صفحة :33-64   

1-  الفصل الأول: الشورى العمرية: حدث ونص..

2- بـدايـة:

نعرض في هذا الفصل بعض نصوص الشورى التي قررها عمر لاختيار الخليفة من بعده، ثم نتبعه بفصل آخر نحاول فيه عرض بعض اللفتات.. والملاحظات التي توضح أو تصحح بعض ما لعله يحتاج إلى التوضيح أو التصحيح..

ولكننا نشير أولاً إلى قيمة الشورى في الإسلام فنقول:

3- قيمة الشورى في الإسلام:

لا ريب في ان للشورى في الأمور التي يعود أمر البت فيها للناس دوراً في التأييد والتسديد، وإصلاح الأمور، ولكن لا صحة لما يدعيه البعض، من أن الإسلام قد جعل لها دوراً حاسماً في إنتاج السلطة.. وما استدلوا به من آيات قرآنية لا يصح الإستدلال به كما سنرى.

4- وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ:

هناك آيتان تعرضتا للشورى، وهما:

الآية الأولى، قوله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ([1]).

ولا يصح الإستدلال بهذه الآية على ما ذكروه، لما يلي:

أولاً: إن المقصود بكلمة الأمر ليس كل أمر، فإن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن يفعل ذلك.. فلم يشاورو أحداً في الأمور كلها، كما أنه ليس المقصود خصوص أمر الخلافة، لأنه «صلى الله عليه وآله» لم يشاورهم في من يجعله خليفة له من بعده.

بل المقصود: هو أمر الحرب، فتكون الألف واللام في كلمة «الأمر» للعهد، لا الجنس. والآيات السابقة واللاحقة لهذه الآية تتحدث عن الحرب دون سواها، فالتعدي عن ذلك إلى غيره، واعتبار (ال) جنسية لا عهدية. ثم تخصيص (ال) الجنسية بخصوص الحكم والحاكمية يحتاج إلى دليل.

ثانياً: إن الآية إن كانت توجب المشاورة، لكنها لا توجب الطاعة منه لهم فيما يشيرون به عليه، والإنصياع لرأيهم فيه.. بل هي تعطيه حق اتخاذ القرار دونهم. فقد قالت: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ([2]). ولا توجب عليه الإنصياع لا للأكثرية ولا للأقلية، أو للإجماع لو حصل، بل توجب عليه أختيار الرأي المناسب، سواء صدر من الأقلية أو الأكثرية، أو لم يصدر من أي منهم.

ثالثاً: تضمنت الآية ما يشير إلى أن هذه المشاورة قد جاءت على سبيل التأليف والتودد، بعد أن صدر من المسلمين ما يحتاج إلى العفو عنهم، والتسامح واللين معهم، والإستغفار لهم. وأن لا يعاملهم بما يستحقونه. فقد قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ([3]).

بل قد يقال: إن الأمر بالمشاورة لهم بعد صدور هذه الأفعال والقبائح، إنما هو أمر عقيب توهم الحظر، إذ قد يتوهم: أن أمثالهم لا تصح مشاورتهم، ولا الرفق بهم، ولا التودد لهم. فرفع الله تعالى عن نبيه «صلى الله عليه وآله» هذا الحظر، وقال له: لا مانع من أن تفعل ذلك.. والأمر عقيب توهم الحظر لا يفيد أكثر من رفع الحظر عن الفعل.

رابعاً: ويدل على ذلك: ما روي من أن الله ورسوله غنيان عن المشاورة.. فأفاد ذلك: أن مشاورته لهم إنما هي لمصلحة تعود إليهم هم، وهي تأليفهم، وإعادة الإعتبار إليهم، وبث الثقة في نفوسهم وما إلى ذلك.

خامساً: إن الآية تتحدث عن مشاورة الحاكم لرعيته، ولا تتحدث عن إنتاج السلطة من خلال الشورى.

5- وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ:

الآية الثانية قوله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ([4]).

ويرد على الإستدلال بها ما يلي:

1 ـ إن قوله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ ليس إلا أمراً تعليمياً أخلاقياً، وليس إلزامياً يوجب التخلف عنه العقاب، وإنما يمكن أن يوجب عدم الإلتزام بمقتضاه وقوع الإنسان في بعض الأخطاء، فيكون عليه هو أن يتحمل آثارها، ويعاني من نتائجها.

2 ـ إن الضمير في قوله: ﴿أَمْرُهُمْ﴾ يرجع إلى المؤمنين، والمراد به الأمر الذي يرتبط بهم؛ أي أن الشورى تكون في الأمور التي يرجع البيت والقرار فيها إلى المؤمنين وتكون من شؤونهم الخاصة بهم، وليس للشرع فيها إلزام أو مدخلية، كما في أمور معاشهم ونحوها، مما يفترض في الإنسان أن يقوم هو به. أما إذا كان ثمة قرار شرعي ف‍ـ ﴿مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ([5]) ﴿وَأَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ([6]). فمورد الحكم، والسياسة، والإدارة، وغير ذلك، لا يمكن أن يكون شورائياً إلا إذا ثبت أن الشارع أو كله إلى المكلفين، وليس له فيه حكم، أو نظر خاص.

وقد قال العلامة الطباطبائي «رحمه الله»: «والروايات في المشاورة كثيرة جداً، وموردها ما يجوز للمستشير فعله وتركه بحسب المرجحات.

وأما الأحكام الإلهية الثابتة، فلا مورد للاستشارة فيها، كما لا رخصة فيها لأحد، وإلا كان اختلاف الحوادث الجارية ناسخاً لكلام الله تعالى»([7]).

3 ـ إن هذه الشورى التي دل عليها قوله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ ليست لكل أحد، وإنما هي خاصة بأولئك المؤمنين الذين لهم تلك الصفات المذكورة في الآيات قبل وبعد هذه الفقرة. وليس ثمة ما يدل على تعميمها لغيرهم، بل ربما يقال بعدم التعميم قطعاً، فقد قال تعالى:

﴿فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللهَ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ([8]).

فهؤلاء الذين صرحت الآيات بإيمانهم وبحيازتهم لهذه الصفات، هم أهل الشورى دون سواهم([9])، وليس لغيرهم الحق في أن يشاركهم فيها، وهي تتناول أمورهم،ولا تشمل أمور غيرهم. فتكون الآية دليلاً على عدم شمول الأحكام التي تنتج عن الشورى لغير أهلها، فتكون الآية دالة على ضد المدعي.

وأما الذين لا يتحلون بتلك الصفات فلا شورى لهم لأن من لا يؤمن على نفسه، كيف يؤمن على مصالح العباد، ودمائهم، وأموالهم، وأعراضهم؟!.

واللافت: أننا لا نجد لعلي «عليه السلام» أي حضور في مواقع الاعتراض أو الاقتراح على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ولم يشارك في أي من الموارد التي استشار النبي «صلى الله عليه وآله» فيها أصحابه، لأنه كان دائماً في موقع التابع الذي ليس لديه إلا التسليم له، والرضا بما يرضاه صلوات الله وسلامه عليهما.

وبعد ما تقدم نقول:

قالوا لعمر: لوعهدت.

فقال: كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أولي رجلاً أمركم، يحملكم على الحق، وأشار إلى علي بن أبي طالب، ثم رأيت أن لا أتحمله حياً وميتاً([10]).

6- إجمال الحدث أولاً:

قال ابن واضح: إن عمر صير الأمر شورى بين ستة نفر، هم: علي «عليه السلام»، وطلحة والزبير، وعثمان، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمان بن عوف..

وقال: أخرجت سعيد بن زيد لقرابته مني.

فقيل له في ابنه عبد الله، فقال: حسب آل الخطاب ما تحملوا منها: إن عبد الله لم يحسن يطلق امرأته.

وأمر صهيباً أن يصلي بالناس حتى يتراضوا من الستة بواحد.

واستعمل زيد بن سهل الأنصاري وقال: إن رضي أربعة وخالف إثنان، فاضرب عنق الإثنين، وإن رضي ثلاثة، وخالف ثلاثة، فاضرب أعناق الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمان.

وإن جازت الثلاثة أيام ولم يتراضوا بأحد، فاضرب أعناقهم جميعاً([11])، زاد الدميري قوله: فلا خير للمسلمين فيهم([12]).

7- من التفاصيل:

ونذكر من التفاصيل التي قد تحمل معها بعض اللمحات، والإشارات إلى بعض السياسات روايتي ابن اعثم والطبري..، فلاحظ ما يلي:

8- الشورى برواية ابن أعثم:

قال ابن أعثم: إن عمر خطب الناس بعد صلاة الفجر فكان مما قال:

إن استخلفت عليكم خليفة، فقد استخلف من هو خير مني، وإن أهلك قبل ذلك، فأمركم إلى هؤلاء الستة الذين فارقهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وهو عنهم راض: علي بن أبي طالب «عليه السلام»، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمان بن عوف([13]).

قال: ثم نزل عمر عن المنبر، وأخذ بيد عبد الله بن عباس فخرج من المسجد، وجعل يماشيه ساعة، ثم تنفس وزفر زفرة.

فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين! إن ما أخرج هذا النفس والزفير إلا الحزن.

فقال: ويحك يا بن عباس! إن نفسي لتحدثني باقتراب أجلي، ولست أحذر الموت، لأنه سبيل لابد منه، ولكني مغموم لهذا الامر الذي أنا فيه، لا أدري أقوم فيه أم أقعد!!

فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين! فأين أنت عن صاحبنا علي بن أبي طالب «عليه السلام»: في هجرته، وقرابته، وقدمه، وسابقته، وفضيلته وشجاعته؟!([14]).

(ثم تذكر الرواية: ما عاب به الخليفة أركان الشورى الستة. وهو ما أفردنا له فصلاً تقدم في هذا الكتاب، ثم تقول:)

ثم قال (يعني عمر): يا ابن عباس! لو كان معاذ بن جبل حيا لما تخالفتني فيه الأمور، لأني سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: إن معاذا لأمة، يجيء يوم القيامة وبينه وبين العلماء نبذة ليس بينه وبين الله عز وجل إلا النبيون والمرسلون.

ولو أن سالماً مولى أبي حذيفة كان حياً لما شككت فيه، لأني سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: [إن] سالماً رجل أحب الله عز وجل حباً، وخافه خوفاً لم يحب معه سواه.

ولو أن أبا عبيدة بن الجراح حياً لكان أهلاً لهذا الأمر، فإني سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح([15]).

9- عمر يسأل جاثليق النصارى:

قال: ثم دخل عمر إلى منزله، وأرسل إلى وجوه أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» فأحضرهم، ثم أرسل إلى جاثليق النصارى فدعاه، فلما دخل عليه أمره بالجلوس فجلس.

ثم قال: يا جاثليق! اصدقني عما أسألك عنه.

قال: سل يا أمير المؤمنين!

قال: تجدون نعت نبينا في الإنجيل؟!

قال: نعم، إني لأجده: فارقليط.

قال عمر: وما معنى ذلك؟!

قال الجاثليق: معناه: أنه يفرق بين الحق والباطل.

فقال عمر ومن حضر: الحمد لله الذي جعلنا من أمته، ولكن كيف تجدنا في كتابكم؟!

فقال الجاثليق: أجد بعد محمد رجلاً عظيم الذكر، مبارك الأمر.

فقال عمر: يرحم الله أبا بكر!

قال: ثم ماذا ـ ويحك ـ يا جاثليق؟!

فقال: من بعده قرن من حديد، قوي شديد.

قال عمر: ثم ماذا؟!

قال: ثم من بعده خليفة يؤثر أقاربه على من سواهم.

قال: فنظر إلى عثمان بن عفان، قال: ثم ماذا ـ ويحك ـ يا جاثليق؟!

قال: ثم سيف مسلول، ودم مهراق.

قال: فضرب عمر بإحدى يديه على الأخرى، ثم التفت إلى عثمان فقال: أبا عمرو! اتق الله عز وجل! وإن وليت هذا الأمر من بعدي فلا تحملن آل معيط على رقاب المسلمين.

وأنت يا أبا الحسن فاتق الله! وإن وليت هذا الأمر من بعدي، فلا تحملن آل أبي لهب([16]) على رقاب الناس.

قال: ثم انصرف الناس من عنده. وذلك في يوم الجمعة([17]).

ثم ذكر ابن اعثم حديث طعن أبي لؤلؤة لعمر، ثم قال:

ثم أقبل عمر على الناس فقال: أيها الناس! إذا أنا مت وواريتموني في حفرتي فانتظروا ثلاثا، فإن قدم عليكم طلحة بن عبيد الله، وإلا فاختاروا لأنفسكم من ارتضيتموه من هؤلاء الستة:

علي بن أبي طالب «عليه السلام».

وعثمان بن عفان.

والزبير بن العوام.

وسعد بن أبي وقاص.

وعبد الرحمن بن عوف.

وطلحة بن عبيد الله، فإني قد جعلت الامر في هؤلاء الستة.

وأدخلوا ابني عبد الله في المشورة، على أنه ليس له من الامر شيء.

وهذا هو صهيب بن سنان يصلي بكم في هذه الأيام إلى أن يتفق رضاؤكم على رجل من هؤلاء الستة.

فمن ارتضيتموه واستخلفتموه من هؤلاء الستة فهو الخليفة من بعدي، فإذا أنتم بايعتم رجلا من بعدي، واتفقت آراؤكم عليه، وعقدتم له البيعة، ثم خالفكم أحد فاقتلوه([18]).

10- نصوص الشورى عند الطبري:

أما الطبري فيذكر: أنه لما طعن عمر بن الخطاب دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال إني أريد أن أعهد إليك.

فقال: يا أمير المؤمنين، نعم. إن أشرت علي قبلت منك.

قال: وما تريد؟!

قال: أنشدك الله، أتشير علي بذلك؟!

قال: اللهم لا.

قال: والله لا أدخل فيه أبداً.

قال: فهب لي صمتا حتى أعهد إلى النفر الذين توفى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو عنهم راض.

ادع لي علياً «عليه السلام»، وعثمان، والزبير، وسعداً.

قال: وانتظروا أخاكم طلحة ثلاثاً، فان جاء والا فاقضوا أمركم.

أنشدك الله يا علي، ان وليت من أمور الناس شيئا أن تحمل بني هاشم على رقاب الناس.

أنشدك الله يا عثمان، ان وليت من أمور الناس شيئا أن تحمل بني أبي معيط على رقاب الناس.

أنشدك الله يا سعد، ان وليت من أمور الناس شيئا أن تحمل أقاربك على رقاب الناس. قوموا فتشاوروا ثم اقضوا أمركم، وليصل بالناس صهيب.

ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فقال: قم على بابهم فلا تدع أحدا يدخل إليهم.

وأوصي الخليفة من بعدي بالأنصار الذين تبوؤا الدار والايمان أن يحسن إلى محسنهم، وأن يعفو عن مسيئهم.

وأوصي الخليفة من بعدي بالعرب، فإنها مادة الاسلام، أن يؤخذ من صدقاتهم حقها، فتوضع في فقرائهم.

وأوصي الخليفة من بعدي بذمة رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يوفى لهم بعهدهم. اللهم هل بلغت؟ تركت الخليفة من بعدي على أنقى من الراحة.

يا عبد الله بن عمر، أخرج فانظر من قتلني؟!

فقال: يا أمير المؤمنين، قتلك أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة.

قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل سجد لله سجدة واحدة. يا عبد الله بن عمر، اذهب إلى عائشة، فسلها أن تأذن لي أن أدفن مع النبي «صلى الله عليه وآله» وأبي بكر.

يا عبد الله بن عمر، إن اختلف القوم فكن مع الأكثر، وإن كانوا ثلاثة وثلاثة فاتبع الحزب الذي فيه عبد الرحمن([19]).

11- الشورى العمرية في حيز التنفيذ:

وذكر الطبري: أن عمر بن الخطاب لما طعن قيل له: يا أمير المؤمنين لو استخلفت!

قال: من أستخلف؟! لو كان أبو عبيدة ابن الجراح حياً استخلفته، فإن سألني ربي قلت: سمعت نبيك يقول: إنه أمين هذه الأمة.

ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً استخلفته، فإن سألني ربي قلت: سمعت نبيك يقول: إن سالما شديد الحب لله.

فقال له رجل: أدلك عليه، عبد الله بن عمر.

فقال: قاتلك الله، والله ما أردت الله بهذا، ويحك كيف أستخلف رجلاً عجز عن طلاق امرأته؟!([20]).

وتابع عمر يقول:

لا أرب لنا في أموركم، ما حمدتها فأرغب فيها لأحد من أهل بيتي، إن كان خيراً فقد أصبنا منه، وإن كان شراً فشّر. عنّا آل عمر([21]). بحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد، ويسأل عن أمر أمة محمد.

أما لقد جهدت نفسي، وحرمت أهلي، وإن نجوت كفافاً لا وزر ولا أجر، إني لسعيد.

انظر فإن استخلفت فقد استخلف من هو خير مني، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني، ولن يضيع الله دينه.

فخرجوا، ثم راحوا فقالوا: يا أمير المؤمنين، لو عهدت عهداً..

فقال: قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر فأولى رجلاً أمركم هو أحراكم أن يحملكم على الحق، وأشار إلى علي. ورهقتني غشية، فرأيت رجلاً دخل جنة قد غرسها، فجعل يقطف كل غضة ويانعة فيضمه إليه، ويصيره تحته، فعلمت أن الله غالب أمره، ومتوف عمر، فما أريد أتحملها حياً وميتاً.

عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إنهم من أهل الجنة: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل منهم، ولست مدخله. ولكن الستة: علي «عليه السلام»، وعثمان ابنا عبد مناف، وعبد الرحمن، وسعد خالا رسول الله «صلى الله عليه وآله»، والزبير بن العوام حواري رسول الله «صلى الله عليه وآله» وابن عمته، وطلحة الخير ابن عبيد الله. فليختاروا منهم رجلاً، فإذا ولوا والياً فأحسنوا مؤازرته وأعينوه، إن أئتمن أحدا منكم فليؤد إليه أمانته وخرجوا.

فقال العباس لعلي: لا تدخل معهم.

قال: أكره الخلاف.

قال: إذاً ترى ما تكره.

فلما أصبح عمر دعا علياً «عليه السلام» وعثمان، وسعداً، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام.

فقال: إني نظرت فوجدتكم رؤساء الناس وقادتهم، ولا يكون هذا الامر إلا فيكم، وقد قبض رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو عنكم راض. إني لا أخاف الناس عليكم إن استقمتم، ولكني أخاف عليكم اختلافكم فيما بينكم، فيختلف الناس، فانهضوا إلى حجرة عائشة بإذن منها فتشاوروا واختاروا رجلاً منكم.

ثم قال: لا تدخلوا حجرة عائشة، ولكن كونوا قريباً، ووضع رأسه وقد نزفه الدم.

فدخلوا فتناجوا، ثم ارتفعت أصواتهم.

فقال عبد الله بن عمر: سبحان الله، إن أمير المؤمنين لم يمت بعد، فأسمعه فانتبه فقال: ألا أعرضوا عن هذا أجمعون، فإذا مت فتشاوروا ثلاثة أيام، وليصل بالناس صهيب، ولا يأتين اليوم الرابع إلا وعليكم أمير منكم، ويحضر عبد الله بن عمر مشيرا ولا شئ له من الامر، وطلحة شريككم في الامر، فإن قدم في الأيام الثلاثة فأحضروه أمركم، وإن مضت الأيام الثلاثة قبل قدومه، فاقضوا أمركم. ومن لي بطلحة!!

فقال سعد بن أبي وقاص: أنا لك به، ولا يخالف إن شاء الله.

فقال عمر: أرجو أن لا يخالف إن شاء الله. وما أظن أن يلي إلا أحد هذين الرجلين: علي، أو عثمان، فان ولي عثمان، فرجل فيه لين، وإن ولي علي ففيه دعابة، وأحر به أن يحملهم على طريق الحق، وإن تولوا سعداً فأهلها هو، وإلا فليستعن به الوالي، فاني لم أعزله عن خيانة ولا ضعف. ونعم ذو الرأي عبد الرحمن بن عوف. مسدد رشيد، له من الله حافظ، فاسمعوا منه.

وقال لأبي طلحة الأنصاري: يا أبا طلحة، إن الله عز وجل طالما أعز الاسلام بكم، فاختر خمسين رجلاً من الأنصار، فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلاً منهم.

وقال للمقداد بن الأسود: إذا وضعتموني في حفرتي، فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا منهم.

وقال لصهيب: صل بالناس ثلاثة أيام، وأدخل علياً وعثمان، والزبير وسعداً، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة إن قدم. وأحضر عبد الله بن عمر. ولا شيء له من الأمر. وقم على رؤسهم، فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلاً وأبى واحد، فاشدخ رأسه أو اضرب رأسه بالسيف. وإن اتفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان، فاضرب رؤسهما، فإن رضي ثلاثة رجلاً منهم وثلاثة رجلاً منهم، فحكموا عبد الله بن عمر، فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس([22]).

ثم يذكر الطبري قول علي «عليه السلام» لبني هاشم: إن الخلافة صرفت عنه، لأن عثمان قرن به، وما جرى بينه وبين العباس في ذلك، ثم يقول:

فلما مات عمر، وأخرجت جنازته تصدى علي وعثمان: أيهما يصلى عليه.

فقال عبد الرحمن: كلاكما يحب الإمرة، لستما من هذا في شئ. هذا إلى صهيب، استخلفه عمر يصلي بالناس ثلاثا حتى يجتمع الناس على إمام.

فصلى عليه صهيب.

فلما دفن عمر، جمع المقـداد أهل الشـورى في بيت المسـور بن مخـرمـة ـ ويقال: في بيت المال، ويقال: في حجرة عائشة بإذنها ـ وهم خمسة معهم، ابن عمر، وطلحة غائب. وأمروا أبا طلحة أن يحجبهم.

وجاء عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة فجلسا بالباب، فحصبهما سعد وأقامهما، وقال: تريدان أن تقولا: حضرنا وكنا في أهل الشورى؟!

فتنافس القوم في الامر، وكثر بينهم الكلام، فقال أبو طلحة: أنا كنت لان تدفعوها أخوف مني لان تنافسوها، لا والذي ذهب بنفس عمر لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمرتم، ثم أجلس في بيتي فأنظر ما تصنعون.

فقال عبد الرحمن: أيكم يخرج منها نفسه ويتقلدها على أن يوليها أفضلكم؟! فلم يجبه أحد.

فقال: فأنا أنخلع منها.

فقال عثمان: أنا أول من رضي، فاني سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: أمين في الأرض، أمين في السماء.

فقال القوم: قد رضينا ـ وعلي ساكت ـ فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟!

قال: أعطني موثقاً لتؤثرن الحق ولا تتبع الهوى، ولا تخص ذا رحم، ولا تألوا الأمة!

فقال: أعطوني مواثيقكم على أن تكونوا معي على من بدَّل وغيّر، وأن ترضوا من اخترت لكم.

علي ميثاق الله أن لا أخص ذا رحم لرحمه، ولا آلو المسلمين.

فأخذ منهم ميثاقاً، وأعطاهم مثله.

فقال لعلي: إنك تقول: إني أحق من حضر بالامر لقرابتك وسابقتك، وحسن أثرك في الدين ولم تبعد؛ ولكن أرأيت لو صرف هذا الامر عنك فلم تحضر، من كنت ترى من هؤلاء الرهط أحق بالامر؟!

قال: عثمان.

وخلا بعثمان؛ فقال: تقول: شيخ من بني عبد مناف؛ وصهر رسول الله «صلى الله عليه وآله» وابن عمه، لي سابقة وفضل ـ لم تبعد ـ فلم يصرف هذا الامر عني؟! ولكن لو لم تحضر فأي هؤلاء الرهط تراه أحق به؟!

قال: علي.

ثم خلا بالزبير، فكلمه بمثل ما كلم به علياً وعثمان، فقال: عثمان.

ثم خلا بسعد، فكلمه، فقال: عثمان.

فلقى علي سعداً، فقال: {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}([23]) أسألك برحم ابني هذا من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وبرحم عمي حمزة منك أن لا تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيراً علي؛ فإني أدلي بما لا يدلي به عثمان([24]).

ودار عبد الرحمن لياليه يلقى أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس، يشاورهم، ولا يخلو برجل إلا أمره بعثمان؛ حتى إذا كانت الليلة التي يستكمل في صبيحتها الاجل، أتى منزل المسور بن مخرمة بعد ابهيرار من الليل([25])؛ فأيقظه فقال: ألا أراك نائما ولم أذق في هذه الليلة كثير غمض! انطلق فادع الزبير وسعداً.

فدعاهما، فبدأ بالزبير في مؤخر المسجد في الصفة التي تلي دار مروان، فقال له: خل ابني عبد مناف وهذا الامر.

قال: نصيبي لعلي.

وقال لسعد: أنا وأنت كَلاَلة، فاجعل نصيبك لي فأختار.

قال: إن اخترت نفسك فنعم، وإن اخترت عثمان فعلي أحب إلي. أيها الرجل بايع لنفسك وأرحنا، وارفع رؤسنا([26]).

إلى أن قال الطبري:

وبعث إلى من حضره من المهاجرين، وأهل السابقة والفضل من الأنصار، وإلى أمراء الأجناد، فاجتمعوا حتى ارتج المسجد بأهله، فقال:

أيها الناس، إن الناس قد أحبوا أن يلحق أهل الأمصار بأمصارهم وقد علموا من أميرهم.

فقال سعيد بن زيد: إنا نراك لها أهلاً.

فقال: أشيروا علي بغير هذا.

فقال عمار: إن أردت ألا يختلف المسلمون فبايع علياً.

فقال المقداد بن الأسود: صدق عمار، إن بايعت علياً قلنا: سمعنا وأطعنا.

قال ابن أبي سرح: إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان.

فقال عبد الله بن أبي ربيعة: صدق؛ إن بايعت عثمان قلنا سمعنا وأطعنا.

فشتم عمار ابن أبي سرح، وقال: متى كنت تنصح المسلمين!!

فتكلم بنو هاشم وبنو أمية، فقال عمار: أيها الناس؛ إن الله عز وجل أكرمنا بنبيه، وأعزنا بدينه، فأنى تصرفون هذا الامر عن أهل بيت نبيكم!

فقال رجل من بني مخزوم: لقد عدوت طورك يا ابن سمية ؛ وما أنت وتأمير قريش لانفسها!!

فقال سعد بن أبي وقاص: يا عبد الرحمن، أفرغ قبل أن يفتتن الناس.

فقال عبد الرحمن: إني قد نظرت وشاورت، فلا تجعلن أيها الرهط على أنفسكم سبيلا.

ودعا علياً، فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله، وسيرة الخليفتين من بعده؟!

قال: أرجو أن أفعل، وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي.

ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي، قال: نعم، فبايعه.

فقال علي: حبوته حبو دهر، ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا؛ فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون؛ والله ما وليت عثمان إلا ليرد الامر إليك؛ والله كل يوم هو في شأن.

فقال عبد الرحمن: يا علي لا تجعل على نفسك سبيلاً؛ فإني قد نظرت وشاورت الناس؛ فإذا هم لا يعدلون بعثمان.

فخرج علي وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله([27]).

وفي نص آخر: أنه لما صفق عبد الرحمان على يد عثمان، قال علي «عليه السلام» لعبد الرحمان:

«حركك الصهر، وبعثك على ما فعلت. والله ما أملت منه إلا ما أمل صاحبك من صاحبه. دقّ الله بينكما عطر منشم»([28]).

وعند المفيد: لما صفق عبد الرحمان على يد عثمان همس أمير المؤمنين «عليه السلام» وقال: «مال الرجل إلى صهره، ونبذ دينه وراء ظهره»([29]).

نعود إلى كلام الطبري:

فقال المقداد: يا عبد الرحمن، أما والله لقد تركته من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون.

فقال: يا مقداد، والله لقد اجتهدت للمسلمين.

قال: إن كنت أردت بذلك الله فأثابك الله ثواب المحسنين.

فقال المقداد: ما رأيت مثل ما أُتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم.

إني لاعجب من قريش أنهم تركوا رجلا ما أقول أن أحدا أعلم ولا أقضى منه بالعدل، أما والله لو أجد عليه أعوانا!.

فقال عبد الرحمن: يا مقداد، اتق الله، فإني خائف عليك الفتنة.

فقال رجل للمقداد: رحمك الله! مَن أهل هذا البيت؟! ومَن هذا الرجل؟!

قال: أهل البيت بنو عبد المطلب، والرجل علي بن أبي طالب.

فقال علي: إن الناس ينظرون إلى قريش، وقريش تنظر إلى بيتها فتقول: إن ولى عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبداً، وما كانت في غيرهم من قريش تداولتموها بينكم([30]).

وقدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان، فقيل له: بايع عثمان.

فقال: أكل قريش راض به؟!

قال: نعم.

فأتى عثمان، فقال له عثمان: أنت على رأس أمرك، إن أبيت رددتها.

قال: أتردها؟!

قال: نعم.

قال: أكل الناس بايعوك؟!

قال: نعم.

قال: قد رضيت؛ لا أرغب عما قد أجمعوا عليه، وبايعه([31]).

5 ـ وتفصل رواية أخرى ما جرى بين أهل الشورى، فتذكر: أن عبد الرحمان بن عوف تكلم، وطلب من الحاضرين أن يقلدوا أمرهم واحداً منهم.

فتكلم عثمان وقلد عبد الرحمان امره، ثم تكلم الزبير، فوعده بالمعونة، وإجابة الدعوة.

ثم تكلم سعد فقلد ابن عوف أيضاً أمره عن نفسه، وعن طلحة الذي كان فيما بعد غائباً..

قالوا: ثم تكلم علي بن أبي طالب «عليه السلام»، فقال:

الحمد لله الذي بعث محمداً منا نبياً، وبعثه إلينا رسولاً، فنحن بيت النبوة، ومعدن الحكمة، وأمان أهل الأرض، ونجاة لمن طلب.

لنا حق إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل، ولو طال السرى.

لو عهد إلينا رسول الله «صلى الله عليه وآله» عهداً لأنفذنا عهده.

ولو قال لنا قولاً لجادلنا عليه حتى نموت.

لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق، وصلة رحم.

ولا حول ولا قوة إلا بالله.

اسمعوا كلامي، وعوا منطقي، عسى أن تروا هذا الامر من بعد هذا المجمع تنتضى فيه السيوف، وتخان فيه العهود، حتى تكونوا جماعة، ويكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة، وشيعة لأهل الجهالة، ثم أنشأ يقول:

فـإن تـك جـاسم هلـكــت فإني            بـما فـعـلـت بنو عبـد بن ضـخـم
مـطـيـع في الهـواجـر كــل عـي         بـصـير بـالـنـوى من كـل نـجـم

فقال عبد الرحمن: أيكم يطيب نفسا أن يخرج نفسه من هذا الامر ويوليه غيره؟!

قال: فأمسكوا عنه.

قال: فإني أخرج نفسي وابن عمي، فقلده القوم الامر، وأحلفهم عند المنبر، فحلفوا ليبايعن من بايع، وإن بايع بإحدى يديه الأخرى([32]).

ثم ذكرت الرواية: أنه بعد أن مضت ثلاثة أيام بعث عبد الرحمان بن عوف إلى علي «عليه السلام»، وعثمان، فقال لهما:

إني قد سألت عنكما وعن غيركما، فلم أجد الناس يعدلون بكما، هل أنت يا علي مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر.

فقال: اللهم لا، ولكن جهدي من ذلك وطاقتي.

فالتفت إلى عثمان فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر.

قال: اللهم نعم.

فأشار بيده إلى كتفيه، وقال: إذا شئتما. فنهضنا حتى دخلنا المسجد، وصاح صائح الصلاة جامعة.

قال عثمان: فتأخرت والله حياء لما رأيت من إسراعه إلى علي، فكنت في آخر المسجد.

قال: وخرج عبد الرحمن بن عوف، وعليه عمامته التي عممه بها رسول الله «صلى الله عليه وآله» متقلدا سيفه حتى ركب المنبر، فوقف وقوفا طويلاً، ثم دعا بما لم يسمعه الناس، ثم تكلم فقال:

أيها الناس إني قد سألتكم سرا وجهرا عن إمامكم، فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين: إما علي، وإما عثمان، فقم إليَّ يا علي.

فقام إليه علي، فوقف تحت المنبر.

فأخذ عبد الرحمن بيده فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه، وفعل أبي بكر وعمر.

قال: اللهم لا، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي.

قال: فأرسل يده.

ثم نادى: قم إلي يا عثمان، فأخذ بيده وهو في موقف علي الذي كان فيه.

فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه، وفعل أبي بكر وعمر.

قال: اللهم نعم.

قال: فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان ثم قال: اللهم اسمع واشهد، اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان.

قال: وازدحم الناس يبايعون عثمان حتى غشوه عند المنبر، فقعد عبد الرحمن مقعد النبي «صلى الله عليه وآله» من المنبر، وأقعد عثمان على الدرجة الثانية، فجعل الناس يبايعونه.

وتلكأ عليّ، فقال عبد الرحمن: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}([33])، فرجع عليّ يشق الناس حتى بايع وهو يقول: خدعة وأيما خدعة.

قال عبد العزيز: وانما سبب قول علي خدعة: أن عمرو بن العاص كان قد لقي عليا في ليالي الشورى.

فقال: إن عبد الرحمن رجل مجتهد، وإنه متى أعطيته العزيمة كان أزهد له فيك، ولكن الجهد والطاقة فإنه أرغب له فيك.

قال: ثم لقي عثمان.

فقال: إن عبد الرحمن رجل مجتهد وليس والله يبايعك إلا بالعزيمة، فاقبل. فلذلك قال علي «عليه السلام»: خدعة.

قال: ثم انصرف بعثمان إلى بيت فاطمة ابنة قيس، فجلس والناس معه، فقام المغيرة بن شعبة خطيباً.

فقال: يا أبا محمد الحمد لله الذي وفقك، والله ما كان لها غير عثمان. وعلي جالس.

فقال عبد الرحمن: يا ابن الدباغ، ما أنت وذاك؟! والله ما كنت أبايع أحداً إلا قلت فيه هذه المقالة([34]).

وبعد.. فإننا أردنا أن يكون هذا الفصل خاصاً بالنصوص، أما المناقشة والتأييد والتفنيد فإنه يكون في الفصل التالي والذي بعده إن شاء الله تعالى..

 


([1]) الآية 159 من سورة آل عمران.

([2]) الآية 159 من سورة آل عمران.

([3]) الآية 159 من سورة آل عمران.

([4]) الآية 38 من سورة الشورى.

([5]) الآية 36 من سورة الأحزاب.

([6]) الآية 132 من سورة آل عمران.

([7]) الميزان  ج4 ص70.

([8]) الآيات 36 ـ 39 من سورة الشورى.

([9]) واحتمال: أن يكون المعنى: ما عند الله خير وأبقى لجماعات مختلفة وهم:

ألف: الذين آمنوا.

ب: الذين يجتنبون كبائر الإثم الخ..  هذا الإحتمال خلاف الظاهر هنا، فإن المراد أن الذين يجمعون هذه الصفات هم الذين يكون ما عند الله خير وأبقى لهم. وإلا فلو كان أحد ينتصر على من بغى عليه، ولكنه غير مؤمن مثلاً، فلا شك في أن ما عند الله ليس خيراً وأبقى له. وكذا لو كان أمرهم شورى بينهم، وهم غير مؤمنين.

([10]) الفتوحات الإسلامية ج2 ص427.

([11]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص160 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص333 عنه، وراجع شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص187.

([12]) حياة الحيوان ج1 ص346 وفلك النجاة لفتح الدين الحنفي ص128 عنه.

([13]) الفتوح لابن أعثم ج2 ص84 و (ط دار الأضواء) ج2 ص324 ـ 325.

([14]) الفتوح لابن أعثم ج2 ص84 و (ط دار الأضواء) ج2 ص324 ـ 325.

([15]) الفتوح لابن أعثم ج2 ص86 و (ط دار الأضواء) ج2 ص325.

([16]) يحتمل أن يكون الصحيح: آل أبي طالب.

([17]) الفتوح لابن أعثم ج2 ص87 و 88 و (ط دار الأضواء) ج2 ص325 ـ 326.

([18]) الفتوح لابن أعثم ج2 ص90 و 91 و (ط دار الأضواء) ج2 ص326 و 327 وفي هامشه: عن البيان والتبيين ج2 ص48 باختلافات كثيرة.

([19]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص191 و 192 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص264 و 265 والكامل في التاريخ ج3 ص50 و 51 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص337 و 338 و 346 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق1 ص125.

([20]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص227 و 228 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص292 و 293 وراجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص248 وتاريخ الخلفاء ص145 وبحار الأنوار ج28 ص383 والغدير ج5 ص360 والشافي في الإمامة ج3 ص197.

([21]) عنّا، آل عمر: أي ابعدو هذا الشرعنّا يا آل عمر..

([22]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص228 و 229 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص293 و 294 والكامل في التاريخ ج3 ص66 و 67 والإمامة والسياسة ج1 ص28 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص339 و 341 و 347 وبحار الأنوار ج31 ص77 والغدير ج5 ص360 و 375 ونهج السعادة ج1 ص113.

([23]) الآية 1 من سورة النساء.

([24]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج4 ص230 ـ 232 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3  ص295 و 296 والكامل في التاريخ ج3 ص68 و 69 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص193 وتاريخ المدينة لابن شبة ج3 ص927 و 928.

([25]) ابهيرار الليل: طلوع نجومه، إذا تتامت واستنارت. راجع: تاج العروس ج6 ص123 ولسان العرب ج4 ص81.

([26]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص231 ـ 232 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص296 والكامل في التاريخ ج3 ص69 و 70 وراجع: بحار الأنوار ج31 ص400 وتاريخ المدينة لابن شبة ج3 ص928.

([27]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص232 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص297 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص193 و 194 والغدير ج9 ص115 وتاريخ المدينة لابن شبة ج3 ص929 و 930.

([28]) بحار الأنوار ج31 ص358 وراجع ص400 والإرشاد للمفيد ج1 ص286 و 287. وراجع: الصراط المستقيم ج3 ص117 وكتاب الأربعين للشيرازي ص216 و 570 والسقيفة وفدك للجوهري ص89 والجمل للمفيد ص61 و 93 والغدير ج9 ص88 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص188 وج9 ص55 وحياة الإمام الحسين «عليه السلام» القرشي ج1 ص330.

([29]) الجمل للمفيد ص122 و 123 وراجع ص172 و (ط مكتبة الداوري) ص61.

([30]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص232 و 233 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص297 و 298 والكامل في التاريخ ج3 ص71 و 72 وتاريخ المدينة لابن شبة ج3 ص931 وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص194 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص340 و 348 وعن العقد الفريد ج3 ص286 ـ 288.

([31]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص233 و 234 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص297 و 298 وتاريخ المدينة لابن شبة ج3 ص931.

([32]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص235 ـ 237 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص299 و 300 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص195 وكلام أمير المؤمنين «عليه = = السلام» مذكور في نهج البلاغة الخطبة رقم 139 وفي بحار الأنوار ج31 ص365.

([33]) الآية 10 من سورة الفتح.

([34]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص238 و 239 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص300 ـ 302.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان