صفحة :157-192   

الفصل الثاني: رسائل مفتوحة إلى أهل البلاد..

كتابه إلى أهل المدائن:

وذكر المؤرخون كتابه «عليه السلام» الذي أرسله إلى حذيفة بن اليمان «رحمه الله» ليقرأه على أهل المدائن، فذكر أنه لما وصل عهد أمير المؤمنين «عليه السلام» ـ المتقدم ـ إلى حذيفة، جمع الناس فصلى بهم ثم أمر بالكتاب فقرئ عليهم:

«بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين..

سلام عليكم..

فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي على محمد وآل محمد..

أما بعد.. فإن الله تعالى اختار الإسلام ديناً لنفسه وملائكته ورسله، إحكاماً لصنعه وحسن تدبيره، ونظراً منه لعباده، وخص به من أحبه من خلقه، فبعث إليهم محمداً «صلى الله عليه وآله»، فعلمهم الكتاب والحكمة، إكراماً وتفضلاً لهذه الأمة، وأدَّبهم لكي يهتدوا، وجمعهم لئلا يتفرقوا، ووقفهم([1]) لئلا يجوروا، فلما قضى ما كان عليه من ذلك مضى إلى رحمة الله حميداً محموداً.

ثم إن بعض المسلمين أقاموا بعده رجلين رضوا بهديهما وسيرتهما، فأقاما ما شاء الله ثم توفاهما الله عز وجل.

ثم ولوا بعدهما الثالث، فأحدث أحداثاً، ووجدت الأمة عليه فعالاً.. فاتفقوا([2]) عليه (كذا) ثم نقموا منه، فغيروا، ثم جاؤوني كتتابع الخيل، فبايعوني، فأنا أستهدي الله بهداه، وأستعينه على التقوى.

ألا وإن لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة نبيه «صلى الله عليه وآله» وسلم، والقيام عليكم بحقه (كذا) وإحياء سنته، والنصح لكم بالمغيب والمشهد، وبالله نستعين على ذلك، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وقد وليت أموركم حذيفة بن اليمان، وهو ممن أرضى بهداه، وأرجو صلاحه، وقد أمرته بالإحسان إلى محسنكم، والشدة على مريبكم، والرفق بجميعكم، أسأل الله لنا ولكم حسن الخيرة والإسلام ورحمته الواسعة في الدنيا والآخرة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته([3]).

وعن ابن الأثير في كتاب حجة التفضيل، قال: «محمد بن الحسين الواسطي قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد قال: حدثنا الحسن بن زيادا الأنماطي قال: حدثنا محمد بن عبيد الأنصاري عن أبي هارون العبدي عن ربيعة السعدي قال: كان حذيفة والياً لعثمان على المدائن، فلما صار علي أمير المؤمنين كتب لحذيفة عهدا يخبره بما كان من أمره وبيعة الناس إياه. فاستوى حذيفة جالساً وكان عليلاً، فقال: قد والله وليكم أمير المؤمنين حقاً..  قالها ثلاثاً»([4]).

ونقول:

تضمن هذا الكتاب أموراً كثيرة، نذكر منها ما يلي:

لماذا يخاطب الناس؟!:

1 ـ إنه «عليه السلام» لم يكل الأمر إلى حذيفة ليكون هو الذي يتواصل مع الناس، ثم يخبره بشؤونهم وحاجاتهم.. بل أراد أن يتصل هو بالناس مباشرة، وأن يحدثهم.

وقد كان هذا هو شأنه، وهذه هي سيرته مع ولاته، كما يظهر. ولذلك نلاحظ: أنه «عليه السلام» يعين الوالي، ويرسل رسالتين: إحداهما للوالي، والأخرى لأهل تلك الولاية.

2 ـ لعل الهدف من هذا التواصل هو:

أولاً: تكريم الناس، وإعلامهم بمدى أهميتهم عنده.

ثانياً: إعلامهم بأن لهم الحق في معرفة الأمور، على قاعدة: «إن لكم على أن لا أخفي عنكم سراً إلا في حرب»([5]).

ثالثاً: إنه يريد أن لا يجعل سبيلاً للولاة للاستبداد بمن هم تحت يدهم، بل يريد أن يجعل للناس منافذ يمكنهم من خلالها أن يصلوا إلى الراعي الأصلي، والمسؤول الأول عنهم وعن شؤونهم، فإنه هو الذي يقدر أن يدفع عنهم، وأن يلبي مطالبهم المحقة.. لكي لا يكونوا محاصرين بأسباب التسلط، لا يجدون حولهم إلا الضعفاء أمثالهم.

رابعاً: إن وضوح الأمور للناس، وأخذ العلم به من مصدر القرار وهو الإمام «عليه السلام» مباشرة يجعل العلاقة بينهم وبين إمامهم وحاكمهم، ومصدر القرار طبيعية وواضحة، ويجعلهم يشعرون بأن عليهم أن يعيشوا القضايا كما يعيشها، وأن لهم دوراً في صنعها، وفي حفظ ما يجب حفظه منها، والتخلص مما يجب التخلص منه.

وبذلك لا تكون العلاقة علاقة حاكم بمحكوم، بل علاقة جزء من كل، وعلاقة تعاون وصدق ومسؤولية. وبذلك يكون قد سبق ولاته إلى العمل بما أمرهم به، وذلك بأن لا يجعلوا بينهم وبين الناس أو الرعية حاجباً يحجبهم عنه، أو يحجبه عنهم([6]).

كتابه إلى عامله.. وكتابه إلى الناس:

إن كتابه «عليه السلام» لأهل المدائن قد اقتصر على إيضاح الخط العام، الذي ينبغي أن يسير الناس فيه، لحفظ قضية الإسلام الكبرى وبيان خط سير الأحداث الصحيح من خلال التذكير بالقواعد والضوابط التي لا بد أن تكون هي الحاكمة والمهيمنة على ذلك المسار كله..

وهذه هي سمة كتبه «عليه السلام» للناس، فراجع ما كتبه إلى أهل الكوفة والبصرة، ومصر، والمدائن، وغير ذلك.

أما كتبه لعماله، فهي تتضمن الضوابط التي يجب عليهم رعايتها، والمعاني التي لا بد من لحاظها في ممارسة التدبير العملي لشؤون الناس..

فلاحظ وقارن بين رسالتيه هنا: التي أرسلها لحذيفة من جهة، ـ وقد تقدمت في الفصل السابق ـ والتي أمره أن يقرأها على أهل المدائن من جهة أخرى.

من عبد الله علي:

إنه «عليه السلام» وإن كان قد بدأ كتابه باسمه كما جرت العادة في مكاتبات الخلفاء آنئذٍ، ولكنه بدأ اسمه بالنص على عبوديته لله تعالى، التي هي ميزان الفضل وعنوان الكمال، والتي كلما أوغل وتحقق فيها الإنسان كلما استحق مقامات القرب والزلفى عند الله تعالى.

وكفى للتدليل على أهمية هذا المقام أن الله تعالى قد رضي لجميع عباده، وإلى قيام الساعة أن يبدأوا في التشهد في الصلاة بعد الشهادة لله تعالى بالوحدانية، ونفي الشريك، بالشهادة لرسول الله «صلى الله عليه وآله» بالعبودية لله قبل الرسولية، فأمرهم بأن يقولوا: «وأشهد أن محمداً عبده ورسوله»، وكأنه قدم الشهادة بالعبودية ليكرس حقيقة أنه «صلى الله عليه وآله» قد نال مقام رسوليته من خلال تلك العبودية.

الإسلام ليس مجرد قانون:

ثم أشار «عليه السلام» إلى عظمة وأهمية دين الإسلام بقوله: «اختار الإسلام ديناً لنفسه، وملائكته ورسله»، فنسب دين الإسلام إلى الله تعالى وإلى ملائكته ورسله، ليعظم أمر هذا الدين في أعين الناس، وليشير لهم أنه ليس مجرد طقوس، أو حركات، أو أنظمة عملية يطبقها الناس على حركاتهم وسكناتهم، وكأنه بمثابة جهاز آلي يعمل وفق نظام بعينه، ويستمر كذلك إلى أن يتلاشى ذلك الجهاز. أو لا هو مجرد قانون يضبط إيقاع حركة الناس، ويضعها ضمن حدود وقيود معينة للحفاظ على أمر لا يخرج عن نطاق المادة، وليس فيه أية قابلية للخروج من مجاله..

بل هو أطروحة يراد منها مزج العناصر الأرضية بعالم الملكوت، ووصلها باللامحدود وغير المتناهي الإلهي، لينتج مخلوقاً هائلاً في طاقاته، عظيماً في خصائصه وميزاته، فائقاً في كمالاته.. وذلك على قاعدة: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي([7]).

ولأجل ذلك كان الإسلام ديناً اختاره الله تعالى لنفسه، ولملائكته ورسله، إحكاماً لصنعه، وحسن تدبيره، ونظراً منه لعباده، وخص به من أحب من خلقه وهو أعظم وأجل نعم الله على البشر، وقد اختاره لهم ليصنعهم ولينفعهم به. وخص به المؤمنين الذين أحبهم الله تعالى من بين جميع عباده.

مهمات ووظائف الرسول:

وفي سياق بيانه «عليه السلام» لأهمية الدين بالنسبة للأمة جماعات وأفراداً، ذكر «عليه السلام» مهمات رسول الله «صلى الله عليه وآله» التي أنجزها.. مبيناً أن منها ما يلي:

1 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» قد علمهم الكتاب المشتمل على حقائق الدين، وعلى الشريعة والأحكام وعلى السلوكيات، والأخلاق، وعلى السياسات، والإعتقادات، وعلى المواعظ والعبر، بل فيه تبيان كل شيء.

والمراد بتعليمه ما هو أبعد من إبلاغهم ألفاظه المنتظمة في آيات وسور وأحاديث، وسير، كما هو ظاهر..

2 ـ لقد علمهم «صلى الله عليه وآله»: الحكمة، ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً([8]). فدل ذلك على:

ألف: إن الحكمة ليست مجرد نصائح عملية يدركها الإنسان بعقله، ويقدمها لغيره.

ب: إن الحكمة توقيفية، وتحتاج إلى تعليم.

ج: إن الحكمة وهي ـ كما في بعض تفاسيرها ـ وضع الشيء في موضعه، تحتاج إلى فهم عميق جداً لحقائق الأشياء، وطبيعة الإرتباط القائم فيما بينها، ونوع ذلك الارتباط ومداه.. ولا يتيسر العلم بذلك إلا لأعلم العالمين، وأسرع الحاسبين.

د: يبدو لنا أن ما تعلمه الناس من رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد ضيع في معظمه، ولولا أن أهل البيت، كانوا يعيشون بين ظهراني هذه الأمة لفقدت الحكمة بصورة تامة..

هـ: صرح «عليه السلام»: بأن تعليم الحكمة للأمة هو من مفردات إكرامها، والتفضل عليها، والإحسان إليها، لتنال بذلك الخير الكثير من خلال حسن وسلامة التدبير.

3 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» قد أدب الناس لكي يهتدوا، فدل بذلك على أن ثمة ارتباطاً بين الهداية وبين الأدب، وأنه لا هداية بدون أدب.

وهذه حقيقة مهمة جداً، فإن الأدب هو الذي يسهل الهداية، ويجعلها ميسورة، لأن الأدب يعني الإلتزام بضوابط. ويقابله الإنفلات، وعدم إعطاء قيمة لأي قيد وضابطة. والهداية تحتاج إلى هذا الالتزام، كما أن هذا الالتزام يكشف عن أن ثمة سيطرة للقوة العاقلة، وأنها قادرة على لجم جامح الهوى، وكبح طغيان الشهوات، ووضعها ضمن ضابطة معينة، ولا يطلب في الهداية أكثر من ذلك.

4 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» قد أنجز مهمة أخرى كانت منوطة به، وهي مهمة جمع الناس تحت راية الإسلام، وإبعاد شبح التفرق عنهم، وجمعهم هذا ينتج تمركزاً في قوتهم، وتعاظماً لها، كما أنه يحصن هذه القوة بالقوى التي تنضم إليها، ويمنعها بذلك من التآكل والتلاشي.

5 ـ ومن المهمات التي أنجزها «صلى الله عليه وآله» أنه وقفهم على ما أعد الله تعالى من ثواب للمطيعين، ومن عقاب للعاصين، لكي يستقيموا على خط الصلاح، فلا يتنكبوه ولا يخرجوا عنه إلى المتاهات، وظلم الجهالات، لئلا يقعوا في المهالك.

المسلمون أقاموا الخلفاء:

وقد بين «عليه السلام» أمراً آخر كان لا بد للناس من الوقوف عليه. وهو أن الخلفاء الذين سبقوه لا يمكن اعتبارهم امتداداً للهدى النبوي بكل ما لهذه الكلمة من معنى.. ولا يصح ولا يجوز وضع تصرفاتهم وسياساتهم في هذا السياق، بل لا بد من مراجعة السياسات التي انتهجوها، والتصرفات التي مارسوها، والتأكد من سلامتها، وموافقتها للخط الرسالي الذي رسمه الله تعالى في كتابه، ورسوله «صلى الله عليه وآله» في توجيهاته وسيرته، وحياته العملية، ثم يحكم عليها بالموافقة لها أو عدمها..

وقد أكد «عليه السلام» على هذه الحقيقة حين صرح للناس بأن عليهم أن لا يتوهموا أن لله ورسوله أي دور في استخلاف أو في الرضا بخلافة من سبقه من الخلفاء. بل الناس هم الذين أقاموهم في مواقعهم..

ويلاحظ هنا دقة التعبير بكلمة: «بعض المسلمين أقاموا..»، فقد دلت هذه الكلمة على عدة أمور، هي:

الأول: إنه لا إجماع على خلافة أبي بكر وعمر، بل ولا رضاً من الأكثرية.

الثاني: إن مصدر سلطاتهما هو بعض الناس..

الثالث: إن سائر الناس الذين لم يشاركوا في إقامتهما لم يكونوا راضين بهما.. فلا يصح دعوى: أن الناس قد رضوا بهما بعد إقامتهما..

وهذا البيان منه «عليه السلام»، يبين لنا حقائق ويثير أسئلة كثيرة لا حاجة لتعدادها.. أهمها: أن تصدي الناس لإقامة حاكم لا يعني أنه يصير حاكماً وذا سلطة بالفعل، إذ لم يثبت أن للناس الحق في التصدي لنصب الحكام.. بل قد يثبت أنه ذلك ليس من حقهم..

فكيف إذا كان بعض الناس قد فعل ذلك، وليس كلهم؟! وكيف إذا لم يرض سائر الناس بفعل هذا البعض؟!

سيرة الخلفاء قبله :

ولم يتعرض لسيرة الخليفتين الأولين: أبي بكر وعمر بتأييد، ولا بتفنيد، ولكنه حين وصل إلى عثمان ألحقه بالخليفتين الأولين فيما يرتبط بطريقة توليه، وقال: إن مصدر ولايته هو بعض الناس.. ولكنه أشار إلى سيرته بقوله: «أحدث أحداثاً، ووجدت الأمة عليه فعالاً إلخ..».

فيلاحظ هنا ما يلي:

أولاً: قد يسأل سائل، فيقول: إنه «عليه السلام» حين اكتفى بالسكوت عن سيرة عمر وأبي بكر، هل أراد لنا أن نفهم أن الناس لم ينقموا عليهما ما نقموه على عثمان؟!

وهل كان «عليه السلام» يرى أن سيرتهما موافقة للشرع؟!

ويجاب:

أولاً: إنه «عليه السلام» قد ذكر: أن الناس رضوا بسيرة عمر وأبي بكر.. والمقصود بالناس: ليس كل الناس، فإننا نعلم: أنه وكثير ممن معه لم يرضوا بسيرتهما، بل كانت لهم عليها اعتراضات كثيرة، سجل التاريخ شطراً منها، فدل ذلك على أن المقصود بالناس هو الذين أعانوهما على أخذ الأمر من علي «عليه السلام»، وهم قريش، ومن يدور في فلكها، أو يسير على نهجها.

ثانياً: إنه «عليه السلام» وإن كان قد سكت هنا عن ذكر سيرتهما بشيء، ولكن اعتراضاته الكثيرة على ما كان يصدر منهما، ومن ذلك قضية فدك، وسائر ما جرى عليه منهما يعطي: أن سكوته «عليه السلام» هنا يدل على أنه لا يريد أن يثير حفيظة محبيهما في هذا الظرف بالذات، لأنه يريد أن يجمع الناس كما جمعهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، ولغير ذلك من أسباب.

ثالثاً: يلاحظ: أنه «عليه السلام» وإن ذكر أن البعض هم الذين أقاموا عثمان ورضوا به خليفة، ولكنه حين ذكر أحداثه قال: إن الأمة قد وجدت تلك الأحداث والفعال ونقمتها عليه، وليس خصوص الذين أقاموه.

رابعاً: إنه «عليه السلام» حين تحدث عن النقمة على عثمان، وقتله، قد أورد الضمير بصيغة الجمع، فقال: نقموا.. قتلوه.. فهل قصد بالذين نقموا عليه وقتلوه، خصوص الذين أقاموه خليفة ورضوا به، أم أراد آحاد الأمة كلها؟! ربما يقال: إن هذا الثاني هو الأظهر.

ولعله أبقى الأمر على إبهامه، لأنه ربما يريد أن يبين اشتراك الذين أقاموه خليفة ورضوا به مع غيرهم من بعض من وقع عليهم الظلم، ونقموا سيرته. وإن قتله جاء نتيجة سوء فعله، فهو مرضي من أكثر الناس، ولأن عزله هو الذي كان مطلوباً قبل قتله.

جاؤوني فبايعوني:

وبعد ما ذكر «عليه السلام» ما دل على عدم شرعية خلافة الذين سبقوه، حسبما أوضحناه قال: «ثم جاؤوني كتتابع الخيل، فبايعوني، فأنا استهدى الله بهداه، واستعينه على التقوى».

ونذكر مما فهمناه من هذه الفقرة، الأمور التالية:

1 ـ بين «عليه السلام» أن الناس جاؤوه كتتابع الخيل، فدل ذلك على عفوية حركتهم، وأنه لم يكن هناك تدبير مسبق في البين. وإن كان «عليه السلام» لم يرض بقبول البيعة منهم إلا بعد لَأْيٍ، وتعب وإصرار منهم..

2 ـ إنه «عليه السلام» لم يقل عن نفسه: إنهم هم الذين أقاموه خليفة، بل اكتفى بالإشارة إلى البيعة الاختيارية العفوية، التي تأتي في العادة استجابة للوجدان، ومن دون تأثر بالآراء والاتجاهات.

3 ـ إن الأمة هي التي بايعته، ورضيت به، وأصرت عليه، وليس بعض الناس دون بعض..

4 ـ إنه «عليه السلام» لم يدع لهم أنه يريد أن يسير فيهم بآرائه، أو اجتهاداته الظنية، بل قال لهم: إنه يستهدي بهدى الله..

5 ـ تدل هذه الكلمة على أن هدى الله كان متوفراً لديه حاضراً عنده.

6 ـ إنه حتى في ميزاته الشخصية واندفاعاته السلوكية يلتزم خط الاستقامة والتقوى..

7 ـ إنه لا ينسب هذه التقوى لنفسه، ولا يدعي أنها نتاج قدرات ذاتية، بل يستعين بالله تعالى على التحلي بها، والتمكن منها..

ما تعهد به للرعية:

ثم إنه «عليه السلام» لم يغدق على الناس الوعود، ولم يفسح المجال للتوقعات، التي تبلغ حد التوهمات والتخيلات.. بل اكتفى «عليه السلام» بالالتزام بما يلي:

1 ـ العمل في الناس بكتاب الله تعالى.

2 ـ العمل بسنة نبيه.

3 ـ القيام عليهم ـ أي تدبير أمورهم ـ بحق الله تعالى..

4 ـ إحياء سنة الله فيهم.

5 ـ النصح لهم بالمغيب والمشهد.

ثم أشار إلى أنه حتى حين يتعهد بهذه الأمور، فإنه لا يرى أنه قادر عليها بنفسه، بل هو بحاجة إلى الاستعانة بالله على ذلك كله.

وهو ـ كما قال «عليه السلام» ـ حسبنا وهو يكفينا عن كل ما عداه..

وهو أيضاً نعم الوكيل، والناظر في الأعمال، العارف بحسن القيام عليها، وبأي تقصير فيها..

ولو أن الولاة عملوا بهذه الأمور الخمسة، فإنها ستوصلهم إلى أعلى درجات الرقي والكمال، والسعادة والنجاح في الفعال، في الدنيا والآخرة..

حذيفة عاملهم:

وحين أشار إلى حذيفة نرى أنه «عليه السلام»:

1 ـ أخبرهم بأنه ولىَّ حذيفة أمورهم، وقد تحاشى أن يقول: ولىَّ عليهم حذيفة، ربما لأنه لم يرد أن يتوهم متوهم: أن للعامل ولاية على أشخاص الناس على حد ولاية الآباء على صغار الأبناء. كما أنه لم يرد أن يستفاد من هذا التعبير مفهوم العلو والطبقية.

2 ـ إنه «عليه السلام» بين لهم خصوصية ترتبط بمعارف حذيفة، وطريقته في النظر إلى الأمور، فقال: إنه يرضى هداه، فدل ذلك على أنه لا يرى وهنا، أو انحرافاً في المعارف المؤثرة في سلوك حذيفة، وفي الهدى الذي يرضاه لنفسه..

3 ـ ولكن بما أن المعارف قد تكون صحيحة والرؤية قد تكون واضحة، ولكن الإنسان قد يدفعه هواه إلى العدول عن الصواب إلى الخطأ.. وبما أن نفس الإنسان أمارة بالسوء، فلا يمكن لأحد من الناس أن يضمن استمرار التوافق بين ما يختاره وبين ما يعرفه، فلعل النفس الأمارة غلبته، ولو في بعض الأحوال ـ من أجل ذلك ـ لم يستطع «عليه السلام» أن يخبرهم إلا بما توافرت لديه الإمارات والدلائل عليه، وهو أن حذيفة لم يزل مرضي النهج، ظاهر الصلاح، سليم العقل، صحيح الفكر، والمتوقع من أمثاله الاستمرار على طريقة الصلاح والفلاح، ولذلك قال لهم: «وأرجوا صلاحه».

أوامره لحذيفة:

وقد أخبرهم أنه أمر حذيفة، بأمور ثلاثة، هي:

1 ـ الإحسان إلى محسنهم.

2 ـ الشدة على مريبهم.

3 ـ الرفق بجميعهم..

مع أنه أمره بأمور أخرى أيضاً.

والسبب في اقتصاره «عليه السلام» على هذه الأمور الثلاثة: أن هناك توجيهات تخص الوالي نفسه في حالاته، وفي سلوكياته، وهناك أمور يجب أن تذكر للناس، لا لمجرد الإعلام، بل لأجل أن يفيد هذا الإخبار في انقيادهم، وصلاح حالهم.. وهذا ما فعله «عليه السلام» هنا.

كتاب تولية قيس على مصر:

وهناك كتاب كتبه أمير المؤمنين «عليه السلام» إلى أهل مصر، أرسله إليهم مع قيس بن سعد بن عبادة، لما بعثه أميراً عليهم وحاكماً.

فقد روى الثقفي «رحمه الله» في كتاب الغارات([9]) قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عثمان الثقفي، قال: حدثني علي بن محمد بن أبي سيف، عن الكلبي:

أنه لما ولي علي «عليه السلام» الخـلافـة، قـال لقيس بن سعد بن عبـادة ـ وكان من شيعته ومناصحيه ـ: سر إلى مصر فقد وليتكها، واخرج إلى ظاهر المدينة، واجمع ثقاتك ومن أحببت أن يصحبك حتى تأتي مصر ومعك جند، فإن ذلك أرعب لعدوك، وأعزّ لوليّك.

فإذا أنت قدمتها إن شاء الله، فأحسن إلى المحسن، واشدد (واشتد) على المريب، وارفق بالعامة والخاصة، فالرفق يمن.

فقال قيس: رحمك الله يا أمير المؤمنين، قد فهمت ما ذكرت.

[أما قولك: اخرج إليها بجند: فوالله إن لم أدخلها بجند آتيها به من المدينة لا أدخلها أبداً] فأما الجند فإني أدعه لك، فإذا احتجت إليهم كانوا قريباً منك، وإن أردت بعثهم إلى وجه من وجوهك كان لك عدة، ولكني أسير إلى مصر بنفسي وأهل بيتي.

وأما ما أوصيتني به من الرفق والإحسان فالله تعالى هو المستعان على ذلك.

قال: فخرج قيس في سبعة نفر من أهله حتى دخل مصر، فصعد المنبر، وأمر بكتاب معه (من أمير المؤمنين «عليه السلام» أن) يقرأ على الناس [وكان فيه]:

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين، سلام عليكم. فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو.

أما بعد.. فإن الله بحسن صنعه وقدره وتدبيره اختار الإسلام ديناً لنفسه، وملائكته، ورسله. وبعث به أنبياءه إلى عباده، وخص من انتجب من خلقه، فكان مما أكرم الله عز وجل به هذه الأمة، وخصهم به من الفضل، أن بعث محمداً «صلى الله عليه وآله»، فعلمهم الكتاب والحكمة، والفرائض والسنة([10])، وأدبهم لكيما يهتدوا، وجمعهم لكيما لا يتفرقوا([11])، وزكاهم لكيما يتطهروا([12]).

فلما قضى من ذلك ما عليه، قبضه الله إليه، فعليه صلوات الله وسلامه ورحمته ورضوانه إنه حميد مجيد.

ثم إن المسلمين من بعده استخلفوا أمرأين منهم صالحين، [عملا بالكتاب، و]([13]) أحسنا السيرة([14])، ولم يعدوا السنة.

ثم توفيا فولي من بعدهما من أحدث أحداثاً([15]). فوجدت الأمة عليه مقالاً فقالوا، ثم نقموا عليه فغيروا، ثم جاؤوني فبايعوني، وأنا أستهدي الله الهدى، وأستعينه على التقوى.

ألا وإن لكم علينا العمل بكتاب الله، وسنة رسوله، والقيام بحقه، والنصح لكم بالغيب، والله المستعان، وحسبنا ونعم الوكيل.

وقد بعثت لكم([16]) قيس بن سعد الأنصاري أميراً، فوازروه وأعينوه على الحق([17]). وقد أمرته بالإحسان إلى محسنكم، والشدة إلى مريبكم([18])، والرفق بعوامكم وخواصكم.

وهو ممن أرضى هديه، وأرجو صلاحه ونصحه. نسأل الله لنا ولكم عملاً زاكياً، وثواباً جزيلاً([19])، ورحمةً واسعةً.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وكتب عبيد الله بن أبي رافع، في صفر سنة ست وثلاثين([20]).

ونقول:

يبدو: أن أمير المؤمنين «عليه السلام» كان يكتب نصاً واحداً ويرسله إلى عماله..

ويبدو أيضاً: أن بعض الرواة قد حاولوا التصرف في هذا النص كما سيظهر هنا بالنسبة لبعض الفقرات.

العزة والقوة:

وقد ذكر «عليه السلام»: أنه يريد من قيس أن يظهر بمظهر العزة والقوة، فأمره أن يذهب إلى مصر، ومعه جند، ليعز بذلك الولي، ويكبت العدو.

وليس هذا تفكيراً دنيوياً، إذ هو يأتي في سياق إعزاز المؤمنين، وكبت أعدائهم، وإضعاف عزائمهم، وبعث الرعب والخوف في قلوبهم.. على قاعدة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ([21]).

وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ([22]).

وهذا أمر يحبه الله، ويرضاه، ويثيب عليه..

فظهر أنه لا مانع من السعي في هذا الإتجاه. وقد ذكر ذلك «عليه السلام» في رسالته لحذيفة أيضاً..

ويؤكد الحاجة إلى هذا المعنى: أن أهل مصر الذين عاشوا في ظل الملوك والعمال الذين تولوها بعدهم، كابن أبي سرح وعمرو بن العاص، كانوا يشاهدون حرص هؤلاء على إظهار الأبهة لأنفسهم، وتكريس عزتهم، وتقوية شوكتهم.. فإذا رأى الناس الضعف والخمود في الجهة الأخرى، فإنهم سيترددون في الإلتحاق بها، لأنهم لا يشعرون بقدرتها على حمايتهم، وإرضاء طموحاتهم.

علي يوافق قيساً:

قد يقال: لقد أمر علي «عليه السلام» قيساً بأن يستصحب جنداً إلى مصر، ليظهر العزة، ويخيف ويكبت بهم العدو.

فلما أظهر قيس عدم رغبته بذلك، لم يعترض عليه أمير المؤمنين «عليه السلام»، فهل كان هذا لأجل أنه تبين له خطؤه، وإصابة قيس في تقدير الأمور؟! وهل يخطئ المعصوم، ويصيب غير المعصوم؟!

ويجاب:

بأنه «عليه السلام» قد عامل قيساً بما يعامل به غيره، فأعلمه بأنه على استعداد لأن يؤثره على نفسه بذلك الجند، الذي كان يعلم بأنه سيحتاج هو إليه..

وجاء موقف قيس الرافض للجند، ليظهر ـ عن غير قصد منه ـ تميزه عن كثير من الرجال، فهو قادر على أن يدبر الأمور بنحو يستغني به عن الجند، وليدل على أن إرساله بدون جند لا يعد تغريراً به، ولا يلام علي «عليه السلام» في ذلك، لأن قيساً أهل لأن يتولى مهمته على هذا النحو، ولأنه هو الذي رفض استصحاب الجند.

وكان سكوت علي «عليه السلام»، ورضاه بقرار قيس دليلاً على أنه يعرف أن قيساً «رحمه الله» أهل لذلك ولأكثر منه، وأن النجاح سيحالفه في مهمته.. ولولا ذلك لكان أصر «عليه السلام» عليه، وفند أقواله ولم يصغ إليه..

كتاب علي إلى المصريين:

وعلينا أن نشير هنا إلى ما يلي:

1 ـ يلاحظ: أن الكتاب السابق هو ـ تقريباً ـ نفس الكتاب الذي أرسله «عليه السلام» إلى حذيفة بن اليمان ليقرأه على أهل المدائن. فدل ذلك على أنه «عليه السلام» كان قد أرسل نسخة واحدة إلى البلدين معاً.. وربما يكون قد أرسل نفس هذه النسخة إلى البلاد الأخرى التي أرسل إليها عماله..

2 ـ إن الاختلافات اليسيرة التي تسجل بين الكتاب المرسل إلى المدائن، وبين هذا الكتاب المرسل إلى مصر لا تضر، ولا توجب اعتبارهما نصين مختلفين، إذ قد يختلف نقل نص الكتاب الواحد، حتى عن الراوي الواحد، لأن الراوي قد ينقل بالمعنى، وقد ينسى وقد يتذكر، وقد يقدم ويؤخر ويزيد وينقص، ومع اختلاف الناقلين، قد يتفاوت الأمر بينهم بصورة أكبر، ولعل بعضهم يحرف أو يضيف بعض التعابير من عند نفسه لأغراض شتى.. ولعل.. ولعل..

هل عمل الخلفاء بالسنة؟!:

تقدم في نص الكتاب الذي أرسله «عليه السلام» إلى المدائن: أن الناس أقاموا أبا بكر وعمر، ورضوا بهما، ثم مضيا، فاستخلف عثمان..

ولكن الكتاب المرسل إلى المصريين أضاف هنا عبارة أخرى تقول: عن الناس أقاموا «امرأين منهم صالحين، عملا بالكتاب، وأحسنا السيرة، ولم يعدوا السنة».

ونحن نرى: أن هذه العبارات مقحمة في النص من قبل الرواة المحبين لأبي بكر وعمر، دليلنا على ذلك إعتراضه «عليه السلام» على كثير مما فعلاه. وقد بقي يذكِّر الناس ببعض ذلك طيلة حياته.

ومن ذلك ما جرى لمالك بن نويرة، وزوجته، ومن معه، على يد خالد بن الوليد، وحماية أبي بكر لخالد. ومنه ما قاله «عليه السلام» في خطبته الشقشقية.. ومنه اغتصابهم فدك منه ومن الزهراء «عليهما السلام»، وغير ذلك كثير، وقد ذكرنا بعضه في كتابنا هذا.

أعينوه على الحق:

واللافت: أنه «عليه السلام» حين ذكر قيس بن سعد في كتابه للمصريين، قال: «فوازروه وأعينوه على الحق»..

فإنه «عليه السلام» وإن كان يعلم: أن قيساً لا يعدو الحق في سيرته وعمله فيهم، ولكنه أراد أن لا تساء الاستفادة من إطلاق الكلام، فإنه لو اكتفى بالقول: فوازروه وأعينوه. لا تخذ الآخرون قوله هذا ذريعة لإلزام الناس بطاعة عمالهم، ولو كان أفسق وأظلم، وأشر الناس. ولكنه «عليه السلام» حين قيد الموازرة والمعونة بكونها على الحق، يكون قد حصن الناس من عملية خداع قد يتعرضون لها..

هذا مع العلم بأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

المحسن والمريب:

ومن الواضح: أن الإحسان يشجع العامل على مواصلة السير في طريق الإحسان، ثم هو يشجع غيره على سلوك نفس هذا الطريق، لجاذبية الإحسان في نفسه، وللرغبة في حسن الذكر وطيب الأحدوثة، والاعتزاز بالكفاءة والمقدرة.

أما الشدة على المريب فالمراد بها عدم التساهل معه، والعمل بالحزم، وملاحقته بسيئاته ليجد صعوبة في تلك السيئات، وإفهامه أن ثمن هذا الاستمرار هو الحرمان من الراحة، ومواجهة المصاعب والمتاعب التي لا تنتهي..

وليس المقصود بالشدة عليه ظلمه، وهدر حقوقه.. بل إن إيصال حقوقه كاملة إليه يجعله يدرك الفرق بين خط الانحراف وخط الاستقامة..

قيس في مصر:

وبعد قراءة كتاب أمير المؤمنين «عليه السلام» على أهل مصر، صعد قيس المنبر، وخطب الناس، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال:

الحمد لله الذي أمات الباطل، وأحيا الحق، وكبت الظالمين.

أيها الناس..

إنا بايعنا خير من نعلم بعد نبينا «صلى الله عليه وآله»، فقوموا فبايعوا على كتاب الله وسنة نبيه، فإن نحن لم نعمل فيكم بكتاب الله وسنة رسوله، فلا بيعة لنا عليكم.

فقام الناس فبايعوا. واستقامت له مصر، وأعمالها، فبعث عليها عماله، إلا أن قرية منها قد أعظم أهلها قتل عثمان، وبها رجل من بني كنانة، يقال له يزيد بن الحارث، فبعث إلى قيس بن سعد: ألا إنا لا نأتيك، فابعث عمالك، والأرض أرضك. ولكن أقرنا على حالنا حتى ننظر إلى ما يصير أمر الناس.

قال: ووثب مسلمة بن مخلد، بن صامت الأنصاري، فنعى عثمان، ودعا إلى الطلب بدمه.

فأرسل إليه قيس: ويحك، أعلي تثب؟! والله ما أحب أن لي ملك الشام إلى مصر، وأني قتلتك [فاحقن دمك].

فأرسل إليه مسلمة: إني كاف عنك ما دمت أنت والي مصر..

قال: وكان قيس له حزم ورأي، فبعث إلى الذين اعتزلوا: إني لا أكرهكم على البيعة، ولكني أدعكم، وأكف عنكم.

فهادنهم، وهادن مسلمة بن مخلد، وجبا الخراج، وليس ينازعه أحد..

قال: وخرج علي «عليه السلام» إلى الجمل، وهو على مصر، ورجع إلى الكوفة من البصرة، وهو مكانه، فكان أثقل خلق الله على معاوية لقربه من الشام، مخافة أن يقبل إليه علي «عليه السلام» بأهل العراق، ويقبل إليه قيس بأهل مصر فيقع بينهما([23]).

وبدأ يعمل الحيلة في عزله. وسيأتي إن شاء الله الكلام حول ذلك بعد انتهاء الحديث عن حرب الجمل.

ونقول:

تستوقفنا في هذا النص أمور عديدة، نذكر منها ما يلي:

مسلمة بن مخلد:

إن قيس بن سعد بعث لمسلمة بن مخلد ـ وهو من صغار الصحابة ـ يقول له: «ويحك أعلي تثب؟! ما أحب أن لي ملك الشام إلى مصر، وإني قتلتك، فاحقن دمك».

ونلاحظ الأمور التالية:

1 ـ قد توهم هذه الرسالة: أن قيساً كان يعظم مسلمة إلى حد كبير، أو أنه كان يحبه حباً جماً دعاه إلى أن يكتب إليه بهذه الطريقة..

غير أن الحقيقة هي: أن ذلك لم يكن، فقد كان قيس يعلم ميول مسلمة، وأنه غير مرضي الطريقة، بل كان واضح الجنوح إلى الباطل، وقد أثبتت الوقائع المستقبلية ذلك، لأنه كان من أنصار معاوية، ولم يكن مع معاوية في صفين سواه وسوى النعمان بن بشير. وهو ممن شهد قتل محمد بن أبي بكر، وكان مسلمة بن مخلد عامل معاوية على مصر والمغرب([24]).

وقبل ذلك كله.. إنه بخروجه على قيس إنما خرج على علي «عليه السلام»، الذي هو إمام زمانه، فيجب دفعه ولو بقتله، ويكون قتله من موجبات المثوبة عند الله تعالى. ولعل قيساً أراد أن يقول له: إنه لو أعطي ملك مصر والشام على أن يقتله وهو في حال الإستقامة على جادة الحق، لم يحب ولم يرض بقتله..

وعلى مسلمة بعد هذا أن يقارن ويوازن بين معاوية الذي لا يهمه موت مسلمة وخيانته إلا بمقدار ما يخدم ذلك مصالحه ومطامحه.. وبين قيس الذي يهتم بسلامة مسلمة إلى هذا الحد.

فعلى مسلمة وغيره أن يفهموا: أن أتباع علي «عليه السلام» وأنصاره ليسوا كغيرهم من مناوئيه، فإنهم غير متعطشين لسفك دماء مخالفيهم بسبب، وبلا سبب.

بل هم يريدون أن يحقنوا دماء جميع الناس، وهم أحرص الناس على هذا الأمر إلا إن ألجأتهم ضرورة الدفاع عن أنفسهم إلى هذا الأمر.

2 ـ إن قيساً قد صرح في آخر كلامه بأنه لا يمانع في قتل مسلمة إن استمر على حالة العصيان والتمرد، ولذلك قال له: «فاحقن دمك».

3 ـ إنه «رحمه الله» قد شاب كلامه لمسلمة بما دل على أن قتله يعز عليه، وعلى أنه لا يرضى بقتله، ولأجل ذلك تعجب من خروجه عليه، فتركت كلماته هذه أثرها في نفس مسلمة، فتراجع عن مناجزته، وأعطاه وعداً بعدم التحرك ضده ما دام قيس والياً على مصر.

4 ـ إن هذا الوعد الذي أعطاه مسلمة إن دل على شيء فإنه يدل على أن تحركه لم يكن نصرة للدين وأهله، وإنما كان عن هوى وعصبية، فلما صادف لدى قيس منفعة شخصيه آثرها على كل الشعارات التي رفعها، والدعاوى العريضة التي أطلقها، وإلا فقد كان يجب أن لا يستكين أمام هذا الكلام، ولا يتخلى عما يراه تكليفاً إلهياً، ولوجب عليه أن يدعو قيساً لنصرة الحق الذي رفع شعاره، وأن ينضم إليه لحرب علي «عليه السلام» التي أوشك أن يوقد نارها..

البيعة مشروطة:

إن المصريين قد اعتادوا على الملوك الطغاة الذي يتخذون أرباباً من دون الله، ويرون الفخامة والأبهة، والشوكة والبطش والجبروت عنواناً لوجودهم، ومن أجلى مكونات سلطانهم، ثم جاءهم ولاة من المسلمين لا يبتعدون كثيراً عن هذه الأجواء، إن لم نقل: إنها جزء لا يتجزأ من ذهنيات بعضهم.

مثل عمرو بن العاص، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح.

وقد أثبتوا عملياً أيضاً: أن منطقهم التسلط والقهر والبطش، والانتقام، وفرض حكمهم على الناس، وممارسة جميع أنواع التعديات، وارتكاب الجرائم بحق الأمة باسم الدين والشرع بالسيف والسوط..

إن المصريين الآن يسمعون لأول مرة من قيس بن سعد لغة جديدة لا عهد لهم بها وكلاماً يناقض ما عرفوه وألفوه، فلم يحدث في التاريخ لا قبل ذلك ولا بعده أن طُلِبْتِ البيعة من الناس مشروطة يكون الإخلال بالشرط مسقطاً للبيعة بصورة تلقائية، وبدون الحاجة إلى بحث وجدال، بل وبلا حاجة إلى جعل حَكَمٍ ينظر في الأمر..

كما أن انحلال البيعة بهذا النحو يجعل التحرك ضد الحاكم المخالف للشرط، لإعادته إلى جادة الصواب، أو لتنحيته عن مقام أصبح في موقع الغاصب له ـ يجعله ـ أمراً مشروعاً، بل ـ يجعله ـ واجباً يثاب الناس على فعله، ويعاقبهم الله على التهاون فيه وتركه..

واللافت في الأمر: أن ما يتعهد به هذا الحاكم للناس أمر ميسور وقريب المأخذ، يستطيع الناس كلهم أن يدركوه وأن يميزوه. وليس هو من الأمور الخفية التي تقتصر معرفتها على طبقة معينة، ولا هو من الأسرار التي يختص بالاطلاع عليها بعض الناس دون بعض..

كما أن إطلاق هذا الشرط يعطي أنه البيعة تسقط، بمخالفة الحاكم ولو مرة واحدة لأي حكم من أحكام الكتاب والسنة.. ولا يحتاج إلى الصبر إلى حين تكرر المخالفات لتصبح ظاهرة عامة، تطبع سياساته وتصرفاته..

وهذا الشرط يبيِّن:

أولاً: أن العصمة التامة شرط في الحاكم.

ثانياً: إن الخلفاء الذين سبقوا علياً «عليه السلام» لم يكونوا معصومين، فلا شرعية لخلافتهم، وكذلك الحال بالنسبة للخلفاء بعد أمير المؤمنين وبعد الإمام الحسن المعصوم «عليهما السلام» أيضاً بدلالة آية التطهير، فإن جميع من استخلف بعدهما لم يكن حائزاً على صفة العصمة، فالبيعة له تسقط بمجرد مخالفته للكتاب والسنة، إلا إذا فرض إمضاء ولايته من قبل المعصوم، وكان يملك صفة العدالة، التي تصونه عن تعمد المخالفة..

ثالثاً: إن هذا يدل على لزوم معرفة الخليفة بالأحكام إلى حد الإحاطة التامة بها، لكي يتمكن من إدارة الأمور بنحو صحيح، ومن دون أن يقع في مخالفة أي حكم منها.

بايعنا خير من نعلم:

ثم إن قيس بن سعد لم يقل بايعنا خير الناس في عصرنا هذا، بل قال: بايعنا خير من نعلم بعد نبينا، فدل ذلك على ما يلي:

1 ـ إن علياً «عليه السلام» أفضل الناس بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلا معنى لادعاء أفضلية أحد غيره عليه، ومساواته له.

بل لعل هذا التسالم الذي أشار إليه قيس يدلنا على أن ادعاء أفضيلة، أو مساواة أحد لعلي «عليه السلام» في الفضل إنما هو نتاج الحقب اللاحقة في سياق التسويق لسياسات، تهتم بل تقوم على إسقاط الهيمنة العلوية في مختلف جهات الكمالات والفضائل، والملكات، والمزايا..

2 ـ إن البيعة لعلي «عليه السلام» كانت تقوم على معيار الفضل والكمال، والمزايا والملكات، ولا تقوم على رعاية المصالح الفئوية، أو السياسية، أو التعصبات القبلية، أو المناطقية أو ما إلى ذلك..

3 ـ إن قيساً رضوان الله تعالى عليه قد أخذ البيعة لعلي من أهل مصر على نفس هذا الأساس الذي دعا الصحابة وغيرهم إلى إعطائه البيعة بعد قتل عثمان.

وهذا أمر لم يحدث لغير علي «عليه السلام» على الإطلاق، إذ كانت البيعات تفرض على الناس فرضاً، انطلاقا من معايير ليس فقط لا تنسجم مع هذا المعيار، وإنما هي تتناقض معه ومع الواضحات من أحكام الشريعة الإسلامية الغراء.

البيعة على الكتاب والسنة:

وغني عن البيان أن بيعة أمير المؤمنين في الحجاز والعراق، ومصر، وفي جميع بلاد الإسلام قد تمت على أساس العمل بالكتاب والسنة، ولم تذكر سنة أبي بكر، ولا اجتهاد الرأي، لا من قريب ولا من بعيد.

وبذلك يكون «عليه السلام» قد أبطل السياسة التي كان يراد تكريسها في الأمة، والتي تقضي بضم سنة غير سنة الرسول «صلى الله عليه وآله» إلى مضمون البيعة.

وقد تقدم في هذا الكتاب: أن رفضه «عليه السلام» لهذا الشرط كان هو السبب الظاهري لعدول ابن عوف عن البيعة لعلي «عليه السلام» إلى البيعة لعثمان الذي بويع على هذه الشروط، ثم قتل لأنه لم يف لهم بها، كما اتضح في الأجزاء السابقة من هذا الكتاب.

سياسات قيس:

وقد أجاب قيس فيما فعله مع يزيد بن الحارث ومن هم على مثل رأيه من الاكتفاء بمهادنة الذين لم يبايعوا، وعدم التعرض لهم بعد أن رضوا بأن يكونوا سامعين مطيعين، غير منابذين، ولا محاربين. فإن المهم هو حفظ نظام الأمة، وتوفير الأمن للناس، وحفظ أموالهم وأعراضهم ودمائهم ودينهم، ولا بد أن تترك سياسته هذه الأثر الطيب في نفوسهم.

كما أن سيرته في الناس، والعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله، ورؤيتهم الفرق بين سياسات أهل العدل وبين سياسات غيرهم.. سيزيد في رضا الناس وأنسهم بهذا الحكم الجديد، وسيرون أن نفس رضاه منهم بهذا المقدار، وكفه عنهم إحساناً لهم ورفقاً بهم، وسيترك أثراً طيباً في نفوسهم، وسيحبب لهم دولة العدل والإيمان، والرفق والإحسان.

هذا بالإضافة إلى أنهم سوف يكتشفون حقيقة الأمور تدريجياً، وستصلهم أنباء الحوادث، وسيعرفون الأجواء والمناخات التي انتهت بقتل عثمان..

كما أنهم سيجدون الفرصة للتعرف على أمير المؤمنين «عليه السلام»، بهدوء وروية، وبعيداً عن أجواء التشنج والعصبية.

فكأن قيساً «رحمه الله» استفاد مما جرى في صلح الحديبية، وأراد أن يطبق مضمونه العام في سياساته مع هؤلاء، فإن بعض الناس وجد في صلح الحديبية خطأً فادحاً، واعتبره ذلاً لا يطاق، ولكن الله تعالى اعتبره نصراً وفتحاً مبيناً، كما صرح به في الآية الأولى من سورة الفتح..

واعتبر أن المبادرة لرفض هذا الصلح سببه الحمية غير المحمودة..

وقد أراد سعد أن يهيئ هؤلاء الناس لاكتشاف الحقائق بصورة عملية لتترسخ القيم في نفوسهم، وليندفعوا إلى البيعة بكل رضا وحرص وانتباه..

ولكن بعض الناس لم يدركوا هذه الحقيقة، رغم أن أمير المؤمنين «عليه السلام» عبر لهم عن ثقته بقيس، وبسياساته كما سنرى إن شاء الله تعالى.


([1]) أي وقفهم على ما أعد الله للمطيعين من الثواب وللعاصين من العقاب والخزي، لأجل أن لا يجوروا ولا يظلموا خوف العقاب، ورجاء الثواب.

وفي الإرشاد: وفقهم.

([2]) أي عدت الأمة عليه فعالاً منكرا غير مألوفة في الشريعة المقدسة.

وفي كتابه «عليه السلام» إلى أهل مصر: «فوجدت الأمة عليه مقالاً، فقالوا: ثم نقموا عليه فغيروا إلخ..». وهو الظاهر.

([3]) الدرجات الرفيعة ص288 ـ 290 وإرشاد القلوب للديلمي ج2 ص112 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج4 ص97 و 98 ونهج السعادة ج4 ص22 ـ 24 وبحار الأنوار ج28 ص86 ـ 89 وأعيان الشيعة ج4 ص604.

([4]) اليقين لابن طاووس ص137 و (مؤسسة دار الكتاب ـ الجزائري) ص384 وكشف اليقين ص137 وبحار الأنوار ج37 ص325 ونهج السعادة ج4 ص24 ومستدركات علم رجال الحديث ج2 ص320.

([5]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3 ص79 والأمالي للطوسي ج1 ص221 و (ط دار الثقافة ـ قم) ص217 صفين للمنقري ص107 وبحار الأنوار ج33 ص76 و 469 وج72 ص354 وميزان الحكمة للريشهري ج1 ص124 وأعيان الشيعة ج1 ص463 والمعيار والموازنة ص104 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص16.

([6]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3 ص103 وتحف العقول ص144 ومستدرك الوسائل ج13 ص169 وبحار الأنوار ج74 ص260 وجامع أحاديث الشيعة ج17 ص339 ومستدرك سفينة البحار ج2 ص183 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج1 ص109 ونهج السعادة ج5 ص109 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص90.

([7]) الآية 39  من سورة طه.

([8]) الآية 269 من سورة البقرة .

([9]) نقل العلامة الشيخ محمد باقر المحمودي في كتابه نهج السعادة ج4 ص35 عن كتاب تلخيص الغارات ص127 وقال: مع مغايرات يسيرة في السند والمتن، ونحن إنما نقلنا عنه ما نقلناه بوساطة المجلسي «رحمه الله» عنه في البحار، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، والمحقق المدني في الدرجات الرفيعة، وقد لخصنا العبارة المحكية عنه بعض التلخيص وزدنا عليها في بعض الموارد ما يوضحها.

([10]) هذا هو الظاهر المؤيد بنقل الطبري، دون غيره.

([11]) وفي نسخة ابن أبي الحديد ج6 ص58: «وجمعهم لكيلا يتفرقوا».

([12]) وزاد في تاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص550 بعده: «ورفههم لكيما لا يجوروا». أي نفَّس عنهم، ووسع عليهم كي لا يظلم بعضهم بعضاً لأجل الضيق والشدة.

([13]) من تلخيص الغارات ص129 وإمارات التقية والمداراة للناس في الكلام ظاهرة.

([14]) وفي الدرجات الرفيعة ص336: «ثم إن المسلمين من بعده استخلفوا أميرين منهم، أحسنا السيرة، ثم توفيا فولي من بعدهما والٍ أحدث أحداثاً فوجدت الأمة عليه مقالاً فقالوا، ثم نقموا فتغيروا الخ..».

وزاد في نسخة ابن أبي الحديد ج6 ص58 بعد قوله: «صالحين»: «فعملا بالكتاب والسنة».

([15]) قال المحمودي في نهج السعادة هامش ج4 ص29: مثل تسفير أبي ذر إلى الشام ثم إلى الربذة، ومثل تبعيد صلحاء الكوفة إلى الشام، وضرب عمار حتى غشي عليه وصار ذا فتق، وضرب عبد الله بن مسعود، وتحريق المصحف، ورد الحكم بن أبي العاص إلى المدينة وقد أخرجه رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى غير ذلك مما تواتر عنه من الأحداث التي لا تحصى.

([16]) كذا في بحار الأنوار ج33 ص535 وشرح ابن أبي الحديد ج6 ص59. وفي تاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص550 والدرجات الرفيعة ص337: «وقد بعثت إليكم قيس بن سعد إلخ..».

([17]) وفي تاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص550: «فوازروه وكاتفوه وأعينوه على الحق، وقد أمرته إلخ..».

([18]) وفي تاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص550 وشرح نهج البلاغة ج6 ص59 والدرجات الرفيعة ص337: «والشدة على مريبكم».

([19]) وفي تاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص551: «وثواباً جميلاً إلخ..».

([20]) الغارات للثقفي ج1 ص208 ـ 211 وبحار الأنوار ج33 ص533 ـ 535 و (ط حجرية) ج8 ص643 ونهج السعادة ج4 ص25 ـ 28 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص57 ـ 59 والدرجات الرفيعة ص336 ـ 337 وتاريخ الأمم والملوك (ط مصر ـ ومؤسسة الأعلمي ـ بيروت) ج3 ص549 ـ 551 وراجع: البداية والنهاية ج7 ص251 ومنهاج البراعة ج5 ص106 وأنساب الأشراف ج1 ص401 و (ط1) ج2 ص389.

([21]) الآية 5  من سورة المجادلة.

([22]) الآيتان 126 و 127  من سورة آل عمران.

([23]) الغارات للثقفي ج1 ص212 ـ 213 وبحار الأنوار ج33 ص535 وشرح نهج البلاغة ج6 ص57 ـ 60 والدرجات الرفـيـعـة ص336 و 337 وأنسـاب = = الأشراف ج2 ص390 وتاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص551 والكامل في التاريخ ج3 ص269.

([24]) قاموس الرجال للتستري (ط مركز النشر الإسلامي بقم المقدسة) ج10 ص72= = والإستيعاب (ط دار الجيل) ج3 ص1397 و 1398 وفتوح مصر وأخبارها ص333 و 463 وراجع: تاريخ الأمم والملوك ج5 ص99 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج4 ص178 والكامل في التاريخ ج3 ص465 وعمدة القاري ج23 ص231 وتاريخ مدينة دمشق ج40 ص532 وج58 ص63 وسير أعلام النبلاء ج3 ص424 وتهذيب التهذيب ج10 ص134 والأعلام للزركلي ج7 ص224 وأخبار القضاة ج3 ص223 ومعجم البلدان ج4 ص265.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان