وذكر ابن شهرآشوب:
أن غلاماً طلب مال أبيه من عمر. وذكر أن والده توفي بالكوفة، والولد
طفل بالمدينة، فصاح عليه عمر وطرده.
فخرج يتظلم منه. فلقيه علي «عليه
السلام» وقال:
ائتوني به إلى الجامع حتى اكشف أمره.
فجيء به، فسأله عن حاله، فأخبره
بخبره، فقال علي «عليه السلام»:
لأحكمن فيكم بحكومة حكم الله بها من فوق سبع سماواته،
لا يحكم بها إلا من ارتضاه لعلمه.
ثم استدعى بعض أصحابه وقال:
هات مجرفة.
ثم قال:
سيروا بنا إلى قبر والد الصبي، فساروا فقال: احفروا هذا القبر وانبشوه،
واستخرجوا لي ضلعاً من أضلاعه.
فدفعه إلى الغلام، فقال له:
شمه.
فلما شمه انبعث الدم من منخريه،
فقال «عليه السلام»:
إنه ولده.
فقال عمر:
بانبعاث الدم تسلم إليه المال!
فقال «عليه السلام»:
انه أحق بالمال منك ومن ساير الخلق أجمعين.
ثم أمر الحاضرين بشم الضلع فشموه، فلم ينبعث الدم من
واحد منهم، فأمر أن أعيد إليه ثانية، وقال: شمه. فلما شمه انبعث الدم
انبعاثاً كثيراً.
فقال «عليه السلام»:
إنه أبوه.
فسلم إليه المال ثم قال:
والله ما كَذَبْتُ ولا كُذِّبْتُ([1]).
ونقول:
1 ـ
لماذا يصيح عمر بالغلام ويطرده، ولماذا لا يستشير في أمره الصحابة
حوله؟!
أو لماذا لا يطلب من علي «عليه السلام» كشف الحقيقة
فيما يدعيه، كما هو عادته في كثير من المسائل التي كانت تشكل عليه؟!.
أم أنه استهان بأمره حيث رآه طفلاً لا شأن له؟!
أو لعله رأى أن من غير المعقول أن يكون لهذا الطفل حق
في تركة أبيه.
أم أنه رأى أنه لا يعقل أن يكون هذا الطفل في المدينة
إبناً لذلك الذي في الكوفة.
لعل الإحتمال الأخير هو الأقرب، ولذا احتاج علي «عليه
السلام» إلى كشف أبوة ذلك الرجل لهذا الطفل على النحو الذي ذكرته
الرواية.
2 ـ
إن علياً «عليه السلام» قد تجشم هو ومن معه إلى المسير إلى الكوفة لكشف
الحقيقة، فدل ذلك على أن على الإمام أن لا يتهاون في حقوق الناس، بل لا
بد أن يبادر إلى إحقاق حقوقهم، ولو احتاج ذلك إلى مكابدة مشقات السفر
بهذا المقدار.
3 ـ
إن هذه الرواية تعطي أن وفاة الأب كانت قد مر عليها سنوات عديدة، حتى
ذهب اللحم، وظهرت عظام ذلك الميت..
4 ـ
إن مما لا شك فيه أنه لا يجوز نبش الميت في الحالات العادية، لكن علياً
«عليه السلام» لم يتحرج من ذلك لأجل إحقاق الحق، وإيصال الطفل إلى حقه.
5 ـ
إنه «عليه السلام» قد استخدم أيضاً معرفته بهذا الأمر الدقيق الذي هو
من شؤون الخلقة، وهو أن من شم عظم أبيه انبعث الدم من أنفه.
واللافت هنا:
أنه كرر الإختبار على الطفل بعد أن عرض عظم ذلك الميت على الجمع
الحاضر، وجعلهم يشمونه، فلم يحصل لهم ما حصل للطفل، ثم أعاده على الطفل
نفسه فشمه، فانبعث الدم.. فحصل بذلك اليقين التام بصحة وصوابية ما أقدم
عليه، وما حكم به..
6 ـ
قد أوضح علي «عليه السلام» أن هذه المسألة لا يعلمها إلا من لديه علم
اختصه الله تعالى به من بين سائر البشر.. والذي لا يكون إلا للإمام
الحق المنصوب من قبل الله تعالى.
7 ـ
إن عمر كان هو المعترض على حكم علي «عليه السلام» بأن الطفل هو ابن
صاحب القبر، ولم يرتضِ بأن يسلم المال للطفل استناداً إلى ما حصل
أولاً. فلما كرر «عليه السلام» الإختبار، بعد أن جعل الحاضرين يشمونه،
ولا يجري لهم مثل ما جرى للطفل لم يكن لعمر بد من الإذعان والتسليم..
8 ـ
وقد ظهرت هنا: نبرة التحدي في كلام علي «عليه السلام» حين اعترض عمر،
حيث قال له: إنه أحق بالمال منك، ومن سائر الناس أجمعين..
ثم أكد «عليه السلام» صحة فعله
بقوله:
«والله ما كذبت ولا كذبت».. في إشارة منه «عليه السلام» مرة أخرى إلى
أنه لا يتصرف من عند نفسه، وإنما بما أخبره به رسول الله «صلى الله
عليه وآله» عن الله تبارك وتعالى. وهو ما أشار إليه بقوله أيضاً:
لأحكمن فيكم بحكومة حكم الله بها من فوق سبع سماواته.. وكأن عمر لم
يصدق هذا القول حتى أثبته «عليه السلام» له بصورة قاطعة، وحاسمة.
9 ـ
إنه «عليه السلام» لم يحكم في أمر هذا الصبي مباشرة، حين التقى به، ولم
يصطحبه إلى بيته، ولم يطلب من الناس أن ياتوا بالصبي إلى بيته أيضاً أو
إلى أي مسجد قريبـ بل طلب ان يأتوه به إلى المسجد الجامع، وحين جيئ به
إلى المسجد اطلق كلمته الأخرى التي من شأنها أن تزيد الناس حماساً،
وإثارة، ويقظة وانتباهاً لما سيقوله أو يفعله في تلك الواقعة..
عن حارثة بن مضرب، قال:
جاء ناس من أهل الشام إلى عمر بن الخطاب، فقالوا: أصبنا أموالاً،
وخيلاً، ورقيقاً، نحب أن يكون لنا فيها زكاة وطهور.
قال:
ما فعله صاحباي قبلي فأفعله.
فاستشار عمر علياً «عليه السلام» في جماعة من أصحاب
رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال علي: هو حسن، إن لم يكن جزية،
ويؤخذون بها راتبة([2]).
قال الحاكم:
هذا حديث صحيح الإسناد إلا أن الشيخين لم يخرجاه عن حارثة. وإنما ذكرته
للمحدثات الراتبة([3]).
ونقول:
أولاً:
إن التزام عمر بالعمل بما فعله صاحباه قبله يستبطن تكريس أفعال أبي بكر
على أنها من السنة، وكونها بمنزلة سنة رسول الله «صلى الله عليه وآله»
نفسه.
وهذا أمر رفضه علي أمير المؤمنين «عليه السلام»، وكان
ثمن رفضه له إقصاؤه عن مقام الخلافة، الذي هو أعظم مقام في الأمة ـ وهو
حقه الذي جعله الله تعالى له ـ وهو يستبطن أيضاً إدخال ما ليس من الدين
في الدين، وتصحيح جميع الأفعال المخالفة للشرع التي صدرت من هذا الشخص
الذي أخذ موقعه، من صاحبه الشرعي بالقوة والقهر والغلبة.
ثانياً:
قد دلت الأخبار الواردة عن أهل البيت «عليهم السلام» على أن الزكاة لا
تجب إلا في الإبل والبقر والغنم([4]).
وأنه «صلى الله عليه وآله» قال:
عفوت لكم عن صدقة (زكاة) الخيل والرقيق([5]).
ولكنها تستحب في الخيل الإناث، إذا كانت سائمة طوال
السنة([6]).
ويمكن أن يلزم الامام الناس بها في حال الضرورة والحاجة
الملحة، في الناس، او لنفقات الدفاع.
ثالثاً:
كأن الخليفة ـ كما يقول العلامة الأميني «رحمه الله» ـ لم يكن يعلم
بعدم تعلق الزكاة بالخيل والرقيق، ولهذا أناط الحكم بما فعله صاحباه.
ثم استشار الصحابة فأشار عليه علي «عليه السلام» بعدم الزكاة فيها إلا
على سبيل كونه من أعمال البر.. لكنه حذر من صيرورتها بدعة راتبة
ومستمرة، يؤخذ بها من بعده كجزية([7]).
روى الشيخ عن زرارة، عن أبي جعفر
«عليه السلام» قال:
جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي «صلى الله عليه وآله»، وفيهم علي «عليه
السلام» وقال: ما تقولون في المسح على الخفين؟!
فقام المغيرة بن شعبة، فقال:
رأيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يمسح على الخفين.
فقال علي «عليه السلام»:
قبل المائدة أو بعدها؟!
فقال:
لا أدري.
فقال علي «عليه السلام»:
سبق الكتاب الخفين، إنما أنزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة([8]).
ونقول:
1 ـ
إن هذه الحادثة تشير إلى أنه لا يكفي أن يسمع الإنسان حكماً في مسألة
من النبي أو الإمام، أو أن يراه قد فعل أمراً ليظن بنفسه أنه أصبح يعرف
حكم تلك المسألة، وأنه صار فقيهاً فيها، ويمكنه أن يفتي، أو أن يشير
بالصواب.. بل الأمر يحتاج إلى اطلاع على سائر ما صدر عن الله ورسوله
مما له ارتباط بتلك الواقعة بنحو أو بآخر.. ويحتاج أيضاً إلى فهمه،
والتدبر فيه، وحسن الإستفادة منه في المواقع المختلفة..
ولأجل ذلك، لم ينفع المغيرة رؤيته رسول الله «صلى الله
عليه وآله» يمسح على الخفين حين لم يتدبر في الدلالة القرآنية. حيث
صرحت آية الوضوء بوجوب مسح الأرجل. وربما باغته الإمام «عليه السلام»
بهذا السؤال ليكشف كذبه في دعواه أنه رأى النبي «صلى الله عليه وآله»
يمسح على الخفين..
2 ـ
هناك إصرار من الفريق المناوئ لعلي «عليه السلام» على مخالفته في المسح
على الأرجل. لأن عمر بن الخطاب كان يصر على تجويز المسح على الخفين،
وإنما جمع الصحابة لأجل تكريس هذا الأمر بزعمه، ولو بشهادة المغيرة،
الذي كاد هو أن يجلده في الزنا، ثم درأ الحد عنه بفعل مبالغته في إخافة
الشهود عليه..
وقد روى الشيخ عن ابن مصقلة قال:
دخلت على أبي جعفر «عليه السلام» فسألته عن أشياء..
إلى أن قال:
فقلت له: ما تقول في المسح على الخفين؟!
فقال:
كان عمر يراه ثلاثاً للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم. وكان أبي لا يراه
في سفر ولا حضر.
فلما خرجت من عنده، فقمت على عتبة
الباب، فقال لي:
أقبل.
فأقبلت عليه، فقال:
إن القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطئون ويصيبون، وكان أبي لا يقول برأيه([9]).
3 ـ
إنهم يقولون: «لم يعرف للنبي «صلى الله عليه وآله» خف إلا خفاً أهداه
له النجاشي، وكان موضع ظهر القدمين منه مشقوقاً. فمسح النبي «صلى الله
عليه وآله» على رجليه وعليه خفاه، فقال الناس: إنه مسح على خفيه»([10]).
فلو أردنا أن نلتمس لمن يدعي جواز المسح على الخفين
عذراً، لأمكن القول بأنهم لم يلتفتوا إلى خصوصية الخف الذي كان يلبسه
رسول الله «صلى الله عليه وآله».
4 ـ
وقد بلغ من تعصب الناس لما أراده عمر بن الخطاب هنا: أن علياً «عليه
السلام» عد المسح على الخفين في جملة الأمور التي لو حمل الناس على
تركها لتفرق عنه جنده([11]).
5 ـ
إن سؤال علي «عليه السلام» للمغيرة عن تاريخ سماعه من رسول الله «صلى
الله عليه وآله»، يدل أيضاً على لزوم معرفة تاريخ نزول الآيات،
ومقايسته بتاريخ النص الآخر لمعرفة المتقدم والمتأخر، حين المقارنة
بينهما..
6 ـ
إننا لا نرى أنه «عليه السلام» يريد أن يقول: إن آية الوضوء ناسخة
للنص، بل يريد أن يقول:إن كتاب الله هو المعيار والمرجع حين الإختلاف،
ولذلك قال: سبق الكتاب الخفين، ولو يقل: نسخ.
كما أنه لم يكن يمكن التصريح لهم بالتجني على الحق
والحقيقة، لأن ذلك يثيرهم، ويزيدهم إصراراً.
عن خالد بن سمير قال:
انتقش رجل يقال له معن بن زائدة على خاتم الخلافة. فأصاب مالاً من خراج
الكوفة على عهد عمر، فبلغ ذلك عمر، فكتب إلى المغيرة بن شعبة: إنه
بلغني أن رجلاً يقال له: معن بن زائدة انتقش على خاتم الخلافة، فأصاب
به مالاً من خراج الكوفة. فإذا أتاك كتابي هذا فنفذ فيه أمري، وأطع
رسولي.
فلما صلى المغيرة العصر، وأخذ الناس مجالسهم، خرج ومعه
رسول عمر. فاشرأب الناس ينظرون إليه حتى وقف على معن. ثم قال للرسول:
إن أمير المؤمنين أمرني أن أطيع أمرك فيه، فمرني بما شئت.
فقال للرسول: ادع لي بجامعة أعلقها في عنقه.
فأتى بجامعة، فجعلها في عنقه، وجبذها جبذاً شديداً. ثم
قال للمغيرة: احبسه حتى يأتيك فيه أمر أمير المؤمنين. ففعل.
وكان السجن يومئذ من قصب، فتمحل معن للخروج، وبعث إلى
أهله: أن ابعثوا لي بناقتي، وجاريتي، وعباءتي القطوانية. ففعلوا.
فخرج من الليل وأردف جاريته، فسار حتى إذا رهب أن يفضحه
الصبح أناخ ناقته وعقلها، ثم كمن حتى كف عنه الطلب.
فلما أمسى أعاد على ناقته العباءة، وشد عليها، وأردف
جاريته، ثم سار حتى قدم على عمر، وهو يوقظ المتهجدين لصلاة الصبح، ومعه
درته. فجعل ناقته وجاريته ناحية، ثم دنا من عمر فقال: السلام عليك يا
أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
فقال:
وعليك. من أنت؟!
قال:
معن بن زائدة، جئتك تائباً.
قال:
ائت، فلا يحييك الله.
فلما صلى صلاة الصبح قال للناس:
مكانكم.
فلما طلعت الشمس قال:
هذا معن بن زائدة انتقش على خاتم الخلافة، فأصاب فيه مالاً من خراج
الكوفة، فما تقولون فيه؟!
فقال قائل:
اقطع يده.
وقال قائل:
أصلبه. وعلي ساكت.
فقال له عمر:
ما تقول أبا الحسن.
قال:
يا أمير المؤمنين، رجل كذب كذبة عقوبته في بشره.
فضربه عمر ضرباً شديداً ـ أو قال مبرحاً ـ وحبسه. فكان
في الحبس ما شاء الله.
ثم إنه أرسل إلى صديق له من قريش:
أن كلم أمير المؤمنين في تخلية سبيلي.
فكلمه القرشي، فقال:
يا أمير المؤمنين، معن بن زائدة قد أصبته من العقوبة بما كان له أهلاً،
فإن رأيت أن تخلى سبيله.
فقال عمر:
ذكرتني الطعن وكنت ناسياً. على بمعن. فضربه، ثم أمر به إلى السجن. فبعث
معن إلى كل صديق له: لا تذكروني لأمير المؤمنين. فلبث محبوساً ما شاء
الله.
ثم إن عمر انتبه له، فقال:
معن. فأتى به، فقاسمه وخلى سبيله([12]).
ونقول:
1 ـ
إن هذا الشخص قد قام بتزوير ختم الخلافة، واستفاد منه في تحصيل أموال
خراجية. وهذا التزوير يمس الخليفة نفسه في صلاحياته، وفي وسائل إجراء
سياساته، فيفترض أن يكون أعرف الناس بحل المشكلات التي تعترضه فيها،
وأن تكون عقوبة من يزور ختم الخلافة من جملة البديهيات عنده، فما معنى
سؤال الناس عن هذا الحكم؟! بل إن الناس إذا جهلوا بالأحكام، فإن عليهم
أن يراجعوه لمعرفتها، لأنه خليفة الرسول..
بل إن عمر بن الخطاب نفسه قد منع الناس من الفتوى،
وحصرها بالأمراء، ومن كلماته المشهورة عنه: «كيف تفتي الناس، ولست
بأمير؟! ولي حارَّها من ولي قارها»([13]).
فكيف أصبح المفتي مستفتياً، والممنوع من الفتوى هو الذي
يفتيه؟!
2 ـ
إن سؤال عمر لهم قد جاء بصيغة عرض الأمر عليهم، ثم قال: ما تقولون
فيه؟! وكأنه يطلب منهم إبداء آرائهم، ولذلك أجابوه بإبداء الرأي، فأشار
هذا بالصلب، وذاك بقطع اليد، مع أن المفروض: هو أن يطلب منهم أن يخبروه
بما سمعوه من رسول الله «صلى الله عليه وآله».. ألا يعد هذا تشجيعاً
على الفتوى بالرأي، وصرفاً لهم عن الإهتمام بأقوال الرسول «صلى الله
عليه وآله» وأحكام الشريعة؟!
3 ـ
إن علياً «عليه السلام» حين ذكر حيثية الحكم الذي بينه لهم.. قد دل على
أن هذا الرجل لم يسرق من الحرز، ولم تجتمع شرائط قطع يده. كما أنه لم
يكن مفسداً في الأرض. ولا فعل ما يوجب الحكم بصلبه.. بل هو قد فعل ما
يصدق عيله عنوان الكذب، وحصل على أموال عامة.. فليس ثمة ما يوجب حداً
وعقوبة منصوصاً عليها، فينحصر الأمر بالتعزير الجسدي. كما قال أمير
المؤمنين..
4 ـ
إن ما لفت نظرنا: هو مبادرة عمر بن الخطاب إلى عقوبة الرجل بوضع
الجامعة في عنقه، ووضعه في السجن. مع أنه كان يستطيع أن يسأل عن الحكم،
ثم يكتب إلى واليه بإجرائه عليه. أو يكتب إليه بتجهيزه وإرساله إليه..
ليتولى هو عقوبته..
5 ـ
لم نعرف السبب في تكرار عقوبة ذلك الرجل بالضرب المبرح، ثم بالسجن، ثم
بالضرب، ثم بالسجن إلى ما شاء الله..
6 ـ
إن كان المراد بمقاسمته: أنه قاسمه أمواله، فلا ندري ما الوجه في ذلك،
فإنه «عليه السلام» ذكر أن عقوبته في بشره.. ولم يذكر أن لأحد الحق
بالتعرض لأمواله..
وإن المراد بالمقاسمة معنى آخر، وهو الحلف، فلا معنى
للحلف المتبادل بين الخليفة وبينه.
عن محمد بن الزبير:
أن رجلاً من أهل الشام قال: خرجت مع فتية حاجّاً، فأصبنا بيض نعام، وقد
أحرمنا فشووها وأكلوها، فلما قضينا نسكنا ذكرنا ذلك لأمير المؤمنين
عمر، فقال: اسألوا قوماً من الصحابة.
فسألوا جماعة منهم، فاختلفوا في الحكم، فأخبروا عمر،
فاستعار أتاناً وانطلق بهم.
وقال:
اتبعوني، وانطلق بهم حتى انتهى إلى ينبع [وفي نص آخر] انتهى إلى حجر
رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فضرب حجرة منها، فأجابته امرأة، فقال:
أَثَمَّ أبو حسن؟!
قالت:
لا.
فمر في المقناة؛ فأدبر، وقال:
اتبعوني، حتى انتهى إليه وهو يسوي التراب بيده، فقال: مرحباً يا امير
المؤمنين.
فقال:
إن هؤلاء أصابوا بيض نعام وهم محرمون.
فقال:
ألا أرسلت إلي؟
قال:
أنا أحق بإتيانك.
قال:
يضربون الفحل قلائص([14])
أبكاراً، بعدد البيض، فما نتج منه أهدوه.
قال عمر:
فإن الإبل تخدج.
قال علي «عليه السلام»:
والبيض يمرض.
فلما أدبر قال عمر:
اللهم لا تنزل بي شدة إلا وأبو الحسن إلى جنبي([15]).
ونقول:
ألف:
لا نريد أن نتوقف كثيراً عند خطاب أمير المؤمنين لعمر بـ:
«يا
أمير المؤمنين»،
فإن خطابه باسم انتحله لنفسه ليس بالأمر المخالف للشرع، إلا إذا استفيد
منه قبوله بإمارته للمؤمنين من عند الله.
وأما إن أريد به التعريض به حين عجز عن حل هذه المعضلة،
بأنه يدَّعي ما ليس له. أو أريد منه أنه أمير فعلاً، فلا ضير في ذلك،
حتى لو كان قد حصل على هذه الإمارة بصورة غير مشروعة، فإن الخطاب له
بذلك انما هو على سبيل التقية ليتوصل إلى إصلاح أمور الدين، وليفسح له
المجال لمعاودة الرجوع إليه في المهمات من الأحكام، والمعضلات من
المسائل.
ب:
إن عمر كان يرى أن مواجهته لأمثال هذه المعضلات من
الشدائد التي يحتاج فيها إلى أبي الحسن «عليه السلام».. وهو كذلك، فإن
عدم معرفته بأجوبة المسائل من شأنه أن يسقط محله من القلوب، ويجرئ
الناس عليه، وربما يضعف موقعه في الحكم. وهذا هو المصاب الجلل بالنسبة
إليه.
ولكنه كان يعلم أن ما يهم أمير المؤمنين «عليه السلام»
هو حفظ أحكام الدين ونشرها، وأنه لا يجعل ذلك وسيلة لاسترجاع ما أخذه
منه، لأسباب كان عمر مطمئناً إلى استمرار تأثيرها. وكان يشعر بالأمن من
هذه الناحية..
ج:
قد يختلج في الخاطر: أن يكون علي «عليه السلام» يحب أن يرسل إليه
ليأتيه، وهو في مجلسه العام، لكي يتم بيان هذا الحكم على رؤس الأشهاد،
ويسمعه أكبر عدد ممكن من الناس..
ويكون عمر قد آثر المصير إليه لكي يختلي به، ويسمع
الإجابة هو وصاحب السؤال، حتى لا يظهر للناس في صورة المحتاج إلى غيره
في مسائل الشرع والدين.. أو على الأقل ليخفف من سلبيات هذا الظهور
المتكرر له بهذه الصفة.
وقالوا:
سرق في عهد عمر إنسان، فشهد عليه
الشهود، فقال:
يا عمر! لا تقطع، فإني تبت إلى الله منه. ولا أرجع. وهذه أول سرقة مني.
فدرأ عنه عمر.
فقال علي «عليه السلام»:
أقم عليه الحد، فإن الله قد ستر عليه إلى أن سرق مقدار دية يده([16]).
ونقول:
1 ـ
لا شك في أن للتوبة أثرها في غفران الذنوب في الآخرة، ومن شرائط
قبولها، القبول بتبعات الفعل، وتحمل نتائجه، والسعي لإعادة الأمور إلى
نصابها باعطاء كل ذي حق حقه، واصلاح ما فسد، والرضا بأحكام الله تعالى
في مورد المخالفة.
2 ـ
إن الله تعالى حين أوجب قطع يد السارق، لم يقيد ذلك بقيد، بل جعله على
نحو الإطلاق، أي أنه لم يشترط ثبوت القطع بعدم توبة السارق.
3 ـ
كما أنه قد أوجب قطع يد السارق في جميع الأحوال، ولم يستثن سرقته
الأولى من هذا الحكم.
4 ـ
لعل قول علي «عليه السلام»: إن الله قد ستر عليه إلى أن سرق مقدار دية
يده.. يشير إلى الأمور التالية:
الأول:
إنه «عليه السلام» يخبر بالغيب، ليقطع الطريق بذلك على أي توهم حول عدم
مراعات مقتضيات الرحمة في معاملة السارق، الذي زلت به قدمه، وقد تاب
وأناب.
الثاني:
ليدلهم على أن ذلك السارق كان يكذب عليهم فيما أخبرهم به، حين ادعى أن
هذه أول سرقة كانت منه. فهو قد سرق وسرق.. حتى سرق مقدار دية يده،
ولذلك نلاحظ: أنه لم يعترض على كلام علي «عليه السلام» المتضمن لهذا
الخبر الغيبي..
الثالث:
إنه «عليه السلام» قال: إن هذا الرجل سرق الله، ولم يقل: إنه سرق
الناس.. إلا إن كانت الـ «هاء» في كلمة «سرقه» من إضافات النساخ.
عن عبد الرحمن بن عائذ، قال:
أتي عمر بن الخطاب برجل أقطع اليد والرجل، قد سرق. فأمر به عمر أن يقطع
رجله.
فقال
علي «عليه السلام»:
إنما قال الله عز وجل
{إِنَّمَا
جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ..}
الآية([17]).
فقد قطعت يد هذا ورجله، فلا ينبغي أن تقطع رجله، فتدعه ليس له قائمة
يمشي عليها: إما أن تعزره، وإما تستودعه السجن.
قال:
فاستودعه السجن([18]).
ونقول:
ألف:
إن عمر بن الخطاب بادر إلى الأمر بقطع رجل ذلك السارق. ولم يسأل أحداً
ممن كان حوله.. فلعل عزوفه عن السؤال كان لاطمئنانه إلى الحكم من خلال
الآية الكريمة، لأنها ذكرت: أن جزاء من يسرق ويحارب الله ورسوله هو قطع
الأيدي والأرجل.
فقد قال تعالى:
{إِنَّمَا
جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي
الأرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ
أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ
ذَلِكَ لَهمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ
عَظِيمٌ}([19]).
ب:
ولكن قد ظهر أنه قد فهم الآية بصورة خاطئة، وكان لا بد له من الانصياع
لما حكم به علي «عليه السلام» فقد غفل الخليفة عن أن هذه الآية تتحدث
عن قطع إحدى اليدين، وإحدى الرجلين، مع مراعاة مخالفة الجانب، ولكن لو
قطعت يد ورجل وفق ما جاء في هذه الآية.. ثم عاد إلى ارتكاب الجريمة
نفسها، هل نقطع له يده ورجله، ونبقيه بلا يدين ولا رجلين أم أن الآية
لا تشمل هذه الصورة الأخيرة؟!
وبعبارة أخرى:
هل إذا لزم من هذا القطع أن يصبح فاقداً ليديه ورجليه معاً تبقى دلالة
هذه الآية على حالها. أم أنها خاصة بصورة ما لو بقي له رجل واحدة، ويد
واحدة؟!
إن الآية ساكتة عن بيان ذلك،
فلا بد من الاقتصار فيها على ما هو المتيقن من دلالتها.. والرجوع فيما
عداه إلى سنة رسول الله «صلى الله عليه وآله»..
ج:
إنه «عليه السلام» بين حيثيات الحكم بالطريقة التي تمنع من التشكيك
والاعتراض، فقال: «فقد قطعت يده ورجله». أي فتحقق مضمون الآية، فلم يعد
لديك ما يدل على جواز الاستمرار في قطع اليد والرجل الأخرى.. فلا بد من
السؤال عن البيان النبوي من الصحابة، ولو لم يجد ما يفيد في ذلك.
فإبقاؤهما له هو الأحوط والأولى.. وحيث لا بد من عقوبته، فإن عقوبته
بسجنه، وكفه عن الناس بذلك».
أخرج أبو عمر عن أذينة بن مسلمة أنه
قال:
أتيت عمر بن الخطاب فسألته: من أين أعتمر؟!
فقال:
إيت علياً فسله، فأتيته فسألته، فقال لي: عليك من حيث بدأت يعني: من
ميقات أرضه.
قال:
فأتيت عمر فذكرت له ذلك، فقال: ما أجد لك إلا ما قال علي بن أبي طالب([20]).
فعلي «عليه السلام» كان هو المرجعية المعترف والموثوق
بها، لدى الكبير والصغير في كل أمر ديني، ولا يأبى الممسكون بأزمة
الأمور من الإرجاع إليه حين يريدون تحاشي إثارة الإعتراضات عليهم لو
أفتوا برأيهم في أمر لا مصلحة لهم في ظهور خطإهم في فتواهم فيه.
كما أن مبادرة أذينة إلى سؤال عمر عن هذا الأمر الديني.
تشي بأحد أمرين:
أحدهما:
أنه جاء وفق السياق العام، حيث يشعر الناس بصورة عفوية بأن من يكون في
مكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» لا بد أن يكون قادراً على الإجابة
على كل سؤال، ولا سيما مسائل الدين والشريعة. كما لا بد أن يكون قادراً
على فعل كل ما كان يفعله الرسول..
الثاني:
أن يكون هذا الرجوع على أساس الخضوع للإجراء الذي اتخذه الخليفة عمر
بعدم السماح لأحد بالفتوى إلا للأمراء، حيث أطلق كلمته المشهورة:
كيف تفتي الناس ولست بأمير؟! ولي حارّها من ولي قارّها([21]).
لا سيما بعد أن منع الناس من رواية أي شيء عن رسول الله
«صلى الله عليه وآله»، ومنع من السؤال عن معاني القرآن. كما أوضحناه في
الجزء الأول من كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه
وآله»..
إن ما لا نجد له تفسيراً معقولاً أو مقبولاً هو بساطة
هذا الحكم الذي لم يجد لدى الخليفة جواباً له، فاضطر إلى إحالته على
أمير المؤمنين «عليه السلام». فإذا كان هذا حال الأحكام الواضحة
والبديهية لدى الخليفة، فما حال المسائل المشكلة والغامضة، فهل ترى
أنها سوف تجد لها جواباً عنده؟!
10-
علي
يكشف
حيلة المحتال:
قال سبط ابن الجوزي:
وفي رواية: أن رجلين من قريش أودعا امرأة مئتي دينار، وقالا لها: لا
تدفعيها إلى أحدنا حتى يحضر الآخر. وغابا، ثم جاء أحدهما فقال: إن
صاحبي قد هلك، وأريد المال، فأبت أن تدفعه إليه، فثقَّل عليها بأهلها،
فلم يزالوا بها حتى دفعته إليه.
ثم لبث حولاً آخر، فجاء الآخر، فطلبه.
فقالت:
أخذه صاحبك، [أو قالت:] إن صاحبك جاءني، وزعم أنك قد متَّ، فدفعتها
إليه.
فارتفعا إلى عمر، فقال للرجل:
ألك بينة؟!
فقال:
هي.
فقالت:
يا عمر،
أنشدك الله، ارفعنا إلى علي بن أبي طالب.
فرفعهما إليه، فقصت المرأة القصة عليه [وعرف أنهما مكرا
بها]، فقال للرجل: ألست القائل: لا تسلميها إلى أحدنا دون صاحبه.
فقال:
بلى.
فقال:
مالك عندنا، أحضر صاحبك، وخذ المال.
فانقطع الرجل، وكان محتالاً.
فبلغ ذلك عمر، فقال:
لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب([22]).
ونقول:
ألف:
إن مناشدة تلك المرأة المظلومة عمر بن الخطاب أن يرفع قضيتها إلى أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»، يبين لنا كيف أن عقول الناس
تبقى مشدودة إلى علي أمير المؤمنين
«عليه السلام»،
ويرون أنه وحده الذي يملك الحلول الصحيحة لمشاكلهم. أما غيره فيتوقعون
منه ـ في أحسن الاحوال ـ الخطأ والصواب، والعدل والظلم، والعلم والجهل
على حد سواء..
ولا أدري حقيقة المشاعر التي انتابت عمر، وهو يسمع من
هذه المرأة هذا الطلب، وكم خجل ما بينه وبين نفسه، وأمام الناس من
ذلك..
ب:
إن عمر بعد أن عرف نتيجة المرافعة، وأحسَّ بصفاء وبداهة الحكم فيها، لم
يملك إلا أن يثني على أمير المؤمنين «عليه السلام»، ليتخزل الشعور
العفوي الذي لا بد أن ينتاب الناس حين يقفون على حقيقة ما جرى، ويعيشون
واقعيته وسلامته بضميرهم، ووجدانهم. فأظهر بقوله هذا حاجته إلى بقاء
علي بن أبي طالب معه ليسدده، وليحل له المعضلات، والمشكلات.
وقالوا:
رفعت إلى عمر قضية رجل قتلته امرأة أبيه وخليلها. فتردد عمر في قتل
اثنين بواحد.
فقال له علي «عليه السلام»:
أرأيت لو أن نفراً اشتركوا في سرقة توجب القطع، أكنت قاطعهم؟!
قال:
نعم.
قال:
فكذلك.
فعمل برأي علي.
وكتب إلى عامله:
أن اقتلهما، فلو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم([23]).
ونقول:
1 ـ
إن علياً «عليه السلام» لم يستدل على عمر بالقياس، وإنما أراد تقريب
المسألة إلى ذهنه بالطريقة العرفية. وإلا فإن الميزان في الأحكام هو
النص الثابت عن الله وعن رسوله. وقد أشرنا إلى ذلك فيما سبق.
2 ـ
الحكم في هذه المسألة هو جواز قتل القاتلين كليهما، لكن شرط أن يدفع
تفاوت الدية.. فمثلاً إذا كان القاتل رجلان، فإذا قتلا معاً فلا بد من
إعطاء دية واحد منهما. تقسم بين أولياء المقتولين قوداً. وإن قتل
أحدهما فالمتروك يؤدي نصف الدية إلى أهل المقتول.. كما أن الحكم حين
يكون القاتل رجل وامرأة يجري في هذا السياق، مع ملاحظة الفوارق بين
الرجل والمرأة، كما هو مبين في كتب الفقه.
وأما قتل القاتلين معاً من دون رد فضل ذلك، فقد قال
الشيخ «رحمه الله»: هو مذهب بعض من تقدم على أمير المؤمنين «عليه
السلام»([24]).
3 ـ
وقد علم مما تقدم: أن علياً «عليه السلام» إنما بيَّن لعمر جواز قتل كل
مشارك في القتل. فعمل بما أشار عليه.. ولكن الرواية سكتت عن بيان بقية
عناصر الحكم.. فهل اكتفى علي «عليه السلام» بهذا المقدار، فلماذا فعل
«عليه السلام» ذلك؟! أم أن الراوي سكت عن نقل بقية ما جرى؟! فلماذا فعل
الراوي ذلك؟!
عن الإمام الرضا «عليه السلام»:
أنه أقر رجل بقتل ابن أو أخ لرجل من الأنصار، فدفعه عمر إليه ليقتله
به، فضربه ضربتين بالسيف حتى ظن أنه هلك.
فحمل إلى منزله وبه رمق، فبرئ الجرح بعد ستة أشهر.
فلقيه الأب، وجره إلى عمر، فدفعه إليه عمر ليقتله،
فاستغاث الرجل إلى أمير المؤمنين.
فقال لعمر:
ما هذا الذي حكمت به على هذا الرجل؟!
فقال:
النفس بالنفس.
قال:
ألم يقتله مرة؟!
قال:
قد قتله، ثم عاش.
قال:
فيقتل مرتين؟!
فبهت، ثم قال:
فاقض ما أنت قاض.
فخرج([25])
«عليه السلام» فقال للأب:
ألم تقتله مرة؟!.
قال:
بلى، فيبطل دم ابني؟!
قال:
لا. ولكن الحكم أن تُدفع إليه، فيقتص منك مثلما صنعت به، ثم تقتله بدم
ابنك.
قال:
هو ـ والله ـ الموت. ولا بد منه؟!
قال:
لا بد أن يأخذ بحقه.
قال:
فإني قد صفحت عن دم ابني، ويصفح لي عن القصاص.
فكتب بينهما كتاباً بالبراءة.
فرفع
عمر يده إلى السماء، وقال:
الحمد لله، أنتم أهل بيت الرحمة يا أبا الحسن.
ثم قال:
لولا علي لهلك عمر([26]).
ونقول:
إن ولي الدم حين ضربه ليقتله بأخيه، أو بولده، إن كان
ضَرْبُه في المرة الأولى سائغاً فقد وقع في محله.. ولكن بما أن الموت
لم يترتب عليه، ولم يصدق عليه القصاص، فقد وقع أجنبياً عن المطلوب، فلا
يذهب هدراً ويثبت على الولي له الدية بذلك.. ويجوز له ضربه ثانياً
قصاصاً. وإن كان ضرب الولي له في المرة الأولى غير سائغ، فهو ظالم له،
فلا بد من الاقتصاص منه ما فعل.
والرواية ناظرة للصورة الثانية، لا للصورة الأولى..
فيبدو:
أن قرائن الأحوال قد دلت على أن الضرب الأول كان على سبيل التعدي
والتشفي، وكيفما اتفق، لا بقصد الإقتصاص منه. ولذلك حكم عليه أمير
المؤمنين بما حكم.
أو أنه «عليه السلام» يرى أن حكم المتصدي على مقام
الإمامة والقضاء، مع وجود الامام الحق.. غير نافذ، فلا يجوز العمل
بمقتضاه إلا بإذن الإمام، ولم يستأذن منه، مع علمه بالحكم الشرعي..
فيكون هذا المورد من مصاديق الصورة الثانية، دون الأولى..
1 ـ
عن أبي علي الحداد، بإسناده إلى سلمة بن عبد الرحمن في خبر، قال: أتي
عمر بن الخطاب برجل له رأسان، وفمان، وأنفان، وقبلان، ودبران، وأربعة
أعين في بدن واحد، ومعه أخت.
فجمع عمر الصحابة وسألهم عن ذلك.
فعجزوا، فأتوا علياً «عليه السلام» وهو في حايط له،
فقال: قضيته أن ينوم، فإن غمض الأعين، أو غط من الفمين جميعاً، فبدن
واحد، وإن فتح بعض الأعين، أو غط أحد الفمين، فبدنان. هذه إحدى قضيتيه.
وأما القضية الأخرى، فيطعم، ويسقى حتى يمتلئ، فإن بال
من المبالين جميعاً، وتغوط من الغايطين جميعاً، فبدن واحد، وإن بال أو
تغوط من أحدهما، فبدنان([27]).
2 ـ
وروي:
أنه ولد في زمن عمر ولدان ملتصقان، أحدهما حي، والآخر ميت، فقال عمر:
يفصل بينهما بحديد.
فأمر أمير المؤمنين أن يدفن الميت ويرضع الحي، ففعل
ذلك، فتميز الحي من الميت بعد أيام([28]).
ونقول:
1 ـ
إن عمر حين رجع في القضية الأولى إلى الصحابة، قد خالف وأخطأ، لأنه
تجاهل علياً «عليه السلام».. ولعله لم يرد أن يظهر لعلي «عليه السلام»
فضلاً، بعد أن توالت وكثرت الحوادث والقضايا التي ظهر فيها فضله العظيم
على جميع الناس، إلى الحد الذي لم يعد يحتمله الخليفة.
2 ـ
إن رجوعه إلى الصحابة إن كان لأخذ رأيهم، فهو عمل لا يمكن قبوله، فإن
دين الله لا يصاب بالعقول، ولا تعرف الأحكام بالحدس والتظني.
وإن كان الرجوع إليهم ليجد عندهم حكماً سمعوه من رسول
الله «صلى الله عليه وآله»، فعلي أولى بالسؤال منه، لأنه وصي الرسول،
وأقرب منهم إليه، وأعلمهم بدين الله وأحكامه..
3 ـ
ولكن الله سبحانه أراد أن يظهر امتياز وفضل علي «عليه السلام» عليهم
بنفس هذا التجاهل العمري له.. فإنه لو كان «عليه السلام» قد جاء معهم
وبيَّن الحكم، فلربما يقال: إن علم ذلك لم يكن منحصراً به، ولكنه كان
أسرعهم إستحضاراً للحكم، أو أنه سبقهم إلى بيان ما عرفه وعرفوه. ولكن
ظهور عجزهم، واضطرارهم للبحث عنه، حتى وجدوه في حائط له.. قد أظهر فضله
عليهم، وأكد حاجتهم إليه واستغناءه عنهم.
4 ـ
وفي حكمه الذي أصدره «عليه السلام» يلاحظ: أنه أعطاهم في البداية
حكماً، قد لا يحسنون متابعة تطبيقه على ذلك الرجل، حيث قد يخفى عليهم
غطيطه من الفمين أو من فم واحد..
كما أن غمض الأعين قد لا يكون تاماً في بعض الأحيان..
كتمامه في سائرها.. كما لو كان نصف إغماض.. فلا يتمكنون من تحديد أمره،
أو يخطئون في حكمهم عليه، فبادر «عليه السلام» إلى بيان معيار آخر لا
مجال للخطأ فيه، وهو مراقبته في مخرجي البول والغائط.
5 ـ
يلاحظ: اشتراطه «عليه السلام» أن يتحقق الإمتلاء له من الطعام والشراب،
ولا بد أن يكون لهذا الإمتلاء خصوصية اقتضت التنصيص عليه.. ربما لأن
هذا الإمتلاء يحتم التبول والتغوط من المخارج كلها.. بخلاف ما لو لم
يكن ممتلئاً، فإن ذلك قد يحصل من بعضها دون بعض.
6 ـ
وفي الرواية الثانية نرى: أن عمر بن الخطاب يبادر إلى إصدار حكمه في
ذينك الولدين الملتصقين بفصلهما بالحديد. مع أن حكمه هذا يشكل خطراً
محتملاً على حياة الولد الذي كان حياً.. إذ إنه لم يكن يعلم بطبيعة
الإلتصاق بين البدنين، وهل هناك تداخل بينهما في بعض الأعضاء، أم لا..
ومع وجود التداخل، ففي أي منها كان ذلك؟! وما هو حجمه، ومداه؟! وما هي
كيفياته وحالاته؟!
فلماذا يقدم عمر على إصدار حكم يتضمن مثل هذه الأخطار،
ويحتاج إلى الإجابة على هذه الأسئلة؟!
فكان ما ذكره أمير المؤمنين «عليه السلام» هو البلسم
الشافي الذي لا محيص عنه. والله أعلم حيث يجعل رسالته.
عن
سعيد بن المسيب:
أن عمر قال لحذيفة: كيف أصبحت يا ابن اليمان؟!
فقال:
كيف تريدني أصبح؟! أصبحت والله أكره الحق، وأحب الفتنة، وأشهد بما لم
أره، واحفظ غير المخلوق. وأصلي من غير وضوء. ولي في الأرض ما ليس لله
في السماء.
فغضب عمر لقوله،
وانصرف من فوره وقد اعجله أمر. وعزم على أذى حذيفة
لقوله ذلك. فبينما هو في الطريق إذ مر بعلي بن أبي طالب، فرأى الغضب في
وجهه، فقال: ما أغضبك يا عمر؟!
فقال:
لقيت حذيفة بن اليمان، فسألته: كيف أصبحت؟!
فقال:
أصبحت أكره الحق.
فقال:
صدق. يكره الموت وهو حق.
فقال:
يقول: واحب الفتنة.
قال:
صدق. يحب المال والولد. وقد قال الله تعالى:
{أَنَّمَا
أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ}([29]).
فقال:
يا علي، يقول: وأشهد بمالم أره.
فقال:
صدق. يشهد لله بالوحدانية، والموت، والبعث، والقيامة، والجنة والنار،
والصراط. ولم ير ذلك كله..
فقال:
يا علي، وقد قال: إني أحفظ غير المخلوق.
قال:
صدق. يحفظ كتاب الله تعالى: القرآن. وهو غير مخلوق([30]).
قال:
ويقول: أصلي على غير وضوء.
فقال:
صدق. يصلي على ابن عمي رسول الله «صلى الله عليه وآله» على غير وضوء،
والصلاة عليه جائزة.
فقال:
يا أبا الحسن، وقد قال أكبر من ذلك.
فقال:
وما هو؟!
قال:
قال: إن لي في الأرض ما ليس لله في السماء.
قال:
صدق. له زوجة وولد.
فقال عمر:
كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب([31]).
قال الحافظ الكنجي:
قلت: هذا ثابت عند أهل النقل. ذكره غير واحد من أهل السير([32]).
ونقول:
أولاً:
كنا نتوقع أن لا يواصل عمر إظهار حرصه على إدانة حذيفة.. بل كان يكفي
لتوقفه عن ذلك توضيح الموردين او الثلاثة الأوائل، لكي يتبلور لديه
شعور بأن سائر الموارد مرشحة لأن تسقط عن دائرة الإدانة، ويكون حالها
حال هذه الموارد التي ظهر له أنه مخطئ في فهمه لمرماها ومغزاها..
ولكن لهفة عمر على تسجيل إدانة حذيفة جعلته يتغاضى عن
هذا الاحتمال، وأن يسعى وراء الإحتمال الآخر بحرص ومثابرة..
ولا نريد أن نذهب يميناً وشمالاً في تلمس أسباب هذا
الحرص، بل نكتفي بتسجيل احتمال أن تكون معرفة حذيفة بأسماء المنافقين
هي أحد الأمور التي كانت تحرج الخليفة، من حيث قيام احتمال لديه أن
يكون بعض هؤلاء الذين كان يعرفهم حذيفة، لهم دور، أو موقع، أو قرابة،
أو شأن في الواقع السلطوي القائم.. وكان الخليفة يحب أن يتخلص من هذا
الإحراج. ولذلك كان يسأل حذيفة باستمرار إن كان اسمه في جملتهم أم لا([33]).
ثانياً:
هل أراد حذيفة بحركته هذه ملاطفة عمر بن الخطاب، والمزاح معه، والعبث
به.
أو أراد أن يفهمه: أن عليه أن يتواضع، ويتراجع أمام
الواقع، فلا تأخذه مظاهر التبجيل والطاعة والخضوع التي تحيط به إلى أن
يعتقد بنفسه أنه فوق مستوى الناس العاديين، فإن الخضوع للسلطة، وإظهار
الإجلال والإحترام للمتسلط قد يكون خوفاً من التعرض لعصاه ودرته، التي
كانت تخفق فوق رؤوس الناس لسبب وبدون سبب، وليس لأجل أنه ازداد في نفسه
علماً وفضلاً، ومقاماً وعظمة.
أو أنه أراد أن يستدرجه، لكي يلجئه للاعتراف لصاحب
المقام والفضل الحقيقي بحقه وبفضله، حتى لا يظن الناس: أن أخذ المقام
من صاحبه الشرعي، أصبح أمراً مألوفاً ومقبولاً، وأنه لا سلبيات له، فإن
الأمور تجري على ما يرام. وأنه اكتسب الشرعية بسكوت صاحب الحق.
أو أراد أن يفهم الناس: أن من يدعي هذا المقام لنفسه
بدون حق لا يزال ـ كما كان ـ بعيداً عنه في صفاته ومؤهلاته، التي تقصر
به عنه، وأن هذا البعد ليس في مصلة الدين والأمة في شيء.
وربما يكون لحذيفة أغراض أخرى، لا تدخل في هذا السياق
أو ذاك.
وربما يكون ذلك كله هو ما رمى إليه حذيفة. والله أعلم.
ثالثاً:
إن بعض كلمات حذيفة، وإن كانت قد وردت في احتجاجات بعض أهل الكتاب،
فالمفروض بعمر أن لا يجهلها.. إلا أنه ربما يكون قد تغافل عن ذلك على
أمل أن يجد السبيل للإيقاع بحذيفة، لاحتمال أن لا يكون حذيفة قاصداً
معناها الصحيح.. أو أن الله أنساه ذلك ليظهر ما يضمره تجاه حذيفة.. أو
لغير ذلك من أسباب.
روى محب الدين الطبري، بسنده عن أبي
ذر قال:
بعثني رسول الله «صلى الله عليه وآله» أدعو علياً. فأتيته، فناديته،
فلم يجبني، فعدت وأخبرت [رسول الله]، فقال: عد إليه وادعه، فهو في
البيت.
قال:
فعدت وناديته، فسمعت صوت الرحى تطحن، فشارفت الباب، فإذا الرحى تطحن
وليس معها أحد!!! فناديته، فخرج إلي منشرحاً، فقلت له: إن رسول الله
«صلى الله عليه وآله» يدعوك.
فجاء.
ثم لم أزل أنظر إلى رسول الله «صلى
الله عليه وآله» وينظر إلي، فقال:
يا أبا ذر، ما شأنك؟!
فقلت:
يا رسول الله، عجب من العجائب، رأيت رحى في بيت علي تطحن وليس معها أحد
يديرها!!!
فقال:
يا أبا ذر، إن لله ملائكة سياحين في الأرض، وقد وكلوا بمعونة آل محمد([34]).
ونقول:
يلاحظ في الرواية الأمور التالية:
1ـ
إن عدم جواب أمير المؤمنين لأبي ذر «رحمه الله» حين ناداه في المرة
الأولى قد يكون لأجل انشغاله بالصلاة، أو لغير ذلك من أسباب، ارتفعت
حين عاد إليه في المرة الثانية.
2 ـ
ما معنى أن يشارف أبو ذر ليرى الرحى، وهي تطحن، ألا يعد ذلك من محاولة
النظر إلى العورات؟! أو من التطلع في الدور المنهي عنه؟!
ونجيب:
أولاً:
قد يكون أبو ذر على علم بخلو الدار من النساء، وعلى علم أيضاً بأن
علياً أو غيره، ممن يحتمل أن يكونوا هناك كانوا في وضع طبيعي، لا
يزعجهم اطلاع الناس عليه.
ثانياً:
لعل هذه الرحى كانت في مكان لا يحظر على الناس الإشراف عليه، أو الوصول
اليه.
3 ـ
قد يمكن إبداء احتمال أن تكون ثمة رغبة في اطلاع أبي ذر على تلك الرحى،
وهي تعمل بنفسها. ليخبر الناس بما رأى. وهو الذي أعلم الرسول الاعظم
الناس، بأنه ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء من ذي لهجة أصدق منه.
4 ـ
لقد بين
«صلى الله
عليه وآله»
أن حديث الرحى ليس مجرد كرامة عابرة، قد يتوهم زوالها بزوال أو باختلال
موجبات استحقاقها. بل هو كرامة إلهية ثابتة وباقية ببقاء هذا التوكيل
الإلهي لأولئك الملائكة بمعونة آل محمد في أي مكان في الأرض، وفي أي
زمان احتاجوا فيه إلى المعونة.
فالحديث عن توكيل الملائكة يشير إلى بقاء واستمرار
موجبات هذه الكرامة لآل محمد
«صلى الله
عليه وآله».
5 ـ
كان يمكن للنبي «صلى الله عليه وآله» أن يخبر الناس بأمر هؤلاء
الملائكة، من دون انتظار ما جرى.. والحقيقة هي: أن اقتران الخبر
بالحدث، ثم الانتظار التعجبي، وتأمل أبي ذر للحصول على تفسير ما رأى
سيكون أشد تأثيراً في حفظه ما يراد له حفظه، ويجعله أكثر دقة في فهم
المراد، وإدراك المعنى التطبيقي والعملي للكلمة التي يريد النبي
«صلى الله عليه وآله»
أن يطلقها.
وقالوا:
إن قدامة بن مظعون شرب خمراً، فأراد عمر أن يحده. فادعى أن الحد لا يجب
عليه، لقوله تعالى: {لَيْسَ
عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا
طَعِمُوا..}([35])
فدرأ عنه الحد.
فبلغ ذلك أمير المؤمنين «عليه
السلام»، فقال:
ليس قدامة من أهل هذه الآية، ولا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم الله.
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يستحلون حراماً. فاردد قدامة،
واستتبه مما قال، فإن تاب فأقم الحد عليه، وإن لم يتب، فقد خرج من
الملة.
فاستيقظ عمر لذلك، فعرف قدامة الخبر، فأظهر التوبة،
فحده عمر ثمانين([36]).
ونقول:
1 ـ
إن سبب نزول الآية التي استدل بها قدامة هو: أنه لما نزل تحريم الخمر
والميسر، والتشديد في أمرهما، قال الناس من المهاجرين والأنصار: يا
رسول الله، قتل أصحابنا وهم يشربون الخمر، وقد سماه الله رجساً، وجعله
من عمل الشيطان. وقد قلت ما قلت، أفيضر أصحابنا ذلك شيئاً بعد ما
ماتوا؟!
فأنزل الله
{لَيْسَ عَلَى
الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا
طَعِمُوا..}([37])،
فهذا لمن مات أو قتل قبل تحريم الخمر. والجناح هو الإثم على من شربها
بعد التحريم([38]).
ولا بد من الإشارة إلى أن المراد بتحريم الخمر هو إظهار
التحريم بنزول الآيات بذلك، فإن الخمر لم تزل محرمة منذ بعث الله نبيه
«صلى الله عليه وآله»..
2 ـ
لا ندري كيف رضي الخليفة بدرء الحد عن قدامة؟! وكيف قبل منه استدلاله
بالآية الشريفة، ولم يلتفت إلى المقصود بها..
3 ـ
كيف لم يلتفت عمر إلى أن الأخذ بقول قدامة معناه أن يصبح شرب الخمر
حلالاً للمؤمنين المتقين..
4 ـ
يضاف
إلى ذلك:
أن قبول كلام قدامة معناه تخطئة رسول الله «صلى الله عليه وآله» ومن
جاء بعده، فإنه كان يعاقب من يشرب الخمر.
وتخطئة رسول الله «صلى الله عليه وآله» لها آثار عقيدية
لا يمكن التغاضي عنها.
عن أبي عبد الله «عليه السلام» قال:
أتي عمر بن الخطاب بقدامة بن مظعون وقد شرب الخمر، فشهد عليه رجلان:
أحدهما خصي، وهو عمرو التميمي. والآخر: المعلى بن الجارود، فشهد
أحدهما: أنه رآه يشرب. وشهد الآخر: أنه رآه يقيء الخمر.
فأرسل عمر إلى أناس من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه
وآله» فيهم أمير المؤمنين «عليه السلام»، فقال لأمير المؤمنين «عليه
السلام»: ما تقول يا أبا الحسن؟ فإنك الذي قال فيك رسول الله «صلى الله
عليه وآله»: أنت أعلم هذه الأمة وأقضاها بالحق، فإن هذين قد اختلفا في
شهادتهما.
قال:
ما اختلفا في شهادتهما، وما قاءها حتى شربها.
فقال:
هل تجوز شهادة الخصي؟!
قال:
ما ذهاب لحيته إلا كذهاب بعض أعضائه([39]).
ثم ذكروا:
أنه حين عرف قدامة أنه مأخوذ بما فعل أظهر التوبة والإقلاع، فدرأ عمر
عنه القتل، ولم يدر كيف يحده. فقال لأمير المؤمنين «عليه السلام»: أشر
علي في حده.
فقال:
(حده ثمانين، إن شارب الخمر إذا شربها سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى
افترى)، فجلده عمر ثمانين([40]).
ونقول:
أولاً:
إن عمر قد واجه مشكلات أربع:
الأولى:
إنه لم يعرف ماذا يصنع، حين زعم قدامة أن الحد لا يجب عليه..
الثانية:
إنه لم يعرف إن كانت شهادة الخصي تجوز أو لا تجوز.
الثالثة:
إنه لم يعرف ما حكم الشهادة إذ اختلفت حين يشهد أحد الشاهدين أنه رآه
يشرب الخمر، وشهد الآخر: أنه رآه يقيء الخمر.
الرابعة:
إنه لم يعرف كيف يحده.
وقد أخذ علم ذلك كله من أمير المؤمنين «عليه السلام».
ولا ندري إن كان يجوز لمن هذا حاله أن يتصدى لخلافة النبوة، وأن يقصي
ذلك العارف العالم، الجامع لكل صفات الفضل والكمال؟!
ثانياً:
إنه «عليه السلام» قد بين له جميع الأحكام بصورة
إستدلالية، ولم يكتف ببيان الحكم وحسب.. ولعله «عليه السلام» أراد أن
لا يتوهم أحد أنه «عليه السلام» تجرأ وقال برأيه ما شاء.. كما يتجرأ
غيره، وأن عمر كان أكثر احتياطاً، و أشد رعاية لمقتضيات التقوى..
ثالثاً:
ظهر من الأدلة التي ساقها علي «عليه السلام»: أنها على
درجة من البداهة والوضوح، تجعل خفاءها على عمر مستغرباً ومستهجناً بل
وقبيحاً أيضاً.
رابعاً:
إن إرسال عمر إلى جماعة من الصحابة وفيهم علي «عليه السلام» لم يكن في
صالح عمر، فإنه يكون قد أعلن بذلك فضل علي «عليه السلام»، وقصور غيره.
وقد كان يكفيه أن يسأل علياً «عليه السلام» فيما بينه وبينه.
خامساً:
إن عمر قدم اعترافاً لعلي «عليه السلام» أمام تلك الجماعة من الصحابة،
من شأنه أن يدين عمر نفسه، حيث قال: إن النبي «صلى الله عليه وآله» قال
لعلي: أنت أعلم هذه الأمة، وأقضاها بالحق.
عن ثور بن زيد الدئلي (الديلي):
أن عمر استشار في حد الخمر، فقال له علي «عليه السلام»: أرى أن تجلده
ثمانين جلدة، فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى.
فجلد عمر في حد الخمر ثمانين([41]).
وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد
بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله «عليه السلام» قال: قلت له:
أرأيت النبي «صلى الله عليه وآله» كيف كان يضرب في الخمر؟!
قال:
كان يضرب بالنعال ويزداد، ويزداد إذا أتي بالشارب، ثم لم يزل الناس
يزيدون حتى وقف ذلك على ثمانين. أشار بذلك علي «عليه السلام» على عمر،
فرضي بها([42]).
وسند الحديث صحيح.
ونقول:
1 ـ
إن علياً «عليه السلام» استطاع هنا أيضاً أن يحفظ الحكم الشرعي، من أن
يصبح عرضة للتبديل، خصوصاً من عمر بن الخطاب، الشخص الذي فرض على الناس
الأخذ بأقواله، والإلتزام بها دون مناقشة، حتى لو خالفت أقوال رسول
الله «صلى الله عليه وآله»، وخالفت كتاب الله سبحانه.
2 ـ
إنه «عليه السلام» لم يفسح المجال لعمر ليقرر ما يخالف الشريعة، ثم
يسعى هو لإبطال ما تقرر. لأن ذلك لو حصل، فسيجد أن ثمة سعياً، قوياً
لحماية ما يقرره عمر، وحرصاً على التسويق له، واختراع المبررات
للإحتفاظ به..
بل حتى لو تراجع الخليفة نفسه عن قراره فلا يؤمن من أن
يأتي بعده من يحرص على العودة إلى القرار الخاطئ حتى مع تراجع صاحبه
عنه.
3 ـ
بل وجدناه «عليه السلام» في العديد من الموارد يدفع عمر إلى اعتماد
القرار الصحيح، حتى كأنه هو الذي كان يفكر فيه، ويسعى إليه، ويتبناه
بحرص ولهفة، حتى كأنه هو ضالته التي يبحث عنها..
4 ـ
إن الأحكام إنما تؤخذ من مصدر التشريع، ولا تؤخذ من آراء الناس حتى لو
كانوا من الصحابة، فلا معنى للإستشارة فيها. غير أن المهم هو: أن يكون
الخليفة بالذات معتقداً بهذه الحقيقة، ولعلنا نجد في استشارته ما يدل
على أن رأيه كان على خلاف ما يريده الشرع، وأنه يبحث عن مخرج يحلله من
الإلتزام به..
بل إن نفس أن يقول له علي «عليه
السلام»:
إنني أرى أن تجلده إلخ. حيث نسب ذلك إلى نفسه، لا إلى رسول الله، يشير
إلى أن عمر كان يرى: أن ما قرره الرسول يدخل في دائرة الرأي له.. فنسبة
الأمر إليه لا تزيده قبولاً عنده، بل ربما تسول له نفسه أن يخالفه
بصورة علنية، وذلك سيلحق الضرر بقداسة النبي «صلى الله عليه وآله»
وبتأثير أقواله.
فآثر «عليه السلام» أن يبتعد عن هذا الجو. ويسوق الأمور
باتجاه تقرير الحكم الإلهي، وتكريسه واعتماده، والتمكين له.
5 ـ
قد يقال: إن التعليل الذي ساقه علي «عليه السلام» ليرضي عمر، ويحمله
على قبول ما سيقوله. لا ينتج لزوم أن يكون حد شرب الخمر ثمانين جلدة،
فإن احتمال صدور الإفتراء لا يثبت حد الإفتراء..
ويجاب:
أن هذه قضية في واقعة، فلعل ذلك الرجل قد شرب فسكر،
فافترى بالفعل، ويكون قوله «عليه السلام»: إذا شرب سكر قرينة على ذلك،
إذ ليس كل من يشرب يصل إلى حد السكر، ثم الإفتراء الفعلي. على أنه لا
مانع من تحريم الخمر مطلقاً لمجرد أن شربها قد يؤدي إلى السكر ثم
الإفتراء في بعض الموارد، فيكون تحريم الكل من أجل مفسدة كبيرة جداً
تحصل في البعض غير المعين..
والذي أثبته «عليه السلام» هو حد الخمر، لا حد
الإفتراء.. لكنه أراد أن يبين لعمر مدى خطورة الخمر على شاربها وعلى
الناس.
هذا كله على تقدير أن يكون المراد بالإفتراء القذف.
وقد روي بسند صحيح عن ابن مسكان، عن
أبي بصير:
حد اليهودي والنصراني، والمملوك، في الخمر والفرية سواء..([43]).
والمراد بالفرية فيها:
القذف.
6 ـ
إن النصوص المتوفرة لدينا تشير إلى: أن أبا بكر كان قد غير سنة النبي
«صلى الله عليه وآله» في حد الخمر، فجلد فيها أربعين بدلاً من ثمانين.
ثم جلد عمر صدراً من خلافته أربعين، ثم جلد ثمانين في آخر خلافته، وجلد
عثمان الحدين كليهما كما قالوا([44]).
وذكر المفيد:
أن استشارة عمر لعلي «عليه السلام» في الخمر كانت في قصة قدامة بن
مظعون، فقال: «فمن ذلك ما جاءت به العامة والخاصة في قصة قدامة بن
مظعون وقد شرب الخمر فأراد عمر أن يحده..»([45]).
([1])
مناقب آل أبي طالب ج2 ص359 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص181
وبحار الأنوار ج40 ص225 وج101 ص300 ومستدرك الوسائل ج17 ص391
وجامع أحاديث الشيعة ج25 ص143.
([2])
المستدرك على الصحيحين للحاكم ج1 ص400 و 401 والسنن الكبرى
للبيهقي ج4 ص118 ومسند أحمد ج1 ص14 ونيل الأوطار ج4 ص196
والغدير ج6 ص155 ومجمع الزوائد ج3 ص69 وصحيح ابن خزيمة ج4 ص30
وسنن الدارقطني ج2 ص109 و 110 و 120 ونصب الراية ج2 ص422 وكنز
العمال ج6 ص533 وأضواء البيان ج8 ص273 والأحكام لابن حزم ج6
ص778.
([3])
المستدرك على الصحيحين للحاكم ج1 ص401.
([4])
راجع: وسائل الشيعة (ط
مؤسسة
آل البيت) باب عدم وجوب الزكاة في شيء من الحيوان غير الأنعام
الثلاث ج9 ص79 ـ 81 و (ط
دار
الإسلامية) ج6 ص52 وباب وجوب الزكاة في تسعة أشياء (ط
مؤسسة
آل البيت) ج9 ص53 ـ 60 و (ط
دار
الإسلامية) ج6 ص32 ـ 38.
([5])
وسائل الشيعة (ط
مؤسسة
آل البيت) ج9 ص80 و (ط
دار
الإسلامية) ج6 ص53 وعيون أخبار الرضا ج1 ص66 والمسائل
الصاغانية للشيخ المفيد ص124 والخلاف للطوسي ج2 ص82 و 93
والمعتبر للمحقق الحلي ج2 ص497 ونهاية الإحكام للعلامة الحلي
ج2 ص376 ومستدرك الوسائل ج7 ص73 وبحار الأنوار ج93 ص32 وجامع
أحاديث الشيعة ج8 ص53 و 55 و 74 والغدير ج8 ص155 ومسند الإمام
الرضا «عليه السلام» للعطاردي ج2 ص208 ومسنـد أحمـد ج1 ص92 و
113 و 121 و 132 و 145 و 146 = = و 148 وسنن الدارمي ج1 ص383
وسنن ابن ماجة ج1 ص570 وسنن أبي داود ج1 ص353 وج2 ص65 وسنن
النسائي ج5 ص37 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص118 و 134 ومجمع
الزوائد ج3 ص69 وفتح الباري ج3 ص258 وعمدة القاري ج8 ص260 وج9
ص36 والمبسوط للسرخسي ج2 ص188 وبدائع الصنائع ج2 ص34 والجوهر
النقي للمارديني ج4 ص135 والمغني لابن قدامة ج2 ص491 و 622
والشرح الكبير لابن قدامة ج2 ص435 وكشاف القناع ج2 ص277
والمحلى لابن حزم ج5 ص228 و 238 وج6 ص38 وبداية المجتهد ج1
ص205 وتلخيص الحبير ج5 ص315 وج6 ص3 ونيل الأوطار ج4 ص196 و
198.
([6])
راجع: الكافي ج3 ص530 وتهذيب الأحكام ج4 ص67 والمقنعة للشيخ
المفيد ص246 ووسائل الشيعة (ط
مؤسسة
آل البيت) ج9 ص77 و 78 و (ط
دار
الإسلامية) ج6 ص51 وجامع أحاديث الشيعة ج8 ص53 والإستبصار ج2
ص12 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص385 ومنتقى الجمان ج2 ص395 والخلاف
للطوسي ج2 ص55 والمعتبر للمحقق الحلي ج2 ص552 والحدائق الناضرة
ج12 ص152 ورياض المسائل ج5 ص121 وجواهر الكلام ج15 ص74 ومستند
الشيعة ج9 ص239.
([7])
الغدير ج6 ص155 والمستدرك على الصحيحين للحاكم ج1 ص400 و 401
والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص118 ومسند أحمد ج1 ص14 ونيل الأوطار
ج4 ص196 ومجمع الزوائد ج3 ص69 وصحيح ابن خزيمة ج4 ص30 وسنن
الدارقطني ج2 ص109 و 110 و 120 ونصب الراية ج2 ص422 وكنز
العمال ج6 ص533 وأضواء البيان ج8 ص273 والأحكام لابن حزم ج6
ص778.
([8])
تهذيب الأحكام ج1 ص361 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج1
ص458 و 459 و (ط
دار
الإسلامية) ج1 ص323 وبحار الأنوار ج31 ص37 وجامع أحاديث الشيعة
ج2 ص319 ومنتقى الجمان ج1 ص165 والتفسير الصافي ج2 ص15 والخلاف
للطوسي ج1 ص206 وتذكرة الفقهاء (ط.ج) ج1 ص173 ومنتقى الجمان ج1
ص165.
([9])
تهذيب الأحكام ج1 ص361 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج1
ص459 و 460 و (ط
دار
الإسلامية) ج1 ص323 وبحار الأنوار ج31 ص36 وجامع أحاديث الشيعة
ج2 ص323.
([10])
من لا يحضره الفقيه ج1 ص30 و (ط جماعة المدرسين) ج1 ص48 ووسائل
الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص461 و (ط
دار
الإسلامية) ج1 ص324 وجامع أحاديث الشيعة ج2 ص314 والتفسير
الصافي ج2 ص16.
([11])
الكافي ج8 ص58 و 59 وبحار الأنوار ج34 ص172 ـ 174 ووسائل
الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص458 و (ط
دار
الإسلامية) ج1 ص322 وجامع أحاديث الشيعة ج2 ص323 ومصباح
البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج2 ص59 ـ 61.
([12])
قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» ص74 وفتوح
البلدان للبلاذري ج3 ص567 ـ 569.
([13])
راجع: جامع بيان العلم ج2 ص175 و203 و194 و174 ومنتخب كنز
العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج4 ص62 وسنن الدارمي ج1 ص61
والطبقات = = الكبرى لابن سعد ج6 ص179 و258 والمصنف للصنعاني
ج8 ص301 وج 11 ص328 وراجع ص231 وأخبار القضاة لوكيع ج1 ص83
وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص54 وراجع: حياة الصحابة ج3 ص286 وكنز
العمال ج1 ص185 وراجع ص189 عن عبد الرزاق، وابن عساكر، وابن
عبد البر، والدينوري في المجالسة.
([14])
القلائص: جمع قلوص، وهي الناقة الشابة.
([15])
ذخائر العقبى ص82 والغدير ج6 ص103 عنه، وعن الرياض النضرة ج2
ص50 و 194 وعن كفاية الشنقيطي ص57 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص364
و 365 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص186 ونظم درر السمطين ص130
وتاريخ مدينة دمشق ج53 ص34 وغاية المرام ج5 ص265 ومستدرك
الوسائل ج9 ص265 وشرح الأخبار ج2 ص304 وبحار الأنوار ج40 ص231
وج96 ص159 وجامع أحاديث الشيعة ج11 ص241 وجواهر المطالب لابن
الدمشقي ج1 ص195 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص207 وج17 ص441.
([16])
مكارم أخلاق النبي وأهل بيته، منسوب لقطب الدين الراوندي
(مخطوط في مكتبة مجلس الشورى الإيراني).
([17])
الآية 33 من سورة المائدة.
([18])
السنن الكبرى ج8 ص274 وكنز العمال ج5 ص553 والغدير ج6 ص136
ومناقب آل أبي طالب ج2 ص363 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص189
والمغني لابن قدامة ج10 ص273 وبدائع الصنائع ج7 ص86 والمحلى
لابن حزم ج11 ص355 والشرح الكبير لابن قدامة ج10 ص296 وجامع
المسانيد والمراسيل للسيوطي (ط دار الفكر 1994م) ج15 ص416
والكافي لابن قدامة (ط المكتب الإسلامي 1988م) ج4 ص193 والفقه
على المذاهب الأربعة لعبد الرحمن الجزيري ج5 ص138.
([19])
الآية 33 من سورة المائدة.
([20])
المحلى ج7 ص76 والغدير ج6 ص249 والمصنف لابن أبي شيبة ج4 ص223
وتلخيص الحبير ج7 ص79 والإستيعاب ج3 ص1103 و 1106 وذخائر
العقبى ص79 والرياض النضرة ج2 ص142 وشرح نهج البلاغة ج12 ص152
ومناقب أهل البيت «عليهم السلام» للشيرواني ص194 وأخبار القضاة
ج1 ص306 وفلك النجاة لفتح الدين ص175.
([21])
راجع: جامع بيان العلم ج2 ص175 و 203 و 194 و 174 و143 ومنتخب
كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج4 ص62 وسنن الدارمي ج1
ص61 والطبقات الكبرى لابن سعد ج6 ص179 و 258 والمصنف للصنعاني
ج8 ص301 وج11 ص328 وراجع ص231 وأخبار القضاة لوكيع ج1 ص83
وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص54 وراجع: حياة الصحابة ج3 ص286 وكنز
العمال ج1 ص185 وراجع ص189 و (ط مؤسسة الرسالة) ج10 ص299 عن
عبد الرزاق، وابن عساكر، وابن عبد البر، والدينوري في
المجالسة، وتاريخ مدينة دمشق ج40 ص521 وسير أعلام النبلاء ج2
ص495 و 612 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص658 وخلاصة عبقات
الأنوار ج3 ص78.
([22])
تذكرة الخواص ج1 ص563 والمناقب للخوارزمي ص100 وأخبار الظراف
والمتماجنين ص62 والرياض النضرة ج2 ص145 والأذكياء ص41 وذخائر
العقبى ص79 و 80 والطرق الحكمية ص39 ومناقب آل أبي طالب ج2
ص370 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص213 والغدير ج6 ص126
وراجع: السنن الكبرى للبيهقي ج6 ص289 وجواهر المطالب لابن
الدمشقي ج1 ص199 والأنوار العلوية ص94 وغاية المرام ج5 ص263.
([23])
راجع: فجر الإسلام ص237. الفصل الثالث: التشريع. وراجع:
سنن
البيهقي ج8 ص48 فإنه ذكر أصل الواقعة، ولم يشر إلى علي «عليه
السلام»، والنص والإجتهاد ص377 والأحكـام لابن حزم ج7 ص1025
وعجائب أحكـام = = أمير المؤمنين «عليه السلام» ص78 وفقه السنة
لسيد سابق ج2 ص531 والمصنف للصنعاني ج9 ص476 وأعلام الموقعين
ج1 ص167.
([24])
الإستبصار ج4 ص282 (الحديث رقم 1068) باب جواز قتل الإثنين
فصاعداً بواحد (حديث 5). ورياض المسائل ج14 ص49.
([25])
هكذا في المصدر. لكن يبدو لي: أن الضمير عائد إلى عمر. أي أن
عمر هو الذي خرج.
([26])
مناقب آل أبي طالب ج2 ص365 و 366 ومستدرك الوسائل ج18 ص254
وبحار الأنوار ج40 ص233 وج101 ص386 والكافي ج7 ص360 وتهذيب
الأحكام ج10 ص278 ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص174 وكشف اللثام
(ط.ج) ج11 ص175 و (ط.ق) ج2 ص470 ورياض المسائل ج14 ص147 وجواهر
الكلام ج42 ص339 ووسائل الشيعة (ط
مؤسسة
آل البيت) ج29 ص125 و (ط
دار
الإسلامية) ج19 ص94 وعوالي اللآلي ج3 ص605 وجامع أحاديث الشيعة
ج26 ص224.
([27])
قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» ص154 عن
المناقب، وعن الطبري. وبحار الأنوار ج101 ص355 ومناقب آل أبي
طالب ج2 ص196.
([28])
قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» ص155 عن
المناقب، عن أبي الحسن الرماني في الأحكام، وبحار الأنوار ج40
ص234 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص198.
([29])
الآية 28 من سورة الآنفال.
([30])
يريد أنه محدث، كما جاء في القرآن الكريم.. ولا يريد أنه قديم،
كما يقوله الآخرون.
([31])
كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب ص218 و 219 والغدير ج6
ص105 و 106 وعلي إمام الأئمة للشيخ أحمد حسن الباقوري ص245 و
246. وراجع: الطرق الحكمية ص46 ونور الأبصار ص161 والإمام علي
«عليه السلام» في آراء الخلفاء للشيخ مهدي فقيه إيماني ص120
وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج31 ص482.
([32])
كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب ص219 والغدير ج6 ص106
والإمام علي «عليه السلام» في آراء الخلفاء للشيخ مهدي فقيه
إيماني ص121.
([33])
راجع: المحلى ج11 ص221 و 222 و225 والصراط المستقيم ج3 ص79
والغدير ج6 ص241 ومجمع الزوائد ج3 ص42 وفتح الباري ج8 ص255
والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص637وجامع البيان لإبن جرير الطبري
ج11 ص16 وتفسير الثعلبي ج5 ص79 والمحرر الوجيز في تفسير
الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي ج3 ص66 و76 وتفسير القرطبي
ج1 ص200 وتفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي ج3 ص97 وتفسير
ابن كثير ج2 ص399 والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي
ص42 والدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة للسيد على خان المدنى
ص284 و294 وتهذيب الكمال للمزي ج5 ص502 ومعجم قبائل العرب لعمر
كحالة ج1 ص129 والبداية والنهاية لابن كثير ج5 ص25 والسيرة
النبوية لابن كثير ج4 ص35.
([34])
الرياض النضرة ج3 ص202 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص264
وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج18 ص197 و211 وج19 ص151 وج31 ص208
و 426.
([35])
الآية 93 من سورة المائدة.
([36])
الإرشاد للمفيد ج1 ص202 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص366 و (ط
المكتبة الحيدرية) ج2 ص188 وبحار الأنوار ج40 ص249 وج76 ص159
وجامع أحاديث الشيعة ج25 ص501 وراجع: تهذيب الأحكام للشيخ
الطوسي ج10 ص93 وتفسير العياشي ص369 و 370 والبرهان (تفسير) ج2
ص523 و 524 ووسائل الشيعة (ط
مؤسسة
آل البيت) ج28 ص220 و (ط
دار
الإسلامية) ج18 ص465 وفقه القرآن للراوندي ج2 ص283 وعجائب
أحكام أمير المؤمنين «عليه السلام» ص53 وجواهر الكلام ج41 ص465
ورياض المسائل ج13 ص554 والشرح الكبير لابن قدامة ج10 ص326.
([37])
الآية 93 من سورة المائدة.
([38])
تفسير القمي ج1 ص188 ونور الثقلين ج1 ص670 وبحار الأنوار ج76
ص132.
([39])
الكافي ج7 ص401 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص239 و (ط
دار
الإسلامية) ج18 ص480 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص42 وبحار الأنوار
ج40 ص312 وج101 ص320 وجامع أحاديث الشيعة ج25 ص244 وعجائب
أحكام أمير المؤمنين للسيد محسن الأمين ص54 وشرح إحقاق الحق
(الملحقات) ج32 ص168.
([40])
الإرشاد للمفيد ص190 فصل59 الباب الثاني، و (ط دار المفيد) ج1
ص203= = وبحار الأنوار ج40 ص249 وج76 ص161 ومناقب آل أبي طالب
ج2 ص366.
([41])
تحفة الأحوذي ج4 ص598 وكتاب الأم للشافعي ج6 ص195 والموطأ
لمالك ج2 ص842 ومعرفة السنن والآثار ج6 ص458 والإستذكار ج8 ص6
ونصب الراية ج4 ص164 والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج2 ص106
والإحكام لابن حزم ج7 ص1012 والمسند للشافعي ص286 وبحار
الأنوار ج40 ص192 وراجـع ج76 ص156 و 163 وعن تيسـير الـوصـول
ج2 = = ص16. والجوهرة في نسب الإمام علي وآله ص73 وراجع: جامع
أحاديث الشيعة ج23 ص122 وج25 ص502 والسنن الكبرى للنسائي ج3
ص253.
([42])
تفسير العياشي ج1 ص340 ووسائل الشيعة (ط
مؤسسة
آل البيت) ج28 ص221 و (ط
دار
الإسلامية) ج18 ص467 والكافي ج7 ص214 وتهذيب الأحكام ج10 ص91
وبحار الأنوار ج76 ص161 وجامع أحاديث الشيعة ج23 ص121 وج25
ص502.
([43])
راجع: الكافي ج7 ص216 و 239 والإستبصار ج4 ص230 و 237 وتهذيب
الأحكام ج10 ص74 و 92 ووسائل الشيعة (ط
مؤسسة
آل البيت) ج28 ص184 و 199 و 228 و (ط
دار
الإسلامية) ج18 ص438 و450 و472 = = وجامع أحاديث الشيعة ج25
ص460 و 508 ومختلف الشيعة ج9 ص197 و 263.
([44])
سنن أبي داود ج2 ص242 و (ط دار الفكر) ج2 ص361 وسنن البيهقي ج8
ص320 والمحلى لابن حزم ج11 ص365 ومجمع الزوائد ج6 ص278
والمعجم الأوسط للطبراني ج2 ص258 والمعجم الكبير للطبراني ج1
ص335 وسنن الدارقطني ج3 ص113 وكنز العمال ج5 ص485 وعن تيسير
الوصول ج2 ص17 والغدير ج6 ص123.
([45])
الإرشاد ج1 ص202 وبحار الأنوار ج40 ص249 وجامع أحاديث الشيعة
ج25 ص501.
|