صفحة : 249-304   

1-الفصل السابع: أبو بكر.. وأسئلة أهل الكتاب

 2- بـدايـة:

قد حدثت لأبي بكر وعلي «عليه السلام» عدة أمور ظهر فيها للإمام علي «عليه السلام» المقام العلمي الشامخ.. نذكر منها ما يلي:

3- 1 ـ اليهودي.. وأبو بكر.. وعلي ×:

روى العلامة الأديب ابن دريد البصري في كتابه المجتنى قال: أخبرنا محمد، قال: حدثنا العكلي، عن ابن عائشة، عن حماد، عن حميد، عن أنس بن مالك قال: أقبل يهوديّ بعد وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأشار القوم إلى أبي بكر، فوقف عليه، فقال: أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبيّ، أو وصيّ نبيّ(1).

قال أبو بكر: سل عمّا بدا لك.

قال اليهودي: أخبرني عما ليس لله، وعما ليس عند الله، وعما لا يعلمه الله.

فقال أبو بكر: هذه مسائل الزنادقة يا يهودي. وهم أبو بكر والمسلمون باليهودي.

فقال ابن عباس: ما أنصفتم الرجل..

فقال أبو بكر: أما سمعت ماتكلم به؟!

فقال ابن عباس: إن كان عندكم جوابه، وإلا فاذهبوا به إلى علي رضي الله عنه يجيبه، فإني سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول لعلي بن أبي طالب «عليه السلام»: «اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه»(1).

قال: فقام أبو بكر ومن حضره، حتى أتوا علي بن أبي طالب «عليه السلام» فاستأذنوا عليه، فقال أبو بكر: يا أبا الحسن، إن هذا اليهودي سألني مسائل الزنادقة.

فقال علي «عليه السلام»: ما تقول يا يهودي؟!

قال: أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي.

فقال له «عليه السلام»: قل.

قال: فردد اليهودي المسائل.

فقال علي «عليه السلام»: أما ما لا يعلمه الله، فذلك قولكم يا معشر اليهود: إن العزيز ابن الله.. والله لا يعلم أن له ولداً.

وأما قولك: أخبرني بما ليس عند الله، فليس عنده ظلم للعباد.

وأما قولك: أخبرني بما ليس لله، فليس له شريك.

فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأنك وصي رسول الله «صلى الله عليه وآله»(1).

فقال أبو بكر والمسلمون لعلي «عليه السلام»: يا مفرج الكرب([4]).

4- موقف ابن عباس:

وذكرت الرواية المتقدمة لابن عباس موقفاً في قصة اليهودي، حين اتهمه أبو بكر بالزندقة، وهمَّ أن يبطش به هو ومن حوله.. مع العلم: بأن ابن عباس لم يكن حينئذٍ قد بلغ الحلم إن كان قد ولد في سنة الهجرة، وإن كان قد ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات، فربما يكون بالغاً حين حصلت هذه القصة..

فيرد على الرواية: أن هذا السن قد لا يسمح لابن عباس بهذا التدخل القوي، حيث من المتوقع أن تأخذه هيبة المجلس، وتمنعه من التدخل في الحديث الذي يجري بين الكبار..

    ولعلّ بين الحاضرين من يبادر إلى زجره عن ذلك أيضاً..

إلا أن يقال: إن شخصية ابن عباس كانت قوية، وموقعه النسبي من حيث إنه ابن عم رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان يسمح له بذلك..

وقد تعود الناس على أن لبني هاشم تميزاً على غيرهم من حيث المعرفة والإدراك، وما إلى ذلك..

كما أن الحكام آنئذٍ كانوا يحاولون إرضاء العباس مهما أمكن، ليمكنهم تحكيم سلطتهم، وفرض سيطرتهم، من خلال محاصرة علي «عليه السلام» وإضعافه. ومن معه من بني هاشم..

مع ملاحظة: أنهم قد وجدوا أنفسهم مع هذا اليهودي في مأزق يحتاجون للخروج منه، فهم بحاجة إلى أية كلمة تفتح أمامهم الطريق للخلاص.

ولذلك فليس من المصلحة ـ بنظرهم ـ التوقف عند هذه الإعتبارات في هذا الوقت على الأقل..

5- 2 ـ أنت خليفة نبي هذه الأمة؟!:

وروي: أن بعض أحبار اليهود جاء إلى أبي بكر، فقال له: أنت خليفة نبي هذه الأمة؟

فقال: نعم.

قال: فإنا نجد في التوراة: أن خلفاء الأنبياء أعلم أممهم، فخبِّرني عن الله، أين هو؟ أفي السماء، أم في الأرض؟!

فقال له أبو بكر: في السماء على العرش.

قال اليهودي: فأرى الأرض خالية منه، وأراه ـ على هذا القول ـ في مكان دون مكان.

فقال أبو بكر: هذا كلام الزنادقة، أعزب عني وإلا قتلتك

فولى الرجل متعجباً يستهزئ بالإسلام، فاستقبله أمير المؤمنين «عليه السلام»، فقال له: يا يهودي، قد عرفت ما سألت عنه، وما أجبت به، وإنا نقول:

إن الله عز وجل أين الأين فلا أين له، وجل عن أن يحويه مكان، وهو في كل مكان، بغير مماسة ولا مجاورة، يحيط علما بها، ولا يخلوا شيء من تدبيره تعالى.

وإني مخبرك بما جاء في كتاب من كتبكم يصدق ما ذكرته لك، فإن عرفته أتؤمن به؟

قال اليهودي: نعم.

قال: ألستم تجدون في بعض كتبكم: أن موسى بن عمران كان ذات يوم جالساً إذ جاءه ملك من المشرق، فقال له: من أين جئت؟!

فقال: من عند الله عز وجل.

ثم جاءه ملك آخر من المغرب، فقال له: من أين جئت؟!

فقال: من عند الله.

ثم جاءه ملك فقال: من أين جئت؟

فقال: قد جئتكم من السماء السابعة من عند الله عز وجل.

وجاءه ملك آخر قال: قد جئتك من الأرض السابعة السفلى من عند الله عز وجل.

فقال موسى «عليه السلام»: سبحان من لا يخلو منه مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب من مكان.

فقال اليهودي: أشهد أن هذا هو الحق المبين، وأنك أحق بمقام نبيك ممن استولى عليه([5]).

ونقول:

قد دلتنا هذه الرواية على أمور، نكتفي بالإشارة إلى بعضها، وهي التالية:

6- ألف: مواصفات الأوصياء في التوراة:

قد صرحت الرواية: بأن أوصاف خلفاء الأنبياء مكتوبة في التوراة، ومنها:

أن يكون وصي نبي الأمة أعلم الأمة. ونحن وإن كنا لم نجد ذلك في هذا الكتاب المتداول بين اليهود، ويدَّعون: أنه التوراة، مما يعني: أنه قد حرف عما كان عليه، أو أن التوراة الحقيقية قد استبدلت بسواها مما هو مصنوع وموضوع، وقد سمي باسم التوراة بلا مبرر..

غير أن ما ذكره حبر اليهود، من ضرورة كون أوصياء الأنبياء أعلم أممهم هو مما تضافرت عليه الإشارات والدلائل، حيث نجد: أن ذلك هو ما يمكن استخلاصه من كثير من الحوادث التي جاء فيها اليهود والنصارى للسؤال عن هذا الدين، فإن الجميع كانوا يسعون لمعرفة الوصي بواسطة معرفة ما لديه من علوم يفترضون أنها لا توجد لدى غيره من بني البشر. ثم هم يجعلون ثبوت وجود الوصي دليلاً على صدق ذلك النبي..

7- ب: التجسيم في جواب أبي بكر:

وإن إلقاء نظرة على جواب أبي بكر لذلك اليهودي تعطي: أنه لم يكن موفقاً فيه.. حيث إنه أثبت أن الله تعالى في جهة دون أخرى، وفي مكان دون آخر. حيث قال: «في السماء على العرش».

وقد أخذ عليه اليهودي ذلك. كما ذكرته الرواية..

ويجب ألا يغيب عن الناس أمران:

أحدهما: أن التوراة المتداولة، تصف الله تعالى بما هو منزه عنه، فتثبت أنه في مكان، وأنه في جهة، وأنه جسم ذو أبعاد.. وما إلى ذلك..

مع أن الحبر اليهودي لم يرتض من أبي بكر إثبات هذه الصفات لله تعالى، الأمر الذي يدل على: أنه كان يستقي معارفه من التوراة التي لم تتعرض لمثل هذا التحريف، وليس فيها هذه الأباطيل التي نعرفها ونراها في التوراة المتداولة..

الثاني: لعل أبا بكر كان قد سمع قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}([6])، وكذلك ما يشير إلى جهة العلو، كقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}([7])، ونحو ذلك، فظن: أن الله في جهة العلو، وأنه جالس على العرش، ولم يلتفت إلى: أن ذلك يؤدي إلى محاذير عقيدية خطيرة. وكان عليه أن يعرف: أن لهذه الآيات معان راقية، لم يصل إليها وهمه، ولم ينلها تفكيره وفهمه.

8- ج: أبو بكر يتهم.. ويتهدد:

وقد ظهر من كلام أبي بكر: أنه بمجرد أن سمع الإشكال من ذلك اليهودي بادر إلى اتهامه بالزندقة. وتهدده بالقتل. إن لم ينصرف عنه.

ونقول:

أولاً: إن كان الرجل يستحق القتل فعلاً، فلا يجوز طرده، بل الواجب الإمساك به، وإجراء حكم الله فيه..

ثانياً: إن السائل، وإن كان يهودياً، لكن ذلك لا يمنع من إنصافه في المحاورة العلمية، وقد سجل إشكالاً صحيحاً، يُظْهِر بطلان جواب أبي بكر بحسب الظاهر.

ولا يمكن الحكم عليه بالزندقة ولا بغيرها، ما لم يأت أبو بكر بما يزيل الشبهة التي أثارها هو بكلامه.. لكن أبا بكر عدل عن السعي لإزالة الشبهة إلى التهديد، والوعيد، والإتهام..

