صفحة :83-120   

الفصل الرابع: مع نصوص الفصل السابق..

ما كان بعد رسول الله

بـدايـة:

ذكرنا في فصل ما قبل الفصل السابق النص الذي يشرح فيه أمير المؤمنين «عليه السلام» ما جرى فيه هذا الحوار مع اليهودي.. وقد احتاج بيان بعض ما أشار إليه «عليه السلام» إلى عقد فصلين:

أحدهما: يرتبط بما قاله «عليه السلام» عما جرى في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وإلى حين وفاته.. وهو ما قدمناه في هذا الفصل الذي سبق..

والآخر: بيان بعض ما أشار إليه فيما يرتبط بما جرى بعد استشهاده «صلى الله عليه وآله»، وهو ما سنذكره في هذا الفصل..

فلاحظ ما نذكره ضمن العناوين التالية:

من سياسات عمر تجاه علي :

وذكر «عليه السلام»: أن عمر كان يشاوره في موارد الأمور، فيصدرها عن أمره «عليه السلام»، ويناظره في غوامضها، فيمضيها عن رأيه.. ولا يعلم أصحابه «عليه السلام» أن أحداً غير علي كان يناظر عمر في الأمور، ولا يطمع في الأمر بعده سواه..

وقد ذكرنا في بعض فصول هذا الكتاب ما يؤيد هذا المعنى.. وقلنا: إن السياسة قد فرضت على أولئك الحكام إفساح المجال لأمير المؤمنين «عليه السلام» للتدخل في أمور الدين وحفظ نشر الأحكام، وممارسة مهماته في البيان والتصحيح والتوضيح، لأنهم يعلمون أن علياً «عليه السلام» لا يسكت على هذا الأمر، وهم لا يريدون التصادم معه، لأن عواقب ذلك ستكون كبيرة وخطيرة عليهم.

ولكنهم قد احتفظوا لأنفسهم بهامش من الحركة، يلبي لهم رغباتهم في إظهار سلطتهم، وتأكيد هيمنتهم، وإشباع طموحاتهم في التدخل، بل والتصرف ببعض الأحكام، بهدف إظهار مضاهاتهم الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» في التشريع، وتأكيد قدرتهم على مشاركته «صلى الله عليه وآله» في الرفع والوضع..

ولكن إبقاء هذا الهامش قد أضرهم كثيراً أيضاً، ولم ينفعهم، لأنه «عليه السلام» كان لهم بالمرصاد، فإنه لم يسكت عن تلك المخالفات، ولا ترك الاعتراض على تلك التصرفات، وبين لهم ولغيرهم وضوح فساد ما جاؤوا به، وفضح جهلهم بدين الله، وأعلن على الملأ تعدياتهم على أحكامه وشرائعه..

وإذا كان محبوهم قد حفظوها لهم، وساروا فيها على نهجهم، فإن ذلك لم يجبر كسرهم، ولا خفف من حدة الانتقاد لهم، والتشنيع عليهم بما اقترفته أيديهم..

ثم إن مرونته «عليه السلام» في التعامل مع القوم قد أسهمت في حفظ الشريعة، وتوضيح قضايا الإيمان والإسلام، وبيان مفاهيمه وحقائقه، ومعاني القرآن ودقائقه، وانتزعت اعترافاً عملياً بمرجعيته «عليه السلام» في كل ما هو دين وشرع وإيمان. وكرستها واقعاً حياً، باقياً نامياً عبر الأجيال والأحقاب.. واضطرت حتى مناوئيه إلى البخوع والاعتراف له، وعدم الاستغناء بآرائهم عن الرجوع إليه. رغم ثقل ذلك عليهم..

وإذا استطاع «عليه السلام» أن يكرس واقعاً كهذا.. ولا سيما بعد أن أثبت للناس كلهم، ولجميع الأجيال أيضاً مظلوميته، وأنه قد اغتصب حقه، واعتدى عليه وعلى بيته وأهله، فإنه لا يهمه ـ بعد هذا ـ أن تنسب لغيره فتوحات كان هو المخطط لها، وكان أصحابه هم روادها وقادتها.. وإن كان الذين استفادوا من الأموال والولايات هم المناوئون له، والحاقدون عليه وعلى شيعته وأصحابه، وكانوا هم الذين انحرفوا بتلك الفتوحات عن مسارها، وحولوها إلى مراتع للظلم والظالمين، والإثم والآثمين.

كما أنه إذا استطاع أن يحفظ للناس دينهم وإيمانهم، وأن يفتح لهم أبواب الهداية، ويدلهم على طريق السلامة، فإنه سوف لا يهتم لإغداق الثناء على من لا يستحق، ومنح الألقاب مهما عظمت وتنوعت جزافاً لمن ليس أهلاً لها، ولا تليق به ولا يليق بها.

وليسجل التاريخ لهم ـ بعد هذا ـ ما شاء من مفردات التزييف والتحريف..

فقد قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ([1]).

دور ابن عمر في الشورى:

وذكر النص في الفصل المتقدم: أن عمر بن الخطاب لما قرر الشورى، جعل ابنه عبد الله حاكماً عليهم فيها، وأمره بضرب أعناق النفر الستة إذا لم ينفذوا أمره.

ومعنى ذلك: أن ما يزعمه أنصار الخلفاء من أن عمر إنما جعل ولده عبد الله في الشورى بصفة مراقب قد جاء قاصراً عن إفادة المعنى، بل أريد به التعمية على حقيقة المهمة التي أوكلها أبوه إليه. وهي هذه التي صرح لنا بها «عليه السلام» هنا.. فإنه أراد أن يتولى ابنه تنفيذ أمره بقتل هؤلاء الستة، توصلاً لقتل أمير المؤمنين «عليه السلام»، ولا بأس عند عمر بأن يضحي بالخمسة من أجل التخلص من علي، والانتقام منه.

وكان عمر يعلم: أن ابنه وحده هو الذي ينفذ أوامره، لأنه كان مشغوفاً بأبيه، ولم يكن له شخصية قوية وقادرة على اتخاذ أي قرار يخالف أمر أبيه..

أما ابن عوف وغيره، فهم حتى لو كانوا يرغبون في طاعة أمره، فإنهم يحسبون ألف حساب قبل الإقدام عليه..

وكان عمر يدرك أنه لا يملك بعد موته نفس المستوى من التأثير الذي كان له عليهم في حال حياته. ولا يضمن أن تنفذ أوامره إلا إذا كان المتولي لتنفيذها هو ولده عبد الله..

بعدما جرى في الشورى:

1 ـ وقد ورد في النص المتقدم ما دل على أن علياً «عليه السلام» لم يشارك أهل الشورى فيما كانوا يخوضون فيه من محاولات إقناع غيرهم بأن يبايع لهم.. بل بقي ساكناً وساكتاً إلا أن يسأله سائل منهم.

2 ـ إنه «عليه السلام» لم يكن يطلب منهم البيعة له، بل كان يطلب منهم الوفاء ببيعتهم التي أعطيت منهم له في يوم الغدير في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» بأمر من الله، وبإشراف من رسوله. وكان يبين لهم وجوه استحقاق الخلافة، التي لم تكن فيهم، ولكنهم كانوا يكابرون، ولا يرضون.

3 ـ غير أنهم كانوا في قرارة أنفسهم يقرون له بالتقدم عليهم، وبالأحقية بها دونهم، ولذلك كانوا يعترفون له بذلك إذا خلا بأحدهم، ولكنهم يطلبون أن يجعلها لهم من بعده..

ولكنهم لما لم يجدوا عنده إلا العمل بوصية الرسول، وإعطاء كل ذي حق حقه، أصاروها إلى عثمان.

4 ـ وعثمان كان أبعدهم عنها من حيث الميزات، فكيف إذا قيس بغيرهم ممن هم أفضل منهم، من أمثال عمار وسلمان، فضلاً عن أن يقاس هو أو أحد منهم بعلي «عليه السلام» نفسه.

5 ـ وبعد أن عقدوها لعثمان، ورجعوا إلى أنفسهم ظهرت ندامتهم، وصار بعضهم يتهم غيره بالتقصير، بل صار كل منهم يلوم نفسه ويلوم غيره.

6 ـ إن عبد الرحمان بن عوف الذي جعل الخلافة لعثمان صار يقصد أصحابه خاصة وسائر أصحاب الرسول «صلى الله عليه وآله» عامة، ويعتذر لهم عما جنته يداه، ويعلن لهم أنه مستعد لأن يعزل عثمان كما نصبه.

وقد أرجعنا الضمير في كلامه «عليه السلام» في هذا الموضع إلى ابن عوف، لا إلى عثمان، لأننا رأينا: أن عثمان قد أصر على مخالفاته حتى انتهى الأمر به إلى القتل، فكيف يتصور استقالته من بيعته، كما أننا لم نجد أي نص يدل على أن عثمان قد فعل شيئاً من ذلك. ولو أن عثمان استقال الناس فلماذا يحزن أمير المؤمنين؟! ولماذا يتألم؟!

أما إن كان ابن عوف هو الذي فعل ذلك، ثم أظهر الندم فذلك أمض وأشد ألماً.. لأن هذه الاستقالة قد جاءت بعد أن ظهر له أن ما أمله لا يستطيع أن يحصل عليه من عثمان.. وهذا يعني: أن ابن عوف لا يزال يعيش في دائرة طموحاته الذاتية وغير المشروعة، وأن ندمه لم يرجعه إلى الصواب، بل إلى خطأ أفدح، وذنب أوضح وأصرح.

7 ـ ثم جاء باقي الستة إلى علي «عليه السلام» يطلبون منه خلع عثمان، والقيام ضده لأخذ حقه منه، وكلهم يعرض عليه البيعة على ذلك..

ولكنه «عليه السلام» رفض عرضهم، لا لخوفه على نفسه، فإن الكل يعلم: أن الموت عنده بمنزلة الشربة الباردة في اليوم الشديد الحر. بل لأن حفظ دماء الناس أبهج لقلبه، وآنس لروحه من إراقتها..

وهذا يعطي لزوم معرفة الإمام بالأولويات التي يجب مراعاتها في اتخاذ القرار في أي موقف.

8 ـ وقد قادته خبرته بأخلاق عثمان إلى الاعتقاد بأن عناده سيقوده إلى القتل بأيدي المعترضين عليه، بل هو سيستدعي الأقارب إلى قتله فضلاً عن الأباعد.

وهذا يؤكد أيضاً: معرفة الإمام بأحوال الناس وبأخلاقهم، وضرورة أن يعرف مسار الأمور من خلال ذلك.

وليست معرفته مجرد ظنون وحدسيات، بل هي معرفة قاطعة تدعوه إلى اتخاذ الموقف الصحيح والحازم. المعروفة نتائجه، لارتكازه على معطيات ظاهرة إلى حد البداهة..

سبب كراهة علي لولايتهم:

1 ـ وقد بين «عليه السلام» أن سبب كراهته لولايتهم (أي لتولي أمورهم) أمران:

أحدهما: معرفته بما تطاعموا به من اعتقال الأموال، والمرح في الأرض.

الثاني: علمهم بأنه إن وليهم «عليه السلام» لا يعطيهم هذه الخصلة.

والمراد: أنه «عليه السلام» كان يعلم بأن هؤلاء الناس قد أذاق بعضهم بعضاً طعم اعتقال الأموال، أي اكتسابها وضبطها.

كم أنهم قد اعتادوا المرح في الأرض.

ولا يمكن أن يرضى علي «عليه السلام» منهم ذلك.. بل هو سوف يأخذ على أيديهم، ويمنعهم من ممارسة هذه وتلك..

وإذا كانوا هم أنفسهم يعلمون بهذا وذاك، ثم يقدمون على البيعة له، فذلك يعني أحد أمرين:

أحدهما: أنهم يريدون أن يخدعوه..

الثاني: أنهم قد أعدوا العدة لمواجهته، وكسر إرادته، والعبث بقراراته، والمساس بهيبته، وهيمنته على الأمور. وسيفتح هذا أبواباً للنزاعات، والمناكفات، وربما الحروب..

2 ـ ثم قرر «عليه السلام»: أن ترويضهم على الواقع الجديد، وانتزاع عادتي اعتقال الأموال، والمرح في الأرض منهم لن يكون أمراً سهلاً، بل هو أمر شديد، وسيكلف الأمة غالياً.

ولكن لا بد من دفع هذا الثمن، لأن سلبيات استمرار هذه العادة وتجذرها سيؤسس لخط انحرافي خطير، يودي بكل الإنجازات، ويستبدل المسار الصحيح بمسار انحرافي، يزداد بعداً عن الحق كلما تواصل السير فيه..

3 ـ وبعد البيعة له «عليه السلام»، تأكد لهم: أنه «عليه السلام» لن يعطيهم ما يريدون.. فبدأوا بتلمس مبررات الانقلاب عليه، ونكث بيعته، وإعلان الحرب عليه..

الاستغلال البشع:

وقد قدم «عليه السلام» صورة عن الاستغلال البشع لبعض الأشخاص الذين لا ينبغي استغلالهم، فكيف إذا رافق هذا الاستغلال التعدي على العهود والعقود، لمجرد الحصول على المشتهيات والرغبات الشخصية وهذا ما حصل بالفعل.

فقد تعرضت المرأة ـ يعني عائشة ـ لهذا الاستغلال، حيث أرادوا منها: أن تحارب وليها، والوصي عليها، وقد حملوها على الجمل، وشدت على الرحال، وأقبلوا بها تخبط الفيافي، وتقطع البراري، وتنبح عليها الكلاب.

وهذا التصوير يظهر بشاعة ما أقدموا عليه، بما لا مزيد عليه.. كما سنرى.

ولي عائشة، والوصي عليها:

وقد ذكر «عليه السلام» مؤاخذته على الناكثين ـ أعنى طلحة والزبير ـ بأنهما وثبا بالمرأة ـ يعني عائشة ـ عليه، مع أنه وليها، والوصي عليها..

فنجد: أنه «عليه السلام» لم يشر إلى أنها زوجة النبي «صلى الله عليه وآله»، ولا تحدث عن أنها قد أمرت بالقرار في بيتها، وغير ذلك، بل اكتفى بذكر ولايته لها ووصايته عليها..

ولعل سبب ذلك:

أولاً: أنه «عليه السلام» كان هنا يوجه الخطاب ليهودي، لا يرى لرسول الله «صلى الله عليه وآله» هذه الحرمة التي يراها المسلمون له.. ولكنه لا يستطيع أن يرد أمراً رضيه البشر لأنفسهم منهجاً ونظاماً يخضعون له، ويأخذون به. لما له من أثر في نظم أمورهم، وحفظ مصالحهم.. فإن من هذه الأمور التي تواضع البشر عليها، وألزموا بعضهم بعضاً بها: حفظ نظامهم السياسي، والوفاء بالعهود والعقود التي يبرمونها.

ومن هذه وتلك أيضاً: الإقرار بنظام الوصية، والالتزام بلوازمه.. والقيام بواجب الوفاء للولاية السياسية التي تحفظ للناس أمنهم ونظامهم، وتفرض عليهم الالتزام بالأنظمة الضرورية لحياتهم الاجتماعية، مثل: نظام القضاء، والتعليم، والدفاع، وغيرها من ضرورات حياتهم الاجتماعية، والأسرية.

وقد أشار «عليه السلام» إلى ولايته كحاكم على تلك المرأة، وولايته عليها كوصي. وكلاهما مما يقرُّ به ذلك اليهودي.. فما معنى أن تستغل هذه المرأة، ويطلب منها أن تتمرد على وليها، والوصي عليها، وقد حملت على الجمل، ونبحتها الكلاب.. إلى آخر ما تقدم؟!

ثانياً: إن اليهودي لا بد أن يقر بأن من يتدين بدين لا بد أن يلتزم بأحكامه وشرائعه، ويراعي مقرراته.. فإذا ظهر أنه يدعي الإيمان بهذا الدين ثم يخالف أحكامه وشرائعه، فإنه سيراه مدلساً مخادعاً، أو مستهتراً لا يقيم وزناً لعهد ولا لعقد، يجمع بين الشيء ونقيضه، وسيراه مستحقاً للتأديب والعقوبة من أجل ذلك.

ظهور علامات الندم:

وتقدم في الفصل السابق: قوله «عليه السلام»: إن علامات الندم كانت تظهر للناكثين في كل ساعة، حيث كانوا يرون صدق ما أخبرهم به رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وما كان يخبرهم به علي «عليه السلام» بصورة متوالية.. ومن ذلك: نباح كلاب الحوأب، وركوب الجمل الأدبب المسمى بعسكر، كما أخبرهم به الرسول «صلى الله عليه وآله».. وإخباره «صلى الله عليه وآله» الزبير بأنه يقاتل علياً «عليه السلام»، وهو ظالم، وغير ذلك.. مما ورد بعضه في ثنايا هذا الكتاب.

النكث المتكرر:

ثم ذكر «عليه السلام»: أن الأمر لم يقتصر على التلاعب بالآخرين، واستغلالهم في نقض الولاية والوصية، بل تعداه إلى نكث عهود أعطاها الناكثون مباشرة.. فإن أمكن تخفيف حدة النقد لهم بادعاء أنهم لا يتحملون وزر ما فعلته عائشة من مخالفة الولاية والوصية، وإن كانت قد فعلت ما يروق لهم..

فلا يمكن الاعتذار عنهم بعد مباشرتهم النكث بأنفسهم.

فإن أريد ادعاء أن هذا النكث قد حصل تحت وطأة ظروف غير عادية، ربما يكون لهم بعض العذر فيها. فإن حصول النكث منهم مرة بعد أخرى يضعف هذا الادعاء أيضاً.. لا سيما وأن البيعة الأولى التي نكثوها تمت تحت إشراف وبرعاية النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»..

حال أهل البصرة:

وقد وصف «عليه السلام» أهل البصرة بما يزيد في بصيرة الباحث، ويدله على أسباب اختيار الناكثين لها. حيث أظهرت تلك الأوصاف بالتصريح تارة، وبالتلميح أخرى: أنهم مرتع خصب للجهالات، والحماقات، وقلة التعقل، والبعد عن التأمل والتدبر.

وعرفتنا: أنهم من أشد الناس تقبلاً للشبهات، ورضا بالترهات، وانقياداً للأباطيل والأضاليل.

وقد ذكر «عليه السلام» من حالاتهم ما يصدق الأقوال بالأفعال، التي تؤكدها ظواهر الأحوال، فهم طويلة لحاهم، وهذا من علامات الحمق، وقلة العقل، حيث يراد جلب الأنظار، والتماس الإكرام، والإجلال والاحترام بطول اللحية، لا بالدين، والعلم، والفضائل النفسانية، والمزايا الأخلاقية، والإنسانية.

2 ـ وهم قصيرة أيديهم، ولعله كناية عن قصورهم في تدبير الأمور، فلا يصلون إلى مراداتهم لعجزهم عن اجتراح الوسائل المناسبة والموصلة لها.

3 ـ وهم قليلة عقولهم..

4 ـ عازبة آراؤهم..

5 ـ وهم جيران بدو، ورواد بحر، مما يعني: أنهم بمثابة الأعراب بعيدون عن العلم والفكر والمعرفة، ويميلون إلى العناد وعدم الخضوع والانقياد، حتى لرب الأرباب تبارك وتعالى، الذي يقول: ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ([2]).

ناظرت بعضهم فرجع:

وتقدم في الفصل السابق قوله «عليه السلام»: «ناظرت بعضهم فرجع، وذكرت فذكر».

والظاهر: أن المقصود هنا هو الزبير، الذي عاد مرة أخرى إلى الحرب، بسبب إصرار ابنه عبد الله، حتى رماه بالجبن، وسيأتي: أن إصرارهم هذا دعاه إلى نكث وعده، وحنثه بيمينه. وعاد إلى القتال، فحلت به الهزيمة، وقتل وهو منهزم كما سنرى إن شاء الله..

كما أن من المحتمل أن يكون المقصود غير الزبير، ممن تأثر بكلام علي «عليه السلام»، ورجع عن غيه..

حرب الجمل دفاعية:

وقد يتوهم متوهم: أن الناكثين قصدوا البصرة، فلحقهم علي «عليه السلام»، وأراد أن يردهم ففاتوه، فجمع ألوف المقاتلين، وقصدهم إلى البصرة، فقاتلهم وقتلهم.

وهذه الصورة تعطي: أنه «عليه السلام» كان هو المهاجم لهم، أو أن الاستعداد والدخول في الحرب كان من كلا الفريقين، فهي هجومية من كليهما.. وهذا يخفف من حدة النقد للناكثين، ويعطيهم بعض العذر في بغيهم، وما ارتكبوه من جرائم.

غير أنه «عليه السلام» بيَّن: أن الأمر كان على عكس ذلك تماماً، وأنه «عليه السلام» كان يدافع عن نفسه بكل ما لهذه الكلمة من معنى. فقد قدمنا: أن خروجه «عليه السلام» من المدينة إلى العراق كان لا بد منه، وإلا فسيكون أمر تدمير كل ما لديه، وتحقيق النصر الحاسم عليه وقتل من معه مما لا مفر منه، ولا محيد عنه..

وكان لا بد له من جمع الرجال، والتأهب للدفاع، إن لزم الأمر..

وقد قرر «عليه السلام» هذا الأمر بصريح العبارة، فقال: «ورأيتني إن أمسكت كنت معيناً علي بإمساكي».

وقد تأكد ذلك بصورة عملية بعد أن صدرت منهم أربعة أمور، هي:

1 ـ تناولهم الأطراف، سعياً منهم لإسقاط هيبة الدولة، والإخلال بالنظام، وهو شروع في التمرد الذي لو سكت عنه لكان له ما بعده..

2 ـ وقد جاء الذي بعده بالفعل. وذلك بشروعهم في سفك الدماء عمداً ومن دون أية شبهة أو تأويل، الأمر الذي جعلهم مستحقين لعقوبات تتناسب مع طبيعة الجريمة. ولم يكن يمكن العفو عنهم، ولا كان يتوقع منهم الرضا بذلك بأية حال.. ولو أدى ذلك إلى قتل شطر هذه الأمة..

ولئن أراد أحد أن يحتمل أن يكون لسفك الدماء مبرر مهما كان ضعيفاً وتافهاً، فإن الجرم الآخر وهو:

3 ـ قتل الرعية، من دون تمييز.

4 ـ والأنكى من ذلك: أنهم حكَّموا النساء في الأمة، مع أنهن ناقصات العقول والحظوظ، كما شرحناه في موضع آخر من هذا الكتاب..

وقد جروا في ذلك على عادة ملوك بني الأصفر، ومن مضى من ملوك سبأ، والأمم الخالية. ومعنى ذلك: أنهم أرجعوا الناس إلى عهود الجاهلية، وإلى طريقة أهل الكفر والطغيان.

والمراد ببني الأصفر: الروم، فإن أباهم الأول كان أصفر اللون، وهو روم بن عيص بن إسحاق، بن إبراهيم.

والخلاصة: أن ممارساتهم وجرائمهم التي أشار إليها علي «عليه السلام» وعدم الاستجابة لأي نوع من أنواع التفاهم، والتوافق. قد أوضحت حجم التصميم لديهم على المضي في مشاريعهم العنفية والهدامة. فكان آخر الدواء الكي.

بل إن هذا الكي لم يعد مفيداً، فكان لا بد من استئصال الداء، باستئصال بؤره ومناشئه، وهكذا كان..

الاستئصال، بعد نفاد كل احتمال:

وقد صرح أمير المؤمنين «عليه السلام» في النص المنقول عنه في الفصل السابق: بأنه لم يستسلم لخيار الحرب، إلا بعد أن سدت جميع أبواب السلام، فقال:

«ولم أهجم على الأمر إلا بعدما:

قدمت وأخرت..

وتأنيت..

وراجعت..

وأرسلت..

وسافرت (شافهت خ. ل)..

وأعذرت..

وأنذرت..

وأعطيت القوم كل شيء التمسوه.

بعد أن عرضت عليهم كل شيء لم يلتمسوه..

فلما أبوا إلا تلك (أي الحرب) أقدمت عليها. فبلغ الله بي وبهم ما أراد. وكان لي عليهم بما كان مني إليهم شهيداً».

ونلاحظ:

1 ـ أن هذه الكلمات اليسيرة قد بينت جهد ومعاناة أمير المؤمنين «عليه السلام» مع البغاة عليه، وبينت مدى صبره عليهم، ومداراته لهم.

2 ـ إنه علي «عليه السلام» يؤسس بموقفه هذا قاعدة لا بد من الالتزام بها في التعامل مع هذه القضايا، فلا تصح المبادرة إلى البطش بمن بغى، بل لا بد أن يمنح الفرصة، لإعادة النظر، والتراجع، حفظاً لمصلحة الأمة، وحقناً لدمائها ورفقاً بها، وبمن تزين له نفسه الأمارة بالسوء الخروج عن جادة الصواب، فلعل وعسى، وعسى ولعل يستيقظ الغافل، ويتعلم الجاهل..

هل أعطى كل ما التمسوه؟!

تضمنت هذه الكلمات: أنه «عليه السلام» أعطى هؤلاء البغاة كل شيء التمسوه. وعرض عليهم كل شيء لم يلتمسوه.

فيرد سؤال: هل أعطاهم ولاية البصرة والكوفة أيضاً، فإنهم كانوا قد التمسوها منه قبل خروجهما من المدينة إلى مكة، فلماذا لم يعطهم ذلك؟!

ونجيب:

بأن علياً «عليه السلام» لا يعطيهم ما لا يحق لهم، كما أنه لا يعطيهم ما يمكنهم من مواصلة بغيهم، وإلحاق الأذى بالدين وبالأمة..

كما أنه لا يعطيهم، ما ربما يؤكد دعواهم الشراكة معه في الحكم

وقد بين «عليه السلام» لهم من أول الأمر هذه الحقيقة..

كما أنه لا يمكن أن يعطيهم شيئاً يعود أمره إليه تحت وطأة التهديد والوعيد، فإن ذلك يؤسس لسلبيات كبيرة وخطيرة، قد لا يمكن التخلص منها في المدى المنظور.

وهكذا يقال أيضاً في معنى قوله «عليه السلام» بعد عرضت عليهم كل شيء لم يلتمسوه.. فإن المقصود هو عرض ما لا مانع من إعطائه لهم، مما لا يوجب تقوية شوكتهم ضده، ولا يشجع غيرهم على ممارسة الابتزاز، وذلك ظاهر..

الجبر في كلام علي :

وقد قال «عليه السلام» فيما يرتبط بحربه لأصحاب الجمل: «فبلغ الله بي وبهم ما أراد».

وقال «عليه السلام» عن الخوارج بالنخيلة، والذين بحروراء: «فأبى الله إلا ما صاروا إليه».

ونقول:

لا شك في أنه «عليه السلام» لا يريد الإحالة على ما يعرف بالجبر الإلهي، وادعاء أن الله تعالى هو الذي يتحكَّم في أفعال الفريقين في حرب الجمل إلى حد سلب الإرادة من الفاعل، وتعطيل قدرته، أي أن الله تعالى هو الذي حركهم وهيمن على إرادتهم، بحيث أدى ذلك إلى هذه النتائج.

بل يريد: أنهم حين أبو إلا الحرب، عمل «عليه السلام» بتكليفه الإلهي، ومارس الناكثون حريتهم في الاختيار، وفي الفعل، فجاءت النتائج متوافقة مع مقتضيات السنن الإلهية المودعة هذا الكون. وفق ما بينه الله تعالى للناس، وما وعد به عباده، من أن النصر سيكون من نصيب عباده الصالحين.

وكان الله تعالى شاهداً لعلي «عليه السلام» على أعدائه. بسبب قيام علي «عليه السلام» بواجباته الإلهية.

البيعة لعلي أربع مرات:

ومن الأمور التي ذكرها النص المتقدم في الفصل السابق: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أخذ يوم فتح مكة البيعة من معاوية وأبيه لعلي «عليه السلام»..

وذكر أيضاً: أن هذه البيعة قد أخذت لعلي من معاوية وأبيه، في ثلاثة مواطن بعد الفتح..

ونقول:

1 ـ إننا لا نستطيع أن ننفي صحة هذا الخبر، أو غيره، حتى لو كان سنده ضعيفاً، فإن الضعيف السند قد يكون هو الصحيح في الواقع.

2 ـ إن هذا النص قد ذكر: أن النبي «صلى الله عليه وآله» أخذ البيعة لعلي «عليه السلام» من الناس عامة، أو من طائفة منهم أربع مرات بدءاً من فتح مكة، وإلى حين وفاته..

والمشهور المعروف المتواتر منها هو بيعة يوم الغدير، قبل وفاته «صلى الله عليه وآله» بحوالي سبعين يوماً..

3 ـ إن عدم تمكن النصوص من الإفصاح عن البيعات الثلاث الأخرى، كإفصاحها عن بيعة يوم الغدير، يمكن فهمه في ظل الأجواء التي هيمنت على الواقع الإسلامي كله، ولا سيما بعد استشهاد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حيث اتجهت السياسات الصارمة إلى استبعاد، وطمس كل أثر لعلي «عليه السلام» في الواقع الإسلامي كله، ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً..

4 ـ وربما تكون هذه البيعات في المواطن الثلاثة قد حصلت في نطاق محدود، ولأشخاص بأعيانهم لإلزامهم بالحجة، ولتغليظ العهود والمواثيق عليهم من الله ورسوله، ووليه، ليكون هذا التغليظ من أوكد الأسباب لخسرانهم، وبوار سعيهم، واستحقاقهم الخذلان من الله تعالى،  لما علمه الله تعالى منهم من نوايا الغدر والنكث بعد استشهاد رسول الله «صلى الله عليه وآله».

وقد شكلت هذه البيعات الكثير من الإحراج، فلجأوا إلى إقصائها عن دائرة التداول.

ولأجل ذلك لم تجد سبيلاً للانتشار بين عامة الناس. كما كان الحال بالنسبة لبيعة الغدير، فإن التعتيم عليها كان فوق طاقتهم، رغم ما بذلوه في هذا السبيل، فإن حكمة رسول الله «صلى الله عليه وآله» وسياسات الأئمة، والرعاية الإلهية قد اعطت نتائجها المتوخاةن وحفظ الله دينه، وبقيت كلمة الله هي العليا، وحجته هي البالغة، وأمره هو الغالب.

أبو سفيان يجدد بيعته لعلي :

المروي: أن أبا سفيان لم يكن بالمدينة حين البيعة لأبي بكر، فلما رجع إليها لم يرض بما حصل، وجاء أمير المؤمنين «عليه السلام» يحثه على النهوض في وجه أبي بكر، وكان أمير المؤمنين «عليه السلام» يأبى ذلك.

بل لقد ذكرت بعض النصوص: أنه «عليه السلام» جبهه، ووصمه بالنفاق([3]).

والنص المتقدم في الفصل السابق يصرح فيه أمير المؤمنين «عليه السلام»: بأن أبا سفيان قد سلم عليه بإمرة المؤمنين، ولم يزل يأتيه ملحاً عليه في النهوض لأخذ حقه، وكان يجدد له بيعته كلما أتاه.

وهذه بيعات أخرى تضاف إلى البيعات الأربع في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله».

ولكن السؤال هنا هو: كيف تجتمع هذه البيعات مع ما تقدم من أن أمير المؤمنين «عليه السلام» قد جبه أبا سفيان، ووصمه بالنفاق؟! حين طلب منه القيام ضد أبي بكر؟!

ويمكن أن يجاب: بأن النص قد صرح بتعاقب مجيء أبي سفيان إلى علي «عليه السلام»، فلعل ما ذكروه من صده الشديد قد حصل في المرة الأخيرة، بعد أن لم تنفع المرات السابقة في منعه من مواصلة إصراره..

حلم علي ، وتحكمات معاوية:

وقد ذكر النص المتقدم: أن أمير المؤمنين «عليه السلام» قد تعامل مع معاوية بنفس الطريقة التي تعامل بها مع أصحاب الجمل.. فقد وجه إليه جرير بن عبد الله البجلي مرة، وأخا الأشعريين مرة، فكان يزداد تمادياً في انتهاك الحرمات.

فشاور أصحابه البدريين وصلحاء المسلمين، في غزوه، ومنعه مما نالت يده. فنهض إليه، ولكنه كان ينفذ إليه كتبه من كل موضع، ويوجه إليه رسله، ويدعوه إلى الرجوع فصار معاوية يتحكم عليه، ويتمنى عليه الأماني، ويشترط ما لا يرضاه الله عز وجل ورسوله ولا المسلمون..

ويلاحظ:

1 ـ أنه «عليه السلام» قد تعامل مع معاوية بالصفح وبمنتهى الحلم، والنصح للمسلمين، في محاولة منه لتجنيبهم المصائب والبلايا، وسفك الدماء. وليظهر بذلك أيضاً بغي معاوية، وصلافة وجهه، وإيغاله في الغي، وإصراره على الباطل..

2 ـ إنه «عليه السلام» حين يجرد الجيش لحرب معاوية إنما يريد أن يفهمه أن تعامله الرضي معه لا يعني الخوف، أو الضعف، بل هو سجاحة خلق، ورفق وتسامح وحلم..

3 ـ إنه إنما حارب معاوية بعد أن تمادى في انتهاك الحرمات، وامتدت يده إلا ما لا يجوز السماح بامتدادها إليه، بل الواجب يفرض قطعها.

4 ـ إنه «عليه السلام» لم يقل: إنه جرد الجيش لغزو معاوية للإيقاع به وقتله، بل قال: إنه يغزوه لمجرد منعه مما نالته يده. فالهدف من تجريد الجيش ليس هو سفك الدماء حتى دم المغامر المعتدي، بل الهدف هو كفه عن عدوانه، وإيقافه عند حده.

معاوية يستعلي بحمير:

وقد ذكر النص المتقدم في الفصل السابق: أن معاوية اشترط على علي «عليه السلام» أن يسلمه أقواماً من خيار الصحابة ليقتلهم ويصلبهم، بحجة مشاركتهم في قتل عثمان. وفيهم عمار بن ياسر وأضرابه..

فلما لم يستجب «عليه السلام» لشرطه «كر مستعلياً بطغيانه وبغيه بحمير لا عقول لهم ولا بصائر، فموه لهم أمراً فاتبعوه، وأعطاهم من الدنيا ما أمالهم به إليه».

وقد تضمنت كلماته هذه أموراً أشرنا إلى بعضها في ثنايا كتابنا هذا.. ونشير هنا أيضاً إلى ما يلي:

1 ـ إن معاوية ليس ولي دم عثمان، دون أبناء عثمان.

2 ـ إنه حتى لو كان ولي دمه، فإن عليه أن يرفع الأمر إلى الإمام، ليحاكم المتهمين وفق الأصول والضوابط الشرعية..

3 ـ ليس لولي الدم تولي الاقتصاص من القتلة إلا بعد حكم الحاكم والقاضي الذي هو الإمام. ومن خلاله.

4 ـ لا يحق لمعاوية ولا لغيره صلب أحد في هذه الواقعة وأمثالها..

5 ـ إن نفس اتهام معاوية لعمار وأمثاله، والسعي إلى قتلهم يدل على بغيه وظلمه، وعلى تعمده الكذب والافتراء والباطل، لعلم كل أحد ببراءة عمار وأضرابه من دم عثمان..

6 ـ بالنسبة لوصف أصحاب معاوية بالحمير نقول:

إن مثل هذا التوصيف قد ورد في القرآن، فقد قال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً([4]).

ووصف الله من أتاه الله آياته فانسلخ منها بقوله: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا([5]).

فإن الذين كانوا مع معاوية، وإن كان فيهم من أضله الله على علم، وختم على قلبه، وكان عارفاً بالأمور، وهو يمارسها عن علم ودراية طمعاً في حطام الدنيا، لكن الذين اعتمد عليهم معاوية في الوصول إلى مآربه كانوا من النوع الذي لا فهم عنده ولا بصيرة لديه..

ولكننا نجد في مقابل ذلك: أن أهل العراق بفضل جهود علي «عليه السلام» كانوا على درجة عالية من الوعي والفهم، وقد اعترف لهم معاوية بذلك في كلامه مع عكرشة بنت الأطرش.. وغير ذلك

وهذه من ميزات إمام الحق الذي يسعى لبث الوعي والمعرفة.. أما أئمة الباطل فيهمهم إبقاء الناس في ظلمات الجهل، وفي حمأة الرذيلة، ومنازل الذل والخزي.

متى أشار المغيرة بإبقاء معاوية:

إن كلام أمير المؤمنين «عليه السلام» في النص المتقدم يعطي: أن المغيرة بن شعبة إنما أشار عليه بإبقاء معاوية على الشام، بعد أن صار معاوية يغير على أطراف البلاد، ويتناول أطرافها. وأقبل يخبط البلاد بالظلم، ويطؤها بالغشم، وبعد أن شرع في أخذ البيعة لنفسه، فمن بايعه أرضاه، ومن خالفه ناوأه.. وهذا إنما تجلى في حرب الجمل فيما يظهر، لا حين البيعة له «عليه السلام».

وهو يؤيد ما ذكرناه: من أن إرسال العمال إلى البلاد قد سار بطريقة تدريجية، وأنه «عليه السلام» قد أرسل أكثر عماله إلى البلاد بعد حرب الجمل..

وإبقاء معاوية وهو يفعل هذه الأفاعيل، ويأخذ البيعة لنفسه ليس صواباً، بل هو دليل ضعف وخوف، وهو سيطمع معاوية، ويزيده جرأة، ويجرئ غيره على الاقتداء به.

هذا فضلاً عما ورد في ذم معاوية، وإظهاره على حقيقته، ولا نريد أن نقول أكثر من هذا.

راية الرسول مقابل راية حزب الشيطان:

وقد قرر «عليه السلام» في النص المتقدم في الفصل السابق:

1 ـ أنه أعذر وأنذر معاوية وحزبه أولاً.

2 ـ وبعد أن تم له ذلك بادر إلى الحرب التي هي في الحقيقة رجوع إلى حكم الله تعالى في أمثالهم.. وحكمه هو لزوم إعطاء السيف دوره في حسم الموقف معهم. وهذا هو ما عناه «عليه السلام» بقوله: وحاكمناهم إلى الله عز وجل، بعد الإعذار والإنذار.

3 ـ إنه إنما حاكمهم إلى الله، بعد أن لم يزد الإعذار والإنذار معاوية إلا بغياً وتمادياً.

4 ـ إنه «عليه السلام» يقول: إن الله تعالى لم يزل يفلُّ حزب الشيطان براية رسول الله «صلى الله عليه وآله» التي كانت بأيديهم. فلم ينسب ما كان يتحقق على يديه وأيدي المؤمنين إلى نفسه، وإلى من معه منهم، بل هو ينسبه إلى راية رسول الله «صلى الله عليه وآله» التي هي راية الحق والصدق، والاستقامة على الهدى الإلهي والناس يعرفون:

أن نفس الراية ـ بما لها من وجود مادي حقيقي وعينية خارجية ـ كانت معه ومع أصحابه.

أما معاوية فهو يرفع رايات أبيه التي هي راية الشيطان، الممثلة للباطل والانحراف.

وكما قاتل «عليه السلام» هذه الراية مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» في كل المواطن، فها هو يقاتلها بعده «صلى الله عليه وآله».

رفع المصاحف بعد فناء خيار أصحابه ×:

وقد ذكر «عليه السلام»: أن رفع المصاحف في صفين كان بعد فناء خيار أصحابه، بعد أن بذلوا الجهد في جهاد أعداء الله حتى مضوا على بصائرهم، ولم يبق إلا الأراذل والأوباش، الذين كانوا يريدون تحاشي هذه الحرب بأية وسيلة كانت، فوجدت خديعة رفع المصاحف آذانهم لها صاغية، وجازت عليهم حيلة الطاغية.. رغم أن قتل عمار قد بين لهم من هي الفئة الباغية.

مع أن علياً «عليه السلام» دعاهم إلى القرآن قبل أن تعضهم الحرب بأنيابها، فرفضوا دعوته. ثم زالت كل شبهة بقتلهم عمار بن ياسر. ولم يعد مبرر لأي ريب وشك، فقبول خدعة رفع المصاحف معناها: العودة إلى الشك والشبهة من جديد..

وقد توافق قول الأشتر لهم حين أبوا إلا الاستجابة لرفع المصاحف مع قول علي «عليه السلام»، فقد قال لهم الأشتر: «وقتل أماثلكم وبقي أراذلكم».

واللافت هنا: أنه «عليه السلام» يصرح في النص المنقول عنه في الفصل السابق: بأنه «عليه السلام» راود أصحابه على الصبر مقدار فواق الناقة([6]) أو ركضة الفرس، فلم يجيبوه إلى ذلك ما خلا الأشتر، وعصبة من أهل بيته «صلوات الله وسلامه عليه وعليهم».

ماذا لو مضى على بصيرته؟!:

وقد صرح «عليه السلام»: بأنه لو لم يرض بما أراده معاوية من رفع المصاحف لقتل الحسنان «عليهما السلام»، وعبد الله بن جعفر، ومحمد بن الحنفية..

ومن الواضح: أن قتل الحسنين «عليهما السلام» سيوجب انقطاع نسل الرسول «صلى الله عليه وآله».. وبذلك ينقطع نظام الإمامة المتمثل بإمامته وإمامة الحسنين، وتسعة أئمة من ولد الحسين ـ وليس له «عليه السلام» أن يفرط في هذا الأمر، مهما بلغت الأمور. فإن الإمامة ملك للأجيال كلها إلى يوم القيامة..

وحين استشهد الإمام الحسين «عليه السلام» في كربلاء لم ينقطع نسل الرسول، بل بقي وحفظ في الإمام بعده، أعني الإمام السجاد «عليه السلام»..

على أن من الواضح: أن قتل الحسنين «عليهما السلام»، وكذلك علي «عليه السلام» سيكون في جو مشحون بالشبهات مفعم بالأراجيف، غارق بالأباطيل والأضاليل.. وسيكون هذا بالغ الضرر، وعلى الأمة عظيم الخطر.

يمرقون بخلافهم على علي :

وقد روى المسلمون عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» وصفه الخوارج: بأنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية. أما أصحاب الجمل، فقد وصفهم «صلى الله عليه وآله» بالناكثين، ووصف أهل صفين بالقاسطين، وأهل النهروان بالمارقين..

ولكن أمير المؤمنين «عليه السلام» قد بين هنا أمراً مهماً، وهو يفيد: أن سبب مروق الخوارج من الدين هو خلافهم عليه، وحربهم إياه «صلوات الله وسلامه عليه».

وحسب تعبير بعض الأخوة: إن هؤلاء الذين أعانوا علياً «عليه السلام» على أعدائه، كان ظاهرهم هذا يعطي: أنهم سيكونون السهم الصائب على عدوه، والمصوب عليه، ولكن هذا السهم مرق وأفلت من الرمية، ولم يصب ذلك العدو، فلذلك سماهم الرسول «صلى الله عليه وآله» بالمارقين، وأطلق حديث مروق السهم من الرمية، ليبين حالهم بدقة بالغة.

أما أهل صفين فقد قسطوا وجانبوا وعدلوا عن الحق من أول أمرهم، فلم يتوافقوا معه، فسموا بالقاسطين.

أما الناكثون، فكان التشدد في أخذ العهود عليهم مرة بعد أخرى، ثم نكثهم بها جعل هذا النكث أظهر خصوصياتهم، فأطلق عليهم هذا الاسم.

ومهما يكن من أمر، فإننا إذا أخذنا بعموم التعليل، وهو أن يكون الخلاف على علي «عليه السلام» وحربه هو سبب خروجهم من الدين، فالنتيجة هي أن كل من حاربه «عليه السلام»، وخالف عليه، فإنه يمرق بذلك من الدين. فيشمل ذلك أصحاب الجمل وصفين أيضاً.

فيرد سؤال: إذا صح هذا، فلماذا لم يصف النبي نفسه أصحاب الجمل وصفين بهذا الوصف أيضاً. بل اكتفى بوصف هؤلاء بالقاسطين، وأولئك بالناكثين؟!

ويمكن أن يجاب:

بأن من الممكن أن يكون «صلى الله عليه وآله» أراد أن يبين لهؤلاء وأولئك خصوصية أخرى تضاف إلى خصوصية المروق تجعل جرمهم أعظم، وعقوبتهم أشد، وهذه الخصوصية هي نكث أصحاب الجمل لبيعته، وقسط أصحاب صفين، وجورهم.

وغني عن البيان: أن للكفر مراتب، فقد عد القرآن من لا يؤدي فريضة الحج مثلاً كافراً، قال تعالى:

﴿وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ([7]).

وأطلق وصف الكفر على من لم يشكر، قال تعالى: ﴿وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ([8]).

وأطلق على من لم يعمل صالحاً، وصف الكفر، فقال تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ([9]).

كما أن اليهود والنصارى كفار بمرتبة من مراتب الكفر، وأشد منها مرتبة الشرك.. ولهذا البحث مجال آخر.

زهد وعبادة الخوارج:

وقد جاء في النص المذكور في الفصل السابق ما ربما يفهم منه: أنه «عليه السلام» بصدد الثناء على الخوارج بأنهم قوم من أصحابه يصومون النهار، ويقومون الليل. ثم أثنى على الفرقة التي خرجت عليه بالنخيلة، والأخرى التي خرجت عليه بحروراء، بقوله:

«وكانوا ـ يا أخا اليهود ـ لولا ما فعلوه ركناً قوياً، وسداً منيعاً». أي أنهم كانوا مظنة ذلك في ظاهر الأمر لمن لا يعرف بواطنهم قبل أن يفعلوا ما فعلوا.

أما الفرقة الثالثة التي وصفها بأنها راكبة رأسها تخبط الأرض شرقاً حتى عبرت دجلة، فلم تمر بمسلم إلا امتحنته، فمن تابعها استحيته، ومن خالفها قتلته ـ أما هذه الفرقة، فقد أثنى عليها بقوله: «وكانوا من جلة أصحابي، وأهل التعبد والزهد في الدنيا».

مع أن ثمة دلائل وشواهد أخرى تشير إلى عكس هذه المعاني فيهم، فكيف نجمع بين هذين الأمرين؟! أوليس علي «عليه السلام» أعرف بأصحابه، وأحق من دل على مزاياهم؟! فلماذا لا نأخذ بكلامه هذا، ونترك كل ما عداه؟!

ونجيب:

إن علينا أن نأخذ بعين الإعتبار مجموع ما يلي من نقاط واحتمالات:

1 ـ إن من الجائز أن يكون «عليه السلام» قد أجرى كلامه في وصفه لهم على ما هو ظاهر حالهم، ووفق ما هو معروف عنهم بين الناس. ولا يجب أن يكون هذا الظاهر متوافقاً مع الباطن وواقع الأمر. فقد يتظاهر شخص أو جماعة بالزهد والتقوى، والعبادة، وهم إنما يطلبون الدنيا بالدين..

2 ـ والشاهد على ذلك: ما روي عن النبي «صلى الله عليه وآله» من أنه قال في وصفهم: «يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم»([10])، فدلنا بذلك: على أن عبادتهم وصلاتهم وقراءتهم القرآن لا تجاوز المظاهر، ولا تدخل إلى القلوب والبواطن..

3 ـ إن وصف أمير المؤمنين «عليه السلام» لهم: بأنهم «معاشر أخفاء الهام سفهاء الأحلام»([11]) يدل على ذلك أيضاً، فإن من كان سفيهاً، خفيف العقل، لا تفيده العبادة في تزكية نفسه، وتصحيح سلوكه، ولا توجب قربه من ربه، لأنه لا يتفاعل مع مضامينها، ولا يسترشد بمعانيها.

4 ـ إن ما وصف «عليه السلام» به أصحاب النخيلة وحروراء ليس ثناء، إذ قد يكون الأحمق والسفيه، وكذلك الفاسق سداً منيعاً في وجه العدو،إذا اتخذ قراراً بمواجهته، ولو لأجل الحصول على حطام الدنيا، أو إذا اتخذ موقفه بدافع العصبية لعشيرته، أو لحزبه، أو لمن له بهم هوى..

5 ـ أما الفرقة الثالثة، وهم الذين ذهبوا يخبطون الأرض شرقاً وغرباً، وفعلوا ما فعلوا حتى قتلهم «عليه السلام»، وهم أربعة آلاف أو يزيدون، فلا يمنع أن يكونوا أيضاً ممن يكثرون الصلاة والصيام، ويظهرون الزهد في الدنيا، فصارت لهم بسبب ذلك وجاهة واحترام عند الناس، وأحسنوا بهم ظنهم، مع غفلة الناس عن أنهم كانوا مشمولين أيضاً لأقوال النبي «صلى الله عليه وآله»، وأقوال أمير المؤمنين «عليه السلام»..

وبعبارة أخرى: إن جلالة هؤلاء أو بعضهم بين أصحابه «عليه السلام» وكذلك زهدهم الظاهر وعبادتهم الكثيرة لا تدل على استحقاقهم لهذا الإجلال والتكريم.. وقد أظهر فعلهم القبيح بعد ذلك، المتمثل باستحياء من تابعهم وقتل من خالفهم أنهم كانوا لا يستحقون أي شيء من التكريم والتعظيم، وأن باطنهم يخالف ظاهرهم.

6 ـ على أن من المعلوم عند الخاص والعام: أن هناك من يقضي حياته في الكفر والشرك أو في المعاصي والمآثم، ثم يختار طريق الإسلام والإيمان، والتوبة والطاعة للملك الديان، ويؤثر رضا الرحمان على طاعة الشيطان حتى يصبح من الأبرار الأخيار..

وهناك من يقضي حياته بالطاعة والعبادة ثم ينقلب على عقبيه في آخر عمره فيخسر الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ([12]).

فلماذا لا يكون هؤلاء ممن قضى عمره في الطاعة، ثم خرجوا منها إلى معصية الله وخذلانه، لأن الشيطان استزلهم ببعض ما كسبوا؟! قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا([13]).

ومن الذي قال: إن ظاهرة إبليس لا تتكرر في أوليائه، فيظهرون الإيمان والطاعة، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون؟!


([1]) من الآية 17 من سورة الرعد.

([2]) الآية 97 من سورة التوبة.

([3]) راجع: الإرشاد للشيخ المفيد ج1 ص190 وإعلام الورى ج1 ص271 وتاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص449 والكامل في التاريخ ج2 ص326 والملاحم والفتن لابن طاوس ص390 وبيت الأحزان ص62 وبحار الأنوار ج22 ص520 والغدير ج3 ص253 و 254 والدرجات الرفيعة ص86 و 87 وأعيان الشيعة ج1 ص430 وعن العقد الفريد ج4 ص85.

([4]) الآية 5 من سورة الجمعة.

([5]) الآية 176 من سورة الأعراف.

([6]) الفواق: الوقت ما بين الحلبتين، لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر، ثم تحلب.

([7]) الآية 97 من سورة آل عمران.

([8]) الآية 45 من سورة النمل.

([9]) الآية 44 من سورة الروم.

([10]) راجع على سبيل المثال في أمثال هذه العبارات ما يلي: مسند أحمد ج1 ص88 و 92 و 108 و 113 و 131 و 147 و 151 و 156 و 160 و 256 و 404 و 411 و 441 و 435 و 380 و 395 وج2 ص209 و 219 وج3 ص5 و 15 و 32 و 33 و 34 و 38 و 39 و 52 و 56 و 60 و 64 و 65 و 68 و 73 و 159 و 183 و 197 و 224 و 353 و 486 وج4 ص422 و 425 وج5 ص31 و 42 و 146 وراجع: ص253 ومجمع الزوائد ج6 ص228 و 229 و 231 و 27 و 230 و 232 و 235 و 239 وج9 ص129 ومستدرك الحاكم ج2 ص154 و 147 و 148 و 146 و 145 وكشف الأستار عن مسند البزاز= = ج2 ص360 و 361 و 363 و 364 والجوهرة في نسب علي «عليه السلام» وآله ص109 والمعجم الصغير ج2 ص100 والمصنف للصنعاني ج1 ص146 و 148 و 151 و 154 و 157 وكنز العمال ج11 ص126 و 180 و 127 و 128 و 129 و 130 و 131 و 175 و 182 و 271 و 312 عن مصادر كثيرة وكفاية الطالب ص175 و 176 وتاريخ بغداد ج12 ص480 وج10 ص305 والعقود الفضية ص66 و 70 والمغازي للواقدي ج3 ص948 والإصابة ج2 ص302. والغدير ج10 ص54 و 55 عن الترمذي ج9 ص37 وسنن البيهقي ج8 ص170 و 171 وتيسير الوصول إلى علم الأصول ج4 ص31 و 32 و 33 عن الصحاح الستة كلها، وعن أبي داود ج2 ص284 وفرائد السمطين ج1 ص276 ونظم درر السمطين ص116 والإلمام ج1 ص35 والخصائص للنسائي ص136 و 137 حتى ص149 وميزان الاعتدال ج2 ص263 ترجمة عمر بن أبي عائشة وأسد الغابة ج2 ص140 وتاريخ واسط ص199 والتنبيه والرد ص182 وصحيح البخاري ج2 ص173 وج4 ص48 و 122 ومناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص53 و 57 والجامع الصحيح للترمذي برقم 3896 وصحيح مسلم ج1 ص1063 و 1064 وفي هامش مناقب المغازلي عن الإصابة ج2 ص534 وعن تاريخ الخلفاء ص172 وراجع: إثبات الوصية ص147 وذخائر العقبى ص110 والمناقب للخوارزمي ص182 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص400 ونور الأبصار ص102.

وراجع: نزل الأبرار ص57 ـ 61 والرياض النضرة ج3 ص225 وراجع ص226 = = و 224 والفصول المهمة لابن الصباغ ص94 والبداية والنهاية ج7 ص379 حتى 350 عن مصادر كثيرة ومن طرق كثيرة جداً، وتذكرة الخواص ص104 وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص183 وج1 ص201 وج2 ص261 و 266 و 268 و 269 والكامل في التاريخ ج3 ص347. وتتبع مصادر هذا الحديث متعذر، فنكتفي هنا بهذا القدر.

([11]) راجع: الموفقيات ص327 ونهج البلاغة (بشرح عبده) ج1 ص87 وبحار الأنوار ج33 ص357 ونهج السعادة ج2 ص393 وميزان الحكمة ج1 ص734 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص265 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص63 ومصباح البلاغة للميرجهاني ج1 ص108 والكامل في التاريخ ج3 ص344 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج6 ص272 و 366 و 370 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص534.

([12]) الآية 144 من سورة آل عمران.

([13]) الآية 155 من سورة آل عمران.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان