صفحة : 238-241   

متى يئس الذين كفروا؟!:

وقد يقال: قد دلت آية إكمال الدين على أن يأس الذين كفروا من ديننا هو في نفس يوم إكمال الدين..

فقيل: هو يوم فتح مكة ([1]).

وقيل: ما بعد تبوك ، حيث نزلت سورة براءة، وانبسط الإسلام على جزيرة العرب كلها، وعفيت آثار الشرك، وذهبت سنن الجاهلية([2]).

وقيل: يوم عرفة ([3]).

ونجيب:

بأن هذا غير صحيح، لما يلي:

ألف: إذا كان كمال الدين بإتمام إبلاغ أحكام الشريعة، فقد قلنا: إن الأحكام الواردة في الآية كانت قد بينت قبل ذلك بسنوات ـ في آيات أخرى، إما بالتنصيص على بعض مفرداتها، وإما ببيان أحكام باقي المفردات في عمومات تشملها([4]).

ب: إن نفس تحريم هذه الأمور الواردة في الآية لا يوجب يأس الذين كفروا، فإنها لا تختلف عن غيرها من الأحكام..

ج: قد استمر تشريع الأحكام إلى ما بعد يوم الفتح.. وبعد نزول سورة براءة، وقد تضمنت سورة المائدة بعضاً من ذلك كما بيناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله».

د: إنه لا مبرر ليأس الذين كفروا في يوم عرفة، إذ لم يحصل فيه شيء يوجب ذلك.

إلا إن كان المراد: أنهم قد يئسوا يوم عرفة بسبب ما جرى في فتح مكة ، أو بنزول سورة براءة، أو لما جرى في غزوة تبوك ، أو غير ذلك..

ويجاب:

بأن هذا اليأس في تلك الأحداث قد حصل حين وقوعها، ولا مبرر لتأخر حصوله إلى يوم عرفة.

فإن قلت: لعل سبب اليأس في يوم عرفة هو إبلاغ جميع الأحكام فيه.

قلت: هذا لا يصح، فإن آية الكلالة التي في آخر سورة النساء، وآيات الربا قد نزلت بعد يوم عرفة، كما قاله عمر بن الخطاب في خطبة له([5]).

وروي ذلك عن ابن عباس أيضاً([6]).

وقد يقال: إن نفس حضور النبي «صلى الله عليه وآله» في يوم عرفة بعد أن كان قد أخرج من مكة أوجب يأس الذين كفروا من هذا الدين.

ويجاب:

بأنه لا خصوصية لحضور النبي «صلى الله عليه وآله» في يوم عرفة، في موسم الحج، في هذا اليأس، وقد حضر «صلى الله عليه وآله» إلى مك  فاتحاً يوم الفتح، وقبلها في عمرة القضاء.


 

([1]) تفسير السمرقندي ج1 ص393 والجامع لأحكام القرآن ج6 ص60 وفتح القدير ج2 ص10 وتفسير السمعاني ج2 ص10 وتفسير الميزان ج5 ص169 وراجع: تفسير الجلالين ص135.

([2]) تفسير الميزان ج5 ص169.

([3]) تفسير مقاتل بن سليمان ج1 ص280 وجامع البيان للطبري ج6 ص105 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص392 و 405 وتفسير الثعلبي ج4 ص16 وتفسير ابن زمنين ج2 ص8 وتفسير السمعاني ج2 ص10 وتفسير البغوي ج2 ص10 وتفسير الواحدي ج1 ص308 وتفسير الثعالبي ج2 ص342 وزاد المسير لابن الجوزي ج2 ص238 عن مجاهد وابن زيد، والتفسير الكبير للرازي ج5 ص191 وج11 ص137 والمحرر الوجيز ج2 ص154 وتفسير العز بن عبد السلام ج1 ص370 والتسهيل لعلوم التنزيل ج1 ص168 وتيسير الكريم الرحمن في كلام المنان ص220 وتنبيه الغافلين لابن كرامة ص58.

([4]) راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ج31 ص300 و 301.

([5]) صحيح مسلم ج2 ص81 وج5 ص8 والغدير ج6 ص127 ونهج السعادة ج8 ص422 ومسند أحمد ج1 ص26 و 28 و 48 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص150 وشرح مسلم للنووي ج5 ص53 وج11 ص57 ومسند أبي يعلى ج1 ص166 وج5 ص75 وجامع البيان للطبري ج6 ص59 وتفسير البغوي ج1= = ص404 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص606 والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج1 ص69 و 168 والدر المنثور ج2 ص249 وفتح القدير ج1 ص544 وتفسير الآلوسي ج6 ص44 وأضواء البيان للشنقيطي ج4 ص195 وأحكام القرآن لابن العربي ج1 ص450 والجامع لأحكام القرآن ج6 ص29.

([6]) راجع: أسباب نزول الآيات ص9 وأحكام القرآن للجصاص ج1 ص563 وعمدة القاري ج18 ص195 و 295 وج11 ص202 وج23 ص246 والبرهان للزركشي ج1 ص209 ومجمع الزوائد ج6 ص324  والسنن الكبرى ج6 ص307 وجامع البيان ج3 ص156 و 157 وتفسير السمرقندي ج1 ص209 ومعاني القرآن للنحاس ج1 ص312 والمعجم الكبير للطبراني ج11 ص293 وج12 ص19 وتخريج الأحاديث للزيلعي ج1 ص371 والفتح السماوي ج2 ص545 والتبيان للطوسي ج2 ص369 وتفسير مجمع البيان ج2 ص213 وتفسير الثوري ص73  وتفسير الثعلبي ج2 ص289 وتفسير البغوي ج1 ص504 وزاد المسير ج1 ص3 و 15 والجامع لأحكام القرآن ج1 ص60 وج3 ص375 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص340 .

 
   
 
 

موقع الميزان