ثالثاً: إن اليهودي لم يزد على أن فسر جواب أبي بكر، وبين لوازمه الظاهرة التي يكون أبو بكر هو المطالب بنفيها، والتبرؤ منها، حتى لا يقع في المحذور الذي نسبه لليهودي، واستحلّ به دمه..

9- د: علي يستدرج اليهودي، ويلزمه بما التزم:

وقد كانت لعلي «عليه السلام» طريقته الفذّة في احتواء المشكلة، ثم في استدراج اليهودي إلى إعطاء تعهّد بالإيمان إن ظهر صدق قول عليّ «عليه السلام» في استخراج الحجّة من الكتب التي يأخذ اليهود علمهم منها، على طريقة الإلزام للطرف الآخر بما يلزم به نفسه..

وهكذا كان.. وشهد اليهودي بأنّ ما قاله عليّ «عليه السلام» هو الحقّ المبين، وأن علياً «عليه السلام» أحقّ بمقام النبيّ «صلى الله عليه وآله» ممّن استولى عليه..

10- 3 ـ أسئلة أخرى لرأس الجالوت:

وسأل رأس الجالوت علياً «عليه السلام» بعدما سأل أبا بكر، فلم يعرف: ما أصل الأشياء؟!

فقال «عليه السلام»: هو الماء لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}([8]).

وما جمادان تكلما؟!

فقال: هما السماء والأرض.

وما شيئان يزيدان وينقصان، ولا يرى الخلق ذلك؟!

فقال: هما الليل والنهار.

وما الماء الذي ليس من أرض ولاسماء؟!

فقال: الماء الذي بعث سليمان إلى بلقيس، وهو عرق الخيل إذا هي أجريت في الميدان.

وما الذي يتنفس بلا روح؟!

فقال: والصبح إذا تنفس.

وما القبر الذي سار بصاحبه؟!

فقال: ذاك يونس لما سار به الحوت في البحر([9]).

11- 4 ـ وازدادوا تسعاً:

وفي كتب أصحاب الرواية: اليهود قالت لما سمعت قوله سبحانه في شأن أصحاب الكهف: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً}([10]): ما نعرف التسع.

ذكرها رهط من المفسرين كالزجَّاج وغيره: أن جماعة من أحبار اليهود أتت المدينة بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقالت: ما في القرآن يخالف ما في التوراة، إذ ليس في التوارة إلا ثلاثمائة سنين.

فأشكل الأمر على الصحابة فبهتوا، فرفع إلى علي بن أبي طالب «عليه السلام» فقال:

لا مخالفة، إذ المعبر عند اليهود السنة الشمسية، وعند العرب السنة القمرية. والتوراة نزلت عن لسان اليهود، والقرآن العظيم عن لسان العرب، والثلاثمائة من السنين الشمسية ثلاثمائة وتسع من السنين القمرية([11]).

ونقول:

1 ـ إن هذه الرواية لم تذكر التاريخ الدقيق لقدوم هذه الجماعة من أحبار اليهود إلى المدينة، بل اكتفت بالقول: بأن ذلك قد حدث بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»... فقد يكون هذا التعبير من أسباب ترجيح حدوث ذلك في عهد أبي بكر، فإنه هو الأنسب في مثل هذه التعابير..

2 ـ قد يمكن أن يستأنس لذلك: بأن من الطبيعي أن يكثر قدوم جماعة اليهود إلى المدينة في عهد أبي بكر، إذ قد كان يهمهم كثيراً أن يبحثوا عن ثغرة يمكنهم النفوذ منها إلى المجتمع الإسلامي ليعبثوا به، ويسقطوه من الداخل، قبل أن يستحكم أمره، وتقوى شوكته، وتضرب جذوره إلى الأعماق، بحيث يفقدون الأمل بإحداث أي خلل فيه بعد ذلك.

3 ـ إن أمير المؤمنين «عليه السلام» لم يكن ليغيب عن الساحة، ويترك هؤلاء يعيثون فساداً في هذا الدين، بما يثيرونه من شبهات وأسئلة، حتى وصل الأمر إلى السؤال عن هذا التعبير القرآني، الذي لم يجدوا له نظيراً في توراتهم، فلعلهم يجدون في ذلك ما يمكنهم من الطعن في صدق القرآن فيما أخبر به من أنه مصدق للتوراة، حيث قال سبحانه: {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ}([12])، فجاء جوابه لهم ليلقمهم حجراً، وليرد كيدهم إلى نحورهم..

4 ـ لا ندري لماذا بهت الصحابة في قبال هذه المسألة، فلم يعرفوا حلها. وفيهم الكثيرون ممن كانوا يرشحون أنفسهم لخلافة الرسول «صلى الله عليه وآله»، بما فيهم أبو بكر الذي استولى بالفعل على هذا المقام، وصار محبوه يروجون له، وينسبون إليه الفضائل والكرامات، حتى إن فيهم من يحاول أن يدعي له مقاماً في العلم، متشبثاً مستدلاً على ذلك بأتفه الأسباب، حتى ولو زعمه أنه: لأنه دلهم على الموضع الذي يدفن فيه النبي «صلى الله عليه وآله». مع أن هذا أيضاً غير صحيح، فضلاً عن دعواهم اعلميته لروايته حديثاً يخالف القرآن وهو ان الأنبياء لا يورثون، وهو ما أثبتنا في كتابنا الصحيح من سيرة النبي عدم صحته أيضاً.

12- 5 ـ راهب معه ذهب:

وروي: أنه وفد وفد من بلاد الروم إلى المدينة على عهد أبي بكر، وفيهم راهب من رهبان النصارى، فأتى مسجد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ومعه بختي([13]) موقر ذهباً وفضة، وكان أبو بكر حاضراً، وعنده جماعة من المهاجرين والأنصار.

فدخل عليهم، وحياهم، ورحب بهم، وتصفح وجوههم، ثم قال: أيكم خليفة رسول الله، وأمين دينكم؟!

فأومي إلى أبي بكر، فأقبل إليه بوجهه، ثم قال: أيها الشيخ ما اسمك؟!

قال: اسمي عتيق.

قال: ثم ماذا؟!

قال: صدِّيق.

قال: ثم ماذا؟!

قال: لا أعرف لنفسي اسماً غيره.

فقال: لست بصاحبي.

فقال له: وما حاجتك؟!

قال: أنا من بلاد الروم، جئت منها ببختي موقر ذهباً وفضة، لأسأل أمين هذه الأمة مسألة، إن أجابني عنها أسلمت، وبما أمرني أطعت، وهذا المال بينكم فرقت، وإن عجز عنها رجعت إلى الوراء بما معي، ولم أسلم.

فقال له أبو بكر: سل عما بدا لك.

فقال الراهب: والله، لا أفتح الكلام ما لم تؤمني من سطوتك وسطوة أصحابك.

فقال أبو بكر: أنت آمن، وليس عليك بأس، قل ما شئت.

فقال الراهب: أخبرني عن شيء: ليس لله، ولا من عند الله، ولا يعلمه الله.

فارتعش أبو بكر، ولم يحر جواباً، فلما كان بعد هنيئة قال ـ لبعض أصحابه ـ: ائتني بأبي حفص عمر.

فجاء به، فجلس عنده، ثم قال: أيها الراهب اسأله.

فأقبل الراهب بوجهه إلى عمر، وقال له مثل ما قال لأبي بكر، فلم يحر جواباً.

ثم أتى بعثمان، فجرى بين الراهب وعثمان مثل ما جرى بينه وبين أبي بكر وعمر، فلم يحر جواباً.

فقال الراهب: أشياخ كرام، ذووا فجاج الإسلام. ثم نهض ليخرج.

فقال أبو بكر: يا عدو الله، لولا العهد لخضبت الأرض بدمك.

فقام سلمان الفارسي «رضي الله عنه»، وأتى علي بن أبي طالب «عليه السلام» وهو جالس في صحن داره مع الحسن والحسين «عليهما السلام»، وقص عليه القصة.

فقام علي «عليه السلام» وخرج، ومعه الحسن الحسين «عليهما السلام» حتى أتى المسجد، فلما رأى القوم علياً «عليه السلام»، كبروا الله، وحمدوا الله، وقاموا إليه أجمعهم.

فدخل علي «عليه السلام» وجلس.

فقال أبو بكر: أيها الراهب، سائله، فإنه صاحبك وبغيتك.

فأقبل الراهب بوجهه إلى علي «عليه السلام»، ثم قال: يا فتى، ما اسمك؟!

قال: اسمي عند اليهود «إليا»، وعند النصارى «إيليا»، وعند والدي «علي» وعند أمي «حيدرة».

قال: ما محلك من نبيكم؟!

قال: أخي، وصهري، وابن عمي لحاً([14]).

قال الراهب: أنت صاحبي ورب عيسى، أخبرني عن شيء ليس لله، ولا من عند الله، ولا يعلمه الله.

قال «عليه السلام»: على الخبير سقطت.

أما قولك: «ما ليس لله»، فإن الله تعالى أحد، ليس له صاحبة ولا ولد.

وأما قولك: «ولا من عند الله»، فليس من عند الله ظلم لأحد.

وأما قولك: «ولا يعلمه الله»، فإن الله لا يعلم له شريكاً في الملك.

فقام الراهب، وقطع زناره، وأخذ رأسه وقبل ما بين عينيه، وقال: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأشهد أنك أنت الخليفة، وأمين هذه الأمة، ومعدن الدين والحكمة، ومنبع عين الحجة.

لقد قرأت اسمك في التوراة إليا، وفي الإنجيل إيليا، وفي القرآن علياً، وفي الكتب السابقة حيدرة، ووجدتك بعد النبي وصياً، وللإمارة ولياً، وأنت أحق بهذا المجلس من غيرك، فخبرني ما شأنك وشأن القوم»؟!

فأجابه بشيء.

فقام الراهب وسلم المال إليه بأجمعه، فما برح علي «عليه السلام» مكانه حتى فرقه في مساكين أهل المدينة، ومحاويجهم، وانصرف الراهب إلى قومه مسلماً(1).

