لا بد من ملاحظة ما يلي:
ألف:
إن هارون كان له من موسى المنازل التالية:
1 ـ
منزلة الأخوة.
2 ـ
الوزارة المجعولة من الله.
3 ـ
كونه من أهله.
4 ـ
أنه مصدق له..
5 ـ
أنه ردء له.
6 ـ
أنه شريكه في أمر الدين.
7 ـ
يشد أزره وعضده.
8 ـ
أنه خليفته في قومه حال غيبته.
9 ـ
أن وظيفته الإصلاح.
وقد دلت الآيات القرآنية على هذه الأمور كلها، فقد قال
تعالى:
﴿فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي
إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ﴾([1]).
وقال: ﴿..وَجَعَلْنَا مَعَهُ
أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً﴾([2]).
وقال: ﴿وَاجْعَلْ لِّي وَزِيراً
مِنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي
أَمْرِي﴾([3]).
وقال:
﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ..﴾([4]).
وقال:
﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ
تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ﴾([5]).
ب:
قال العلامة الطباطائي «رحمه الله» عن نبي الله هارون
«عليه السلام» في سورة الصافات: «أشركه الله تعالى مع موسى «عليهما
السلام»: في المنّ، وإيتاء الكتاب، والهداية إلى الصراط المستقيم، وفي
التسليم، وأنه من المحسنين، ومن عباده المؤمنين [الصافات: 114 ـ 122]
وعده مرسلاً [طه: 47]، ونبياً [مريم: 53]، وأنه ممن أنعم عليهم [مريم:
58]، وأشركه مع من عدهم من الأنبياء في سورة الأنعام في صفاتهم
الجميلة، من الإحسان، والصلاح، والفضل، والإجتباء، والهداية [الأنعام:
84 ـ 88]» انتهى([6]).
ج:
ليس المراد بإشراكه في حفظ الدين، ونشره، وتبليغه، ما
هو على حد شراكة المؤمنين معه في ذلك، من حيث يجب على كل مؤمن، التبليغ
والإرشاد والدعوة إلى الله، والدفاع عن الحق والدين، وتعليم الأحكام..
بل هي شراكة خاصة في كل أمره «صلى الله عليه وآله»، باستثناء نزول
الوحي الخاص بالنبوة وإنزال القرآن عليه.
وتظهر آثار هذه الشراكة في وجوب طاعته «عليه السلام»،
وفي حجية قوله، وفي كل ما أعطاه الله إياه من علم خاص، ومن عرض أعمال
العباد عليه، ومن طاعة الجمادات له، ومن التصرفات والقدرات الخاصة، مثل
طي الأرض، ورؤيته من خلفه، وكونه تنام عيناه ولا ينام قلبه، والإسراء
والمعراج إلى السماوات لرؤية آيات الله تبارك وتعالى، وما إلى ذلك.
د:
إنه «عليه السلام» من أهل النبي «صلى الله عليه وآله»
والأهل يعيشون مع بعضهم بعفوية وشفافية ووضوح، فأهل النبي يشاهدون
أحواله، ويطَّلعون على ما لا يطلع عليه سائر الناس، فإذا كان وزيره،
وشريكه منهم، فإن معرفته بكل هذه الأمور المعنوية تنطلق من معرفته
الواقعية بكل حالاته وخفاياه، وباطنه وظاهره..
ولا بد أن يدخل إلى ضمير هذا الوزير الشريك، وإلى خلجات
نفسه، وحنايا روحه، ويلامس شغاف قلبه، بصفته نبياً مقدساً وطاهراً بكل
ما لهذه الكلمة من معنى، ولا يريد لنفسه ردءاً وشريكاً ووزيراً بعيداً
عنه، قد يفرض غموضه احترامه عليه، أو يخشى ويحذر ما يجهله منه..
إن هذا الإشراف المباشر على حالات هذا النبي، والعيش
معه بعفوية الأهل والأحبة، ومن دون أن يكون هناك أي داع لتحفظه معهم،
أو للتحفظ معه.. يعطي للإنسان السكينة والطمأنينة إلى صحة الرؤية،
وسلامة المعرفة، وواقعيتها، فيترسخ الإيمان بصحة نبوته في العقل،
ويتبلور صفاؤه في الوجدان، ويتجذر طهره في أعماق النفس، وينساب هداه في
الروح والضمير إنسياب الدم في العروق..
وهذه خصوصية لا يمكن أن توجد إلا لدى الأنبياء «عليهم
السلام»، ومن هم في خطهم من الأولياء، والخلّص من المؤمنين..
أما من عداهم من أهل الدنيا.. فلا يمكن أن تستقيم لهم
الأمور إلا بوضع الحجب، وإنشاء الحواجز أمام الناس، حتى أقرب الناس
إليهم، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم فضلاً عن غيرهم.. لمنعهم من
المعرفة بحقيقة سلوكهم، وبواقع نواياهم، وبما تكنّه ضمائرهم.. لأن
معرفة الناس بذلك سوف تجر لهم الداء الدوي، والبلاء الظاهر والخفي..
هـ:
أما الأخوّة التي ينشدها النبي في الوزير: فقد تعني
فيما تعنيه الأمور التالية:
أولاً:
المساواة.. والإشتراك.. والمماثلة في الميزات.. والشبه في الصفات..
ولذلك نلاحظ:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» كما ذكر المؤرخون كان
يؤاخي بين كل ونظيره، ممن هو أقرب الناس إليه في الخُلُق، وفي السيرة،
وفي الطموح، وفي المستوى الفكري والعقلي، وسائر الصفات.
مع العلم:
بأننا لا نجد ملكاً يعترف لأي مخلوق، سواء أكان وزيراً،
أو قريباً، أو حتى ولداً بالمساواة معه في الصفات والأخلاق، وسائر
الميزات. بل هو يعطي لنفسه مقاماً متميزاً عن الناس كلهم، ويسعى لتعمية
الأمر عليهم، ويتوسل إلى ذلك بأساليب شتى من الإبهام والإيهام،
والإدّعاءات الزائفة، والمظاهر الخادعة.
ثانياً:
إن هذا التشابه أو التقارب في الميزات من شأنه: أن يفرض
تساوياً في الحقوق.. وهذا مرفوض أيضاً في منطق أهل الدنيا، فإن الرؤساء
والملوك فيها، إن لم يجدوا لأنفسهم خصوصية، فلابد من انتحالها،
والتظاهر بما يوهم الخصوصية.
فكيف يمكن أن يرضوا بالمساواة مع غيرهم في الحقوق
والمزايا؟!
و:
إن استثناء النبوة في كلام رسول الله «صلى الله عليه
وآله» من منازل علي «عليه السلام» يفيد: أن المراد بمنزلة هارون من
موسى: هو سائر مراتبها، ومختلف متعلقاتها. أي أن هذا الإستثناء يفيد
عموم المنزلة وشمولها لكل الأمور والجهات والمراتب.
فهو بمنزلته في لزوم الطاعة، وفي حجية قوله، وفي
حاكميته، وفي القضاء، والعطاء، والسلم، والحرب والسفر، والحضر، وفي
الحياة، وبعد الممات.. وفي كل شيء..
([1])
الآية 34 من سورة القصص.
([2])
الآية 35 من سورة الفرقان.
([3])
الآيات 29 ـ 32 من سورة طه.
([4])
الآية 35 من سورة القصص.
([5])
الآية 142 من سورة الأعراف.
([6])
الميزان (تفسير) ج16 ص44.
|