صفحة : 31-32   

علي عليه السلام وعمار:

عرفنا: أن عماراً «رحمه الله» رافق علياً «عليه السلام» إلى مكة، ويقول النص: إن فلاناً وفلاناً انزعجا من إرسال علي «عليه السلام»، وأحبا أن يرسل من هو أكبر منه سناً، وقالا: بعث هذا الصبي؟! ولو بعث غيره إلى أهل مكة، وفي مكة صناديد قريش ورجالها، والله، الكفر أولى بنا مما نحن فيه.

ثم إنهما سارا إلى علي وعمار وخوفاهما بأهل مكة، وغلظا عليهما الأمر، وقالا لهما: إن أبا سفيان، وعبد الرحمان، وعبد الله بن عامر، وأهل مكة قد جمعوا لهم.

فقال علي «عليه السلام»: حسبنا الله ونعم الوكيل.

ومضيا، فلما دخلا مكة أنزل الله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لـَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ([1]).

ونقول:

1 ـ لعل انزعاج فلان وفلان قد كان بعد تثاقلهما أولاً، وبعد الإنتداب القسري لأبي بكر للمهمة، ثم عزله عنها، حيث فاجأهما هذا العزل، وأزعجهما أن يكون علي «عليه السلام» هو البديل، واستفاقا على ضربة معنوية هائلة، وموجعة جداً، فأحبا تدارك الأمر، ولو بأن يعلن علي «عليه السلام» انصرافه، أو تردده، وخوفه، بسبب تخويفهما إياه بجمع الناس..

كما أن نفس إظهار شيء من الحرص منهما على تولي هذه المهمة قد يعيد شيئاً من الإعتبار لمن فقده، مهما كان قليلاً وضئيلاً..

2 ـ ماذا نقول لرجلين يريان الكفر أولى من الإيمان، لأجل أمر لا حقيقة له، بل هو أمر أرعن وتافه، وهو أن ذا السن الجاهل والقاصر التفكير، والجبان، والناقص الإيمان، والذي يعاني من الكثير الكثير من العاهات، والنقائص لا بد أن يقدم على الأصغر منه سناً.

رغم أن الأصغر أشرف الخلق وأفضلهم، وأكرمهم، وأعلمهم، وأتقاهم وأحكمهم، وأعقلهم، وأشجعهم، وأصحهم إيماناً ويقيناً، وأكملهم في كل شيء..

مع العلم: بأن معادلة السن لو صحت لبطلت خلافة أبي بكر، لأن أباه كان حياً حين استدل على هذا الأمر، بالإضافة إلى وجود عشرات أو مئات من الصحابة كانوا أسن منه.

بل لو صح ذلك، لبطلت كل خلافة ورئاسة، بل كل إمامة ونبوة، حتى نبوة أولي العزم لأنهم جميعاً كان في قومهم من هم أسن منهم..

وكذلك الحال بالنسبة لنبينا الأعظم «صلى الله عليه وآله» فإن عمه العباس وكثيرين غيره كانوا أسن منه «صلى الله عليه وآله»..

3 ـ لا ندري كيف يجيز مسلم لنفسه ترجيح الكفر على الإيمان، لأجل تقديم الأصغر سناً على الأكبر، وما الذي عرف ورأى من هنات في الإسلام والإيمان حتى أصبح عنده رخيصاً، ومحتقراً، ويريد التخلص منه، وتنزيه نفسه عنه؟!


 

([1]) الآيتان 173 و 174 من سورة آل عمران.

 
   
 
 

موقع الميزان