ونقول:

1 ـ قد يرى البعض: أن نقل حمولة بختي من الذهب كل تلك المسافات الشاسعة التي تعد بمئات الأميال ليس أمراً عادياً، بل هو مجازفة كبيرة، من الصعب أن نصدق أن أحداً يقدم عليها، إلّا إذا ضمن لنفسه ولبضاعته تلك: الأمن، والسلامة من قطاع الطرق، والسراق، وإلا إذا فرض أنه قد انضم إلى بعض القوافل الكبيرة المحمية بالرجال الأشدّاء، أو أنه استطاع أن يحتفظ بالسرية التامة لحقيقة البضاعة التي يحملها..

2 ـ إن سؤال الراهب عن اسم أبي بكر كان بهدف معرفة إن كان يطابق ما هو مكتوب عندهم في كتبهم المقدّسة، ليكون ذلك من إمارات الصدق بالنسبة إليه..

3 ـ إن ذكر اسم الإمام والخليفة في الكتب المقدّسة يسقط ما يدّعونه: من أن الله تعالى قد أوكل نصب الإمام إلى الناس..

4 ـ إن الراهب لم يسئ إلى الحاضرين بأدنى كلمة، بل هو قد أثنى عليهم، ومدحهم قبل أن يسألهم، وبعد أن سألهم، لم يجد عندهم الجواب الكافي والشافي..

5 ـ إن أبا بكر بعد أن عجز هو ومن استدعاهم إلى مجلسه عن جواب سؤال الراهب، ونهض الراهب ليخرج بادر إلى الهجوم عليه، وتهديده..

    ولعلّ السبب في ذلك ثلاثة أمور:

أحدها: أنه أحسّ بفوات الذهب من يده..

الثاني: أن هذا الفوات قد اقترن بفضح أبي بكر، وفريقه كله، وإظهار مدى جهلهم بالمسائل، وبعدهم عن معرفة الحقائق والدقائق..

الثالث: إن ذلك قد اقترن بانطباع سيء، ربما يترك آثاراً سلبية كبيرة وخطيرة، تتلخص في أن من لا يجيب على هذه الأسئلة، فهو غاصب لمقامه، معتد على إمامه، وليس هو الإمام الحقيقي، ولا الخليفة الشرعي لذلك النبي الذي ينسب نفسه إليه.

6 ـ إن الإبتهاج العفوي الذي استقبل به الحاضرون في ذلك المجلس علياً «عليه السلام»، يعطي: أن أولئك الحاضرين، كانوا على قناعة تامة بمقام علي «عليه السلام»، وبالمسافات الشاسعة التي تفصله عنهم وعن حكامهم في العلم والفضل والكرامة عند الله، ومنزلته من رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

7 ـ ثم إن عهدنا بأبي بكر وعمر وعثمان: أنهم بمجرد أن يواجهوا أمراً من هذا القبيل يلجأون إلى علي «عليه السلام».. ولا يبحثون عن غيره، فلماذا استدعى أبو بكر عمر أولاً، ثم عثمان ثانياً، فلما عجزا كما عجز أبو بكر لم يذكر علياً «عليه السلام»، ولا ذكره عمر ولا عثمان ولا غيرهم..

    وقد يرى البعض: أن من حق هؤلاء أن لا يذكروا علياً «عليه السلام»، ومن حق الآخرين أن لا يذكروه أيضاً، خوفاً من بطشهم.. لأنهم يعرفون أن علياً «عليه السلام» سوف يجيب على الأسئلة. وذلك يعني تأكيد مقامه، وبيان فضله، وظهور علمه من جهة.. ثم أن يفوز هو بذلك الذهب الكثير من جهة أخرى.

    ولعلّهم كانوا يخططون للإستيلاء على ذلك الذهب، ومنع الراهب من اصطحابه، بوسيلة أو بأخرى..

8 ـ ولكن علياً «عليه السلام» قد خفف عنهم بعض التخفيف حين فرَّق ذلك الذهب في محاويج أهل المدينة، ولم يحتفظ لنفسه بشيء منه..

9 ـ يلاحظ: ان الراهب طلب من أبي بكر أن يؤمنه من سطوته، مع ان النبي «صلى الله عليه وآله» ووصيه «عليه السلام»لا يمكن ان يكونا من الجلادين، واهل البطش.. فالظاهر ان الذي دعا الراهب الى طلب الامان هو انه حين سأل ابا بكر عن اسمه، واستقصى في السؤال فلم  يجد بغيته، ظهر له أنه إمام حاكم زيفي ليس هو من الأنبياء ولا من الأوصياء فأراد أن يحتاط لنفسه بأخذ الأمان.

10 ـ إن أبا بكر حين وصل إلى علي «عليه السلام» قال للراهب: سائله، فإنه صاحبك وبغيتك، فدل بذلك على أنه عارف بالحق وبأهله.. ويصبح قول أبي بكر هذا دليلاً على أنه قد أخذ مقاماً ليس له.

13- 6 ـ علي وأسئلة النصارى:

عن سلمان الفارسي «رحمه الله» قال: لما قبض النبي «صلى الله عليه وآله» اجتمعت النصارى إلى قيصر ملك الروم، فقالوا له: أيها الملك، إنَّا وجدنا في الإنجيل رسولاً يخرج من بعد عيسى، اسمه أحمد، وقد رمقنا خروجه، وجاءنا نعته، فأشر علينا، فإنا قد رضيناك لديننا ودنيانا.

قال: فجمع قيصر من نصارى بلاده مائة رجل، وأخذ عليهم المواثيق: أن لا يغدروا، ولا يخفوا عليه من أمورهم شيئاً، وقال: انطلقوا إلى هذا الوصي، الذي هو بعد نبيهم، فسلوه عما سئل عنه الأنبياء «عليه السلام»، وعما أتاهم به من قبل، والدلايل التي عرفت بها الأنبياء، فإن أخبركم فآمنوا به، وبوصيه، واكتبوا بذلك إلي. وإن لم يخبركم، فاعلموا: أنه رجل مطاع في قومه، يأخذ الكلام بمعانيه، ويرده على مواليه، وتعرفوا خروج هذا النبي.

قال: فسار القوم حتى دخلوا بيت المقدس، واجتمعت اليهود إلى رأس جالوت، فقالوا له مثل مقالة النصارى بقيصر.

فجمع رأس جالوت من اليهود مائة رجل.

قال سلمان: فاغتنمت صحبة القوم، فسرنا حتى دخلنا المدينة، وذلك يوم عروبة، وأبو بكر قاعد في المسجد يفتي الناس. فدخلت عليه، فأخبرته بالذي قدم له النصارى واليهود، فأذن لهم بالدخول عليه، فدخل عليه رأس جالوت، فقال:

يا أبا بكر، إنا قوم من النصارى واليهود، جئناكم لنسألكم عن فضل دينكم، فإن كان دينكم أفضل من ديننا قبلناه، وإلا فديننا أفضل الأديان؟!

قال أبو بكر: سل عما تشاء أخبرك إن شاء الله.

قال: ما أنا وأنت عند الله؟!

قال أبو بكر: أما أنا فقد كنت عند الله مؤمناً، وكذلك عند نفسي إلى الساعة، ولا أدري ما يكون من بعد.

فقال اليهودي: فصف لي صفة مكانك في الجنة، وصفة مكاني في النار، لأرغب في مكانك وأزهد عن مكاني.

قال: فأقبل أبو بكر ينظر إلى معاذ مرة، وإلى ابن مسعود مرة.

وأقبل رأس جالوت يقول لأصحابه بلغة أمته: ما كان هذا نبياً.

قال سلمان: فنظر إلي القوم، قلت لهم: أيها القوم! ابعثوا إلى رجل لو ثنيتم الوسادة لقضى لأهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، ولأهل الزبور بزبورهم، ولأهل القرآن بقرآنهم، ويعرف ظاهر الآية من باطنها، وباطنها من ظاهرها.

قال معاذ: فقمت فدعوت علي بن أبي طالب، وأخبرته بالذي قدمت له اليهود والنصارى، فأقبل حتى جلس في مسجد رسول الله «صلى الله عليه وآله».

قال ابن مسعود: وكان علينا ثوب ذل، فلما جاء علي بن أبي طالب كشفه الله عنا.

قال علي «عليه السلام»: سلني عما تشاء أخبرك إن شاء الله.

قال اليهودي: ما أنا وأنت عند الله؟!

قال: أما أنا فقد كنت عند الله وعند نفسي مؤمناً إلى الساعة، فلا أدري ما يكون بعد.

وأما أنت فقد كنت عند الله وعند نفسي إلى الساعة كافراً، ولا أدري ما يكون بعد..

قال رأس جالوت: فصف لي صفة مكانك في الجنة، وصفة مكاني في النار، فأرغب في مكانك وأزهد عن مكاني.

قال علي «عليه السلام»: يا يهودي! لم أر ثواب الجنة ولا عذاب النار فأعرف ذلك، ولكن كذلك أعد الله للمؤمنين الجنة وللكافرين النار، فإن شككت في شيء من ذلك فقد خالفت النبي «صلى الله عليه وآله»، ولست في شيء من الإسلام.

قال: صدقت رحمك الله، فإن الأنبياء يوقنون (لعل الصحيح: يؤمنون) على ما جاؤوا به، فإن صدقوا آمنوا، وإن خولفوا كفروا.

قال: فأخبرني أعرفت الله بمحمد؟! أم محمداً بالله؟!

فقال علي «عليه السلام»: يا يهودي! ما عرفت الله بمحمد، ولكن عرفت محمداً بالله، لأن محمداً محدود مخلوق، وعبد من عباد الله، اصطفاه الله واختاره لخلقه، وألهم الله نبيه كما ألهم الملائكة الطاعة، وعرفهم نفسه بلا كيف ولا شبه.

قال: صدقت.

قال: فأخبرني الرب في الدنيا أم في الآخرة؟!

فقال علي «عليه السلام»: إن «في» وعاء، فمتى ما كان بفي كان محدوداً. ولكنه يعلم ما في الدنيا والآخرة، وعرشه في هواء الآخرة، وهو محيط بالدنيا، والآخرة بمنزلة القنديل في وسطه إن خليت يكسر، إن أخرجته لم يستقم مكانه هناك، فكذلك الدنيا وسط الآخرة.

قال: صدقت.

قال: فأخبرني الرب يحمل أو يحمل؟!

قال علي بن أبي طالب «عليه السلام»: يحمل.

قال رأس جالوت: فكيف؟! وإنا نجد في التوراة مكتوباً: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}([16]).

قال علي: يا يهودي، إن الملائكة تحمل العرش، والثرى يحمل الهواء، والثرى موضوع على القدرة، وذلك قوله تعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى}([17]).

قال اليهودي: صدقت رحمك الله([18]).

14- 7 ـ أسئلة الجاثليق:

المفيد، عن علي بن خالد، عن العباس بن الوليد، عن محمد بن عمر الكندي، عن عبد الكريم بن إسحاق الرازي، عن بندار، عن سعيد بن خالد، عن إسماعيل بن أبي إدريس([19])، عن عبد الرحمن بن قيس البصري، قال: حدثنا ذازان([20]) عن سلمان الفارسي «رحمة الله عليه» قال:

لما قبض النبي «صلى الله عليه وآله»، وتقلد أبو بكر الأمر قدم المدينة جماعة من النصارى، يتقدمهم جاثليق لهم، له سمت ومعرفة بالكلام ووجوهه، وحفظ التوراة والإنجيل وما فيهما.

فقصدوا أبا بكر، فقال له الجاثليق: إنا وجدنا في الإنجيل رسولاً يخرج بعد عيسى، وقد بلغنا خروج محمد بن عبد الله، يذكر أنه ذلك الرسول، ففزعنا إلى ملكنا، فجمع وجوه قومنا، وأنفذنا في التماس الحق فيما اتصل بنا، وقد فاتنا نبيكم محمد.

وفيما قرأناه من كتبنا: أن الأنبياء لا يخرجون من الدنيا إلا بعد إقامة أوصياء لهم يخلفونهم في أممهم، يقتبس منهم الضياء فيما أشكل، فأنت أيها الأمير وصيه لنسألك عما نحتاج إليه؟!

فقال عمر: هذا خليفة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فجثا الجاثليق لركبتيه وقال له: خبرنا أيها الخليفة عن فضلكم علينا في الدين، فإنا جئنا نسأل عن ذلك.

فقال أبو بكر: نحن مؤمنون وأنتم كفار، والمؤمن خير من الكافر، والإيمان خير من الكفر.

فقال الجاثليق: هذه دعوى يحتاج إلى حجة، فخبرني أنت مؤمن عند الله أم عند نفسك؟!

فقال أبو بكر: أنا مؤمن عند نفسي، ولا علم لي بما عند الله.

فقال الجاثليق: فهل أنا كافر عندك على مثل ما أنت مؤمن؟! أم أنا كافر عند الله؟!

فقال: أنت عندي كافر، ولا علم لي بحالك عند الله.

فقال الجاثليق: فما أراك إلا شاكاً في نفسك وفي، ولست على يقين من دينك. فخبرني: ألك عند الله منزلة في الجنة بما أنت عليه من الدين تعرفها؟!

فقال: لي منزلة في الجنة أعرفها بالوعد، ولا أعلم هل أصل إليها أم لا.

فقال له: فترجو لي منزلة من الجنة؟!

قال: أجل أرجو ذلك.

فقال الجاثليق: فما أراك إلا راجياً لي، وخائفاً على نفسك، فما فضلك في العلم؟!

ثم قال له: أخبرني هل احتويت على جميع علم النبي المبعوث إليك؟!

قال: لا، ولكني أعلم منه ما قضي لي علمه([21]).

قال: فكيف صرت خليفة للنبي وأنت لا تحيط علماً بما يحتاج إليه أمته من علمه؟! وكيف قدمك قومك على ذلك؟!

فقال له عمر: كف أيها النصراني عن هذا العتب، وإلا أبحنا دمك!

فقال الجاثليق: ما هذا عدل على من جاء مسترشداً طالباً.

قال سلمان «رحمة الله عليه»: فكأنما أُلبسنا جلباب المذلة، فنهضت حتى أتيت علياً «عليه السلام»، فأخبرته الخبر فأقبل ـ بأبي وأمي ـ حتى جلس، والنصراني يقول: دلوني على من أسأله عما أحتاج.

فقال له أمير المؤمنين «عليه السلام»: سل يا نصراني، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لا تسألني عما مضى ولا ما يكون إلا أخبرتك به عن نبي الهدى محمد «صلى الله عليه وآله».

فقال النصراني: أسألك عما سألت عنه هذا الشيخ، خبرني أمؤمن أنت عند الله أم عند نفسك؟!

فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: أنا مؤمن عند الله كما أنا مؤمن في عقيدتي.

فقال الجاثليق: الله أكبر، هذا كلام وثيق بدينه، متحقق فيه بصحة يقينه، فخبرني الآن عن منزلتك في الجنة ما هي؟!

فقال «عليه السلام»: منزلتي مع النبي الأمي في الفردوس الأعلى، لا أرتاب بذلك ولا أشك في الوعد به من ربي.

قال النصراني: فبماذا عرفت الوعد لك بالمنزلة التي ذكرتها؟!

فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: بالكتاب المنزل، وصدق النبي المرسل.

قال: فبما علمت صدق نبيك؟!

قال: بالآيات الباهرات، والمعجزات البينات.

قال الجاثليق: هذا طريق الحجة لمن أراد الإحتجاج، خبرني عن الله تعالى أين هو اليوم؟!

فقال «عليه السلام»: يا نصراني، إن الله تعالى يجل عن الأين، ويتعالى عن المكان، كان فيما لم يزل ولا مكان، وهو اليوم على ذلك، لم يتغير من حال إلى حال.

فقال: أجل، أحسنت أيها العالم، وأوجزت في الجواب، فخبرني عن الله تعالى، أمدرك بالحواس عندك، فيسألك المسترشد في طلبه استعمال الحواس؟!([22]) أم كيف طريق المعرفة به، إن لم يكن الأمر كذلك؟!

فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: تعالى الملك الجبار أن يوصف بمقدار، أو تدركه الحواس، أو يقاس بالناس. والطريق إلى معرفته صنائعه الباهرة للعقول، الدالة ذوي الإعتبار بما هو منها مشهود ومعقول.

قال الجاثليق: صدقت، هذا والله هو الحق الذي قد ضل عنه التائهون في الجهالات، فخبرني الآن عما قاله نبيكم في المسيح، وأنه مخلوق، من أين أثبت له الخلق، ونفى عنه الإلهية، وأوجب فيه النقص؟! وقد عرفت ما يعتقد فيه كثير من المتدينين!!

فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: أثبت له الخلق بالتقدير الذي لزمه، والتصوير والتغير من حال إلى حال، والزيادة التي لم ينفك منها والنقصان، ولم أنف عنه النبوة، ولا أخرجته من العصمة، والكمال، والتأييد، وقد جاءنا عن الله تعالى: بأنه مثل آدم، خلقه من تراب، ثم قال له: كن فيكون.

فقال له الجاثليق: هذا ما لا يطعن فيه الآن، غير أن الحجاج مما يشترك فيه الحجة على الخلق والمحجوج منهم، فبم بنت أيها العالم من الرعية الناقصة عندي؟!([23])

قال: بما أخبرتك به من علمي بما كان وما يكون.

قال الجاثليق: فهلم شيئاً من ذكر ذلك أتحقق به دعواك.

فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: خرجت أيها النصراني من مستقرك، مستفزاً لمن قصدت بسؤالك له، مضمراً خلاف ما أظهرت من الطلب والإسترشاد، فأريت في منامك مقامي، وحدثت فيه بكلامي، وحذرت فيه من خلافي، وأمرت فيه باتباعي.

قال: صدقت. والله الذي بعث المسيح، وما اطلع على ما أخبرتني به إلا الله تعالى، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأنك وصي رسول الله، وأحق الناس بمقامه.

وأسلم الذين كانوا معه كإسلامه، وقالوا: نرجع إلى صاحبنا فنخبره بما وجدنا عليه هذا الأمر، وندعوه إلى الحق.

فقال له عمر: الحمد لله الذي هداك أيها الرجل إلى الحق، وهدى من معك إليه، غير أنه يجب أن تعلم: أن علم النبوة في أهل بيت صاحبها، والأمر بعده لمن خاطبت أولاً برضى الأمة واصطلاحها عليه، وتخبر صاحبك بذلك، وتدعوه إلى طاعة الخليفة.

فقال: عرفت ما قلت أيها الرجل، وأنا على يقين من أمري فيما أسررت وأعلنت.

وانصرف الناس، وتقدم عمر أن لا يذكر ذلك المقام بعد، وتوعد على من ذكره بالعقاب، وقال: أم والله، لولا أنني أخاف أن يقول الناس: قتل مسلماً لقتلت هذا الشيخ ومن معه، فإنني أظن أنهم شياطين أرادوا الإ فساد على هذه الأمة، وإيقاع الفرقة بينها!

فقال أمير المؤمنين «صلوات الله عليه»: يا سلمان، أترى كيف يظهر الله الحجة لأوليائه، وما يزيد بذلك قومنا عنا إلا نفوراً؟!([24]).

ونقول:

يصادف الباحث هذا النوع من الروايات في كثير من المواضع، ونحن نكتفي هنا بالإشارة إلى ما يلي:

15- حدث واحد، أم أحداث؟!:

    إن الروايتين اللتين ذكرناهما في أوائل هذا الفصل ربما تكونان تحكيان واقعة واحدة، وقد حفلت كل واحدة منهما ببعض الجزئيات والتفاصيل دون الأخرى، فلا بأس بضمها إلى بعضها البعض على سبيل العطف لأجل المقارنة بينهما.. للخروج بصورة أكمل وأتم.

