صفحة : 342-344   

هبني سيفك:

روي: أن علياً «عليه السلام» كان يحارب رجلاً من المشركين، فقال المشرك: يا بن أبي طالب هبني سيفك!!

فرماه إليه.

فقال المشرك: عجباً يا بن أبي طالب، في مثل هذا الوقت تدفع إلي سيفك!

فقال: يا هذا، إنك مددت يد المسألة إليَّ، وليس من الكرم أن يرد السائل.

فرمى الكافر نفسه إلى الأرض، وقال: هذه سيرة أهل الدين، فقبل قدمه، وأسلم([1]).

ونقول:

1 ـ قد يتخيل البعض: أن إقدام علي «عليه السلام» على إعطاء سيفه لذلك المشرك ليس تصرفاً محموداً، بل هو خلاف الحكمة.. لأن فيه إلقاء للنفس في التهلكة. وهو أمر يمنع منه العقل والشرع، فلا ينبغي عدُّ ذلك من فضائله «عليه السلام». بل هو إما مكذوب عليه، أو أن على الشيعة أن يتخلوا عن معنى العصمة فيه «صلوات الله وسلامه عليه»..

وهو خيال باطل، لأن هذا التصرف إنما يكون خلاف الحكمة، وممنوعاً منه عقلاً وشرعاً لو كان علي «عليه السلام» قد فقد السبيل به للنصر على عدوه والوسيلة للتحرز منه. أما إذا كان واثقاً من قدرته عليه، فإن ذلك لا يوجب خللاً في الحكمة، ولا في العصمة..

ولا نقول ذلك على سبيل التخيل والتنظير، والإحتمال العقلي، فقد قرأنا: أنه «عليه السلام» قد انتصر على أعدائه بسيف أعدائه رغم كثرتهم، مثل ما جرى له يوم بات على الفراش ليلة الهجرة. حيث أخذ سيف خالد بن الوليد وصال على مهاجميه، وكانوا عشرة حتى أخرجهم من البيت، وثمة نظائر أخرى لذلك أيضاً تجدها في ثنايا هذا الكتاب..

2 ـ إنه «عليه السلام» أراد أن يقدم لذلك المشرك الأمثولة العملية في الخلق الإسلامي الرفيع، وفي الشجاعة، وفي الثقة بالنفس..

3 ـ وقد تلقفها ذلك المشرك بتدبر، وحكمة، وبفطرة صافية، فوجدت السبيل إلى قلبه، فانفتح قلبه وعقله على مُثُلِ الإسلام العليا. وكان ذلك سبب هدايته وسلامته.. لأنه كان يعرف أن الشرك لا يهدي إلى مكارم الأخلاق، بل إلى ضدها، حيث يكرس حب الدنيا والتعلق بها في قلب الإنسان، ويجعله قاسياً وأنانياً، يضحي بكل شيء في سبيل حفظ نفسه، وفي سبيل الحصول على الملذات. وإن الدين والأمل بما عند الله سبحانه هو الذي ينتج هذا الخلق، ويدعو الإنسان إلى الإلتزام به، حتى في مثل هذه الحالات..


 

([1]) بحار الأنوار ج41 ص69 عن أبي السعادات في فضائل العترة، ومناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج2 ص.. و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص358 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص602 ونهج السعادة ج8 ص279.

 
   
 
 

موقع الميزان