الفصل الثالث: معضلات حسابية..

   

صفحة : 247-266   

الفصل الثالث: معضلات حسابية..

قسمة السبعة عشر بعيراً:

ورووا: أنه جاء علياً «عليه السلام» ثلاثة رجالٍ، يختصمون في سبعة عشر بعيراً: أولهم يدعي نصفها، وثانيهم ثلثها، وثالثهم تسعها. وكان على كل منهم الكسر.

فقال «عليه السلام»: أترضون أن أضع بعيراً مني فوقها وأقسمها بينكم؟!

قالوا: نعم.

فوضع واحداً فوقها من نفسه، فصارت ثمانية عشر بعيراً، فأعطى الأول تسعة، والثاني ثلثها ستة، والثالث اثنين.

وبقي بعيره «عليه السلام» له([1]).

تسعة عشر بعيراً أيضاً:

وقد رويت المسألة المذكورة آنفاً بنحو آخر، ولعلها مسألة أخرى، وهي: أن ثلاثة أشخاص أتوا علياً «عليه السلام» ومعهم تسعة عشر بعيراً، يريدون تقسيمها، فيكون لأحدهم النصف، وللثاني الربع، وللثالث الخمس، فوضع جمله معها، فصارت عشرين، وأعطى عشرة لصاحب النصف، وخمسة لصاحب الربع، وأربعة لصاحب الخمس([2]).

ونقول:

لا بد من إمام:

قلنا، ونعود فنقول:

إن هذا وأشباهه يدل على الحاجة إلى الإمام الذي يعلِّمه ويربيه ويطهره ويزكيه الله سبحانه ورسوله. لأن هذا وأمثاله لم يتصد النبي «صلى الله عليه وآله» لبيانه للناس. فلا بد أن يكون قد أودعه أو أودع مفاتيحه عند أهله.. إذا لا يمكن جعل حكم من دون أن تتوفر وسيلة تطبيقه في كل عصر. ولم نجد النبي «صلى الله عليه وآله» قدم وسيلة تكشف للناس أسرار هذه الأحكام، وتوضح غوامضها ومبهماتها سوى علي «عليه السلام»، وأهل بيته الطاهرين.

توضيحات للمحقق التستري:

قال المحقق التستري «رحمه الله»:

«وفلسفته: أن النصف، والثلث، والتسع، لا تستغرق الكل، فيبقى منه نصف تسع. وإنما المستغرق للكل النصف والثلث والسدس. وكان حصة كل واحدٍ أكثر مما قال بنصف تسع. ولم يكونوا متفطنين لذلك»([3]).

الفعل أقوى دلالة:

لقد كان بإمكانه «عليه السلام» أن يبين لهؤلاء الثلاثة حصة كل واحد منهم بالكلام، بأن يقول لهم: أنت لك تسعة، ولهذا ستة، ولذلك اثنان، ولكنه «عليه السلام» آثر أن يضع جمله مع جمالهم، كي يتلمسوا بصورة حسية عملية صحة قسمته. وليدركوا عن طريق الحس: أنه «عليه السلام» لم يظلم أياً منهم في قسمته. فلا يظنن أي منهم أنه أخذ منه، وأعطى رفيقيه، أو أنه أخذ من رفيقيه وأعطاه..

وقد وضع البعير مع أبعرتهم لكي يوحي لهم بأن كلاً منهم قد أخذ زائداً على حقه.. لأن هذا أخذ نصف الثمانية عشر لا السبعة عشر، وأخذ ذاك ثلث الثمانية عشر أيضاً، وكذلك الذي أخذ التسع منها.

لمزيد من التبصُّر والإهتمام:

إنه «عليه السلام» حين طلب منهم أن يرضوا بإضافة بعير من عنده، يكون قد زاد من درجة اهتمامهم، وأثار عجبهم من نتائج قسمته، التي يخيل إليهم منها أنه أخذ أكثر من حقه، مع أن مجموع ما أخذوه مطابق للعدد الذي اختلفوا عليه..

ولا سيما بعد أن يعود جمله إليه..

ولعلهم حين يضع جمله مع جمالهم من غير إذنهم يتخيلون أنه قد وهبهم إياه، والهبة تحتاج إلى القبول منهم، وتحتاج إلى داع ومبرر

أضرب أيام أسبوعك في سنتك:

في كشكول البهائي: دخل رجل على علي «عليه السلام» وقال: أخبرني عن عددٍ يكون له نصف، وثلث، وربع، وخمس، وسدس، وسبع، وثمن، وتسع، وعشر، ولم يكن فيه كسر.

فقال علي: إن أخبرتك تسلم؟!

فقال: نعم.

فقال علي «عليه السلام»: اضرب أيام أسبوعك في سنتك.

فكان كما قال.. فلما تحقق المسألة وصحتها، ولم يكن فيها كسر، أسلم.

وقال «رحمه الله» في كتابه: خلاصة الحساب:

لطيفة: يحصل مخرج الكسور التسعة من ضرب أيام الشهر في عدة الشهور والحاصل في أيام الأسبوع

ومن ضرب مخارج الكسور التي فيها حرف العين بعضها في بعض.

وسئل أمير المؤمنين «عليه السلام» عن ذلك، فقال: اضرب أيام أسبوعك في أيام سنتك. انتهى([4]).

ونقول:

1 ـ لا نحتاج إلى الكثير من التفصيل هنا، غير أننا نقول:

إن هذا اليهودي، ربما يكون قد صرف دهراً طويلاً ليصل إلى معرفة العدد الذي سأل عنه أمير المؤمنين «عليه السلام».. وها هو يسمع الجواب يأتيه على البداهة.. فكيف يبقى معانداً لهذا الدين، الذي له إمام كعلي «عليه السلام»؟!

2 ـ قال المحقق التستري «رحمه الله»، تعليقاً على الحديث المذكور:

قلت: شرح «عليه السلام»: أنه إذا ضرب أيام الأسبوع السبعة في ثلاثمائة وستين أيام السنة يصير الحاصل ألفين وخمسمائة وعشرين، وله الكسور التسعة.

النصف هو ألف ومائتان وستون.

والثلث هو ثمانمائة وأربعون.

والربع ست مئة وثلاثون.

والخمس خمسمائة وأربعون.

والسدس أربع مئة وعشرون.

والسبع ثلاثمائة وستون.

والثمن ثلاثمائة وخمسة عشر.

والتسع مائتان وثمانون.

والعشر مائتان واثنان وخمسون.

وكذلك الطريق الأول مما ذكره البهائي، فمن ضرب أيام الشهر في عدة الشهور يحصل على عدد أيام السنة فيضرب في أيام الأسبوع.

والطريق الثاني من الإقتصار على ضرب الأربعة العينية منها، أي مخرجها وهي: الربع، والسبع، والتسع، والعشر، دون جميع التسعة. ولو ضرب الجميع يرتفع الحاصل إلى خمسة وسبعين ألفاً([5]).

3 ـ إن علياً «عليه السلام» حين شرط على ذلك اليهودي أن يسلم بيَّن بوضوح: أنه لا يريد أن يستفيد من علمه لتأكيد عظمته الشخصية، بل يريد أن يكون وسيلة لنجاة العباد، وإصلاح البلاد، والفوز يوم التناد..

المسألة الدينارية:

وروي: أنه «عليه السلام» أراد أن يركب، ووضع إحدى رجليه في الركاب، فسألته امرأة: أن أخاها مات وله ستمائة دينار، وأعطوها ديناراً وظلموها.

قال «عليه السلام»: كان لأخيك بنتان؟!

قالت: نعم.

قال: سهمها الثلثان، أربعمائة. وأخ من أم سهمه السدس، مائة دينار.

قالت: نعم.

قال: وامرأة لها الثمن، خمس وسبعون ديناراً.

قالت: نعم.

قال: واثنا عشر أخاً لكل واحد ديناران.

قالت: نعم.

قال: فيبقى لك دينار، وهو حقك، انصرفي. ثم وضع رجله الأخرى في الركاب، فلقبت بالمسألة الدينارية([6]).

ونقول:

لاحظ الأمور التالية:

الجواب بناءً على التعصيب، ولا تعصيب:

بما أن الإخوة لا يرثون مع وجود البنت في مذهب أهل البيت «عليهم السلام» وشيعتهم، عرفنا: أن جوابه «عليه السلام» لهذه المرأة مبني على توريث العصبة مع البنت أي أنه «عليه السلام» أراد أن يقول لها: إن ما أعطوك إياه بناء على قولهم الفاسد صحيح..

ويستفاد أيضاً من هذه القضية وكثير من مثيلاتها: أن العمل بالتقية كان قد بدأ منذ عهد أمير المؤمنين «عليه السلام»، إن لم نقل أنه بدأ منذ عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حيث أخر تبليغ أمر الإمامة تقية كما اشير إليه في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ([7]).

إلا أن الإمامة نفسها لم تكن من موارد التقية، فقد بقي «عليه السلام» يظهر أحقيته بها، وكذلك ولده «عليهم السلام» ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، لأن حفظ الدين منوط بحفظ الإمامة.

وليس هذا من الموارد التي يجب الإفتاء فيها وفق مذهب السائل، لن الإمام يجب أن يعطي الإجابة وفق أحكام الله، إلا إن كان في مورد تقية، لا وفق مذاهب السائلين.

التعصيب لتصغير شأن الزهراء :

يبدو: أن توريث إخوة الميت مع وجود بناته من صلبه، قد جاء لتصغير شأن الزهراء «عليها السلام»، وإظهار أن العباس عم النبي «صلى الله عليه وآله» أقرب من أمير المؤمنين «عليه السلام» إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فاخترعوا مقولة: أن العباس يرث الرسول «صلى الله عليه وآله» حتى مع وجود الزهراء «عليها السلام»، ولا يرثه علي «صلوات الله وسلامه عليه». وهذا من الكيد السياسي، الذي واجهوا به أمير المؤمنين «عليه السلام».

وإلا فإنه مما لا شك فيه ولا شبهة: أن قاعدة منع الأقرب للأبعد لا تجري عند الشيعة الإمامية إلا في مورد اجتماع ابن عم لأب وأم مع عم لأب، فإن ابن العم أولى بالميراث عند الإمامية، والمال كله له.. وهي مسألة إجماعية عندهم لا خلاف فيها([8]).

وكان دافعهم بالإضافة إلى ذلك: أنهم كانوا لا يرون للمرأة قيمة، وإن ما تأخذه المرأة من الميراث يذهب في الغالب إلى الغرباء عنهم، لقاعدتهم التي تقول:

بـنـونـا بـنـو أبـنـائـنـا وبناتـنـا          بـنـوهـن أبناء الرجـال الأباعد([9])

وقد استفاد العباسيون من هذه السياسة، لادعاء: أن لهم الحق بالخلافة من خلال القربى النسبية للعباس([10]).

وقد قال مروان بن أبي حفصة:

أنـى يـكـون ولـيـس ذاك بكـائن         لـبـني الـبـنـات وراثـة الأعمام([11])

فأعطاه المهدي العباسي ثلاثين ألفاً من صلب ماله، وكساه جبةً، ومطرفاً، وفرض على أهله ومواليه ثلاثين ألفاً أيضاً.

وقيل: إنه فرض عليهم سبعين ألفاً ليصير المجموع مئة ألف([12]).

وهناك أحداث أخرى في هذه الإتجاه لا مجال لذكرها هنا، فراجع كتابنا: الحياة السياسية للإمام الرضا «عليه السلام».

جوابه من دلائل إمامته:

إن نفس إخباره «عليه السلام» تلك المرأة بالذين شاركوها في التركة بهذه السرعة الفائقة، وحيث كان قد وضع إحدى رجليه في ركاب الفرس. يعد من خوارق العادات لعلي «عليه السلام»([13]). ومن مؤكدات إمامته.

صار ثمنها تسعاً:

في فضائل أحمد قال عبد الله: إن أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب «عليه السلام» قال الشعبي: ما رأيت أفرض من علي ولا أحسب منه، وقد سئل وهو على المنبر يخطب عن رجل مات وترك امرأة وأبوين وابنتين: كم نصيب المرأة؟!

فقال: صار ثمنها تسعاً.

فلقبت بالمسألة المنبرية.

قال ابن شهرآشوب:

شرح ذلك: للأبوين السدسان، وللبنتين الثلثان، وللمرأة الثمن، عالت الفريضة فكان لها ثلاث من أربعة وعشرين ثمنها، فلما صارت إلى سبعة وعشرين صار ثمنها تسعاً، فإن ثلاثة من سبعة وعشرين تسعها، ويبقى أربعة وعشرون، للابنتين ستة عشر، وثمانية للأبوين سواء([14]).

ونقول:

العول باطل عند علي :

1 ـ لعل من الناس من يتخيل أن علياً «عليه السلام» الذي يرى بطلان العول في الفرائض، لم يكن بصدد حل مشكلاته، وإيضاح مهماته، فلا يتوقع منه أن يتمكن من تقديم حلول سريعة، وبالغة الدقة فيه.. فكيف إذا عرضت عليه أدق مسائله، وهو يضع رجله في الركاب، فيجيب عنها في لحظة فريدة بما لا تبلغه عقول جهابذة الرجال إلا بعد جهد، وتعب، وصرف الوقت لاستخراجه، كما هو الحال في هذه المسألة. فإنه بمجرد أن تفوهت تلك المرأة بمقدار التركة، وبما أعطوها منها، أجابها «عليه السلام» بالسؤال الإنكاري الذي يدين القول بالعول في الفرائض. ثم قرر لها ما دلها على حقيقة ما جرى.

2 ـ قال المحقق التستري: لما كان العول غير صحيح في مذهب الأئمة «عليهم السلام» قال السروي: قال «عليه السلام» ما قال على الاستفهام، أو على قولهم: صار ثمنها تسعاً.

وسئل «عليه السلام»: كيف يجيء الحكم على مذهب من يقول بالعول؟! فبيَّن الجواب، والحساب، والقسمة، والنسبة([15]).

ما المراد بالعول؟!:

المراد بالعول هو أن تزيد الفريضة عن سهام الورثة على وجه يدخل به النقص على جمعيهم، مثاله زوج وأختان لأب، فللزوج النصف، وهو ثلاثة سهام، وللأختين الثلثان، وهو أربعة سهام مع أن الموجود هو ستة. وإذا كان معهم أخت لأم فلها سهم ثامن، فإن كان لهم أخت أخرى صارت من تسعة.. مع أن الموجود هو ستة..

والقائلون بالعول يجمعون السهام كلها ثم تقسم الفريضة عليها، ليدخل النقص على كل واحد بحسب فرضه كأرباب الديون إذا ضاق المال عن حقهم.

وقد تواتر عن أئمتنا «عليهم السلام»: أن السهام لا تعول، ولا تكون أكثر من ستة([16]).

وكان علي «عليه السلام» يقول: إن الذي أحصى رمل عالج، يعلم أن السهام لا تعول على ستة لو يبصرون وجوهها لم تجز ستة([17]).

وقال أهل البيت «عليهم السلام»، وفقهاء المذهب تبعاً لأئمتهم: إن العول باطل، لأن فيه شكاً في قسمة الله، وتغليطاً له جل جلاله فيها، ونسبة الجهل إليه تعالى..

والحقيقة هي: أن النقص في هذه المسائل لا يرد على من يرث بالفرض (أي أن صاحب السهم)، فيأخذ سهمه كاملاً، والباقي يأخذه الباقون الذين يرثون بالقرابة.

فالأب أو البنت يرثان بالقرابة تارة، وبالفرض أخرى، فيرد النقص عليهم. أما من يتقرب بواسطة الأم، فلا يرث إلا بالفرض.. فيأخذ هذا سهمه كاملاً، ثم يعطى الباقي للأب أو البنت. فإن البنت إذا اجتمعت مع الأبناء ينقص نصيبها عن النصف، ويصير للذكر مثل حظ الأنثيين([18]).

قسمة الدراهم في الأرغفة الثمانية:

أحمد بن محمد (وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعاً ـ كا) عن ابن محبوب عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت ابن أبي ليلى يحدث أصحابه، فقال: قضى أمير المؤمنين «عليه السلام» بين رجلين اصطحبا في سفرٍ، فلما أرادا الغداء أخرج أحدهما من زاده خمسة أرغفة، وأخرج الآخر ثلاثة أرغفة، فمر بهما عابر سبيل، فدعواه إلى طعامهما، فأكل الرجل معهما حتى لم يبق شيء.

فلما فرغوا أعطاهما ثمانية دراهم ثواب ما أكله من طعامهما، ومضى فقال صاحب الثلاثة أرغفة لصاحب الخمسة أرغفة: اقسمها نصفين بيني وبينك.

وقال صاحب الخمسة: لا بل يأخذ كل واحد منا من الدراهم على عدد ما أخرج من الزاد.

قال: فأتيا أمير المؤمنين «عليه السلام» في ذلك، فلما سمع مقالتهما قال لهم: اصطلحا، فإن قضيتكما دنية.

فقالا: اقض بيننا بالحق.

قال: فأعطى صاحب الخمسة أرغفة سبعة دراهم، وأعطى صاحب الثلاثة أرغفة درهماً، وقال (لهما ـ يب): أليس أخرج أحدكما من زاده خمسة أرغفة، وأخرج الآخر ثلاثة (أرغفة ـ كا)؟!

قالا: نعم.

قال: أليس (قد) أكل معكما ضيفكما مثلما أكلتما؟!

قالا: نعم.

قال: أليس (أكل ـ كا) كل واحد منكما ثلاثة أرغفة غير ثلثها.

قالا: نعم.

قال: أليس أكلت أنت يا صاحب الثلاثة ثلاثة أرغفة إلا ثلثاً، وأكلت يا صاحب الخمسة ثلاثة أرغفة غير ثلث، وأكل الضيف ثلاثة أرغفة غير ثلث؟!

أليس (قد ـ يب) بقي لك يا صاحب الثلاثة ثلث رغيفٍ من زادك، وبقي لك يا صاحب الخمسة رغيفان وثلث، وأكلت ثلاثة أرغفة غير ثلث؟!

فأعطاها لكل ثلث رغيف درهماً، فأعطى صاحب الرغيفين وثلث سبعة دراهم، وأعطى صاحب (ثلث رغيف) درهماً([19]).

وفي نص آخر:

عن صباح المزني رفعه قال: جاء رجلان إلى أمير المؤمنين «عليه السلام» قال أحدهما: يا أمير المؤمنين، إن هذا غاداني، فجئت بثلاثة أرغفة، وجاء هو بخمسة أرغفة، فتغدينا. ومر بنا رجل فدعوناه إلى الغداء، فجاء فتغدى معنا، فلما فرغنا وهب لنا ثمانية دراهم ومضى. فقلت: يا هذا قاسمني!

فقال: لا أفعل، إلا على قدر الحصص من الخبز.

قال: اذهبا فاصطلحا.

قال: يا أمير المؤمنين، إنه يأبى أن يعطيني إلا ثلاثة دراهم، ويأخذ هو خمسة دراهم، فاحملنا على القضاء.

قال: فقال له يا عبد الله، أتعلم أن ثلاثة أرغفة تسعة أثلاث.

قال: نعم.

قال: وتعلم أن خمسة أرغفة خمسة عشر ثلثاً.

قال: نعم.

قال: فأكلت أنت من تسعة أثلاث ثمانية، وبقي لك واحد، وأكل هذا من خمسة عشر ثمانية وبقي له سبعة.

وأكل الضيف من خبز هذا سبعة أثلاث، ومن خبزك هذا الثلث الذي بقي من خبزك.

فأصاب كل واحد منكم ثمانية أثلاث، فلهذا سبعة دراهم بدل كل ثلث درهم، ولك أنت لثلك درهم، فخذ أنت درهماً، وأعط هذا سبعة دراهم([20]).

ونقول:

حسبنا أن نشير هنا إلى ما يلي:

1 ـ إن طمع صاحب الأرغفة الثلاثة قد أدى به إلى خسارة، ما كان قد عرضه عليه رفيقه، فكان مصداقاً لقولهم: الطمع ضر وما نفع.

2 ـ إنه «عليه السلام» قد نصح ذينك الرجلين بالترفع عن هذا الأمر، لأنه رأى أنها قضية دنية، فدلنا بذلك على أن صون الكرامات، وحفظ المقامات أولى من جلب المنافع المادية ومن العناد..

3 ـ إنه «عليه السلام» حين بيَّن وجه حكمه في هذه المسألة، فإن القارئ والسامع، وكل من يعرض عليه، يشعر ببداهة حكمه.

ولكنه بالرغم من ذلك حكم لا يخطر على بال أشد الناس دقة، وذكاءً، وخبرةً في الحساب والقضاء..

بل إن المتبادر للأذهان هنا هو: أن الحق لصاحب الأرغفة الخمسة..

ولا يمكن لغير النبي والوصي أن يكشف الحق في هذه القضية.


([1]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص126 عن شرح بديعية ابن المقرى. والتكامل في الإسلام (الطبعة الثانية  ـ مطبعة الآداب ـ النجف الأشرف) ج4 ص159 عن مشكلات العلوم للنراقي.

([2]) التكامل في الإسلام (الطبعة الثانية ـ مطبعة الآداب ـ النجف الأشرف) ج4 ص170.

([3]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص126. 

([4]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص126.

([5]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص127.

([6]) مطالب السؤول ص159 وقضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص129 وكشف الغمة ج1 ص130 ونهج الإيمان ص276 وكتاب الأربعين للماحوزي ص472  وأعيان الشيعة ج1 ص343 وعجائب أحكام أمير المؤمنين «عليه السلام» ص123.

([7]) الآية 67 من سورة المائدة.

([8]) راجع: رياض المسائل ج12 ص561 ومستند الشيعة ج19 ص322 وجواهر الكلام ج39 ص176.

([9]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج2 ص155 و (ط دار المعرفة) ج2 ص160 والغدير ج7 ص121 عنه، والكافي لابن عبد البر ص540 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج11 ص28 وفيض القدير ج1 ص116 والجامع لأحكام القرآن ج16 ص79 وإمتاع الأسماع ج3 ص243.

([10]) راجع: عيون أخبار الرضا ج2 ص79 وبحار الأنوار ج48 ص126 وج101 ص334.

([11]) راجع: عيون أخبار الرضا ج1 ص189 والفصول المختارة ص96 والإحتجاج للطبرسي ج2 ص167 وبحار الأنوار ج10 ص391 وج49 ص110 وقاموس الرجال ج9 ص647 وتاريخ بغداد ج13 ص145 وتاريخ مدينة دمشق ج57 ص292 وتاريخ الأمم والملوك ج6 ص402.

([12]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص129.

لكن في العقد الفريد (الطبعة الثالثة) ج1 ص312 والمحاسن والمساوي ص219: أنه أخذ منه ثلاثين، ومن أهل بيته سبعين. ولعل هذا هو الأقرب إلى الواقع، فقد ذكر في المحاسن والمساوي ص220: أن مروان هذا قال في هذه المناسبة:

بسبـعـين ألـفـا راشـي من حبـائـه                        ومـا نالهـا في الناس من شاعر قبلي

بل هذا البيت يدل على أن السبعين كانت منه، لا من أهل بيته.. وفي طبقات الشعراء ص51 اكتفى بالقول: أنه أخذ بهذا البيت مالاً عظيماً. وراجع: تاريخ الأمم والملوك ج6 ص402.

([13]) راجع العقد الفريد (الطبعة الثالثة) ج1 ص 312 والمحاسن والمساوي للبيهقي (ط صادر) ص219 و 220 وراجع: طبقات الشعراء ص51.

([14]) راجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص323 وبحار الأنوار ج40 ص159 ونهج الإيمان ص276 والكنى والألقاب ج2 ص249 وقضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص128.

([15]) راجع: قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص128 و 129.

([16]) راجع: جواهر الكلام ج39 ص106 وجامع المدارك ج5 ص305 وراجع: من لا يحضره الفقيه ج4 ص254 وجواهر الكلام ج39 ص106 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج26 ص72 و (ط دار الإسلامية) ج17 ص421 والكافي ج7 ص80 و 81 والفصول المهمة ج2 ص475.

([17]) راجع: علل الشرائع ج2 ص568 ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص254 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج26 ص75 و (ط دار الإسلامية) ج17 ص424 وبحار الأنوار ج101 ص333 ودعائم الإسلام ج2 ص381 ومستدرك الوسائل ج17 ص156.

([18]) راجع: جواهر الكلام ج39 ص105 ـ 110.

([19]) وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج27 ص285 و (ط الإسلامية) ج18 ص209 و 210 وجامع أحاديث الشيعة ج18 ص303 وج25 ص131 والكافي ج7 ص427 وتهذيب الأحكام ج6 ص290 والإرشاد للمفيد ص117 والإختصاص ص107 وإحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص128 و 129 والإمام علي بن أبي طالب، لمحمد رضا (ط دار الكتب العلمية) ص19 ومختصر المحاسن المجتمعة (ط دار ابن كثير ـ دمشق وبيروت) ص179 والمعاملات في الإسلام (ط مؤسسة الإيمان، ودار الرشيد ـ بيروت ودمشق) ص30.

([20]) من لا يحضره الفقيه ج3 ص23 و (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ج3 ص37 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج18 ص453 و (ط دار الإسلامية) = = ج13 ص172 وجامع أحاديث الشيعة ج18 ص404 وج25 ص132.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان