صفحة : 108   

المجتمعون في منى وعرفات :

1 ـ المجتمعون في موسم الحج هم من كل بلد، وحي، وقبيلة. قدموا ليحجوا مع أكرم وأعظم وأشرف خلق الله، الذي يتمنى كل أحد أن يراه ولو مرة واحدة في حياته، ولو من بعيد..

وهم حين يرجعون من سفرهم هذا المحفوف بالأخطار سيحدثون بكل ما مر بهم، وسيصغي إليهم الناس بشغف وشوق لكل كلمة كلمة، وسيلذ لهم كل حديث منهم حتى لو كان في الظروف العادية لا يعني لهم شيئاً.. فكيف إذا كانوا يحدثونهم عن أعظم نبي، وأقدس وأغلى، وأشرف وأفضل مخلوق في الدنيا؟!

والذين رأوه «صلى الله عليه وآله» في حجته تلك ستبقى الذكريات محفورة في قلوبهم طيلة حياتهم، وسيحرص الناس بدورهم على استخراج كل كلمة من أولئك الحجاج، وسيتأملونها بدقة وشغف وحرص..

فإذا رأى هؤلاء وأولئك أن أقرب الناس إلى الرسول، الذين يدعون التقوى، والزهد والعلم، والمكانة عنده، والأثرة لديه، يعاملونه بطريقة تخالف أبسط قواعد الأدب، وبنحو يمس قداسته، ويقوض هيبته، ويبطل تدبيره، فإن ذلك سيكون له وقع الصاعقة عليهم..

2 ـ وإذا كان هذا هو السفر الأخير الذي يرون فيه الرسول، فسيكون حرصهم على وعي ما يجري فيه أشد وآكد، لأن ذكراه ستكون عزيزة، ومقرونة بمؤثر عاطفي، خصوصاً بعد أن يفقد رسول الله «صلى الله عليه وآله» من بينهم، أو يصلهم خبر وفاته بعد أيام يسيرة من وصول بعضهم إلى بلده، أو قبل أن يصلوا إلى ديارهم بالنسبة للبعض الآخر..

3 ـ إن ما ذكرناه يشير إلى أنه «صلى الله عليه وآله» كان يريد أن يصل ما يرونه ويسمعونه إلى كل بلد، وحي، وبيت دخل إليه الإسلام، ولن يستطيع أحد التمويه أو التشويه، فالناس قد رأوا الوقائع بأنفسهم، ووعوها ونقلوها إلى أهلهم وإخوانهم، ولن يمكن مصادرة هذه المعرفة منهم، ولا منعها من الإنتشار والوصول، فقد وصلت وانتهى الأمر..

4 ـ إنه مهما ادعى ذلك الفريق لنفسه بعد ذلك من الطاعة والإنقياد لرسول الله، ومن التقوى والزهد، أو ادعى تغير الأحوال، وعدول النبي «صلى الله عليه وآله» عن تدبيره الأول فقد أصبح الشك في صحة كل ما يقوله هؤلاء المتجرؤون ممكناً، وإذا جاء الناس ما يدل على خلافه، لم يكن مستغرباً ولا مستهجناً..

 
   
 
 

موقع الميزان