ونقول:
إن هنا سؤالاً هاماً يحتاج إلى جواب، وهو التالي:
كيف صح أن يتعلل رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن
إعطاء الناقة لعلي «عليه السلام» مع أن جبرئيل أبلغه أمر الله تعالى
الصريح بأن يعطي علياً «عليه السلام» إحدى الناقتين؟! ألا ينافي في ذلك
عصمته؟! وألا يدل ذلك على عدم صحة هذه الرواية؟!
ونجيب:
إنه إنما ينافي العصمة، ويسقط الرواية عن الإعتبار لو
لم يكن له وجه صحيح ومقبول.
والوجه هنا هو:
أنه «صلى الله عليه وآله» أراد أن يدفع التوهمات التي قد تراود أذهان
البعض الذين لم يطيقوا فوز علي «عليه السلام» بهذه الفضيلة، فيحاولون
لأغراض مختلفة أن يقرروه «عليه السلام»، إن كانت الناقة قد خطرت بباله
أثناء صلاته، فإذا أجاب بالإيجاب، فسيطيرون بها في الشرق والغرب،
وسيحدث الخلل الإيماني من خلال انتشار الشك في النبوة، أو في صفات
النبي «صلى الله عليه وآله» في كل اتجاه.
فأوضح النبي «صلى الله عليه وآله» لهم، من خلال جبرئيل،
الذي لا يمكنهم أن ينسبوا إليه المحاباة لعلي «عليه السلام»، لأنه ليس
صهره ولا ابن عمه ـ أوضح ـ أن خطور الناقة على باله «عليه السلام» علي
يتصور على نحوين:
أحدهما:
خطورها له بما لها من قيمة في الدنيا وحسب.. وهذا لو حصل لنقض الشرط
الذي شرطه عليه رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولزالت عنه صفة
استحقاقها..
الثاني:
أن يفكر كيف يستفيد منها في بلوغ مرضات الله سبحانه، وهذا ليس تفكيراً
بالدنيا وليس لنفسه، بل هو لله وفي الله عز اسمه.. كما قال جبرئيل
«عليه السلام»..
ويلاحظ:
أن جبرئيل هنا لم يورد هذا التفسير من عند نفسه، بل أسنده إلى الله
تبارك وتعالى علام الغيوب، والمطلع على القلوب.. ليتوهم متوهم: أن
جبرئيل «عليه السلام» قد لا يبلغ كنه أمثال هذه الأمور، ليكون ذلك أولى
بالإقناع، والإتباع.
يضاف إلى ذلك:
أن جبرئيل يذكر تفاصيل ما فكر به علي «عليه السلام»، ولولا أنه تلقى
ذلك عن الله تبارك وتعالى، وأذن له في بيانه، لم يكن له هو الآخر سبيل
إلى معرفة ما في الضمائر، وما تكنه السرائر.. كما أنه لا يحق له
البيان، لا الإعلان.. |