صفحة :137-152   

الفصل الرابع: أسئلة ذعلب..

 أسئلة ذعلب:

حدثنا الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي، قال: حدثنا أحمد بن الحسن القطان وعلي بن أحمد بن موسى الدقاق، ومحمد بن أحمد السناني، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا محمد بن العباس، قال: حدثني محمد بن أبي السري، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، عن سعد بن طريف الكناني، عن الأصبغ بن نباتة، قال:

لما جلس علي «عليه السلام» في الخلافة وبايعه الناس، خرج إلى المسجد متعمماً بعمامة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، لابساً بردة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، منتعلاً نعل رسول الله «صلى الله عليه وآله»، متقلداً سيف رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فصعد المنبر، فجلس عليه متمكناً، ثم شبك بيَّن أصابعه، فوضعها أسفل بطنه، ثم قال:

يا معشر الناس، سلوني قبل أن تفقدوني. هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، هذا ما زقني رسول الله «صلى الله عليه وآله» زقاً زقاً.

سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين، أما والله لو ثنيت لي وسادة، فجلست عليها، لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة، فتقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل، فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في.

وأنتم تتلون القرآن ليلاً ونهاراً، فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه؟! ولولا آية في كتاب الله عز وجل لأخبرتكم بما كان وبما يكون، وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية: ﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ([1]).

ثم قال: «عليه السلام»: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو سألتموني عن أية آية، في ليل أنزلت، أو في نهار أنزلت، مكيها ومدنيها، سفريها وحضريها، ناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها، إلا أخبرتكم.

فقام إليه رجل يقال له ذعلب، وكان ذرب اللسان، بليغاً في الخطب، شجاع القلب، فقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة، لأخجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه.

فقال: يا أمير المؤمنين، هل رأيت ربك؟!

فقال: ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد رباً لم أره.

قال: فكيف رأيته؟! صفه لنا.

قال: ويلك! لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، ويلك يا ذعلب، إن ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون، ولا بقيام ـ قيام انتصاب ـ ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعِظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسة، قائل لا بلفظ، هو في الأشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كل شيء ولا يقال شيء فوقه، أمام كل شيء ولا يقال له أمام، داخل في الأشياء لا كشيء في شيء داخل، وخارج منها لا كشيء من شيء خارج.

فخر ذعلب مغشياً عليه، ثم قال: تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها.

ثم قال «عليه السلام»: سلوني قبل أن تفقدوني.

فقام إليه الأشعث بن قيس، فقال: يا أمير المؤمنين، كيف تؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم كتاب، ولم يبعث إليهم نبي؟!

فقال: بلى يا أشعث، قد أنزل الله عليهم كتاباً، وبعث إليهم نبياً، وكان لهم ملك سكر ذات ليلة، فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها، فلما أصبح تسامع به قومه، فاجتمعوا إلى بابه، فقالوا: أيها الملك، دنست علينا ديننا فأهلكته، فاخرج نطهرك ونقم عليك الحد.

فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا كلامي، فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت وإلا فشأنكم.

فاجتمعوا، فقال لهم: هل علمتم أن الله عز وجل لم يخلق خلقاً أكرم عليه من أبينا آدم وأمنا حواء؟!

قالوا: صدقت أيها الملك.

قال: أفليس قد زوج بنيه من بناته، وبناته من بنيه؟!

قالوا: صدقت، هذا هو الدين، فتعاقدوا على ذلك، فمحا الله ما في صدورهم من العلم، ورفع عنهم الكتاب، فهم الكفرة، يدخلون النار بلا حساب، والمنافقون أشد حالاً منهم.

فقال الأشعث: والله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها أبدا.

ثم قال «عليه السلام»: سلوني قبل أن تفقدوني.

فقام إليه رجل من أقصى المسجد، متوكئاً على عكازة، فلم يزل يتخطى الناس حتى دنا منه فقال: يا أمير المؤمنين، دلني على عمل إذا أنا عملته نجاني الله من النار.

فقال له: اسمع يا هذا، ثم افهم، ثم استيقن، قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغني لا يبخل بماله على أهل دين الله عز وجل، وبفقير صابر، فإذا كتم العالم علمه، وبخل الغني، ولم يصبر الفقير، فعندها الويل والثبور، وعندها يعرف العارفون بالله أن الدار قد رجعت إلى بدئها، أي إلى الكفر بعد الايمان.

أيها السائل، فلا تغترن بكثرة المساجد، وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتى.

أيها الناس، إنما الناس ثلاثة: زاهد، وراغب، وصابر.

فأما الزاهد فلا يفرح بشيء من الدنيا أتاه، ولا يحزن على شيء منها فاته.

وأما الصابر فيتمناها بقلبه، فإن أدرك منها شيئاً صرف عنها نفسه، لما يعلم من سوء عاقبتها.

وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام.

قال: يا أمير المؤمنين، فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟!

قال: ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حق فيتولاه، وينظر إلى ما خالفه فيتبرأ منه وإن كان حبيباً قريباً.

قال: صدقت والله يا أمير المؤمنين.

ثم غاب الرجل فلم نره، وطلبه الناس فلم يجدوه.

فتبسم علي «عليه السلام» على المنبر ثم قال: ما لكم، هذا أخي الخضر «عليه السلام».

ثم قال «عليه السلام»: سلوني قبل أن تفقدوني. فلم يقم إليه أحد.

فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه «صلى الله عليه وآله»، ثم قال للحسن «عليه السلام»: يا حسن، قم فاصعد المنبر، فتكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي، فيقولون: إن الحسن لا يحسن شيئاً.

قال الحسن «عليه السلام»: يا أبه، كيف أصعد وأتكلم وأنت في الناس تسمع وترى؟!

قال: بأبي وأمي، أواري نفسي عنك، وأسمع وأرى ولا تراني.

فصعد الحسن «عليه السلام» المنبر، فحمد الله بمحامد بليغة شريفة، وصلى على النبي وآله صلاة موجزة، ثم قال: أيها الناس، سمعت جدي رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وهل تدخل المدينة إلا من بابها.

ثم نزل، فوثب إليه علي «عليه السلام» فتحمله، وضمه إلى صدره.

ثم قال للحسين «عليه السلام»: يا بني، قم فاصعد فتكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي، فيقولون: إن الحسين بن علي لا يبصر شيئا!، وليكن كلامك تبعاً لكلام أخيك.

فصعد الحسين «عليه السلام»، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه وآله صلاة موجزة، ثم قال: معاشر الناس، سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو يقول: إن علياً مدينة هدى، فمن دخلها نجا، ومن تخلف عنها هلك.

فوثب علي «عليه السلام» فضمه إلى صدره وقبله، ثم قال:

معاشر الناس، اشهدوا أنهما فرخا رسول الله «صلى الله عليه وآله» ووديعته التي استودعنيها، وأنا استودعكموها.

معاشر الناس، ورسول الله «صلى الله عليه وآله» سائلكم عنهما([2]).

ونقول:

لا بأس بملاحظة الأمور التالية:

للتوضيح فقط:

1 ـ عبارة: لو ثنيت لي الوسادة: كناية عن الإستيلاء على الأمر والتمكن منه.

2 ـ قال العلامة المجلسي «رحمه الله» عن إفتاء أهل الكتاب بكتبهم: «ويحتمل أن يكون المراد به: بيان أنه في كتابهم هكذا، لا الحكم بالعمل به، أو أريد به الإفتاء فيما وافق شرع الإسلام، وإلزام الحجة عليهم فيما ينكرونه من أصول دين الإسلام وفروعه»([3]).

3 ـ قال العلامة المجلسي أيضاً: «قوله «عليه السلام»: «والمنافقون أشد حالاً منهم» تعريض بالسائل لأنه كان منهم»([4]).

علي يمثل الرسول :

ذكرت الرواية السابقة: أن علياً «عليه السلام» لما بويع خرج إلى المسجد متعمماً بعمامة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، لابساً بردته، منتعلاً نعله، متقلداً سيفه، فصعد المنبر وقال: سلوني قبل أن تفقدوني.

ونقول:

إن ثمة مواضع عديدة فعل فيها علي وولده وأحفاده «عليهم السلام» مثل ذلك.

وهذا منه ومنهم «عليهم السلام»، إنما هو ليفهموا الناس أنهم دون سواهم يمثلون رسول الله «صلى الله عليه وآله» شكلاً ومضموناً.

فهو حين يعتم بعمامة الرسول «صلى الله عليه وآله» يشير لهم إلى أنه يحمل شعاره، ويرث زعامته وسؤدده، لأن العمائم بمثابة التيجان، التي تشير إلى السيادة والزعامة، والعزة والكرامة.

وحين ينتعل نعله، يشير إلى أنه هو الذي يتأثر خطى الرسول «صلى الله عليه وآله»، ويسير على نهجه، ويتبع أثره..

وإذا تردى ببردته فكأنه يقول لهم: إن رداء الرسول «صلى الله عليه وآله» إذا كان هو الإسلام، وسيكون الإسلام رداءه أيضاً. الذي يغطي ويهيمن على جميع أجزاء ومساحات وجوده، ويشتمل عليها، فلا تشذ عنه، ولا تتنكر له.

وحين يجلس متمكناً على المنبر، يشيرإلى أنه إذا تمكن من أمر الخلافة، ووجد الأعوان على إصلاح الأمور التي تمثل بالتشبيك بين الأصابع، فإنه سيقيم دين الله سبحانه، وسيحمي عباد الله بهذا السيف الذي هو سيف رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وسيف الرسول هو سيف الله، وسيف الإسلام.. ولماذا لا يكون المجاهد القوي، والمضحي السخي، والصادق والمدافع، والمكافح عن نهج الرسول «صلى الله عليه وآله»، وعن حرمة الدين وأهله، تماماً كما ناضل وجاهد وضحى ودافع في جميع أدوار حياته.

وإذا قال لهم: سلوني قبل أن تفقدوني، فإنما يؤكد لهم أنه وحده الذي يحيط بكل ما يحتاجون إليه مما فيه صلاح دنياهم وآخرتهم.

وهو يؤكد: على أن من واجبهم أن يسعوا إلى نيل المعارف التي يحتاجونها، وأن يبادروا إلى السؤال عن كل ما يهمهم في دنياهم وآخرتهم، وأنهم إن قصروا في ذلك، فاللوم يقع عليهم.

ثم هو يشير إلى أن فقدانهم إياه نقصان حظ، وخسارة لهم.

ثم أوضح لهم: أنه هو سفط العلم، وأنه نفس الرسول «صلى الله عليه وآله»، حتى إن لعابه «عليه السلام» هولعاب الرسول «صلى الله عليه وآله». فإذا كان الصحابة يلتمسون البركة من لعاب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فما أحراهم أن يلتمسوا البركة في لعاب علي «عليه السلام»، فإنه مثله في الخصوصيات والآثار المادية والمعنوية.

ثم وصف «عليه السلام» لهم ما عنده من علوم، وبين لهم مجالاتها، وامتداداتها، وتنوعها، وشمولها.. واشار إلى شدة مطابقتها للحقيقة.

ثم قرر لهم: أنه «عليه السلام» يعلم بما كان ويكون إلى يوم القيامة.

ويكون بذلك قد محضهم النصيحة، حين أكد لهم إمامته الواقعية، التي منحه الله ورسوله إياها، وأكد أن الإمامة في ولده، في الحسن «عليه السلام» أولاً، ثم في الحسين «عليه السلام» ثانياً. وأبطل إمامة اسلافه ومن يأتي بعده من غير الأئمة من ولده «عليهم السلام»، لأنهم يفقدون هذه الخصوصيات كلها.

وقد ذكرت الرواية: أن ملك المجوس قد برر ارتكابه جريمة الزنا بابنته في حال سكره: بأن آدم «عليه السلام» قد زوج بناته من أبنائه.

وهو كلام باطل في حد نفسه حتى لو صح ـ ولا يصح ذاك أبداًـ أن آدم «عليه السلام» قد فعل ذلك، للأسباب التالية:

أولاً: لأن تحليل زواج الأبناء بالبنات لا يعني تجويز الزنا بهن.

ثانياً: إن تحليل ذلك بين الإخوة لا يعني تحليله بين الأب وابنته، فضلاً عن أن يكون بنحو الزنا.

ثالثاً: إن هذا الادعاء غير صحيح، وحيث إن ذلك يحتاج إلى بعض البسط في البيان، فإننا نفرد فصلاً مستقلاً، وهو الآتي بعد هذا الفصل مباشرة.

لا تجهلك قريش:

وقد قال أمير المؤمنين «عليه السلام» لولده الإمام الحسن «عليه السلام»: اصعد المنبر، فتكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي، فيقولون: إن الحسن لا يحسن شيئاً.

ونقول:

إن ذلك يدلنا على أمور كثيرة، نذكر منها:

1 ـ إنه «عليه السلام» يرى: أن قبيلة قريش هي المشكلة، وهي التي تحاول الطعن بأهلية وملكات وميزات ولده الإمام الحسن «عليه السلام».

وهو يريد من ولده: أن يتكلم على المنبر، ليسمع الناس كلامه، وليظهر لهم فضله بصورة مباشرة، وليعرف الناس من هم أولئك الذين يشيعون الأكاذيب عنه، لكي لا يُخْدَعوا بشائعاتهم حين يخفون أنفسهم، ليظن الظان: أن هذا هو رأي الناس فيه، وأن قريشاً بعيدة عن هذا الجور، وليس لها دور في إطلاق هذه الشائعات.

كما أنه «عليه السلام» يريد أن يكون ذلك بمثابة تكذيب عملي ملموس لما تشيعه قريش من طعن وأباطيل، فإنه أوقع في النفس، وأعظم تأثيراً.

وليتذكر الناس هذا الموقف في مستقبل الأيام.. ويعرفوا أنها خطة مدبرة منذ زمن بعيد، وإن الأمور لا تجري بصورة عفوية..

2 ـ إنه «عليه السلام» وإن كان قد سمع كما سمع الناس رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقرر إمامة الحسنين «عليهما السلام» بقوله: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا».. ولكنه كان يعرف: أن قريشاً كانت قادرة على التمويه على الناس. ولو بادعاء: أن العاطفة هي التي دعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» لأن يقول هذا القول، وأنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن يعلم الغيب، ولو علم أن ولده لا يحسن شيئاً لم يقل في حقه ما قال.. وقد أشاعوا عنه «صلى الله عليه وآله» أنه يقول في الرضا وفي الغضب.. إلى غير ذلك من ترهات وأباطيل ينسجونها للتشكيك، أو فقل: لإبطال أثر النص النبوي الشريف.

فأراد «عليه السلام»: أن يجسد للناس عملياً كذبهم فيما يحاولون التسويق له، وخداع الناس به..

3 ـ إنه «عليه السلام» كان ينظر إلى المستقبل، وما يكون بعده نظرة ثاقبة. ويخطط لمعالجة السلبيات التي ستظهر فيه، وكان يحاول صيانة الناس من شائعات أهل الباطل، وحفظ السلامة لهم في دينهم، وفي حياتهم السياسية والإجتماعية..

وهو بذلك يعطي درساً لكل الناس بأن عليهم جميعاً أن يتحملوا مسؤولياتهم في الحياة وبعد الممات. وأن مهماتهم لا تقتصر على معالجة ما يواجهونه في حال حياتهم.. بل عليهم أن يرصدوا الحركة العامة، وتأثيراتها في الحاضر والمستقبل، حتى فيما يلقى إليها من أهل الأهواء والأطماع.

الحسنان يخطبان:

إن الإمام الحسن «عليه السلام» حين تحرَّج في تصديه للخطابة بحضرة والده، لم يكن يخشى من أن يصاب بالإرتباك، والعي لو أنه خطب في حضرته. ولكنه أراد أن يقدم نموذجاً للأدب وللخلق الرفيع الطافح بالتواضع، وبالتعظيم لوالده العظيم. فإنه لا يريد أن يرى نفسه رافعاً صوته فوق صوت والده، ولو لأجل أن يسمع الناس كلامه.

ولأجل ذلك امتثل امر والده، وأرضاه والده باستجابته له، بأن يكون في موضع يسمع فيه كلامه ولا يريه شخصه.

خطبة الحسنين :

وما أروعها من خطب بليغة التزم فيها الحسنان «عليهما السلام» بالأدب مع والدهما، وأديا فيها حقها، ونصحا للأمة حيث وجها الأمة إلى المصدر والمعين الأصفى لمعارفها وعلومها، وهو رسول الله «صلى الله عليه وآله» من خلال علي «عليه السلام»، الذي هو الباب الموصل إلىه دون سواه، بل هو مدينة هدى، فمن دخلها نجا، ومن تخلف عنها غرق..


([1]) الآية 39 من سورة الرعد.

([2]) الأمالي للصدوق ص422 ـ 425 و (ط أخرى) ص280 والتوحيد للصدوق = = ص304 ـ 308 وراجع ص109 وبحار الأنوار ج10 ص117 ـ 121 وراجع ج4 ص97 و 32 ونور البراهين للجزائري ج2 ص144 ـ 156 وشجرة طوبى ج1 ص188 ـ 190 وروضة الواعظين ص118 ومستدرك الوسائل ج11 ص101 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج2 ص135 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص352 ـ 355 وغاية المرام ج5 ص240 ـ 242 وقضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري ص89 ـ 91. وفي الاحتجاج ج1 ص609 ـ 612 وراجع ص493 والاختصاص ص230 وعن الارشاد ص23 و 120.

([3]) بحار الأنوار ج10 ص121.

([4]) نفس المصدر.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان