صفحة : 85-130   

الفصل الثالث: موقف يهودي من فضائل الرسول

اليهودي وفضائل النبي :

روي عن موسى بن جعفر «عليهما السلام»، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي «عليهما السلام» أن يهودياً من يهود الشام وأحبارهم كان قد قرأ التوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء «عليهم السلام»، وعرف دلائلهم، جاء إلى مجلس فيه أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وفيهم علي بن أبي طالب «عليه السلام» وابن عباس وابن معبد الجهني([1])، فقال: يا أمة محمد ما تركتم لنبي درجة ولا لمرسل فضيلة إلا نحلتموها نبيكم، فهل تجيبوني عما أسألكم عنه؟!

فكاع القوم عنه.

فقال علي بن أبي طالب «عليه السلام»: نعم ما أعطى الله عز وجل نبياً درجة ولا مرسلاً فضيلة إلا وقد جمعها لمحمد «صلى الله عليه وآله»، وزاد محمداً «صلى الله عليه وآله» على الأنبياء أضعافاً مضاعفة.

فقال له اليهودي: فهل أنت مجيبني؟!

قال له: نعم، سأذكر لك اليوم من فضائل رسول الله «صلى الله عليه وآله» ما يقر به الله أعين المؤمنين، ويكون فيه إزالة لشك الشاكين في فضائله. إنه عليه الصلاة والسلام كان إذا ذكر لنفسه فضيلة قال: ولا فخر، وأنا أذكر لك فضائله غير مزرٍ بالأنبياء، ولا منتقص لهم، ولكن شكراً لله عز وجل على ما أعطى محمداً «صلى الله عليه وآله» مثل ما أعطاهم، وما زاده الله وما فضله عليهم.

فقال له اليهودي: إني أسألك، فأعدَّ له جواباً.

فقال له علي «عليه السلام»: هات.

قال له اليهودي: هذا آدم عليه السلام أسجد الله له ملائكته، فهل فعل بمحمد شيئاً من هذا؟!

فقال له علي «عليه السلام»: لقد كان ذلك، ولئن أسجد الله لآدم ملائكته، فإن سجودهم لم يكن سجود طاعة، أنهم عبدوا آدم من دون الله عز وجل، ولكن اعترفوا (اعترافاً خ ل) لآدم بالفضيلة ورحمةً من الله له.

ومحمد «صلى الله عليه وآله» أعطي ما هو أفضل من هذا، إن الله تعالى صلى عليه في جبروته، والملائكة بأجمعها، وتعبَّد المؤمنين بالصلاة عليه، فهذه زيادة له يا يهودي.

قال له اليهودي: فإن آدم تاب الله عليه من بعد خطيئته.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» نزل فيه ما هو أكبر من هذا من غير ذنب أتى، قال الله عز وجل: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. إن محمداً غير مواف في القيامة بوزر، ولا مطلوب فيها بذنب.

قال له اليهودي: فإن هذا إدريس «عليه السلام» رفعه الله عز وجل مكاناً علياً، وأطعمه من تحف الجنة بعد وفاته.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أعطي ما هو أفضل من هذا، إن الله جل ثناؤه قال فيه: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ، فكفى بهذا من الله رفعة.

ولئن أطعم إدريس من تحف الجنة بعد وفاته فإن محمداً «صلى الله عليه وآله» أطعم في الدنيا في حياته. بينما يتضور جوعاً فأتاه جبرائيل بجام من الجنة فيه تحفة، فهلل الجام وهللت التحفة في يده، وسبحا وكبرا وحمدا، فناولها أهل بيته، ففعل الجام مثل ذلك، فهم أن يناولها بعض أصحابه فتناولها جبرائيل «عليه السلام» فقال له: كلها فإنها تحفة من الجنة أتحفك الله بها، وإنها لا تصلح إلا لنبي أو وصي نبي، فأكل «صلى الله عليه وآله»، وأكلنا معه (منه خ ل). وإني لأجد حلاوتها ساعتي هذه.

فقال له اليهودي: فهذا نوح «عليه السلام» صبر في ذات الله عز وجل، وأعذر قومه إذ كُذِّب.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» صبر في ذات الله، وأعذر قومه إذ كُذِّب وشرد، وحصب بالحصى، وعلاه أبو لهب بسلا شاة، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جابيل ملك الجبال: أن شق الجبال، وانته إلى أمر محمد «صلى الله عليه وآله»، فأتاه فقال له: إني قد أمرت لك بالطاعة، فإن أمرت أن أطبق عليهم الجبال فأهلكتهم بها.

قال عليه الصلاة والسلام: إنما بعثت رحمة، رب اهد أمتي فإنهم لا يعلمون.

ويحك يا يهودي، إن نوحاً لما شاهد غرق قومه رق عليهم رقة القرابة، وأظهر عليهم شفقة، فقال: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾.

فقال الله تبارك وتعالى اسمه: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ أراد جل ذكره أن يسليه بذلك.

ومحمد «صلى الله عليه وآله» لما علنت [غلبت عليه] من قومه المعاندة [المتعة: المحبة] شهر عليهم سيف النقمة ولم تدركه فيهم رقة القرابة، ولم ينظر إليهم بعين مقت (مقة. أو المحبة).

قال له اليهودي: فإن نوحاً دعا ربه فهطلت له السماء بماء منهمر.

قال له «عليه السلام»: لقد كان كذلك، وكانت دعوته دعوة غضب، ومحمد «صلى الله عليه وآله» هطلت له السماء بماء منهمر رحمة. [وذلك] أنه «عليه السلام» لما هاجر إلى المدينة أتاه أهلها في يوم جمعة، فقالوا له: يا رسول الله، احتبس القطر، واصفر العود، وتهافت الورق.

فرفع يده المباركة حتى رئي بياض إبطيه، وما ترى في السماء سحابة، فما برح حتى سقاهم الله، حتى أن الشاب المعجب بشبابه لتهمُّه نفسه في الرجوع إلى منزله فما يقدر من شدة السيل، فدام أسبوعاً، فأتوه في الجمعة الثانية فقالوا: يا رسول الله لقد تهدمت الجدر، واحتبس الركب والسفر.

فضحك عليه الصلاة والسلام وقال: هذه سرعة ملالة ابن آدم، ثم قال: «اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم في أصول الشيح، ومراتع البقع» فرئي حوالي المدينة المطر يقطر قطراً، وما يقع في المدينة قطرة لكرامته على الله عز وجل.

قال له اليهودي: فإن هذا هود «عليه السلام» قد انتصر له من أعدائه بالريح، فهل فعل بمحمد «صلى الله عليه وآله» شيئاً من هذا؟!

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أعطي ما هو أفضل من هذا، إن الله عز وجل قد انتصر له من أعدائه بالريح يوم الخندق، إذ أرسل عليهم ريحاً تذرو الحصى، وجنوداً لو يروها، فزاد الله تبارك وتعالى محمداً «صلى الله عليه وآله» على هود بثمانية آلاف ملك، وفضله على هود بأن ريح عاد ريح سخط، وريح محمد «صلى الله عليه وآله» ريح رحمة، قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا﴾.

قال له اليهودي: فإن هذا صالح أخرج الله له ناقة جعلها لقومه عبرة.

قال علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد عليه وآله السلام أعطي ما هو أفضل من ذلك، إن ناقة صالح لم تكلم صالحاً ولم تناطقه، ولم تشهد له بالنبوة، ومحمد «صلى الله عليه وآله» بينما نحن معه في بعض غزواته إذا هو ببعير قددنا ثم رغا، فأنطقه عز وجل فقال: يا رسول الله إن فلاناً استعملني حتى كبرت، ويريد نحري، فأنا أستعيذ بك منه.

فأرسل رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى صاحبه فاستوهبه منه فوهبه له وخلاه.

ولقد كنا معه فإذا نحن بأعرابي معه ناقة له يسوقها، وقد استسلم للقطع لما زور عليه من الشهود، فنطقت له الناقة فقالت: يا رسول الله إن فلاناً مني بريء، وإن الشهود يشهدون عليه بالزور، وإن سارقي فلان اليهودي.

قال له اليهودي: فإن هذا إبراهيم قد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله تعالى، وأحاطت دلالته بعلم الإيمان به.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، وأعطي محمد «صلى الله عليه وآله» أفضل من ذلك، قد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله تعالى، وأحاطت دلالته (دلائله خ ل) بعلم الإيمان به، وتيقظ إبراهيم وهو ابن خمسة (الصحيح: خمس) عشرة سنة، ومحمد «صلى الله عليه وآله» كان ابن سبع سنين، قدم تجار من النصارى، فنزلوا بتجارتهم بين الصفا والمروة، فنظر إليه بعضهم فعرفه بصفته ونعته، وخبر مبعثه وآياته «صلى الله عليه وآله».

فقالوا له: يا غلام ما اسمك؟!

قال: محمد.

قالوا: ما اسم أبيك؟!

قال: عبد الله.

قالوا: ما اسم هذه؟! ـ وأشاروا بأيديهم إلى الأرض ـ

قال: الأرض.

قالوا: فما اسم هذه؟ ـ وأشاروا بأيديهم إلى السماء ـ

قال: السماء.

قالوا: فمن ربهما؟!

قال: الله. ثم انتهرهم وقال: أتشككونني في الله عز وجل؟!

ويحك يا يهودي لقد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله عز وجل مع كفر قومه إذ هو بينهم يستقسمون بالأزلام، ويعبدون الأوثان، وهو يقول: لا إله إلا الله.

قال اليهودي: فإن إبراهيم «عليه السلام» حجب عن نمرود بحجب ثلاثة.

فقال علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» حجب عمن أراد قتله بحجب خمس، فثلاثة بثلاثة، واثنان فضل، قال الله عز وجل وهو يصف أمر محمد «صلى الله عليه وآله» فقال: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً فهذا الحجاب الأول ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاًفهذا الحجاب الثاني ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ فهذا الحجاب الثالث.

ثم قال: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً فهذا الحجاب الرابع، ثم قال: ﴿فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ فهذه حجب خمسة.

قال له اليهودي: فإن إبراهيم «عليه السلام» قد بَهَتَ الذي كفر ببرهان نبوته.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أتاه مكذب بالبعث بعد الموت، وهو أبي بن خلف الجمحي، معه عظم نخر، ففركه، ثم قال: يا محمد ﴿مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ فأنطق الله محمداً «صلى الله عليه وآله» بمحكم آياته، وبهته ببرهان نبوته، فقال: ﴿يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ فانصرف مبهوتاً.

قال له اليهودي: فإن إبراهيم جذ أصنام قومه غضباً لله عز وجل.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» قد نكس عن الكعبة ثلاث مائة وستين صنماً، ونفاها من جزيرة العرب، وأذل من عبدها بالسيف.

قال له اليهودي: فإن إبراهيم «عليه السلام» قد أضجع ولده وتله للجبين.

فقال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ولقد أعطي إبراهيم «عليه السلام» بعد الإضجاع (الإضجاع خ ل) الفداء، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أصيب بأفجع منه فجيعة، إنه وقف عليه وآله الصلاة والسلام على عمه حمزة، أسد الله وأسد رسوله، وناصر دينه، وقد فرق بين روحه وجسده، فلم يبين عليه حرقة، ولم يفض عليه عبرة، ولم ينظر إلى موضعه من قلبه وقلوب أهل بيته، ليرضي الله عز وجل بصبره، ويستسلم لأمره في جميع الفعال، وقال «صلى الله عليه وآله»: لولا أن تحزن صفية لتركته حتى يحشر من بطون السباع، وحواصيل الطير، ولولا أن يكون سنة بعدي لفعلت ذلك.

قال له اليهودي: فإن إبراهيم «عليه السلام» قد أسلمه قومه إلى الحريق فصبر، فجعل الله عز وجل النار عليه برداً وسلاماً، فهل فعل بمحمد شيئاً من ذلك؟!

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك ومحمد «صلى الله عليه وآله» لما نزل بخيبر سمته الخيبرية، فستر [فصير] الله السم في جوفه برداً وسلاماً إلى منتهى أجله، فالسم يحرق إذا استقر في الجوف، كما أن النار تحرق، فهذا من قدرته لا تنكره.

قال له اليهودي: فإن يعقوب «عليه السلام» أعظم في الخير نصيبه، إذ جعل الأسباط من سلالة صلبه، ومريم ابنة عمران من بناته.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أعظم في الخير نصيباً منه، إذ جعل فاطمة «عليها السلام» سيدة نساء العالمين من بناته، والحسن والحسين من حفدته.

قال له اليهودي: فإن يعقوب «عليه السلام» قد صبر على فراق ولده حتى كاد يحرض من الحزن.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، وكان حزن يعقوب حزناً بعده تلاق، ومحمد «صلى الله عليه وآله» قبض ولده إبراهيم قرة عينه في حياة منه، وخصه بالاختبار ليعظم له الادخار، فقال «صلى الله عليه وآله»: تحزن النفس، ويجزع القلب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون، ولا نقول ما يسخط الرب. في كل ذلك يؤثر الرضا عن الله عزَّ ذكره، والاستسلام له في جميع الفعال.

فقال له اليهودي: فإن هذا يوسف «عليه السلام» قاسى مرارة الفرقة [لعل الصحيح: الغربة] وحبس في السجن توقياً للمعصية، فألقي في الجب وحيداً.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» قاسى مرارة الغربة، وفارق الأهل والأولاد والمال، مهاجراً من حرم الله تعالى وأمنه، فلما رأى الله عز وجل كآبته، واستشعاره الحزن أراه تبارك وتعالى اسمه رؤيا توازي رؤيا يوسف «عليه السلام» في تأويلها، وأبان للعالمين صدق تحقيقها، فقال: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ﴾.

ولئن كان يوسف «عليه السلام» حبس في السجن، فلقد حبس رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفسه في الشعب ثلاثة سنين، وقطع منه أقاربه وذووا الرحم، وألجؤوه إلى أضيق المضيق، فلقد كادهم الله عز ذكره له كيداً مستبيناً، إذ بعث أضعف خلقه، فأكل عهدهم الذي كتبوه بينهم في قطيعة رحمه.

ولئن كان يوسف «عليه السلام» ألقي في الجب فلقد حبس محمد «صلى الله عليه وآله» نفسه مخافة عدوه في الغار، حتى قال لصاحبه: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا، ومدحه الله بذلك في كتابه.

فقال له اليهودي: فهذا موسى بن عمران «عليه السلام» آتاه الله التوراة التي فيها حكم [حكمه].

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أعطي ما هو أفضل منه، أعطى محمداً «صلى الله عليه وآله» سورة البقرة، والمائدة، بالإنجيل.

وطواسين، وطه ونصف المفصل، والحواميم، بالتوراة.

وأعطي نصف المفصل والتسابيح، بالزبور.

وأعطي سورة بني إسرائيل وبراءة، بصحف إبراهيم «عليه السلام» وصحف موسى.

وزاد الله عز ذكره محمداً «صلى الله عليه وآله» السبع الطوال، وفاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم وأعطي الكتاب والحكمة.

قال له اليهودي: فإن موسى «عليه السلام» ناجاه الله عز وجل على طور سيناء.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ولقد أوحى الله عز وجل إلى محمد «صلى الله عليه وآله» عند سدرة المنتهى، فمقامه في السماء محمود، وعند منتهى العرش مذكور.

قال له اليهودي: فلقد ألقى على موسى «عليه السلام» محبة منه.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ولقد أعطى الله محمداً «صلى الله عليه وآله» ما هو أفضل منه، لقد ألقى الله عز وجل عليه محبة منه، فمن هذا الذي يشركه في هذا الاسم إذ تم من الله عز وجل به الشهادة، فلا تتم الشهادة إلا أن يقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ينادى به على المنابر، فلا يرفع صوت بذكر الله عز وجل إلا رفع بذكر محمد «صلى الله عليه وآله» معه.

قال له اليهودي: لقد أوحى الله إلى أم موسى لفضل منزلة موسى «عليه السلام» عند الله عز وجل.

قال علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ولقد لطف الله جل ثناؤه لأم محمد «صلى الله عليه وآله» بأن أوصل إليها اسمه حتى قالت: أشهد والعالمون أن محمداً «صلى الله عليه وآله» منتظر، وشهد الملائكة على الأنبياء أنهم أثبتوه في الأسفار، وبلطف من الله عز وجل ساقه إليها، ووصل إليها اسمه منزلته حتى رأت في المنام أنه قيل لها: إنما في بطنك سيد فإذا ولدته فسميه محمداً «صلى الله عليه وآله»، فاشتق الله له اسماً من أسمائه، فالله محمود وهذا محمد «صلى الله عليه وآله».

قال له اليهودي: فإن هذا موسى بن عمران قد أرسله الله إلى فرعون، وأراه الآية الكبرى.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أرسله إلى فراعنة شتى، مثل أبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة، وأبي البختري، والنضر بن الحارث، وأبي بن خلف، ومنبه ونبيه ابني الحجاج، وإلى الخمسة المستهزئين: والوليد بن المغيرة المخزومي، والعاص بن وائل السهمي، والأسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود بن المطلب، والحارث بن الطلاطلة. فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم حتى تبين لهم أنه الحق.

قال له اليهودي: لقد انتقم الله لموسى «عليه السلام» من فرعون.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ولقد انتقم الله جل اسمه لمحمد «صلى الله عليه وآله» من الفراعنة، فأما المستهزئون، فقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ فقتل الله كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد.

فأما الوليد بن المغيرة فمر بنبلٍ لرجل من خزاعة قد راشه ووضعه في الطريق، فأصابه شظية منه، فانقطع أكحله حتى أدماه فمات وهو يقول: قتلني رب محمد ـ «صلى الله عليه وآله» ـ.

وأما العاص بن وائل، فإنه خرج في حاجة له إلى موضع، فتدهده تحته حجر، فسقط فتقطع قطعة قطعة، فمات وهو يقول: قتلني رب محمد ـ «صلى الله عليه وآله» ـ.

وأما الأسود بن عبد يغوث فإنه خرج يستقبل ابنه زمعة، فاستظل بشجرة، فأتاه جبرائيل «عليه السلام» فأخذ رأسه فنطح به الشجرة.

فقال لغلامه: أمنع عني هذا.

فقال: ما أرى أحداً يصنع بك شيئاً إلا نفسك، فقتله وهو يقول: قتلني رب محمد.

وأما الأسود بن المطلب فإن النبي «صلى الله عليه وآله» دعا عليه أن يعمي الله بصره، وأن يثكله ولده. فلما كان في ذلك اليوم خرج حتى صار إلى موضع، فأتاه جبرائيل بورقة خضراء، فضرب بها وجهه فعمي، وبقي حتى أثكله الله عز وجل ولده.

وأما الحارث بن الطلاطلة، فإنه خرج من بيته في السموم، فتحول حبشياً فرجع إلى أهله فقال: أنا الحارث. فغضبوا عليه، فقتلوه وهو يقول: قتلني رب محمد ـ «صلى الله عليه وآله» ـ.

وروي: أن الأسود بن الحارث أكل حوتاً مالحاً، فأصابه العطش، فلم يزل يشرب الماء حتى انشق بطنه، فمات وهو يقول: قتلني رب محمد.

كل ذلك في ساعة واحدة، وذلك أنهم كانوا بين يدي رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقالوا له: يا محمد ننتظر بك إلى الظهر، فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك.

فدخل النبي «صلى الله عليه وآله» في منزله، فأغلق عليه بابه مغتماً لقولهم، فأتاه جبرائيل «عليه السلام» عن الله فقال له: يا محمد السلام يقرأ عليك السلام وهو يقول: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ يعني أظهر أمرك لأهل مكة، وادعهم إلى الإيمان.

قال: يا جبرائيل كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني؟! قال له: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ.

قال: يا جبرائيل كانوا الساعة بين يدي.

قال: قد كفيتهم، فأظهر أمره عند ذلك.

وأما بقيتهم من الفراعنة، فقتلوا يوم بدر بالسيف، وهزم الله الجميع وولوا الدبر.

قال له اليهودي: فإن هذا موسى بن عمران قد أعطي العصا فكانت تتحول ثعباناً.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أعطي ما هو أفضل من هذا، إن رجلاً كان يطالب أبا جهل بن هشام بدين ثمن جزور قد اشتراه، فاشتغل عنه وجلس يشرب، فطلبه الرجل فلم يقدر عليه.

فقال له بعض المستهزئين: من تطلب؟!

قال: عمرو بن هشام ـ يعني أيا جهل ـ لي عليه دين.

قال: فأدلك على من يستخرج الحقوق؟!

قال: نعم، فدله على النبي «صلى الله عليه وآله». وكان أبو جهل يقول: ليت لمحمد إلي حاجة فأسخر به وأرده.

فأتى الرجل النبي «صلى الله عليه وآله» فقال له: يا محمد بلغني أن بينك وبين عمرو بن هشام حسن [صداقة]، وأنا أستشفع بك إليه.

فقام معه رسول الله «صلى الله عليه وآله» فأتى بابه، فقال له: قم يا أبا جهل، فأد إلى الرجل حقه، وإنما كناه أبا جهل ذلك اليوم.

فقام مسرعاً حتى أدى إليه حقه.

فلما رجع إلى مجلسه قال له بعض أصحابه: فعلت ذلك فرقاً من محمد.

قال: ويحكم أعذروني، إنه لما أقبل رأيت عن يمينه رجالاً بأيدهم حراب تتلألأ، وعن يساره ثعبانان تصطك أسنانهما، وتلمع النيران من أبصارهما، لو امتنعت لم آمن من أن يبعجوا بالحراب بطني، ويقضمني الثعبانان.

هذا أكبر مما أعطي [موسى] ثعبان بثعبان موسى عيه السلام، وزاد الله محمداً «صلى الله عليه وآله» ثعباناً وثمانية أملاك معهم حراب.

ولقد كان النبي «صلى الله عليه وآله» يؤذي قريشاً بالدعاء، فقام يوماً فسفه أحلامهم، وعاب دينهم، وشتم أصنامهم، وضلل آبائهم.

فاغتموا من ذلك غماً شديدا، فقال أبو جهل: والله للموت خير لنا من الحياة. فليس فيكم معاشر قريش أحد يقتل محمداً فيقتل به؟!

فقالوا له: لا.

قال: فأنا أقتله، فإن شاءت بنو عبد المطلب قتلوني به، وإلا تركوني.

قالوا: إنك إن فعلت ذلك اصطنعت إلى أهل الوادي معروفاً، ولا تزال تذكر به.

قال: إنه كثير السجود حول الكعبة، فإذا جاء وسجد أخذت حجراً فشدخته به، فجاء رسول الله «صلى الله عليه وآله» فطاف بالبيت أسبوعاً، ثم صلى وأطال السجود، فأخذ أبو جهل حجراً فأتاه من قبل رأسه، فلما أن قرب منه أقبل فحل من قبل رسول الله فاغراً فاه نحوه، فلما أن رآه أبو جهل فزع منه وارتعدت يده، وطرح الحجر، فشدخ رجله، فرجع مدمى، متغير اللون يفيض عرقا.

فقال له أصحابه: ما رأينا كاليوم.

قال: ويحكم اعذروني فإنه أقبل من عنده فحل فاغراً فاه فكاد يبتلعني، فرميت بالحجر فشخدت رجلي.

قال له اليهودي: فإن موسى «عليه السلام» قد أعطي اليد البيضاء، فهل فعل بمحمد شيء من هذا؟!

قال له «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أعطي ما هو أفضل من هذا، إن نوراً كان يضيء عن يمينه حيثما جلس، وعن يساره أينما جلس، وكان يراه الناس كلهم.

قال له اليهودي: فإن موسى «عليه السلام» قد ضرب له في البحر طريق، فهل فعل بمحمد شيء من هذا؟!

فقال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أعطي ما هو أفضل من هذا، خرجنا معه إلى حنين فإذا نحن بواد يشخب، فقدرناه فإذا هو أربع عشرة قامة، فقالوا: يا رسول الله، العدو من ورائنا، والوادي أمامنا، كما قال أصحاب موسى: إنا لمدركون.

فنزل رسول الله «صلى الله عليه وآله» ثم قال: «اللهم إنك جعلت لكل مرسل دلالة فأرني قدرتك»، وركب «صلى الله عليه وآله» فعبرت الخيل لاتندى حوافرها، والإبل لا تندى أخفافها، فرجعنا فكان فتحنا فتحاً.

قال له اليهودي: فإن موسى «عليه السلام» قد أعطي الحجر، فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» لما نزل الحديبية وحاصره أهل مكة قد أعطي ما هو أفضل من ذلك، وذلك أن أصحابه شكوا إليه الظماء، وأصابهم ذلك حتى التفت خواصر الخيل.

فذكروا له «صلى الله عليه وآله» ذلك، فدعا بركوة يمانية ثم نصب يده المباركة فيها، فتفجرت من بين أصابعه عيون الماء، فصدرنا وصدرت الخيل رواء، وملأنا كل مزادة وسقاء.

ولقد كنا معه بالحديبية، وإذا ثم قليب جافة، فأخرج «صلى الله عليه وآله» سهماً من كنانته، فناوله البراء بن عازب فقال له: اذهب بهذا السهم إلى تلك القليب الجافة فأغرسه فيها، ففعل ذلك، فتفجرت منه اثنتا عشر عيناً من تحت السهم.

ولقد كان يوم الميضأة عبرة، وعلامة للمنكرين لنبوته، كحجر موسى حيث دعا بالميضأة فنصب يده فيها ففاضت بالماء وارتفع حتى توضأ منه ثمانية آلاف رجل، وشربوا حاجتهم، وسقوا دوابهم، وحملوا ما أرادوا.

قال له اليهودي: فإن موسى «عليه السلام» قد أعطي المن والسلوى، فهل أعطي محمد «صلى الله عليه وآله» نظير هذا؟!

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أعطي ما هو أفضل من هذا، إن الله عز وجل أحل له الغنائم ولأمته، ولم تحل لأحد قبله، فهذا أفضل من المن والسلوى.

ثم زاده أن جعل النية له ولأمته عملاً صالحاً، ولم يجعل لأحد من الأمم ذلك قبله، فإذا همَّ أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له عشرة.

قال له اليهودي: فإن موسى «عليه السلام» قد ظلل عليه الغمام

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، وقد فعل ذلك لموسى في التيه، وأعطي محمد «صلى الله عليه وآله» أفضل من هذا، إن الغمامة كانت تظلله من يوم ولد إلى يوم قبض، في حضره وأسفاره، فهذا أفضل مما أعطي موسى «عليه السلام».

قال له اليهودي: فهذا داود قد ألان الله عز وجل له الحديد، فعمل منه الدروع.

قال له «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أعطي ما هو أفضل من هذا، إنه ليَّن الله عز وجل له الصم الصخور الصلاب، وجعلها غاراً، ولقد غارت الصخرة تحت يده ببيت المقدس لينة حتى صارت كهيئة العجين، قد رأينا ذلك، والتمسناه تحت رايته.

قال له اليهودي: فإن هذا داود بكى على خطيئته، حتى سارت الجبال معه لخوفه.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أعطي ما هو أفضل من هذا، إنه كان إذا قام إلى الصلاة سمع لصدره وجوفه أزيز كأزيز المرجل على الأثافي من شدة البكاء، وقد أمنه الله عز وجل من عقابه، فأراد أن يتخشع لربه ببكائه، ويكون إماماً لمن اقتدى به.

ولقد قام عليه وآله السلام عشر سنين على أطراف أصابعه، حتى تورمت قدماه، واصفر وجهه، يقوم الليل أجمع حتى عوتب في ذلك فقال الله عز وجل ﴿طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى بل لتسعد به.

ولقد كان يبكي حتى يغشى عليه، فقيل له: يا رسول الله، أليس الله عز وجل قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟!

قال: بلى، أفلا أكون عبداً شكورا؟!

ولئن سارت الجبال وسبحت معه، لقد عمل محمد «صلى الله عليه وآله» ما هو أفضل من هذا، إذ كنا معه على جبل حراء إذ تحرك الجبل فقال له: قر فليس عليك إلا نبي وصديق شهيد. فقر الجبل مجيباً لأمره، ومنتهياً إلى طاعته.

ولقد مررنا معه بجبل وإذا الدموع تخرج من بعضه، فقال له النبي «صلى الله عليه وآله»: ما يبكيك يا جبل؟!

فقال: يا رسول الله كان المسيح مربي وهو يخوف الناس بنار وقودها الناس والحجارة، فأنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة.

قال له: لا تخف تلك حجارة الكبريت.

فقر الجبل وسكن وهدأ، وأجاب لقوله «صلى الله عليه وآله».

قال له اليهودي: فإن هذا سليمان، أعطي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده.

فقال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أعطي ما هو أفضل من هذا، إنه هبط إليه ملك لم يهبط إلى الأرض قبله وهو ميكائيل؟!

فقال له: يا محمد عش ملكاً منعماً، وهذه مفاتيح خزائن الأرض معك، وتسير معك جبالها ذهباً وفضة، لا ينقص لك فيما ادخر لك في الآخرة شيء، فأومأ إلى جبرائيل «عليه السلام» ـ وكان خليله من الملائكة ـ فأشار إليه: أن تواضع.

فقال: بل أعيش نبياً عبداً، آكل يوماً ولا آكل يومين، وألحق بإخواني من الأنبياء من قبلي، فزاده الله تعالى الكوثر، وأعطاه الشفاعة، وذلك أعظم من ملك الدنيا من أولها إلى آخرها سبعين مرة، ووعده المقام المحمود، فإذا كان يوم القيامة أقعده الله تعالى على العرش، فهذا أفضل مما أعطي سليمان بن داود «عليه السلام».

قال له اليهودي: فإن هذا سليمان قد سخرت له الرياح فسارت به في بلاده، غدوها شهر ورواحها شهر.

فقال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أعطي ما هو أفضل من هذا، إنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر، وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين عام (كذا) في أقل من ثلث ليلة، حتى انتهى إلى ساق العرش، فدنا بالعلم فتدلى، فدلي له من الجنة رفرف أخضر، وغشى النور بصره، فرأى عظمة ربه عز وجل بفؤاده ولم يرها بعينه. فكان كقاب قوسين بينها وبينه أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى.

فكان فيما أوحى إليه الآية التي في سورة البقرة قوله تعالى: ﴿لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم «عليه السلام» إلى أن بعث الله تبارك اسمه محمداً «صلى الله عليه وآله». وعرضت على الأمم، فأبوا أن يقبلوها من ثقلها، وقبلها رسول الله «صلى الله عليه وآله» وعرضها على أمته فقبلوها.

فلما رأى الله تبارك وتعالى منهم القبول علم أنهم لا يطيقونها، فلما أن صار إلى ساق العرش كرر عليه الكلام ليفهمه فقال: ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾. فأجاب «صلى الله عليه وآله» مجيباً عنه وعن أمته فقال: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِه فقال جل ذكره: لهم الجنة والمغفرة علي إن فعلوا ذلك.

فقال النبي «صلى الله عليه وآله»: أما إذا فعلت بنا ذلك فـ ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ يعني المرجع في الآخرة.

قال: فأجابه الله جل ثناؤه: «وقد فعلت ذلك بك وبأمتك».

ثم قال عز وجل: أما إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها، وقد عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها أمتك، فحق علي أن أرفعها عن أمتك. فقال: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ من خير ﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ من شر.

فقال النبي «صلى الله عليه وآله» لما سمع ذلك: أما إذ فعلت ذلك بي وبأمتي فزدني.

