صفحة : 271   

لماذا خلَّف علياً عليه السلام؟!:

قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه، ونعم ما قال:

«وقال: يا علي، إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك.

وذلك أنه «صلى الله عليه وآله» علم خبث نيات الأعراب، وكثير من أهل مكة ومن حولها، ممن غزاهم، وسفك دماءهم، فأشفق أن يطلبوا المدينة عند نأيه عنها، وحصوله ببلاد الروم، فمتى لم يكن فيها من يقوم مقامه لم يؤمن من معرَّتهم، وإيقاع الفساد في دار هجرته، والتخطي إلى ما يشين أهله، ومخلفيه..

وعلم أنه لا يقوم مقامه في إرهاب العدو، وحراسة دار الهجرة، وحياطة من فيها إلا أمير المؤمنين «عليه السلام»، فاستخلفه استخلافاً ظاهراً، ونص عليه بالإمامة من بعده نصاً جلياً، وذلك فيما تظاهرت به الرواية أن أهل النفاق لما علموا باستخلاف رسول الله «صلى الله عليه وآله» على المدينة حسدوه لذلك، وعظم عليهم مقامه فيها بعد خروجه، وعلموا أنها تتحرس به، ولا يكون فيها للعدو مطمع، فساءهم ذلك..

وكانوا يؤثرون خروجه معه، لما يرجونه من وقوع الفساد والإختلاط عند نأي رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن المدينة، وخُلُوُّها من مرهوب مخوف يحرسها..

وغبطوه «عليه السلام» على الرفاهية والدعة بمقامه في أهله، وتكلف من خرج منهم المشاق بالسفر والخطر، فأرجفوا وقالوا: لم يستخلفه رسول الله «صلى الله عليه وآله» إكراماً له، وإجلالاً ومودة، وإنما خلفه استثقالاً له».

إلى أن قال: «فلما بلغ أمير المؤمنين «عليه السلام» إرجاف المنافقين به أراد تكذيبهم، وإظهار فضيحتهم، فلحق بالنبي «صلى الله عليه وآله» فقال: يا رسول الله، إن المنافقين يزعمون: أنك خلفتني استثقالاً ومقتاً؟!.

فقال النبي «صلى الله عليه وآله»: إرجع يا أخي إلى مكانك، فإن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك. فأنت خليفتي في أهل بيتي، ودار هجرتي وقومي، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟! الخ..»([1]). وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الإرجاف كان كبيراً في امتداداته، أو في آثاره إلى الحد الذي احتاج معه إلى المواجهة بالتكذيب والإبطال.


 

([1]) بحار الأنوار ج21 ص207 و 208 والإرشاد ج1 ص156 إضافة إلى مصادر كثيرة ذكرناها في موارد سبقت.

 

   
 
 

موقع الميزان