صفحة : 236-237   

موقع آية الإكمال:

وقد أنزل الله تعالى في مناسبة الغدير قوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً([1]).

وهي في وسط آية ذكرت بعض المحرمات، كما يلي: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالمُنْخَنِقَةُ وَالمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ([2])

فقد يقال: إن وقوع هذه الفقرة في ضمن بعض المحرمات، يدل على أن إكمال الدين: معناه: أن الله قد أكمل الدين بتشريع هذه الأحكام.. فلا ربط لها بالإمامة والولاية..

والجواب:

إن قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ..([3]) جملة إعتراضية وقعت بين هذه الأحكام، التي كان قد سبق بيانها في آيات أخرى نزلت قبل ذلك بسنوات، إما صراحة، أو ببيان عناوين عامة تشملها..

وهنا ثلاثة أسئلة وأجوبتها:

السؤال الأول: لماذا جملة إعتراضية؟!

والجواب: أن الإتيان بجملة إعتراضية بين أمرين ظاهري التلازم يشير إلى الأهمية البالغة للأمر الذي يراد بيانه بها، وأنه لا مجال لتأجيله، إذ لا يقطع أحد كلامه لأجل بيان أمر تافه، أو عادي.

السؤال الثاني: لماذا جاء الإعتراض بين أحكام سبق بيانها، وليس من بينها أي حكم يبين للمرة الأولى؟!

والجواب: أن المطلوب هو أن لا يتوهم أحد أن الدين قد كمل ببيان هذا الحكم، الذي يبين لأول مرة، كما أن ذلك يشير إلى تناغم بين مضمون الإعتراض وبين مساق الآية، حيث إن الآية تريد التأكيد على مضمون أحكام سبق بيانها بهدف حفظها..

والإمامة التي كمل بها الدين تريد حفظ الشريعة أيضاً، وإلزام الناس بها، وإشاعة الإلتزام بها، بالإضافة إلى أن من وظائف الإمام حفظ الشريعة من التحريف، والإهمال، وضمان صحة تطبيقها في حياة الأمة.

السؤال الثالث: لماذا وردت الجملة الإعتراضية في سياق أحكام إلزامية تحريمية لا وجوبية ولا استحبابية؟!.

والجواب: أنها بين أحكام إلزامية، للإيحاء بأن أدنى درجة من التفريط في هذا المورد معناها الوقوع في الهلكة.. وهي تحريمية، لأنها لو وقعت بين أحكام وجوبية لتوهم متوهم: أن المطلوب هو جلب المصلحة، والمصلحة قد يتخلى الإنسان عنها لسبب أو لآخر..

وبذلك يتضح:

أنه لا مجال لإيرادها في سياق بعض الأحكام المستحبة، أو المكروهة، أو بعض التوجيهات الأخلاقية، أو في سياق بيان بعض السياسات التدبيرية أو غير ذلك، لكي يمكن لأحد التأويل فيها، والتهرب من مضمونها الإلزامي.


 

([1]) الآية 3 من سورة المائدة.

([2]) الآية 3 من سورة المائدة.

([3]) الآية 3 من سورة المائدة.

 
   
 
 

موقع الميزان