ولكن سائر الروايات لا بد من الحكم بأنها وقائع متعددة كما يظهر بالملاحظة والمقارنة.. فراجع.

16- يعجز أبو بكر اكثر من مرة:

ومما يثير العجب هنا: أننا نجد أبا بكر يعجز عن السؤال الواحد مرة من يهودي ومرة أخرى من نصراني.. أو مع نصرانيين أو يهوديين. فكيف نفسر ذلك.. إن لم يكن الله قد ابتلاه بعدم التمكن من ضبط أمثال هذه الأمور، من حيث أن اهتمامه منصرف إلى أمور أخرى لا ربط لها بمثل هذه الأمور.. أو أن الرواة أنفسهم قد توهموا طرح بعض الأسئلة في مورد، والحال أنها إنما طرحت في غيره.. والله هو العالم بالحقائق.

17- لا بد من إمام:

    قد عرفنا في كلام الجاثليق: أنهم يجدون في كتبهم: أن الأنبياء لا يخرجون من الدنيا إلا بعد إقامة أوصياء. يقتبس بهم الضياء فيما أشكل.

    كما أن كلام قيصر في الرواية الأخرى قد أظهر: ضرورة وجود وصي للنبي «صلى الله عليه وآله»..

لماذا تأخر وفودهم؟!:

إذا كان الجاثليق قد أخبر بظهور نبينا «صلى الله عليه وآله»، فلماذا انتظر حتى توفي فوفد إلى المدينة؟!

ونجيب:

أولاً: إن للتأخير آفات مختلفة. فلعله ابتلي بواحدة منها منعته من الوفود.

ثانياً: لعله كان ينتظر ظهور النبي «صلى الله عليه وآله» على أهل مكة كما كان العرب ينتظرون ذلك. فلما تمكن من الوفود كان «صلى الله عليه وآله» قد استشهد وتولى الأمر أبو بكر.

18- الراهب يخاف:

وقد لاحظنا صاحب الذهب يخشى سطوة أبي بكر، وسطوة أصحابه.. مع أنه جاء يطلب وصي النبي «صلى الله عليه وآله».. والوصي لا يبطش بالناس بغير حق.. فهل يمكن ان نفهم من ذلك: أن ذلك الراهب كان يعرف ـ من كتبه ـ أن مقام الوصي سوف يغصب منه من قبل اناس يتميزون بالبطش بالأبرياء، أم أنه أراد ان يحتاط لنفسه أو أنه قاس ما جرى في هذه الامة على ما جرى في الامم السابقة؟.

19- العلم الخاص دليل الإمامة:

إن          رأس الجالوت والجاثليق، وكذلك من معه، بالإضافة إلى اليهودي الآخر الذي تقدمت أسئلته قبل ذلك، كانوا يدركون أن أوصياء الأنبياء هم مصدر المعرفة، ولديهم علوم خاصة بهم.. وليس لأحد سواهم شيء منها، وبها يعرف الناس إمامتهم، ووصايتهم، وأنه يقتبس منهم الضياء فيما أشكل.

    وظاهر كلام قيصر: أنه كان يفترض أيضاً أن يكون لدى النبي وخليفته من بعده نفس علوم الأنبياء السابقين، ولذلك قال قيصر لرسله: فسلوه عما سئل عنه الأنبياء..

20- قيصر.. ورسله:

    وقد ذكر حديث سلمان: أن قيصر جمع مئة من العلماء، وأرسلهم لاستكشاف أمر النبي. ولعل قيصر هذا غير قيصر الذي راسله رسول الله «صلى الله عليه وآله» ثم حاربه المسلمون في مؤتة، حيث إن سياق الكلام يشير إلى اختلافه مع من سبقه في التعامل مع هذا الأمر فانه يتصرف بهدوء وبعقلانية..

    غير أن ما لفت نظرنا هنا: تحذير قيصر لرسله من الغدر.. مما يشير إلى: أنه كان يتوقع ذلك منهم أكثر من المعتاد.. مع علمنا: بأنه ليس في بلاد العرب من الناحية المعيشية، والرخاء، أو المناخ ما يطمع به هؤلاء، أو ما يمكن تفضيله على الأوطان، ويدعو إلى مفارقة الأهل والخلان. إلا إذا كان يعلم أنه قد حاق بهم من الظلم والمهانة، ولحقهم من الأذى ما يدفعهم إلى تفضيل بلاد العرب على بلادهم..

    أو لعله خاف أن يلجأوا إلى عدوه التقليدي كسرى. فإن بلاد العرب تقع قرب بلاد فارس.. ولا بد أن يكون دافعهم إلى عمل كهذا ـ بنظره ـ هو الحصول على الدنيا، والإنتقال إلى ما هو أفضل مما هم عليه..

أو لعله خاف من ان يحملهم تعصبهم على انكار الحقائق، وتزويرها.

21- لا بد من وصي وإمام:

    وإذ قد ظهر من الروايات التي هذا سبيلها: أنه لا بد لكل نبي من وصي بعده، فهذا يعني: أن الذي يأتي بعد النبي لا يمكن أن يكون منتخباً من الناس، لأن هذه الملكات، والعلوم، والمزايا التي يكون بها وصياً وإماماً لا يمكن للناس أن يطَّلعوا عليها، فلا معنى لإفساح المجال لهم لاختياره..

وقد استدل قيصر على نفي نبوة النبي بنفس عدم وجود وصي بعده.. يملك علومه، ومزاياه. ودلايله..

كما أن رأس الجالوت قد نفى النبوة عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بمجرد ظهور عجز أبي بكر عن الجواب، وكان أبو بكر قد اظهر نفسه لهم على أنه هو الوصي بعد النبي «صلى الله عليه وآله».

22- أين كان سلمان؟!:

    وقد أظهرت الرواية الثانية ـ وهي رواية رسل قيصر ـ: أن سلمان كان مع ذلك الوفد، وصرّحت: بأنه سار معهم إلى المدينة..

وهذا معناه: أنه كان ـ على ما يبدو ـ في البلد المسمى ببيت المقدس، ولسلمان ذكريات في هذا البلد، قبل أن يذهب إلى الحجاز، ويتشرف بالدخول في الإسلام على يد رسول الله «صلى الله عليه وآله».

    ويبدو أن سلمان كان يسافر إلى مثل هذه المناطق، فقد كان أيضاً في بيروت كما دلّت عليه بعض الروايات([25])..

23- معاذ فهم كلام سلمان:

وقد         طلب سلمان من معاذ: أن يدعو رجلاً لم يذكر اسمه، ولكن ذكر صفته في العلم، فلم يحتج معاذ إلى التصريح له بالاسم، بل عرف المسمى بمجرد ذكر الصفة، فبادر إلى دعوة علي «عليه السلام».

ودلالة هذا على موقع علي «عليه السلام» فيهم لا يحتاج إلى بيان..

24- جواب أبي بكر في رواية رسل قيصر:

    وقد يظن البعض: أن جواب أبي بكر على السؤال الأول في الرواية الثانية قد تطابق مع جواب علي «عليه السلام».

غير أننا نقول:

بل الأمر على عكس ذلك، فإن أبا بكر، وإن كان قد قرّر أنه كان عند الله وعند نفسه مؤمناً إلى تلك الساعة.. ولكنه لم يثبت الكفر للطرف المقابل. الأمر الذي يحمل معه احتمالات أن يكون غير محكوم بالكفر عنده، أو أنه لا يتيقن كفره، وهذا خلل هام لا مجال لغض النظر عنه.

    ولعله قد كان هناك من حاول أن يستفيد من جواب علي «عليه السلام» لاصلاح كلام ابي بكر، وليخفف من قبحه فخانه التوفيق في ذلك.

ولعل رواية الجاثليق هي الأصح والأوضح، لأنها بيّنت أن أبا بكر مؤمن عند نفسه ولا يدري بما عند الله، وأن الجاثليق كافر عند أبي بكر، ولا يدري أبو بكر حال الجاثليق عند الله.. ولذلك قال الجاثليق: ما أراك إلا شاكاً في نفسك وفيَّ، ولست على يقين من دينك.

25- لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً:

    إن علياً «عليه السلام» هو الذي يقول: «لو كُشف (لي) الغطاء ما ازددت يقيناً»([26]).. ولكنه هنا لا يستجيب لطلب اليهودي منه: أن يصف مكانه في الجنة، ومكان اليهودي في النار، رغم أن اليهودي قد أغراه بذلك أشد الأغراء، حين قال له: «فأرغب في مكانك وأزهد عن مكاني». ومع أنه قد كان بإمكان علي «عليه السلام» أن يصف له ذلك وصفاً صحيحاً وصادقاً، صادراً من معدنه..

    غير أن من الواضح: أن ذلك اليهودي لم يكن مؤمناً بالصلة بين الوصي والنبي، وبين الله تعالى.. لأنه كان لا يزال مقيماً على إنكاره للنبوة والوصية على حد سواء، فكل ما سوف يقدمه له «عليه السلام» من وصف للجنة وللنار سوف يعتبره رجماً بالغيب، وقولاً بغير علم.

    فكان لا بد له «عليه السلام» من أن يحيله إلى القاعدة العقلية التي لا مناص منها، وهي: أن عليه أن يخضع لمعجزة النبي، ويؤمن بنبوته أولاً، ثم يكون التسليم بكل ما جاء به ذلك النبي ثانياً.

26- معرفة الله عقلية فطرية:

    وقد جاء السؤال والجواب عن طريق معرفة الله تبارك وتعالى ليؤكد ما عليه أهل الحق:

من أن معرفة الله سبحانه وتعالى ليست بالسمع، وبإخبار الأنبياء، للزوم الدور في ذلك، ولأن ذلك يوجب انسداد باب العلم بهما معاً، فلا يتمكن من معرفة الله، ولا من معرفة أنبيائه.

    ولذلك استدل «عليه السلام» على معرفة الله سبحانه وتعالى بدليلي العقل والفطرة معاً.. فدليل العقل هو استحالة أن يعرف الله تعالى الخالق والمطلق بمحمد المحدود والمخلوق.

و  دليل الفطرة هو إلهام الله عباده وملائكته طاعته، وتعريفهم نفسه.

27- أبو بكر خائف على نفسه، راج النجاة للنصراني:

    وقد ظهر الخلل في أجوبة أبي بكر حين استدرجه الجاثليق للإقرار بأنه خائف على نفسه من الهلاك، كما أنه يرجو النجاة للنصراني فتساوى مع النصراني في كونهما لا يعلمان مصيرهما..

28- عمر يهدد الجاثليق بإباحة دمه:

    وقد وجدنا عمر يهدد الجاثليق بإباحة دمه، لمجرد أنه أخذ اعترافاً من أبي بكر بأنه لا يملك علماً خاصاً به، كما يملك علي «عليه السلام».. ولعل سبب ذلك هو إدراكه خطورة هذا الإقرار، لأنه عرف أن النتيجة ستكون هي أن من لا يملك علم الإمامة فهو متغلب وغاصب..

29- مبادرة علي :

    وقد بادر علي «عليه السلام» ذلك النصراني (الجاثليق)، بقوله له: إنه سيخبره عن ما يسأله عنه مما كان وما يكون، لا من عند نفسه، ولا مما يتيسر له الحصول عليه.. بل من العلم الذي اختصه به محمد «صلى الله عليه وآله»، وهو النبي المعصوم، الذي {مَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى}..

    وهذا يتضمن تعريضاً بعلوم غيره، وبأن مصادرها ليست مضمونة، لأنها ليست معصومة، ولا تنتهي إلى الله تعالى عالم الغيب والشهادة.

30- 8 ـ أسئلة ملك الروم:

وسأل رسول ملك الروم أبا بكر، عن رجل لا يرجو الجنة ولا يخاف النار، ولا يخاف الله، ولا يركع، ولا يسجد، ويأكل الميتة والدم، ويشهد بما لا يرى، ويحب الفتنة ويبغض الحق.

فلم يجبه.

فقال عمر: ازددت كفراً إلى كفرك.

فأخبر بذلك علي «عليه السلام» فقال: هذا رجل من أولياء الله، لا يرجو الجنة، ولا يخاف النار، ولكن يخاف الله.

ولا يخاف الله من ظلمه، وإنما يخاف من عدله.

ولا يركع ولا يسجد في صلاة الجنازة.

ويأكل الجراد والسمك، ويأكل الكبد.

ويحب المال والولد {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ}([27]).

ويشهد بالجنة والنار، وهو لم يرها.

ويكره الموت وهو حق([28]).

31- 9 ـ وفي مقال([29]): لي ما ليس لله، فلي صاحبة وولد.

ومعي ما ليس مع الله، معي ظلم وجور.

ومعي ما لم يخلق الله، فأنا حامل القرآن وهو غير مفترى.

 

وأعلم ما لم يعلم الله وهو قول النصارى: «إن عيسى ابن الله»([30]).

وصدّق النصارى واليهود في قولهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ}([31]) الآية..

وكذّب الأنبياء والمرسلين، كذب إخوة يوسف، حيث قالوا: أكله الذئب، وهم أنبياء الله، ومرسلون إلى الصحراء.

وأنا أحمد النبي، أحمده وأشكره.

وأنا علي، علي في قومي.

وأنا ربكم، أرفع وأضع: رب كمي، أرفعه وأضعه([32]).

ونقول:

1 ـ من قوله: وفي مقال: لي ما ليس لله.. إلى آخر الرواية، إنما هي إجابات على أسئلة لم ترد في رسالة رسول ملك الروم المذكورة آنفاً، فلعلها قد سقطت من النص سهواً، أو لعلهما قصتان وسقط الشطر الأول من الثانية، واتصل ما تبقى منها بآخر القصة الأولى. وهذا هو الظاهر..

2 ـ إن كلام عمر مع ذلك الرجل لم يأت في محله. وقد كان ينبغي أن يرجع في هذه الأسئلة إلى العلماء بها. وقد ظهر أن لها معان وأجوبة صحيحة وبليغة، وأن من يطرحها لا يزداد كفراً.. فلماذا هذه المبادرة من عمر التي قد تترك أثراً سلبياً على مكانته لدى أهل المعرفة؟!..

3 ـ لقد نسبت الرواية الكذب إلى أنبياء الله، وهم إخوة يوسف «عليه السلام»، وهذا غير مقبول..

فأولاً: روي عن نشيط بن ناصح البجلي قال: قلت لأبي عبد الله «عليه السلام» أكان إخوة يوسف أنبياء؟!

قال: لا، ولا بررة أتقياء. وكيف؟! وهم يقولون لأبيهم: {تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ}([33])»([34]).

ثانياً: قد أثبتت الأدلة العقلية عصمة الأنبياء عن الذنوب: صغائرها وكبائرها، فكيف نسب الكذب ـ وهو من الكبائر ـ إلى أنبياء مرسلين؟!

ثالثاً: إن هذه الرواية، وكذلك الروايات الأخرى التي تقول: إنهم كانوا أنبياء، كلها روايات ضعيفة، وشطر منها مروي بطرق غير شيعة أهل البيت «عليهم السلام».

4 ـ لقد نهى أئمتنا «عليهم السلام» شيعتهم عن الحديث عن كون القرآن مخلوقاً([35]).

نعم ورد الترخيص بوصفه: بأنه محدث([36]). وفق ما ورد في القرآن الكريم: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}([37]).

5 ـ ما ذكرته الرواية: من أننا نعلم ما لم يعلمه الله، وهو قول النصارى الخ.. لا يستقيم، فإن الله يعلم بأنهم قالوا ذلك، ونحن نعلم ذلك أيضاً.

إلا أن يكون المقصود: أن الله لا يعلم بالولد له، لأنه غير موجود، فهو من قبيل القضية السالبة بانتفاء موضوعها([38]).

32- 10 ـ الجواب على أسئلة نصرانيين:

وسأل نصرانيان أبا بكر: ما الفرق بين الحب والبغض ومعدنهما واحد؟! وما الفرق بين الرؤيا الصادقة والرؤيا الكاذبة ومعدنهما واحد؟!

فأشار إلى عمر، فلما سألاه أشار إلى علي «عليه السلام»، فلما سألاه عن الحب والبغض قال:

إن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، فأسكنها الهواء، فما تعارف هناك اعترف (ائتلف) ههنا، وما تناكر هناك اختلف ههنا.

ثم سألاه عن الحفظ والنسيان.

فقال: إن الله تعالى خلق ابن آدم وجعل لقلبه غاشية، فمهما مر بالقلب والغاشية منفتحة حَفِظ وحَصَا، ومهما مرَّ بالقلب والغاشية منطبقة لم يحفظ ولم يحص.

ثم سألاه عن الرؤيا الصادقة، والرؤيا الكاذبة.

فقال «عليه السلام»: إن الله تعالى خلق الروح، وجعل لها سلطاناً، فسلطانها النفس، فإذا نام العبد خرج الروح وبقي سلطانه، فيمر به جيل من الملائكة وجيل من الجن، فمهما كان من الرؤيا الصادقة فمن الملائكة، ومهما كان من الرؤيا الكاذبة فمن الجن.

فأسلما على يديه، وقتلا معه يوم صفين([39]).

33- 11 ـ صفة الوصي في التوراة:

روي مسنداً عن عبد الرحمن بن أسود، عن جعفر بن محمد، عن أبيه «عليهما السلام» قال: كان لرسول الله «صلى الله عليه وآله» صديقان يهوديان، قد آمنا بموسى رسول الله، وأتيا محمداً «صلى الله عليه وآله» وسمعا منه، وقد كانا قرءا التوراة، وصحف إبراهيم «عليه السلام»، وعلما علم الكتب الأولى.

فلما قبض الله تبارك وتعالى رسوله «صلى الله عليه وآله» أقبلا يسألان عن صاحب الأمر بعده، وقالا: إنه لم يمت نبي قط إلا وله خليفة يقوم بالأمر في أمته من بعده، قريب القرابة إليه من أهل بيته، عظيم القدر، جليل الشأن.

فقال أحدهما لصاحبه: هل تعرف صاحب الأمر من بعد هذا النبي؟!

قال الآخر: لا أعلمه إلا بالصفة التي أجدها في التوراة. هو الأصلع المصفر، فإنه كان أقرب القوم من رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فلما دخلا المدينة وسألا عن الخليفة أرشدا إلى أبي بكر، فلما نظرا إليه قالا: ليس هذا صاحبنا.

ثم قالا له: ما قرابتك من رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!

قال: إني رجل من عشيرته، وهو زوج ابنتي عائشة.

قالا: هل غير هذا؟!

قال: لا.

قالا: ليست هذه بقرابة، فأخبرنا أين ربك؟!

قال: فوق سبع سماوات!

قالا: هل غير هذا؟

قالا: لا.

قالا: دلنا على من هو أعلم منك، فإنك أنت لست بالرجل الذي نجد في التوراة أنه وصي هذا النبي وخليفته.

قال: فتغيظ من قولهما، وهمَّ بهما، ثم أرشدهما إلى عمر، وذلك أنه عرف من عمر أنهما إن استقبلاه بشيء بطش بهما.

فلما أتياه قالا: ما قرابتك من هذا النبي؟!

قال: أنا من عشيرته، وهو زوج ابنتي حفصة.

قالا: هل غير هذا؟!

قال: لا.

قالا: ليست هذه بقرابة، وليست هذه الصفة التي نجدها في التوراة، ثم قالا له: فأين ربك؟!

قال: فوق سبع سماوات!

قالا: هل غير هذا؟!

قال: لا.

قالا: دلنا على من هو أعلم منك.

فأرشدهما إلى علي «عليه السلام»، فلما جاءاه، فنظرا إليه قال أحدهما لصاحبه: إنه الرجل الذي صفته في التوراة، إنه وصي هذا النبي، وخليفته وزوج ابنته، وأبو السبطين، والقائم بالحق من بعده.

ثم قالا لعلي «عليه السلام»: أيها الرجل، ما قرابتك من رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!

