صفحة : 47-84  

الفصل الثاني: من أسئلة اليهود لعلي ..

سل بكل لسانك:

من إرشاد القلوب بحذف الإسناد روي: أن قوماً حضروا عند أمير المؤمنين «عليه السلام» وهو يخطب بالكوفة ويقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فأنا لا أُسأل عن شيء دون العرش إلا أجبت فيه، لا يقولها بعدي إلا مدع، أو كذاب مفتر.

فقام إليه رجل من جنب مجلسه، وفي عنقه كتاب كالمصحف، وهو رجل آدم، ظرب، طوال، جعد الشعر. كأنه من يهود العرب، فقال رافعاً صوته لعلي «عليه السلام»: يا أيها المدعي لما لا يعلم، والمتقدم لما لا يفهم، أنا سائلك فأجب.

قال: فوثب إليه أصحابه وشيعته من كل ناحية، وهموا به، فنهرهم علي «عليه السلام» وقال: دعوه ولا تعجلوه، فإن العجل (والبطش) والطيش لا يقوم به حجج الله، ولا بإعجال السائل تظهر براهين الله تعالى.

ثم التفت إلى السائل، فقال: سل بكل لسانك ومبلغ علمك أجبك إن شاء الله تعالى بعلم لا تختلج فيه الشكوك، ولا تهيجه دنس ريب الزيغ ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ثم قال الرجل: كم بين المشرق والمغرب؟!

قال علي «عليه السلام»: مسافة الهواء.

قال الرجل: وما مسافة الهواء؟!

قال «عليه السلام»: دوران الفلك.

قال الرجل: وما دوران الفلك؟!

قال «عليه السلام»: مسير يوم للشمس.

قال: صدقت، فمتى القيامة؟!

قال «عليه السلام»: عند حضور المنية، وبلوغ الأجل.

قال الرجل: صدقت فكم عمر الدنيا؟!

قال «عليه السلام»: يقال: سبعة آلاف ثم لا تحديد.

قال الرجل: صدقت، فأين بكة من مكة؟!

قال علي «عليه السلام»: مكة أكناف الحرم، وبكة موضع البيت.

قال الرجل: صدقت، فلم سميت مكة؟!

قال «عليه السلام»: لأن الله تعالى مكَّ الأرض من تحتها.

قال: فلم سميت بكة؟!

قال علي «عليه السلام»: لأنها بكَّت رقاب الجبارين، وأعناق المذنبين.

قال: صدقت.

قال: فأين كان الله قبل أن يخلق عرشه؟!

فقال «عليه السلام»: سبحان من لا تدرك كنه صفته حملة العرش على قرب ربواتهم من كرسي كرامته، ولا الملائكة المقربون من أنوار سبحات جلاله، ويحك لا يقال: الله أين، ولا فيم، ولا أيٌّ، ولا كيف.

قال الرجل: صدقت، فكم مقدار ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الأرض والسماء؟!

قال علي «عليه السلام»: أتحسن أن تحسب؟!

قال الرجل: نعم.

قال للرجل: لعلك لا تحسن أن تحسب.

قال الرجل: بلى إني أحسن أن أحسب.

قال علي «عليه السلام»: أرأيت إن صب خردل في الأرض حتى يسد الهواء، وما بين الأرض والسماء، ثم أذن لك على ضعفك أن تنقله حبة حبة من مقدار المشرق إلى المغرب، ومد في عمرك وأعطيت القوة على ذلك حتى نقلته وأحصيته لكان ذلك أيسر من إحصاء عدد أعوام ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الله الأرض والسماء، وإنما وصفت لك عشر عشر العشير من جزء من مائة ألف جزء، وأستغفر الله عن (من خ) التقليل والتحديد.

فحرك الرجل رأسه وأنشأ يقول:

أنت أهل العلم يا هـادي الهـدى         تجـلـو مـن الـشــك  الغيـاهـيـبـا
حـزت أقــاصـي العـلـوم فــما            تـبـصــر أن غـولـبـت  مغلـوبــا
لا تنـثـنـي عن كـل  أشـكـولـة            تـبـدي إذا حـلـت أعـاجـيـــبــا
لله در الـعـلـم مـن صــاحــب             يـطـلـب إنـسـانـا  ومـطــلــوبـا

(ملاحظة: في الشطرين الأولين من البيتين الأولين اختلال واضح، فليلاحظ ذلك).

إيضاح: قال الجوهري: رجل ظرب مثال عتل: القصير اللحيم.

المراد هنا: اللحيم الغليظ([1]).

ونقول:

في هذه الرواية أمور كثيرة ينبغي التوقف عندها، غير أننا نقتصر منها على ما يلي:

ذنب اليهودي، وحلم علي :

لاحظ ما يلي:

1 ـ إن ذلك الرجل قد ظلم علياً «عليه السلام» حين حكم عليه مسبقاً: بأنه يدعي ما لا يعلم، ويتقدم لما لا يفهم..

2 ـ إن هذا الذنب الذي ارتكبه اليهودي لا يستحق البطش به بصورة طائشة، تهدف إلى الإنتقام من قبل من ثارت حميته، وحملته عصبيته على الإقدام على ما لا يحق له الإقدام عليه إلا بعد أن يستأذن به إمامه.

3 ـ إن تحرك الناس للبطش بذلك الرجل، عمل طائش أيضاً، لأنه لا تقوم به الحجة، ولا يثبت له: أن علياً «عليه السلام» يعلم، ويفهم، وإنما يثبت له ذلك بالسؤال، وتلقي الجواب.

4 ـ إن المطلوب: هو أن تقوم حجج الله وبراهينه، وليس الإنتقام لعلي «عليه السلام» أو لغيره.. فقد أخطأ أولئك المتحمسون في فهم هذا المطلوب..

متابعة التحدي:

ويلاحظ أيضاً:

1 ـ إن علياً «عليه السلام» في نفس الوقت الذي أعطى فيه الأمل لذلك السائل، قد تابع تحديه له، ولكل الناس بأنه سيجيب على أسئلته مهما كانت..

2 ـ إن تعليقه «عليه السلام» إجابته على مشيئة الله تعالى لا يلغي هذا التحدي، ولا يقلل من قيمته، لأنه ليس تعليقاً في سياق الترديد في القدرة، بل هو تعليق يريد به تأكيد القدرة من حيث إنه يربط به علومه وأجوبته الصادقة بأعلم العالمِين، ورب العالمَين.

3 ـ إنه «عليه السلام» يتعهد بأن ما سيجيب به سيكون علماً ظاهراً، لا سبيل إلى اختلاج الشكوك فيه، ولم يهجه دنس ريب الزيغ.

التحدي بالله سبحانه لا بدونه:

إن هذا التحدي إنما هو من واقع الارتباط بالله، لا بالاستناد إلى القدرات الذاتية المنفصلة عنه تعالى، وذلك إنه «عليه السلام» برأ نفسه من أن يدعي لها: أن تكون لها أية قدرات مستقلة عن الله تبارك وتعالى، ليؤكد: أنه لا حول ولا قوة له إلا بالله.

وبذلك يكون قد ضمن سلامة اعتقاد الناس فيه، حيث لم يفسح المجال لأي غلو، أو ارتفاع، فمن فعل ذلك يكون هو الذي يتحمل مسؤولية ما أقدم عليه.

يقال: عمر الدنيا سبعة آلاف:

1 ـ قوله «عليه السلام» حين سأله السائل عن عمر الدنيا: «يقال: سبعة آلاف»، يشير إلى أنه لا يريد أن يتحمل مسؤولية صحة هذا القول من جهة، ولا يريد أن يعطي وقتاً معيناً في ذلك، لأن ذلك يفتح المجال أمام التشكيك في صحة ما جاء به، لأن عماده النقل الصحيح، الذي لا سبيل إلى إثبات صحته إلا قول المعصوم، وما دام ذلك الرجل لم يؤمن بعد بعصمة النبي «صلى الله عليه وآله»، أو علي «عليه السلام»، فإن الدخول معه في نقاش كهذا سوف لا ينتهي إلى نتيجة.

كما أن ذلك يهيئ لذلك السائل الفرصة إلى الطعن في قوله «عليه السلام»: إنه سيجيبه بما لا تختلج فيه الشكوك.

2 ـ أما قوله: ثم لا تحديد، فهو ناظر إلى بقية عمر الدنيا، الذي هو أمر مستقبلي خاضع لمشيئة الله وإرادته، كما أن التعرض لذكر أي رقم في ذلك سيكون مصيره مصير الرقم المرتبط بما سبق من عمرها.

3 ـ إن قبول السائل بأن يكون عمر الدنيا هو سبعة آلاف سنة ليس مما يمكن تكيد صجته، حتى لو كان مراده عمر الدنيا المعمورة بالبشر، المنسوبين إلى خصوص أبينا آدم «عليه السلام»، فإن عمر الدنيا ـ فيما يظهر ـ أكثر من ذلك. ولو كان المقصود هو عمر الدنيا من حين خلقها، فلا بد من البحث عن جواب آخر أيضاً.. ولا يمكن إثبات صحته ولا فساده إلا بقول المعصوم.

أسئلة يهوديين:

قال ابن شهرآشوب:

ابن عباس: أن أخويين يهوديين سألا أمير المؤمنين «عليه السلام» عن واحد لا ثاني له، وعن ثانٍ لا ثالث له، إلى مائة متصلة، نجدها في التوراة والإنجيل وهي في القرآن يتلونه.

فتبسم أمير المؤمنين «عليه السلام» وقال:

أما الواحد فالله ربنا الواحد القهار لا شريك له.

وأما الإثنان فآدم وحوا، لأنهما أول اثنين.

وأما الثلاثة فجبرائيل وميكائيل وإسرافيل، لأنهم رأس الملائكة على الوحي.

وأما الأربعة فالتوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان.

وأما الخمسة، فالصلاة أنزلها الله على نبينا محمد وعلى أمته، ولم ينزلها على نبي كان قبله، ولا على أمة كانت قبلنا، وأنتم تجدونه في التوراة.

وأما الستة، فخلق الله السماوات والأرض في ستة أيام.

وأما السبعة، فسبع سماوات طباقاً.

وأما الثمانية، فيحمل عرش ربك يومئذ ثمانية.

وأما التسعة، فآيات موسى التسع.

وأما العشرة، فتلك عشرة كاملة.

وأما الأحد عشر، فقول يوسف لأبيه: ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً.

وأما الإثنا عشر، فالسنة اثنا عشر شهراً.

وأما الثلاثة عشر، فقول يوسف لأبيه: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾([2])، فالأحد عشر أخوته، والشمس أبوه والقمر أمه.

وأما الأربعة عشر، فأربعة عشر قنديلاً من نور معلقة بين السماء السابعة والحجب، تسرج بنور الله إلى يوم القيامة.

وأما الخمسة عشر، فأنزلت الكتب جملة منسوجة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا لخمس عشرة ليلة مضت من شهر رمضان.

وأما الستة عشر، فستة عشر صفاً من الملائكة، حافين من حول العرش.

وأما السبعة عشر، فسبعة عشر اسماً من أسماء الله تعالى، مكتوبة بين الجنة والنار، لولا ذلك لزفرت زفرة أحرقت من في السماوات والأرض.

وأما الثمانية عشر، فثمانية عشر حجاباً من نور، معلقة بين العرش والكرسي، لولا ذلك لذابت الصم الشوامخ، واحترقت السماوات والأرض وما بينهما من نور العرش.

وأما التسعة عشر، فتسعة عشر ملكاً خرنة جهنم.

وأما العشرون، فأنزل الزبور على داود «على نبينا وآله وعليه السلام» في عشرين يوماً من شهر رمضان.

وأما الأحد والعشرون، فألان الله لداود فيها الحديد.

أما في اثنين وعشرين، فاستوت سفينة نوح.

وأما الثلاثة وعشرون، ففيه ميلاد عيسى، ونزول المائدة على بني إسرائيل.

وأما في أربعة وعشرين، فرد الله على يعقوب بصره.

وأما خمسة وعشرون، فكلم الله موسى تكليماً بواد المقدس، كلمه خمسة وعشرين يوماً.

وأما ستة وعشرون، فمقام إبراهيم «عليه السلام» في النار، أقام فيها حيث صارت برداً وسلاما.

 وأما سبعة وعشرون، فرفع الله إدريس مكاناً علياً، وهو ابن سبع وعشرين سنة.

وأما ثمان وعشرون، فمكث يونس «عليه السلام» في بطن الحوت.

وأما الثلاثون، ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً.

وأما الأربعون، تمام ميعاده ﴿وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾([3]).

وأما الخمسون، خمسون ألف سنة.

وأما الستون، كفارة الإفطار: فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.

وأما السبعون، ﴿سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا﴾([4]).

وأما الثمانون، ﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾([5]).

وأما التسعون، فـ ﴿تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً﴾([6]).

وأما المائة، ﴿فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ﴾([7]).

فلما سمعا بذلك أسلما. فقتل أحدهما في الجمل، والآخر في صفين([8]).

ونقول:

لاحظ ما يلي:

سؤالان لهما جواب واحد:

هنا سؤالان يحتاجان إلى إجابة وهما:

السؤال الأول: إن هذا النوع من الأسئلة والأجوبة قد يبدو لأول وهلة: أنه يمتاز بالبساطة، وربما بالعفوية والإقتراح، وأنه لا يخضع لضابطة ومعيار..

فإن كان هذا هو السبب فيما نراه من اختلاف وإن كان يسيراً بين بعض الأجوبة في موضع، وبعضها في موضع آخر.. فذلك يضع علامة استفهام حول الإمام «عليه السلام» في صحة علومه، وفي دقة أجوبته. وفي عصمته عن الخطأ فيها..

بل لماذا كانوا يعتبرون هذه الإجابة كافية، ويتخذون منها مبرراً للدخول في دين الإسلام، بل وللإعتقاد بالإمامة أيضاً؟!

السؤال الثاني: إذا كان اليهود يعرفون تلك الأجوبة، فما هو العجيب في أن يعرفها غيرهم، فلعلها تسربت إلى ذلك الغير، وعرفها، كما عرفوها، فما هو وجه الإعجاز فيها؟!

ونجيب بما يلي:

1 ـ إن هذه الأمور فيما يبدو إنما كانت من قبيل الإخبارات الغيبية، حيث كان ذلك السائل يستنبطها من كتبه المقدسة، أو من غيرها، ثم يضمر ما استنبطه، ثم يسأل النبي أو الإمام عنه، فإذا أجابه بما يطابق ما في ضميره عرف أنه متصل بالغيب، ويتيقن صحة نبوته.

وكانت هذه الأسئلة تؤخذ من النصوص الدينية التي كان ذلك السائل يعتقد بصحتها.

ويبدو: أن ذلك مما كان علماؤهم يكتمونه، ولا يقرون به، مع علمهم بكونه عين الحق. ولكنهم يجحدونه في العلن.

وإذا عرفوا أن نبياً قد ظهر، وأنه يقدم نفسه على أنه هو الذي بشر به الأنبياء، فإنهم قد يرون فيه خطراً على نفوذهم، وعلى مواقعهم، ودورهم. فيبادر الكثيرون منهم إلى العمل على إبطال دعواه بمجادلته وبطرح هذا النوع من الأسئلة عليه..

فإذا أجابهم عنها وقهرهم، وأسقط حجتهم، ينسحبون من ساحة الصراع باللجوء إلى تدبير المؤامرات، وحوك المكائد، وربما إعلان الحروب الظالمة عليه إن أمكنهم ذلك..

وقد نجد قلة قليلة منهم تطلب الحق، وتسعى للوصول إليه، فإذا جاؤوا إلى ذلك النبي أو الوصي، ووجدوا لديه بغيتهم، وسقطت معه حجتهم، فإنهم يبادرون إلى قبول الحق، والدخول في الإسلام والإيمان.

الصلاة فوق الكعبة:

وقد ورد في اجوبة أسئلة ابن الكواء الخارجي: أن الصلاة على الكعبة لا تجوز، ويبدو أن مراده «عليه السلام» هو أنه يصلي على ظهرها بحيث يكون سجوده على نقطة انتهائها، لأنه لا يكون حال سجوده مستقبلاً لشيء من الكعبة.

الصلاة في الأمم السالفة:

وقد ذكرت الرواية المتقدمة: «أن الخمسة هي الصلاة أنزلها الله تعالى على نبينا، وعلى أمته، ولم ينزلها على نبيٍ كان قبله، ولا على أمة كانت قبلنا، وأنتم تجدونه في التوراة».

فكيف نوفق بين هذا وبين قول الله تعالى حكايةً عن عيسى «عليه السلام»: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً﴾([9])..

وقال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً﴾([10]).

وقال تعالى حكايةً لقول لقمان لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ﴾([11]).

وقال إبراهيم «عليه السلام»: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾([12]).

فإذا كانت الصلاة مفروضة في زمن إبراهيم ولقمان وعيس «عليه السلام».

فكيف يمكن تفسير قول أمير المؤمنين «عليه السلام» هنا: أن الصلاة لم تنزل على غير نبينا، وعلى غير هذه الأمة؟!

وقد ىجاب: بأن الصلاة التي نزلت قبل رسول الله «صلى الله عليه وآله» هي الدعاء والابتهال. ولم تكن بهذه الكيفية التي نعرفها..

ويرد على هذه الإجابة: أنها مجرد دعوى بلا دليل، بل نجد في القرآن ما يدل على أن الدين الذي شرعه الله لنا هو نفسه الذي شرعه لنوحٍ وإبراهيم، وموسى وعيسى. فقد قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾([13]).

وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً﴾([14]). والآيات في هذه المعنى كثيرة.

ولعل الإجابة الأقرب عن ذلك هي:

أن ظاهر كلام أمير المؤمنين «عليه السلام» هو: أن الصلوات الخمس اليومية، بهذا العدد من الركعات لكل وقت، وفي خصوص هذه الأوقات، وبما لها من خصوصيات تفصيليه، لم تكلف بها الأمم السابقة، ولم ينزل الأمر الإلزامي بها على أولئك الأنبياء ليبلغوه إلى أممهم.

وإن كان الأنبياء أنفسهم ربما كانوا يمارسونها طوعاً ويؤدونها بما لها من خصوصياتٍ وكيفيات وفي أوقات تتوافق مع ما عليه هذه الأمة. أو لعلها كانت مطلوبة من الناس على سبيل الإستحباب. ولم يحتم الله تعالى ذلك عليهم، فلعل الأنبياء بما لهم من خصوصية النبوة، ولشدة شوقهم إلى طاعة ربهم، يبادرون إلى فعل كل ما عرفوا أنه يرضي الله تعالى، ويزيدهم قرباً منه، ومنه الصلاة بهذه الأوصاف.

فإن قلت: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب.. والقرآن إنما تنزل على نبينا، فالأمم السابقة لا تعرف الفاتحة لتقرأها في صلواتها.

ويجاب:

تقدم: أن هذه من الخصوصيات التفصيلية التي ربما لم تكلف بها الأمم السابقة، فإن مجموع القرآن قد نزل على رسول الله «صلى الله عليه وآله» خاصة، ولا مانع من أن تكون الفاتحة، قد نزلت منذ بعث الله آدم «عليه السلام» نبياً، لتكون جزءاً من صلاة البشر التي هي شريعة لهم.. ولا يوجد ما يثبت خلاف ذلك، بل هناك ما يثبت هذه الحقيقة، لقوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً﴾([15]). وآيات أخرى، حتى تلك التي تذكر ما أوحاه الله تعالى إلى الأنبياء السابقين لا تخلو من دلالة على هذا.

ولعلك تقول أيضاً:

هناك تفاصيل هي من خصوصيات شريعة نبينا. ولم تكن في الشرائع السابقة.

فيجاب:

أولاً: إننا نطالب بإثبات هذا الأمر على نحو اليقين.

ثانياً: لعل هذه التفاصيل لم تكن موضع ابتلاء للناس، أو أنها لم تكن قد وضعت، لأن مناشئ جعلها لم تكن متوفرة، فإنها أمور عينية تقتضيها الخلقة والفطرة.. فمثلاً إذا كانت الأخوة والبنوة تقضي بلزوم الإرث على النحو الخاص، أو إذا كانت البنوة والأخوة تمنع من التزويج، فإن هذه الخصوصية موجودة منذ خلق آدم، وذريته.. فلا بد أن تتبعها أحكامها في الإرث والزواج.. وليست الصلاة من هذا القبيل.

أما إذا كان المقتضي للجعل عنواناً عاماً أو خاصاً، ينشأ في ظروف خاصة، وبشروط خاصة، فلا بد من الإنتظار إلى أن تنتج الظروف والشروط ذلك العنوان، لكي تتبعه أحكامه، ولعل بعض ما اختصت به شريعة نبينا «صلى الله عليه وآله» كان من هذا القبيل..

والصلاة التي يراد منها إقامة الصلة بين الله والإنسان وأريد بها أيضاً صيانته الإنسان عن الفحشاء والمنكر ليست من هذا القسم الثاني، بل هي من الأول، لأن إنشاء هذه العلاقة، وإيجاد تلك الصيانة مطلوب منذ أن خلق الله الإنسان، وأمره ونهاه.

هل الأسئلة في مجلس واحد؟!:

ويبقى أن نشير إلى احتمال أن تكون أسئلة ابن الكواء وربما أسئلة غيره أيضاً قد حصلت في عدة مناسبات، ثم جمعت لتكون رواية واحدة.

وربما تكون قد حصلت في مجلس واحد، ويكون السائل قد أعدها مسبقاً، على أمل أن ينقطع علي «عليه السلام» ولو في واحدٍ منها، ليشتهر بين الناس: أن ما يدعيه «عليه السلام» من علومٍ ومعارف ليس له أساس متين، أو على الأقل ليس هو بالمستوى الذي قد يتوهم له.. وبذلك تسقط دعواه الإمامة استناداً إلى ذلك..

ويصبح علي «عليه السلام» كفردٍ من الناس، ولا ميزة له على أحد في هذا الأمر.

التعمية المقصودة:

إن من يلاحظ الأسئلة التي يطرحها اليهود والنصارى، والخوارج، وأهل العناد بصورة عامة يجد أن فيها تعمية متعمدة، وظاهرة، تشي بالرغبة الجامحة بهزيمة الطرف الآخر وإسكاته، وإظهار عجزه، وأنه لا يطلب فيها الحصول على مفارق وكشف غوامض.

وهذا يؤكد ما قلناه: من أنها كانت نتيجة اجتهادات السائلين ومن بنيات أفكارهم..

كما أن ثمة تشابهاً كبيراً فيما بين هذه الأسئلة، وذلك يدل على أن طرحها في المناسبات المختلفة لم يكن يبلغ الكثيرين، فيطرحها الاخرون بدورهم، ثم يرويها الرواة ويقارن العلماء بينها، فبعد سنة أو سنوات، فيظهر لهم أن الأجوبة تتشابه كما تشابهت الأسئلة التي اقتضتها.

غير أن ذلك لا يمنع من أن تكون الأصول المأخوذة منها، والعائدة إليها، هي النصوص الدينية كما قلنا..

متى كان ربك؟!:

1 ـ عن أبي عبد الله «عليه السلام»، قال: جاء حبر من الأحبار إلى أمير المؤمنين «عليه السلام»، فقال: يا أمير المؤمنين، متى كان ربك؟!

فقال له: ثكلتك أمك، ومتى لم يكن، حتى يقال: متى كان؟! كان ربي قبل القبل بلا قبل، وبعد البعد بلا بعد، ولا غاية ولا منتهى لغايته، انقطعت الغايات عنده، فهو منتهى كل غاية.

فقال: يا أمير المؤمنين! أفنبي أنت؟!

فقال: ويلك، [لأمك الهبل] إنما أنا عبد من عبيد محمد «صلى الله عليه وآله»([16]).

والهبل هو الثكل.

2 ـ وفي نص آخر: جاء رجل من اليهود إلى أمير المؤمنين «عليه السلام»، فقال: يا أمير المؤمنين، متى كان ربنا عز وجل؟!

قال: فقال له علي «عليه السلام»: إنما يقال: متى كان، لشيء لم يكن فكان. وربنا تبارك وتعالى هو كائن بلا كينونة كائن، كان بلا كيف يكون، كائن لم يزل بلا لم يزل، وبلا كيف يكون، كان لم يزل ليس له قبل، هو قبل القبل بلا قبل، وبلا غاية، ولا منتهى غاية، ولا غاية إليها غاية، انقطعت الغايات عنه، فهو غاية كل غاية([17]).

3 ـ روى الكليني، عن البرقي، عن أبيه، رفعه قال: اجتمعت اليهود إلى رأس الجالوت، فقالوا له: إن هذا الرجل عالم ـ يعنون أمير المؤمنين «عليه السلام» ـ فانطلق بنا إليه نسأله.

فأتوه، فقيل لهم: هو في القصر([18]).

فانتظروه حتى خرج، فقال له رأس الجالوت: جئناك نسألك.

فقال: سل يا يهودي عما بدا لك.

فقال: أسألك عن ربك متى كان؟!

فقال: كان بلا كينونية، كان بلا كيف، كان لم يزل بلا كم وبلا كيف، كان ليس له قبل، هو قبل القبل بلا قبل، ولا غاية، ولا منتهى. انقطعت عنه الغاية، وهو غاية كل غاية.

فقال رأس الجالوت: امضوا بنا، فهو أعلم مما يقال فيه([19]).

4 ـ وفي نص آخر: «.. وربنا هو كائن بلا كينونة كائن، كان بلا كيف يكون. كائن لم يزل بلا لم يزل، وبلا كيف يكون. كان لم يزل ليس له قبل. هو قبل القبل بلا قبل، وبلا غاية، ولا منتهى. غاية ولا غاية إليها. غاية انقطعت الغايات عنه فهو غاية كل غاية([20]).

وذكره الكليني أيضاً، لكنه قال: إن رأس الجالوت قال لليهود: إن المسلمين يزعمون: أن علياً من أجدل الناس، وأعلمهم، اذهبوا بنا إليه، لعلِّي أسأله مسألة وأخطئه فيها.

فأتاه فقال..

إلى أن تقول الرواية: فقال: أشهد أن دينك الحق، وأن ما خالفه باطل([21]).

ونقول:

نذكر هنا بعض ما يرتبط بالنصوص السابقة، كما يلي:

رأس الجالوت:

رأس الجالوت: مقدم علماء اليهود. وجالوت اسم أعجمي. ويكون رأس الجالوت من ولد داود. والمراد بالجالوت: الذين أجلوا عن بيت المقدس([22]).

الكينونة المنفية عنه تعالى:

بلا كينونة: أي أن الكينونة ليست وجوداً زائداً عليه، ولا أمراً حادثاً، والكيف من صفات الجسمانيات. وكذلك القبلية والبعدية، والغاية التي هي طرف ونهاية امتداد، وغير ذلك مما هو زماني ومكاني.

وقوله: بلا كينونة كائن: أي قبل أن يتكون كائن. أو أنه تعالى ليس له كينونة الكائنات.

أما قوله في الرواية رقم (3): بلا كينونة: فيريد به: أن لفظ كان يدل على حصول الوجود للشيء بعد أن لم يكن. فاختار «عليه السلام» لفظ «كينونة»، ليدل على أصل معنى الوجود، من دون إلماح إلى حصوله بعد أن لم يكن.

بلا لم يزل، وبلا كيف:

وقوله: بلا كيف يكون: أي بلا كيف يوجد، لا على الحقيقة، ولا على نحو الاستعداد.

وقوله: بلا لم يزل: أي زمانٍ قديم موجود، يسمى بلم يزل، ليكون معه هذا الوصف قديماً ثانياً.

متى كان لما لم يكن؟!:

وذكرت الرواية رقم (1): أنه «عليه السلام» قال لليهودي: «إنما يقال: متى كان؟! لما لم يكن» أي فكان. أما ما كان في الأزل، ولم يسبقه العدم، فلا يقال له: متى كان؟! لأن هذا السؤال يختص بالموجودات الحادثة.

قبل القبل وبعد البعد:

وأما أنه تعالى قبل القبل، وبعد البعد، وليس منتهى غاية، فالمقصود به: أنه تعالى أزلي، سرمدي، مجرد عن كل لحاظ في الواقع، أو في العقل، عن القبلية والبعدية وغيرها. أي أنه ليس منتهى مسافة وهمية، أو حسية، أو عقلية، أو زمانية، أو مكانية، لتكون لتلك المسافة نهاية، ليقال: هو قبلها أو بعدها، فلا يصح: أن يسأل عنه بأين ومتى؟!

والحاصل: أن قبليته تعالى ليست قبلية زمانية، بل قبلية سرمدية. كما أن بعديته بعدية أزلية، فلا انقطاع لوجوده، لا في القبل ولا في البعد. لأن الانقطاع من لواحق الأمور الزمانية المحدثة.

أنا عبد من عبيد محمد:

ولما أجابه «عليه السلام» بذلك الجواب قال له اليهودي: أنبي أنت؟!

فقال له «عليه السلام»: «إنما أنا عبد من عبيد محمد».

ونحن لا نبرئ ذلك اليهودي من أن يكون قد أراد بسؤاله هذا التشويش، وإيقاع الشبهة والفتنة بين أهل الحق، وشق صفوفهم، بدفع بعضهم إلى الغلو، ليتصادموا مع غيرهم..

وربما يكون قد أراد أيضاً إذكاء طموح علي «عليه السلام»، ودفعه إلى ادعاء أمر يتناقض مع ما يعتقده المسلمون، من أن محمداً «صلى الله عليه وآله» خاتم الأنبياء، كما نص عليه القرآن الكريم.

وجاءت إجابة علي «عليه السلام» صاعقة لذلك اليهودي، وحاسمة لكل وهم وشبهة..

وقد كان بإمكانه «عليه السلام» أن يقول: أنا أحد أتباع محمد، أو أنا أحد تلامذة محمد «صلى الله عليه وآله».

ويكون بذلك قد أظهر تواضعه، وأدى فروض التعظيم والاحترام.

ولكنه لم يفعل، ربما لأنه خشي من أن يفهم ذلك اليهودي: أن التابع إنما صار تابعاً بقرارٍ منه، ويمكن أن يقرر التخلي عن هذه التابعية. وأن ينزع هذه الصفة عنه متى شاء..

أو أن يتخيل أن التلميذ أيضاً قد يستنفذ ما لدى أستاذه وقد يتفوق عليه، حين يضيف إليه ما اكتسبه من أساتذة آخرين، أو ما حصل عليه بجهده الخاص، أو ما استفاده من تجاربه.

أما اعتبار نفسه عبداً لمحمد، فهو ما لم يكن يخطر على بال ذلك اليهودي الذي يقيس الأمور بمقاييس مادية، قوامها العمل في سبيل الأنا، وما تحصل عليه من النفع والضرر في الحياة الدنيا..

والذي لا بد أن يزيد في كربه، وخزيه: أن يرى أن هذا العالم الذي أقر بأنه يضارع الأنبياء في علمه، يعتبر نفسه عبداً لمحمد «صلى الله عليه وآله»، ويقصر نفسه على هذه الصفة، ولا يرضى بتوصيفه بغيرها، بل هو يغضب، ويدعو بالموت على من يتجاوزها في توصيفه له!!

وذلك اليهودي كان يرى بأم عينه: أن محمداً لم يكن حين هذه الواقعة حياً، ليمكن التسويق لاحتمال أن يكون علي «عليه السلام» قد قال ذلك خوفاً من محمد «صلى الله عليه وآله»، أو مراعاة لجانبه، وقياماً منه بفروض الآداب والمجاملة، بل قرر «عليه السلام» أنه من عبيد محمد بعد استشهاد النبي «صلى الله عليه وآله» بحوالي ثلاثين سنة.

والمقصود: أنه عبد لمحمد في الطاعة والانقياد، وفي أنه لا يملك لنفسه شيئاً، بل هو وكل ما عنده في تصرف محمد «صلى الله عليه وآله»، وفي خدمة أهدافه، ومن أجله.

ولعل هدف اليهود من طرح الأسئلة على المسلمين: هو استكشاف إن كان لدى المسلمين شيء من علوم الأنبياء «عليهم السلام» وأسرارهم، التي تميزهم عن غيرهم من عباد الأوثان، أم أنهم ليس لديهم سوى ما كان لدى عبَّاد الأوثان من أمور حسية أو قريبة من الحس، يتداولونها!!

المراد بقبل القبل:

وليس المراد بقبل القبل: القبلية الزمانية، إذ لا ميزة فيها، ولا شرف لها، بل قد يكون ما يأتي في الزمان المتأخر أشرف وأفضل من سابقه. كما هو الحال بالنسبة لنبينا «صلى الله عليه وآله»، فإنه أشرف ممن سبقه ولحقه من جميع الخلائق..

وليس المراد: القبلية والبعدية المكانية، إذ لا مكان له تعالى، بل المراد القبلية العلِّية، فهو تعالى علَّة العلل، ولا علة له.. ولا نهاية لوجوده في جهتي القبلية والبعدية، لكونه أزلياً وسرمدياً..

الكينونة ليست زائدة ولا حادثة:

إن كينونته تعالى هي حقيقة ذاته، وليست وجوداً زائداً ولا حادثاً. لأنه لو كان كذلك، فهو إما منه، أو من غيره.

والأول باطل، لاستحالة أن يكون الشيء علة لوجود نفسه.

والثاني باطل أيضاً، لأن الواجب بالذات لا يحتاج في وجوده إلى غيره.

صفاته تعالى عين ذاته:

وقد قال «عليه السلام»: كان بلا كيف، لأن الكيف صفة زائدة، كالعلم، والقدرة، والإرادة، والحياة.

ويلزم من الصفة الزائدة تعدد الواجب، إن كانت تلك الصفة واجبة بالذات. واحتياجه إلى الغير إن كانت ممكنة.

وهو تعالى بلا كم، سواء أكان متصلاً، أم منفصلاً، مثل الجسم، والسطح، والخط الذي لا بد منه، إن كان له غاية، وكان الامتداد مكانياً، أو كانت له غاية زمانية، إن كان الامتداد زمانياً.

والوجود الأزلي برئ من ذلك، لأن الكم يقبل القسمة، والتجزئة، والمساواة وعدمها.

بلا كم، وبلا كيف:

ورد في الرواية المتقدمة برقم (3) قوله: «كان بلا كيف، وكان لم يزل بلا كم ولا كيف..». فقد يسأل عن الفرق بين الكيف في المرة الأولى، والكيف الذي أعاده في المرة الثانية؟!

ويمكن أن يجاب:

بأن سلب الكيف أولاً في قوله: كان بلا كيف. هو سلب الصفات الزائدة عن ذ  اته تعالى، والكيف صفة، فلا بد من سلبه عنه سبحانه.

والمراد بالكيف المسلوب ثانياً: هو سلب جنسه الشامل للكيفيات المحسوسة، والاستعدادية، والنفسانية، والكيفيات المختصة بالكم.

أو يقال: المراد بالثاني: سلب الكيفيات المختصة بالكم. وبالأول: سلب ما عداها من الكيفيات المحسوسة، والاستعدادية والنفسانية.

أو المراد هنا: أن «لم يزليته تعالى» غير مكيفة بكيف. وفي الأول: أن وجوده تعالى غير مكيف بكيف.

بلى يا يهودي، ثم بلى يا يهودي:

وذكرت رواية الكافي: أنه «عليه السلام» قال: «هو كائن بلا كينونة كائن. كان بلا كيف يكون. بلى يا يهودي، ثم بلى يا يهودي، كيف يكون له قبل؟! هو قبل القبل إلخ..».

والسؤال هنا هو: لما كرر «عليه السلام» قوله: «بلى يا يهودي، ثم بلى يا يهودي»؟!

ويمكن أن يجاب:

أولاً: بأنه «عليه السلام» يخاطب شخصاً يصر على التجسيم الإلهي، وإثبات الكيفيات بجميع أنواعها حتى ما كان مختصاً بالكم. لأنه يرى أن الله جسم، وله صفات الأجسام.

بل هو يزعم: أنه تلقى هذه المقولات الفاسدة عن الله سبحانه، وأنها مما صرحت به كتب الله المنزلة. وعلى الأخص التوراة.

فهو يتبناها على سبيل التقديس، ويتدين بها على هذا الأساس.

وبذلك يكون اليهودي قد سد باب النقاش العلمي، المستند إلى أحكام العقل الصحيحة والصريحة..

فأراد «عليه السلام» التأكيد على فساد هذه المقولات بقوة وحزم، بالاستناد إلى الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، ليكسر بذلك عناد ذلك اليهودي الذي يتجرأ على الله، بالاستناد إلى ما يزعم أنه من الله تعالى

ثانياً: إنه «عليه السلام» قد قرر أمرين كان يتوقع من اليهودي أن يبادر إلى إنكارهما:

إن الله تعالى كائن بلا كون، حادث..

إنه تعالى كائن بلا كيف..

فأراد «عليه السلام» أن ينفيهما معاً، وبصورة تفصيلية، تظهر تعمده لنفيهما معاً.. لكي لا يتوهم متوهم أن ما سيذكره قد يصلح لنفي أحدهما دون الآخر..

فذكر «عليه السلام»: أنه إذا لم يكن لله تعالى قبل ولا بعد، فلا يمكن أن يكون له حدوث ولا كيف. لأن الكيف وصف حادث، لا يتصف به غير الحادث، وهذا مما لا يصح نسبته إلى الله تعالى؛ لأن كينونته تعالى هي حقيقة ذاته. وهو تعالى واجب الوجود، ووجوب وجوده تعالى يفرض أموراً:

أولها: أنه لا يمكن أن يكون له ابتداء، لأنه إما إن يكون هو الذي أوجد نفسه، وهو يستلزم التقدم والتأخر، والوجود والعدم في آن واحد، وهو باطل، أو يكون غيره قد أوجده، وهو باطل أيضاً، لأن المفروض: أنه واجب الوجود بالذات، لا بالغير.

ثانيهما: أنه لا يمكن أن يكون له امتداد ونهاية. (لما ذكرناه من أن ذلك من صفات المخلوق لا الخالق)، لأنه من صفات الكم، الذي هو من الحوادث، والكم يكون قابلاً للقسمة والتجزية، والمساواة والزيادة. والوجود بالذات لا يقبل ذلك.

ثالثها: أن يكون له انتهاء، وهذا ينافي سرمديته وأزليته، لأنه من صفات المخلوقين أيضاً.

أثر الآيات في قضاء الحاجات:

روى الكليني «رحمه الله»، عن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر، عن السياري، عن محمد بن بكر، عن أبي الجارود، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين «عليه السلام» أنه قال:

والذي بعث محمداً «صلى الله عليه وآله» بالحق، وأكرم أهل بيته، ما من شيء يطلبونه من حرز، أو حرق، أو غرق، أو سرق، أو إفلات دابة من صاحبها، أو ضالة، أو آبق، إلا وهو في القرآن. فمن أراد ذلك فليسألني عنه.

قال: فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عما يؤمن من الحرق والغرق.

فقال: اقرأ هذه الآيات: ﴿اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ و ﴿مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ إلى قوله: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، فمن قرأها فقد أمن [من] الحرق والغرق.

قال: فقرأها رجل، فاضطرمت النار في بيوت جيرانه، وبيته وسطها، فلم يصبه شيء.

ثم قام إليه آخر فقال: يا أمير المؤمنين، إن دابتي استصعبت علي، وأنا منها على وجل.

فقال: اقرأ في اذنها اليمنى: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾.

فقرأها، فذلت له دابته.

وقام إليه رجل آخر، فقال: يا أمير المؤمنين، إن أرضي أرض مسبعة، وإن السباع تغشى منزلي، ولا تجوز حتى تأخذ فريستها.

فقال: اقرأ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾.

فقرأهما الرجل، فاجتنبته السباع.

ثم قام إليه رجل آخر، فقال: يا أمير المؤمنين، إن في بطني ماء أصفر. فهل من شفاء؟!

فقال: نعم، بلا درهم ولا دينار، ولكن اكتب على بطنك آية الكرسي، وتغسلها وتشربها وتجعلها ذخيرة في بطنك، فتبرأ بإذن الله عز وجل.

ففعل الرجل، فبرئ بإذن الله تعالى.

ثم قام إليه آخر، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن الضالة.

فقال: اقرأ: ﴿يس﴾ في ركعتين، وقل: يا هادي الضالة، رد علي ضالتي.

ففعل، فرد الله عز وجل عليه ضالته.

ثم قام إليه آخر، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن الآبق.

فقال: اقرأ: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾.

فقالها الرجل، فرجع إليه الآبق.

ثم قام إليه آخر، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن السرق، فإنه لا يزال قد يسرق لي الشيء بعد الشيء ليلاً.

فقال: اقرأ إذا أويت إلى فراشك: ﴿قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا﴾ إلى قوله: ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً﴾.

ثم قال أمير المؤمنين «عليه السلام»: من بات بأرض قفر، فقرأ هذه الآية: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ إلى قوله: ﴿تَبَارَكَ اللَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ حرسته الملائكة، وتباعدت عنه الشياطين.

قال: فمضى الرجل، فإذا هو بقرية خراب، فبات فيها فلم يقرأ هذه الآية، فتغشاه الشيطان، فإذا هو آخذ بخطمه.

فقال له صاحبه: أنظره، واستيقظ الرجل، فقرأ الآية.

فقال الشيطان لصاحبه: أرغم الله أنفك، احرسه الآن حتى يصبح.

فلما أصبح رجع إلى أمير المؤمنين «عليه السلام»، فأخبره، وقال له: رأيت في كلامك الشفاء والصدق.

ومضى بعد طلوع الشمس، فإذا هو بأثر شعر الشيطان منجراً في الأرض([23]).

ونقول:

لا بأس بملاحظة ما يلي:

1 ـ إن الرواية، وإن كانت ضعيفة سنداً، ولكن ذلك لا يمنع من صحة مضامينها كلاً أو بعضاً، حيث لا تتوفر الدواعي على الكذب في هذا الموضوع أو ذاك..

من أجل ذلك، ولأنه لا مانع من الأخذ بالمضمون الذي لم يثبت كذبه برجاء صدوره وصحته، نرى: أن علينا أن لا نتجاهل أمثال هذه النصوص، حتى لا نكون سبباً في ضياعها، وتعطيل الاستفادة منها لمن شاء..

على أن النص الضعيف السند إذا انضم إلى نصوص أخرى تجتمع معه على مضمون واحد قد يشكل تواتراً للمعنى، أو استفاضةً توجب قوة الظن بصدور ما اتفقت عليه المضامين المختلفة.. وربما تشكل بمجموعها حجة عند العقلاء. أو أنهم ـ على الأقل ـ لا يتجاهلونها في تعاملهم مع أمثال هذه القضايا.

2 ـ لوحظ في هذه الرواية قولها: إن أمير المؤمنين «عليه السلام» كان هو المبادر إلى إثارة هذا الموضوع، وسوق الناس إلى السؤال عنه.. وإذا كان هو المسؤول عن تعليم الناس وعن تربيتهم ودلالتهم على ما يصلح أمورهم، فلا بد من أن يكون «عليه السلام» قد لاحظ مواضع الخلل، أو النقص في معارفهم، أو هيمنت عليهم، فصرفتهم عن ما ينبغي لهم أن يتوجهوا إليه. فاقتضى الحال أن تكون المبادرة منه.

3 ـ إنه «عليه السلام» أثار موضوع الاستفادة من الآيات القرآنية في مجالات تهم الناس، وفي مواقع حساسة وعملية..

4 ـ إنه «عليه السلام» قد بدأ حديثه معهم بطريقة مثيرة لمشاعرهم الشخصية، كأفراد، كما أنها طريقة تدفعهم إلى البحث والتقصي، والاستعلام وطلب المزيد، ولو لم تكن هناك حاجة شخصية حاضرة.

5 ـ إن سياق الرواية يفيد: أن الراوي كان يذكر السؤال والجواب، ثم يشير إلى ما جرى للسائل بعد ذلك، ثم يعود إلى إكمال الرواية من حيث بلغ. لأن ظاهر سياق الرواية: هو أن السائلين كلهم قد قاموا إلى أمير المؤمنين «عليه السلام» وسألوه، وأجابهم في مجلس واحد..

6 ـ إنه لا ريب في أن للكلمات تأثيراً في الأمور العينية الخارجية، وقد عوذ رسول الله «صلى الله عليه وآله» الحسن والحسين «عليهما السلام» بالمعوذتين بأمر من الله تعالى.. كما أن الله تعالى يقول لنبيه «صلى الله عليه وآله»: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ([24]).

وهناك روايات كثيرة يصعب حصرها تذكر آثاراً عملية للآيات، في الشفاء، وفي تفريج الهموم، وحل المشكلات، والرزق، والحفظ، وغير ذلك، ولا يمكن الحكم عليها كلها بالبطلان. بل يقطع بصدور قسم منها، كما أن من بينها ما هو معتبر سنداً، وسليم الدلالة.

7 ـ إن هناك شروطاً لتأثير هذه الآيات أو غيرها من الأوراد والأدعية والتعاويذ: قراءةً، أو كتابة، أو غير ذلك من أنحاء الاستفادة في قضاء الحاجات، كما لا بد أن لا يكون هناك موانع من تأثيرها.. مما يعني: أن قراءة أو كتابة الآية، أو الدعاء، أو بعض الأسماء المباركة تكون بمثابة المقتضي للتأثير، فتحتاج إلى توفر بعض الشروط الأخرى، والعمل على رفع بعض الموانع، ليحصل الطالب على مطلوبه منها.

فقد تكون مشروطة بالطهارة من الحدث، أو بكون موردها مرضياً وطاعة لله.

وربما كانت الاستجابة وتحقيق الأثر مضرة بحال من يريد أن يستفيد منها، أو مضرة بحال غيره.. وربما يكون من الأضرار المانعة من التأثير: أن بعض الناس يريد أن يعتمد عليها في تدبير أموره، وحلّ مشكلاته الدنيوية، أو أنه يريد أن يلعب بآيات القرآن، أو أن يستخدمها في استغلال، وخداع الناس، فيحجب الله تعالى آثارها عنه، رأفة ورحمة به أو بغيره من عباده..

8 ـ إن ما ذكر في آخر الرواية المتقدمة، عن ذلك الرجل الذي بات في قرية خراب، فتغشاه الشيطان، لأنه لم يقرأ الآية التي أرشده الإمام «عليه السلام» إلى قراءتها ـ إن هذا ـ قد جاء مشوشاً وغير واضح.

ولعل المراد: أن الشيطان تغشاه وهو نائم، وآذاه، وكان مع الشيطان شيطان آخر، فطلب منه صاحبه أن يمهله، ويعطيه فرصة ولا يزيد في أذاه، فلما استيقظ، وقرأ الآية، ولم يعد للشيطان سبيل إلى أذاه غضب الشيطان على صاحبه، وأمره بحراسته والبقاء معه إلى أن يصبح، لأن الآيات ليس فقط تمنع من أذى الشياطين، بل هي تحتم عليهم حراسة من آذوه، ودفع غيرهم عنه..

ولكن هذا البيان لا ينسجم مع تصريح الرواية: بأن الملائكة هي التي تحرس قارئ الآية لا الشياطين..

9 ـ وعن أثر شعر الشيطان الذي وجده ذلك الرجل في الموضع الذي كان نائماً فيه، كما ورد في آخر عبارة في الرواية نقول:

نحن لا نمنع من أن يكون لبعض الشياطين شعر، ولكن هل قراءة الآية أوجبت ظهور أثر شعر الشيطان في الأرض على شكل خطوط يظهرها ثقل الجالس، أو الرابض على الأرض؟!

لا ندري كيف نفسر هذا الكلام.. ونظن: أن هذا الشطر من الرواية لم ينقل لنا بدقة، إن لم نقل: إنه قد تعرض للتحريف والخلط أو التصحيف. والله هو العالم بحقيقة الحال.


([1]) بحار الأنوار ج10 ص126 ـ 128 عن إرشاد القلوب ج2 ص186 ص187 وراجع ج54 ص231 ـ 232  و 336 ـ 338 والمحتضر ص158 ـ 160.

([2]) الآية 4 من سورة يوسف.

([3]) الآية 142 من سورة الأعراف.

([4]) الآية 155 من سورة الأعراف.

([5]) الآية 4 من سورة النور.

([6]) الآية 23 من سورة ص.

([7]) الآية 2 من سورة النور.

([8]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص384 و 385 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص203 ـ 205 وبحار الأنوار ج10 ص86 و 87 وراجع ص6 و 7 وراجع: الخصال ص599 ـ 600.

([9]) الآية 31 من سورة مريم.

([10]) الآيتان 54 و  55 من سورة مريم

([11]) الآية 17 من سورة لقمان.

([12]) الآية 40 من سورة إبراهيم.

([13]) الآية 13 من سورة الشورى.

([14]) الآية 123 من سورة النحل.

([15]) الآية 13 من سورة الشورى.

([16]) الكافي ج1 ص89 و 90 والاحتجاج ج1 ص496 و (ط دار النعمان) ج1 ص313 وبحار الأنوار ج3 ص283 وج54 ص160 والتوحيد للصدوق ص174 والأمالي للصدوق ص534 المجلس 96 و (ط مؤسسة البعثة) ص769 وروضة الواعظين ص36  ونور البراهين للجزائري ج1 ص429 وتفسير نور الثقلين ج5 ص233.

([17]) الكافي ج1 ص89 و 90 والاحتجاج ج1 ص496 و (ط دار النعمان) ج1 ص313 وبحار الأنوار ج3 ص285 وج74 ص331 والتوحيد للصدوق ص77 ونور البراهين للجزائري ج1 ص214 و 431 والمعيار والموازنة للإسكافي ص259.

([18]) كذا في المصدر.

([19]) الكافي ج1 ص89 وبحار الأنوار ج40 ص182 وج3 ص336 وتفسير نور الثقلين ج5 ص232 و 233 وعن المحاسن.

([20]) التوحيد للصدوق ص77 وبحار الأنوار ج3 ص285.

([21]) الكافي ج1 ص89 و90 والتوحيد لصدوق ص175 وبحار الأنوار ج3 ص286 ونور البراهين ج1 ص431 وتفسير نور الثقلين ج5 ص233.

([22]) راجع: مفاتيح العلوم. وشرح أصول الكافي ج3 هامش ص128.

([23]) الكافي ج2 ص624 ـ 626 وبحار الأنوار ج40 ص182 ـ 184 عنه، وجامع أحاديث الشيعة ج15 ص167 و 168 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج6 ص201.

([24]) الآيتان 97 و 98 من سورة المؤمنون.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان