صفحة : 208-211   

لعله يغضب لابنته:

وذكرت بعض نصوص حديث بريدة المتقدم: أنه لما ارتد عمرو بن معد يكرب أرسل النبي «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام» إلى بني زبيد، فغنم وسبى، واصطفى «عليه السلام» جارية، وذهب بريدة ليشتكي على علي «عليه السلام».

فسار حتى انتهى إلى باب النبي «صلى الله عليه وآله»، فلقيه عمر بن الخطاب، فسأله عن حال غزوتهم، وعن الذي أقدمه. فأخبره أنه إنما جاء ليقع في علي «عليه السلام»، وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه.

فقال له عمر: امض لما جئت له، فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي.

ثم ذكرت الرواية: أن بريدة دخل على النبي «صلى الله عليه وآله» وجعل يحدثه بما جرى، فتغير وجه النبي «صلى الله عليه وآله»، فقال له بريدة: إنك إن رخصت للناس في مثل هذا ذهب فيؤهم..

فقال له «صلى الله عليه وآله»: ويحك يا بريدة، أحدثت نفاقاً!

إن علي بن أبي طالب يحل له من الفيء ما يحل لي.

إن علي بن أبي طالب خير الناس لك ولقومك، وخير من أخلف بعدي لكافة أمتي.

يا بريدة، احذر أن تبغض علياً فيبغضك الله.

قال بريدة: فتمنيت أن الأرض انشقت لي فسخت فيها الخ..([1]).

 

ونقول:

ألف: لقد بادر بريدة إلى العودة إلى المدينة ليقع في علي «عليه السلام».. وكان يمكنه تأجيل ذلك إلى حين عودة السرية إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

فهل كان هو وخالد يريدان أن يدفعا رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى إتخاذ قرار غيابي بحق علي «عليه السلام»، دون أن يتمكن علي من الدفاع عن نفسه؟! أم أن حقدهما كان هو الدافع لعجلتهما هذه؟!

أم أنهما خشيا من أن يحن «صلى الله عليه وآله» إلى ابن عمه وصهره وهو بقربه، ولكنه حين يكون بعيداً عنه، فإن وطأة الحنين تكون أخف؟!

وإذا أصدر قراراً غيابياً، فإنه حتى لو أراد أن يتراجع عنه، فسيكون تراجعاً ضعيفاً، وترقيعياً، لا يفي بمحو ما أحدثه قراره الأول من ندوب وتشويهات.

ب: إن علياً «عليه السلام» قد بين لخالد ولبريدة الحكم الشرعي، فما المبرر للوقيعة فيه بعد ذلك؟! فإن كانوا يرون أن علياً «عليه السلام» قد أخطأ فيما قال، فلماذا لم يصرحا له بذلك؟!

ثم ألم يخطر على بالهما أن يجيبهما النبي «صلى الله عليه وآله» بمثل جواب علي «عليه السلام»؟! وهذا هو ما حصل بالفعل، بل زاد «صلى الله عليه وآله» على ذلك قوله: إن نصيب علي «عليه السلام» في الخمس أكثر من وصيفة..

ج: لماذا يحرص عمر على أن يرى النبي «صلى الله عليه وآله» يغضب لإبنته؟! هل كان يرى أن النبي «صلى الله عليه وآله» يكيل بمكيالين، فيبيح للناس أمراً، فإذا تعلق الأمر به حرمه عليهم؟! انقياداً منه للهوى، وانسياقاً مع الرغبات الشخصية والعياذ بالله!

د: لماذا لم يقل عمر لبريدة: إن علياً «عليه السلام» عمل ما أحله الله تعالى له؟! ولو شئنا أن نتوهم أن عمر كان لا يعرف الحكم الشرعي في هذه المسألة لرمانا محبوه بألف تهمة وتهمة..

هـ: إن علياً «عليه السلام» كان ستِّيراً وحيياً، ولم يكن من عادته أن يتجاهر بما يشير إلى مقاربته لحليلته خارج دائرة ما تقتضيه الضرورات الدينية.

ولكننا رأيناه هنا يتصرف بطريقة تعطي أنه يتعمد دفعهم إلى تخيل شيء من هذا القبيل حيث خرج عليهم ورأسه يقطر، الأمر الذي أثار فضولهم، ودعاهم إلى سؤاله عن هذا الأمر، فلما سألوه أجابهم بما عمق شعورهم بالمرارة..

و: إن إجابته وإن كانت ليست نصاً في حدوث مقاربة جنسية فعلية، ولكنها توهم ذلك بصورة قوية.. ولعله «عليه السلام» استعمل التورية في هذا الأمر، فأتى بكلام ذي وجهين.

نقول ذلك: لوجود رواية تدل على أن الله قد حرم النساء على علي «عليه السلام» ما دامت فاطمة حية([2]).

إلا أن يقال: هذا التحريم مشروط بعدم إذن النبي «صلى الله عليه وآله»، أو فاطمة «عليها السلام» له بذلك.

أو يدعى: أن المراد: أنه حرم عليه الزواج بالنساء، أما الوطء بملك اليمين فلا..

وإن كنا نرى أن هذا الإحتمال خلاف الظاهر..


 

([1]) الإرشاد للمفيد ج1 ص160 و 161 وراجع: قاموس الرجال ج2 ص288 عنه. وراجع: المستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص98 وبحار الأنوار ج21 ص358 وكشف الغمة ج1 ص230.

([2]) تهذيب الأحكام ج7 ص475 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص330 و (ط المطبعة = = الحيدرية ـ النجف الأشرف ـ سنة 1956م) ج3 ص110 وبشارة المصطفى  ص306 والأمالي للطوسي ج1 ص42 ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص64 وبحار الأنوار ج43 ص16 و 153 وضياء العالمين (مخطوط) ج2 ق3 ص7 وعوالم العلوم ج11 ص387 و 66 ومستدرك الوسائل ج2 ص42 وراجع: فتح الباري ج9 ص287 ومجمع النورين ص23 والإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» لأحمد الرحماني الهمداني ص231 واللمعة البيضاء للتبريزي الأنصاري ص201 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص431 والحدائق الناضرة للمحقق البحراني ج23 ص108.

 
   
 
 

موقع الميزان