1 ـ
عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: بينا نحن بفناء الكعبة ورسول الله «صلى
الله عليه وآله» يحدثنا، إذ خرج علينا مما يلي الركن اليماني شيء عظيم،
كأعظم ما يكون من الفيلة.
قال:
فتفل رسول الله «صلى الله عليه وآله» وقال: «لعنت».
أو قال:
«خزيت» ـ شك إسحاق ـ.
قال:
فقال علي بن أبي طالب: ما هذا يا رسول الله؟!
قال:
«أوما تعرفه يا علي»؟!
قال:
الله ورسوله أعلم.
قال:
«هذا إبليس»، فوثب إليه، فقبض على ناصيته، وجذبه فأزاله عن موضعه.
وقال: يا رسول الله، أقتله؟!
قال:
«أوما علمت أنه قد أجل إلى الوقت المعلوم»؟!
قال:
فتركه من يده. فوقف ناحية ثم قال: ما لي ولك يا ابن أبي طالب؟!
والله ما أبغضك أحد إلا وقد شاركت أباه فيه. اقرأ ما
قاله الله تعالى:
﴿وَشَارِكْهُمْ
فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ
الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾([1])»([2]).
2 ـ
عن الكنجي، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: قال علي بن أبي طالب: رأيت
النبي «صلى الله عليه وآله» عند الصفا وهو مقبل على شخص في صورة الفيل
وهو يلعنه، فقلت: ومن هذا الذي يلعنه رسول الله؟!
قال:
هذا الشيطان الرجيم.
فقلت:
والله يا عدو الله، لأقتلنك. ولأريحن الأمة منك.
قال:
ما هذا جزائي منك!
قلت:
وما جزاؤك مني يا عدو الله؟!
قال:
والله ما أبغضك أحد قط إلا شاركت أباه في رحم أمه([3]).
ونقول:
أولاً:
لا مانع من تكرر ظهور إبليس، تارة عند الصفا، وأخرى بفناء الكعبة مما
يلي الركن اليماني..
ثانياً:
يلاحظ: أن إبليس قد ظهر هنا وهناك في صورة الفيل، فما هي خصوصية الفيل
في ذلك على غيره؟! هل هي أن الفيل من المسوخ أي من الحيوانات التي مسخ
الله بعض الجبارين المسرفين على صورتها؟! أم لأنه أراد التهويل على
الناس، لكي لا يتجرأ أحد على أن يقصده بسوء؟! أم لسبب آخر لا نعلمه؟!
ثالثاً:
إن تمكن أمير المؤمنين «عليه السلام» منه وإذلاله، يدل على خصوصية له
«عليه السلام» .. وهو من المثوبات التي وفقه الله إليها..
رابعاً:
إنه «عليه السلام» لا يقدم على قتله ـ إلا بعد أن يسأل رسول الله «صلى
الله عليه وآله».. لأن التصرف بالأمور إلى هذا الحد لا بد أن يكون بإذن
منه «صلى الله عليه وآله»..
خامساً:
إن علياً «عليه السلام» قد سأل رسول الله «صلى الله عليه وآله» إن كان
يأذن بقتله. ولكنه «صلى الله عليه وآله» لم يقل: لا آذن لك، بل قال:
أوما علمت أنه أُجِّلَ إلى الوقت المعلوم؟!
فدل بذلك:
على أن قتله ليس محرماً في ذاته، بل هو مستحق للقتل، ولكن وضع الأجل له
هو الذي يمنع من قتله..
سادساً:
إن علياً «عليه السلام» بقبضه على ناصية إبليس قد دل على أن قتله ممكن
ومقدور له.. وهذه مزية تثبتها له هذه الرواية، ليمتاز بها عن سائر
الناس..
ولكن هل قتله يزيل الشرور من بين الناس؟! أم أن شياطين
الجن والإنس، من ذرية إبليس، سوف يواصلون عملهم في إضلال الناس،
ودعوتهم إلى المعاصي، وإن كان رأسهم المدبر قد زال؟!
سابعاً:
إن ما قاله إبليس عن مشاركته آباء مبغضي علي «عليه السلام» في أبنائهم
لا يعني أن إبليس مصيب في عمله، فإن بغضه «عليه السلام» جريمة عظيمة،
وفعل إبليس هذا عدوان ومعصية، وتمرد على أمر الله سبحانه..
غير أن الله سبحانه حين يرفع ألطافه عن مبغضي علي «عليه
السلام» يتسلط عليهم إبليس بأنواع من التصرفات.
([1])
الآية 64 من سورة الإسراء.
([2])
تاريخ بغداد ج4 ص56 وتاريخ مدينة دمشق ترجمة الإمام علي ج2
ص226 و = = (ط دار الفكر) ج42 ص289 والموضوعات لابن الجوزي ج1
ص386 وميزان الإعتدال ج1 ص197 ولسان الميزان ج1 ص371 وشرح
إحقاق الحق (الملحقات) ج7 ص225 وج18 ص225 وج21 ص587 وج30 ص343
عن مختصر تاريخ دمشق (نسخة طوب قبوسراي بإسلامبول) ج 17 ص 14 و
(ط دار الفكر) ج17 ص373.
([3])
تاريخ بغداد ج4 ص57 والغدير ج4 ص324 والإمام علي بن أبي طالب
للهمداني ص159 والجامع لأحكام القرآن ج1 ص91 وتاريخ مدينة دمشق
ترجمة الإمام علي ج2 ص227 و (ط دار الفكر) ج42 ص290 والموضوعات
لابن الجوزي ج1 ص3856 وميزان الإعتدال ج1 ص197 والكشف الحثيث
ص65 وكفاية الطالب ص69 ولسان الميزان ج1 ص371 وشرح إحقاق الحق
(الملحقات) ج7 ص225.
|