صفحة : 75-126   

الفصل الثالث: مطامع طلحة والزبير..

ونحن نذكر هنا ما ذكره الشيخ الطوسي، وما ذكره المعتزلي وغيرهم، فنقول:

بداية توضيحية:

قال الشيخ الطوسي:

وكان عثمان قد عود قريشاً والصحابة كلهم، وصبت عليهم الدنيا صباً، وآثر بعضهم على بعض، وخص أهل بيته من بني أمية، وجعل لهم البلاد، وخولهم العباد، فأظهروا في الأرض الفساد، وحمل أهل الجاهلية والمؤلفة قلوبهم على رقاب الناس حتى غلبوه على أمره.

فأنكر الناس ما رأوا من ذلك، فعاتبوه فلم يعتبهم، وراجعوه فلم يسمع منهم، وحملهم على رقاب الناس حتى انتهى إلى أن ضرب بعضاً.

ونفى بعضاً، وحرم بعضاً، فرأى أصحاب رسول الله أن يدفعوه بالبيعة، وما عقدوا له في رقابهم، فقالوا: إنما بايعناه على كتاب الله وسنة نبيه والعمل بهما، فحيث لم يفعل ذلك لم تكن له علينا طاعة.

فافترق الناس في أمره على خاذل وقاتل، فأما من قاتل فرأى أنه حيث خالف الكتاب والسنة، واستأثر بالفيء، واستعمل من لا يستأهل، رأوا أن جهاده جهاد.

وأما من خذله، فإنه رأى أنه يستحق الخذلان، ولم يستوجب النصرة بترك أمر الله حتى قتل([1]).

فلما قتل عثمان بايع الناس علياً «عليه السلام» بعد إصرار منهم، وأخذ ورد، فخطبهم «عليه السلام» بعد البيعة. وقد ذكرنا النصوص المختلفة لخطبته هذه في موضع آخر.

يريدان البصرة والكوفة:

وروى البلاذري: أنه لما بلغ علياً قول طلحة والزبير: ما بايعناه إلا مكرهين تحت السيف؛ قال:

أبعدهما الله أقصى دار، وأحر نار([2]).

وروى الجاحظ: أن طلحة والزبير اعترفا لعلي بخلاف قولهما هذا، فقد أرسلا إليه قبل خروجهما إلى مكة محمد بن طلحة، وقالا له: لا تقل: يا أمير المؤمنين، وقل له: يا أبا الحسن، ليقول له:

لقد فال فيك رأينا، وخاب ظننا: أصلحنا لك الأمر، ووطدنا لك الإمرة، وأجلبنا على عثمان حتى قتل، فلما طلبك الناس لأمرهم جئناك، وأسرعنا إليك، وبايعناك، وقدنا إليك أعناق العرب، ووطأ المهاجرون والأنصار أعقابنا في بيعتك، حتى إذا ملكت عنانك استبددت برأيك عنا، ورفضتنا رفض التريكة، وملكت أمرك الأشتر، وحكيم بن جبلة، وغيره من الأعراب، ونزاع الأمصار، فكنا فيما رجونا منك كما قال الأول:

فـكـنـت كمهـريـق الذي في سقائه                        لـرقـراق آل فـوق رابيـة صـلـد».

فلما جاء محمد بن طلحة، وأبلغه ذلك قال «عليه السلام»: إذهب إليهما فقل لهما: فما الذي يرضيكما؟!

فذهب، وجاء وقال: إنهما قالا: ولِّ أحدنا البصرة، والآخر الكوفة.

فقال: والله، لا آمنهما وهما عندي بالمدينة، فكيف آمنهما وقد وليتهما العراقين؟!

اذهب إليهما فقل لهما: أيها الشيخان، احذرا من الله ونبيه وأمته، ولا تبغيا المسلمين غائلة وكيداً، وقد سمعتما قول الله: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ([3]).

فقام محمد بن طلحة فأتاهما، ولم يعد إليه.

وتأخرا عنه أياماً، ثم جاءاه فاستأذناه في الخروج إلى مكة للعمرة، فأذن لهما بعد أن أحلفهما أن لا ينقضا بيعته، ولا يغدرا به، ولا يشقا عصا المسلمين، ولا يوقعا الفرقة بينهم، وأن يعودا بعد العمرة إلى بيوتهما بالمدينة.

فحلفا على ذلك كله، ثم خرجا، ففعلا ما فعلا.

قال: ولما خرجا قال علي «عليه السلام» لأصحابه: والله، ما يريدان العمرة، وإنما يريدان الغدرة. ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيماً([4])»([5]).

ونقول:

يستفاد من النص المتقدم أمور، نذكر منها ما يلي:

1 ـ إن ما ذكره طلحة عن إصلاحهما الأمور لعلي «عليه السلام» غير دقيق، ولا يعدو كونه مغالطات مفضوحة، بل هما قد أفسداها، إذ لو لم يقتل عثمان، ومات بصورة طبيعية لم يجدا ولم يجد معاوية ذريعة للتمرد عليه، ولم تثر الحروب الطاحنة في الجمل، وصفين والنهروان، ولم يجدوا سبيلاً إلى بث هذا القدر من الشبهات والأباطيل، التي موهوا بها على الناس، وأوقعوهم في المحذور العظيم بسببها

2 ـ إنهما يعترفان بأنهما قد أجلبا على عثمان حتى قتل، فما معنى اتهامهما علياً «عليه السلام» بقتل عثمان، ولماذا لا يسلمان أنفسهما للقضاء في هذه القضية؟!

3 ـ إنهما يعترفان بأن الناس هم الذين طلبوا علياً لأمر الخلافة، ثم يزعمان: أنهما هما اللذان قادا إليه أعناق العرب.

ولو أجيب عن هذا بأن مجيء الناس إليه، إنما هو بسبب الجهد الذي بذلاه في هذا السبيل.. لرددنا ذلك بأن بيعتهما لعلي «عليه السلام»، وانحيازهما إليه إنما كان لأنهما لم يجدا مناصاً من ذلك، إذ لا أحد يرضى بهما مع وجود علي «عليه السلام».

4 ـ لاحظنا: أن علياً «عليه السلام» لم يَعِد محمد بن طلحة بشيء، بل أرسل معه إليهما يطرح عليهما سؤالاً واحداً، يثير لديهما شهية الإجابة، وهو: ما الذي يرضيكما؟!

وكأنهما شعرا بأن ما يتمنيانه يكاد يقع في أيديهما، فكشفا عن مطامعهما، وأنهما يريدان البصرة لأحدهما، والكوفة للآخر..

5 ـ يلاحظ: أنهما لم يطلبا أن يكونا عوناً له على إقامة الدين، وإشاعة الأمن، وإنصاف المظلومين.. بل طلبا أمراً دنوياً ونفعاً شخصياً، لا يمت لمصلحة الأمة بصلة، إذ ليس في إدارته «عليه السلام» للأمور أي قصور أو تقصير، ليصح القول بأنهما أرادا بطلبهما هذا أن يرفعا الحيف عن الناس، ونحو ذلك.

فكان هذا السؤال الاستدراجي كافياً لفضح نواياهما، والتعريف بسوء سريرتهما.

6 ـ وقد جاءت إجابة أمير المؤمنين لهما، وفضح أمرهما، وإعلان أنهما لا يؤتمنان على شيء، من قبيل القضايا التي قياساتها معها..

أو فقل: إنه «عليه السلام» قد ساق الدعوى مع دليلها، حيث إن من يفكر بهذه الطريقة لا يمكن أن يؤتمن على مصير العباد، ولا يصح تسليطه على الناس، وعلى دمائهم، وأموالهم وأعراضهم، وكراماتهم، ودينهم، لأنه من يريد ذلك إنما يريده ذريعة لنيل مآربه، والوصول إلى منافعه، وأهوائه ولو بقيمة سفك الدماء، والعدوان على الأموال، والعبث بالكرامات.

مطالب طلحة والزبير:

وقد روى السري، عن شعيب، عن سيف: أنه بعد أن مضت ثلاثة أيام من خلافة علي «عليه السلام»، (وربما أكثر من ذلك)، قال طلحة: دعني فلآت البصرة، فلا يفجؤك إلا وأنا في خيل.

فقال: حتى أنظر في ذلك.

وقال الزبير: دعني آت الكوفة، فلا يفجؤك إلا وأنا في خيل.

فقال: حتى أنظر في ذلك([6]).

ويلاحظ هنا:

1 ـ إذا كان طلحة والزبير قد عرضا هذا على أمير المؤمنين «عليه السلام» في أوائل أيام توليه الخلافة.. فإن هذا العرض يحمل معه موجبات الريب في نوايا هذين الرجلين، إذ إن الأمور لم يتضح مسارها بعد، ولم تتبلور المواقف.. ولم يظهر أنه «عليه السلام» بحاجة إلى خيل من الكوفة، أو من البصرة، وليس ثمة من يمكن اعتباره عدواً يحتاج إلى جمع الرجال لحربه.

2 ـ من الذي قال: إن علياً «عليه السلام» يريد للحرب أن تجري في المدينة لو كان هناك حرب؟!

ومن قال: إن المدينة تصلح لهذا الأمر؟! ومن هو العدو الذي سيحاربه في المدينة؟! ولماذا؟!

وهل ظهر لهم: أن ثمة خطراً يتهدد خلافته من الداخل؟! وكيف ظهر لهم ذلك، وقد بايعه الناس كلهم طوعاً واختياراً، وبإصرار منهم؟!

3 ـ كيف يتوقع طلحة والزبير أن يرضى منهما بإتيان البصرة والكوفة، ليأتيا إليه بالخيل، بعد أن بايعاه، ثم سخطا مساواته بين الناس بالعطاء.. كما أن طلحة لم يرض بتسليمه مفاتيح بيت المال إليه حتى أمر «عليه السلام» بكسره لتفريق ما فيه عليهم وعلى سائر المسلمين؟!

ألا يشير هذا العرض منهما إلى أنهما أرادا خديعة علي «عليه السلام»؟!

4 ـ واللافت هنا: أنه «عليه السلام» لم يرفض عرضهما بصورة قاطعة، بل أبقاهما بين اليأس والرجاء، حيث قال لهما: حتى أنظر في ذلك.. فأبقى القرار بيده، وبقيا هما في حيرتهما، حيث لم تتضح لهما نواياه.

هكذا أظهروا عداوتهم له!!:

وحين خطبهم «عليه السلام» بعد البيعة، وذكر العديد من الأمور، التفت يميناً وشمالاً، فقال:

«ألا لا يقولن رجال منكم غداً قد غمرتهم الدنيا، فاتخذوا العقار، وفجروا الأنهار، وركبوا الخيول الفارهة، واتخذوا الوصائف الروقة([7])، فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون، فينقمون ذلك، ويستنكرون، ويقولون: حرمنا ابن أبي طالب حقنا.

ألا وأيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» يرى أن الفضل له على من سواه لصحبته، فإن الفضل النير غداً عند الله، وثوابه وأجره على الله.

وأيما رجل استجاب لله وللرسول، فصدق ملتنا، ودخل في ديننا، واستقبل قبلتنا، فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده، فأنتم عباد الله، والمال مال الله يقسم بينكم بالسوية، لا فضل فيه لأحد على أحد، وللمتقين عند الله غداً أحسن الجزاء، وأفضل الثواب، لم يجعل الله الدنيا للمتقين أجراً ولا ثواباً، وما عند الله خير للأبرار.

وإذا كان غداً إن شاء الله، فاغدوا علينا، فإن عندنا مالاً نقسمه فيكم، ولا يتخلفن أحد منكم عربي ولا أعجمي، كان من أهل العطاء أو لم يكن إلا حضر، إذا كان مسلماً حراً.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم». ثم نزل.

قال شيخنا أبو جعفر: وكان هذا أول ما أنكروه من كلامه «عليه السلام»، وأورثهم الضغن عليه، وكرهوا إعطاءه وقسمه بالسوية. فلما كان من الغد، غدا، وغدا الناس لقبض المال، فقال لعبيد الله بن أبي رافع كاتبه: إبدأ بالمهاجرين، فنادهم، وأعط كل رجل ممن حضر ثلاثة دنانير.

ثم ثن بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك، ومن يحضر الناس كلهم، الأحمر والأسود، فاصنع به مثل ذلك.

فقال سهل بن حنيف: يا أمير المؤمنين، هذا غلامي بالأمس وقد أعتقته اليوم.

فقال: نعطيه كما نعطيك، فأعطى كل واحد منهما ثلاثة دنانير([8]).

ولم يفضل أحداً على أحد.

وتخلف عن هذا القسم يومئذٍ: طلحة، والزبير، وعبد الله بن عمر، وسعيد بن العاص، ومروان بن الحكم، ورجال من قريش وغيرها.

قال: وسمع عبيد الله بن أبي رافع ـ وهو كاتب علي «عليه السلام» ـ عبد الله بن الزبير يقول لأبيه، وطلحة، ومروان، وسعيد: ما خفي علينا أمس من كلام علي ما يريد.

فقال سعيد بن العاص، والتفت إلى زيد بن ثابت: إياك أعني واسمعي يا جارة.

فقال عبيد الله بن أبي رافع لسعيد وعبد الله بن الزبير: إن الله يقول في كتابه ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ([9]).

ثم إن عبيد الله بن أبي رافع أخبر علياً «عليه السلام» بذلك فقال: والله إن بقيت وسلمت لهم لأقيمنهم على المحجة البيضاء، والطريق الواضح. قاتل الله ابن العاص، لقد عرف من كلامي ونظري إليه أمس أني أريده وأصحابه ممن هلك فيمن هلك.

[قال مالك بن أوس: وكان علي بن أبي طالب «عليه السلام»، أكثر ما يسكن القناة].

قال: فبينا الناس في المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير وطلحة فجلسا ناحية عن علي «عليه السلام».

ثم طلع مروان، وسعيد، وعبد الله بن الزبير، [والمسور بن مخرمة]. فجلسوا إليهما.

ثم جاء قوم من قريش فانضمّوا إليهم، فتحدثوا نجياً ساعة.

ثم قام الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فجاء إلى علي «عليه السلام» فقال: يا أبا الحسن إنك قد وترتنا جميعاً.

أما أنا فقتلتَ أبي يوم بدر صبراً، وخذلت أخي يوم الدار بالأمس.

وأما سعيد فقتلت أباه يوم بدر في الحرب، وكان ثور قريش.

وأما مروان فسخّفت أباه عند عثمان إذ ضمه إليه.

ونحن إخوتك ونظراؤك من بني عبد مناف، ونحن نبايعك اليوم على أن تضع عنّا ما أصبناه من المال في أيام عثمان، وأن تقتل قتلته، وأنَّا إن خفناك تركناك فالتحقنا بالشام.

فقال: أما ما ذكرتم من وتري إياكم، فالحق وتركم.

وأما وضعي عنكم ما أصبتم، فليس لي أن أضع حق الله عنكم ولا عن غيركم.

وأما قتلي قتلة عثمان، فلو لزمني قتلهم اليوم لقتلتهم أمس، ولكن لكم علي إن خفتموني أن أؤمنكم، وإن خفتكم أن أسيِّركم([10]).

فقام الوليد إلى أصحابه فحدثهم، وافترقوا على إظهار العداوة، وإشاعة الخلاف.

فلما ظهر ذلك من أمرهم، [وكان علي «عليه السلام» جعل عمار بن ياسر على الخيل] قال عمار بن ياسر لأصحابه: [لأبي الهيثم بن التيهان، ولخالد بن زيد أبي أيوب، ولرفاعة بن رافع، في رجال من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»]: قوموا بنا إلى هؤلاء النفر من إخوانكم، فإنه قد بلغنا عنهم، ورأينا منهم ما نكره من الخلاف والطعن على إمامهم، وقد دخل أهل الجفاء بينهم وبين الزبير والأعسر العاق، يعني طلحة.

وفي رواية الشيخ الطوسي:

فقال: فقاموا وقمنا معهم حتى جلسوا إليهم، فتكلم أبو الهيثم بن التيهان، فقال: إن لكم لقدماً في الإسلام وسابقة وقرابة من أمير المؤمنين «عليه السلام»، وقد بلغنا عنكم طعن وسخط لأمير المؤمنين، فإن يكن أمر لكما خاصة فعاتبا ابن عمتكما وإمامكما، وإن كان نصيحة للمسلمين فلا تؤخراه عنه، ونحن عون لكما، فقد علمتما أن بني أمية لن تنصحكما أبداً وقد عرفتما - وقال أحمد: عرفتم - عدواتهم لكما، وقد شركتما في دم عثمان ومالأتما.

فسكت الزبير وتكلم طلحة، فقال: افرغوا جميعاً مما تقولون، فإني قد عرفت أن في كل واحد منكم خطبة.

فتكلم عمار بن ياسر «رحمه الله»، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي «صلى الله عليه وآله» وقال: أنتما صاحبا رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وقد أعطيتما إمامكما الطاعة والمناصحة والعهد والميثاق على العمل بطاعة الله وطاعة رسوله، وأن يجعل كتاب الله - قال أحمد: وجعل كتاب الله ـ إماماً، ففيم السخط والغضب على علي بن أبي طالب «عليه السلام»؟! فغضب الرجال للحق، انصرا نصركما الله.

فتكلم عبد الله بن الزبير، فقال: لقد تهذرت يا أبا اليقظان.

فقال له عمار: ما لك تتعلق في مثل هذا يا أعبس.

ثم أمر به فأخرج.

فقام الزبير، فقال: عجلت يا أبا اليقظان على ابن أخيك رحمك الله.

فقال عمار: يا أبا عبد الله، أنشدك الله أن تسمع قول من رأيت، فإنكم معشر المهاجرين لم يهلك من هلك منكم حتى استدخل في أمره المؤلفة قلوبهم.

فقال الزبير: معاذ الله أن نسمع منهم.

فقال عمار: والله يا أبا عبد الله، لو لم يبق أحد إلا خالف علي بن أبي طالب «عليه السلام» لما خالفته، ولا زالت يدي مع يده، وذلك لأن علياً لم يزل مع الحق منذ بعث الله نبيه «صلى الله عليه وآله»، فإني أشهد أنه لا ينبغي لأحد أن يفضل عليه أحداً.

فاجتمع عمار بن ياسر، وأبو الهيثم، ورفاعة، وأبو أيوب، وسهل بن حنيف، فتشاوروا أن يركبوا إلى علي «عليه السلام» بالقناة فيخبروه بخبر القوم، فركبوا إليه فأخبروه باجتماع القوم وما هم فيه من إظهار الشكوى والتعظيم لقتل عثمان.

وقال له أبو الهيثم: يا أمير المؤمنين، انظر في هذا الأمر فركب بغلة رسول الله «صلى الله عليه وآله» ودخل المدينة وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه واجتمع أهل الخير والفضل من الصحابة والمهاجرين، فقالوا لعلي «عليه السلام»: إنهم قد كرهوا الأسوة وطلبوا الأثرة وسخطوا لذلك.

وفي نص آخر: فقام أبو الهيثم، وعمار، وأبو أيوب، وسهل بن حنيف، وجماعة منهم، فدخلو على علي «عليه السلام» فقالوا: يا أمير المؤمنين أنظر في أمرك، وعاتب قومك هذا الحي من قريش، فإنهم قد نقضوا عهدك، وأخلفوا وعدك، وقد دعونا في السر إلى رفضك، هداك الله لرشدك، وذاك لأنهم كرهوا الأسوة، وفقدوا الأثرة.

ولما آسيت بينهم وبين الأعاجم أنكروا، واستشاروا عدوك وعظموه، وأظهروا الطلب بدم عثمان فرقةً للجماعة، وتألفاً لأهل الضلالة، فرأيك!

فخرج علي «عليه السلام» فدخل المسجد، وصعد المنبر مرتدياً بطاقٍ، مؤتزراً ببرد قطري، متقلداً سيفاً، متوكئاً على قوس، فقال:

«أما بعد، فإنا نحمد الله ربنا وإلهنا وولينا، وولي النعم علينا، الذي أصبحت نعمه علينا ظاهرة وباطنة، امتنانا منه، بغير حول منا ولا قوة، ليبلونا أنشكر أم نكفر، فمن شكر زاده، ومن كفر عذبه.

فأفضل الناس عند الله منزلة، وأقربهم من الله وسيلة أطوعهم لأمره، وأعلمهم بطاعته، وأتبعهم لسنة رسوله، وأحياهم لكتابه.

ليس لأحد عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة الرسول.

هذا كتاب الله بين أظهرنا، وعهد رسول الله وسيرته فينا، لا يجهل ذلك إلا جاهل عاند عن الحق منكر، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ([11])».

ثم صاح بأعلى صوته: «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، فإن توليتم فإن الله لا يحب الكافرين».

ثم قال: «يا معشر المهاجرين والأنصار، أتمنون على الله ورسوله بإسلامكم، بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين».

ثم قال: «أنا أبو الحسن» ـ وكان يقولها إذا غضب ـ.

ثم قال: «إن هذه الدنيا التي أصبحتم تمنونها، وترغبون فيها، وأصبحت تغضبكم وترضيكم، ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له، فلا تغرنكم فقد حذرتكموها، واستتموا نعم الله عليكم بالصبر لأنفسكم على طاعة الله، والذل لحكمه جل ثناؤه.

فأما هذا الفيء فليس لأحد على أحد فيه أثرة. وقد فرغ الله من قسمته فهو مال الله، وانتم عباد الله المسلمون.

وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا، وعهد نبينا بين أظهرنا، فمن لم يرض به فليتول كيف شاء، فإن العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه».

ثم نزل عن المنبر فصلى ركعتين، ثم بعث بعمار بن ياسر، وعبد الرحمن بن حسل القرشي إلى طلحة والزبير، وهما في ناحية المسجد، فأتياهما فدعواهما فقاما حتى جلسا إليه «عليه السلام».

فقال لهما: نشدتكما الله، هل جئتماني طائعين للبيعة، ودعوتماني إليها وأنا كاره لها؟!

قالا: نعم.

فقال: غير مجبرين ولا مقسورين، فأسلمتما لي بيعتكما وأعطيتماني عهدكما؟!

قالا: نعم.

قال: فما دعاكما بعد إلى ما أرى؟!

قالا: أعطيناك بيعتنا على ألا تقضي الأمور ولا تقطعها دوننا، وأن تستشيرنا في كل أمر، ولا تستبد بذلك علينا، ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت، فأنت تقسم القسم وتقطع الأمر، وتمضي الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا.

فقال: لقد نقمتما يسيراً، وأرجأتما كثيراً، فاستغفرا الله يغفر لكما. ألا تخبرانني، أدفعتكما عن حق وجب لكما فظلمتكما إياه؟!

قالا: معاذ الله!

قال: فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشيء؟!

قالا: معاذ الله!

قال: أفوقع حكم أو حق لأحد من المسلمين فجهلته، أو ضعفت عنه؟!

قالا: معاذ الله!

قال: فما الذي كرهتما من أمري، حتى رأيتما خلافي؟!

قالا: خلافك عمر بن الخطاب في القسم، إنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا، وسويت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما أفاء الله تعالى علينا بأسيافنا ورماحنا، وأوجفنا عليه بخيلنا ورجلنا، وظهرت عليه دعوتنا، وأخذناه قسراً قهراً ممن لا يرى الإسلام إلا كرهاً.

فقال: [الله أكبر، اللهم إني أشهدك، وأشهد من حضر عليهما] فأما ما ذكرتماه من الاستشارة [الاستيثار، فوالله] بكما، فوالله ما كانت لي في الولاية رغبة، ولكنكم دعوتموني إليها، وجعلتموني عليها، فخفت أن أردكم فتختلف الأمة.

فلما أفضت إليَّ نظرت في كتاب الله وسنة رسوله فأمضيت ما دلاني عليه واتبعته، ولم أحتج إلى آرائكما فيه ولا رأي غيركما، [ولم يقع أمر جهلته، فأتقوى فيه برأيكما ومشورتكما، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما، ولا عن غيركما، إذا لم يكن في كتاب الله ولا في سنة نبينا «صلى الله عليه وآله»، فأما ما كان فلا يحتاج فيه إلى أحد] ولو وقع حكم ليس في كتاب الله بيانه، ولا في السنة برهانه، واحتيج إلى المشاورة فيه لشاورتكما فيه.

وأما القسم والأسوة، فإن ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء، قد وجدت أنا وأنتما رسول الله «صلى الله عليه وآله» يحكم بذلك، وكتاب الله ناطق به، وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

وأما قولكم: جعلت فيئنا وما أفاءته سيوفنا ورماحنا سواء بيننا وبين غيرنا، فقديماً سبق إلى الإسلام قوم ونصروه بسيوفهم ورماحهم، فلم يفضلهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» في القسم، ولا آثرهم بالسبق.

والله سبحانه موف السابق والمجاهد يوم القيامة أعمالهم، وليس لكما والله عندي ولا لغيركما إلا هذا. أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق، وألهمنا وإياكم الصبر.

ثم قال: رحم الله امرأً رأى حقاً فأعان عليه، ورأى جوراً فرده، وكان عوناً للحق على من خالفه.

[فذهب عبد الله بن الزبير يتكلم، فأمر به فوجئت عنقه وأخرج من المسجد، فخرج وهو يصيح ويقول: أردد إليه بيعته.

فقال علي «عليه السلام»: لست مخرجكما من أمر دخلتما فيه، ولا مدخلكما في أمر خرجتما منه.

فقاما عنه فقالا: أما إنه ليس عندنا أمر إلا الوفاء.

قال: فقال علي «عليه السلام»: رحم الله عبداً رأى حقاً فأعان عليه، أو رأى جوراً فرده، وكان عوناً للحق على من خالفه].

إلى أن قال المعتزلي: إن الإسكافي قال:

وقد روي أيضاً: أن الزبير قال في ملأ من الناس: هذا جزاؤنا من علي! قمنا له في أمر عثمان حتى قتل، فلما بلغ بنا ما أراد جعل فوقنا من كنا فوقه.

وقال طلحة: ما اللوم إلا علينا، كنا معه أهل الشورى ثلاثة، فكرهه أحدنا ـ يعني سعداً ـ وبايعناه، فأعطيناه ما في أيدينا، ومنعنا ما في يده.

فأصبحنا قد أخطأنا اليوم ما رجوناه امس، ولا نرجوا غداً ما أخطأنا اليوم([12]).

ونقول:

إن هذا النص قد أوجز لنا حقيقة ما جرى في اليوم الأول والثاني مما يرتبط بقسم ما في بيت المال..

وقد كانت هذه هي نقطة انطلاق الطامعين والطامحين لمال حرمه الله لإعلان عداواتهم لعلي «عليه السلام»..

ونحن، وإن كنا قد تكلمنا عن أكثر النقاط التي وردت في هذه النصوص في مواضع مختلفة، غير أن نقاطاً أخرى نرى من المستحسن الإلماح إليها، ولو على نحو الإيجاز، وفق ما يتيسر لنا، فنقول:

أرجأتما كثيراً:

اختلف شُراح كلام علي «عليه السلام» فيما قصد «عليه السلام» بقوله: «نقمتما يسيراً، وأرجأتما كثيراً».

فقال ابن أبي الحديد: أي نقمتما من أحوالي اليسير وتركتما الكثير الذي ليس لكما ولا لغيركما فيه مطعن، فلم تذكراه، فهلا اغتفرتما اليسير للكثير؟! وليس هذا اعترافاً بأن ما نقماه موضع الطعن والعيب، ولكنه على جهة الجدل والإحتجاج([13]).

وقال ابن ميثم: أشار باليسير الذي نقماه إلى ترك مشورتهما وتسويتهما لغيرهما في العطاء، فإنه وإن كان عندهما صعباً فهو لكونه غير حق في غاية السهولة، والكثير الذي أرجأه ما أخَّراه من حقه ولم يؤتياه إياه.

وقيل: يحتمل أنه يريد أن الذي أبدياه ونقماه بعض ما في أنفسهما، وقد دل ذلك على أن في أنفسهما أشياء كثيرة لم يظهراها([14]).

تمحلات المعتزلي:

قال المعتزلي:

فإن قلت: فإن أبا بكر قسم بالسواء كما قسمه أمير المؤمنين «عليه السلام»، ولم ينكروا ذلك كما أنكروه أيام أمير المؤمنين «عليه السلام»، فما الفرق بين الحالتين؟!

قلت: إن أبا بكر قسم محتذياً لقسم رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلما ولي عمر الخلافة وفضل قوماً على قوم ألفوا ذلك، ونسوا تلك القسمة الأولى، وطالت أيام عمر، وأشربت قلوبهم حب المال، وكثرة العطاء.

وأما الذين اهتضموا فقنعوا ومرنوا على القناعة، ولم يخطر لأحد من الفريقين له أن هذه الحالة تنتقض أو تتغير بوجه ما.

فلما ولي عثمان أجرى الأمر على ما كان عمر يجريه، فازداد وثوق القوم بذلك، ومن ألف أمراً شق عليه فراقه، وتغيير العادة فيه.

فلما ولي أمير المؤمنين «عليه السلام» أراد أن يرد الأمر إلى ما كان في أيام رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأبي بكر، وقد نُسي ذلك، ورُفض، وتخلل بين الزمانين اثنتان وعشرون سنة، فشق ذلك عليهم، وأنكروه وأكبروه، حتى حدث ما حدث من نقض البيعة، ومفارقة الطاعة، ولله أمر هو بالغه([15]).

ونقول:

لقد حاول المعتزلي تبسيط الأمر، والتخفيف من دلالته وإيحاءاته، رفقاً منه بطلحة والزبير وغيرهما، ممن تابعهم في مواقفهم، وشاركهم في الجرائم التي ارتكبوها، والحرمات التي انتهكوها..

غير أن القليل من التأمل والتدبر لا يبقي مجالاً للشك في وهن وسقوط تمحلاته، وتوجيهاته.

فأولاً: إن دعوى نسيان الناس القسمة الأولى التي كانت على عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» لو صحت فهي لا تجدي نفعاً مع هذا التذكير المتواصل، والاحتجاج المستمر من قبل علي «عليه السلام» بفعل رسول الله «صلى الله عليه وآله».. فإن الناس لا بد أن يتذكروا، والغافل منهم لا بد أن يلتفت.

ثانياً: قد عاش الناس في الجاهلية معظم حياتهم، وحين جاء الإسلام لم يسمح لهم بالعودة إلى مناخاتها، ولا بالتصرف وفق ما اعتادوه فيها. بل فرض عليهم حكم الله والرسول.. فما بالك بمن رضي بالإسلام ديناً وبمحمد نبياً، وعاش في كنف الإسلام عشرات السنين، ومارس شعائره وأحكامه!! فهل يعذر بتمرده عليها انسياقاً مع أهوائه، ومع حبه للدنيا.. مع كل هذا التذكير والإحتجاج؟!

ثالثاً: إن المدة التي ذكرها لإجراء السنة العمرية مبالغ فيها، فإن تدوين الدواوين قد كان في سنة عشرين([16]).

وذلك معناه: أن عمر قد جرى في العطاء على ما كان عليه في زمن رسول الله «صلى الله عليه وآله» وخلافة أبي بكر برهة من خلافته أيضاً، فلماذا يريد ابن أبي الحديد أن يسقطها؟!

رابعاً: وكيف يمكن لابن أبي الحديد أن يخفف من بشاعة قتل الألوف من المسلمين لمجرد الطمع بالمال، والحب للدنيا.. وهل يستحق من يفعل ذلك أن نبحث له عما يخفف جرمه؟!

وكيف إذا انضم إلى ذلك نكث البيعة، والبغي على الإمام، مع إخبار رسول الله «صلى الله عليه وآله» بأنهم سيفعلون ذلك وهم له ظالمون، ومع تذكير علي «عليه السلام» لهم به؟! ثم هم يصرون على ما يفعلون، ويرتكبون من الجرائم ما يرتكبون، بكل جرأة ووقاحة، واستهتار وإصرار.

إبدأ بالمهاجرين:

قد ذكر النص المتقدم: أنه «عليه السلام» قال لعبيد الله ابن أبي رافع: «ابدأ بالمهاجرين، فنادهم، وأعط كل رجل ممن حضر ثلاثة دنانير، ثم ثن بالأنصار إلخ..».

وبذلك يكون «عليه السلام» قد وضع المهاجرين في الموقع الحرج، فإن من المتوقع أن يأتي الاعتراض على القسم من المهاجرين بالدرجة الأولى، فإنهم هم الذين كانوا ينعمون بخيرات الدولة في عهد عمر وعثمان. وكانت الامتيازات لهم على كل من سواهم، وكانت لهم العطايا والإقطاعات، والولايات، والمناصب، والنفوذ، والسلطة والهيمنة..

فهذه التسوية في العطاء، وعدم التفضيل لعربي على غيره، والحرمان من العطايا والإقطاعات ينالهم هم دون كل أحد.

فإذا لم يعترض المهاجرون ـ وهذا هو حالهم ـ ثم لم يعترض الأنصار، وهم المبجلون والممدوحون في القرآن الكريم، وعلى لسان نبيه العظيم، فإن أحداً سوف لا يعترض على شيء.

ولو اعترض أي كان من الناس، فإن اعتراضه هذا لن يكون له ذلك التأثير الكبير ولا الخطير..

ومن جهة أخرى، فإن ثمة كوابح كثيرة تمنع من الاعتراض، أو من التمادي به:

منها: أن المواجهة إنما هي مع علي «عليه السلام». وموقع علي «عليه السلام» في الإسلام، وعلمه، وصلابته في دين الله تدعو إلى إعادة النظر مرات ومرات في أية خطوة مثيرة، تتناقض مع قناعاته الدينية «صلوات الله وسلامه عليه»..

ومنها: أنه «عليه السلام» إنما يعيدهم إلى ما عرفوه في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» وعهد أبي بكر، وشطر من خلافة عمر.. ولا يجوز، ولا يمكن لأحد أن يساوي بين سياسة عمر وبين ما سنه وقرره الرسول «صلى الله عليه وآله».. فضلاً على أن يرجح ما فعله عمر برأيه على ما جاء به الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله»، وهو الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.

ومنها: أن الأنصار حتى لو طمح بعضهم إلى شيء من المال، فإن مقامهم واحترامهم، لا يسمح لهم بالتخلي عن موقعهم هذا، والظهور بمظهر من لا يبالي بما سنه الرسول طلباً للدنيا، وحباً بحفنة من المال، فكيف إذا كان ذلك في مقابل أمير المؤمنين «عليه السلام»..

ثلاثة دنانير! لماذا؟!:

وقد جاء القرار الآخر ليقول: إن علىاً «عليه السلام» أمر عبيد الله بن أبي رافع، وأبا الهيثم بن التيهان، وعمار بن ياسر([17])، أن يعطوا كل رجل ثلاثة دنانير فقط، لا تزيد ولا تنقص، فمضوا مع جماعة من المسلمين.

وتأتي المفاجأة للناس كلهم حين ظهر أن ما في بيت المال قد جاء متطابقاً مع عدد من يقسم بيت المال بينهم فلم يزد درهم ولا دينار عن هذا المقدار ولم ينقص.

فقد ذكرت النصوص:

1 ـ أن علياً «عليه السلام» خطب، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

أيها الناس، إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة. وإن الناس كلهم أحرار، ولكن الله خول بعضكم بعضاً.

فمن كان له بلاء فصبر في الخير فلا يمن به على الله جل وعز، ألا وقد حضر شيء ونحن مسوون فيه بين الأسود والأحمر.

فقال مروان لطلحة والزبير: ما أراد بهذا غيركما.

قال: فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير، وأعطى رجلاً من الأنصار ثلاثة دنانير وجاء بعد [ه] غلام أسود، فأعطاه ثلاثة دنانير، فقال الأنصاري: يا أمير المؤمنين، هذا غلام أعتقته بالأمس تجعلني وإياه سواءً؟!

فقال: إني نظرت في كتاب الله، فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلاً([18]).

2 ـ عن عمار وابن عباس: أنه لما صعد علي «عليه السلام» المنبر قال لنا: قوموا فتخللوا الصفوف ونادوا: هل من كاره؟!

فتصارخ الناس من كل جانب: اللهم قد رضينا وسلمنا وأطعنا رسولك وابن عمه.

فقال: يا عمار، قم إلى بيت المال فأعط الناس ثلاثة دنانير لكل إنسان، وارفع لي ثلاثة دنانير.

فمضى عمار وأبو الهيثم مع جماعة من المسلمين إلى بيت المال، ومضى أمير المؤمنين إلى مسجد قبا يصلى فيه، فوجدوا فيه ثلاث مائة ألف دينار، ووجدوا الناس مائة ألف.

فقال عمار: جاء والله الحق من ربكم، والله ما علم بالمال ولا بالناس، وإن هذه لآية وجبت عليكم بها طاعة هذا الرجل.

فأبى طلحة والزبير وعقيل أن يقبلوها.. القصة([19]).

3 ـ روي عن عيسى بن عبد الله الهاشمي، عن أبيه، عن جده، عن علي «عليه السلام» قال: «لما رجع الأمر إليه أمر أبا الهيثم بن التيهان، وعمار بن ياسر، وعبيد الله بن [أبي] رافع، فقال: اجمعوا الناس، ثم انظروا ما في بيت مالهم، واقسموا بينهم بالسوية. فوجدوا نصيب كل واحد منهم ثلاثة دنانير. فأمرهم يقعدون للناس ويعطونهم.

قال: وأخذ مكتله ومسحاته، ثم انطلق إلى بئر الملك، يعمل فيها.

فأخذ الناس ذلك القسم حتى بلغوا الزبير وطلحة وعبد الله بن عمر، أمسكوا بأيديهم وقالوا: هذا منكم أو من صاحبكم؟!

قالوا: بل هذا أمره لا نعمل إلا بأمره.

قالوا: فاستأذنوا لنا عليه.

قالوا: ما عليه إذن، هو ذا ببئر الملك يعمل. فركبوا دوابهم حتى جاؤوا إليه، فوجدوه في الشمس ومعه أجير له يعينه، فقالوا له: إن الشمس حارة فارتفع معنا إلى الظل، [فارتفع] معهم إليه.

فقالوا له: لنا قرابة من نبي الله وسابقة وجهاد، إنك أعطيتنا بالسوية ولم يكن عمر ولا عثمان يعطوننا بالسوية، كانوا يفضلوننا على غيرنا.

فقال علي: أيهما عندكم أفضل: عمر أو أبو بكر؟!

قالوا: أبو بكر.

قال: فهذا قسم أبي بكر، وإلا فدعوا أبا بكر وغيره. وهذا كتاب الله فانظروا ما لكم من حق فخذوه.

قالا: فسابقتنا؟!

قال: أنتما أسبق مني بسابقتي؟!

قالوا: لا.

قالا: قرابتنا بالنبي «صلى الله عليه وآله».

قال: [أهي] أقرب من قرابتي؟!

قالوا: لا.

قالوا: فجهادنا.

قال: أعظم من جهادي؟!

قالوا: لا.

قال: فوالله ما أنا في هذا المال وأجيري هذا إلا بمنزلة سواء.

قالا: أفتأذن لنا في العمرة؟!

قال: ما العمرة تريدان، وإني لأعلم أمركم وشأنكم، فاذهبا حيث شئتما. فلما وليا قال: ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ([20])»([21]).

ونقول:

بالنسبة لتطابق عدد أهل العطاء مع قسمة بيت المال على أساس حصة ثلاثة دنانير، نلاحظ:

أنه لا بد للناس أن يذهلهم ذلك، ويثير لديهم أكثر من سؤال عن هذا العلم، الذي حبا الله تعالى به علياً «عليه السلام»..

وإن كان ثمة من غفل عن هذا الأمر، فإن عماراً قد صرح به حين قال: جاء ـ والله ـ بالحق من ربكم، والله ما علم بالمال، ولا بالناس. وإن هذه الآية وجبت عليكم بها طاعة هذا الرجل..

نعم، إن ذلك لا بد أن يعرفهم أن علياً «عليه السلام» نموذج فريد، وجديد، وهو نسخة طبق الأصل عن النموذج النبوي الإلهي الذي لا يزال كثير من الناس يتذكرونه، ويفخرون بذكرياتهم هذه، ويتباهون بها..

وهذا ـ ولا شك ـ سوف يدعو أهل العقل والحجا، وأهل الدين أن يحسبوا ألف حساب في أية خطوة يريدون الإقدام عليها تجاه علي «عليه السلام»، وكل ما يصدر منه وعنه..

ويلاحظ: أن هذا النوع من الإخبارات العلوية كان من الكثرة بحيث لا يبقي عذراً لمعتذر.

وقد أشرنا إلى ذلك في بعض الموارد في هذا الكتاب.

 آدم لم يلد إلا حراً:

وقوله «عليه السلام»: «إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة»، يشير إلى أصالة الحرية في البشر، ولكنهم هم الذين يعرضون أنفسهم للاستعباد بسوء اختيارهم، وهذا ما أشار إليه «عليه السلام» في قول آخر: «ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً»([22]).

وقد عمل الإسلام على تخليص البشرية من هذه الظاهرة، فجعل أسباباً للعتق من شأنها ليس فقط أن لا تتسبب بالإخلال بالواقع الذي يعيشه الناس، وإنما هي تجعل من هذا التحرير، وسيلة إصلاح، وسبيل رقي، وكمال للنفس والروح، ومن أسباب السمو بروحية وعلاقات المجتمع إلى مستويات رضية ومرضية لله تبارك وتعالى. ولهذا البحث مجال آخر([23]).

 ما أراد بهذا غيركما:

وقول مروان لطلحة والزبير: «ما أراد بهذا غيركما»، يريد به أنه «عليه السلام» حين ذكر أنه من كان له بلاء، أي كانت له مواقف وتضحيات في مقامات الخير، فليس له أن يجعل ذلك ذريعة للحصول على المنافع واكتساب المال، والحصول على المناصب مقابل ذلك.

فإن كانت نيته خالصة لله، فالله تعالى هو الذي يكافئه في الآخرة، وإن لم تكن خالصة له، فليطلب أجره من الجهة التي كان يعمل لها.

فإن كان يعمل في سبيل الشيطان، فليطلب أجره منه، وإن كان يعمل من أجل نفسه، أو شهوته وأهوائه، فلا معنى لأن يعطيه المسلمون أموالهم، وهو لم يعمل لهم، بل عمل لنفسه.

وإنما قال مروان ذلك لطلحة والزبير، لأنه يعلم ما يفكران به، وربما علم ذلك منهما مباشرة.

 بل هذا أمره:

ثم إن الذين قسموا بيت المال على الناس قالوا لطلحة والزبير:

«بل هذا أمره، لا نعمل إلا بأمره» يدل على مدى الانضباط الذي فرضه علي «عليه السلام» على من يتولون الأعمال له، فهم لا يعملون إلابأمره.

كما أن هذه الكلمة، وسؤال طلحة والزبير عن هذا الأمر ربما يشير إلى أن السابقين على أمير المؤمنين «عليه السلام» كانوا يتصرفون ـ ولو أحياناً ـ من دون أمر خليفتهم. ويقوى الظن في أن يكون ذلك من سمات العاملين لدى عثمان، أمثال: مروان، والوليد بن عقبة..

وقد عرفنا: أن مروان بن الحكم قد اتهم بكتابة الكتاب إلى والي مصر يأمره بقتل عدد من وفد المصريين، بدون علم عثمان، كما ادعاه عثمان نفسه.

ما عليه إذن:

ومن الواضح: أن علياً «عليه السلام» كان يأمر عامِلَه بأن يلين حجابه، ويقول أو يكتب له: «فألن حجابك»([24]). أما علي نفسه فلم يكن يَحتاج في الدخول عليه إلى استئذان.

وهذا درس عملي لكل حاكم يريد أن يعمل وفق الأطروحة الإلهية، فإنه إذا استن بسنة علي «عليه السلام» يكون قد بلغ مناه.

ولسنا بحاجة هنا إلى التذكير بأن علياً «عليه السلام» لم يكن في أمان أكثر من غيره، فإن مراجل الحقد عليه كانت تغلي في صدور من قتل أسلافهم في بدر وأحد، وسواها. كما أن بني أمية كانوا يجاهرون بحقدهم عليه، ونفورهم منه.

مكتل علي ومسحاته:

وعلي «عليه السلام» الذي أصبح خليفة للأمة الإسلامية لم يتأثر بأبهة الحكم، ولم يسع، بل لم يرض بأن يستفيد من بيت مال المسلمين ما يغنيه عن الكد والجد والعمل المضني، وتحت حرارة الشمس، ولم يطلب أن يخصص له عطاء يغنيه عن هذا العمل، لا في أوائل خلافته ولا في أواخرها، ولا في أي وقت منها.

مع أن الذين حكموا الناس بعد وفاة الرسول «صلى الله عليه وآله» قد فعلوا ذلك، بل طلبوا منه هو أن يعطي رأيه في مقدار ما يخصصونه لأنفسهم.. رغم أنهم كانوا يملكون ثروات غير عادية.

أما في زمن عثمان، فقد أصبح بيت المال كله في خدمة الخليفة، يخص أقاربه بمئات الألوف منه.

والمخجل المعيب: أن ترى طلحة والزبير يأتيانه، وهو يعمل في حقله تحت حرارة الشمس، فلا يتحملان حرارتها، ويلجآن إلى الظل، ويطلبان منه الحضور ليقنعاه بأن يعطيهما المزيد من المال من بيت مال المسلمين.


 

قسم الأموال: شمول، ومساواة:

وقد اتسم قرار قسم الأموال بسمات:

إحداها: أنه ساوى بين الناس، فلم يفضل أحداً على أحد لا المهاجري، ولا العربي، ولا ذا السابقة، ولا البدري، ولا الرئيس، ولا، ولا..

الثانية: أنه أعطى الجميع نفس المقدار، فلم يزد لأحد ولم ينقص شيئاً..

الثالثة: أنه أعطى من كان من أهل العطاء، وغيرهم، ولم يقتصر على خصوص الجند.. أو على خصوص من كان من أهل المدينة، أو نحو ذلك من عناوين.

 هل اعترض سهل بن حنيف؟!:

وقد يتوهم البعض: أن سهل بن حنيف قد اعترض على علي «عليه السلام» في قراره المساواة بين المولى المعتِق، وبين العبد الذي أُعتق..

ولكن التأمل والتدبر في النص الوارد يعطي: أن سهل بن حنيف قد استفهم من علي «عليه السلام» عن حكم عبد أعتق للتو، هل يأخذ من هذا القسم أم لا؟!

ولعله «رحمه الله» أراد أن يعرِّف غيره بهذا الحكم! ولعله لم يعترض على قرار علي «عليه السلام» بكلمة واحدة..

أو لعله أراد بسؤاله هذا أن يري الناس أن علياً «عليه السلام» لا يحابي أحب الناس إليه، حتى لو كان مثل سهل بن حنيف، الذي كان من أقرب الناس إلى علي «عليه السلام»، ومن ثقاته، ومعتمديه..

 المتخلفون عن القسم:

وملاحظة أسماء من تخلف عن ذلك القسم تبيِّن: أنهم كلهم كانوا في العهد السابق من أعظم المنتفعين بأموال بيت المال، ومن الممسكين بأزمة السلطان. وكانت الدنيا كلها في أيديهم، وقد خلفوا من الأموال ما يعد بمئات الألوف والملايين، فضلاً عن الضياع والبقاع وغيرها..

استدرجهم فكشفوا أنفسهم:

وعن قول علي «عليه السلام»: «قاتل الله ابن العاص، لقد عرف من كلامي ونظري إليه أمس أني أريده وأصحابه ممن هلك في من هلك»، نقول:

إنه يشير إلى أنه «عليه السلام» كان بصدد إرسال رسائل معينة إلى أناس كان يريد أن يعرِّفهم بأنه واقف على نواياهم، وكان منهم سعيد بن العاص.

وربما يكون الهدف من ذلك: التحذير، وتثبيط العزيمة، وزعزعة ثقتهم بما يدبرونه في الخفاء، ويتظاهرون بخلافه أمامه وأمام الناس، من حيث إن معرفة علي «عليه السلام» بتدبيرهم تجعله قادراً على تهيئة سبل إفشاله، وبوار جهدهم فيه..

ولعل هذا هو الذي دعاهم لإعلان موقفهم منه «عليه السلام»، حين اجتمعوا بعد ذلك في المسجد بعد الصبح، وجاءه الوليد بن عقبة، وقال له: إنك قد وترتنا جميعاً، أما أنا فقتلت أبي يوم بدر الخ..

فيكون «عليه السلام» قد استدرجهم إلى إعلان مواقفهم، لكي لا يخدعوا الناس بتظاهرهم بغير ما هم عليه، وليعرف الناس حقيقتهم، كي تضعف قدرتهم على إفسادهم بإعلامهم المسموم، فإنهم إذا كلموهم بعد هذا البيان سيعرفون ما يرمون إليه.

نحن إخوتك ونظراؤك:

وما أشد دهشتنا حين نرى الوليد بن عقبة يقول لعلي «عليه السلام» عن نفسه، وعن مروان وسعيد: «ونحن إخوتك ونظراؤك»([25])، مع معرفته بأن الله تعالى سماه فاسقاً، وسمى علياً «عليه السلام» مؤمناً ـ وقد ذكَّره الإمام الحسن «عليه السلام» بذلك في بعض مواقفه «عليه السلام»([26]) ـ ثم معرفته بأن علياً «عليه السلام» أخو النبي ووصيه وخليفته، وخير الأمة وأفضلها بعده «صلى الله عليه وآله».. ولا نريد أن نقول أكثر من ذلك.

الخطبة الفاضحة:

وزاد في فضيحة هؤلاء الناس خطبة علي «عليه السلام» المتقدمة، التي أتت على البقية الباقية من محاولاتهم ادعاء المظلومية في أمر القسم.. حيث بيَّن «عليه السلام»: أنه يعمل فيه بكتاب الله وسنة رسوله، ثم يأبون ذلك، حباً بالدنيا، وإيثاراً لزخرفها الذي لم يدم لغيرهم، فهل يدوم لهم؟!

ومضامين هذه الخطبة واضحة المأخذ، بينة المرامي، لا يخفى على أحد من الناس انسجامها مع سنن العدل، وموافقتها التامة للكتاب والسنة..

وجهاً لوجه:

وقد زاد «عليه السلام» في فضيحتهم في مناشداته لطلحة والزبير مباشرة، واسقاط حججهما الفعلية والمستقبلية، وقد ركَّز «عليه السلام» فيها على ما يلي:

إنه «عليه السلام» قد بدأ بتقريرهما في أمر البيعة، فأقرا:

أولاً: بأنهما بايعا طائعين.

ثانياً: أنهما هما اللذان دعواه إلى البيعة، وطلباها منه.. وكان هو الكاره لها. فأسقط بذلك دعواهما الآتية أنهما بايعا مكرهين..

2 ـ أنه «عليه السلام» أبطل دعواهما الاشتراط في البيعة والعهد بأن لا يقضي الأمور دونهما.. فعالج دعواهما هذه بطريقة أوضحت أنهما لم يشترطا ذلك صراحة.. وإنما يدَّعون أن ذلك كان من نيتهما..

ومن الواضح: أن هذا لو كان يقبل لأمكن لكل أحد أن يدعي لنفسه شرطاً نواه حين البيعة. والقبول بذلك يؤدي إلى اختلال الأمور وإلى التنازع، وسقوط كل حكومة.

3 ـ إن أمير المؤمنين «عليه السلام» لم يشر إلى النقطة المذكورة آنفاً بصراحة، لكي لا يثير معهما جدلاً قد يوقع بعض الناس البسطاء في الشبهة، فآثر أن يبين عدم معقولية شرط كهذا في نفسه، من خلال تقريرهما وإقرارهما أيضاً..

فقد اعترفا: بأن الأمور التي أمضاها لم تتضمن منعهما من حق وجب لهما، وما لا حق لهما فيه لا حاجة إلى إعلامهما به، ومشاورتهما فيه.. بل يكونان وغيرهما فيه على حد سواء..

كما أن ما أمضاه لم يكن فيه أي نفع شخصي له، لكي يحتاج إلى المشورة والإعلام لأي كان من الناس.. إذ ليس فيه عدوان على المال، الذي يجب حفظه لأهله، والمنع من التعدي عليه.

وبقي خيار ثالث يمكن أن يتوهم فيه الحاجة إلى المشورة أو المعونة، وهو أن يكون «عليه السلام» قد جهل بعض الأحكام، أو ضعف عن إجرائها. فيحتاج إلى المشورة، ليعرف ذلك الحكم، حتى لا تضيع حقوق الناس..

وقد أقرا بأنه «عليه السلام» لم يجهل حكماً، ولم يضعف عن حكم..

ثم إنه «عليه السلام» ضيق عليهما الخناق، وألجأهما إلى الإفصاح عن سبب اتخاذهما موقف العداء، وهو:

أولاً: مخالفته «عليه السلام» سياسة عمر بن الخطاب في العطاء، حيث ظنا أن هذا الاتهام سوف يوهن أمره، ويدعو الناس لمنابذته، فإن مخالفة عمر أمر عظيم عند الناس.

ولكن قد فاتهما: أن ذلك لا يرهب علياً، ولا يفت في عضده، لأن حجته هي قول الله، وفعل رسول الله صلى الله عليه وآله.. مع أن أبا بكر، وكذلك عمر ـ شطراً من خلافته ـ قد جريا على هذه السنة التي أغضبت طلحة والزبير، ومن هم على شاكلتهما.

ولا شك في أن سنة الله ورسوله مقدمة على سنة عمر ورأيه.

ثانياً: احتج طلحة والزبير بأنه قد سوى بينهما وبين غيرهما ممن لا يماثلهما فيما أفاء الله عليهما بأسيافهما، ورماحهما، وأوجفا عليه بخيلهما ورجلهما إلخ..

وهذا يؤكد نظرتهما العنصرية التي كان عمر قد أثارها، ورسخها في الناس بتفضيله العرب على غيرهم، وقسم الناس في العطاء إلى طبقات.

وهو أمر مرفوض في الدين والشريعة، للأمور الآتية:

ألف: بنص الآية التي أوردها «عليه السلام» في خطبته: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ([27]).

ب: إن الله تعالى هو الذي حدد كيفية قسمة الفيء.

ج: إن تفضيل العرب على غيرهم استناداً إلى ما ذكر كلام متهافت في نفسه، فإن من بين العجم الذين يريدون التفضيل عليهم من شاركهم في تلك الفتوحات ومن بين العرب الذين يريدون مشاركتهم في التفضيل وأخذ المال من لم يشارك في فتح تلك البلاد. ولعل فيهم من شارك وانهزم، أو لم يكن له دور يستحق الذكر..

د: إن الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» هو الأسوة والقدوة وقد سبق إلى الإسلام قوم، ونصروه بسيوفهم ورماحهم، ولم يفضلهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» في القسم، ولا آثرهم بالسبق.

الحزم واللين:

وقد لوحظ:

1 ـ أنه «عليه السلام»، بعد أن مهد لمرامه باستلال إقرار صريح من طلحة والزبير بالمباني والأسس التي يريد أن يعتمدها، جاءت حجته كنتيجة بالغة الوضوح، بينة البداهة، لا يرتاب بها ذو مسكة.

وهي لم تخرج عن تلك العناصر التي مهدها، ولم تضف إليها شيئاً.. وهذا من بدائع المحاورات التي تحسم الأمور فيها بسهولة بالغة..

2 ـ إنه «عليه السلام» قد سهل على نفسه إصدار قراره الحاسم، الذي لا مجال للجدال فيه، بالتزام مراعاة هذه البديهيات، والتعهد الصريح بعدم الإخلال بها، فكيف بالخروج عنها!!

3 ـ ولكنه «عليه السلام» رغم قوة برهانه، وظهور حزمه، لم يجنح إلى أي لون من ألوان الشدة في المواجهة، بل أبقى على أجواء الثقة واللين والملاطفة والود، حين ختم كلامه معهما بدعائه لنفسه ولهما فقال: «أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق، وألهمنا وإياكم الصبر».

ثم أفسح لهما في الأمل، وأعرب عن رغبته في الإبقاء على حضورهما الفاعل والمؤثر، فقال: «رحم الله امرءاً رأى حقاً، فأعان عليه، ورأى جوراً فرده، وكان عوناً للحق على من خالفه».

أما سائر ما تقدم في النص السابق فقد تحدثنا عنه في موارد أخرى من فصول هذا الكتاب، فلا داعي لتكراره..

قرار كسر بيت المال:

لما قتل عثمان أخذ طلحة مفاتيح بيت المال، وكان لا يشك أنه صاحب الأمر. وأتى الناس [علياً]، وأبى الناس [إلا] أن يبايعوه. وأقسموا أن لا يصرفها [يصرفوها] إلى غيرك [غيره]. ثم بايعوا، وبايع طلحة والزبير في من بايع.

فأرسل إلى طلحة: أن ابعث بمفاتيح بيت المال.

فأبى، فأمر علي فكسر. ثم قسم ما في بيت مال المسلمين([28]).

ونقول:

1 ـ كأن هذا النص قد تعرض لبعض التعديات عليه من النساخ، فأسقطوا بعض الكلمات، أو كتبوها بصورة مغلوطة.. وقد حاولنا إصلاحه بوضع بعض الكلمات التي يحتاج إليها بين معقوفتين.

2 ـ صرح هذا النص أيضاً بخيبة طلحة حين لم يرضه الناس لذلك الأمر الذي كان لا يشك في أنه سيناله.

3 ـ إن هذا الإصرار من الناس على البيعة لعلي «عليه السلام» سيغضب من كان لا يشك في أنه صاحب الأمر، وسوف تتأجج المرارة في داخله مما يجري..

فلا غرو إذا رأيناه يسرع إلى الخلاف، ولا يتورع عن جمع الجيوش، وخوض غمار الحروب، مهما كانت الأثمان باهظة، فكيف إذا وجد في جملة من يؤيده، ويجهد لإنجاز مسعاه، من هو مثل عائشة ذات النفوذ العظيم في الناس. لانها زوجة الرسول، وبنت ابي بكر، وذات المكانة المتميزة جداً لدى عمر بن الخطاب؟!

4 ـ في هذا النص تصريح بأن الناس قد التجأوا إلى الأيمان، لمحاصرة قرار علي «عليه السلام»، وإلجائه إلى القبول بما يريدون فرضه عليه. فهو يقول: إن الناس أقسموا ألا يصرفوها (أي الخلافة) إلى غيره «عليه السلام».

5 ـ ما معنى أن يبايع طلحة علياً «عليه السلام»، ثم يأبى أن يسلمه مفاتيح بيت المال؟! وهل يكون خلافة بلا بيت مال؟! وكيف يمكن أن يكون المال بيد غير الخليفة؟! وبأي مبرر؟! وبأية صفة؟!

ولماذا لا يكون بيت المال بيد هذا الشخص الآخر؟! أو ذاك؟! أو ذلك؟! أم أنه يريد ان تكون حكومة علي «عليه السلام» شكلية وبلا مضمون؟! وهل يرضى بذلك علي «عليه السلام»، أو غير علي؟!

6 ـ وجاء قرار كسر بيت المال، وتقسيم ما فيه حاسماً وحازماً، عرَّف الطامعين أن المساومة مرفوضة عند علي «عليه السلام»، وأن التمرد الظالم سيواجه بحزم وعزم، على قاعدة: «لأبقرن الباطل حتى يخرج الحق من خاصرته»([29])، وهكذا كان..

مصحف وسيف في بيت علي ×:

روي بسند معتبر عن أبي عبد الله «عليه السلام» أنه قال: «كان لعلي بيت ليس فيه شيء إلا فراش، وسيف، ومصحف، وكان يصلي فيه. أو قال: كان يقيل فيه»([30]).

وقد كان أصحابه «عليه السلام» يقتدون به، فقد روي: أنه وقع حريق في المدائن، فأخذ سلمان سيفه ومصحفه، وخرج من الدار، وقال:

«هكذا ينجو المخفون»([31]).

وقيل: دخل رجل على سلمان فلم يجد في بيته إلا سيفاً ومصحفاً، قال: ما في بيتك إلا ما أرى؟!

قال: إن أمامنا منزل كؤود، وإنا قد قدمنا متاعنا إلى المنزل([32]).

أين هي السنة؟!:

    إن أول سؤال يراود الأذهان هنا هو: إن كان «عليه السلام» قد جعل المصحف في بيته، فلماذا لم يجعل الكتاب الذي يحوي السنة أيضاً إذ ليس هو من الموافقين على مقولة: حسبنا كتاب الله..

والجواب:

أولاً: إنه «عليه السلام» إنما يجعل في ذلك البيت ما يحتاجه لعمل نفسه مثل نيل المثوبة بقراءته، والتدبر في آياته، ونيل بركاته.

أما السنة فالمطلوب هو مجرد العلم بها، وكان «عليه السلام» أعلم الناس بها.. وهو «عليه السلام» يريد أن يكون في بيته ما يحتاج إليه في عمل نفسه، ولا يريد أن يحتفظ بما يريد للناس أن يرثوه عنه، ويستفيدوا منه، فلهذا تدبير آخر في مجال آخر.

ثانياً: في القرآن كل ما يحتاج إليه، وفيه تبيان كل شيء، وهو «عليه السلام» عالم به، يعرف كيف يستخرج ذلك منه، فلا يحتاج إلى كتاب آخر يساعده على شيء من ذلك..

لماذا سيف ومصحف؟!:

والسؤال الآخر هنا هو: لماذا المصحف والسيف، دون سواهما؟!

ونجيب بما يلي:

إن الله تعالى أراد لهذا الإنسان أن يكون إنساناً، ثم أن يكون حراً.

وأراد له أن يكون له نصيب وجهد في صنع إنسانيته، وفي صون حريته.

ثم أراد تعالى أيضاً أن يساعده في ذلك، من دون أن يفقده نصيبه هذا، أو أن يحدَّ منه..

فساعده في صنع إنسانيته، بأنه هيأ له أنواع الهدايات، حسبما بيناه في كتابنا هذا، وقلنا: إن هناك هداية تكوينية، وهداية الهامية، وهداية فطرية، وهداية عقلية، وهداية شرعية، وتوفيقات وألطاف.

ثم هو قد أنزل له الكتب، وبعث الأنبياء، وحباه بالرعاية والتربية، ونصب له قادة: أئمة وأنبياء، يعلمونه الكتاب والحكمة، وأرسل الرسل بالبينات، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط.

وأنزل مع الأنبياء الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب. وشرَّع الجهاد، وسن له الحدود والقصاصات.

وقد أوضحنا ذلك بعض إيضاح في كتابنا «سلمان الفارسي في مواجهة التحدي» في الفصل الثالث منه، فراجع..

وذلك كله يفسر لنا ماذا يعني المصحف والسيف بالنسبة لعلي «عليه السلام»، وسلمان، فقد كان المصحف هو الكتاب الذي يهدي إلى الرشد، ويعطي الإنسان الرؤية الصحيحة والوعي الكافي للمهمة التي يراد له أن ينجزها في هذه الحياة، ويقدم له المعايير الصالحة، وموازين العدل والقسط، ويبني إنسانيته على أساس العلم والمعرفة بالله، والالتزام بشرائعه، والاستجابة للتربية الروحية، والتكامل، والسير نحو الله سبحانه، ونيل مقامات القرب والزلفى.

ثم كان السيف هو الذي يدفع العوادي، ويحفظ منجزات القرآن، ويمنح الإنسان الحرية في أن يفكر ويقرر، ويمارس حريته في ظل التعاليم الإلهية، ووفق التربية الربانية.

إذ بالسيف تحفظ سنن الله تعالى في الكون، وفي الحياة من أن يتعدى عليها أهل الطغيان، في كل زمان ومكان.

سلمان منا أهل البيت:

وقد لاحظنا: أن الذي أخذ بسيرة علي «عليه السلام» وسار على منهاج النبي «صلى الله عليه وآله» بصورة جلية وواضحة هو سلمان المحمدي (الفارسي)، الذي استحق بهذا التأسي والاقتداء أن يكون من أهل البيت.

فكان هذا هو الوسام الذي منحه إياه رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حين قال: «سلمان منا أهل البيت»([33]).

ونقل مثل هذا القول عن علي «عليه السلام» أنه قاله في حق سلمان «رحمه الله»([34]).


([1]) بحار الأنوار ج32 ص25 و 26 والأمالي للشيخ الطوسي (ط بيروت) الحديث الأخير من المجلس 26 ج2 ص735 و (ط دار الثقافة ـ قم سنة 1414هـ) ص728  وفضائل أمير المؤمنين لابن عقدة الكوفي ص90.

([2]) أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص222 وبحار الأنوار ج32 ص120 وربما تكون العبارة الأخيرة هكذا: «وأصلاهما أحرّ نار».

([3]) الآية 83 من سورة القصص.

([4]) الآية 10 من سورة الفتح.

([5]) بحار الأنوار ج32 ص24 و 25 عن شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج3 ص576 شرح المختار 198 و (ط دار إحياء الكتب العربية ـ عيسى البابي الحلبي وشركاه) ج11 ص7 ـ 17.

([6]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص438 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص459 والكامل في التاريخ ج3 ص196.

([7]) الروقة: الجميل جداً من الناس. لسان العرب ج10 ص134.

([8]) وراجع خصوص قصة سهل بن حنيف أيضاً في: الأمالي ص697 الحديث الأخير في المجلس رقم 20 و (ط دار الثقافة ـ قم سنة 1414هـ) ص729 وبحار الأنوار ج32 ص17 و 27 و 38 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج7 ص37 وفضائل أمير المؤمنين لابن عقدة ص91 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص665 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص197 والإمام جعفر الصادق لعبد الحليم الجندي (ط المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ـ القاهرة سنة 1397هـ) ص313 والجمل لابن شدقم ص65 وراجع: مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج2 ص8.

([9]) الآية 78 من سورة الزخرف.

([10]) الوتر: ظلامة في دم، المحيط في اللغة ج9 ص455. غير أن ما ذكره الوليد بن عقبة عن مروان لا يتضمن ظلامة في دم.

([11]) الآية 13 من سورة الحجرات.

([12]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج7 ص36 حتى صفحة 42 وبحار الأنوار ج32 ص16 ـ 23 و 26 ـ 31 وراجع: نهج البلاغة: الخطبة 205 والمعيار والموازنة ص109 والأمالي للطوسي ج2 ص727/1530 و (ط بيروت) ص735 (المجلس 26) و (ط أخرى) ج2 ص237 ـ 241.

([13]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج11 ص8.

([14])  بحار الأنوار: ج32 ص50 و 51.

([15]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج7 ص42 و 43 وبحار الأنوار ج32 ص22 و 23.

([16]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص231 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص202 عن الواقدي، وفتوح البلدان للبلاذري ج3 ص550 و 560 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص296 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج7 ص115.

([17])  الخرائج والجرائح ج1 ص186 وبحار الأنوار: ج32 ص110 وحلية الأبرار ج2 ص257 ومدينة المعاجز ج2 ص143 ومستدرك الوسائل ج11 ص90 ونهج السعادة ج1 ص228.

([18])  بحار الأنوار: ج32 ص133 و 134 والكافي ج8 ص69 وحلية الأبرار ج2 ص357 و 358  وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص336 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص666 و 667 ونهج السعادة ج1 ص198.

([19])  بحار الأنوار: ج32 ص123 وج41 ص305 ومناقب آل أبي طالب (ط النجف) ج2 ص95.

([20]) الآية 10 من سورة الفتح.

([21]) الخرائج والجرائح ج1 ص186 و 187 وحلية الأبرار ج2 ص257 و 258 ومدينة المعاجز ج2 ص143 و 144 وبحار الأنوار ج32 ص110 و 111 وفي هامشه قال: رواه الراوندي في كتاب الخرائج.

وقريباً منه رواه ابن شهرآشوب في أواخر عنوان: «المسابقة بالعدل والأمانة» من مناقب آل أبي طالب : ج1 ص315 وفي (ط النجف) ص378. ورويناه بلفظ = = أجود مما ها هنا عن مصدر آخر في المختار: (71) من نهج السعادة (ط 2) ج1 ص240.

([22]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3 ص51 وتحف العقول ص77 ومستدرك الوسائل ج7 ص232 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج2 ص121 وج4 ص206 وعيون الحكم والمواعظ للواسطي ص526 وكشف المحجة لابن طاووس ص171 وبحار الأنوار ج74 ص214 و 226 وج100 ص39 وجامع أحاديث الشيعة ج8 ص456 ونهج السعادة ج4 ص330 وج7 ص433 ودستور معالم الحكم لابن سلامة ص73 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص93 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج2 ص160 و 161 وينابيع المودة ج2 ص253 وج3 ص441. 

([23]) راجع مقالاً لنا بعنوان: الإمام السجاد باعث الإسلام من جديد، في كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام.

([24]) راجع: مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج4 ص155 والغدير ج2 ص71 ونهج السعادة ج5 ص146 وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص161 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص202.

([25]) بحار الأنوار ج32 ص19 ونهج السعادة ج1 ص216 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج7 ص38.

([26]) الإحتجاج للطبرسي ج1 ص412 وبحار الأنوار ج44 ص81 والبرهان (تفسير) ج7 ص256 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص 37 والتفسير الصافي ج4 ص159 وج5 ص49 وج6 ص516 وتفسير نور الثقلين ج4 ص231 وتفسير الميزان ج16 ص271 والمحصول للرازي ج4 ص341 وغاية المرام ج4 ص134 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج33 ص488.

([27]) الآية 13 من سورة الحجرات.

([28]) مكارم أخلاق النبي «صلى الله عليه وآله» وأهل بيته «عليهم السلام» مخطوط في مكتبة مجلس الشورى بطهران. ويقال: إن مؤلفه هو القطب الراوندي.

([29]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج1 ص200 والإرشاد للمفيد ج1 ص248 وبحار الأنوار ج32 ص77 و 114 و 220 ونهج السعادة ج1 ص240 و 250 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص233 وج7 ص114.

([30]) المحاسن للبرقي ج2 ص612 وبحار الأنوار ج73 ص161 وج80 ص366 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج5 ص295 و (ط دار الإسلامية) ج3 ص555 وجامع أحاديث الشيعة ج4 ص465 وج16 ص835 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج8 ص356.

([31]) الدرجات الرفيعة ص215 ونفس الرحمان ص140 (ط حجرية) و (ط مؤسسة الآفاق) ص554 عن الأنوار النعمانية، وقاموس الرجال ج4 ص425.

([32]) راجع المصادر السابقة.

([33]) راجع: أسد الغابة ج2 ص331 وتهذيب تاريخ دمشق ج6 ص200 وتاريخ مدينة دمشق وج21 ص408 وعيون أخبار الرضا ج1 ص70 والغارات للثقفي ج2 ص823 ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» للكوفي ج1 ص221 وج2 ص384 والسيرة النبوية لابن هشام ج1 ص46 وج3 ص708 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص49 وج3 ص192 وج4 ص626 وفضل آل البيت للمقريزي ص86 وشرح الأخبار ج3 ص14 ودلائل الإمامة ص140 والإحتجاج ج1 ص387 وتهذيب الكمال ج11 ص251 وسير أعلام النبلاء ج1 ص540 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص235 وفتوح الشام للواقدي ج2 ص204 واليقين لابن طاووس ص477 والمحتضر للحلي ص117 وبحار الأنوار ج10 ص123 وج17 ص170 وج18 ص19 وج20 ص189 وج22 ص326 و 330 و 348 و 374 و 385 وج30 ص223 وج37 ص331 وج65 ص55 وكتاب الأربعين للماحوزي ص341 وجامع أحاديث الشيعة ج14 ص75 وإمتاع الأسماع ج1 ص226 وج13 ص291 والبداية والنهاية ج2 ص226 وج4 ص114 وج5 ص338 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص128 ومسند الإمام الرضا للعطاردي ج2 ص495 والمستدرك للحاكم ج3 ص598 ومجمع الزوائد ج6 ص130 والمعجم الكبير ج6 ص213 والدرر لابن عبد البر ص170 والجامع الصغير ج2 ص52 وكنز العـمال ج11 ص690 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص147 = = وفيض القدير ج4 ص140 وكشف الخفاء ج1 ص459 والتفسير المنسوب للإمام العسكري «عليه السلام» ص121 وجامع البيان ج21 ص162 وتفسير الثعلبي ج3 ص40 والجامع لأحكام القرآن ج14 ص129 ودقائق التفسير لابن تيمية ج2 ص256 وأضواء البيان للشنقيطي ج3 ص47 وإختيار معرفة الرجال ج1 ص60 و 71 وتفسير البغوي ج3 ص510 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج1 ص369 والإختصاص ص341 ونفس الرحمان (ط حجرية) ص29 و 43 و 34 و 35 و 32 و (ط مؤسسة الآفاق) ص32 و 124 و 127 و 134 و 135 و 137 و 138 و 145 و 179 و 210 و 213 و 217 و 351 و 374 و 585 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص85 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص75 وتفسير فرات الكوفي ص171 ومجمع البيان ج2 ص269 وج8 ص126 والميزان ج16 ص292.

وراجع: كتاب الأربعين للشيرازي ص233 والدرجات الرفيعة ص207 و 210 و 218 و أبو هريرة للسيد شرف الدين ص195 والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج4 ق1 ص59 و (ط دار صادر) ج4 ص83 وج7 ص319 وأسد الغابة ج2 ص331 وذكر أخبار أصبهان ج1 ص54 وطبقات المحدثين بأصبهان ج1 ص203 و 204 و 205 والكامل في التاريخ ج2 ص179 وقاموس الرجال ج4 ص424 والوافي بالوفيات ج15 ص192 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص397 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص634 وينابيع المودة ج2 ص93.

([34]) الغدير ج10 ص18 وتاريخ مدينة دمشق ج21 ص422 وتهذيب الكمال ج11 ص251 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص85 والأعلام للزركلي ج3 ص112 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج23 ص103.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان