قال السيد المرتضى
«رحمه الله»:
أولى بمعنى مولى، كما قاله أئمة اللغة في تفسير الآية([1]).
أما سائر معاني كلمة مولى فهي إما بديهية الثبوت لعلي،
فيكون ذكرها في يوم الغدير عبثاً.. مثل: «ابن العم، والناصر» التي ذكر
أنها من معاني «المولى».
وإما هي واضحة الإنتفاء، ولا يصح
إرادتها. مثل:
«معنى المعتِق والمعتَق، فلا يصح إرادتهما في مناسبة
الغدير، لأن ذلك يستلزم الكذب فيهما.. وهو لا يصدر من رسول الله «صلى
الله عليه وآله»..».
فأجاب الرازي
بما ملخصه:
لو كان مولى وأولى بمعنى واحد لصح استعمال كل منهما
مكان الآخر، فيصح أن يقال: هذا مولى من فلان.. كما صح أن يقال: هذا
أولى من فلان([2]).
وأجاب علماؤنا على كلام الرازي
هذا
بما يلي:
أولاً:
إن الترادف إنما يكون في حاصل المعنى، دون الخصوصيات
التي تنشأ من اختلاف الصيغ، والإشتقاقات، أو أنحاء الإستعمال.. فكلمة
«أفضل» تضاف إلى صيغة التثنيه بدون كلمة «من»، فيقال: زيد أفضل
الرجلين، لكن حين تضاف إلى المفرد، فلا بد من كلمة من، فلا يقال: زيد
أفضل عمرو، بل يقال: زيد أفضل من عمرو.
ثانياً:
لنأخذ معنى الناصر في كلمة «مولى».. فإنه يصح أن يقال:
فلان ناصر دين الله، ولكن لا يصح أن يقال: فلان مولى دين الله.
وقال عيسى
XE "النبي
عيسى"
: ﴿مَنْ
أَنْصَارِي إِلَى اللهِ﴾([3]).
ولا يقال: من مواليّ إلى الله..
ويقال:
الله ولي المؤمنين ومولاهم.. ويقال: فلان ولي الله، ولا
يقال: مولى الله، كما ذكره الراغب([4]).
ويقال:
إنك عالم. ولا يقال: إنَّ أنت عالم.
فالمولى اسم للمتولي، والمالك للأمر، والأولى بالتصرف.
وليس صفة ولا هو من صيغ أفعل التفضيل بمنزلة الأولى، لكي يقال: إنه لا
يأخذ أحكام كلمة «أولى» التي هي صفة..
ثالثاً:
إذا لاحظنا المعاني المذكورة، فنقول:
ألف:
إن كان المراد بالمولى المحب والناصر، فقوله «صلى الله عليه وآله»: «من
كنت مولاه فعلي مولاه».
إن كان المراد به:
الإخبار بوجوب حبه «عليه السلام» على المؤمنين، أو إنشاء وجوب حبه
عليهم، فذلك يكون من باب تحصيل الحاصل، لأن كل مؤمن يجب حبه على أخيه
المؤمن، فما معنى أن يجمع عشرات الألوف في ذلك المكان؟! ليقول لهم: يجب
أن تحبوا أخاكم علياً؟!
ولماذا يكون ذلك موازياً لتبليغ الرسالة ﴿وَإِنْ
لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾؟!([5]).
ولماذا يكمل به الدين، وتتم به النعمة؟!.
ولماذا يهنئه عمر
وأبو بكر
بهذا الأمر،
ويقولان له:
أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة؟! وكأنه لم يكن كذلك. قبل هذا الوقت
باعتقادهما!!
ألم يكن الله تعالى قد أوجب على المؤمنين أن يحب بعضهم
بعضاً؟!
ألم يكن الله قد اعتبر المؤمنين بمثابة الإخوة؟!
يضاف إلى ما تقدم:
أن وجوب النصرة والمحبة لا يختص بعلي «عليه السلام»، بل
يشمل جميع المؤمنين.
وإن كان المقصود هو إيجاب نصرة مخصوصة تزيد على ما
أوجبه الله على المؤمنين تجاه بعضهم، فهو المطلوب، لأن هذا هو معنى
الإمامة، ولا سيما مع الإستدلال على هذه النصرة الخاصة بمولوية النبي
«صلى الله عليه وآله» لهم..
وإن كان المراد الإخبار بأنه يجب على علي «عليه السلام»
أن يحب المؤمنين وأن ينصرهم.. فلا يحتاج هذا إلى جمع الناس يوم الغدير،
ولا إلى نزول الآيات، وما إلى ذلك.. إذ كان يكفي أن يخبر علياً بأنه
يجب عليه ذلك..
على أن ذلك يطرح سؤالاً عن السبب في تخصيص هذا الأمر
بعلي؟!
وعلى كل حال، فإن قوله «صلى الله
عليه وآله»:
«ألست أولى بكم من أنفسكم» يفيد أنها ولاية نصرة ومحبة
ناشئة عن هذه الأولوية منهم بأنفسهم.. كما أن جعل وجوب نصرة علي «عليه
السلام» كوجوب نصرة النبي «صلى الله عليه وآله» لهم يؤكد ذلك..
فإن نصرة النبي «صلى الله عليه وآله» لهم إنما هي من
حيث نبوته، وملكه لأمورهم، وزعامته عليهم.. وليست كوجوب نصرتهم أو
محبتهم لبعضهم بعضاً.
ب:
أما القول بأن المراد بالمولى المالك والمعتق، فيرد
عليه: أنه لم يكن هناك مالكية حقيقية، ولا عتق، ولا انعتاق.
ج:
إن كان المراد
بكلمة مولى:
السيد، فهو يقترب من معنى الأولى، لأن السيد هو المتقدم
على غيره. وهذا التقدم ليس بالقهر والظلم، لأن النبي «صلى الله عليه
وآله» قرن سيادة علي «عليه السلام» بسيادة نفسه، فلا بد أن يكون التقدم
بالإستحقاق، من خلال ما يملك من مزايا ترجحه عليهم، وبديهي: أن أية
مزية شخصية لا توجب تقدماً، ولا تجعل له حقاً عليهم، يجعله أولى بهم من
أنفسهم، إلا إذا كانت هذه المزية قد أوجبت أن يجعل من بيده منح الحق
ومنعه لصاحب هذه المزية مقام الأولوية بهذا المستوى الذي هو من شؤون
النبوة والإمامة. وليس لأحد الحق في منح هذا المقام إلا لله تبارك
وتعالى..
د:
ولو كان المراد بكلمة المولى، المتصرف، والمتولي للأمر،
فالأمر كذلك أيضاً، فإن حق التصرف إنما يثبت له بجعل من له الحق في
الجعل، وهو الله سبحانه وفق ما ذكرنا آنفاً..
([1])
راجع: رسائل المرتضى ج3 ص253 وج4 ص131 والشافي في الإمامة
للشريف المرتضى ج2 ص261 وراجع: العمدة لابن البطريق ص116 وبحار
الأنوار ج37 ص238 وج37 ص240 وتفسير مجمع البيان ج8 ص125 ونهج
الإيمان لابن جبر ص124 والصراط المستقيم ج1 ص308 والرسائل
العشر للشيخ الطوسي ص135 وراجع: كنز الفوائـد ص229 وقـد ذكـر
العلامـة الأميني = = طائفة كبيرة من أقوال العرب وأهل اللغة،
فراجع كتاب الغدير ج1 ص345 ـ 348.
([2])
راجع: التفسير الكبير ج29 ص227 والغدير ج1 ص350 و 351 عنه، وعن
نهاية العقول، وتفسير الآلوسي ج27 ص178 وخلاصة عبقات الأنوار
ج8 ص181.
([3])
الآية 52 من سورة آل عمران.
([4])
مفردات الراغب ص533.
([5])
الآية 67 من سورة المائدة.
|