والشيء الذي قلما أشار إليه
الباحثون هو:
أن ثمة نصوصاً تصرح بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد
أرسل أبا بكر وعمر معاً ببراءة إلى أهل مكة، فانطلقا، فإذا هما براكب،
فقال: من هذا؟!
قال:
أنا علي. يا أبا بكر هات الكتاب الذي معك.
فأخذ علي الكتاب، فذهب به، ورجع أبو
بكر وعمر إلى المدينة، فقالا:
ما لنا يا رسول الله؟!
قال:
«ما لكما إلا خيراً، ولكن قيل لي: لا يبلغ عنك إلا أنت
أو رجل منك»([1]).
ويؤيد شراكة عمر لأبي بكر في هذا الأمر:
أن بعض الروايات صرحت: بأن النبي «صلى الله عليه وآله»
قد عرض حمل الكتاب إلى المشركين على جميع أصحابه، فكلهم تثاقل عن حمله،
والمضي به إلى مكة، فندب منهم رجلاً فوجهه به([2]).
وهذا يدل على أن عمر كان ممن تثاقل في الإستجابة لطلب
الرسول «صلى الله عليه وآله»، ولأجل هذا التثاقل الظاهر من الناس، كان
لا بد للنبي «صلى الله عليه وآله» من أن يفرض على رجل بعينه القيام
بذلك.. وهكذا كان.. وقد اختار «صلى الله عليه وآله» خصوص الذين لهم
دعاوى عريضة، ويسعون للإستيلاء على أمر الأمة، وإبعاد صاحبه الشرعي..
وجرى ما جرى.
وشارك عمر أبا بكر فيما ترتب على إرجاعه من آثار، وما
يمكن أن يكون له من دلالات كما شاركه في المسير.
واللافت هنا:
أن عمار بن ياسر هو الآخر قد شارك علياً «عليه السلام» في المسير إلى
مكة، ولكن الناس يقتصرون على ذكر علي «عليه السلام» وقلما يذكرون
عماراً.. تماماً كما يذكرون أبا بكر في حملة سورة البراءة ولا يذكرون
عمر الذي كان معه أيضاً، لأن أنظار هؤلاء وأولئك تكون مشدودة للأهم من
الرجلين.
ولا ندري لماذا تثاقل
عمر أولاً، ثم عاد فذهب مع أبي بكر ثانياً.. مع العلم: بأن امتناع عمر
عن تلبية طلب النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن هو المرة الأولى، فإنه
في غزوة الحديبية امتنع أيضاً عن امتثال أمر النبي «صلى الله عليه
وآله» له بالذهاب إلى مكة ليبلغ أشراف قريش بما جاء له النبي «صلى الله
عليه وآله»، وقال: يا رسول الله، إني أخاف قريشاً على نفسي([3]).
([1])
المستدرك للحاكم ج3 ص51 وتخريج الأحاديث والآثار ج2 ص50 وشواهد
التنزيل ج1 ص318 وأبو هريرة للسيد شرف الدين ص124.
([2])
الخصال ج2 ص369 وبحار الأنوار ج35 ص286 وج38 ص172.
([3])
راجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص278 وإقبال الأعمال ج2 ص38 عنه،
وعين العبرة في غبن العترة لأحمد آل طاووس ص24 وبحار الأنوار
ج35 ص287 ومسند أحمد ج4 ص324 وتخريج الأحاديث والآثار ج3 ص310
وجامع البيان للطبري ج26 ص111 وتفسير الثعلبي ج9 ص47 وتفسير
البغوي ج4 ص193 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص200 و 210 وتفسير
الثعالبي ج5 ص254 والثقات لابن حبان ج1 ص298 وتاريخ مدينة دمشق
ج39 ص78 والبداية والنهاية ج4 ص191 وعيون الأثر ج2 ص118
والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص318 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص46.
|