صفحة : 42-44   

تأول بارد، ورأي سقيم كاسد:

وزعموا: أن السبب فيما جرى هو أن العقود والعهود لا يحلها إلا المطاع، والعاقد لها، أو رجل من أهل بيته([1]).

ونجيب:

أولاً: بأن المهمة التي أوكلت إلى أبي بكر أولاً، ثم علي ثانياً لم تكن نقض عهد، ولا حل عقد.

ثانياً: لو كان الأمر كذلك، فلماذا أرسل «صلى الله عليه وآله» أبا بكر أولاً، فإنه «صلى الله عليه وآله» كان عارفاً بالرسوم والأعراف في زمانه، كما كان يعرفها غيره..

ثالثاً: دعوى أن العهد لا ينقضه إلا من عقده، أو رجل من أهل بيته، لا تصح، فقد قال المعتزلي : «وما نسب إلى عادة العرب غير معروف، وإنما هو تأويل تأول به متعصبوا أبي بكر ، لانتزاع براءة منه، وليس بشيء»([2]).

ولم نسمع أن أحداً توقف في نقض عقد أو عهد حتى يبلغه إياه عاقده، أو أحد أقاربه([3]).

على أننا قد ذكرنا: أنه ليس ثمة نقض عهد، بل الآية في سورة التوبة تأمر بإتمام عهدهم إلى مدتهم.

رابعاً: لو صح قول هؤلاء، فلماذا يخاف أبو بكر  من أن يكون قد نزل فيه شيء؟!

خامساً: ما معنى أن يعترض أبو بكر على النبي «صلى الله عليه وآله» بالطريقة التي تقدمت. فإنها أظهرت حالة تمرد من أبي بكر على الرسول «صلى الله عليه وآله»، فلاحظ قوله: ما لي؟! أنزل في قرآن؟!.

ويشير إلى ذلك أيضاً قوله: إنك أهلتني لأمر طالت إليه الأعناق، فلما توجهت له رددتني عنه!!

وما معنى أن يهتم أبو بكر  بالجاه والمقام الدنيوي، كما دل عليه قوله: «أهلتني لأمر طالت إليه الأعناق»؟!

وما معنى سؤاله عن نزول القرآن فيه، هل كان يخفي شيئاً يخشى أن يظهره القرآن؟!

سادساً: لماذا لم يعترض أبو بكر من بداية الأمر على انتداب النبي «صلى الله عليه وآله»، ويذكِّره: بأن المشركين لا يرضون بنقض عهدهم، لأن هذا النقض لا بد أن يكون منك أو من أحد أقاربك، فإن أعراف العرب تمنع من إرسالي؟!

كما أن أحداً من الصحابة لم يبادر إلى لفت نظر النبي «صلى الله عليه وآله» إلى هذا الأمر..

سابعاً: لو صح ذلك، فلماذا قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «لا يؤدي عني إلا أنا أو علي»؟! روي ذلك عن يحيى بن آدم السلولي ، وعن حبشي بن جنادة ، وحفش ، وعمران ، وأبي ذر الغفاري ، وروي أيضاً عن ابن عباس .

فلو كان «صلى الله عليه وآله» يريد الأخذ بأعراف الجاهلية لم يصح منه حصر الأمر به وبعلي «عليه السلام»، بل لا بد من تعميمه لجميع أقاربه..

فإن قيل: الصحيح هو ما روي عنه «صلى الله عليه وآله»: لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني، أو من أهل بيتي»([4]).

ويجاب:

أولاً: لا دليل على صحة هذه الرواية، وكذب تلك.

ثانياً: لا مانع من أن تكون الروايتان رواية واحدة بأن يكون قد قال: لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني، وهو علي مثلاً.. أو يكون قد قال ذلك في مناسبتين، ليعرف الناس أن المقصود بمن هو من أهل بيته خصوص علي «عليه السلام»..


 

([1]) راجع: دلائل الصدق ج2 ص245 عن فضل بن روزبهان، وبقية المصادر تقدمت في بداية الحديث عن تبليغ سورة «براءة».

([2]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص200 وراجع: بحار الأنوار ج30 ص422 وج35 ص312 عنه.

([3]) الشافي في الإمامة ج4 ص150 والصراط المستقيم ج2 ص6 وبحار الأنوار ج3 ص319.

([4]) راجع: المناقب للخوارزمي ص165 وعلل الشرائع ج1 ص189 وشرح الأخبار ج2 ص179 وراجع ج1 ص94 وأحكام القرآن لابن العربي ج2 ص453 وبحار الأنوار ج35 ص285 وراجع ص292 و 307 وج21 ص266 وج30 ص411 و 419 وج34 ص221 وج90 ص124 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج5 ص44 وتفسير البحر المحيط ج1 ص672 وراجع ج5 ص9 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص232 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص69 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص972 والإستغاثة ج2 ص16 وتنبيه الغافلين ص78 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص347 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص315 والطرائف لابن طاووس ص38 وفتح الباري ج8 ص66 وعمدة القاري ج18 ص17 وشواهد التنزيل ج1 ص308 وراجع ص315 ونور الثقلين ج2 ص178 وراجع 182 وجامع البيان ج10 ص84 وراجع: الدر المنثور ج3 ص209 وأنساب الأشراف ص107 ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» للكوفي = = ج1 ص471 والصوارم المهرقة ص125 ومناقب أهل البيت «عليهم السلام» للشيرواني ص460 و 461 والغدير ج6 ص346 و 350 وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص595 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص129 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص92 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج7 ص288 و 291 وج17 ص195 وتخريج الأحاديث والآثار ج2 ص49 وتفسير القمي ج1 ص282 و 341 و 420 ومجمع البيان ج5 ص8 ومناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه ص251 وخصائص الوحي المبين ص167 والصافي (تفسير) ج2 ص320 وتفسير الميزان ج9 ص162 و 168 وتمهيد الأوائل ص546 وتفسير النسفي ج2 ص77 والتفسير الكبير للرازي ج15 ص218 وتفسير البيضاوي ج3 ص128.

 

   
 
 

موقع الميزان