قال: هو أخي، وأنا وارثه ووصيه، وأول من آمن به، وأنا زوج ابنته.

قالا: هذه القرابة الفاخرة، والمنزلة القريبة، وهذه الصفة التي نجدها في التوراة، فأين ربك عز وجل؟!

قال لهما علي «عليه السلام»: إن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبيكما موسى «عليه السلام»، وإن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبينا محمد «صلى الله عليه وآله».

قالا: أنبئنا بالذي كان على عهد نبينا موسى «عليه السلام».

قال علي «عليه السلام»: أقبل أربعة أملاك: ملك من المشرق، وملك من المغرب، وملك من السماء، وملك من الأرض، فقال صاحب المشرق لصاحب المغرب: من أين أقبلت؟!

قال: أقبلت من عند ربي.

وقال صاحب المغرب لصاحب المشرق: من أين أقبلت؟!

قال: أقبلت من عند ربي.

وقال النازل من السماء للخارج من الأرض: من أين أقبلت؟!

قال: أقبلت من عند ربي.

وقال الخارج من الأرض للنازل من السماء: من أين أقبلت؟!

قال: أقبلت من عند ربي، فهذا ما كان على عهد نبيكما موسى «عليه السلام».

وأما ما كان على عهد نبينا، فذلك قوله في محكم كتابه: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا..﴾([40]).

قال اليهوديان: فما منع صاحبيك أن يكونا جعلاك في موضعك الذي أنت أهله؟! فوا الذي أنزل التوراة على موسى إنك لأنت الخليفة حقاً، نجد صفتك في كتبنا، ونقرؤه في كنائسنا، وإنك لأنت أحق بهذا الأمر وأولى به ممن قد غلبك عليه.

فقال علي «عليه السلام»: قدما وأخرا، وحسابهما على الله عز وجل. يوقفان، ويسألان([41]).

ونقول:

لا بأس بملاحظة ما نذكره ضمن العناوين التالية:

34- صديقا رسول الله يهوديان:

ذكرت الرواية: أن يهوديين كانا صديقين للرسول «صلى الله عليه وآله».. ولا ندري كيف نتعامل مع هذا التعبير.. إلا على تقدير أنهما كانا في الأصل يهوديين، ثم أصبحا مؤمنين به «صلى الله عليه وآله» أيضاً، كما ربما يوحي به الثناء عليهما في الرواية، وتعابير أخرى وردت فيها. ولعلهما كانا يتستران على هذا الأمر، لسبب أو لآخر..

35- لكل نبي وصي:

لقد ذكر اليهوديان: أن وجود خليفة للنبي يقوم بالأمر في الأمة من بعده أمر ثابت لجميع الأنبياء السابقين، فلا بد أن يكون للنبي «صلى الله عليه وآله» خليفة، كما كان للأنبياء السابقين خلفاء..

وذكرا: أن صفات هذا الخليفة مذكورة عندهم، وهي:

أنه الوصي والخليفة والقائم بالحق من بعده:

قريب القرابة إليه.

من أهل بيت عظيم الخطر، جليل الشأن.

3 ـ إن صفته في التوراة هي: الأصلع..

4 ـ صفته في التوراة: المصفر. (ولم نفهم المراد من هذا التعبير)

5 ـ أقرب القوم من رسول الله.

6 ـ إنه زوج ابنته.

7 ـ إنه أبو السبطين.

ومن الواضح: أن هذه الأوصاف لا توجد في هذا الكتاب المتداول اليوم باسم التوراة، فلا بد أن تكون في نسخة التوراة الحقيقية، التي كانوا يخفونها منذئذٍ.

وقد نعى الله عليهم كتاباتهم نصوصاً يدعون أنها من الكتاب عندهم، وليست منه مزورة: ﴿يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ([42]). وقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا..﴾([43]). وثمة آيات أخرى تعرضت لهذا الموضوع.

36- هو أخي، وأنا وارثه:

وعن جواب علي «عليه السلام» لذينك الرجلين نقول:

إنهما سألاه عن قرابته من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلم يجبهما عن قرابته النسبية، بل أجابهما بقرابته المعنوية، المتمثلة بأخوَّته له، التي قررها رسول الله «صلى الله عليه وآله» بأمر من الله تعالى. وبوراثته لعلمه، ومقامه، إذ إن وراثة المال ليست لعلي «عليه السلام» وإنما للزهراء «صلوات الله وسلامه عليها».

ووراثة النبوة إنما هي للعلم والمقام.. لأن الأنبياء إنما يورثون خليفتهم ووصيهم هذين الأمرين، لأن شأن النبوة وقوامها بذلك وليس بالمال، ولذلك ورد ـ على سبيل التنزيل ـ: العلماء ورثة الأنبياء. ونحو ذلك.. ثم أرادا أن يتأكدا من وراثته للعلم، فسألاه عن ربه، وفق ما ورد في الرواية.

37- حساسية سؤال اليهودين:

وكان سؤال اليهوديين لأبي بكر ثم لعمر حساساً وربما استدراجياً، فإن اليهود قائلون بالتجسيم الإلهي، كما تدل عليه نصوص توراتهم المتداولة.. وكان العرب مشركين يعبدون الأصنام، وكانوا متأثرين باليهود في كثير من أمورهم، مبهورين بهم، فالتجسييم الإلهي قد انتقل إليهم من جهتين، وهما: اليهود، وعبادة الأصنام..

وقد جاء سؤال اليهوديين موهماً أنهما يقولان بهذه المقولة أيضاً، لأنه يقول لهما: أين الله؟! وهو سؤال عن المكان الملازم للتجسيم..

فأجاب أبو بكر وعمر بما يتوافق مع هذه النظرة، حيث قالا: فوق سبع سماوات..

وهذه الإجابة كافية لتعريف السائل بأن المجيب ليس هو خليفة الرسول، لأن الرسول «صلى الله عليه وآله» قد جاء بالتنزيه، ولا يمكن أن يخالفه خليفته في ذلك.. ولذلك أعلن اليهوديان بأن أبا بكر وعمر ليسا خليفتي رسول الله «صلى الله عليه وآله».

38- السعي للإيقاع باليهوديين:

واللافت هنا: تصريح الرواية بأن أبا بكر حين أرجع اليهوديين إلى عمر كان على أمل أن يوقع عمر بهما، مع أننا لم نجد ما يبرر ذلك، فإنهما لم يسيئا إليه، بل طلبا معرفة الحق.. مظهرين الإستعداد لاتباعه. ومن كان كذلك، فاللازم مساعدته، وتشجيعه.. لا الإساءة إليه، والإيقاع به..

39- وجه الله:

روي عن سلمان الفارسي «رحمه الله» في حديث طويل يذكر فيه قدوم جاثليق المدينة مع مائة من النصارى بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثم أُرْشِد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» فسأله عنها فأجابه، فكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عن وجه الرب تبارك وتعالى.

فدعا علي «عليه السلام» بنار وحطب فأضرمه، فلما اشتعلت قال علي «عليه السلام»: أين وجه هذه النار؟!

قال النصراني: هي وجه من جميع حدودها.

قال علي «عليه السلام»: هذه النار مدبَّرة مصنوعة لا يعرف وجهها، وخالقها لا يشبهها، ولله المشرق والمغرب، فأينما تولوا فثم وجه الله، لا يخفى على ربنا خافية..([44]).

ونقول:

1 ـ إن المثال العملي الذي قدمه «عليه السلام» لبيان المراد بوجه الله تبارك وتعالى كان رائعاً، ودقيقاً، لسببين:

أحدهما: دقة وروعة الصورة التي قدم بها المعنى..

الثاني: إنه لم يكتف بالبيان اللفظي، بل تعداه إلى تقديم المثال العملي، الأكثر دقة في إظهار الخصوصية، وأبعد أثراً في الإحتفاظ بالمعنى الذي يراد تقديمه. لا سيما وأنه قد أفرغه في ضمن حركة وحدث، وممارسة، وجعله يتغلغل في حنايا وجود عيني حقيقي، يمكن تلمسه بالحواس الظاهرية بعمق بالغ..

2 ـ إنه «عليه السلام» قد استخرج الجواب من نفس السائل، حين قال له: أين وجه هذه النار؟! فأجاب: هي وجه من جميع حدودها..

ثم نقله «عليه السلام» إلى المقارنة، مع بيان ما يقتضي الإنتقال إلى المعنى المطلوب، من خلال قياس الأولوية.. الذي هو خطوة أخرى باتجاه تأكيد المعنى.

إنه لم يكتف بالإيحاء بالمعنى بأسلوب التمثيل، الذي قد يُفْهِم أن المعنى في المثال أعمق منه في المراد بيانه، بل نقله إلى قياس الأولوية ليفهمه أن المعنى في المراد أعمق وأرسخ وأقوى منه في المثال.

وهذا من روائع البيان الإثباتي. وذلك حين بيَّن أن النار مصنوعة ومدبرة. فإذا كان لا يعرف وجهها، فهل يعرف وجه خالقها. وهو لا يشبهها؟!

 


  (1) في رواية الفضائل لابن شاذان قوله: فقال له اليهودي: أنت خليفة رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟ قال: نعم، أما تنظرني في مقامه ومحرابه.

(1) زاد في رواية الفضائل لابن شاذان قوله: قال ابن عباس: فإن كان حقاً عندكم، وإلا فأخرجوه حيث شاء من الأرض.

قال: فأخرجوه وهو يقول: لعن الله قوماً جلسوا في غير مراتبهم، يريدون قتل النفس التي حرم الله بغير الحق. قال: فخرج وهو يقول: أيها الناس، ذهب الإسلام حتى لا تجيبوا عن مسألة، أين رسول الله؟!

قال: فتبعه ابن عباس وقال له: ويلك، اذهب إلى عيبة علم النبوة، إلى منزل علي ابن أبي طالب.

قال: فعند ذلك أقبل أبو بكر والمسلمون في طلب اليهودي، فلحقوه في بعض الطريق فأخذوه. وجاؤا به إلى أمير المؤمنين «عليه السلام»، فاستأذنوا عليه. فأذن لهم، فدخلوا وقد ازدحم الناس، قوم ينكرون، وقوم يضحكون.

فقال أبو بكر: يا أبا الحسن، إن هذا اليهودي سألني عن مسألة من مسائل الزنادقة.

قال الإمام «عليه السلام»: ما تقول يا يهودي؟!

قال: أسألك وتفعل بي ما فعلوا بي هؤلاء؟!                                                                   =

= قال: وأي شيء أرادوا أن يفعلوا بك؟!

قال: أرادوا أن يذهبوا بدمي.

قال الإمام «عليه السلام»: دع هذا، واسأل عما شئت.                                                     

قال: سؤالي لا يعلمه إلا نبي أو وصي نبي.

قال: اسأل عما تريد.

قال اليهودي: أنبئني عما ليس لله، وعما ليس عند الله، وعما لا يعلمه الله؟!

قال له علي «عليه السلام»: على شرط يا أخا اليهود.

قال: وما الشرط؟!

قال: تقول معي قولاً مخلصاً: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.

قال: نعم، يا مولاي.

(1) وفي رواية ابن شاذان: قال: فعند ذلك قال: مد يدك، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً النبي رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأنك خليفته حقاً، ووصيه ووارث علمه، فجزاك الله عن الإسلام خيراً.

قال: فضج الناس عند ذلك، فقام أبو بكر ورقى المنبر وقال: أقيلوني فلست بخيركم، وعلي فيكم.

قال: فخرج عليه عمر وقال: أمسك يا أبا بكر من هذا الكلام، فقد رضيناك لأنفسنا. ثم أنزله عن المنبر، فأخبر بذلك علي «عليه السلام».

([4]) راجع: الغدير ج7 ص178 و 179 ونهج السعادة للشيخ المحمودي ج1 ص80 والدر النظيم لابن حاتم العاملي ص254 والصراط المستقيم ج2 ص14 والإمام علي «عليه السلام» في آراء الخلفاء للشيخ مهدي فقيه إيماني ص55 وبحار الأنوار ج30 ص85 وراجع ج10 ص11 و26 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج7 ص73 وج31 ص385 و 461 والمجتنى لابن دريد ص35. وراجع: مسند زيد بن علي ص442 والتوحيد للصدوق ص377 وعيون أخبار الرضا «عليه السلام» ج1 ص50 وج2 ص128 ومسند الرضا لابن سليمان = = الغازي ص137 والأمالي للطوسي ص275 ونور البراهين للجزائري ج2 ص333 ونور الثقلين ج2 ص207.                                                        

وراجع رواية ابن شاذان في: الروضة في فضائل أمير المؤمنين ص120 والفضائل لابن شاذان ص132.

([5]) الإحتجاج للطبرسي ج1 ص494 ـ 495 و (ط دار النعمان سنة 1386هـ) ج1 ص312 ـ 313 وبحار الأنوار ج3 ص309 وج40 ص248 والإرشاد ج1 ص201 و 202 والصراط المستقيم ج1 ص224 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص565 ونور الثقلين ج5 ص260 ونهج الإيمان لابن جبر ص284 وكشف اليقين للعلامة الحلي ص70.

([6]) الآية 5 من سورة طه.

([7]) الآية 10 من سورة فاطر.

([8]) الآية 30 من سورة الأنبياء.

([9]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص358 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص181 وبحار الأنوار ج40 ص224 وعجائب أحكام أمير المؤمنين «عليه السلام» ص179.

([10]) الآية 25 من سورة الكهف.

([11]) بحار الأنوار ج40 ص188عن شرح ملخص الجغميني في علم الهيئة وعن غيره.

([12]) الآية 46 من سورة المائدة.

([13]) البختي: نوع من الإبل.

([14]) اللح: الملاصق.

(1) الإحتجاج ج1 ص484 ـ 488 و (ط دار النعمان سنة 1386هـ) ج1 ص307 ـ 308، وراجع: عيون أخبار الرضا ج1 ص141 والأمالي للشيخ الطوسي ج1 ص282 وبحار الأنوار ج10 ص52 وعن الفضائل لابن شاذان ص133 والصراط المستقيم ج2 ص35 ونهج الإيمان لابن جبر ص219.

([16]) الآية 17 من سورة الحاقة.

([17]) الآية 6 من سورة طه.

([18]) زين الفتى في شرح سورة هل أتى للحافظ العاصمي ج1 ص306 ـ 309 والغدير ج7 ص179 ـ 181.

([19]) في المصدر: عبد الكريم بن إسحاق الرازي قال: حدثنا محمد بن داود، عن سعيد بن خالد، عن إسماعيل بن أبي أويس.

([20]) هكذا في النسخ، والصحيح: زاذان بتقديم الزاي على الذال، والرجل مترجم في رجال الشيخ في باب أصحاب أمير المؤمنين «عليه السلام»، وكناه أبا عمرة الفارسي، وعده العلامة في الخلاصة من خواص أمير المؤمنين من مضر، إلا أنه أبدل عمرة بعمرو أو عمر، على اختلاف النسخ، وترجمه ابن حجر في التقريب: 161 فقال: زاذان أبو عمر الكندي البزاز، ويكنى أبو عبد الله أيضاً، صدوق يرسل، وفيه شيعية من ثمانية، مات سنة اثنتين وثمانين.

([21]) في المصدر: ولكني أعلم منه ما أفضى إلي علمه.

([22]) فيسألك المسترشد في طلبه استعمال الحواس. وهو الأظهر.

([23]) من الرعية الناقصة عنك.

([24]) بحار الأنوار ج10 ص54 ـ 57 والأمالي للطوسي ج1 ص222 ـ 225 و (ط دار الثقافة ـ قم سنة 1414هـ) ص218 ـ 221 ومدينة المعاجز ج2 ص226 ـ 232 ونهج الإيمان لابن جبر ص361 ـ 365 والتحصين لابن طاووس ص637 ـ 641 ونفس الرحمن في فضائل سلمان للميرزا النوري ص467 ـ 471.

([25]) تاريخ مدينة دمشق ج10 ص294 وج21 ص374 وسير أعلام النبلاء ج1 ص505.

([26]) راجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص317 وشـرح نهج البلاغة للمعتزلي ج7 ص253 وج10 ص142 وج11 ص202 وج13 ص8 والوافي بالوفيات ج8 ص77 والمناقب للخوارزمي ص375 ومطالب السؤول ص175 وكشف الغمة ج1 ص169 و 289 ونهج الإيمان ص269 و 300 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج2 ص150 وينابيع المودة ج1 ص203 و 413 وبحار الأنوار ج40 ص153 وج46 ص135 وج66 ص209 وج84 ص304 والروضة في فضائل أمير المؤمنين ص235 وتفسير أبي السعود ج1 ص56 وج4 ص4 والفضائل لابن شاذان ص137 والطرائف ص512 والصراط المستقيم ج1 ص230 وحلية الأبرار ج2 ص62 ونور البراهين ج1 ص36 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص163 وج9 ص119 وج10 ص600 والإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» للهمداني ص238 والأصول الأصيلة للفيض القاساني ص150 وأبو هريرة للسيد شرف الدين ص81 وكتاب الألفين ص126 ومشارق أنوار اليقين ص279 والإثنا عشرية ص90 وغاية المرام ج5 ص195.

([27]) الآية 28 من سورة الأنفال.

([28]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص358 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص180 وبحار الأنوار ج40 ص224 ومستدرك سفينة البحار ج4 ص255 وعجائب أحكام أمير المؤمنين «عليه السلام» للسيد محسن الأمين ص177.

([29]) أي في نص آخر.

([30]) راجع: مناقب آل أبي طالب ج2 ص358 وبحار الأنوار ج40 ص224.

([31]) الآية 113 من سورة البقرة.

([32]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص352 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص180 وبحار الأنوار ج40 ص224.

([33]) الآية 95 من سورة يوسف.

([34]) بحار الأنوار ج12 ص316 وتفسير العياشي ج2 ص194 ونور الثقلين ج2 ص464 والصافي ج3 ص47 والميزان ج11 ص252.

([35]) راجع: رسائل المرتضى ج1 ص153 والثاقب في المناقب ص568 وبحار الأنوار = = ج4 ص296 وج50 ص258 وج54 ص80 وج75 ص416 وج89 ص118 و 120 و 121 والأمالي للصدوق ص639 والتوحيد للصدوق  ص76 و 224 وكمال الدين ص610 وروضة الواعظين ص38 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص535 والفصول المهمة للحر العاملي ج1 ص145 ونور البراهين للجزائري ج1 ص213 و 532 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص459.

([36]) التوحيد للصدوق ص226 و 227 وبحار الأنوار ج5 ص30 وج54 ص84 وج89 ص118 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص459 ونور البراهين للجزائري ج1 ص538.

([37]) الآية 2 من سورة الانبياء وراجع الآية 5 من سورة الشعراء.

([38]) التعبير الرائج: «القضية السالبة بانتفاء موضوعها» غير دقيق، بل هو من التعابير التسامحية، التي يراد بها إيراد صورة قضية.

([39]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص357 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص179 وبحار = = الأنوار ج40 ص222 وج58 ص41 وعجائب أحكام أمير المؤمنين «عليه السلام» للسيد محسن الأمين ص175 ومستدرك سفينة البحار ج4 ص37.

([40]) الآية 7 من سورة المجادلة.

([41]) قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» ص87 ـ 89 والتوحيد للصدوق ص180 ـ 181 وبحار الأنوار ج3 ص324 ـ 326  وج10 ص18  ـ 20 ونور البراهين ج1 ص438 ـ 441.

([42]) الآية 79 من سورة البقرة.

([43]) الآية 91 من سورة الأنعام.

([44]) قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» ص86 و87 والتوحيد للصدوق ص182 وبحار الأنوار ج3 ص328 ونور البراهين ج1 ص441 وراجع: التفسير الصافي ج1 ص183 ونور الثقلين ج1 ص117.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان