صفحة : 67-69   

يمنعهم من ركوب إبل الصدقة:

عن أبي سعيد الخدري، قال: بعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» علي بن أبي طالب إلى اليمن، قال أبو سعيد: فكنت فيمن خرج معه، فلما احتفر (كذا) إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا، وكنا قد رأينا في إبلنا خللاً، فأبى علينا وقال: إنما لكم منها سهم كما للمسلمين.

قال: فلما فرغ علي، وانطلق من اليمن راجعاً أمر علينا إنساناً، فأسرع هو فأدرك الحج، فلما قضى حجته قال له النبي «صلى الله عليه وآله»: ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم.

قال أبو سعيد: وقد كنا سألنا الذي استخلفه ما كان علي «عليه السلام» منعنا إياه، ففعل. فلما جاء عرف في إبل الصدقة أنها قد ركبت، رأى أثر المراكب، فذم الذي أمره ولامه.

فقلت: أما إن لله علي لئن قدمت المدينة لأذكرن لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولأخبرنه ما لقينا من الغلظة والتضييق..

قال: فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» أريد أن أفعل ما كنت قد حلفت عليه، فلقيت أبا بكر خارجاً من عند رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلما رآني وقف معي، ورحب بي، وساءلني وساءلته، وقال: متى قدمت؟!

قلت: قدمت البارحة.

فرجع معي إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فدخل وقال: هذا سعد بن مالك بن الشهيد .

قال: ائذن له.

فدخلت، فحييت رسول الله «صلى الله عليه وآله» وحياني، وسلم علي، وساءلني عن نفسي، وعن أهلي، فأحفى المسألة، فقلت: يا رسول الله، ما(ذا) لقينا من علي من الغلظة، وسوء الصحبة والتضييق.

فانتبذ رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وجعلت أنا أعدد ما لقينا منه، حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله «صلى الله عليه وآله» على فخذي ـ وكنت قريباً منه ـ وقال: [يا] سعد بن مالك بن الشهيد، مه بعض قولك لأخيك علي، فوالله لقد علمت أنه أخشن في الله!!

قال: فقلت في نفسي: ثكلتك أمك سعد بن مالك، ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم وما أدري؟! لا جرم والله، لا أذكره بسوء أبداً، سراً ولا علانية([1]).

ونقول:

1 ـ إن ما يثير الدهشة هنا: هو أن أبا سعيد الخدري قد أخذ على علي «عليه السلام» أمراً هو عين الحق والعدل، والإلتزام بأحكام الشرع الحنيف، فاتخذ منه ذريعة للطعن عليه، وسبباً للتشهير به..

ثم زاد على ذلك أنه اشتكاه لرسول الله «صلى الله عليه وآله» الذي كان كل همه وجهده مصروفاً لإقامة هذا العدل، ونشر هذه الأحكام، وحملهم على العمل بها..

فهل يمكن أن يصبر وأن يسكت رسول الله «صلى الله عليه وآله» على هذا التجني والظلم الظاهر، الذي يريدون التسويق له، وأن يجعلوه نهجاً في الناس؟!

وكيف لم يفهم أبو سعيد وغيره: أن إبل الصدقة ليست ملكاً طلقاً له ولا لغيره. وأنها ليست لهم وحدهم، بل هي أمانة في أيديهم، لا بد من أن يؤدوها إلى أهلها من دون أدنى تصرف فيها..

2 ـ إنه «عليه السلام» قد استفاد من الوسائل الطبيعية لاكتشاف ما حصل، حيث رأى أثر المراكب، فدله ذلك على ما جرى، فرتب الأثر على ما حصل عليه من معلومات، وذم ذلك الرجل الذي سمح لهم بركوب تلك الإبل..

3 ـ لا ندري أية غلظة في علي «عليه السلام» ظهرت لأبي سعيد الخدري!! فهل المنع من التصرف بمال الغير، يعتبر غلظة، وتضييقاً؟! ولو سمح لهم بأن يغيروا على أموال غيرهم، هل يزول التضييق؟! وتزول صفة الغلظة عنه، ويصبح حسن الصحبة؟!..

4 ـ إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بدأ مهمة إيقاظ أبي سعيد بالضرب على فخذ أبي سعيد.. ولم يكتف بمجرد نصيحته بالكلمة، فإن هذه الضربة لا بد أن تثير اهتمامه، وتنقله إلى جو أكثر جدية وحساسية، وتدفعه إلى تفهُّم الكلام الذي سيورده رسول الله «صلى الله عليه وآله» عليه بصورة أكثر دقة، وتنبهاً. وسيدرك أن القضية أكثر حساسية وأهمية وجدية مما يظن، وأن مواصلة هذا النهج ربما يجعلهم في مواجهة أمور تتصف بالخطورة الحقيقية على مستقبل علاقتهم برسول الله «صلى الله عليه وآله». وربما يضع علامة استفهام كبيرة حول التزامهم وحركتهم الدينية والإيمانية.


 

([1]) تاريخ مدينة دمشق ترجمة الإمام علي (تحقيق المحمودي) ج1 ص387 و 388 و (ط دار الفكر) ج42 ص200 و 201 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج20 ص301 وج21 ص631 وج31 ص46 و 516 عن مختصر تاريخ دمشق (ط دار الفكر) ج 17 ص 351 و (ط بيروت) ج17 ص350 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج5 ص122 وج7 ص382 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص204.

 
   
 
 

موقع الميزان