قال ابن كثير
:
«فصل: في إيراد الحديث الدال على أنه «صلى الله عليه وآله» خطب بمكان
بين مكة والمدينة ، مرجعه من حجة الوداع، قريب من الجحفة
ـ يقال
له غدير خم ـ فبين فيها فضل علي بن أبي طالب، وبراءة عرضه مما كان تكلم
فيه بعض من كان معه بأرض اليمن
، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة، التي ظنها
بعضهم جوراً، وتضييقاً وبخلاً، والصواب كان معه في ذلك.
ولهذا لما تفرغ «صلى الله عليه وآله» من بيان المناسك،
ورجع إلى المدينة
بيَّن ذلك في أثناء الطريق. فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي
الحجة عامئذٍ ـ وكان يوم الأحد بغدير خم
ـ تحت شجرة هناك، فبين فيها أشياء. وذكر من فضل علي، وأمانته وعدله،
وقربه إليه، ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه»([1]).
إلى
أن قال:
«قال محمد بن إسحاق ـ في سياق حجة الوداع ـ: حدثني يحيى بن عبد الله بن
عبد الرحمن بن أبي عمرة
،
عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة ، قال: لما أقبل علي من اليمن
، ليلقى رسول الله «صلى الله عليه وآله» بمكة
، تعجل إلى رسول الله، واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه،
فعمد ذلك الرجل، فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي.
فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم، فإذا
عليهم الحلل، قال:
ويلك! ما هذا؟
قال:
كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس.
قال:
ويلك! انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله «صلى الله
عليه وآله».
قال:
فانتزع الحلل من الناس، فردها في البز.
قال:
وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم([2]).
ثم روى ابن إسحاق
، عن أبي سعيد الخدري قال:
اشتكى الناس علياً، فقام رسول الله «صلى الله عليه
وآله» فينا خطيباً، فسمعته يقول:
«أيها الناس لا تشكوا علياً، فوالله إنه لأخشن في ذات
الله، أو في سبيل الله، من أن يُشكى»([3]).
ونقول:
1 ـ
قد تحدثنا عن القضية التي أشار إليها ابن كثير
في فصل سابق.. فلا بأس بمراجعة ما ذكرناه هناك.
2 ـ
إن ما زعمه ابن كثير من أن السبب هو قضية الحلل، التي من الخمس، حيث
منع علي «عليه السلام» المقاتلين من الإستيلاء عليها.. ليس له ما يدل
عليه في كلمات الرسول في غدير خم
، ولا في النصوص التاريخية التي يمكن التعويل عليها، بل هو مجرد حدس،
وتخمين من ابن كثير
على الأظهر.. إن لم نقل: أن وراء الأكمة ما وراءها من الكيد، والتعصب
ضد علي «عليه السلام».. والسعي لإنكار مقاماته وفضائله..
والنصوص المعتبرة والمتواترة صريحة:
بأنه «صلى الله عليه وآله» قد نصب علياً
«عليه السلام»
ولياً
في ذلك اليوم، وليست القضية قضية تبرئة علي
«عليه السلام»
مما نسب إليه..
3 ـ
إن نزول قوله تعالى: ﴿ألْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَـكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْإِسْلَامَ دِيناً﴾([4])
شاهد صدق على ما نقول، ويسقط ما يريد ابن كثير
أن يسوِّق له.. وسيأتي الكلام حول ذلك إن شاء الله
تعالى..
4 ـ
إن الخطبة التي رواها ابن إسحاق هي خطبة أخرى، لا ربط لها بما جرى في
غدير خم
.. ولكن ابن
كثير
اجتهد في تطبيق هذه على تلك، وتجاهل الخطبة الحقيقية، والنصوص الصحيحة
المتواترة، الآتي شطر منها.
([1])
البداية والنهاية ج5 ص227 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص414.
([2])
البداية والنهاية ج5 ص228 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص415
والسيرة النبوية لابن هشـام ج2 ص603 و (نشر مكتبـة محمد علي
صبيح) ج4 ص1021 وبحـار = = الأنوار ج41 ص115 وتاريخ الأمم
والملوك ج2 ص402 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص377 وخلاصة عبقات
الأنوار ج9 ص304 وتفسير الآلوسي ج6 ص194.
([3])
البداية والنهاية ج5 ص228 وج7 ص381 والسيرة النبوية لابن كثير
ج4 ص415 وتفسير الآلوسي ج6 ص194 ومسند أحمد ج3 ص86 ومجمع
الزوائد ج9 ص129 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص603 و (نشر
مكتبة محمد علي صبيح) ج4
ص1022 وينابيع المودة ج2 ص398 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج4
ص1857 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص199 وتهذيب الكمال ج35 ص187 وشرح
إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص240 و 234 و 440 و 441 و 442 وج20
ص300 و 302 وج23 ص606 وج31 ص48.
([4])
الآية 3 من سورة المائدة.
|