث علي بعد رجوعهم من الطائف، وقسمة
الغنائم بالجعرانة.
الثالث:
قال الحافظ أبو ذر الهروي: إنما أبغض بريدة علياً، لأنه
رآه أخذ من المغنم، فظن أنه غلّ.
فلما أعلمه رسول الله «صلى الله عليه وآله» أنه أخذ أقل
من حقه أحبه.
قال الحافظ:
وهو تأويل حسن، لكن يبعده صدر الحديث الذي رواه أحمد،
فلعل سبب البغض كان لمعنى آخر وزال، ونهى النبي «صلى الله عليه وآله»
عن بغضه.
الرابع:
استشكل وقوع علي رضي الله تعالى عنه على الجارية.
وأجيب:
باحتمال أنها كانت غير بالغ، ورأى أن مثلها لا يستبرأ،
كما صار إليه غيره من الصحابة.
أو أنها كانت حاضت عقب صيرورتها له، ثم طهرت بعد يوم
وليلة، ثم وقع عليها.
أو كانت عذراء.
الخامس:
استشكل أيضاً قسمته لنفسه.
وأجيب:
بأن القسمة في مثل ذلك جائزة ممن هو شريكه فيما يقسمه،
كالإمام إذا قسم بين الرعية وهو منهم، فكذلك ممن نصبه الإمام، فإنه
مقامه([9]).
([1])
سبل الهدى ج6 ص235، وقال في هامشه: أخرجه الترمذي ج4 ص180 ونهج
السعادة ج5 ص285 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص196 وبحار الأنوار ج39
ص11 ومناقب أهل البيت للشيرواني ص142 وينابيع المودة ج1 ص169.
([2])
سبل الهدى ج6 ص235 و 236 عن أحمد، والبخاري، والنسائي،
والإسماعيلي، وفي هامشه قال: أخرجه البخاري في كتاب النكاح
(5210). وراجع: فتح الباري ج8 ص52 ونيل الأوطار ج7 ص110
والعمدة لابن البطريق ص275 ونهج
السعادة ج5 ص284 ومسند أحمد ج5 ص351 ومجمع الزوائد ج9 ص127
وخصائص أمير المؤمنين «عليه السلام» للنسائي ص102 وتاريخ مدينة
دمشق ج42 ص196 و البداية والنهاية ج5 ص120 وج7 ص380 والسيرة
النبوية= = لابن كثير ج4 ص202 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب
«عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ للريشهري ج11 ص260
وشرح إحقاق الحق ج21 ص630 وج23 ص5 و 274 و 276 وج30 ص272.
([3])
سبل الهدى ج6 ص236 وراجع: نيل الأوطار ج7 ص110 والعمدة لابن
البطريق ص275 ونهج السعادة ج5 ص283 ومسند أحمد ج5 ص359 وصحيح
البخاري (ط دار المعرفة) ج5 ص110 والسنن الكبرى للبيهقي ج6
ص342 وفتح الباري ج8 ص53 وعمدة القاري ج18 ص6 وتحفة الأحوذي
ج10 ص145 وخصائص أمير المؤمنين «عليه السلام» للنسائي ص102
ومعرفة السنن والآثار ج5 ص156 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص194 و
195 وأسد الغابة ج1 ص176 وتهذيب الكمال ج20 ص460 والبداية
والنهاية ج7 ص380 وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي «عليه
السلام» لابن الدمشقي ج1 ص88 وشرح إحقاق الحق ج6 ص86 وج16 ص453
ج21 ص532 وج23 ص275 و 276 و 277 و 278 وج30 ص278.
([4])
راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص236 ونيل الأوطار ج7 ص111 والعمدة
لابن البطريق ص275 وبحار الأنوار ج39 ص277 ونهج السعادة ج5
ص285 ومسند أحمد ج5 ص351 ومجمع الزوائد ج9 ص127 وفتح الباري ج8
ص53 وعمدة القاري ج18 ص7 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص136 وخصائص
أمير المؤمنين «عليه السلام» للنسائي ص103 وتاريخ مدينة دمشق
ج42 ص196 والبداية والنهاية ج5 ص121 وج7 ص381 وكشف الغمة ج1
ص293 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص202 وجواهر المطالب في
مناقب الإمام علي «عليه السلام» لابن الدمشقي ج1 ص87 وشرح
إحقاق الحق ج6 ص85 وج16 ص451 ج21 ص630 وج23 ص6 و 275 و 276
وج30 ص272.
([5])
سبل الهدى ج11 ص297 وج6 ص236 وقال في هامشه: أخرجه أحمد في
المسند ج5 ص356، وذكره الهيثمي في المجمع ج9 ص128 وراجع: ذخائر
العقبى ص68 وبحار الأنوار ج37 ص220 وج38 ص326 والنص والإجتهاد
للسيد شرف الدين ص560 وفتح الباري ج8 ص53 وعمدة القاري ج18 ص7
وتحفة الأحوذي ج10 ص146 و 147 وكنز العمال ج11 ص608 وفيض
القدير ج4 ص471 وطبقات المحدثين بأصبهان ج3 ص388 وتاريخ مدينة
دمشق ج42 ص190 والبداية والنهاية ج7 ص380 وكشف الغمة ج1 ص294
وجـواهـر = = المطالب لابن الدمشقي ج1 ص87 وينابيع المودة ج2
ص159 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص288 و 290 و 292 وج15
ص103 و 106 و 107 وج20 ص527 وج23 ص544.
([6])
المعجم الأوسط للطبراني ج5 ص117 ومجمع الزوائد ج9 ص128 عنه.
وراجع
روايات بريدة على اختلافها في المصادر التالية: شرح الأخبار ج1
ص94
والعمدة
لابن البطريق
ص198
والطرائف لابن طاووس ص66 وذخائر العقبى ص68 والصراط المستقيم
ج2 ص59 وكتاب الأربعين للشيرازي
ص111
وبحار الأنوار ج37 ص220 وج38
ص326
وكتاب الأربعين للماحوزي
ص32
وخلاصة عبقات الأنوار ج9
ص306
و 307 والمراجعات للسيد شرف الدين
ص223
والنص والإجتهاد ص339 و 560 والغدير ج3
ص244
ومكاتيب الرسول ج1 ص564 ونهج السعادة ج5 ص277 و 278 ومسند أحمد
ج5 ص356 ومجمع الزوائد ج9 ص128 وفتح الباري ج8 ص53 وعمدة
القاري ج16 ص214 وج18
ص7
وتحفة الأحوذي ج10 ص146 و 147 وكنز العمال ج11 ص608 وفيض
القدير ج4 ص471 وطبقات المحدثين بأصبهان ج3 ص388 وتاريخ مدينة
دمشق ج42 ص189 و 190 ومناقب علي بن أبي طالب «عليه السلام»
لابن مردويه ص119 والبداية والنهاية ج5 ص104 وج7 ص342 و344 و
380 وكشف الغمة للشعراني ج2 ص114 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص294
ومجمع الفوائد ج2 ص68 والمنهل العذب المورود ج1 ص114 ومشكل
الآثار ج4 ص160 ونهج الإيمان لابن جبر
ص483
و 483 وجـواهـر المطـالب لابن الدمشقـي ج1 = = ص87 والسيرة
الحلبية
ج3
ص338
وينابيع المودة ج2 ص159 والشافي في الإمامة للشريف المرتضى ج3
ص243 وغاية المرام للسيد هاشم البحراني ج5 ص26 ونظرة في كتاب
البداية والنهاية للشيخ الأمينيي ص93 وشرح إحقاق الحق
(الملحقات) ج5 ص288 و 290 و 291 و 292 وج15
ص103
و106 و 107 وج16 ص157 وج20 ص527 وج21 ص23 و 144 وج22
ص582
وج23 ص161 و 544 وج30 ص415 والفضائل لأحمد بن حنبل ج2 ص351
والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص342 وخصائص أمير المؤمنين علي
«عليها السلام» للنسائي (ط التقدم بمصر) ص25 وتيسير الوصول ج2
ص132 ومناقب علي «عليها السلام» للعيني الحيدر آبادي ص48
وإزالة الخفاء ج2 ص449 وقرة العين في تفضيل الشيخين ص169
والتاج الجامع للأصول ج3 ص298.
([7])
راجع: المعجم الأوسط للطبراني ج5 ص117 مجمع الزوائد ج9 ص128
عنه، وخصائص النسائي ص102 و 103 ومشكل الآثار ج4 ص160 ومسند
أحمد ج5 ص359 و 350 و 351 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص342 وقال:
رواه البخاري في الصحيح، وحلية الأولياء ج6 ص294 وسنن الترمذي
ج5 ص632 و 639 وكنز العمال ج15 ص124 و 125 و126 ـ 271 والمناقب
للخوارزمي ص92 والمستدرك للحاكم ج3 ص110 و 111 على شرط مسلم،
وتلخيص المستدرك للذهبي بهامشه وسكت عنه، والبداية والنهاية ج7
ص344 و345 عن أحمد والترمذي، وأبي يعلى وغيره بنصوص مختلفة.
والغدير ج3 ص216 عن بعض من تقدم وعن نزل الأبرار للبدخشي ص22
والرياض النضرة ج3 ص129 و 130 وعن مصابيح السنة للبغوي ج2
ص257. والبحر الزخار ج6 ص435 وجواهر الأخبار والآثـار
المستخرجـة
من لجـة
البحر الزخـار
للصعدي (مطبوع بهامش
المصدر السابق) نفس الجلد والصفحة، عن البخاري والترمذي.
وراجع: الأمالي للطوسي ص250 والطرائف لابن طاووس ص67 وبحـار
الأنـوار ج38 = = ص116 و 117 وج39 ص281 و 282 وتاريخ مدينة
دمشق ج42 ص191 وبشارة المصطفى ص194 و 195 وشرح إحقاق الحق
(الملحقات) ج30 ص414.
([8])
الإرشاد للمفيد ص93 و (ط دار المفيد) ج1 ص161 وقاموس الرجال ج2
ص173 عنه، والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص98 وبحار الأنوار
ج21 ص358 وكشف الغمة ج1 ص230.
([9])
راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص236 وفتح الباري ج8 ص53.
|