صفحة : 282-287   

لماذا آية الإكمال أولاً؟!:

هنا سؤال يقول: لماذا أوردت آية: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً([1])، قبل آية: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ([2]). وهما في سورة واحدة؟! فإن السير الطبيعي للأحداث يفرض تقدم هذه على تلك.. لا سيما وأن القرآن كان ينزل نجوماً..

ونجيب:

أولاً: إن سورة المائدة قد نزلت أولاً دفعة واحدة، إما في حجة الوداع في الطريق، أو يوم عرفة، ثم صارت الأحداث تمر، والآيات المناسبة تنزل مرة ثانية([3]).

ويدل على نزولها دفعة واحدة ما يلي:

1 ـ عبد الله بن عمرو ، قال: أنزلت على رسول الله «صلى الله عليه وآله» سورة المائدة، وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله، فنزل عنها([4]).

2 ـ عن أسماء بنت يزيد ، قالت: إني لآخذة بزمام العضباء، ناقة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، إذ نزلت المائدة كلها، فكادت من ثقلها تدق عضد الناقة([5]).

3 ـ عن أم عمرو بنت عبس ، عن عمها: أنه كان في مسير مع رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فنزلت عليه سورة المائدة، فاندق كتف راحلته العضباء، من ثقل السورة([6]).

4 ـ عن محمد بن كعب القرظي ، قال: نزلت سورة المائدة على رسول الله «صلى الله عليه وآله» في حجة الوداع، فيما بين مكة والمدينة ، وهو على ناقته، فانصدعت كتفها، فنزل عنها رسول الله «صلى الله عليه وآله»([7]).

5 ـ عن الربيع بن أنس قال: نزلت سورة المائدة على رسول الله «صلى الله عليه وآله» في المسير من حجة الوداع، وهو راكب راحلته، فبركت به راحلته من ثقلها([8]).

أما القول بأنها نزلت منصرف رسول الله «صلى الله عليه وآله» في الحديبية([9])، فيرده: ما دل على أن سورة المائدة كانت آخر ما نزل.

ثانياً: قالوا: «الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي، لا شبهة في ذلك»([10])..

وقد رووا: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، كان يقول: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا..

وقد روي ذلك عن ابن عباس ([11])..

وعن عثمان بن عفان أيضاً([12])..

وفي نص آخر: أنه «صلى الله عليه وآله» شخص ببصره، ثم صوبه، ثم قال: أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية في هذا الموضع من هذه السورة([13]).

وهذا معناه: أن النبي «صلى الله عليه وآله» هو الذي قدم آية الإكمال على الآية الأخرى بأمر من الله.. مما يعني: أن ثمة مصلحة اقتضت هذا التقديم، فلا بد من البحث في ذلك، فلاحظ ما يلي:


 

([1]) الآية 3 من سورة المائدة.

([2]) الآية 67 من سورة المائدة.

([3]) الجامع لأحكام القرآن ج6 ص61 وراجع ص30 وراجع: تفسير البحر المحيط ج3 ص427 والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج2 ص143 والغدير ج1 ص227 وشرح أصول الكافي ج6 ص121 وج11 ص278 .

([4]) مسند أحمد ج2 ص176 والدر المنثور ج2 ص252 عنه، ومجمع الزوائد ج7 ص13 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص3 وفتح القدير ج2 ص3 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج3 ص31 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص424 وإمتاع الأسماع ج3 ص49 والسيرة الحلبية ج1 ص415 وسبل الهدى والرشاد ج2 ص258.

([5]) مسند أحمد ج6 ص455 والدر المنثور ج2 ص252 عنه، وعن عبد بن حميد، وابن جرير، ومحمد بن نصر في الصلاة، والطبراني، وأبي نعيم في الدلائل، والبيهقي في شعب الإيمان، ومجمع الزوائد ج7 ص13 وجامع البيان ج6 ص112 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص3 و 126 والبداية والنهاية ج3 ص31 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص424 والسيرة الحلبية ج1 ص424 ومسند ابن راهويه ج5 ص174 وإمتاع الأسماع ج3 ص48 وذم الكلام وأهله للأنصاري الهروي ج1 ص16 والمعجم الكبير للطبراني ج24 ص177 و 178 وسبل الهدى والرشاد ج2 ص257.

([6]) الدر المنثور ج2 ص252 عن ابن أبي شيبة في مسنده، والبغوي في معجمه، وابن مردويه، والبيهقي في دلائل النبوة، والسيرة الحلبية ج1 ص415.

([7]) الدر المنثور ج2 ص252 عن أبي عبيد، وتفسير الآلوسي ج6 ص47.

([8]) الدر المنثور ج2 ص252 عن ابن جرير، وجامع البيان ج6 ص112.

([9]) الجامع لأحكام القرآن ج6 ص61 وراجع ص30 وراجع تفسير البحر المحيط ج3 ص427 والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج2 ص143 والغدير ج1 ص227.

([10]) الإتقان ج1 ص24 و (ط دار الفكر) ج1 ص167 والغدير ج1 ص227 وراجع: تحفة الأحوذي ج8 ص380 وإعجاز القرآن الباقلاني (مقدمة المحقق) ص60 وتاريخ القرآن الكريم لمحمد طاهر الكردي ص61.

([11]) راجع: الدر المنثور ج1 ص7 عن الحاكم وصححه، وعن أبي داود، والبزار، والطبراني، والبيهقي في المعرفة وفي شعب الإيمان، والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص272 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص43 والإتقان ج1 ص62 والبرهان للزركشي (ط دار إحياء الكتب العربية) ج1 ص234 و 241 عن الترمذي والحاكم، والتمهيد ج1 ص213 وتاريخ القرآن للصغير ص81 عن: مدخل إلى القرآن الكريم لدراز ص34، لكن في غرائب القرآن للنيسابوري، بهامش جامع البيان للطبري ج1 ص24 ومناهل العرفان ج1 ص240 هكذا: «ضعوا هذه السورة في الموضع الذي يذكر فيه كذا».

([12]) مستدرك الحاكم ج2 ص330 و221 وتلخيصه للذهبي بهامشه وغريب الحديث ج4 ص104، والبرهان للزركشي ج1 ص234 و 235 وسنن الترمذي ج4 ص336 وراجع ص61 وغرائب القرآن بهامش جامع البيان ج1 ص24 وفتح = = الباري ج9 ص19 و 20 و 39 و 38، وكنز العمال ج2 ص367 عن أبي عبيد في فضائله، وابن أبي شيبة، وأحمد، وأبي داود، والترمذي، وابن المنذر، وابن أبي داود، وابن الأنباري معاً في المصاحف، والنحاس في ناسخه، وابن حبان، وأبي نعيم في المعرفة، والحاكم وسعيد بن منصور، والنسائي، والبيهقي، وفواتح الرحموت بهامش المستصفى ج2 ص12 عن بعض من ذكر، والدر المنثور ج3 ص207 و 208 عن بعض من ذكر، وعن أبي الشيخ، وابن مردويه ومشكل الآثار ج2 ص152 والبيان ص268 عن بعض من تقدم، وإمتاع الأسماع ج4 ص241 وتاريخ المدينة XE "المدينة:أماكن"  لابن شبة ج3 ص1015 وفتح القدير ج2 ص331 وعن الضياء في المختارة، ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج2 ص48.

وراجع: بحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص103 ومناهل العرفان ج1 ص347 ومباحث في علوم القرآن ص142 عن بعض من تقدم، وتاريخ القرآن للصغير ص92 عن أبي شامة في المرشد الوجيز.. وجواهر الأخبار والآثار بهامش البحر الزخار ج2 ص245 عن أبي داود، والترمذي، وسنن أبي داود ج1 ص209 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص344 وتفسير السمرقندي ج2 ص37 والسنن الكبرى للبيهقي ج2 ص42 والإتقان في علوم القرآن ج1 ص167 وأحكام القرآن للجصاص ج1 ص10 ومسند أحمد ج1 ص57 و 69 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص10 وأضواء البيان للشنقيطي ج2 ص112 وجامع البيان ج1 ص69 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص62 وتهذيب الكمال ج32 ص288 وتاريخ القرآن الكريم لمحمد طاهر الكردي ص63.

([13]) مسند أحمد ج4 ص218 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص605 وكنز العمال ج2 ص16 ومجمع الزوائد ج7 ص48 وتفسير الآلوسي ج14 ص220 وفتح القدير ج3 ص189 والدر المنثور ج4 ص128 والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج1 ص168 وتاريخ القرآن الكريم لمحمد طاهر الكردي ص62 و 68.

 
   
 
 

موقع الميزان