ونقول:
لم يكن هذا الحشد الهائل بصورة عفوية، بل كان بطلب من
رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفسه، فإنه إرسل الكتب إلى أقصى بلاد
الإسلام، وأمر المؤذنين بأن يؤذنوا بأعلى أصواتهم: بأن رسول الله «صلى
الله عليه وآله» يحج في عامه هذا.
ومن الواضح:
أن إخراج
النبي «صلى الله عليه وآله» نساءه كلهن في الهوادج إلى الحج، وجمع هذه
الأعداد الهائلة، لتسير معه، سوى من سار إلى مكة من دون أن يمر
بالمدينة
،
وما والاها،
وسوى الذين جاؤوا من اليمن
مع ذلك، إن ذلك لم يكن أمراً عفوياً، ولا مصادفة، ولا
كان استجابة لرغبة شخصية، ولا لشيء من أمور الدنيا، فرض على النبي «صلى
الله عليه وآله» أن يجمع الناس حوله. فحاشاه من ذلك، فإن النبي «صلى
الله عليه وآله» لا يفكر ولا يفعل إلا وفق ما يريده الله تبارك
وتعالى..
ولعل الهدف من كل هذا الحشد هو تحقيق أمور كلها تعود
بالنفع العميم على الإسلام والمسلمين، ويمكن أن نذكر منها، ما يلي:
1 ـ
إنه أراد للناس المتمردين، بل والمنافقين، والذين
يحلمون بالإرتداد على الإسلام وأهله عند أول فرصة تسنح لهم، يريد لهم
أن يروا عظمة الإسلام، وامتداداته الواسعة، وأنه لم يعد بإمكان أحد
الوقوف في وجهه، أو إيقاف مده، فلييأس الطامحون والطامعون، وليراجع
حساباتهم المتوهمون، وليعد إلى عقولهم المتهورون والمجازفون..
2 ـ
إنه يريد أن يربط على قلوب الضعفاء، ويشد على أيديهم،
ويريهم عياناً ما يحصنهم من خدع أهل الباطل، وكيد أهل الحقد والشنآن..
ومن كل ما يمارسونه معهم من تخويف، أو تضعيف..
3 ـ
يريد
أن ينصب علياً «عليه السلام» إماماً وخليفة من بعده
أمام كل هذه الجموع الهائلة، ليكونوا هم الشهداء بالحق على أنفسهم وعلى
جميع الناس، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم..
ثم أن يقطع الطريق على الطامحين والطامعين من أن
يتمكنوا من خداع الآخرين ببعض الإدعاءات أو الإشاعات كما سنرى حين
الحديث عما جرى في عرفات
، ومنى، وفي
طريق العودة، في غدير خم
.
وأما أخذه لجميع نسائه معه، فلعله لأن فيهن من يريد أن
يقيم عليها الحجة في ذلك كله، لأنها سيكون لها دور قوي في الإتجاه
الآخر الذي يريد أن يحذر الناس من الإنغماس به، والمشاركة فيه..
|