قد يقال:
إن أبا
بكر
حين حمل
الآيات إلى مكة
لم
يرتكب ذنباً، فلماذا يعاقبه الله ورسوله على هذا النحو، الذي يحمل معه
فضيحة كبرى له أمام الناس، وهي تظهر ضعف أبي بكر
، أو
توجب التشكيك بأمانته، أو نحو ذلك؟! وهل تصح العقوبة قبل الجناية؟! أو
هل تصح العقوبة على النوايا؟!.
ونجيب:
أولاً:
قد يقال في الجواب: إن أبا بكر
كان
يجري إتصالات، ويدبر مع غيره لإبعاد الخلافة بعد رسول الله «صلى الله
عليه وآله» عن صاحبها الشرعي، المنصوص عليه، وكفى بذلك ذنباً يستحق
عليه العقوبة من الله ورسوله.
كما أن من حق أهل الحق أن يدبروا لإفشال المساعي التي
تبذل لتضييع الحق، وإلقاء الأمة في متاهات الأهواء.
بل قد تكون هناك نوايا يجب أن تظهر، وقد علم بها علام
الغيوب، وأراد إظهاراها بهذه الطريقة.
ثانياً:
إن من الحق والخير للناس أن يمتحن الله ورسوله أولئك الذين يرشحون
أنفسهم لمقامات خطيرة وحساسة تؤثر على مصير الأمة بأسرها.. لكي تظهر
قدرات هؤلاء الناس، وملكاتهم، وخصائصهم، ونواياهم أيضاً، حتى لا يحملهم
الناس ما لا طاقة لهم به، أو حتى لا يستجيب لهم الناس إذا دعوهم إلى
مساعدتهم في الوصول إلى أهداف لا يحق لهم الوصول إليها، وقد يوجب
وصولهم هذا بلاءات كبيرة، وإخفاقات خطيرة عليهم وعلى غيرهم.
وقد أخفق أبو بكر
في هذا
الإمتحان، فإنه حين أرجعه النبي «صلى الله عليه وآله» ظهر ضعفه، وتجلت
معانٍ لا تليق بمن يطلب ما يطلبه هذا الرجل، فقد بكى، وانزعج، واهتم
واغتم، وعاتب واشتكى، وأكثر الكلام على رسول الله «صلى الله عليه
وآله».. ولم نره رضي بما رضيه له الله ورسوله، ولم يسلم له تسليماً.
وكان أبعد الناس عن القاعدة التي أطلقتها الحوراء زينب
صلوات الله وسلامه عليها: «رضا الله رضانا أهل البيت»([1]).
وإنما كان يتعامل مع ما يجري على
قاعدة:
كاد المريب أن يقول خذوني، فقد كان خائفاً من أن يكون قد نزل في حقه
شيء..
مع أن المفروض بمن يعلم أن الله تعالى أعدل العادلين،
وأكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين.. أن يعرف أن الله لا يظلمه، وأن رسوله
لا يحيف عليه، فلو لم يكن قد صدر ما يخشى المؤاخذة عليه، أو فضح أمره
فيه لم يكن معنى لخوفه، ولا لسؤاله، ولا .. ولا.. إلخ..
ولعل مما يدل على ذلك:
أن الرواية عن علي «عليه السلام» تذكر: أن أبا بكر
كان قد
تثاقل عن حمل الكتاب كما تثاقل غيره، حتى لجأ النبي «صلى الله عليه
وآله» إلى فرض ذلك عليه، وإلزامه به([2]).
إن التثاقل عن حمل الكتاب حتى لو كان حباً بالراحة لعدم
وجود خطر من المشركين على أبي بكر. لا بد أن يجعل أبي بكر يفرح حين يتم
الإستغناء عنه.. وسيزيد ارتياحه حين يسأل النبي «صلى الله عليه وآله»
إن كان قد نزل فيه شيء، فأجابه «صلى الله عليه وآله» بالنفي، حيث إن
تحويل المهمة عنه إلى غيره، لم يكن لأجل أن قرآناً نزل بذمه.
([1])
راجع: بحار الأنوار ج44 ص367 واللهوف لابن طاووس ص38 وكشف
الغمة ج2 ص239 ومعارج الوصول ص94 ومثير الأحزان ص29 ولواعج
الأشجان ص239 و 70 ونزهة الناظر وتنبيه الخاطر ص86 والمجالس
الفاخرة للسيد شرف الدين ص207 عن مقتل الخوارزمي ج1 ص186.
([2])
الخصال ج2 ص369 وبحار الأنوار ج35 ص386 وج38 ص172.
|