صفحة : 202-207   

علي عليه السلام في السحاب:

وعن علي «عليه السلام» أنه قال: عممني رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم غدير خم بعمامة، فسدلها خلفي (أو فسدل طرفها على منكبي)، ثم قال: «إن الله أمدَّني (أيدني) يوم بدر وحنين بملائكة يعتمّون هذه العمة».

وقال: «إن العمامة حاجزة بين الكفر والإيمان»([1]).

وعن ابن شاذان في مشيخته عن علي «عليه السلام»: أن النبي «صلى الله عليه وآله» عممه بيده، فذنب العمامة من ورائه، ومن بين يديه، ثم قال له النبي «صلى الله عليه وآله»: أدبر.

فأدبر.

ثم قال له: أقبل.

فأقبل.

وأقبل على أصحابه، فقال النبي «صلى الله عليه وآله»: هكذا تكون تيجان الملائكة ([2]).

والعمامة التي عممه بها تسمى السحاب([3]).

وقال ابن الأثير : «كان اسم عمامة النبي «صلى الله عليه وآله» السحاب»([4]).

قال الملطي : «قولهم ـ يعني الروافض ـ: علي في السحاب. فإنما ذلك قول النبي «صلى الله عليه وآله» لعلي: أقبل، وهو معتم بعمامة للنبي «صلى الله عليه وآله» كانت تدعى «السحاب».

فقال «صلى الله عليه وآله»: قد أقبل علي في السحاب، يعني في تلك العمامة التي تسمى «السحاب»، فتأولوه هؤلاء على غير تأويله»([5]).

وقال الغزالي والحلبي والشعراني : «وكانت له عمامة تسمى السحاب، فوهبها من علي، فربما طلع علي فيها، فيقول «صلى الله عليه وآله»: طلع علي في السحاب»([6]).

قال الزبيدي : «ومن المجاز: عُمِّمَ ـ بالضم ـ أي سُوِّد، لأن تيجان العرب العمائم، فكلما قيل في العجم: توج، من التاج قيل في العرب : عمم.. وكانوا إذا سودوا رجلاً عمموه عمامة حمراء، وكانت الفُرْسُ تتوج ملوكها، فيقال له: المتوج..»([7]).

وقال: «والعرب تسمي العمائم التاج، وفي الحديث: «العمائم تيجان العرب » جمع تاج، وهو ما يصاغ للملوك من الذهب والجوهر، أراد أن العمائم للعرب بمنزلة التيجان للملوك؛ لأنهم أكثر ما يكونون في البوادي مكشوفي الرؤوس أو بالقلانس، والعمائم فيهم قليلة.. والأكاليل: تيجان ملوك العجم. وتوّجه: أي سوّده، وعممه»([8]).

وعن رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «العمائم تيجان العرب »([9]).

ونقول:

1 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» مازج بين حركة الواقع، وبين رمزه المشير إليه، الأمر الذي يجعل الإنسان يعيش الشعور التمثلي الرابط بين الواقع وبين الرمز بصورة واقعية..

2 ـ من أجل ذلك نلاحظ: أنه «صلى الله عليه وآله» اسبغ على علي «عليه السلام» مقام الرئاسة والسيادة بإعلانه إمامته من بعده، ثم عممه بيده، ولم يطلب منه أن يلبس العمامة، وذلك لتتوافق هذه الحركة العملية الواقعية مع مضمون الموقف النبوي القاضي بنصبه «عليه السلام» من قبل الله تعالى..

وكأنه «صلى الله عليه وآله» يريد للناس أن يربطوا بأنفسهم بين هذه الحركة الرمز ـ وهي أنه عممه بيده ـ وبين إنشاء الحاكمية له، لتصبح هذه الحركة بمثابة إنشاء عملي آخر منه «صلى الله عليه وآله».. والعمائم تيجان العرب ..

3 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» لم يتوِّجه «عليه السلام» بأية عمامة كانت، بل توجه بعمامة تميزت عما سواها، ولها إسم خاص بها، فعرَّف الناس أن العمامة لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، وذلك ليشير بذلك: أنه إنما يعطيه موقع خلافته، بما له من خصوصية امتاز بها عن كل ما سواه ـ وليفهمهم أنه يريده امتداداً له فيما يمثّله وفيما يوكل إليه من مهام، وبما هو مبلغ لرسالات الله تبارك، وتعالى.

كما أن اسم هذه العمامة «السحاب» ربما يشير إلى رفعة المقام، وصعوبة الوصول إليه من سائر الناس.

4 ـ ثم هو يتجاوز هذا الفعل التعبيري إلى التصريح القولي، بأنه يقصد بهذا التتويج معنى السيادة والحاكمية، فإن العمائم تيجان..

5 ـ ثم انتقل إلى ما هو أوضح وأدل، حين أعطى تصرفه هذا مضموناً دينياً عميقاً ومثيراً بإعلانه أن ما فعله بعلي من تتويجه بعمامته لا يشبه لبس غيره من الحكام والأسياد لعمائم السادة، بل هي سيادة خاصة ومقدسة، تمتد قداستها بعمقها الروحي، وبمضمونها الإيماني لترتبط بالسماء.. من حيث أن الملائكة فقط هم الذين يعتمون بهذه العمامة..

6 ـ ولم يكن فعل الملائكة هذا مجرد ممارسة لأمر يخصهم، ولا كان يريد لعلي أن يتشبه بهم في ذلك، أو أن يكون له شبه بهم، بل هو فعل له امتداداته الواقعية التي ترتبط بفعل جهادي وإيماني تجعل الملائكة يستمدون هذه الخصوصية من علي نفسه، وذلك حين ذكر أن الملائكة تعتم بهذه العمامة في خصوص بدر وحنين، المتشابهتين في كثير من خصوصياتهما.

وهاتان الواقعتان هما لخصوص علي «عليه السلام»، لأنه هو الذي جاء بالنصر فيهما.. أما غير علي «عليه السلام»، فقد فر في إحداهما، ولم يظهر له أثر إيجابي جهادي في الأخرى..

7 ـ ثم جاء التصريح بعد التلميح، بأن هذه العمامة هي الحد الفاصل بين تلويثات الشرك، وبين الإيمان الخالص من دنس الشرك، مهما كان خفيفاً وضئيلاً، ولو كان أخفى من دبيب النمل، فإنه مرفوض بمختلف مظاهره وحالاته، ولو بمستوى أن يراود الخاطر، أو يلوث الوجدان أية استجابة لأي نوع من أنواع إيثار شيء من متاع الدنيا.

8 ـ أما ما نسبه الملطي للروافض ، من أنهم قد تأولوا قول النبي «صلى الله عليه وآله»: «طلع علي في السحاب»، فلعله لا يقصد بالروافض الإمامية الاثني عشرية أعزهم الله تعالى.. فإننا لا نشعر أن لديهم أي تأويل يعاني من أية شائبة تذكر..

أما غيرهم، فإن كان الملطي صادقاً فيما ينسبه لهم، فلسنا مسؤولين عن أفعال وأقوال أهل الزيغ، بل سنكون مع من يناوئهم، ويدفع كيدهم، ويسقط أباطيلهم.


 

([1]) مسند أبي داود ص23 وكنز العمال ج15 ص306 و 482 و 483 والسمط المجيد ص99 ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» للكوفي ج2 ص42 وفرائد السمطين ج1 ص75 و 76 وعن ابن أبي شيبة، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم ج1 ص301 والسنن الكبرى للبيهقي ج10 ص14 والرياض النضرة ج3 ص170 والغدير ج1 ص291 وخلاصة عبقات الأنوار ج9 ص234 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص10 وشرح الأخبار ج1 ص321 والفصول المهمة لابن الصباغ ص41 وعن الصراط السوي.

([2]) الغدير ج1 ص291 وفرائد السمطين ج1 ص76 ونظم درر السمطين ص112 وكنز العمال ج15 ص484 وراجع: وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج5 ص56 و (ط دار الإسلامية) ج3 ص377.                                                              =

= وراجع: كشف اللثام (ط.ج) ج3 ص263 والحدائق الناضرة ج7 ص127 والكافي ج6 ص461 وجواهر الكلام ج8 ص247 وغنائم الأيام ج2 ص353 وبحار الأنوار ج42 ص69 وج80 ص198 وجامع أحاديث الشيعة ج16 ص747 ومكارم الأخلاق للطبرسي ص120 ورياض المسائل ج3 ص213.

([3]) الفردوس ج3 ص87 وفرائد السمطين ج1 ص76 وخلاصة عبقات الأنوار ج9 ص236 والغدير ج1 ص290 و 291.

([4]) النهاية في اللغة ج2 ص345 وراجع: بحار الأنوار ج10 ص5 وج16 ص97 و 121 و 126 وج30 ص94 وشرح السير الكبير للسرخسي ج1 ص71 ونهج الإيمان لابن جبر ص497 وسبل الهدى والرشاد ج7 ص271 ولسان العرب ج1 ص461 وتاج العروس ج2 ص68.

([5]) التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ص19 والغدير ج1 ص292.

([6]) إحياء علوم الدين ج2 ص345 والبحر الزخار ج1 ص215 والسيرة الحلبية ج3 ص341 و (ط دار المعرفة) ج3 ص452 والغدير ج1 ص292 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص563 و 564 والإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» للهمداني ص 283 وراجع: مناقب آل أبي طالب ج2 ص59 وبحار الأنوار ج16 ص250 وج38 ص297 ومستدرك سفينة البحار ج4 ص499 وج7 ص380 وسنن النبي للطباطبائي ص174 وتفسير الميزان ج6 ص319.

([7]) تاج العروس ج8 ص410 و (ط دار الفكر) ج17 ص506 والغدير ج1 ص290 وراجع: لسان العرب ج17 ص506.

([8]) تاج العروس ج2 ص12 و (ط دار الفكر) ج3 ص305 والغدير ج1 ص290 ولسان العرب ج2 ص219.

([9]) راجع بالإضافة إلى تاج العروس ج2 ص12: الجامع الصغير ج2 ص193 والنهاية في غريب الحديث ج1 ص199 ووسائل الشيعة XE "الشيعة:جماعات"  (ط مؤسسة آل البيت) ج5 ص56 و 57 و (ط دار الإسلامية) ج3 ص378 ومكارم الأخلاق للطبرسي ص119 وأدب الإملاء والإستملاء للسمعاني ص39 ومسند الشهاب لابن سلامة ج1 ص75 والغدير ج1 ص290 وجامع أحاديث الشيعة XE "الشيعة:جماعات"  ج16 ص746 ونور الأبصار ص58 والفردوس للديلمي ج3 ص87 حديث رقم 4246.

 
   
 
 

موقع الميزان