صفحة : 297-299   

قسمة غنائم تبوك:

روي: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لما غزا تبوك استخلف علياً «عليه السلام» على المدينة، فلما نصر الله رسوله «صلى الله عليه وآله»، وأغنم المسلمين أموال المشركين ورقابهم، جلس «صلى الله عليه وآله» في المسجد، وجعل يقسم السهام على المسلمين، فدفع إلى كل رجل سهماً سهماً، ودفع إلى علي سهمين.

فقام زائدة بن الأكوع فقال: يا رسول الله، أوحي نزل من السماء، أو أمر من نفسك؟! تدفع إلى المسلمين سهماً سهماً، وتدفع إلى علي سهمين.

فقال النبي «صلى الله عليه وآله»: أنشدكم الله، هل رأيتم في ميمنة عسكركم صاحب الفرس الأغر المحجل، والعمامة الخضراء، لها ذؤابتان مرخاتان على كتفه، بيده حربة، وحمل على الميمنة فأزالها، وحمل على القلب فأزاله؟!

قالوا: نعم يا رسول الله لقد رأينا ذلك.

قال: ذلك جبريل، وإنه أمرني أن أدفع سهمه إلى علي بن أبي طالب.

قال: فجلس زائدة مع أصحابه، وقال قائلهم شعراً:

علي حوى سهمين من غير أن غزا           غزاة تبـوك حبذا سهم مسهمِ([1])

ونقول:

أولاً: دلت هذه الرواية على: أنه قد جرى في تبوك قتال، وحصل المسلمون على غنائم، قسمها رسول الله «صلى الله عليه وآله» بين المسلمين.

ويؤيد ذلك حديث مناشدة علي «عليه السلام» لأهل الشورى، حيث قال لهم: «أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر، وسهم في الغائب»؟!

قالوا: لا([2]).

ولم يغب علي «عليه السلام» عن أي من الغزوات إلا غزوة تبوك.

وقال ابن العرندس المتوفى في حدود سنة 840هـ:

وتبـوك نازل شوسها فـأبادهم         ضربـاً بصارم عزمة لن  يفللا([3])

ثانياً: لعل غنائم دومة الجندل التي أخذت في تبوك قد بقيت على حالها، ولم تقسم إلا بعد العودة إلى المدينة، فقسمها «صلى الله عليه وآله» في المسجد وأعطى علياً «عليه السلام» منها.

ثالثاً: ولا مانع من أن يكون المقصود بالمسجد هو المسجد الذي استحدث في ذلك المكان الذي قسمت فيه الغنائم. ولعله كان هو الموضع الذي اختاره «صلى الله عليه وآله» طيلة إقامته في تبوك.

رابعاً: ربما تكون قد حصلت احتكاكات بين المسلمين، وبين بعض جماعات المشركين في مناطق تبوك، فنصر الله المسلمين عليهم، وغنمهم أموالهم.

خامساً: إن ذلك، وإن كان لم يكن له شاهد صريح، ولكن نفس ما روي من أن النبي «صلى الله عليه وآله» أعطى علياً سهمين يدل على حصول شيء من ذلك.. ولكن المؤرخين أهملوا ذكر هذا الأمر لما فيه من التنويه بعلي «عليه السلام»، وإظهار لفضائله، وإشاعتها ـ فأراحوا أنفسهم، ومن هم على شاكلتهم من تجشم المخارج والتأويلات، حين يواجههم المؤمنون بالحقيقة.


 

([1]) راجع المصادر التالية: السيرة الحلبية ج3 ص142 عن الزمخشري في فضائل العشرة، وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج23 ص281 و282 عن غاية المرام (نسخة جستربيتي) ص73 وج31 ص565 وتفسير آية المودة للحنفي المصري ص74 عنه، وعمدة القاري ج16 ص215 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص78 وقال محقق الكتاب: والحديث رواه الحلواني في الباب الثالث من كتاب مقصد الراغب، كما رواه أيضا الخفاجي في الثالثة عشرة من خصائص علي «عليه السلام» من خاتمة تفسير آية المودة الورق 74 /ب/. ورواه قبلهم جميعاً الحافظ السروي في عنوان: «محبة الملائكة إياه» من كتابه مناقب آل أبي طالب (ط بيروت) ج2 ص238.

([2]) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» من تاريخ مدينة دمشق ج3 ص93 واللآلي المصنوعة ج1 ص362 والضعفاء الكبير للعقيلي ج1 ص211 و 212 وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج42 ص435 ومناقب علي بن أبي طالب «عليـه السـلام» لابـن مـردويـه ص131 وفيـه بـدل (الحاضر) و (الغائب): = = (الخاص) و (العام) وكنز العمال ج5 ص725 والموضوعات لابن الجوزي ج1 ص379 ومسند فاطمة «عليها السلام» للسيوطي ص21 عنه، وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج31 ص323 والمناقب للخوارزمي ص315.

([3]) الغدير ج7 ص8 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج9 ص76.

 
   
 
 

موقع الميزان