الولاةُ
الذين أبقاهم عليٌ
:
وقد ذكر اليعقوبي:
أنَّ أبا موسى الأشعري هو الوالي الوحيد الذي ظل في منصبه من ولاة
عثمان([1]).
ونقول:
إنَّ هذا غير صحيحٍ، فقد أبقى «عليه السلام» أيضاً:
1 ـ
حذيفة بن اليمان الذي تولى المدائن لعثمان ثم أبقاهُ عليٌ «عليه
السلام» عليها، وكتابُ العهد الذي أرسله إليه معروفٌ ومتداولٌ([2])،
ولكن أيامه لم تطل، حيثُ يُقال: إنَّهُ توفي بعد أربعين يوماً([3])،
وقيل: بعد سبعة أيام([4]).
2 ـ
حبيب بن المنتجب، فإنَّهُ كان والياً على بعض أطراف اليمن من قبل
عثمان، ثم أبقاه عليٌ «عليه السلام»([5]).
ولا ندري إن كان من قال : إنَّ علياً «عليه السلام» لم
يبق من ولاة عثمان غير أبي موسى قد أراد أن يمنح أبا موسى وسام
المقبولية عند الناس وعند عليٍ «عليه السلام»، وأن يؤكد عدالته،
وإستقامته، وولاءه، ليُخفف من حدة النقد الموجه إليه بسبب ما فعله في
قضية التحكيم، ويزيل من النفوس آثار تصرفاته ومواقفه السيئة في كثيرٍ
من الأوقات، والحالات.
علي
يرسل عماله إلى البلاد:
ويقولون:
إنه «عليه السلام» دعا بابن أخته جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي،
فعقد له عقداً، وولاه على بلاد خراسان، وأمره بالمسير إليها، ليفتح ما
بقي منها.
ثم دعا بعبد الرحمان، مولى بديل بن ورقاء الخزاعي، فعقد
له عقداً، وأمره بالمسير إلى أرض الماهين (وهي الدينور، ونهاوند
وإحداهما: ماه الكوفة، والأخرى ماه البصرة([6]))
أميراً وعاملاً عليها.
ووجه بعماله إلى جميع البلاد التي كانت تحت طاعته، فسمع
القوم وأطاعوا([7]).
قال ابن حبان:
«وأقام بالبصرة خمسة عشر يوماً. ثم خرج إلى الكوفة، وولى على البصرة
عبد الله بن عباس، وولى الولاة في البلدان، وكتب إلى المدن بالقرار
والطاعة»([8]).
وذكروا أيضاً:
أن علياً «عليه السلام» ولى عبيد الله بن عباس اليمن، فوصلها وقد خرج
يعلى بن أمية بالأموال وبالحامية إلى مكة([9]).
وهذا يشير إلى أن هذا قد حصل بعد البيعة مباشرة.
وكذلك الحال بالنسبة لتولية عثمان بن حنيف البصرة،
وإبقاء أبي موسى على الكوفة كما سنشير إليه.
وقال الدينوري:
إنه «عليه السلام» بعد أن عاد من حرب الجمل إلى الكوفة: «وجه عماله إلى
البلدان، فاستعمل على المدائن وجوخى([10])
كلها يزيد بن قيس الأرحبي. وعلى الجبل وأصبهان محمد بن سليم، وعلى
البهقباذات قرظ بن كعب، وعلى كسكر وحيزها قدامة بن عجلان الأزدي، وعلى
بهرسير وإستانها عدي بن الحارث. وعلى إستان العالي حسان بن عبد الله
البكري. وعلى إستان الزوابي سعد بن مسعود الثقفي. وعلى سجستان وحيزها
ربعي بن كاس. وعلى خراسان كلها خليد بن كاس»([11]).
وقال:
«واستعمل على الموصل، ونصيبين، ودارا، وسنجار، وآمد، وميافارقين، وهيت،
وعانات، وما غلب عليها من أرض الشام الأشتر.
فسار إليها، فلقيه الضحاك بن قيس الفهري، وكان عليها من
قبل معاوية بن أبي سفيان. فاقتتلوا بين حران والرقة، بموضع يقال له:
المرج. إلى وقت المساء.
فبلغ ذلك معاوية، فأمد الضحاك بعبد الرحمان بن خالد بن
الوليد في خيل عظيمة.
فبلغ ذلك الأشتر، فانصرف إلى الموصل، فأقام بها يقاتل
من أتاه من أجناد معاوية. ثم كانت وقعة صفين»([12]).
وولى أيضاً:
عمر بن أبي سلمة البحرين([13]).
وقال البلاذري:
ولاه علي «عليه السلام» البحرين، ثم على فارس، ويقال:
ولاه حلوان، وماه، وماسبذان([14]).
متى أرسل
عماله إلى البلاد؟!:
يبدو:
أن علياً «عليه السلام»، لم يتعامل مع البلاد المختلفة
فيما يرتبط بإرسال ولاته إليها بطريقة واحدة، بل بأنحاء متفاوتة، وفق
ما تقتضيه الحكمة، وتمليه الأحوال والظروف.
فأما بالنسبة إلى معاوية، فقد أرسل إليه يطلب منه
القدوم عليه مع أعيان أهل الشام، لحكمة ستأتي الإشارة إليها.
وأما بالنسبة إلى الكوفة، فقد صبر حتى أتته بيعتهم، ثم
رأى أن يبقى أبا موسى عليها، لأمور سنتحدث عنها حين نصل إلى الحديث عن
مسيره «عليه السلام» إلى حرب الجمل، وامتناع أبي موسى عليه، وسعيه
لتثبيط الناس عنه.
وأعلم حذيفة بن اليمان بأنه أبقاه على المدائن.
وبعد أن بايعه أهل البصرة، وجاؤوا لتهنئته، أرسل عثمان
بن حنيف عليها.
كما أنه «عليه السلام» لم يرسل إلى مكة أحداً حتى تحرك
نحو البصرة، فأرسل حينئذٍ قثم بن العباس إليها..
أما مصر، فإنه «عليه السلام» لم ير حاجة لإرسال أحد
إليها، إلى أن انقضت حرب الجمل، فأرسل إليها قيس بن سعد..
وأرسل بعد حرب الجمل سائر عماله على البلاد كما سنرى.
وزعموا:
أن قيس بن سعد قد تولى مصر بعد البيعة لعلي «عليه السلام» مباشرة.
وستأتي قصة مفتعلة حول هذا الأمر في الفصل التالي.
غير أننا نقول:
إن ذلك لا يصح. بل كانت ولايته «رحمه الله» لمصر بعد
حرب الجمل، ودليلنا على ذلك:
1 ـ
سيأتي ذكر قيس بن سعد في رسالته «عليه السلام» لجرير بن عبد الله
البجلي.
2 ـ
ورد ذكره «رحمه الله» في سياق كلام المنذر بن الجارود: الذي دل على أن
قيساً كان في جملة القادة الذين دخلوا البصرة، وكان على ألف..
فدل هذا وذاك:
على أن قيساً لم يكن قد ذهب إلى مصر.
وهو يؤكد ما قلناه، من أنه «عليه السلام» إنما أرسل
عماله إلى البلاد بعد حرب الجمل، كما ذكره الدينوري وغيره..
3 ـ
وقد ورد في بعض النصوص التي ستأتي إن شاء الله ذكر قيس
بن سعد في جملة من أرسلهم علي «عليه السلام» إلى الكوفة لعزل أبي موسى،
ودعوة أهلها إلى نصرته([15]).
4 ـ
وقد خطب قيس في أهل الكوفة في هذه المناسبة([16]).
5 ـ
كما أنه قد حضر حرب الجمل. وله أشعار فيها خاطب بها
أمير المؤمنين «عليه السلام»([17]).
ولكن ما تقدم يتعارض مع قولهم في
مقابل ذلك:
إنه «عليه السلام» أرسله والياً على مصر بمجرد البيعة
له «عليه السلام».
فكيف نجمع بين الأمرين؟! لا سيما وأن البلاذري، وابن
الأثير، وابن مسكويه قد أيد هذا القول الأخير، فقد قال البلاذري: «وقال
قوم: كان قيس بن سعد بن عبادة مع الحسن وعمار.
والثبت:
أن علياً «عليه السلام» ولى قيساً مصر ـ وهو بالمدينة ـ حين ولى عبيد
الله بن العباس بن عبد المطلب اليمن. ثم إنه عزله عن مصر، وقدم
المدينة، وشخص هو وسهل بن حنيف إلى الكوفة، فشهدوا صفين والنهروان معه،
وأنه لم يوجد مع الحسن إلا عمار بن ياسر»([18]).
وقالوا أيضاً:
إنه «عليه السلام» بعد البيعة له، واستئذان طلحة والزبير بالذهاب إلى
مكة أمر الناس بالتجهز إلى الشام، وكتب إلى قيس بن سعد، وعثمان بن
حنيف، وإلى أبي موسى: أن يندبوا الناس إلى أهل الشام([19]).
ونجيب:
أولاً:
إنه لا مانع من أن يولى «عليه السلام» قيس بن سعد على
مصر بعد البيعة له «عليه السلام» مباشرة، ثم يحضر قيس إلى المدينة بعد
أشهر خصوصاً عند ذهاب طلحة والزبير إلى مكة، وكتابة علي «عليه السلام»
له بالقدوم إليه.. ويحضر حرب الجمل، فإن البيعة لعلي «عليه السلام»
كانت في الثامن عشر من ذي الحجة سنة 35 هـ. ق. كما تقدم.
ثانياً:
إنهم يصرحون: بأن مصر كانت بيد محمد بن أبي حذيفة إلى
أن قتل، فأرسل «عليه السلام» إليها قيس بن سعد، فدخلها مستهل ربيع
الأول، وتولاها مدة أربعة أشهر وخمسة أيام، انتهت في خامس شهر رجب سنة
سبع وثلاثين([20]).
وكان قتل محمد بن أبي حذيفة في ذي الحجة سنة ست وثلاثين([21]).
ثالثاً:
إن تاريخ الكتاب الذي كتبه علي «عليه السلام» مع قيس إلى أهل مصر هو
الرابع من صفر سنة ست وثلاثين([22]).
وبذلك يظهر:
أن ابن تغري بردى قد غلط وناقض نفسه حين قال: إن السنة التي تولى في
بعضها قيس بن سعد على مصر هي سنة ست وثلاثين([23]).
إلا أن يقال:
إن كتابة كتاب الولاية كانت في سنة ست وثلاثين، لكن وصول قيس إلى مصر،
وإمساكه بالأمور بالفعل كانت في أول شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين([24]).
رابعاً:
ظاهر كلام المقدسي: أن علياً «عليه السلام» قد ولى قيساً على مصر بعد
انتهاء حرب الجمل..
فقد قال بعد انتهائه من ذكر أحداث حرب الجمل، وخطبته في
أهل البصرة:
«يا جند المرأة، يا تُبَّاع البهيمة، رغا فأجبتم، وعقر
فانهزمتم، أخلاقكم رقاق، وأعمالكم نفاق، وماؤكم زعاق([25]).
ثم ولاها ـ أي البصرة ـ عبد الله بن العباس، حبر الأمة،
وولى مصر قيس بن سعد بن عبادة، وولى خراجها ماهوي، دهقان مرو، قاتل
يزدجرد، وخرج علي إلى الكوفة»([26]).
خامساً:
هناك ما يدل على حضور قيس حرب الجمل، وله شعر فيها يخاطب به أمير
المؤمنين «عليه السلام»، فراجعه([27]).
ونجد في مقابل ذلك:
أن ثمة من ينكر ذلك، ويؤكد على عدم صحته، وأن الصحيح هو: أن قيساً قد
تولى مصر بعد البيعة لعلي «عليه السلام» مباشرة..
ويستدل على ذلك.. بما يلي:
أولاً:
ما تقدم عن البلاذري وابن الأثير، وغيرهما..
ثانياً:
قولهم: خرج إلى حرب الجمل، ورجع وقيس على مصر. وتصريحهم: بأنه ولاه
إياها بعد مقتل عثمان([28]).
ثالثاً:
القصة المفصلة التي تذكر ما جرى لعمال علي «عليه
السلام» حين أرسلهم إلى البلاد بعد بيعته، وما جرى في الكوفة بين عمارة
بن شهاب، أو (عمارة بن حسان بن شهاب)، وطليحة بن خويلد، حيث أجبره
طليحة على الرجوع.
وقصة إجبار سهل بن حنيف على الرجوع عن الشام.. وتفصيل
القصة كما ذكره ابن حبان كما يلي:
«ثم أخذ بما أشار عليه أبو أيوب الأنصاري وعزم على
المقام بالمدينة، وبعث العمال على الأمصار، فبعث عثمان بن حنيف على
البصرة أميراً، وعمارة بن حسان بن شهاب على الكوفة، وعبيد الله بن عباس
على اليمن، وقيس بن سعد على مصر، وسهل بن حنيف على الشام.
فأما سهل بن حنيف، فإنه خرج حتى إذا كان بتبوك لقيه خيل
من أهل الشام، فقالوا له: من أنت؟!
قال:
أمير.
قالوا:
على أي شيء؟!
قال:
على الشام.
قالوا:
إن كان عثمان بعثك فحي هلا بك. وإن كان بعثك غيره
فارجع.
قال:
ما سمعتم بالذي كان؟!
قالوا:
بلى، ولكن ارجع إلى بلدك.
فرجع إلى علي. وإذا القوم أصحاب([29]).
وأما قيس بن سعد، فإنه انتهى إلى أيلة، فلقيه طلائع،
فقالوا له: من أنت؟!
فقال:
أنا من الأصحاب الذين قتلوا وشردوا من البلاد، فأنا
أطلب مدينة آوي إليها.
فقالوا:
من أنت؟!
قال:
أنا قيس بن سعد بن عبادة.
فقالوا:
امض بنا.
فمضى قيس حتى دخل مصر، وأظهر لهم حاله، وأخبرهم أنه ولي
على مصر.
فافترق عليه أهل مصر فرقاً:
فرقة دخلت في الجماعة وبايعت. وفرقة أمسكت واعتزلت. وفرقة قالت: إن قيد
من قتله عثمان فنحن معه، وإلا فلا.
فكتب قيس بن سعد بجميع ما رأى من أهل مصر إلى علي.
وأما عبيد الله بن عباس، فإنه خرج منطلقاً إلى اليمن لم
يعانده أحد، ولم يصده عنها صاد، حتى دخلها فضبطها لعلي.
وأما عمارة بن حسان بن شهاب، فإنه أقبل عامداً إلى
الكوفة، حتى إذا كان بزبالة لقيه طليحة بن خويلد الأسدي، وهو خارج إلى
المدينة يطلب دم عثمان، فقال طليحة: من أنت؟!
قال:
أنا عمارة بن حسان بن شهاب.
قال:
ما جاء بك؟!
قال:
بعثت إلى الكوفة أميراً.
قال:
ومن بعثك؟!
قال:
أمير المؤمنين علي.
قال:
إلحق بطيتك (كذا)، فإن القوم لا يريدون بأميرهم أبى
موسى الأشعري بدلاً.
فرجع عمارة إلى علي، وأخبره الخبر، وأقام طليحة بزبالة.
وأما عثمان بن حنيف، فإنه مضى يريد البصرة وعليها عبد
الله بن عامر بن كريز. وبلغ أهل البصرة قتل عثمان، فقام ابن عامر، فصعد
المنبر، وخطب، وقال: إن خليفتكم قتل مظلوماً، وبيعته في أعناقكم،
ونصرته ميتاً كنصرته حياً. واليوم ما كان أمس [ولي عليكم اليوم ما كان
لي بالأمس]([30])،
وقد بايع الناس علياً، ونحن طالبون بدم عثمان، فأعدوا للحرب عدتها.
فقال له حارثة بن قدامة:
يا بن عامر، إنك لم تملكنا عنوة، وقد قتل عثمان بحضرة
المهاجرين والأنصار، وبايع الناس علياً، فإن أقرك أطعناك، وإن عزلك
عصيناك.
فقال ابن عامر:
موعدك الصبح.
فلما أمسى تهيأ للخروج وهيأ مراكبه([31]).
وقد ناقشنا هذه الرواية بما فيه الكفاية.
فأولاً:
لو كانت خيل معاوية تبلغ تبوك، لكانت الأردن وفلسطين ومصر تحت سيطرة
معاوية، مع أن الأمر لم يكن كذلك..
ثانياً:
المفروض: أن الكوفة قد بايعت علياً «عليه السلام» فور علمها بالبيعة
له، فما معنى رجوع عامله لقول طليحة؟! وقد أبقى علي «عليه السلام» أبا
موسى على الكوفة.
ثالثاً:
إن ما ذكر عن طليحة بن خويلد لا يصح أيضاً، وسيأتي الوجه في ذلك في
موضع آخر([32]).
رابعاً:
ولو سلم ذلك فلماذا لم يواصل طليحة مسيره إلى المدينة؟! ولماذا أقام
بزبالة؟! وكيف تعامل معه علي «عليه السلام»؟! وماذا كان مصيره؟!
خامساً:
إن الطريقة التي يزعمون: أن قيساً دخل فيها إلى مصر غير مقبولة، ولا
معقولة، فإنه إذا كان نفوذ أهل الشام تجاوز الأردن، وفلسطين حتى بلغ
أيلة وتبوكاً، فقد كان بإمكانهم محاصرة مصر منذئذٍ والإستيلاء عليها،
ومنع أي كان من الناس من الوصول إليها، لا سيما مع وجود هذه المسافات
الشاسعة، والمساحات الواسعة التي تقع تحت سيطرتهم، ويمكنهم إسقاط ذلك
البلد البعيد والإستيلاء عليه بأدنى جهد.. ولا سيما إذا كان الناس فيها
ثلاث فرق: فرقة بايعت علياً «عليه السلام». وفرقة أمسكت واعتزلت. وفرقة
اشترطت الإقادة من قتلة عثمان.
وقد استدل ابن الأثير على أن محمد بن حذيفة كان حين
تولية قيس حياً: بأن علياً «عليه السلام» قد ولى قيساً على مصر أول ما
بويع له، ولو أن ابن أبي حذيفة قتله معاوية وعمرو قبل وصول قيس إلى مصر
لاستوليا عليها، لأنه لم يكن بها أمير يمنعهما عنها([33]).
ولا خلاف في أن استيلاء معاوية وعمرو بن العاص على مصر
قد كان بعد حرب صفين.
واستشهد برواية تقول:
إن محمد بن أبي حذيفة أخرج عبد الله بن سعد بن أبي سرح
عن مصر، فنزل على تخومها، فطلع عليه راكب، فأخبره بقتل عثمان، والبيعة
لأمير المؤمنين علي «عليه السلام»، وبأن عامله قيس بن سعد قادم عليهم،
فهرب ابن سرح. فدل ذلك على أن توليته قيس لمصر كانت بعد البيعة لعلي
«عليه السلام» مباشرة([34]).
ونقول:
أولاً:
إن الوقائع إذا عارضت الأقوال، فالذي يقدم هو الوقائع، لأن احتمال
الاجتهاد والتزوير في الأقوال أظهر منه فيها.
وقد تقدم:
أن النصوص تذكر: أن علياً «عليه السلام» أرسل قيساً إلى الكوفة، وأنه
ذهب إليها، وخطب في الناس.
وذكرت أيضاً:
أنه حضر حرب الجمل، وخاطب علياً «عليه السلام» ببعض الإشعار.
ثانياً:
إن تاريخ الكتاب الذي كتبه علي «عليه السلام» إلى أهل مصر حين تولية
قيس يبين: أنه لم يرسله فور البيعة له. بل تأخر إرساله من هذا التاريخ
حوالي سنة. وهذه حجة دامغة لا مجال للمراء فيها.
ثالثاً:
إن من الممكن أن يكون معاوية قد اعتمد على بعض الناس في الإمساك بأمور
مصر، ولكنه لما سمع الناس بمجيء قيس غلبوه على أمره، وآثروا الوقوف إلى
جانب الخليفة الشرعي، والإنضواء تحت لوائه. وسلموا لقيس، وأهملوا من
عداه.
وسيأتي في هذا الفصل، والفصل
التالي:
حديث عن تولي قيس بن سعد مصر، بعد البيعة لعلي «عليه
السلام» مباشرة، وتفنيد مزاعمهم في ذلك.
وسيأتي أيضاً:
بعض الحديث عن الكتاب الذي أرسله «عليه السلام» مع قيس
إلى أهل مصر.
تقدم:
أن علياً «عليه السلام» أرسل أكثر عماله إلى البلاد بعد
حرب الجمل. ولكن بعض الروايات تحاول أن تبتدع أحداثاً خيالية لإظهار أن
خلافة علي «عليه السلام» لم تكن مقبولة ولا مرضية عند الناس، فضلاً عن
أن تكون مجمعاً عليها.
وهي روايات زبيرية وأموية حاقدة على علي «عليه السلام»،
وعلى أهل بيته.. حاولت أن تتلاعب بتاريخ إرسال علي «عليه السلام» عماله
إلى البلاد، وتخترع أحداثاً لا أساس لها للتسويق لما ترمي إليه من
الطعن في إجماع الناس على خلافته «عليه السلام».
ونريد أن نذكر في هذا الفصل بعض هذه الروايات الخيالية
والمسمومة، فلاحظ ما يلي:
وفي حوادث سنة ست وثلاثين ذكروا ما
يلي:
روى الطبري، عن السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد،
وطلحة، قالا:
لما دخلت سنة ست وثلاثين بعث على «عليه السلام» عماله
على الأمصار، فبعث عثمان بن حنيف على البصرة ، وعمارة بن [حسان بن]
شهاب على الكوفة، وكانت له هجرة، وعبيد الله بن عباس على اليمن، وقيس
بن سعد على مصر، وسهل بن حنيف على الشام.
فأما سهل، فإنه خرج حتى إذا كان
بتبوك لقيته خيل، فقالوا:
من أنت؟!
قال:
أمير.
قالوا:
على أي شيء؟!
قال:
على الشام.
قالوا:
إن كان عثمان قد بعثك فحيهلاً بك، وإن كان بعثك غيره،
فارجع.
قال:
أوما سمعتم بالذي كان؟!
قالوا:
بلى.
فرجع إلى علي.
وأما قيس بن سعد، فإنه لما انتهى
إلى أيلة لقيته خيل، فقالوا:
من أنت؟
قال:
من فالة عثمان، فأنا أطلب من آوي إليه، وأنتصر به.
قالوا:
من أنت؟!
قال:
قيس بن سعد.
قالوا:
امض بنا.
فمضى حتى دخل مصر، وأظهر لهم حاله
فافترق أهل مصر فرقاً:
فرقة دخلت في الجماعة، وكانوا معه.
وفرقة وقفت واعتزلت إلى خربتا.
وقالوا:
إن قتل قتلة عثمان فنحن معكم، وإلا فنحن على جديلتنا حتى نُحَرِّك أو
نصيب حاجتنا.
وفرقة قالوا:
نحن مع علي ما لم يقد إخواننا، وهم في ذلك مع الجماعة.
وكتب قيس إلى أمير المؤمنين بذلك.
وأما عثمان بن حنيف، فسار فلم يرده أحد عن دخول البصرة،
ولم يوجد في ذلك لابن عامر رأي، ولا حزم، ولا استقلال بحرب.
وافترق الناس بها، فاتبعت فرقة القوم، ودخلت فرقة في
الجماعة. وفرقة قالت: ننظر ما يصنع أهل المدينة فنصنع كما صنعوا.
وأما عمارة فأقبل حتى إذا كان بزبالة([35])
لقيه طليحة بن خويلد. وقد كان حين بلغهم أمر عثمان خرج يدعو إلى الطلب
بدمه، ويقول: لهفي على أمر لم يسبقني، ولم أدركه:
يـــا لــيــتــنـي فـيـهـا جـــذع
أكـــــر فــــيـــهــا وأضـــــع
فخرج حين رجع القعقاع من إغاثة عثمان في من أجابه حتى
دخل الكوفة، فطلع عليه عمارة قادماً على الكوفة، فقال له: ارجع. فإن
القوم لا يريدون بأميرهم بدلاً، وإن أبيت ضربت عنقك.
فرجع عمارة وهو يقول:
احذر الخطر ما يماسك، الشر خير من شر منه. فرجع إلى علي
بالخبر.
وغلب على عمارة بن شهاب هذا المثل:
من لدن اعتاصت عليه الأمور إلى أن مات.
وانطلق عبيد الله بن عباس إلى اليمن، فجمع يعلى بن أمية
كل شيء من الجباية، وتركه وخرج بذلك وهو سائر على حاميته إلى مكة،
فقدمها بالمال.
ولما رجع سهل بن حنيف من طريق الشام وأتته الأخبار،
ورجع من رجع دعا علي طلحة والزبير، فقال: إن الذي كنت أحذركم قد وقع يا
قوم. وإن الأمر الذي قد وقع لا يدرك إلا بإماتته، وإنها فتنة كالنار،
كلما سعرت ازدادت واستنارت.
فقالا له:
فأذن لنا أن نخرج من المدينة، فإما أن نكابر، وإما أن
تدعنا.
فقال:
سأمسك الأمر ما استمسك، فإذا لم أجد بداً فآخر الدواء
الكي.
وكتب إلى معاوية، وإلى أبي موسى.
وكتب إليه أبو موسى بطاعة أهل الكوفة وبيعتهم، وبين
الكاره منهم للذي كان، والراضي بالذي قد كان، ومَنْ بَيْنَ ذلك، حتى
كأن علياً على المواجهة من أمر أهل الكوفة.
وكان رسول علي إلى أبي موسى معبد الأسلمي. وكان رسول
أمير المؤمنين إلى معاوية سبرة الجهني إلخ..([36]).
ثم ذكر الطبري جواب معاوية بالطومار الذي لم يكتب فيه
شيء.
ونقول:
إن رواية سيف هذه قد خلطت الغث بالسمين، والصحيح
بالسقيم، لأغراض لا تخفى على الناقد البصير، والباحث الخبير، وسنشير
إلى شيء من ذلك، ضمن ما يلي من عناوين:
تقدم:
أن سهل بن حنيف حين قيل له: من أنت؟!
قال:
أمير.
ونقول:
أولاً:
لا تحسن الإجابة بهذا قبل أن يُعْرَفَ السائل، فلعله
عدو ينبغي التحفظ منه.
ويلاحظ أيضاً:
أن سهل بن حنيف لم يسم نفسه في هذا الحوار.
ثانياً:
لم تذكر الرواية من هم الذين تصدوا لسهل، فإن كانوا من
أتباع معاوية، فهل كانت تبوك من أعمال الشام وتحت سيطرة معاوية؟! وكيف
بلغت هيمنة معاوية إلى تبوك؟! وإن كانوا من أتباع غيره، فمن هو ذلك
الغير المعادي لعلي «عليه السلام»؟!
ثالثاً:
إذا صحت هذه الرواية لم يكن معنى لإرسال علي «عليه
السلام» كتاباً إلى معاوية بعد هذا يطلب منه أن يقدم عليه مع أشراف أهل
الشام. ولم يذكر له من أمر الإمارة شيئاً..
بل في رواية مزعومة أخرى:
أنه «عليه السلام» كتب إليه بأنه يؤمره على الشام.
فأرسل إليه معاوية بالطومار الذي لم يكتب فيه شيئاً كما
تقدم.
رابعاً:
لماذا لم يرو هذه الرواية سوى سيف المعروف بالكذب
والوضع، مع أن ما تتضمنه هام، وحساس، ولافت؟!
أما ما ذكره سيف من ادعاء قيس للخيل
التي واجهته بأيلة:
أنه من فالة عثمان، فيرد عليه:
أولاً:
من أين علم قيس: أن الخيل التي لقيته كانت من اتباع
عثمان، فلعلها من إتباع الثائرين على عثمان وما أكثرهم..
ثانياً:
إذا كان محبو عثمان قليلين في مصر إلى حدّ أنهم اعتزلوا إلى خربتا.
وسيطر قيس بن سعد على سائر مصر، فلماذا وكيف سيطروا على مداخلها؟!
وسمحوا لمن هو من فالة عثمان، ويبحث عن من ينتصر به، ويأوي إليه أن
يدخلها؟!
ثالثاً:
ألم يكن قيس بن سعد من خُلَّص أصحاب علي «عليه السلام»،
ولم يكن من مؤيدي عثمان، بل كان من المنتقدين له، إن لم نقل أكثر من
ذلك، ولم يكن قيس رجلاً مغموراً، بل كان معروفاً ومشهوراً، فكيف صدقوه
في دعواه: أنه من فالة عثمان، وأنه يبحث عن من يأوي إليه، وينتصر به؟!
رابعاً:
حتى الذين اعتزلوا إلى خربتا، فإنهم لم يظهر منهم أنهم
يعادون علياً «عليه السلام»، بل هم أعربوا عن توقفهم في أمر البيعة له
بانتظار قرار علي «عليه السلام» بشأن قتلة عثمان.
ومعنى ذلك:
أن قيس بن سعد لم يكن بحاجة إلى استعمال التقية، وادعاء أنه من فالة
عثمان، وأنه يبحث عمن يلجأ إليه، وينتصر به.. لو فرض أن تلك الخيل التي
أخذت عليه الطريق كانت من خصوص هذا الفريق الذي في خربتا، الذي لم يكن
بالذي يحسب له حساب، لأنه كان جماعة صغيرة جداً..
بل هم يقولون:
إن حتى لو كان قرار علي «عليه السلام» هو أن لا يقتل قتلة عثمان، فإنهم
سيبقون على جديلتهم، ولا يحركون ساكناً إلا إذا تعمد الآخرون تحريكهم
وتهييجهم، وليس هذا من سياسة علي «عليه السلام».
خامساً:
إن قيس بن سعد إنما ذهب إلى مصر بعد حرب الجمل كما
ذكرناه في الفصل السابق.
وأما حديث عمارة بن شهاب وطليحة، فنحن نشير فيه إلى ما
يلي:
أولاً:
إن حديث لقاء عمارة بن شهاب بطليحة، وتهديد طليحة له لا
يصح، لأن طليحة مات في سنة إحدى وعشرين بنهاوند([37])،
أي قبل خلافة علي «عليه السلام» بخمس عشرة سنة.
ثانياً:
وعلى فرض كون طليحة حياً! هل يجرؤ طليحة على قتل والي
علي «عليه السلام»؟! فإن كان يجرؤ على ذلك، فلماذا لم ينصر عائشة في
حرب الجمل؟! ولماذا لم يمنع هاشم المرقال، وأبا موسى وسائر أهل الكوفة
من البيعة لعلي؟! وهل يمكن أن نعرف إلى أين توجه طليحة بدعوته للأخذ
بثارات عثمان؟! ومن الذي استجاب له؟! ولماذا لم يذكر التاريخ شيئاً عن
حركته هذه ولا عن جموعه وجماعته؟!
ثالثاً:
إن هذه الرواية تقول: إن أهل الكوفة لا يريدون بأميرهم بدلاً، مع أن
أهل الكوفة قد بايعوا علياً «عليه السلام»، وفرضوا بيعته على أبي موسى
الأشعري، وكانت هناك مراسلات بينه وبين علي «عليه السلام».
إلا أن يدعى:
أنه «عليه السلام» أرسل ابن شهاب والياً على العراق، فلما صده طليحة
أبقى أبا موسى، حتى سار إلى العراق، فلما وصل إلى ذي قار، أرسل الإمام
الحسن «عليه السلام» ومعه عمار إلى الكوفة، وعزلا أبا موسى، بسبب
تثبيطه الناس عن المسير مع علي «عليه السلام» لحرب الناكثين؟!
رابعاً:
قلنا: إن هذه الرواية إنما رواها الطبري عن سيف المتهم
بالكذب والوضع.
خامساً:
لا أدري من أين جاء سيف بن عمر بالقعقاع لإغاثة عثمان؟! وكيف أغاثه؟!
وبما وبمن أغاثه؟! وما هي نتائج هذه الإغاثة؟! وأين ذهب حين قتل
عثمان؟! هل ابتلعته الأرض؟! أم صعد في السماء؟! وهل أظهر شيئاً من
بطولاته في الذب عنه؟! وهل قتل أو جرح أحداً من المهاجمين؟! وهل؟!
وهل؟!
علي
وطلحة والزبير:
وأما ما زعمته الرواية المتقدمة:
من أنه لما رجع من رجع من عمال علي «عليه السلام» إليه دعا طلحة
والزبير، وقال لهما: إن الذي حذرهما منه قد وقع.. فهو أيضاً موضع شك
وريب، لما يلي:
فأولاً:
إن راوي ذلك هو سيف بن عمر المعروف بالكذب والوضع، والمفروض أن أحداثاً
كهذه مما يهتم أهل الأخبار بروايته لأسباب مختلفة، فلماذا لم يروها لنا
غير سيف؟!
ثانياً:
إن أمارات نكث طلحة والزبير كانت ظاهرة للعيان منذ يوم البيعة، حيث
امتنع طلحة من إعطاء مفتاح بيت المال إلى علي «عليه السلام»، فاضطر
«عليه السلام» إلى كسره، ثم ظهرت بعدما رفض «عليه السلام» تلبية
مطالبهما في أن يوليهما الكوفة والبصرة، وأن يميزهما في العطاء. بل إن
نفس قتالهما لعثمان من أجل الأموال والمناصب يوجب الظن القوي بأنهما لن
يفيا بالبيعة لعلي «عليه السلام».
ثم إن الزبير قد أعد السيف للفتك بعلي «عليه السلام»
حين جاءه إلى بيته.. وهذا من أوضح مصاديق النكث. كما أنهما قد امتنعا
من أخذ العطاء، إلى غير ذلك من الدلائل والشواهد على ذلك.
ثالثاً:
لماذا لم يضم «عليه السلام» إليهما حين دعاهما ليخبرهما بأن الذي
حذرهما منه قد وقع ـ لماذا لم يضم إليهما ـ أعيان المسلمين، وخيارهم،
مثل عمار بن ياسر، والأشتر، وسائر الصحابة ويخاطب الجميع بذلك الخطاب؟!
إلا أن يقال:
إنه «عليه السلام» أراد تحذيرهما من إذكاء نار الفتنة، وإقامة الحجة
عليهما على الأقل..
ويجاب:
بأن تحذيرهما في ملأ من الناس أقوى وأوقع، وأعظم أثراً.
ويبدو:
أن المطلوب من جعل هذه الأباطيل: هو تبرئتهما من الفتنة، وإظهار
براءتهما من تحريك الناس، وجمع الجيوش لحربه، وأن غالب الناس كانوا
كارهين لحكمه «عليه السلام»، مع رضاهم عن حكم عثمان، وأن الأمة كلها
تريد الاقتصاص من قتلة عثمان. بالاضافة إلى أن المطلوب هو إعلاء شأن
عثمان، وإظهار أنهما يضارعان علياً «عليه السلام» في المقام والموقع
بين المسلمين باعتراف علي «عليه السلام» نفسه علمياً بذلك.
ويبقى أن نسأل هذا الذي قلب الميسرة على الميمنة
والميمنة على الميسرة في تزوير الحقيقة، حتى استعان بالأموات، لماذا
فعل ذلك؟! هل يريد بذلك مجرد إظهار اختلال الأمور وعدم انتظامها لعلي
«عليه السلام» منذ اليوم الأول؟! والإيحاء بأن حكومته لم يكن مرحباً
بها في العديد من الأقطار والأمصار؟!.
أم أنه يريد أن يظهر شدة حب الناس للخليفة القتيل الذي
قتله الناس بمرأى ومسمع، وبمشاركة ورضى من صحابة رسول الله «صلى الله
عليه وآله». ليعوضه بعض ما فقده من وهج العظمة، وأبهة الخلافة؟!.
أم أراد هذين الأمرين معاً، ليمهد الأمور لتلميع صورة
معاوية، بعد أن يكون قد أعطى صورةً باهتةً لا حياة فيها عن علي «عليه
السلام» وعن خلافته؟!
غير أننا نقول:
ليقصد ما شاء بتزويره هذا، فإن الله قد أخزى الكاذب،
وأذل الباغي، وقد خاب من افترى.
وفي النص الذي ذكره ابن حبان وابن أعثم للرواية ما يزيد
الريب في صحتها، فقد قالوا:
وأما عثمان بن ضيف، فانه مضى يريد البصرة وعليها عبد
الله بن عامر بن كريز. وبلغ أهل البصرة قتل عثمان، فقام ابن عامر فصعد
المنبر، وخطب وقال:
إن خليفتكم قتل مظلوماً، وبيعته في أعناقكم، ونصرته
ميتاً كنصرته حياً، ولي عليكم اليوم ما كان لي بالأمس، وقد بايع الناس
علياً، ونحن طالبون بدم عثمان. فأعدوا للحرب عدتها.
فقال له حارثة بن قدامة:
يا ابن عامر، إنك لم تملكنا عنوة، وقد قتل عثمان بحضرة
المهاجرين والأنصار، وبايع الناس علياً، فإن أقرك أطعناك وإن عزلك
عصيناك.
فقال ابن عامر:
موعدك الصبح.. فلما أمسى تهيأ للخروج، وهيأ مراكبه، وما
يحتاج إليه، واتخذ الليل جملاً يريد المدينة، واستخلف عبد الله بن عامر
الحضرمي على البصرة، فأصبح الناس يتشاورون في ابن عامر، وأخبروا
بخروجه.
فلما قدم ابن عامر المدينة أتى طلحة
والزبير، فقالا له:
لا مرحباً بك ولا أهلاً، تركت العراق والأموال، وأتيت
المدينة خوفاً من علي؟! ووليتها غيرك، واتخذت الليل جملاً؟! أقمت حتى
يكون لك بالعراق فئة؟!
قال ابن عامر:
فأما إذا قلتما هذا فلكما علي مئة ألف سيف، وما أردتما
من المال الخ..([38]).
ونقول:
أولاً:
إن عبد الله بن عامر الحضرمي لم يكن في البصرة حين قتل
عثمان، بل كان عاملاً لعثمان على مكة، وقد جاء إلى عائشة وهنأها بقتل
عثمان([39])
.
فكيف استخلفه عبد الله بن عامر بن كريز على البصرة؟!
ثانياً:
إن عبد الله بن عامر بن كريز لم يأت من البصرة إلى
المدينة، بل جاء منها إلى مكة ومعه مال كثير، فاجتمع بعائشة وطلحة
والزبير وغيرهم وهناك ائتمروا، ومن هناك ساروا إلى حرب علي.
ثالثاً:
هل يجرؤ ابن كريز أن يأتي المدينة ومعه تلك الأموال الهائلة، وفيها
أمير المؤمنين
«عليه السلام»
الذي يعرف مدى حرصه على إعادة ما استلب من بيوت
الأموال، والذي رفع شعار أنه سيستردها حتى لو زوج بها النساء. كما
ذكرنا في بعض فصول هذا الكتاب؟!
رابعاً:
كيف يجرؤ ابن كريز على تمكين علي
«عليه السلام» منه، وهو قد أعلن للناس في البصرة حسب ما
ذكره هذا النص نفسه أنه بصدد الطلب بدم عثمان، وطلب من الناس أن يعدوا
للحرب عدتها؟!.
([1])
تاريخ اليعقوبي ج2 ص179.
([2])
راجع: إرشاد القلوب ص321 و322 والدرجات الرفيعة ص288 وبحار
الأنوار ج28 ص87 و 88 وكشف اليقين ص137 ومصباح البلاغة (مستدرك
نهج البلاغة) ج4 ص95 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص202 ونهج
السعادة ج4 ص19 وأعيان الشيعة ج4 ص604.
([3])
المستدرك للحاكم ج3 ص380 والتاريخ الصغير ج1 ص105 والتاريخ
الكبير= = ج1 ص12 وج3 ص95 ومروج الذهب ج2 ص394 وتاريخ مدينة
دمشق ج12 ص300 و 301 و 302 وج55 ص261 ومستدرك سفينة البحار ج5
ص212 وعمدة القاري ج2 ص12 وج16 ص283 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال
ص74 والإكمال في أسماء الرجال ص42 ومعرفة الثقات للعجلي ج1
ص289 والثقات لابن حبان ج3 ص80 ومشاهير علماء الأمصار ص74
وتاريخ بغداد ج1 ص175 والتعديل والتجريح ج2 ص 552 وأسد الغابة
ج1 ص392 وتهذيب الكمال ج5 ص499 والإصابة ج2 ص39 وتهذيب التهذيب
ج2 ص193 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص493 والوافي بالوفيات ج11
ص252 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج6 ص232
والدرجات الرفيعة ص288 وأعيان الشيعة ج4 ص591 و 599 و 605
والفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص39.
([4])
مروج الذهب ج2 ص394 والدرجات الرفيعة ص288 وأعيان الشيعة ج4
ص591 و 599 والفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص39.
([5])
بحار الأنوار ج42 ص259 ومستدركات علم رجال الحديث للنمازي ج2
ص304.
([6])
معجم البلدان (ط دار إحياء التراث العربي) ج5 ص313 وفتوح
البلدان ج2 ص375 وراجع: معجم ما استعجم ج4 ص1412 وبحار الأنوار
ج55 ص334 عن القاموس ج4 ص293.
([7])
الفتوح لابن أعثم (ط الهند) ج2 ص368 و 369 و (ط دار الأضواء)
ج2 ص447.
([8])
الثقات لابن حبان ج2 ص284.
([9])
تاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص463 والفتنة ووقعة
الجمل ص101 والكامل في التاريخ ج3 ص202 والعبر وديوان المبتدأ
والخبر ج2 ق1 ص152.
([10])
كورة واسعة في سواد بغداد.
([11])
الأخبار الطوال ص153.
([12])
الأخبار الطوال ص154.
([13])
راجع: نهج البلاغة، الكتاب رقم 42 وقاموس الرجال 8 ص156 عنه،
وبحار الأنوار ج32 ص168 و 169 وج33 ص515 ونهج السعادة ج4 ص227
وتحفة الأحوذي ج5 ص480 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص219 وج16
ص173 وجامع الرواة للأردبيلي ج1 ص630 والدرجات الرفيعة ص198
وتهذيب الكمال ج21 ص374 والإصابة ج4 ص487 وتقريب التهذيب ج1
ص718 وتهذيب التهذيب ج7 ص401 والأعلام للزركلي ج5= = ص51
والمعارف لابن قتيبة ص136 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص201 وتاريخ
الأمم والملوك ج3 ص470 و 471.
([14])
راجع: أنساب الأشراف ج1
ص430 وقاموس الرجال ج8 ص157 و 158 عنه.
([15])
راجع: الجمل للشيخ المفيد ص243 و 244 و 245 و 246 و 398 و (ط
مكتبة الدواري ـ قم) ص131 و 132 والغدير ج2 ص76.
([16])
الجمل للشيخ المفيد ص246 و (ط مكتبة الدواري ـ قم) ص133
والأمالي للطوسي ص719 وبحار الأنوار ج32 ص73 .
([17])
الجمل للشيخ المفيد ص342 و 343 والأمالي للطوسي ص720 وبحار
الأنوار ج32 ص74 والغدير ج2 ص76.
([18])
أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص235.
([19])
الكامل في التاريخ ج3 ص204 وتجارب الأمم ج1 ص301 وأعيان الشيعة
ج1 ص447 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص153 والفصول
المهمة لابن الصباغ ج1 ص369 و 370.
([20])
النجوم الزاهرة ج1 ص97 وراجع ص94 و 95 والولاة والقضاة للكندي
ص22 و 20 والخطط للمقريزي ج9 ص300 والغدير ج2 ص71 وراجع: تاريخ
مدينة دمشق ج49 ص402.
([21])
راجع: تاريخ مدينة دمشق ج52 ص273 عن ولاة مصر للكندي ص43
وإمتاع الأسماع ج6 ص157 وسير أعلام النبلاء ج3 ص479 ـ 481 .
([22])
النجوم الزاهرة ج1 ص98 والغارات للثقفي ج1 ص211 وبحار الأنوار
ج33 ص535 ونهج السعادة ج4 ص28 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6
ص59 والدرجات الرفيعة ص337 والبداية والنهاية ج7 ص280 والعبر
وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص167 .
([23])
النجوم الزاهرة ج1 ص101.
([24])
الخطط للمقريزي ج9 ص300. وراجع: فتوح مصر وأخبارها ص458.
([25])
البدء والتاريخ ج5 ص216 وراجع: نهج البلاغة ج1 ص44 ومصباح
البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج2 ص18 والأمالي للشيخ الطوسي
ص701 و 702 والإحتجاج للطبرسي ج1 ص250 وبحار الأنوار ج32 ص225
و 236 و 245 و 254 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص361 وموسوعة
أحاديث أهل البيت للنجفي ج5 ص392 ونهج السعادة ج1 ص322 وشرح
نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص251 وتفسير القمي ج2 ص339 والتفسير
الصافي ج5 ص97 وتفسير نور الثقلين ج5 ص172 والمناقب الخوارزمي
ص189.
([26])
البدء والتاريخ ج5 ص216.
([27])
الجمل للشيخ المفيد ص342 و 343 و (ط مكتبة الدواري ـ قم) ص130
و 131.
([28])
تجارب الأمم ج1 ص331 والغارات للثقفي ج1 ص212 وبحار الأنوار
ج33 ص536 والغدير ج2 ص71 والدرجات الرفيعة ص337 وأنساب الأشراف
ص390 وأعيان الشيعة ج8 ص453.
([29])
في العبارة سقط، ولعل الأصل: «إذا القوم أصحاب معاوية».
([30])
الفتوح لابن أعثم ج2 ص269 والثقات لابن حبان ج2 ص273 وراجع:
الفتنة ووقعة الجمل ص99 و 100 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص462
والكامل في التاريخ ج3 ص201 وأعيان الشيعة ج1 ص446.
([31])
الثقات لابن حبان ج2 ص273 و 274.
([32])
راجع هذا الجزء تحت عنوان: «عمارة بن شهاب وطليحة».
([33])
الكامل في التاريخ ج3 ص266.
([34])
الكامل في التاريخ ج3 ص266 وراجع: الغارات للثقفي ج1 ص206 و
207 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص57 وتاريخ مدينة دمشق ج29
ص41.
([35])
زبالة: مكان معروف بطريق مكة من الكوفة. وهي قرية عامرة بها
أسواق بين وابصة والثعلبية.
([36])
تاريخ الأمم والملوك ج3 ص462 ـ 464 والكامل في التاريخ ج3 ص201
و 202 والفتنة ووقعة الجمل ص99 ـ 102 والثقات لابن حبان ج2
ص273 و 274 وتجارب الأمم ج1 298 و 299.
([37])
الإصابة (مطبعة مصطفى محمد بمصر سنة 1358هـ) ج2 ص226 و (ط دار
الكتب العلمية ـ بيروت سنة 1415هـ) ج3 ص440 وراجع: سير أعلام
النبلاء ج1 ص317 وتاريخ مدينة دمشق ج25 ص172 وتاريخ الإسلام
للذهبي ج3 ص230 والبداية والنهاية ج7 ص134.
([38])
الثقات لابن حبان ج2 ص274 و 275 والفتوح لابن أعثم ج2 ص269 و
271.
([39])
حرب الجمل ص 227 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص421 و (ط مؤسسة
الأعلمي) ج3 ص467 و 469 والكامل في التاريخ ج3 ص207 والفتنة
ووقعة الجمل ص110 و 112 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2
ص154 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص433 و 447 و 457 و 499
والطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص47 وبحار الأنوار ج32 ص144 والنص
والإجتهاد ص428.
|