صفحة : 75-98   

 الفصل الأول: في الزواج.. والطلاق.. والرجل والمرأة..

عمر يسأل الأصلع:

وقالوا: روى الدارقطني وابن عساكر وغيرهما:

أن رجلين أتيا عمر بن الخطاب، فسألاه عن طلاق الأمة، فقام معهما فمشى حتى أتى حلقة في المسجد، فيها رجل أصلع، فقال: أيها الأصلع ما ترى في طلاق الأمة؟!

فرفع رأسه إليه، ثم أومأ إليه بالسبابة والوسطى.

فقال لهما عمر: تطليقتان.

فقال أحدهما: سبحان الله، جئناك وأنت أمير المؤمنين، فمشيت معنا حتى وقفت على هذا الرجل، فسألته؛ فرضيت أن أومأ إليك؟!

فقال: أوتدريان من هذا؟!

قالا: لا.

قال: هذا علي بن أبي طالب «عليه السلام». أشهد على رسول الله «صلى الله عليه وآله» لسمعته وهو يقول: لو أن السماوات السبع وضعت في كفة ميزان، ووضع إيمان علي في كفة ميزان، لرجح بها إيمان علي «عليه السلام»([1]).

ونقول:

أولاً: إن تعجب هذين الرجلين إنما هو لما استقر في نفوسهما من أن أمير المؤمنين الحقيقي يجب أن يكون أعلم بشرع الله تبارك وتعالى، ولا يحتاج إلى أحد فيه. فحيث ظهر لهما عكس ذلك أبديا تعجبهما من هذا الأمر.. ولا بد أن يكونا قد عرفا أن ثمة من تسمى بهذا الاسم وهو ليس له..

ثانياً: لا ندري لماذا الخطاب من عمر بن الخطاب لعلي بن أبي طالب بـ: «أيها الأصلع»!! هل هو على سبيل المداعبة له، والتقرب إليه، ورفع الكلفة معه؟! أم هو على سبيل الإنتقاص؟!

وأياً كانت الإجابة فإننا نقول:

أولاً: إن علياً «عليه السلام» كان أنزعاً أجلحاً، وليس أصلعاً. ولعل عمر قد بالغ في توصيفه، لحاجة في نفسه قضاها..

وانحسار الشعر عن جانبي الرأس أوله النزع، ثم الجلح، ثم الصلع..

ثانياً: إن الأصلع هو عمر بن الخطاب كما تقدم في الجزء الأول..

هدم الإسلام ما كان قبله:

وقال أبو عثمان النهدي: جاء رجل إلى عمر فقال: إني طلقت امرأتي في الشرك تطليقة، وفي الإسلام تطليقتين، فما ترى؟!

فسكت عمر، فقال له الرجل: ما تقول؟!

قال: كما أنت حتى يجيء علي بن أبي طالب.

فجاء علي «عليه السلام»، فقال: قص عليه قصتك.

فقص عليه القصة، فقال علي «عليه السلام»: هدم الإسلام ما كان قبله. هي عندك على واحدة([2]).

وقد يقال: إن قوله «عليه السلام»: هي عندك على واحدة يراد بها أن مجموع ما جرى في الشرك وفي الإسلام هو تطليقتان، فكأن الرجل قال: وصار المجموع في الإسلام تطليقتين، بعد ضم ما جرى في حال الشرك إلى ما جرى في حال الإسلام..

واحتمل بعض الأخوة: أن يكون المراد: أنه في الإسلام أجرى صيغة الطلاق مرتين في مجلس واحد.

غير أنه يمكن فهم العبارة بنحو آخر، وهو أن يكون مراده «عليه السلام»: أن حرمتها المؤبدة متوقفة على تطليقة واحدة.. تضاف إلى التطليقتين اللتين حدثتا في الاسلام.. مما يعني أن الاسلام قد ألغى ما كان في الجاهلية.. فالمرأة عند ذلك الرجل ما دام لم يطلقها التطليقة الثالثة في المستقبل.

علي يفقأ عين من ألحد في الحرم:

يقولون: أن علياً «عليه السلام» قد فقأ عين إنسان ألحد في الحرم.

فقال عمر: «ما أقول في يد الله، فقأت عيناً في حرم الله»([3]).

وفي مورد آخر في حديث عمر: أن رجلاً كان ينظر في الطواف إلى حرم المسلمين، فلطمه علي «عليه السلام»، فاستعدى عليه، فقال: ضربك بحق. أصابته عين من عيون الله([4]).

وقال ابن شهرآشوب: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}([5]): الأعمش: جاء رجل مشجوج الرأس يستعدي عُمَرَ عَلى علي «عليه السلام».

فقال علي: مررت بهذا، وهو مقاوم امرأة، فسمعت ما كرهت.

فقال عمر: إن لله عيوناً، وإن علياً من عيون الله في الأرض.

وفي رواية الأصمعي أنه قال: رأيته ينظر في حرم الله إلى حريم الله.

فقال عمر: اذهب. وقعت عليك عين من عيون الله، وحجاب من حجب الله. تلك يد الله اليمنى يضعها حيث يشاء([6]).

ونقول:

المراد بالإلحاد في الحرم: الظلم فيه.

ونلفت نظر القارئ إلى النقاط التالية:

1 ـ إن علياً «عليه السلام» لم يرفع أمر هذين الرجلين إلى السلطان ليحكم فيهما، ولا استأذن أحداً فيما أقدم عليه في امرهما. بل بادر «عليه السلام» للتصرف، وإقامة الحد من موقع أنه هو السلطة الشرعية، التي يحق لها أن تقيم الحدود. وأن تحفظ شرع الله تبارك وتعالى. دون كل أحد..

وعليه، فإذا كنا نرى أنه في سائر الموارد يحجم عن فعل ذلك، فإنما هو لوجود المانع.

2 ـ وصف عمر ليد علي «عليه السلام» بأنها يد الله، ووصفه لعينه بأنها عين الله يؤكد على أنه يراه مصيباً عين الواقع، وأن دافعه لهذا التصرف، هو الأمر الإلهي، وليس الهوى ولا العصبية، ولا غير ذلك..

أو أنه إنما قال له ذلك تخلصاً من تبعة إظهار الإعتراض على علي «عليه السلام»، الأمر الذي قد يجر إلى جدال ينتهي بظهور حجة علي «عليه السلام»، وتذكير الناس بحقه، وبعدم أهلية الغاصبين لموقعه للمقام الذي وضعوا أنفسهم فيه.

ويدل ذلك أيضاً على: أنه كان يرى لعلي «عليه السلام» الحق في أن يفعل ما فعل، وأنه لا ضرورة لانتظار أمره، وأمر غيره في ذلك.

3 ـ لكن يبقى سؤال، وهو: أنه إذا كان فعل علي «عليه السلام» دليلاً على الحكم الشرعي، فهل نستطيع أن نعتبر أن جزاء من ألحد وظلم في الحرم هو أن تفقأ عينه؟! أو أنه «عليه السلام» قد فعل ذلك، لأن ذلك الشخص كان قد فقأ عين إنسان، فجازاه علي «عليه السلام» بفقء عينه أيضاً.

وقد يقال: إن هذا الأخير هو الصحيح.

4 ـ لا شك في أن ذنب ذلك الرجل لم يكن عادياً، كما أشارت إليه كلمة علي «عليه السلام»، حيث كان في حرم الله ينظر إلى حريم الله، فكان يستحق التعزير لأجل النظر، ومراودته تلك المرأة، ويستحق التغليظ عليه في العقوبة لأنه ارتكب هذا الذنب في أقدس مكان.. وهو حرم الله تبارك وتعالى..

أمسك عن امرأتك:

عن ابن عباس، قال: كنا في جنازة، فقال علي بن أبي طالب «عليه السلام» لزوج أم الغلام: أمسك عن امرأتك.

فقال عمر: ولِمَ يمسك عن امرأته؟! أخرج مما جئت به.

قال: نعم، تريد أن تستبرئ رحمها، فلا يلقى فيه شيء فيستوجب به الميراث من أخيه، ولا ميراث له.

فقال عمر: أعوذ بالله من معضلة لا علي لها؟!([7]).

ونقول:

وهذا إجراء احترازي، يهدف إلى حفظ الحقوق لأصحابها.. وهذا من وظائف الإمام بالنسبة لرعيته، ولا تصح الغفلة عنه..

وهو يعطي أيضاً: أن الإمام والحاكم يحتاج إلى معرفة تامة بأحوال الرعية، وأن عليه أن يحتاط لها انطلاقاً من هذه المعرفة.

مات المولى فحرمت الزوجة على العبد:

عن عمرو بن داود، عن الصادق «عليه السلام»: أن عقبة بن أبي عقبة مات، فحضر جنازته علي وجماعة من أصحابه، وفيهم عمر، فقال علي «عليه السلام» لرجل كان حاضراً: إن عقبة لما توفى حرمت امرأتك، فاحذر أن تقربها.

فقال عمر: كل قضاياك يا أبا الحسن عجيب!! وهذه من أعجبها، يموت الإنسان، فتحرم على آخر امرأته!

فقال: نعم، إن هذا عبد كان لعقبة، تزوج امرأة حرة، وهي اليوم ترث بعض ميراث عقبة، فقد صار بعض زوجها رقاً لها، وبضع المرأة حرام على عبدها حتى تعتقه ويتزوجها.

فقال عمر: لمثل هذا نسألك عما اختلفنا فيه([8]).

ونقول:

1 ـ هذه الحادثة أيضاً ـ كسابقتها ـ تدل على لزوم معرفة الإمام بأحوال رعيته، ليمكن له حفظ حقوقهم في مواقع الحاجة.

2 ـ تدل على لزوم معرفة الإمام بالأحكام. اذ لولا ذلك لضاعت مصالح العباد وحقوقهم، وحل بهم العنا والفساد.

3 ـ ومأخذ هذه القضية واضح، غير أن اللافت هو أنه لا خلاف في هذه المسألة، فلماذا أطلق عمر قوله: لمثل هذا نسألك عما اختلفنا فيه؟!

هل أراد للآخرين أن يظنوا: أن الصحابة اختلفوا في حكم المسألة؟! وأن علياً قد حسم الخلاف؟! لكي لا يكتشفوا أنه لم يكن عالماً بهذا الحكم الشرعي.

علي يحكم في مولود عجيب:

عن سعيد بن جبير قال: أتي عمر بن الخطاب بامرأة قد ولدت ولداً له خلقتان: بدنان، وبطنان، وأربعة أيد، ورأسان، وفرجان. هذا في النصف الاعلى.

وأما في الأسفل فله فخذان، وساقان، ورجلان مثل سائر الناس.

فطلبت المرأة ميراثها من زوجها وهو أبو ذلك الخلق العجيب، فدعا عمر بأصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فشاورهم فلم يجيبوا فيه بشئ.

فدعا علي بن أبي طالب «عليه السلام».

فقال علي «عليه السلام»: إن هذا أمر يكون له نبأ، فاحبسها واحبس ولدها، واقبض ما لهم، وأقم لهم من يخدمهم، وأنفق عليهم بالمعروف.

ففعل عمر ذلك.

ثم ماتت المرأة، وشب الخلق، وطلب الميراث، فحكم له علي بأن يقام له خادم خصي يخدم فرجيه، ويتولى منه ما يتولى الأمهات ما لا يحل لاحد سوى الخادم.

ثم إن أحد البدنين طلب النكاح، فبعث عمر إلى علي فقال له: يا أبا الحسن ما تجد في أمر هذين؟! إن اشتهى أحدهما شهوة خالفه الآخر، وإن طلب الآخر حاجة طلب الذي يليه ضدها، حتى إنه في ساعتنا هذه طلب أحدهما الجماع.

فقال علي «عليه السلام»: الله أكبر، إن الله أحلم وأكرم من أن يري عبدا أخاه وهو يجامع أهله ولكن عللوه ثلاثاً فان الله سيقضي قضاءً فيه، ما طلب هذا إلا عند الموت.

فعاش بعدها ثلاثة أيام ومات، فجمع عمر أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» فشاورهم فيه، فقال بعضهم: اقطعه حتى يبين الحي من الميت، وتكفنه وتدفنه.

فقال عمر: إن هذا الذي أشرتم لعجب أن نقتل حيا لحال ميت.

وضج الجسد الحي.

فقال: الله حسبكم، تقتلوني، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأقرأ القرآن؟!..

فبعث إلى علي «عليه السلام» فقال: يا أبا الحسن، أحكم فيما بين هذين الخلقين.

فقال علي «عليه السلام»: «الأمر فيه أوضح من ذلك، وأسهل وأيسر، الحكم أن تغسلوه وتكفنوه مع ابن أمه، يحمله الخادم إذا مشى، فيعاون عليه أخاه فإذا كان بعد ثلاث جف، فاقطعوه جافاً، ويكون موضعه حي لا يألم، فإني أعلم أن الله لا يبقى الحي بعده أكثر من ثلاث يتأذى برائحة نتنه وجيفته».

ففعلوا ذلك، فعاش الآخر ثلاثة أيام ومات.

فقال عمر: يا ابن أبي طالب، فما زلت كاشف كل شبهة، وموضح كل حكم([9]).

ونقول:

قد يشكك البعض في صحة هذه القصة لأن خلافة عمر لم تطل إلى حد أان يولد هذا المولود العجيب، ويكبر إلى أن يبلغ، ويطلب النكاح.. إلا أن يكون المولود من جنس الأنثى التي تبلغ لمدة تسع سنوات. ومدة خلافة عمر حوالي عشر سنوات.

غير أنه يحتمل أيضاً أن يكون المولود ذكراً، وقد بلغ قبل سن الخامسة عشرة بعدة سنوات. ويحتمل أن يكون ذلك قد حصل في عهد اثنين من الخلفاء.. وقد غفل الراوي عن الاشارة إلى ذلك. أو حصل في عهد أبي بكر وكان المتصدي لهذا المشكل هو عمر، ثم انتهى في أواخر عهد عمر.

بيان حكم غسل الجنابة لعمر:

ويذكرون: أن زيد بن ثابت كان يفتي بعدم وجوب غسل الجنابة على من أدخل ولم ينزل. فأمر عمر بجمع المهاجرين والأنصار، فجمعوا له، فشاورهم، فأشاروا أن لا غسل في ذلك.. إلا ما كان من علي «عليه السلام» ومعاذ، فقد قالا: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل.

فقال عمر: هذا وأنتم أصحاب بدر، وقد اختلفتم، فمن بعدكم أشد اختلافاً.

فأشار عليه علي «عليه السلام»: أن يسأل أزواج النبي «صلى الله عليه وآله».

فأما حفصة فقالت: لا علم لي بهذا.

وقالت عائشة: إذا جاوز الختان فقد وجب الغسل.

فقال عمر: لا يبلغني أن أحداً فعله ولم يغتسل إلا أنهكته عقوبة، أو نحو ذلك([10]).

وفي نص آخر: قالت الأنصار: الماء من الماء.

وقال المهاجرون: إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل.

فقال عمر: ما تقول يا أبا الحسن؟!

فقال «عليه السلام»: أتوجبون عليه الرجم والحد، ولا توجبون عليه صاعاً من ماء؟!

إذا التقى الختانان وجب عليه الغسل([11]).

ونقول:

أولاً: إن عمر نعى على المهاجرين والأنصار اختلافهم وهم اهل بدر، واعتبر ذلك منقصة فيهم. ولكن كان الأجدر به أن يلوم نفسه اولاً على عدم معرفته هذا الحكم الواضح، الذي يكثر الابتلاء به. والمفروض أنه قد جعل نفسه في موقع خليفة المسلمين، الذي لا بد أن يرجعوا إليه في أمثال هذه الأمور. ولولا أنه هو ومن سبقه قد تركا أمر الله ورسوله في حق علي«عليه السلام» وتركا الأمر لصاحبه الشرعي لم يقع خلاف في هذا الأمر، ولا في غيره.

ثانياً: إن من المؤسف حقاً أن يكون المهاجرون والأنصار، وأهل بدر، لا يعرفون حكماً شرعياً هو محل ابتلائهم. فكيف لم يسألوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» عنه، فهل استهانوا بحكم الله؟! أم ماذا؟!

ثالثاً: كنا نتوقع ان يبادر الخليفة للأخذ بما قاله علي «عليه السلام»، فإنه لم يزل يرجع إليه في معضلات المسائل، ويشهد له بأنه ابن بجدتها.. كما أنه كان يعلم أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد قال لهم: إنه «عليه السلام» باب مدينة علمه.. وأن علياً مع الحق والحق مع علي، يدور معه حيث دار.

فلماذا لم يحكم في المسألة بما قرره أمير المؤمنين «عليه السلام»؟!، ولماذا عاد إلى أزواج النبي «صلى الله عليه وآله» في ذلك؟!

رابعاً: لقد لاحظنا: أن علياً «عليه السلام» قد عرف أنه إن ترك الأمر إلى عمر، فلربما قال برأيه، واختار في المسألة ما لا يتوافق مع الشرع. فبادر إلى تعليق الأمر على ما ينقله أزواج النبي «صلى الله عليه وآله». فأرجعه إليهن، ونجح في الوصول إلى ما أراد..

خامساً: إن عمر يريد أن يظهر أن علياً «عليه السلام» كان كأي صحابي آخر يعمل بآرائه.. فيمكن أن يؤخذ برأيه وأن يترك.

كم يتزوج المملوك؟!:

قال ابن سيرين: إن عمر سأل الناس، وقال: كم يتزوج المملوك؟!

قال لعلي «عليه السلام»: إياك أعني يا صاحب المعافري (المراد بالمعافري: رداء كان عليه).

قال «عليه السلام»: اثنتين([12]).

تحريم زواج المتعة.. وعلي :

وقد أعلن عمر تحريم متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل([13]) في سياق واحد.

ولم يسكت علي «عليه السلام» عن هذا الأمر، بل نبه إلى عواقبه حين أعلن أن تحريم زواج المتعة من أسباب شيوع الزنا، فقال:

لولا أن عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلاشقي، أو إلا شفا([14]).

وقد تحدثنا عن موضوع زواج المتعة، وتحريمه، وسائر ما يرتبط بهذا الموضوع في كتابنا: «زواج المتعة» بأجزائه الثلاثة، فمن أراد التوسع في هذا الأمر، فليراجع الكتاب المشار إليه..

وأما متعة الحج، فقد ظهر موقف أمير المؤمنين «عليه السلام» منها في أيام عثمان.. وسيأتي الحديث عن ذلك في موقعه إن شاء الله تعالى..

وأما «حي على خير العمل».. فإن أهل البيت «عليهم السلام» قد التزموا بها، وكذلك شيعتهم إلى يومنا هذا.

وقد ذكرنا طائفة كبيرة من النصوص حول هذا الأمر في كتابنا الصحيح من سيرة النبي «صلى الله عليه وآله» فراجع.

شهوة المرأة تزيد على شهوة الرجل:

عن أبي الفتوح الرازي: أنه حضر عند عمر أربعون نسوة، وسألنه عن شهوة الآدمي، فقال: للرجل واحد، وللمرأة تسعة.

فقلن: ما بال الرجال لهم دوام، ومتعة، وسراري، بجزء من تسعة، ولا يجوز لهن إلا زوج واحد، مع تسعة أجزاء؟! فأفحم.

فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين «عليه السلام»، فأمر أن تأتي كل واحدة منهن بقارورة من ماء، وأمرهن بصبها في إجانة.

ثم أمر كل واحدة منهن، تغرف ماءها.

فقلن: لا يتميز ماؤنا.

فأشار «عليه السلام»: أن لا يفرقن بين الأولاد، وإلا لبطل النسب والميراث.

وفي رواية يحيى بن عقيل: أن عمر قال: لا أبقاني الله بعدك يا علي([15]).

ونقول:

1 ـ إن أمير المؤمنين علياً «عليه السلام» لم يباشر هو العمل فيما أراده دليلاً مقنعاً، أنه لم يأت هو بالماء في قوارير متعددة، ثم يصبه في إجانة، بل طلب من كل واحدة من النسوة أن تأتي بقارورة تصبها في الإجانة، ليكون ذلك أدعى لفهم المثل الذي يريد «عليه السلام» أن يضربه لهن، وأوقع في أنفسهن.

2 ـ لا يكفي أن يحفظ الناس المسائل أو النصوص، بل المهم هو إدراك مراميها ومغازيها.

وقد روي عن أمير المؤمنين «عليه السلام» قوله: من أكثر الفكر فيما تعلم أتقن علمه، وتفهم ما لم يكن يفهم([16]).

وعن النبي «صلى الله عليه وآله»: كونوا للعلم وعاة (رعاة) ولا تكونوا له رواة([17]).

وعنه «صلى الله عليه وآله»: كونوا دراة ولا تكونوا رواة، حديث تعرفون فقهه خير من ألف تروونه»([18]).

وعنه «صلى الله عليه وآله»: همة العلماء الوعاية، وهمة السفهاء الرواية([19]).

3 ـ حفظ الأنساب والمواريث أمر هام جداً لحفظ المجتمع الإنساني، ولبقائه قوياً، ومتواصلاً، متكافلاً، تشدّه أواصر المحبة والثقة.

كما أن شدة شهوة المرأة أمر ضروري لحفظ النسل، ولدوام العلاقة والإرتباط بالرجل، وربما يكون لتأخر أو لعدم بلوغها الذروة في العملية الجنسية في أكثر الأحيان بعض الأثر في بقاء رغبتها أو في اشتدادها في معاودة الإتصال الجنسي.. ولعل هناك أموراً أخرى مؤثرة في ذلك.

4 ـ هذا الحديث يشير إلى أن هذا الإعتراض من النسوة قد كان قبل تحريم زواج المتعة، حيث ذكر أن المتعة تجوز للرجل كما يجوز له الزواج الدائم والتسري.

5 ـ لعل اختيار القارورة قد كان لأجل شفافيتها، لكي ترى كل امرأة الماء الذي اتت به أطول مدة ممكنة.. لأن ذلك يفيد في تأكيد المعنى الذي يريد «عليه السلام» أن يستخلصه من هذا الماء، وهذا هو الأوثق والأوفق في الإيحاء، وفي الدلالة.


([1]) تاريـخ مدينـة دمشق ج42 ص341 ومختـصر تاريـخ دمشـق ج17 ص389 = = وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق (تحقيق المحمودي) رقم 871 وكفاية الطالب ص258 وراجع: المناقب للخوارزمي ص130 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص370 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص191 عن غريب الحديث، والغدير ج2 ص299 ومستدرك الوسائل ج15 ص338 و 339 والأمالي للطوسي ص238 وحلية الأبرار ج2 ص67 وبحار الأنوار ج30 ص111 وج38 ص248 وج40 ص119 و 236 وج101 ص3 و 153 وجامع أحاديث الشيعة ج22 ص158 وكشف الغمة ج1 ص291 وكشف اليقين ص109 وينابيع المودة ج2 ص300 وغاية المرام ج5 ص190وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص614 وج16 ص409 وج21 ص581 و 583.

([2]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص364 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص186 وشرح الأخبار ج2 ص317 وبحار الأنوار ج40 ص230 ومستدرك سفينة البحار ج2 ص5 وعجائب أحكام أمير المؤمنين «عليه السلام» ص84.

([3]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص466 ج5 ص7 والملل والنحل للشهرستاني ج1 ص174 والعقد الفريد (ط لجنة التأليف والترجمة والنشر) ج2 ص326.

([4]) النهاية لابن الأثير ج3 ص163 و (ط مؤسسة إسماعيليان ـ قم ـ الطبعة الرابعة) ج3 ص332 وبحار الأنوار ج24 ص202 وج39 ص340 وج87 ص36 وج97 ص315 عنه، وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج31 ص498 وراجع: ذخائـر = = العقبى ص82 والإمام علي «عليه السلام» في آراء الخلفاء ص129 عن الرياض النضرة ج3 ص165 ولسان العرب ج13 ص309.

([5]) الآية 14 من سورة القمر.

([6]) مناقب آل أبي طالب ج3 ص272 و 273 و (ط المطبعة الحيدرية) ج3 ص64 وبحار الأنوار ج39 ص88.

([7]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص369 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص191 عن  الخطيب في الأربعين، وبحار الأنوار ج40 ص235 وكتاب الأربعين للماحوزي ص471 ونظم درر السمطين ص131 والمناقب للخوارزمي ص96 وغاية المرام ج5 ص261.

([8]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص360 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص182 ومستدرك الوسائل ج15 ص30 وشرح الأخبار ج2 ص329 والصراط المستقيم ج2 ص16 وبحار الأنوار ج40 ص225 وجامع أحاديث الشيعة ج21 ص107 وعجائب أحكام أمير المؤمنين «عليه السلام» ص62.

([9]) كنز العمال ج5 ص833 والغدير ج6 ص173 و 174 وراجع: المناقب لابن شهرآشوب ج2 ص368 عن الروياني في الأحكام، وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص204 وج31 ص484.

([10]) مسند أحمد ج5 ص115 و (ط دار إحياء التراث) ج6 ص133 والمعتصر من المختصر من مشكل الآثار ج1 ص142 وشرح معاني الآثار ج1 ص59 والمعجم الكبير ج5 ص42 ومجمع الزوائد ج1 ص266 وعن الزركشي في الإجابة ص78 وعمدة القاري ج3 ص249 و 254 والمصنف لابن أبي شيبة ج1 ص87 و (ط دار الفكر) ج1 ص110 والغدير ج6 ص261 وكنز العمال ج9 ص543.

([11]) تهذيب الأحكام ج1 ص119 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص368 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص189 عنه، ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج2 ص184 و (ط دار الإسلامية) ج1 ص470 ومستدرك الوسائل ج1 ص452 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص580 ومنتقى الجمان ج1 ص175 والسرائر لابن إدريس ج1 ص108 ومختلف الشيعة ج1 ص325 والنوادر للراوندي ص206 وبحار الأنوار ج40 ص234 وج78 ص67 وجامع أحاديث الشيعة ج2 ص435 و 436 وراجع: عوالي اللآلي ج2 ص9 والمصنف للصنعاني ج1 ص249 والإستذكار ج1 ص273 و التمهيد لابن عبد البر ج23 ص114 وكنز العمال ج9 ص545 وغاية المرام ج5 ص270.

([12]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص370 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص191 عن أربعين الخطيب، وبحار الأنوار ج40 ص236 وكتاب الأربعين ص471 والمناقب للخوارزمي ص96 وغاية المرام ج5 ص261.

([13]) شرح التجريد للقوشجي ص484 وكنز العرفان ص158 عن الطبري في المستنير، والصراط المستقيم ج3 ص277 عن الطبري، والغدير ج6 ص213 و 238 وج10 ص64 عن الطبري في المستبين عن عمر، وجواهر الأخبار، والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار ج2 ص192 عن التفتازاني في حاشيته على شرح العضد، ونفحات اللاهوت ص98. وراجع: جواهر الكلام ج30 ص140 ومسائل فقهية للسيد شرف الدين ص68 والمسترشد ص516 والنص والإجتهاد ص199 ومستدرك سفينة البحار ج9 ص312 والصافي = = ج1 ص439 وكنز الدقائق ج2 ص418 والميزان ج4 ص298 والإكمال في أسماء الرجال ص124 وسفينة النجاة للتنكابني ص211 والفصول المهمة للسيد شرف الدين ص78 وفلك النجاة لفتح الدين الحنفي ص293 عن تنوير البيان ص293.

([14]) راجع: التفسير الكبير للرازي (مفاتيح الغيب) ج10 ص50 وتاريخ المدينة لابن شبة ج2 ص720 والإيضاح لابن شاذان ص443 و438 و 439 و 519 وراجع: نيل الأوطار ج6 ص135 وبداية المجتهد ج2 ص58 والدر المنثور ج2 ص141 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص179 والجامع لأحكام القرآن ج5 ص130 والصراط المستقيم ج3 ص273 وعوالي اللآلي ج2 ص125. وراجع: جامع البيان ج5 ص9 بسند صحيح على الظاهر، والمصنف لللصنعاني ج7 ص500 ومنتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج6 ص405 والتفسير الكبير للرازي (ط سنة 1357 هـ) ج10 ص50 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج12 ص253 وج20 ص25 وتفسير النيسابوري (بهامش الطبري) ج5 ص17 والبيان للخوئي ص343 عن مسند أبي يعلى، ودلائل الصدق ج3 ص101 وتلخيص الشافي ج4 ص32 ووسائل الشيعة، أبواب نكاح المتعة (ط دار إحياء التراث) ج21 ص5 و 11 و44 وفي هامشه عن نوادر أحمد بن محمد= = بن عيسى ص65 و66 وعن رسالة المتعة للمفيد، ونفحات اللاهوت ص99 وتهذيب الأحكام ج7 ص250 والإستبصار 3 ص141 ومستدرك سفينة البحار ج9 ص310 ومستدرك وسائل الشيعة ج14 ص447 و 449 و 478 و481 و482 و 483 وكتاب عاصم بن حميد الحناط ص24 والهداية للخصيبي حديث المفضل ص109 وكنز العرفان ج2 ص148 والكافي ج5 ص448 والجواهر ج30 ص144 عن النهاية لابن الأثير، والطبري، والثعلبي، والسرائر ص312.

وراجع: تفسير العياشي ج1 ص233 والغدير ج6 ص206 و 239 وج10 ص64 وكنز العمال (ط مؤسسـة الرسالة) ج16 ص522 و 523 و (طبعة الهند) ج22 ص96 ومجمع البيان ج3 ص61 وفقه القرآن للراوندي ج2 ص106 وتفسير البحر المحيط ج3 ص225 وعن أبي داود في ناسخه عن بعض من تقدم، والإستبصار فيما اختلف من الأخبار ج3 ص141 والتفسير الحديث لمحمد عزة دروزة ج9 ص54 والمرأة في القرآن والسنة ص182 وبحار الأنوار ج30 ص600 و 601 و (ط قديم) ج8 ص273 ومسائل فقهية للسيد شرف الدين ص69.

([15]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص360 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص182 ومستدرك الوسائل ج14 ص428 وبحار الأنوار ج40 ص226 والأنـوار = = العلوية ص89 والصراط المستقيم ج3 ص17 وعن روض الجنان لأبي الفتوح الرازي (ط إيران) ج1 ص492.

([16]) ميزان الحكمة ج6 ص490 عن غرر الحكم، وعيون الحكم والمواعظ ص435.

([17]) الجامع الصغير للسيوطي ج2 ص298 وكنز العمال ج10 ص249 الخبر رقم 29335 وفيض القدير ج5 ص73 وميزان الحكمة ج3 ص2096 والعلم والحكمة في الكتاب والسنة للريشهري ص372 عن الفردوس ج3 ص241 ح4707 وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج2 ص7.

([18]) ذكر أخبار إصبهان ج1 ص138 ونصيحة أهل الحديث للخطيب البغدادي ص31 والفقيه والمتفقه (ط دار الكتب العلمية سنة 1996م) ج1 ص360 ومسند الإمام الرضا «عليه السلام» للعطاردي ج1 ص8.

([19]) الجامع الصغير للسيوطي ج2 ص713 وكنز العمال ج10 ص249 الخبر رقم 29337 وفيض القدير ج6 ص461 وتاريخ مدينة دمشق ج67 ص183.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان