هذا.. وقد كانت هناك قلة من الصحابة تلتزم بأوامره «صلى
الله عليه وآله»، وتنتهي بنواهيه، وتضع نفسها في موقع التسليم والرضا،
والأكثرون هم أصحاب الطموحات، وطلاب اللبانات، أو من الذين غُلِبُوا
على أمرهم فاستسلموا، بل إن الأكثرية الساحقة من هؤلاء الحاضرين إنما
أعلنت إسلامها بعد فتح مكة.
وكان من بين هؤلاء ثلة كانوا يتبركون بفضل وضوء رسول
الله «صلى الله عليه وآله»، وحتى ببصاقه، ونخامته، ويدّعون الحرص على
امتثال أوامر الله سبحانه بتوقيره، وبعدم رفع أصواتهم فوق صوته([1])،
وبالتأدّب
معه، وبأن لا يقدموا بين يدي الله ورسوله و..
و..
لكن الذي حدث أن نفس هؤلاء بمجرد إحساسهم بأنه «صلى
الله عليه وآله» يريد الحديث عن الأئمة الاثني عشر، وبيان مواصفاتهم
ـ ويتجه
نحو
تحديدهم بصورة أدق، وأوفى وأتم
ـ قد ثارت ثائرتهم. وذلك بسبب خشيتهم من إعلان
إمامة من لا يرضون إمامته، وخلافة من يرون أنه قد وترهم، وأباد خضراءهم
في مواقفه المشهورة،
دفاعاً عن الحق والدين ـ ألا وهو علي أمير المؤمنين «عليه السلام»،
فظهر حقدهم، وعلا
ضجيجهم، وزاد صخبهم، ومن
التعبيرات
التي وردت في الروايات واصفة حالهم:
«ثم لغط القوم وتكلموا»([2]).
أو:
فلم أفهم قوله
بعد «كلهم»، فقلت لأبي: ماذا قال؟! الخ..
أو:
«وتكلم الناس فلم أفهم»([3]).
أو:
«وضج الناس»([4]).
أو:
«فقال كلمة أصمّنيها الناس»([5]).
أو:
«صمّنيها الناس»([6]).
وفي نسخة:
«صمّتنيها الناس»([7]).
أو:
«فصرخ الناس، فلم أسمع ما قال»([8]).
أو:
«فكبر الناس، وضجوا»([9]).
أو:
«فجعل الناس يقومون، ويقعدون»([10]).
([1])
راجع الآيتين 1 و 2 من سورة الحجرات.
وقد ورد أنّ هذه الآيات نزلت حينما حصل اختلاف فيما بين أبي
بكر وعمر حول تأمير بعض الأشخاص. فقد روي: أن عبد الله بن
الزبير أخبرهم: أنه قدم ركب من بني تميم على النبي «صلى الله
عليه وآله»، فقال أبو بكر: أمَّر القعقاع معبد بن زرارة.
وقال
عمر:
بل
أمر الأقرع بن حابس.
قال
أبو بكر:
ما
أردت إلا خلافي.
قال
عمر:
ما
أردت خلافك.
فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزلت في ذلك: ﴿يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَهِ
وَرَسُولِهِ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿..أَنْ تَحْبَطَ
أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُون﴾ [الآيتان 1 و 2
من سورة الحجرات].
ويلاحظ: أن المراد من الإيمان قوله تعالى في الآية: ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ هو الإيمان بمعناه العام ـ
أي إظهار الإسلام ـ لا الخاص. ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ
وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ﴾ [الآية 136
من سورة النساء].
