الفصل الثاني: حلال المشاكل.. في العقائد، والفقه، والقضاء..

   

صفحة :45-78   

الفصل الثاني: حلال المشاكل.. في العقائد، والفقه، والقضاء..

حلال المشاكل علي :

ومرة أخرى نجد عثمان بن عفان يتبع سنة صاحبه عمر بن الخطاب، في قضية رواها لنا العاصمي من طريق شيخه محمد بن إسحاق بن محمشاد، يرفعه:

أن رجلاً أتى عثمان بن عفان، وهو أمير المؤمنين، وبيده جمجمة إنسان ميت، فقال: إنكم تزعمون النار يعرض على هذا، وإنه يعذب في القبر؟! وأنا قد وضعت عليها يدي فلا أحس منها حرارة النار.

فسكت عنه عثمان، وأرسل إلى علي بن أبي طالب المرتضى يستحضره.

فلما أتاه وهو في ملأ من أصحابه قال للرجل: أعد المسألة.

فأعادها، ثم قال عثمان بن عفان: أجب الرجل عنها يا أبا الحسن!

فقال علي «عليه السلام»: إيتوني بزند وحجر. والرجل السائل والناس ينظرون إليه.

فأتي بهما، فأخذهما وقدح منهما النار، ثم قال للرجل: ضع يدك على الحجر.

فوضعها عليه.

ثم قال: ضع يدك على الزند.

فوضعها عليه.

فقال: هل أحسست منهما حرارة النار؟!

فبهت الرجل.

فقال عثمان: لولا علي لهلك عثمان([1]).

ونقول:

إن هذه القضية من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى بيان.

غير أننا نقول:

إن الدليل الذي قدمه «عليه السلام» لم يكن من الأدلة العقلية التي تحتاج إلى دقة وتأمل، بل هو دليل قريب المأخذ، قد جاء منسجماً مع نفس المنطق الذي جاء به ذلك الرجل. واستفاد من نفس العناصر التي استفاد منها.

وبتعبير آخر: إن عذاب القبر أمر غيبي، يثبت بإخبار الله تعالى عنه في كتابه، أو على لسان نبيه.

وكان يمكن البحث مع ذلك الرجل بنحو آخر، يبدأ بإثبات الألوهية، ثم النبوة. من خلال الدليل العقلي والمعجزة، المثبتة للصدق، ثم ينقل الكلام إلى ما أخبر به الله تعالى ورسوله حول عذاب القبر.

وهذا دليل إجمالي يعتمد على هذا اليقين الكلي. ولا يحتاج إلى الدخول في التفاصيل، ولا إلى التطرق لحقيقة العذاب وكيفيته.

ولكن علياً «عليه السلام» آثر أن يبطل الشبهة في مضمونها العلمي.

وأن يقتلعها من جذورها، لكي لا تترك أي أثر سلبي على أهل الإيمان، بحيث تبقى عالقة في أذهانهم.. وتضعف إيمانهم، ويقينهم.

ولأجل ذلك، لم يكتف «عليه السلام» بالبيان الكلامي، الذي يعتمد على الإستحضار الذهني للصور، بل بادر إلى إحضار العناصر نفسها لكي يتلمس الحاضر والناظر المعنى فيها بصورة محسوسة، يستغني بها عن الصور التي يحتاج لبذل جهد إضافي لاستحضارها، وللاحتفاظ بها، والمحافظة عليها في مواقعها، فلا تنفلت منه، ولا تختلط عليه.

فأحضر «عليه السلام» الزند والحجر، ولم يكتف ببيان فكرته وتطبيقها عليهما. بالإشارة إليهما. بل قدح منهما النار أيضاً.

ثم لم يكتف بذلك لبيان فكرته، بل دعا ذلك الرجل للمس الزند والحجر، ليتحسس وجود الحرارة فيها، وعدم وجودها.

فإذا لم يجد الحرارة، في الزند والحجر، فسيجد جوابه مباشرة، فإن النار قد خرجت من الزند والحجر بلا ريب. وها هو يلمسهما بيده، فلا يجد حرارة النار.

إذن فمن الذي قال: إن تلك الجمجمة لا تعذب بنار لا يراها ولا يلمسها ذلك الرجل، بل هي كامنة فيها كمون النار في الزند والحجر؟! أي أنه «عليه السلام» أفهمه أن الموجود الحسي ليس هو كل شيء، بل هناك أنحاء وجودات أخرى لا ينالها الحس.

 

فلماذا يجعل ذلك الرجل حسَّه الفعلي ملاكاً للنفي وللإثبات، وللوجود والعدم؟!

الجمع بين الأختين بملك اليمين:

عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب: أن رجلاً سأل عثمان بن عفان عن الأختين من ملك اليمين، هل يجمع بينهما؟!

فقال عثمان: أحلتهما آية، وحرمتهما آية، أما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك.

قال: فخرج من عنده، فلقي رجلاً من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فسأله عن ذلك، فقال: لو كان لي من الأمر شيء، ثم وجدت أحداً فعل ذلك لجعلته نكالاً.

قال ابن شهاب: أراه علي بن أبي طالب.

قال ابن عبد البر في كتاب الإستذكار: >إنما كنى قبيصة بن ذؤيب عن علي بن أبي طالب لصحبته عبد الملك بن مروان، وكانوا يستثقلون ذكر علي بن أبي طالب «عليه السلام»([2]).

ونقول:

لا نريد هنا أن ندخل في بحث فقهي جامع، بل نكتفي بالإلماح إلى نقاط يسيرة، ربما تصلح مدخلاً لإيضاح بعض ما يحتاج إلى إيضاح، وذلك كما يلي:

1 ـ حبذا لو أن عثمان أرجع الحكم في هذه القضية إلى من اعتاد الرجوع والإرجاع إليه في الموارد المشابهة، ألا وهو علي أمير المؤمنين «عليه السلام»، باب مدينة علم النبي «صلى الله عليه وآله». وقد أوردنا بعضاً من ذلك في كتابنا هذا..

2 ـ إن قوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ﴾([3]) مطلق وشامل للنكاح بالعقد وملك اليمين معاً.. ومورد الآية هو النهي عن خصوص الجمع من هذه الناحية..

3 ـ لم يستطع المدافعون عن عثمان أن يذكروا لنا آية واحدة يمكن الإستدلال بها، لجواز الجمع بين الأختين في النكاح بملك اليمين.. والذي ذكروه في هذا المجال لا يستحق الذكر بين أهل العلم والمعرفة، ولو بأدنى مستوياتها، ليصح أن يقال: إنها هي التي قصدها عثمان بقوله: أحلتها آية، فقد قالوا:

ألف: إن المقصود هو قوله تعالى: ﴿وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾([4])»([5])، وهي لا تصلح للإستدلال بها.

أولاً: روي أن ابن مسعود سئل عن الجمع بين الأختين فكرهه، فقيل له: يقول الله تعالى: ﴿إِلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.

فقال: جملك (وبعيرك) أيضاً مما ملكت يمينك([6]).

كما أنه لا إشكال في حرمة وطء أم الزوجة بملك اليمين، ولا يجوز أيضاً وطء حليلة الابن بملك اليمين، ولا يجوز وطء الأخت والأم من الرضاعة بملك اليمين، كما لا يجوز وطء الأمة إذا كان أبو مالكها قد تزوجها ووطأها..

وذلك يدل على أن هذه الآية لا إطلاق لها بحيث يشمل الجمع بين الأختين.

ثانياً: قالوا: إن سبب نزول آية: ﴿مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ هو أن المسلمين توهموا أن سبي المرأة لا يقطع علاقتها بزوجها المشرك، فنزلت الآية لتبين لهم أن سبيها يقطع الزوجية بينها وبين زوجها الأول([7]).

ب: قالوا: إن مقصود عثمان هو قوله تعالى: ﴿إِلاَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾([8])»([9])، وهذه الآية لا تصلح للدلالة على ذلك أيضاً.

أولاً: لأن الآية ـ كما يقول العلامة الأميني ـ تتحدث عن عفة الرجل عما سوى ما أباحه له الشارع، وهو زوجته، وملك يمينه.. وهذا لا ينافي اشتراط شروط في كلٍ منهما، مثل أن تكون ليست من محارمه، وأن لا يجمع بين الأختين. هذا.. عدا عن أن لا تكون المرأة في حال الحيض أو النفاس، أو في الإحرام، وغير ذلك..

ثانياً: لو أخذنا بعموم الآية بحيث تشمل الجمع بين الأختين في ملك اليمين لجاز الأخذ بعمومها في موارد أخرى، كوطء الأم والأخت، وأم الزوجة من الرضاعة بملك اليمين، وغير ذلك مما تقدم.

ج: وقيل: إن الآية المحللة للجمع بين الأختين بملك اليمين هي قوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاء ذَلِكُمْ﴾([10])»([11]).

وأجابوا:

أولاً: بأن قوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاء ذَلِكُمْ بمنزلة الإستثناء مما قبله من المحرمات، ومنها الجمع بين الأختين الذي هو محرم بإجماع الأمة، ولم يفرق العلماء بين الجمع بين الأختين في الوطء بين أن يكون على سبيل النكاح، أو أن يكون بملك اليمين([12]).

ثانياً: رووا عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنه قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين([13]).

ثالثاً: قال الأميني: لو أغضينا النظر عن كل ما ذكرناه، وسلمنا بوجود التعارض بين الآيتين اللتين قصدهما عثمان بقوله: «أحلتهما آية، وحرمتهما آية..» بحسب الظاهر، ولم يعرف الناسخ من المنسوخ، فإن دليل الحظر مقدم على دليل الإباحة([14]).

بطلان ما نسب إلى علي :

وبعدما تقدم نقول:

قد نسبوا إلى علي «عليه السلام»: أنه قال في هذه المسألة بمثل قول عثمان: أحلتهما آية، وحرمتهما آية، فسأله أياس بن عامر عما يقال عنه في ذلك، فقال «عليه السلام»: كذبوا([15]).

والظاهر: هو أنه «عليه السلام» يريد تكذيبهم في نسبة التحير في المسألة إليه، أو يريد تكذيبهم في نسبة التحليل.

فقد روى العياشي عن أبي عون قال: سمعت أبا صالح الحنفي، قال: قال علي «عليه السلام» ذات يوم: سلوني.

فقال ابن الكوا: أخبرني عن بنت الأخ من الرضاعة، وعن المملوكتين الأختين.

فقال: إنك لذاهب في التيه، فسل عما يعنيك، أو ينفع.

فقال ابن الكوا: إنما نسألك عما لا نعلم، فأما ما نعلم فلا نسألك عنه.

ثم قال: أما الأختان المملوكتان أحلتهما آية وحرمتهما آية، ولا أحلّه ولا أحرّمه. ولا أفعله أنا ولا واحد من أهل بيتي([16]).

وروى الشيخ بإسناده عن معمّر بن يحيى بن سالم، قال: سألت أبا جعفر «عليه السلام» عمّ يروي الناس عن أمير المؤمنين «عليه السلام» عن أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها ولا ينهى عنها إلا نفسه وولده، فقلت: كيف يكون ذلك؟

قال: أحلتها آية، وحرمتها آية أخرى.

فقلنا: هل الآيتان تكون إحداهما نسخت الأخرى؟! أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما؟

فقال: قد بين لهم إذا نهى نفسه وولده.

قلنا: ما منعه أن يبين ذلك للناس؟

قال: خشي أن لا يطاع، فلو أن أمير المؤمنين «عليه السلام» ثبتت قدماه أقام كتاب الله كله، والحق كله([17]).

فظهر أن علياً «عليه السلام» لا يرضى بالجمع بين الأختين، ولا يرى رأي عثمان، ولكنه «عليه السلام» بين ذلك بنحو يتحاشى فيه سلبيات المواجهة الصريحة مع أنصار عثمان.

البكر قد تحمل أيضاً:

رووا: أن امرأة نكحها شيخ كبير، فحملت، فزعم الشيخ أنه لم يصل إليها، وأنكر حملها، فسأل عثمان المرأة: هل افتضك الشيخ؟! وكانت بكراً.

فقالت: لا.

فأمر بالحد.

فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: إن للمرأة سُمَّين: سُمَّ الحيض، وسم البول.

فلعل الشيخ كان ينال منها، فسال ماؤه في سم المحيض، فحملت منه!!

فقال الرجل: قد كنت أنزل الماء في قبلها، من غير وصول إليها بالإفتضاض.

فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: الحمل له، والولد له، وأرى عقوبته على الإنكار له.

فصار عثمان إلى قضائه بذلك، وتعجب منه([18]).

ونقول:

1 ـ لولا حضور أمير المؤمنين «عليه السلام» في ذلك المجلس لحدَّت تلك المرأة، وتلوثت سمعتها بين الناس، وأُحْرِج أقاربها بها.

2 ـ إن كل هذه المصائب كانت سوف تصيبها لمجرد أن الخليفة لا يعرف شيئاً من علوم التشريح، يؤهله لأن يحكم بما يريده الله في عباده..

3 ـ إن الحكم ـ كما رأينا ـ قد انقلب من إدانة للمرأة إلى حد المباشرة بإقامة الحد عليها، إلى براءة لها أولاً، ثم إدانة لزوجها المدعي عليها، الذي تجري عليه عقوبة الإنكار ثانياً..

4 ـ قد تلافى «عليه السلام» بحكمه هذا نفي الولد عن أبيه، وهو أمر له تبعاته السيئة على الولد في حياته من دون أب يرعاه، ثم العار الذي يلحق به، حيث سيعتبر ابن زنا، وسيعاني من هذه التهمة والنظرة، ما يعانيه من اختلال في موقعه الإجتماعي، ومن عذاب روحي.. بالإضافة إلى ما يترتب على ذلك من حرمانه من الإرث.. وما إلى ذلك..

5 ـ لقد كان يكفي الخليفة أن يتأكد من بكارة تلك المرأة، فإذا ثبت له أنها لا تزال باقية، فإن ذلك يبرؤها من تهمة الزنى. ويجعله يتوقف عن رجمها للاحتمال الذي أبداه علي «عليه السلام» فيما يرتبط بمقاربة زوجها الشيخ لها.

6 ـ إن العقوبة التي أثبتها «عليه السلام» على زوج تلك المرأة، وهي عقوبة الإنكار، إنما هي لأنه يعلم ببقاء بكارتها، ويعلم بأن حملها قد يكون بإراقة الماء على فرجها.. ويعلم: بأن ذلك قد حصل منه، فالوليد يلحق به، لأن الولد للفراش.

7 ـ المراد بإنكار زوجها لحملها هو إنكار أن يكون حملها منه.

8 ـ إن ذلك يعطي أن موضوع خلافة الرسول لا يتلخص بالإدارة السياسية، وتدبير الحروب.. بل هناك أمور كثيرة لا بد أن يكون الخليفة واجداً لشرائطها، عارفاً بأسرارها، وبالحق والباطل منها.. حتى إنه قد يحتاج إلى علم التشريح وسواه من علوم، كما أظهرته هذه الحادثة، وأحداث كثيرة غيرها، ذكرنا شطراً منها في هذا الكتاب..

المكاتبة تجلد بحساب الحرية والرق معاً:

ورووا: أن مكاتبة زنت على عهد عثمان، وقد عتق منها ثلاثة أرباعها، فسأل عثمان أمير المؤمنين «عليه السلام» فقال: تجلد بحساب الحرية، وتجلد منها بحساب الرق.

فقال زيد بن ثابت: تجلد بحساب الرق.

قال أمير المؤمنين «عليه السلام»: كيف تجلد بحساب الرق، وقد عتق ثلاثة أرباعها؟!

وهلا جلدتها بحساب الحرية، فإنها فيها أكثر؟!

فقال: لو كان ذلك كذلك لوجب توريثها بحساب الحرية.

فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: أجل ذلك واجب.

فأفحم زيد([19]).

زاد المفيد هنا قوله: «وخالف عثمان أمير المؤمنين «عليه السلام»، وصار إلى قول زيد، ولم يصغ إلى ما قال بعد ظهور الحجة عليه»([20]).

ونقول:

1 ـ إن عثمان يسأل علياً «عليه السلام» عن الحكم، فلما أخبر به عمد إلى مخالفته، والأخذ بقول زيد، وكان عليه أن يعمل بقول باب مدينة علم رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وبمن هو مع الحق والقرآن، والحق والقرآن معه..

2 ـ إن الحجة التي أقامها علي «عليه السلام» على زيد، واضحة المأخذ، بينة الرشد، وقد أفحم زيد بها، فكيف يأخذ عثمان بفتوى من أفحمته الحجة؟!

3 ـ إن الحوار الذي جرى بين علي «عليه السلام» وبين زيد دل على أن زيداً يجهل حكم الإرث، بالإضافة إلى حكم الجلد في الزنا..

4 ـ إنهم يزعمون: أن زيد بن ثابت متميز في الفرائض، ويدَّعون: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: أفرضكم زيد([21])، وإذ به يجهل أبسط أحكام الإرث، وهو مقدار إرث الأمة المكاتبة، التي تحرر جزء منها بالكتابة.

ألا يدل ذلك على عدم صحة ما نسبوه إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» في حق زيد؟!

وألا يفسر هذا لنا ما روي عن الإمام الباقر «عليه السلام»، من أنه قال: أشهد على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية([22]).

5 ـ إن زيداً استفاد من القياس الذي لا يجوز استعماله في الشريعة، والأحكام، فإن الملاكات والحيثيات تختلف وتتفاوت من حكم لآخر، ولذلك تقضي المرأة الصيام ولا تقضي الصلاة في أيام الحيض.. كما أنها في الديات تختلف عن الرجل، فإنها تعاقله إلى نصف الدية، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف([23]). وهذا هو الحكم الشرعي في دية الأصابع.

6 ـ إنه «عليه السلام» قد استدرج زيداً إلى الإقرار بأنه قد أفتى برأيه، لا بالإستناد إلى ما سمعه من رسول الله «صلى الله عليه وآله».. وإلا لاحتج بما سمعه..

7 ـ إن علياً «عليه السلام» حين سأل زيداً عن سبب عدم جلد الأمة بحساب الحرية فإنها فيها أكثر، لم يكن يريد أن يستفيد من الإستحسانات في استنباط الحكم الشرعي، بل أراد أن يكلم زيداً وفق منطقه، لكي يلزمه بالحجة، بعد إقراره بمستنده، الذي اعتبره كافياً لإبطال حجة علي «عليه السلام»..

ولم يرد أن يهيء له فرصة تعمية الحقيقة، ولو بإيهام الناس بأنه يفتي بما سمعه من النبي «صلى الله عليه وآله».

8 ـ والذي لم نجد له تفسيراً هو ما أرسله زيد إرسال المسلمات، من أن توريث المكاتبة يكون بحساب الرق، فمن أين أخذ هذا، ولماذا توهم أنه هو الحق الذي لا مراء فيه؟! أتراه سمع ذلك من بعض من كان يعاشرهم من المتنفذين وغيرهم، فصدقه، من دون أن يتثبت فيه؟!

أم أنه اجتهد فيه من عند نفسه، متوهماً أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يصرح بحكم الله فيه؟!

فلما واجهه علي «عليه السلام» بالحقيقة أدرك أن الأمر على عكس ما توهمه، فإن ثمة نصاً صادراً عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» في هذا المورد، وأن المكابرة فيه ستجره إلى فضيحة لا يستطيع تحملها..

رجم من ولدت لستة أشهر:

ودخلت امرأة على زوجها، فولدت لستة أشهر، فذكر ذلك لعثمان، فأمر أن ترجم.

فدخل عليه علي «عليه السلام»، فقال: إن الله عز وجل يقول: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً﴾([24])، وقال أيضاً: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾([25]).

قال: فوالله ما كان عند عثمان إلا أن بعث إليها فرجمت.

وفي نص آخر: فلم يصل رسوله إليهم إلا بعد الفراغ من رجمها([26]).

واعتذر ابن روزبهان عن عثمان بقوله: «ربما كان له فيه اجتهاد اقتضى رجمها، فهو عمل بعلمه واجتهاده»([27]).

ونقول:

أولاً: إن الآيتين اللتين استدل بهما علي «عليه السلام» على عثمان لا تدعان مجالاً لأي اجتهاد.

ثانياً: لو كان لعثمان حجة لأصحر بها، ودفع اللوم والعيب عن نفسه.

ثالثاً: إن ظاهر الرواية: أن عثمان قد أصرّ على رجم المرأة على سبيل العناد، الذي لم يكن تصديقه عنه في مثل هذا المورد ممكناً لدى العقلاء وأهل الدين، حتى احتاج الراوي لتأكيد حصول الرجم بالقسم.

رابعاً: إن الزنا الموجب للرجم هو ما كان حال الإحصان، وأمّا الزنا من غير المحصن، فجزاؤه الجلد مئة جلدة.

إلا إن كان قد عقد عليها قبل الستة أشهر، ولم يدخل. فاعتبرت محصنة، وحكموا برجمها لأجل ذلك.

ملاحظة: تقدم: أن قصة أخرى شبيهة بهذه القصة كانت قد حصلت في عهد عمر، فنجت تلك المرأة بتدخل علي «عليه السلام».

هل هذا تلطيف وتخفيف؟!:

وتذكر بعض نصوص رواية الرجم المتقدمة عن بعجة بن عبد الله الجهني: أن علياً «عليه السلام» قال لعثمان: إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك، ثم إنه «عليه السلام» احتج عليه بالآيات، فأمر عثمان بردها.

فقال «عليه السلام»: ما عند عثمان بعد أن بعث إليها ترد([28]).

أي ليس عند عثمان حجة، بعد أن اعترف بخطأه، وقد ظهر ذلك بإرساله بطلبها، وردها لئلا ترجم.

وفي نص آخر: أنّه لما احتج «عليه السلام» على عثمان في أمر تلك المرأة قال عثمان: والله ما فطنت لهذا.

فأمر بها عثمان أن ترد، فوجدت قد رجمت.

وكان من قولها لأختها: يا أخية لا تحزني! فوالله ما كشف فرجي أحد قط غيره.

قال: فشب الغلام بعد، فاعترف الرجل به، وكان أشبه الناس به.

وقال: فرأيت الرجل بعد يتساقط عضواً عضواً على فراشه([29]).

وقال بعجة: إن المرأة كانت من قومه، من جهينة([30]).

ونقول:

أولاً: لعل رواية بعجة هذه قد تعمدت تلطيف الجو، والتخفيف من حدة النقد الذي يوجه لعثمان، لعمله هذا الذي أودى بحياة بريئة، لا ذنب لها إلا أن الخليفة كان لا يعرف أحكام الله، ولا يتثبت فيها، رغم وجود باب مدينة العلم علي «عليه السلام» على بعد خطوات يسيرة منه.

وقد لفت نظرنا: أن ابن روزبهان لم يشر إلى هذا النص الذي يخفف من بشاعة هذه الحادثة، مما قد يشير إلى أنه لم يجد سبيلاً لتسويقه به، وهو المعروف بالتشبث بما هو أدنى من الطحلب، فإن لم يجد بادر إلى الإبتداع والإختراع.

ثانياً: ما ذنب هؤلاء الناس حتى يتسلط عليهم من لا يعرف أحكام الله تعالى، ولا يجد الداعي إلى سؤال العارف بها، وهو لا يبعد عنه سوى بضع خطوات؟!

على أنه قد كان يمكنه أن يفوض أمور الفقه والقضاء إلى العارفين بهما، ولا ينقص ذلك من قدره، ولا يؤثر على نفوذ كلمته، بل هو يزيده قوة ونفوذاً، حين يسد عنه باب النقد من قبل الصلحاء والأخيار، الذين لن يروق لهم أن يروا أحكام الله تنتهك، وحرمات الناس تستباح. كما أنه يجنبه نقمة الناس المظلومين، الذين سيكونون هم وذووهم ضحايا أخطائه العفوية والعمدية.

ثالثاً: إن هذا الذي صدر من عثمان لم يكن مجرد عدوان على حياة تلك المرأة، بل هو قد ترك آثاره على كرامتها، وكرامة أهلها، وعشيرتها، حيث أثار الشبهة حول عفتها إلى حدّ التصديق لدى كثير من الناس، فأصبحت في عداد من يتهم بالفاحشة لدى عامة الناس، وعلى رؤوس الأشهاد.

رابعاً: إننّا لا نصدق أن ما جرى في عهد عمر أكثر من مرة، لم يره أو لم يسمع به عثمان، فقد منع أمير المؤمنين «عليه السلام» وكذلك ابن عباس من رجم نساء ولدن لستة أشهر، وأمثال هذه القضايا مما تتوافر الدواعي على روايته ونقله، مع ندرة حصوله، وغرابته، وحساسية موضوعه.

ولا سيما إذا تضمن تخطئة لمن يتبوأ أعظم مقام في الأمة. ولا سيما إذا كان عمر بن الخطاب.

خامساً: لم تذكر لنا تلك الروايات إن كان عثمان قد تحمل مسؤولية خطأه، فودى تلك المرأة، وأعلن على الملأ براءتها مما نسب إليها، ومنع الناس من تداول اسمها في جملة أهل الفاحشة، فإن غاية ما أشارت إليه رواية بعجة هو أنه قال بعد بيان علي «عليه السلام» الحكم له: «والله، ما فطنت لهذا»!!

كما أننا لم نجد في الرواية ما يشير إلى أية مشكلة حصلت بسبب حكمه هذا الذي أودى بحياة وبسمعة تلك المرأة، ولكننا لا حظنا أنّها تصرح بأن بلاء أصاب زوجها (الذي قد لا يكون له ذنب سوى أنه ظن بها السوء) فهل استحق هذا البلاء لمجرد ظنه هذا؟! وكيف لم يصب غيره بأي مكروه، مع أن ذلك الغير هو الذي أوصل الأمور إلى ذلك الحد؟!

إلا إن كان المقصود: أنه كان يتهاوى عضواً عضواً على فراشه، بسبب ما ألم به من الحزن عليها..

سادساً: أظهرت رواية بعجة: أن كلام علي «عليه السلام» لم يكن مجرد استفادة قرآنية، قد يحاول البعض أن يدَّعي: أنها بمستوى الرأي الفقهي الأقرب أو الأصوب.

بل هي قد تأيدت بأمر تكويني، بلغ من الظهور حداً دعا ذلك الذي كان زوجاً للمرأة إلى الإعتراف بذلك الولد، ويشهد بذلك لها بطهارة الذيل والبراءة من كل سوء، مع أنه ربما كان يرى أن له مصلحة بقتل المرأة لصيانة شرفه، وحفظ كرامته وسمعته.

سابعاً: إن ذلك الزوج اعترف بالولد، والحقة بنفسه، ولم يعترض عليه عثمان، ولا غيره.. فدل ذلك على أن عثمان يعترف بالخطأ، ويرى أن المرأة رجمت بغير حق..

التي ملكت زوجها:

روي: أن رجلاً كانت لديه سرية، فأولدها، ثم اعتزلها، وأنكحها عبداً له، ثم توفي، فعتقت بملك ابنها لها، فورث زوجها ولدها.

ثم توفي الابن، فورثت من ولدها زوجها.

فارتفعا إلى عثمان يختصمان، تقول: هذا عبدي.

ويقول هو: هي إمرأتي، ولست مفرجا عنها.

فقال عثمان: هذه قضية مشكلة، وأمير المؤمنين «عليه السلام» حاضر، فقال «عليه السلام»: سلوها، هلَ جامعها بعد ميراثها له؟

فقالت: لا.

فقال: لو أعلم أنه فعل ذلك لعذبته. اذهبي، فإنه عبدك، ليس له عليك سبيل، إن شئت تعتقيه، أو تسترقيه، أو تبيعيه، فذلك لك([31]).

ونقول:

1 ـ إن قول علي «عليه السلام»: لو فعل لعذبته، إما لأنه «عليه السلام» كان يعلم أن ذلك العبد كان عارفاً بالحكم الشرعي، ويسعى إلى مخالفته، ولو بالإستفادة من جهل غيره بالحكم، حتى لو كان الخليفة نفسه..

أو لأنه كان يعلم أن ذلك العبد، وإن كان جاهلاً بالحكم، ولكن كان عليه أن لا يقدم على هذا الأمر إلا بعد إحراز جوازه شرعاً.

2 ـ لا ندري ما هو الشعور الذي انتاب خليفة المسلمين، الذي يفترض أن يكون هو الذي يتصدى للمعضلات، ويحل المشكلات، حين تصدى علي «عليه السلام» لحل المشكلة، بعد اعتراف عثمان بأن القضية مشكلة!

هل حدثته نفسه بأنه لم يكن هو الرجل المناسب في المكان المناسب، بل كان حلال المشكلات، ومزيل المعضلات أولى بمقامه منه؟!

3 ـ إنه «عليه السلام» قال عن ذلك العبد: «لو أعلم أنه فعل ذلك لعذبته». فنسب فعل التعذيب إلى نفسه مباشرة، وبصورة جازمة وحازمة، فأعلمنا بذلك أن له الحق في ذلك، وأنه سيمارس هذا الحق.. ولم يشر إلى رضا عثمان بذلك أو عدم رضاه، ولا علق قراره على شيء من ذلك..

4 ـ ويتأكد ما ذكرناه آنفاً بملاحظة أن عثمان لم يطلب منه الحكم في المسألة، ولا ندبه لحل المشكل فيها، بل كان هو المبادر لذلك.. من دون مسألة ومن دون استئذان من أحد، كما هو ظاهر الرواية..

عثمان يرجع الحكم إلى علي :

روى الحسن بن سعد، عن أبيه: أن يحيس (أو يحنس) وصَفِيَّة، كانا من سبي الخمس، فزنت صفية برجل من الخمس، وولدت غلاماً. فادعى الزاني ويحنس، فاختصما إلى عثمان. فرفعهما عثمان إلى علي بن أبي طالب.

فقال علي «عليه السلام»: أقضي فيهما بقضاء رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر»، وجلدهما خمسين جلدة([32]).

ونقول:

لا يرتاب مسلم في أن حكم الزاني المحصن هو الرجم.. وفي أن الولد للفراش وللعاهر الحجر.. ولا يليق بعثمان أن يكون غير عارف بهذين الحكمين..

إذن، فما الذي حير عثمان، واضطره إلى رفع القضية إلى علي «عليه السلام»؟!

قد يرى البعض: أن عثمان لم يكن يعرف أن حكم الأمة والمملوك هو الجلد خمسين جلدة، محصناً كان أو غير محصن، ذكراً كان أو أنثى، فأرجع الحكم إلى علي «عليه السلام» لأجل ذلك..

غير أننا لا نكاد نصدق ذلك، فإن هذا الحكم أيضاً مما نص عليه القرآن، فقد قال تعالى عن الإماء: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ([33]).

لكن ظاهر كلام علي «عليه السلام» هو: أنهم اختلفوا في حكم الولد، وفي حد الزاني، فأجاب «عليه السلام» بقوله:

«إنما أقضي فيهما بقضاء رسول الله «صلى الله عليه وآله»: الولد للفراش وللعاهر الحجر، وجلدهما خمسين جلدة».

مراجعة علي في كيفية الإقتصاص:

وقال العاصمي: ذكر في الأحاديث أن مولى لعثمان بن عفان لطم أعرابياً، فذهبت عينه الواحدة، وأعطاه عثمان الدية، وأضعف، فأبى أن يقبل الدية، دون القود.

فرفعها عثمان إلى علي المرتضى «عليه السلام»، فأمر علي أن يوضع على إحدى عيني الجاني قطنة، ثم يجاء بمرآة، فتقرب من العين الأخرى، والجاني فاتحها، ففعل ذلك.

فأمر، فأدنيت المرآة المحماة من العين الأخرى، فسالت، ونجت الواحدة بالقطنة([34]).

ولعل الصحيح: «نجت الواحدة».

ونقول:

1 ـ لا لوم على ذلك الأعرابي في مطالبته بالقود، وإصراره عليه، فإن ذلك من حقه.

2 ـ إن عثمان لم يدر كيف يمكن الإقتصاص من الجاني، بحيث يستوفي حقه دون زيادة أو نقيصة، وبنحو لا تتأثر العين الأخرى بما يجري على أختها، فاضطر إلى مراجعة سيد الوصيين فيها، فمثَّل ذلك اعترفاً منه بمرجعيته في الأمور.. رغم أنه كان يتضايق من بيانه «عليه السلام» لأحكام الله، ويعتبر ذلك خلافاً عليه، ومساساً بموقعه. كما سلف.

3 ـ إن هذه المراجعة ذات وجهين:

أحدهما: أنه كان يريد منه حلاً فقهياً يخرجه من الإحراج.. وذلك معناه: الإعتراف له بالفقاهة والعلم في الدين، وأن عثمان وسواه لا يصلون إليه في ذلك، وإلا لكان عثمان قد حل المشكل، أو حله له أحد الصحابة أو غيرهم.

الثاني: أنه لم يكن يريد منه حلاً فقهياً، بل حلاً عملياً، يتصل بكيفية الإقتصاص.. لأنه يريده في غاية الدقة، بحيث لا يزيد ولا ينقص عن المقدار المطلوب. وهذا يحتاج إلى خبرة ومهارة، ومعرفة تامة، وعلم وافر بالوسائل التي تحقق ذلك.

وهذا من العلوم الحياتية الدنيوية، وليس من العلوم الشرعية.

فتكون هذه المراجعة العثمانية لعلي أمير المؤمنين «عليه السلام» قد تضمنت أيضاً اعترافاً بأعلميته «عليه السلام» بأمور الدنيا، وبالعلوم والمعارف التي يحتاج الناس إليها في دنياهم.

4 ـ إن المطلوب من الحاكم هو أن يجري الأحكام بدقة، ويبدو أن عثمان، وإن كان يرغب بإرضاء الأعرابي من دون أي قصاص إلا أنه حين أصر الأعرابي على حقه خاف من لحوق ضرر بمولاه يزيد على ما هو مطلوب، لم يدر كيف ينفذ الحكم على الوجه الأتم، ومن دون زيادة، فلجأ إلى علي «عليه السلام»، ليحل له المشكة.

5 ـ ولعل ثمة من يريد أن يسيء الظن، فيقول: لو كان هذا قد حصل لأحد من سائر الناس، ممن لا يهم عثمان أمره، فهل كان يستدعي علياً «عليه السلام» للحكم، أو لإيجاد الوسيلة التي تمنع من تأثير الإقتصاص على العين الأخرى. أم أنه يقتص منه كيفما اتفق؟!

إن الوقائع تؤيد هذا الإحتمال الأخير.

ويؤيد ما نقول: أنه يصر على رجم التي ولدت لسته أشهر، رغم بيان براءتها، وعلى الأكل من الصيد وهو محرم.. وعلى الصلاة تماماً بمنى، رغم بيان الحكم له في هذين الأمرين وغير ذلك..

ولكنه هنا يعطي المجني عليه ضعف الدية ليعفي مولاه من القصاص!! ولا نتحمل نحن مسؤولية صحة هذا الإحتمال، ولا نلزم أنفسنا بتأييده، أو تفنيده. إذ لعل لرجوع عثمان لعلي «عليه السلام» في هذه الواقعة أهدافاً أخرى، ككونه أراد أن يعرف طريقة حل المعضلة! أو أنه أراد أن يراعي سنة العدل في هذه الواقعة على الأقل، أو غير ذلك من الدواعي. فإن الله هو علام الغيوب، والمطلع على ما في الضمائر والقلوب.

طريقة دقيقة للإقتصاص:

روي عن الإمام الصادق «عليه السلام» أنه قال: إن عثمان أتاه رجل من قيس بمولى له قد لطم عينه، فأنزل الماء فيها، وهي قائمة، ليس يبصر بها شيئاً، فقال له: أعطيك الدية. فأبى.

قال: فأرسل بهما إلى علي «عليه السلام» وقال: احكم بين هذين.

فأعطاه الدية، فأبى.

قال: فلم يزالوا يعطونهم حتى أعطوه ديتين.

قال: فقال: ليس أريد إلا القصاص.

قال: فدعا علي «عليه السلام» بمرآة فحماها، ثم دعا بكرسف (وهو القطن) فبلَّه، ثم جعله على أشفار عينيه، وعلى حواليها. ثم استقبل بعينه عين الشمس.

قال: وجاء بالمرآة، فقال: انظر.

فنظر، فذاب الشحم، وبقيت عينه قائمة، وذهب البصر([35]).

ونقول:

1 ـ ذكر هذه الرواية الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام وفيه «عمر» بدل عثمان. وكلاهما مروي عن رفاعة.

2 ـ إن سند الرواية لا يضر، فقد عمل بها المشهور، وإن كان لا يتيقن إذهاب البصر مع بقاء الحدقة بما ذكر.

3 ـ رغم كثرة الصحابة الذين يدعون لهم جزافاً العلم بالقضاء والأحكام، ويمنحون الأوسمة بمناسبة، وبلا مناسبة، لم يرسل عثمان أو عمر هذه القضية لأي منهم، ليبت فيها. ولو كان يحتمل ولو بنسبة واحد بالمئة، بل بالألف أن يتمكن أحد منهم من حلها لما تردد في اختياره. لأسباب مختلفة.. لا يجهلها أحد..

4 ـ إن الطريقة التي اختارها «عليه السلام» لإذهاب البصر، من إحدى العينين، وتعطيل حدقتها عن العمل، مع بقاء الحدقة سليمة وقائمة كانت فريدة، وسديدة. ولن يستطيع غير أهل بيت النبوة المعصومين الإهتداء إليها.

5 ـ الظاهر: أن المراد هو: أن يقابل بمرآة محماة مواجهة للشمس، بأن يكلف النظر إليها حتى يذهب الضوء.. وليس المراد جعل الرجل مواجهاً للشمس لا للمرآة كما هو ظاهر الرواية، فإن ذلك لا يوجب ذوبان الشحم، وذهاب نور العين مع بقاء الحدقة.

6 ـ وإنما يجعل القطن على أشفار العينين وحولها، لئلا تحترق اشفار العينين كما عن الشيخ في النهاية.


([1]) الغدير ج8 ص214 وزين الفتى ج1 ص318 وعن روائح القرآن في فضائل أمناء الرحمن ص51.

([2]) الموطأ ج2 ص538 ح34 والغدير ج8 ص215 عنه، وتفسير القرآن العظيم ج1 ص484.

وراجع المصادر التالية: السنن الكبرى للبيهقي ج7 ص164 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص158 والمحلى لابن حزم ج9 ص522 وتفسير الزمخشري ج1 ص496 والجامع لأحكام القرآن ج5 ص117 وبدايع الصنايع لملك العلماء ج2 ص264 = = وتفسير الخازن ج1 ص356 والدر المنثور ج2 ص136 نقلاً عن: مالك والشافعي، وعبد بن حميد، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم، والبيهقي، وتفسير الشوكاني ج1 ص418 نقلاً عن الحفاظ المذكورين.

([3]) الآية 23 من سورة النساء.

([4]) الآية 24 من سورة النساء.

([5]) راجع: الغدير ج8 ص218 عن أحكام القرآن للجصاص ج2 ص158 و (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص164 والتفسير الكبير للرازي ج10 ص36.

([6]) المصنف للصنعاني ج7 ص193 والمصنف لابن أبي شيبة ج3 ص306 والمعجم الكبير للطبراني ج9 ص335 ومجمع الزوائد ج4 ص269 والمحلى لابن حزم ج9 ص524 والدر المنثور ج2 ص137 وتفسير ابن أبي حاتم ج3 ص914 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص272 و (ط دار المعرفة) ج1 ص483 والغدير ج8 ص218 وفتح القدير ج1 ص454.

([7]) راجع: أسباب نزول الآيات ص99 والسنن الكبرى ج7 ص167 والمحلى ج9 ص447 وج10 ص319 ونيل الأوطار ج6 ص308 والمغني ج7 ص507 وفتح القدير ج1 ص454 والدر المنثور ج2 ص137 والعجاب في بيان الأسباب ج2 ص855 وسنن النسائي ج6 ص110 وتحفة الأحوذي ج4 ص237 وج8 ص294 والمصنف ج3 ص372 والتمهيد لابن عبد البر ج3 ص146 وشرح مسلم للنووي ج10 ص35 ومسند أحمد ج3 ص72 و 84 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص165 والجامع الصحيح ج5 ص218 ومصابيح السنة ج2 ص421 والغدير ج8 ص219 و 220 عمن ذكرنا، وعن: صحيح مسلم ج1 ص416 و 417 و (ط دار الفكر) ج4 ص170 وسنن أبي داود (ط دار الفكر) ج1 ص477 والجامع لأحكام القرآن ج5 ص121 وتفسير البيضاوي ج1 ص269 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص473 وتفسير الخازن ج1 ص375.

([8]) الآية 6 من سورة المؤمنون.

([9]) ذكر أن مقصود عثمان بآية التحليل هو هذه الآية فراجع: بدائـع الصنائـع ج2 = = ص264 والكشاف للزمخشري ج1 ص496 والغدير ج8 ص221 والإحكام للآمدي ج2 ص202.

([10]) الآية 24 من سورة النساء.

([11]) راجع: الغدير ج8 ص222 والجامع لأحكام القرآن ج5 ص117 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص474 و (ط دار المعرفة) ج1 ص485.

([12]) الغدير ج8 ص222.

([13]) الغدير ج8 ص218 وبدائع الصنائع ج2 ص264 والبحر الرائق لابن نجيم ج3 ص95 و (ط دار الكتب العلمية) ج3 ص168 وتذكرة الفقهاء (ط.ق) ج2 ص635 ونصب الراية ج3 ص319 وتفسير أبي السعود ج2 ص162.

([14]) راجع: الغدير ج8 ص222 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص158 و (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص164 وعن التفسير الكبير للرازي ج3 ص193.

([15]) الغدير ج8 ص218 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص158.

([16]) تفسير العياشي (ط مؤسسة البعثة) ج1 ص383 و 384 و (ط المكتبة العلمية الإسلامية) ج1 ص232 وبحار الأنوار ج100 ص336 وراجع: وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج20 ص486 و (ط دار الإسلامية) ج14 ص374 والفتح السماوي ج2 ص473 وجامع بيان العلم وفضله ج1 ص116 وجامع أحاديث الشيعة ج20 ص496 ومجمع الزوائد ج4 ص269 وتخريج الأحاديث والآثار ج1 ص301 والميزان ج4 ص285 وراجع: الدر المنثور ج2 ص137 عن البيهقي وابن أبي شيبة.

([17]) راجع: تهذيب الأحكام ج7 ص463 ومسائل علي بن جعفر ص145 والكافي ج5 ص556 والإستبصار ج3 ص173 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج20 ص397 و (ط دار الإسلامية) ج14 ص301 وبحار الأنوار ج2 ص252 وج10 ص266 وجامع أحاديث الشيعة ج20 ص403 والصافي ج1 ص437 والميزان ج4 ص285.

([18]) الإرشاد للمفيد (ط دار المفيد) ج1 ص210 و 211 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص370 و 371 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص192 وبحار الأنوار ج40 ص256 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج21 ص379 و (ط دار الإسلامية) ج15 ص114 والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص119 وجامع أحاديث الشيعة ج21 ص324 والدر النظيم ص392 وكشف اليقين ص73 وعجائب أحكام أمير المؤمنين «عليه السلام» ص89.

([19]) الإرشاد للمفيد (ط دار المفيد) ج1 ص211 و 212 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص371 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص192 وبحار الأنوار ج40 ص257 وج76 ص50 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص 138 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص405 وقاموس الرجال ج4 ص240 وجامع أحاديث الشيعة ج25 ص401 وعجائب أحكام أمير المؤمنين «عليه السلام» ص90.

([20]) راجع: الإرشاد للمفيد (ط دار المفيد) ج1 ص212 بحار الأنوار ج40 ص257 وج76 ص50 وقاموس الرجال ج4 ص239 وجامع أحاديث الشيعة ج25 ص401.

([21]) سبل السلام ج3 ص102 وفتح الباري ج7 ص84 وج12 ص17 والمواقف للإيجي ج3 ص627 والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج2 ص297 والإنصاف للمرداوي ج7 ص306 وفيض القدير ج2 ص28 وكشف الخفاء ج1 ص149 والبرهان للزركشي ج2 ص172 والإتقان في علوم القرآن ج2 ص483 والمنخول للغزالي ص557 وأسد الغابة ج2 ص222 والإصابة ج1 ص55 وج2 ص492 وإسعاف المبطأ برجال الموطأ ص35 والعثمانية للجاحظ ص94 ووفيات الأعيان لابن خلكان ج2 ص223 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص383 وتحفة الأحوذي ج10 ص155 ومغني المحتاج ج3 ص3 والمبسوط للسرخسي ج29 ص136 والمغني لابن قدامة ج2 ص18.

([22]) الكافي ج7 ص407 وتهذيب الأحكام ج6 ص218 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة = = آل البيت) ج27 ص23 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص11 وفقه القرآن للراوندي ج2 ص7 وجامع أحاديث الشيعة ج25 ص24 وقاموس الرجال (الطبعة الأولى) ج4 ص239 والكافي للحلبي ص425 و 426 وجواهر الكلام ج40 ص16 والصافي ج2 ص41 والفوائد المدنية والشواهد المكية ص203 وجامع الرواة للأردبيلي ج1 ص341 وطرائف المقال للبروجردي ج2 ص137.

([23]) راجع: الكافي ج7 ص299 وتهذيب الأحكام ج10 ص184 ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص88 والمقنعة ص120 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج29 ص352 و 353 و (ط دار الإسلامية) ج19 ص268 و 269 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص380 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج9 ص241.

([24]) الآية 15 من سورة الأحقاف.

([25]) الآية 14 من سورة القمان.

([26]) نهج الحق (مطبوع مع دلائل الصدق) ج3 ق1 ص196 و (ط دار الهجرة ـ قم) ص303 عن مسلم، وإحقاق الحق (الأصل) ص258 وبحار الأنوار ج31 ص246 و 247 وفي هامشه عن المصادر التالية: الموطأ لمالك ج2 ص176 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص442 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص157 وتيسير الوصول ج2 ص9 وعمدة القاري ج9 ص642 والدر المنثور ج6 ص40 وكتاب العلم لابن عبد البر ص150.

([27]) إبطال الباطل (مطبوع مع دلائل الصدق) ج3 ق 1 ص196.

([28]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص371 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص192 عن كشاف الثعلبي، وكشاف الخطيب، وموطأ مالك، وبحار الأنوار ج40 ص236.

([29]) راجع: الموطأ لمالك ج2 ص825 حديث 11 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص442 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص158 وتيسير الوصول ج2 ص11 وعمدة القاري ج21 ص18 والدر المنثور ج6 ص40 وعن جامع بيان العلم ص150 وعن ابن المنذر، وابن أبي حاتم. وراجع: الغدير ج6 ص94 وج8 ص97 والميزان ج18 ص207 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص289 وتأويل مختلف الحديث ص107.

([30]) راجع: الغدير ج6 ص94 و 97 والميزان ج18 ص207 وتفسير ابن أبي حاتم ج10 ص3293 والدر المنثور ج6 ص40 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص289.

([31]) مناقـب آل أبي طالـب ج2 ص317 و (ط المكتبـة الحيـدريـة) ج2 ص192  = = والإرشاد ج1 ص211 وبحار الأنوار ج40 ص257 والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص119 وجامع أحاديث الشيعة ج21 ص145 والدر النظيم ص392 وعجائب أحكام أمير المؤمنين ص89.

([32]) مسند أحمد ج1 ص104 وكنز العمال ج6 ص198 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص478 و (ط دار المعرفة) ج1 ص489 والغدير ج8 ص195 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص135 ومجمع الزوائد ج5 ص13.

([33]) الآية 25 من سورة النساء.

([34]) زين الفتى ج1 ص318.

([35]) الكـافي ج7 ص319 وتهذيـب الأحكـام ج10 ص276 ووسائـل الشيعة (ط = = مؤسسة آل البيت) ج29 ص173 و (ط دار الإسلامية) ج19 ص130 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص290.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان