صفحة : 15-18   

استمرار أبي بكر في مسيره إلى مكة:

اختلفت روايات غير الرافضة! في مسير أبي بكر إلى مكة، أو رجوعه إلى المدينة، فهي على ثلاثة أقسام:

الأول: لم يتعرض للنفي، ولا للإثبات..

الثاني: صرح بمواصلة مسيره إلى مكة، وحج مع علي «عليه السلام»، رووا ذلك عن أبي هريرة، وابن عباس، ونسب إلى أبي جعفر أيضاً.

الثالث: تحدث عن رجوع أبي بكر إلى المدينة، وهو المروي عن علي «عليه السلام»، وابن عباس، وأبي هريرة والسدي([1])، وزيد بن بثيع، وأبي بكر نفسه.

وتعبير بعض روايات هؤلاء: بأنه «صلى الله عليه وآله» بعث (براءة) أولاً مع أبي بكر، ثم دعاه فبعث بها علياً «عليه السلام»([2]).

فيلاحظ: أن أصحاب الرأي الثاني هم ثلاثة فقط، وهم أنفسهم رووا رجوعه إلى المدينة، ووافقهم عليه آخرون، حتى أبو بكر نفسه.

فلا يصح ما ادعاه ابن روزبهان، من أن علياً لم يكن أمير الحج، لأنه كان مكلفاً فقط بتبليغ الآيات، مع تواتر الأخبار بأن أبا بكر قد حج في تلك السنة([3]). انتهى.

ولا يصح أيضاً ما ادعاه القاضي عبد الجبار: من أن ولاية أبي بكر على الموسم والحج في تلك السنة قد ثبت بلا خلاف بين أهل الأخبار، ولم يصح أنه عزله..

قال: ولا يدل رجوع أبي بكر إلى النبي «صلى الله عليه وآله» مستفهماً عن القصة على العزل([4]).

نعم، لا يصح ذلك.

أولاً: لأنه قد ظهر مما ذكرناه آنفاً، أن الأخبار متواترة في رجوع أبي بكر إلى المدينة.. ولم يرو عندهم مضي أبي بكر مع علي «عليه السلام» إلى مكة سوى ما نسبوه إلى أبي جعفر..

أما رواية أبي هريرة، وابن عباس ذهابه إلى مكة فهي مشكوكة، لمعارضتها بروايتهما رجوعه إلى المدينة..

ثانياً: إن مهمة أبي بكر أولاً كانت إقامة الحج وتبليغ الآيات، فما الذي يمنع من أن يتولى علي «عليه السلام» ـ بعد رجوع أبي بكر ـ تبليغ الآيات، وإقامة الحج أيضاً؟! فلماذا يريد ابن روزبهان أن يشكك في هذا الأمر..

ثالثاً: لا إجماع على تولية أبي بكر الحج في تلك السنة كما ظهر من رواية علي «عليه السلام»، وابن عباس، وابن بثيع، وأبي هريرة وأبي بكر نفسه، وغيرهم.

وتقدم: أن راوي مواصلة أبي بكر مسيره إلى مكة واحد.

يضاف إلى ذلك: قول الطبرسي عن علي «عليه السلام»: «روى أصحابنا أن النبي «صلى الله عليه وآله» ولاه أيضاً الموسم، وأنه حين أخذ البراءة من أبي بكر رجع أبو بكر([5]).

رابعاً: إن إجماع بعض أهل الأخبار على مسير أبي بكر إلى مكة مع روايتهم رجوعه إلى المدينة عمن ذكرناهم عن قريب، يؤكد التهمة لهؤلاء الناس، في أنهم يسعون لتحسين صورة أبي بكر، وإبعاد الظنون والشبهات عنه.

والقول بأن الرجوع إلى المدينة رجوع بهدف الاستفهام، ولا يدل على عدم استئناف سفر جديد إلى مكة، لإنجاز مهمة الحج بالناس.. مجازفة ظاهرة.. فإن القائلين بذلك لم يدعوا استئناف السفر إلى مكة وتولي الحج من جديد، بل هم يقولون: إنه رجع إلى المدينة بصورة نهائية.


 

([1]) مكاتيب الرسول ج1 ص268.

([2]) راجع: مسند أحمد ج3 ص283 ونحوه في سنن الترمذي في تفسير سورة التوبة. وقال: هذا حديث حسن. وكنز العمال ج2 ص422 وراجع: الغدير ج6 ص345 وشواهد التنزيل للحسكاني ج1 ص309 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص344 وكشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد (بتحقيق الآملي) للعلامة الحلي ص509 و (بتحقيق السبحاني) ص204 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج22 ص422.

([3]) دلائل الصدق ج3 ق1 ص18 و 19 عن فضل بن روزبهان، وشرح إحقاق الحق (الأصل) ص222.

([4]) بحار الأنوار ج3 ص314 وج30 ص416 والمغني لعبد الجبار ج20 ص350 وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص195 والشافي في الإمامة ج4 ص153.

([5]) مجمع البيان ج5 ص9 وبحار الأنوار ج21 ص266 وج30 ص417 والصافي (تفسير) ج2 ص321 والتبيان للطوسي ج5 ص169 ونور الثقلين ج2 ص182.

 
   
 
 

موقع الميزان