راجع
في الحديث الذي ذكرناه آنفـاً: الدر المنثـور ج6 ص83 ـ 84 عن
البخـاري، = = وابن المنذر، وابن مردويه، وأسباب النزول ص218 و
(ط أخرى) ص257 وصحيح البخاري ج3 ص122 و (ط دار الفكر) ج5 ص116
وج6 ص47 والجامع الصحيح ج5 ص387 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص205
ـ 206 ولباب التأويل ج4 ص164 وفتح القدير ج5 ص61 والجامع
لأحكام القرآن ج16 ص300 ـ 301 وغرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع
البيان) ج26 ص72 والبداية والنهاية ج5 ص50 وتاريخ مدينة دمشق
ج9 ص191 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص78 وسنن النسائي ج8
ص226 وعمدة القاري ج18 ص19 وج19 ص181 و 184 وتحفة الأحوذي ج9
ص108 والسنن الكبرى للنسائي ج3 ص465 وج6 ص466 ومسند أبي يعلى
ج12 ص193 وشرح معاني الآثار ج4 ص172 وزاد المسير ج7 ص177
وتفسير الثعلبي ج9 ص70 وتفسير البغوي ج4 ص209 وأضواء البيان
للشنقيطي ج7 ص401 والإحكام لابن حزم ج6 ص804 وتفسير الآلوسي
ج26 ص133 ولباب النقول ص178 وتفسير الثعالبي ج5 ص267 وبحار
الأنوار ج30 ص278 والطرائف ص403 وعين العبرة في غبن العترة ص4
والغدير ج7 ص223.
([2])
مسند أحمد ج5 ص99 والمعجم الكبير ج2 ص196 وكتاب الغيبة
للنعماني ص123 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج13 ص34 ومكاتيب
الرسول ج1 ص595 وج3 ص727.
([3])
الغيبة للنعماني ص121 وعوالم العلوم ص153 / 106 ح16.
([4])
مسند أحمد ج5 ص93 ومسند أبي عوانة ج4 ص394 وشرح إحقاق الحق
(الملحقات) ج13 ص29 و 35.
([5])
راجع: مسند أحمد ج5 ص98 و 101 وصحيح مسلم ج6 ص4 والخصال ج2
ص470 و 472 وبحار الأنوار ج36 ص235 و 266 و 362 والنهاية في
غريب الحديث لابن الأثير ج3 ص54 ولسان العرب ج12 ص343 وإثبات
الهداة ج1 ص535 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج13 ص39 وسفينة
النجاة للسرابي التنكابني ص386 والعمدة لابن بطريق ص421.
([6])
راجع: العمدة لابن البطريق ص418 و 421 وصحيح مسلم ج6 ص4
والديباج على مسلم ج4 ص440 والإكمال في أسماء الرجال ص34 وشرح
إحقاق الحق (الملحقات) ج13 ص1.
([7])
راجع: شرح مسلم للنووي ج12 ص203 والديباج على مسلم ج 4 ص 440
وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج29 ص93.
([8])
الخصال ص473 وإكمال الدين ج1 ص272 و (ط مؤسسة النشر الإسلامي)
ص68 و 273 وإثبات الهداة ج1 ص494 و 507 وبحار الأنوار ج36 ص239.
([9])
مسند أحمد ج5 ص98 وسنن أبي داود ج4 ص106 و (ط دار الفكر) ج2
ص309 وفتح الباري ج13 ص181 وبحار الأنوار ج36 ص365 وإرشاد
الساري ج1 ص273 والكفاية للخطيب البغدادي ص95 وتاريخ بغداد ج2
ص124 وإحقاق الحق (الملحقات) ج13 ص20 وج29 ص94.
([10])
مسند أحمد ج5 ص99 وإثبات الهداة ج1 ص546 والخصال ج2 ص75 وبحار
الأنوار ج36 ص237 و 299 وكتاب الغيبة للنعماني ص105 وإعلام
الورى ص384 و (ط مؤسسة آل البيت) ج2 ص162 وتقريب المعارف لأبي
الصلاح = = الحلبي ص418 والغيبة للطوسي ص88 و 89 و (ط مؤسسة
المعارف الإسلامية) ص129 وغاية المرام ص194 ومنتخب الأثر ص20.
|