علي عليه السلام في حديث المعراج

   

صفحة : 345-238   

علي عليه السلام في حديث المعراج:

النعماني: بسنده عن محمد بن علي الباقر «عليهما السلام»، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إن الله أوحى إلي ليلة أسري بي: يا محمد، من خلفت في الأرض على أمتك؟! وهو أعلم بذلك.

قلت: يا رب أخي.

قال: يا محمد، إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة، فاخترتك منها، فلا أُذْكَر حتى تُذْكَر معي، فأنا المحمود وأنت محمد.

ثم إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة أخرى، فاخترت منها علي بن أبي طالب وصيك، فأنت سيد الأنبياء وعلي سيد الأوصياء، ثم شققت له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علي.

يا محمد، إني خلقت علياً، وفاطمة، والحسن، والحسين، والأئمة من نور واحد، ثم عرضت ولايتهم على الملائكة، فمن قبلها كان من المقربين، ومن جحدها كان من الكافرين.

يا محمد، لو أن عبداً من عبادي عبدني حتى ينقطع، ثم لقيني جاحداً لولايتهم أدخلته النار.

ثم قال: يا محمد، أتحب أن تراهم؟!

فقلت: نعم.

فقال: تقدم أمامك.

فتقدمت أمامي، فإذا علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة القائم كأنه الكوكب الدري في وسطهم.

فقلت: يا رب من هؤلاء؟!

قال: هؤلاء الأئمة، وهذا القائم، محلل حلالي ومحرم حرامي، وينتقم من أعدائي.

يا محمد، أحببه، فإني أحبه وأحب من يحبه([1]).

ونقول:

يحسن ملاحظة ما يلي من نقاط:

1 ـ إن الوحي الإلهي المتضمن للسؤال عن الذي خلفه النبي «صلى الله عليه وآله» في الأرض يشير إلى أن أصل الإستخلاف أمر مفروغ عنه، ولذلك لم يقل له: هل استخلفت؟! فإذا كانت الرحلة المختصرة له «صلى الله عليه وآله» تحتاج إلى الإستخلاف على الأمة، فهل يمكن أن يستغني عن الإستخلاف حين يرحل عن هذه الدنيا؟!

2 ـ ودل هذا السؤال أيضاً على أن المطلوب هو الإستخلاف في الأمة كلها، ولا يكفي الإستخلاف على الأهل والمال والولد، وغير ذلك من الشؤون المرتبطة به كشخص.

3 ـ وقد بين الإمام «عليه السلام»: أن هذا السؤال الإلهي ليس على ظاهره، بحيث يراد منه حصول المعرفة بالمسؤول عنه، فإن الله تعالى منزه عن العجز والجهل، وكل نقص.. بل هو سؤال تقريري يراد به التوطئة لتعريف الآخرين بأمر يحتاج إلى هذا النوع من البيان.. فهو على حد قول الله تعالى لعيسى بن مريم: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ([2]).

4 ـ والجواب بيا رب أخي، ربما يريد أن يشير إلى بعض صفات خليفته في أمته، وهو أن يكون موضع ثقته، كما يثق الإنسان بأخيه، الذي يكون يكون أعرف الناس به.. وربما يشير به أيضاً إلى منزلته في الفضل والكرامة، حتى استحق أن يتخذه أخاً له، ليدل على قربه فيه، وشبهه به في الحالات والخصوصيات.

5 ـ وقد اكتفى «صلى الله عليه وآله» بهذا التوصيف عن ذكر الإسم، ليأتي تطبيق الوصف على الوصوف، من قبل الله تعالى مباشرة، ليدلنا على أنه يمكن معاينة هذا الوصف في علي «عليه السلام»، فهو موجود فيه بالفعل.. وليس فيه ادعاء ولا مبالغة، ولا مجازية.

6 ـ ثم جاء الإخبار الإلهي عن اختيار الله تعالى لنبيه «صلى الله عليه وآله»، وللوصي في شخص علي«عليه السلام»، وجعل النبوة والوصاية لهما، ليؤكد أن النبوة والوصاية شأن إلهي لا يرجع للبشر، ولا يحق لهم أن يتدخلوا فيه.

7 ـ إنه تعالى ذكر: أنه هو الذي اشتق لعلي «عليه السلام» اسماً من أسمائه. فدل على أنه تعالى قد ألهم أباه هذا الاسم، ليظهر كمال الإتصال به، والحب له. ولتكن هذه إشارة إلى إيمانه الذي أثبتته الأدلة القاطعة، وإن كان بعض الناس ينكره، بلا مبرر معقول، أو مقبول.

8 ـ وقد جعل تعالى: جحد ولاية المعصومين الأربعة عشر سبباً للكفر ودخول النار، ليدل على أن الموجب للكفر هو إنكار الولاية عن علم ومعرفة، أما لو لم يعتقد بالولاية، ولم يصل الأمر إلى حد الجحود لما هو معلوم عنده، فلا يكفر بذلك.

9 ـ وقد أكد تعالى مقام الحجة من آل محمد «عليه وعليهم السلام»، وأنه في وسط المعصومين كالكوكب الدري.. مبيناً أنه هو الذي سوف ينتقم من أعداء الله، ليكون هذا داعياً للناس إلى الإحتياط لأنفسهم، لأنهم يخاف من المجهول، ويسعى الإنسان للتحرز مما خفي عنه فيه.. فكيف إذا عرَّفه بحقيقة ما خفي عليه عالم الغيب والشهادة. فإن المفروض في هذا الحال هو كمال التحرز، والطاعة والإنقياد..

وفي الروايات إشارات كثيرة أخرى، نسأل الله سبحانه أن يوفق أهل الفكر والفضل، لاستخلاصها، وعرضها للناس للإستفادة منها..


 

([1]) الغيبة للنعماني ص93 الباب الرابع حديث 25، وبحار الأنوار ج36 ص222 و 280 ومقتضب الأثر للجوهري ص23 و 26 وغاية المرام ج2 ص241 وج3 ص77.

([2]) الآية 116 من سورة المائدة.

 
   
 
 

موقع الميزان