قال: سل.

قال: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا.

قال الله عز وجل: «لست أؤاخذ أمتك بالنسيان والخطأ لكرامتك علي».

وكانت الأمم السالفة إذا نسوا ما ذكروا به فتحت عليهم أبواب العذاب، وقد رفعت ذلك عن أمتك.

وكانت الأمم السالفة إذا أخطأوا أخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه، وقد رفعت ذلك عن أمتك لكرامتك علي.

فقال النبي «صلى الله عليه وآله»: اللهم إذا أعطيتني ذلك فزدني.

فقال الله تعالى له: سل.

قال: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا يعني: بالإصر الشدائد التي كانت على من كان قبلنا.

فأجابه الله إلى ذلك، فقال تبارك اسمه: قد رفعت عن أمتك الآصار التي كانت على الأمم السالفة، كنت لا أقبل صلاتهم إلا في بقاع من الأرض معلومة اخترتها لهم وإن بعدت، وقد جعلت الأرض كلها لأمتك مسجداً وطهوراً.

فهذه من الآصار التي كانت على الأمم قبلك فرفعتها عن أمتك.

وكانت الأمم السالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوها من أجسادهم، وقد جعلت الماء لأمتك طهوراً، فهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك.

وكانت الأمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس، فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه ناراً فأكلته، فرجع مسروراً، ومن لم أقبل ذلك منه رجع مثبوراً وقد جعلت قربان أمتك في بطون فقرائها ومساكينها، فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافاً مضاعفة، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا، وقد رفعت ذلك عن أمتك وهي من الآصار التي كانت على من كان قبلك.

وكانت الأمم السالفة صلاتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار، وهي من الشدائد التي كانت عليهم، فرفعتها عن أمتك وفرضت عليهم صلواتهم في أطراف الليل والنهار، وفي أوقات نشاطهم.

وكانت الأمم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتاً. وهي من الآصار التي كانت عليهم، فرفعتها عن أمتك وجعلتها في خمسة أوقات وهي إحدى وخمسون ركعة، وجعلت لهم أجر خمسين صلاة.

وكانت الأمم السالفة حسنتهم بحسنة وسيئتهم بسيئة. وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك. وجعلت الحسنة بعشرة والسيئة بواحدة.

وكانت الأمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة ثم لم يعملها لم تكتب له، وإن عملها كتبت له حسنة، وإن أمتك إذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له عشراً، وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك.

وكانت أمم سالفة إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها لم تكتب عليه، وإن عملها كتبت عليه سيئة، وإن أمتك إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها كتبت لهم حسنة. وهذه من الآصار التي كانت عليهم، فرفعت ذلك عن أمتك.

وكانت الأمم السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم، وجعلت توبتهم من الذنوب أن حرمت عليهم بعد التوبة أحب الطعام إليهم، وقد رفعت ذلك عن أمتك، وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم، وجعلت عليهم ستوراً كثيفة، وقبلت توبتهم بلا عقوبة، ولا أعاقبهم بأن أحرم عليهم أحب الطعام إليهم.

وكانت الأمم السالفة يتوب أحدهم من الذنب الواحد مائة سنة أو ثمانين سنة أو خمسين سنة، ثم لا أقبل توبته دون أن أعاقبه في الدنيا بعقوبة، وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك، وإن الرجل من أمتك ليذنب عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو مائة سنة ثم يتوب طرفة العين فأغفر له ذلك كله.

فقال النبي «صلى الله عليه وآله»: اللهم إذ أعطيتني ذلك كله فزدني.

قال: سل.

قال: ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ.

فقال تبارك اسمه: قد فعلت ذلك بأمتك، وقد رفعت عنهم عظم بلايا الأمم، وذلك حكمي في جميع الأمم أن لا أكلف خلقاً فوق طاقتهم. فقال النبي «صلى الله عليه وآله»: ﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا.

قال الله عز وجل: قد فعلت ذلك بتائبي (بناجي خ ل) أمتك، ثم قال: ﴿فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ قال الله عز اسمه: إن أمتك في الأرض كالشامة البيضاء في الثور الأسود، هم القادرون، وهم القاهرون، يستخدمون ولا يستخدمون لكرامتك علي، وحق علي أن أظهر دينك على الأديان لا يبقى في شرق الأرض وغربها دين إلا دينك، أو يؤدون إلى أهل دينك الجزية.

قال له اليهودي: فإن هذا سليمان «عليه السلام» سخرت له الشياطين، يعملون له ما يشاء: من محاريب، وتماثيل؟!

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ولقد أعطي محمد «صلى الله عليه وآله» أفضل من محاريب وتماثيل.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ولقد أعطي محمد «صلى الله عليه وآله» أفضل من هذا، إن الشياطين سخرت لسليمان وهي مقيمة على كفرها، وقد سخرت لنبوة محمد «صلى الله عليه وآله» الشياطين بالإيمان، فأقبل إليه الجن التسعة من أشرافهم: [واحد] من جن نصيبين واليمن [والثمان] من بني عمرو بن عامر من الأحجة منهم: شضاة، ومضاة، والهملكان، والمرزبان، والمازمان، ونضاة، وهاصب، وعمرو، وهم الذين يقول الله تبارك اسمه فيهم: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ وهم التسعة ﴿يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فأقبل إليه الجن والنبي «صلى الله عليه وآله» ببطن النخل، فاعتذروا بأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً.

ولقد أقبل إليه أحد وسبعون ألفاً منهم فبايعوه على الصوم والصلاة والزكاة، والحج والجهاد، ونصح المسلمين، فاعتذروا بأنهم قالوا على الله شططاً.

وهذا أفضل مما أعطي سليمان، سبحان من سخرها لنبوة محمد «صلى الله عليه وآله» بعد أن كانت تتمرد وتزعم أن لله ولداً، فلقد شمل مبعثه من الجن والإنس ما لا يحصى.

قال له اليهودي: فهذا يحيى بن زكريا يقال: إنه أوتى الحكم صبياً، والحلم والفهم، وإنه كان يبكي من غير ذنب، وكان يواصل الصوم.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أعطي ما هو أفضل من هذا، إن يحيى بن زكريا كان في عصر لا أوثان فيه ولا جاهلية، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أوتى الحكم والفهم صبياً بين عبدة الأوثان وحزب الشيطان، ولم يرغب لهم في صنم قط، ولم ينشط لأعيادهم، ولم يرمنه كذب قط «صلى الله عليه وآله»، وكان أميناً صدوقاً حليماً، وكان يواصل صوم الأسبوع والأقل والأكثر، فيقال له في ذلك فيقول: إني لست كأحدهم، إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني.

وكان يبكي «صلى الله عليه وآله» حتى يبتل مصلاه خشية من الله عز وجل من غير جرم.

قال له اليهودي: فإن هذا عيسى بن مريم يزعمون أنه تكلم في المهد صبياً.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» سقط من بطن أمه واضعاً يده اليسرى على الأرض، ورافعاً يده اليمنى إلى السماء يحرك شفتيه بالتوحيد، وبدا من فيه نور رأى أهل مكة منه قصور بصرى من الشام وما يليها، والقصور الحمر من أرض اليمن وما يليها، والقصور البيض من إصطخر وما يليها.

ولقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبي «صلى الله عليه وآله» حتى فزعت الجن والإنس والشياطين، وقالوا: حدث في الأرض حدث.

ولقد رئيت الملائكة ليلة ولد تصعد وتنزل وتسبح وتقدس، وتضرب النجوم وتتساقط علامة لميلاده.

ولقد هم إبليس بالظعن في السماء لما رأى من الأعاجيب في تلك الليلة، وكان له مقعد في السماء الثالثة، والشياطين يسترقون السمع، فلما رأوا الأعاجيب أرادوا أن يسترقوا السمع فإذا هموا قد حجبوا من السماوات كلها ورموا بالشهب دلالة لنبوته «صلى الله عليه وآله».

قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون أنه قد أبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله عز وجل.

فقال له «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أعطي ما هو أفضل من ذلك، أبرأ ذا العاهة من عاهته، فبينما هو جالس «صلى الله عليه وآله» إذ سأل عن رجل من أصحابه فقالوا: يا رسول الله إنه قد صار من البلاء كهيئة الفرخ لا ريش عليه، فأتاه «عليه السلام» فإذا هو كهيئة الفرخ من شدة البلاء، فقال: قد كنت تدعو في صحتك دعاءً؟.

قال: نعم، كنت أقول: يا رب أيما عقوبة معاقبي بها في الآخرة فاجعلها لي في الدنيا.

فقال النبي «صلى الله عليه وآله»: ألا قلت: اللهم ﴿آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

فقالها فكأنما نشط من عقال، وقام صحيحاً وخرج معنا.

ولقد أتاه رجل من جهينة أجذم يتقطع من الجذام، فشكا إليه «صلى الله عليه وآله»، فأخذ قدحاً من الماء فتفل فيه ثم قال: امسح به جسدك، ففعل فبرئ حتى لم يوجد فيه شيء.

ولقد أتى أعرابي أبرص فتفل من فيه عليه، فما قام من عنده إلا صحيحاً.

ولئن زعمت أن عيسى «عليه السلام» أبرأ ذوي العاهات من عاهاتهم، فإن محمداً «صلى الله عليه وآله» بينما هو في بعض أصحابه إذا هو بامرأة فقالت: يا رسول الله إن ابني قد أشرف على حياض الموت، كلما أتيته بطعام وقع عليه التثاؤب.

فقام النبي «صلى الله عليه وآله» وقمنا معه، فلما أتيناه قال له: جانب يا عدو الله ولي الله فأنا رسول الله، فجانبه الشيطان فقام صحيحاً وهو معنا في عسكرنا.

ولئن زعمت أن عيسى «عليه السلام» أبرأ العميان فإن محمداً «صلى الله عليه وآله» قد فعل ما هو أكثر [أكبر] من ذلك، إن قتادة بن ربعي كان رجلاً صبيحاً فلما أن كان يوم أحد أصابته طعنة في عينه، فبدرت حدقته، فأخذها بيده، ثم أتى بها النبي «صلى الله عليه وآله» فقال: يا رسول الله، إن امرأتي الآن تبغضني.

فأخذها رسول الله «صلى الله عليه وآله» من يده ثم وضعها مكانها، فلم تكن تعرف إلا بفضل حسنها وفضل ضوئها على العين الأخرى.

ولقد جرح عبد الله بن عتيك، وبانت يده يوم [حنين] ابن أبي الحقيق، فجاء إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ليلاً فمسح عليه يده، فلم تكن تعرف من اليد الأخرى:

ولقد أصاب محمد بن مسلمة يوم كعب بن الأشرف مثل ذلك في عينه ويده، فمسحه رسول الله فلم تستبينا.

ولقد أصاب عبد الله بن أنيس مثل ذلك في عينه فمسحها فما عرفت من الأخرى. فهذه كلها دلالة لنبوته «صلى الله عليه وآله».

قال له اليهودي: فإن عيسى بن مريم يزعمون أنه قد أحيا الموتى بإذن الله تعالى.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» سبحت في يده تسعة حصيات تسمع نغماتها في جمودها ولا روح فيها لتمام حجة نبوته.

ولقد كلمته الموتى من بعد موتهم، واستغاثوه مما خافوا من تبعته.

ولقد صلى بأصحابه ذات يوم، فقال: ما هنا من بني النجار أحد، وصاحبهم محتبس على باب الجنة بثلاثة دراهم لفلان اليهودي؟! وكان شهيداً.

ولئن زعمت أن عيسى «عليه السلام» كلم الموتى فلقد كان لمحمد «صلى الله عليه وآله» ما هو أعجب من هذا، إن النبي «صلى الله عليه وآله» لما نزل بالطائف وحاصر أهلها بعثوا إليه بشاة مسلوخة مطلية (مطبوخة خ ل) بسم، فنطق الذراع منها فقالت: يا رسول الله لا تأكلني فإني مسمومة.

فلو كلمته البهيمة وهي حية لكانت من أعظم حجج الله عز وجل على المنكرين لنبوته، فكيف وقد كلمته من بعد ذبح وسلخ وشي؟!

ولقد كان «صلى الله عليه وآله» يدعو بالشجرة فتجيبه، وتكلمه البهيمة، وتكلمه السباع، وتشهد له بالنبوة، وتحذرهم عصيانه. فهذا أكثر مما أعطي عيسى «عليه السلام».

قال له اليهودي: إن عيسى يزعمون أنه أنبأ قومه بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» فعل ما هو أكثر من هذا، إن عيسى «عليه السلام» أنبأ قومه بما كان من وراء حائط، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أنبأ عن مؤتة وهو عنها غائب، ووصف حربهم ومن استشهد، وبينه وبينهم مسيرة شهر.

وكان يأتيه الرجل يريد أن يسأله عن شيء فيقول «صلى الله عليه وآله»: تقول أو أقول؟!

فيقول: بل قل يا رسول الله.

فيقول: جئتني في كذا وكذا حتى يفرغ من حاجته.

ولقد كان «صلى الله عليه وآله» يخبر أهل مكة بأسرارهم بمكة حتى لا يترك من أسرارهم شيئاً.

منها ما كان بين صفوان بن أمية وبين عمير بن وهب إذا أتاه عمير فقال: جئت في فكاك ابني.

فقال له: كذبت بل قلت لصفوان وقد اجتمعتم في الحطيم وذكرتم قتلى بدر: [وقلم] والله للموت خير [أهون] لنا من البقاء مع ما صنع محمد «صلى الله عليه وآله» بنا، وهل حياة بعد أهل القليب؟

فقلت أنت: لولا عيالي ودين علي لأرحتك من محمد

فقال صفوان: علي أن أقضي دينك، وأن أجعل بناتك مع بناتي، يصيبهن ما يصيبهن من خير أو شر.

فقلت أنت: فاكتمها علي، وجهزني حتى أذهب فأقتله.

فجئت لتقتلني.

فقال: صدقت يا رسول الله، فانا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. وأشباه هذا مما لا يحصى.

قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون أنه خلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله عز وجل.

فقال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» قد فعل ما هو شبيه بهذا، أخذ يوم حنين حجراً، فسمعنا للحجر تسبيحاً وتقديساً، ثم قال «صلى الله عليه وآله» للحجر: انفلق. فانفلق ثلاث فلق، نسمع لكل فلقة منها تسبيحاً لا يسمع للأخرى.

ولقد بعث إلى شجرة يوم البطحاء، فأجابته ولكل غصن منها تسبيح وتهليل وتقديس.

ثم قال لها: انشقي فانشقت نصفين.

ثم قال لها: التزقي قالتزقت.

ثم قال لها: اشهدي لي بالنبوة فشهدت.

ثم قال لها: ارجعي إلى مكانك بالتسبيح والتهليل والتقديس ففعلت، وكان موضعها بجنب الجزارين بمكة.

قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون أنه كان سياحاً.

فقال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» كانت سياحته في الجهاد، واستنفر في عشر سنين ما لا يحصى من حاضر وباد، وأفنى فئاماً عن العرب من منعوت بالسيف، لا يداري بالكلام ولا ينام إلا عن دم، ولا يسافر إلا وهو متجهز لقتال عدوه.

قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون أنه كان زاهداً.

قال له علي «عليه السلام»: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» أزهد الأنبياء «عليهم السلام». كان له ثلاث عشرة زوجة سوى من يطيف به من الإماء، ما رفعت له مائدة قط وعليها طعام، وما أكل خبز برقط، ولا شبع من خبز شعير ثلاث ليال متواليات قط، توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بأربعة دراهم، ما ترك صفراء ولا بيضاء، مع ما وطئ له من البلاد، ومكن له من غنائم العباد.

ولقد كان يقسم في اليوم الواحد ثلاث مائة ألف وأربعمائة ألف، ويأتيه السائل بالعشي فيقول: والذي بعث محمداً بالحق ما أمسى في آل محمد صاع من شعير، ولا صاع من بر، ولا درهم ولا دينار.

قال له اليهودي: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً «صلى الله عليه وآله» رسول الله، وأشهد أنه ما أعطى الله نبياً درجةً، ولا مرسلاً فضيلة إلا وقد جمعها لمحمد «صلى الله عليه وآله»، وزاد محمداً «صلى الله عليه وآله» على الأنبياء صلوات الله عليهم أضعاف درجة.

فقال ابن عباس لعلي بن أبي طالب «عليه السلام»: أشهد يا أبا الحسن أنك من الراسخين في العلم.

فقال: ويحك وما لي لا أقول ما قلت في نفس من استعظمه الله تعالى في عظمته جلت فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾..»([2]).

وقال العلامة المجلسي: إرشاد القلوب بالإسناد يرفعه إلى الإمام موسى بن جعفر «عليه السلام» قال: قال: حدثني أبي جعفر، عن أبيه، قال: حدثني أبي علي، قال: حدثني أبي الحسين بن علي بن أبي طالب «عليه السلام» قال: بينما أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» جلوس في مسجده بعد وفاته «عليه السلام» يتذاكرون فضل رسول الله «صلى الله عليه وآله» إذ دخل علينا حبر من أحبار يهود أهل الشام قد قرأ التوراة والإنجيل والزبور، وصحف إبراهيم والأنبياء، وعرف دلائلهم، فسلم علينا وجلس، ثم لبث هنيئة، ثم قال: يا أمة محمد، ما تركتم لنبي درجة ولا لمرسل فضيلة إلا وقد تحملتموها [لعل الصحيح: جعلتموه] لنبيكم، فهل عندكم جواب إن أنا سألتكم؟!

فقال له أمير المؤمنين «عليه السلام»: سل يا أخا اليهود ما أحببت، فإني أجيبك عن كل ما تسأل بعون الله تعالى ومنه، فوالله ما أعطى الله عز وجل نبياً ولا مرسلاً درجة ولا فضيلة إلا وقد جمعها لمحمد «صلى الله عليه وآله»، وزاده على الأنبياء والمرسلين أضعافاً مضاعفة، ولقد كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» إذا ذكر لنفسه فضيلة قال: «ولا فخر»، وأنا أذكر لك اليوم من فضله من غير إزراء على أحد من الأنبياء ما يقر الله به أعين المؤمنين، شكراً لله على ما أعطى محمداً «صلى الله عليه وآله».

الآن، فاعلم يا أخا اليهود، إنه كان من فضله عند ربه تبارك وتعالى وشرفه ما أوجب المغفرة والعفو لمن خفض الصوت عنده، فقال جل ثناؤه في كتابه : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ([3]). ثم قرن طاعته بطاعته فقال: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ([4]). ثم قربه من قلوب المؤمنين وحببه إليهم، وكان يقول «صلى الله عليه وآله»: «حبي خالط دماء أمتي فهم يؤثروني على الآباء وعلى الأمهات وعلى أنفسهم». ولقد كان أقرب الناس وأرؤفهم، فقال تبارك وتعالى : ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ([5]) وقال عز وجل : ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ([6]). والله لقد بلغ من فضله «صلى الله عليه وآله» في الدنيا ومن فضله «صلى الله عليه وآله» في الآخرة ما تقصر عنه الصفات، ولكن أخبرك بما يحمله قلبك، ولا يدفعه عقلك، ولا تنكره بعلم إن كان عندك.

لقد بلغ من فضله «صلى الله عليه وآله»: أن أهل النار يهتفون ويصرخون بأصواتهم ندماً أن لا يكونوا أجابوه في الدنيا، فقال الله عز وجل : ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا([7]).

ولقد ذكره الله تبارك وتعالى مع الرسل فبدأ به وهو آخرهم لكرامته «صلى الله عليه وآله»، فقال جل ثناؤه: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ([8]).

وقال : ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ([9]). والنبيون قبله، فبدأ به وهو آخرهم، ولقد فضله الله على جميع الأنبياء، وفضل أمته على جميع الأمم، فقال عز وجل: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ([10]).

فقال اليهودي: إن آدم «عليه السلام» أسجد الله عز وجل له ملائكته، فهل فضل لمحمد «صلى الله عليه وآله» مثل ذلك؟!

فقال «عليه السلام»: قد كان ذلك، ولئن أسجد الله لآدم ملائكته فإن ذلك لما أودع الله عز وجل صلبه من الأنوار والشرف، إذ كان هو الوعاء، ولم يكن سجودهم عبادة له، وإنما كان سجودهم طاعة لأمر الله عز وجل وتكرمة وتحية، مثل السلام من الانسان على الانسان، واعترافاً لآدم «عليه السلام» بالفضيلة، وقد أعطى الله محمد «صلى الله عليه وآله» أفضل من ذلك، وهو أن الله صلى عليه، وأمر ملائكته أن يصلوا عليه، وتعبد جميع خلقه بالصلاة عليه إلى يوم القيامة، فقال جل ثناؤه: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً([11]). فلا يصلي عليه أحد في حياته ولا بعد وفاته إلا صلى الله عليه بذلك عشراً، وأعطاه من الحسنات عشراً، بكل صلاة صلى عليه، ولا يصلي عليه أحد بعد وفاته إلا وهو يعلم بذلك ويرد على المصلي والمسلم مثل ذلك، ثم إن الله عز وجل جعل دعاء أمته فيما يسألون ربهم جل ثناؤه موقوفاً عن الإجابة حتى يصلوا فيه عليه «صلى الله عليه وآله»، فهذا أكبر وأعظم مما أعطى الله آدم «عليه السلام»، ولقد أنطق الله عز وجل صم الصخور والشجر بالسلام والتحية له، وكنا نمر معه «صلى الله عليه وآله» فلا يمر بشعب ولا شجر إلا قالت: السلام عليك يا رسول الله، تحية له، وإقرار بنبوته «صلى الله عليه وآله».

وزاده الله عز وجل تكرمة بأخذ ميثاقه قبل النبيين، وأخذ ميثاق النبيين بالتسليم والرضا والتصديق له، فقال جل ثناؤه: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ([12]).

وقال عز وجل: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ([13]).

وقال الله عز وجل: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ([14]).

وقال الله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ([15]). فلا يرفع رافع صوته بكلمة الإخلاص: بشهادة أن لا إله إلا الله حتى يرفع صوته معها بأن محمداً رسول الله في الأذان، والإقامة، والصلاة، والأعياد، والجمع ومواقيت الحج وفي كل خطبة حتى في خطب النكاح وفي الأدعية.

ثم ذكر اليهودي مناقب الأنبياء وأمير المؤمنين «عليه السلام» يثبت للنبي «صلى الله عليه وآله» ما هو أعظم منها، تركنا ذكرها طلباً للاختصار.

إلى أن قال: قال اليهودي: فإن الله عز وجل ألقى على موسى محبة منه.

فقال «عليه السلام» له: لقد كان كذلك، ومحمد «صلى الله عليه وآله» ألقى عليه محبة منه، فسماه حبيباً، وذلك أن الله تعالى جل ثناؤه أرى إبراهيم صورة محمد وأمته، فقال: يا رب ما رأيت من أمم الأنبياء أنور ولا أزهر من هذه الأمة، فمن هذا؟

فنودي هذا محمد حبيبي، لا حبيب لي من خلقي غيره، أجريت ذكره قبل أن أخلق سمائي وأرضي، وسميته نبياً، وأبوك آدم يومئذ من الطين، وأجريت فيه روحه ، ولقد ألقيت أنت معه في الذروة الأولى، وأقسم بحياته في كتابه، فقال جل ثناؤه: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ([16]). أي وحياتك يا محمد، وكفى بهذا رفعة وشرفاً من الله عز وجل ورتبة.

قال اليهودي: فأخبرني عما فضل الله به أمته على سائر الأمم.

قال «عليه السلام»: لقد فضل الله أمته «صلى الله عليه وآله» على سائر الأمم بأشياء كثيرة أنا أذكر لك منها قليلاً من كثير. من ذلك: قول الله عز وجل: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ([17]). ومن ذلك: أنه إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلق في صعيد واحد سأل الله عز وجل النبيين: هل بلغتم؟!

فيقولون: نعم.

فيسأل الأمم، فيقولون: ما جاءنا من بشير ولا نذير.

فيقول الله جل ثناؤه، وهو أعلم بذلك للنبيين: من شهداءكم اليوم؟!

فيقولون: محمد وأمته.

فتشد لهم أمة محمد بالتبليغ، وتصدق شهادتهم، وشهادة محمد «صلى الله عليه وآله»، فيؤمنون عند ذلك، وذلك قوله تعالى: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً([18]).

يقول: يكون محمد عليكم شهيداً أنكم قد بلغتم الرسالة.

ومنها: أنهم أول الناس حساباً، وأسرعهم دخولاً إلى الجنة قبل سائر الأمم كلها.

ومنها أيضاً: أن الله عز وجل فرض عليهم في الليل والنهار خمس صلوات في خمسة أوقات: اثنتان بالليل، وثلاث بالنهار، ثم جعل هذه الخمس صلوات تعدل خمسين صلاة، وجعلها كفارة خطاياهم، فقال عز وجل: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ([19]).

يقول: صلاة الخمس تكفر الذنوب ما اجتنبت الكبائر.

ومنها أيضاً: أن الله تعالى جعل لهم الحسنة الواحدة التي يهم بها العبد ولا يعملها حسنة واحدة يكتبها له، فإن عملها كتبت له عشر حسنات وأمثالها إلى سبعمائة ضعف فصاعداً.

ومنها: أن الله عز وجل يدخل الجنة من أهل هذه الأمة سبعين ألفاً بغير حساب، ووجوههم مثل القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أحسن ما يكون الكوكب الدري في أفق السماء، والذين يلونهم على أشد كوكب في السماء إضاءة، ولا اختلاف بينهم ولا تباغض بينهم.

ومنها: أن القاتل منهم عمداً إن شاء أولياء المقتول أن يعفوا عنه فعلوا، وإن شاؤوا قبلوا الدية، وعلى أهل التوراة وهم أهل دينك يقتل القاتل ولا يعفى عنه، ولا تؤخذ منه دية، قال الله عز وجل: ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ([20])..

ومنها: أن الله عز وجل جعل فاتحة الكتاب نصفها لنفسه، ونصفها لعبده، قال الله تعالى: «قسمت بيني وبين عبدي هذه السورة، فإذا قال أحدهم: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فقد حمدني، وإذا قال: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ فقد عرفني، وإذا قال: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فقد مدحني، وإذا قال: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ فقد أثني علي، وإذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فقد صدق عبدي في عبادتي بعد ما سألني، وبقية هذه السورة له.

ومنها: أن الله تعالى بعث جبرائيل «عليه السلام» إلى النبي «صلى الله عليه وآله»: أن بشر أمتك بالزين والسناء والرفعة والكرامة والنصر.

ومنها: أن الله سبحانه أباحهم صدقاتهم يأكلونها، ويجعلونها في بطون فقرائهم يأكلون منها ويطعمون، وكانت صدقات من قبلهم من الأمم المؤمنين يحملونها إلى مكان قصي، فيحرقونها بالنار.

ومنها: أن الله عز وجل جعل الشفاعة لهم خاصة دون الأمم، والله تعالى يتجاوز عن ذنوبهم العظام لشفاعة نبيهم «صلى الله عليه وآله».

ومنها: أن يقال يوم القيامة: ليتقدم الحامدون، فتقدم أمة محمد «صلى الله عليه وآله» قبل الأمم، وهو مكتوب أمة محمد الحامدون، يحمدون الله عز وجل على كل منزلة، ويكبرونه على كل نجد([21])، مناديهم في جوف السماء له دوى كدوي النحل.

ومنها: أن الله لا يهلكهم بجوع، ولا يجمعهم علي ضلالة، ولا يسلط عليهم عدواً من غيرهم، ولا يساخ ببقيتهم، وجعل لهم الطاعون شهادة.

ومنها: أن الله جعل لمن صلى على نبيه عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورد الله سبحانه عليه مثل صلاته على النبي «صلى الله عليه وآله».

ومنها: أنه جعلهم أزواجاً ثلاثة أمماً، فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات، والسابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يحاسب حساباَ يسيراً، والظالم لنفسه مغفور له إن شاء الله.

ومنها: أن الله عز وجل جعل توبتهم الندم والاستغفار والترك للاصرار، وكانت بنو إسرائيل توبتهم قتل النفس.

ومنها: قول الله عز وجل لنبيه «صلى الله عليه وآله»: «أمتك هذه مرحومة، عذابها في الدنيا الزلزلة والفقر.

ومنها: أن الله عز وجل يكتب للمريض الكبير من الحسنات على حسب ما كان يعمل في شبابه وصحته من أعمال الخير، يقول الله سبحانه للملائكة: «استكتبوا لعبدي مثل حسناته قبل ذلك ما دام في وثاقي».

ومنها: أن الله عز وجل ألزم أمة محمد «صلى الله عليه وآله» كلمة التقوى، وجعل بدؤ الشفاعة لهم في الآخرة.

ومنها: أن النبي «صلى الله عليه وآله» رأى في السماء ليلة عرج به إليها ملائكة قياماً وركوعاً منذ خلقوا، فقال: يا جبرئيل هذه هي العبادة.

فقال جبرئيل: صدقت يا محمد، فاسأل ربك أن يعطي أمتك القنوت والركوع والسجود في صلاتهم.

فأعطاهم الله تعالى ذلك، فأمة محمد «صلى الله عليه وآله» يقتدون بالملائكة الذين في السماء.

قال النبي «صلى الله عليه وآله»: إن اليهود يحسدونكم على صلاتكم وركوعكم وسجودكم([22]).

ونقول:

إن لنا مع هذا الحوار وقفات، فيها دلالات وبيانات، نوردها في الفصل التالي إن شاء الله تعالى..


([1]) في المصدر: أبو سعيد الجهني، والظاهر أنه مصحف، وهو عبد الله بن حكيم الجهني، قال ابن الأثير في أسد الغابة ج3 ص145: عبد الله بن حكيم الجهني أدرك النبي «صلى الله عليه وآله» ولا يعرف له سماع. قاله البخاري, وقال أبو حاتم الرازي: إنما هو عبد الله بن حكيم أبو سعيد الجهني.

([2]) الاحتجاج ج1 ص497 ـ 536 و (ط دار النعمان) ج1 ص314 ـ 335 وبحار الأنوار ج10 ص28 ـ 49 وج17 ص273 ـ 297 وج11 ص139 و 277 وج12 ص2 باختصار، وحلية الأبرار ج1 ص287.

([3]) الآية 3 من سورة آل عمران.

([4]) الآية 80 من سورة النساء.

([5]) الآية 128 من سورة التوبة.

([6]) الآية 6 من سورة الأحزاب.

([7]) الآية 66 من سورة الأحزاب.

([8]) الآية 7 من سورة الأحزاب.

([9]) الآية 163 من سورة النساء.

([10]) الآية 7 من سورة الأحزاب.

([11]) الآية 56 من سورة الأحزاب.

([12]) الآية 7 من سورة الأحزاب.

([13]) الآية 81 من سورة آل عمران.

([14]) الآية 6 من سورة الأحزاب.

([15]) الآية 4 من سورة الشرح.

([16]) الآية 72 من سورة الحجر.

([17]) الآية 7 من سورة الأحزاب.

([18]) الآية 143 من سورة البقرة.

([19]) الآية 114 من سورة هود.

([20]) الآية 178 من سورة البقرة.

([21]) النجد: المرتفع من الأرض.

([22]) راجع: إرشاد القلوب ج2 ص217 ـ 226 وبحار الأنوار ج16 ص341 ـ 352.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان