صفحة :87-122   

الفصل الرابع: أحكام من أبواب شتى..

هل تقتل المرتدة أكثر من مرة؟!:

قال المحقق التستري: ومن المسائل، رسالة عويصة للمفيد، مسألة رجل ملك عبيداً من غير ابتياع لهم، ولا هبة، ولا صدقة، ولا غنيمة حرب، ولا ميراث من مالك تركهم.

الجواب: هذا الرجل تزوجت أمه بعد أبيه نصرانياً، فأولدها أولاداً.

وقضى أمير المؤمنين «عليه السلام» بقتلها، وجعل أولادها من النصراني رقاً لأخيهم المسلم([1]).

والرواية هي التالية:

عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر «عليه السلام»، قال: قضى أمير المؤمنين «عليه السلام» في وليدة كانت نصرانية، فأسلمت وولدت لسيدها. ثم إن سيدها مات، وأوصى بها عتاقة السرية على عهد عمر، فنكحت نصرانياً ديرانياً، وتنصرت، فولدت منه ولدين، وحبلت بالثالث.

فقضى فيها: أن يعرض عليها الإسلام.

فعرض عليها الإسلام، فأبت.

فقال: ما ولدت من ولد نصرانياً، فهم عبيد لأخيهم الذي ولدت لسيدها الأول.

وأنا أحبسها حتى تضع ولدها، فإذا ولدت قتلتها([2]).

ونقول:

1 ـ إن هذه الرواية صحيحة السند. لكن الكلام في دلالتها.

2 ـ قال الحر العاملي عن الحكم الوارد في الرواية: «ذكر الشيخ: أنه مقصور على ما حكم به علي «عليه السلام»، ولا يتعدى إلى غيرها.

قال: ولعلها تزوجت بمسلم، ثم ارتدت، وتزوجت فاستحقت القتل بذلك»([3]).

3 ـ ولتوضيح ذلك نقول:

ألف: لعل استرقاق أولادها من النصراني لأجل كونه محارباً، فإذا أخذهم المسلمون كانوا رقاً لهم..

ب: لم يتضح السبب في كون أولادها من النصراني رقاً لخصوص أخيهم المتولد من سيدها..

إلا إذا فرض أنهم أخذوا في الحرب، فكانوا في سهمه.. وهذا ما لم تشر إليه الرواية، فإنها لم تذكر حرباً ولا أسراً..

أو فرض أن علياً «عليه السلام» حكم باسترقاقهم، ثم سلمهم لأخيهم، لأنه أرفق بهم، وأكثر اهتماماً برعايتهم، ولا يعاملهم معاملة الرقيق.

ج: إن المرأة إذا ارتدت لا تقتل، سواء ارتدت عن فطرة، أو عن ملة كما هو مورد الرواية، فالحكم بقتلها في الرواية يحتاج إلى سبب آخر غير الارتداد.

وقد ذكر الشيخ الطوسي «رحمه الله»: أن السبب قد يكون هو ارتدادها عن الإسلام عدة مرات، فقد أسلمت، وولدت لسيدها، ولعلها بعد وفاة سيدها ارتدت، ثم أسلمت وتزوجت مسلماً، ولعلها عادت فارتدت، وتزوجت نصرانياً. ومن تكرر ارتداده يقتل في المرة الثالثة، أو في الرابعة على اختلاف الفتوى في ذلك.. وإن كان بعض الفقهاء يقول: إن المرأة لا تقتل حتى لو تكرر ارتدادها.. بل تحبس ويضيق عليها في الأكل والمشرب([4]).

يفلس من يلتوي على غرمائه:

عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه: أن علياً «عليه السلام» كان يفلِّس [يحبس] الرجل إذا التوى على غرمائه، ثم يأمر به، فيقسم ماله بينهم، بالحصص، فإن أبى باعه فقسم بينهم. يعني ماله([5]).

ونقول:

1 ـ إنه «عليه السلام» لم يكتف بحبس من يلتوي على غرمائه. بل حكم عليه بما هو أشد من ذلك، وهو تفليسه الذي يعني: مصادرة ما لديه من أموال لصالح غرمائه.. وهذا يعطي أن محاولة إرباك الغرماء بالإلتواء عليهم مما لا يرضاه الشارع الحكيم، بل هو يعاقب عليه.

2 ـ إذا كان المطلوب هو تأديبه، وأداء حق الغرماء، فإن ذلك لا يبرر التعدي عن ذلك. إلى المساس بحقوقه الأخرى التي لا ربط لها بالمال. فإن نفس حبسه، وأخذ ماله لبيعه كاف في تأديبه، فإذا كان هذا الرجل لا يحب أن يرى عين ماله بيد غيره كان له ذلك، لوجود طريقة أخرى تحفظ له هذا الحق، وتتحقق بها تأدية أموال الغرماء، بأن يباع ذلك المال، ويعطى ثمنه لهم.

علي وبيع أمهات الأولاد:

وعن عمر بن يزيد ، عن الإمام الكاظم «عليه السلام» قال: قلت له: أسألك.

قال: سل.

قلت: لم باع أمير المؤمنين «عليه السلام» أمهات الأولاد؟!

قال: في فكاك رقابهن.

قلت: وكيف ذلك؟!

قال: أيما رجل اشترى جارية فأولدها، ثم لم يؤد ثمنها، ولم يدع من المال ما يؤدي عنه، أخذ ولدها منها وبيعت فأدى ثمنها.

قلت: فيبعن فيما سوى ذلك من دين؟!

قال: لا([6]).

ونقول:

متى تباع أمهات الأولاد؟!:

قد يفهم من الرواية: أن ثمة من يريد أن يزعم أن علياً أمير المؤمنين «عليه السلام» بحكمه هذا قد خالف حكم الله في أمهات الأولاد، حيث إنهن يعتقن من نصيب أولادهن في الإرث([7]).

فجاءه الجواب على خلاف ما توقعه، حيث أعلمه الإمام: أن الحكم ببيعهن ليس كما فهمه هذا السائل، بل هو في مورد ما لو كان المولى قد اشترى الجارية ولم يدفع ثمنها، ولم يترك مالاً يؤدي به الدين، فضلاً عن أن يترك ما يورث..

وحيث إنه لا يصح تضييع المال على صاحب الجارية الذي كان قد باعها، فقد حكم الشارع بأخذ ولدها منها لأنه حر. ثم تباع، ويدفع ثمنها لبائعها الأول..

هل باع علي أمهات الأولاد؟!:

إن الرواية تقول: إن الإمام «عليه السلام» ذكر: أن علياً «عليه السلام» باع أمهات الأولاد في فكاك رقابهن. والذي حصل حسب ظاهر الرواية هو أن البيع قد وقع عليها، وبقيت بذلك في الرق.. فكيف نفسر ذلك؟!

ويمكن أن يجاب: بأن المقصود هو أن رقبتها مرهونة بهذا الدين، فهي تباع لأجل فك رقبتها من الدين، ودفع ثمنها، لا أن بيعها سيؤدي إلى تحررها.

بطلان الرهان على أكل شاة:

روى الكليني والشيخ، عن محمد بن قيس، عن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: قضى أمير المؤمنين «عليه السلام» في رجل أكل وأصحاب له شاة، فقال: إن أكلتموها فهي لكم، وإن لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا.

فقضى فيه: أن ذلك باطل لا شيء في المؤاكلة من الطعام ما قل منه وما كثر، ومنع غرامته فيه([8]).

ونقول:

أولاً: المراد: أن أحدهم جعل لهم إن هم أكلوا الشاة بتمامها، فليس عليهم شيء، وإن عجزوا عن أكلها، فعليهم أن يدفعوا مئة دينار مثلاً.. فعرضت القضية على أمير المؤمنين «عليه السلام»، فقضى أن هذا الرهان باطل، ولا يثبت عليهم شيء قليلاً كان أو كثيراً.

ثانياً: إن كسب المال بهذه الطريقة ليس أمراً عقلائياً، لا سيما وأن المال في هذه الحال لم يؤخذ في مقابل خدمة، ولا أنتج سلعة، بل أخذ بصورة عبثية، ومن دون فكر وروية، وهذا ما لا يرضاه الشارع، ولا يقره العقلاء.

من أحرق دار قوم:

وفي معتبرة السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي «عليه السلام»: أنه قضى في رجل أقبل بنارٍ فأشعلها في دار قوم، فاحترقت، [واحترق أهلها]، واحترق متاعهم.

قال: يغرم قيمة الدار، وما فيها، ثم يقتل([9]).

وإنما حكم بقتل مشعل النار، لأنه تعمد إحراق وقتل أهل تلك الدار، فتحقق موضوع الإقتصاص، كما أن إتلافه الأموال قد حقق موضوع تغريمه لقيمة ما أتلفه..

ويشير إلى التعمد في فعل ذلك الشخص تعبير الرواية: أنه أقبل بنار فأشعلها في دار قوم، فإن هذا المشهد يلتقي مع القول بأنه قد فعل ذلك عن سابق عمد وإصرار..

من أحكام اللقطة:

ورووا: أن رجلاً وجد صرة، فيها ألف وخمسمائة درهم، في خربة في السواد (العراق). فأفتاه علي:

إن كنت وجدتها في قرية يؤدي خراجها قوم، فهم أحق بها منك.

وإن كنت وجدتها في قرية ليس يؤدي خراجها أحد، فخمسها لبيت المال، وبقيتها لك([10]).

ونقول:

المقصود: أن اللقطة إذا كانت في خربة، وكانت القرية عامرة ويؤدى خراجها، فالمال الملتقط يكون لسكان القرية، وإن لم يعرف المالك بعينه، فلا بد من تعريف تلك الصرة.

وإن كان المكان ليس عائداً لشخص بعينه، بل كانت خربة مهجورة قد جلا عنها أهلها، فالذي وجد المال أحق به.

قضاء.. تؤيده الوقائع:

وقضى علي «عليه السلام» في ثلاثة نفر اشتركوا في بعير، فأخذه أحد الثلاثة فعقله، وشدَّ يديه جميعاً، ومضى في حاجة، فجاء الرجلان فخليا يداً واحدةً، وتركا واحدة، وتشاغلا عنه

فقام البعير، يمشي على ثلاثة قوائم، فتردى في بئر فانكسر البعير، فأدركوا، ذكوته فنحروه، ثم باعوا لحمه

فأتاهم الرجل، فقال: لم حللتموه حتى أجيء وأحفظه، أو يحفظه أحدكما.

فقضى علي «عليه السلام» على شريكيه الثلث، من أجل أنه كان قد أوثق حقه، وعقل البعير فخلياه، فنظروا في ثمن لحم البعير، فإذا هو ثلث الثمن، بقدر ما كان للرجل الثلث، فأخذه كله بحقه، وخرج الرجلان صفراً. فذهب حظه بحظهما([11]).

ونقول:

لا حاجة إلى الإفاضة في بيان حيثيات هذه الواقعة. فإن تطابق ما قضى به «عليه السلام» مع سير الواقعة كاف في البيان.. فإن الجمل كان للرجال الثلاثة، فلما فرطا في حفظه، بل تسببا في حدوث ما حدث كان لا بد من أن يضمنا النقص الذي ورد على الجمل..

وبعد أن تردى الجمل في البئر وأدركا ذكاته، وتلف الجمل بسببهما، كان لا بد من إعطاء شريكهما الثالث مقدار الثلث من ثمن الجمل. والباقي يكون لهما.

فلما باعا لحم الجمل، ظهر لهما: أن ما حصلا عليه هو ثلث ثمن الجمل، وهذه هي حصة شريكهما.. فلو زاد شيء عن ثلث ثمن الجمل لتقاسماه فيما بينهما، ولكن ذلك لم يكن..

2 ـ إنه «عليه السلام» قد بين أن شريكهما قد أوثق الجمل، إيثاقاً صحيحاً، وحفظ حقه فيه، فلماذا تعديا عليه، وأتلفا حصتهما وحصته؟!

رهائن بشرية؟! أم استفادة من حق؟!:

وروي بسند صحيح: أن أمير المؤمنين «عليه السلام» قضى في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب، فاستولدها الذي اشتراها، فولدت منه غلاماً، ثم جاء سيدها الأول فخاصم سيدها الأخير، فقال: وليدتي باعها بغير إذني.

فقال «عليه السلام»: الحكم أن يأخذ وليدته وابنها.

فناشده الذي اشتراها.

فقال له: خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك البيع.

فلما أخذه قال له أبوه: أرسل ابني.

فقال: لا والله، لا أرسل إليك ابنك حتى ترسل إلي ابني.

فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه([12]).

ونقول:

لاحظ الأمور التالية:

العقد الفضولي:

قال المحقق التستري:

«إختلف المتأخرون من عصر المحقق بعد البناء على صحة العقد الفضولي بالإجازة، أنها هل هي كاشفة أو ناقلة، وفرعوا عليه أن النماء تابع للأصل على الأول، وغير تابع على الثاني.

وحققنا في الفقه في تعليقاتنا على الروضة أنه باطل، وأن النماء تابع للأصل، والخبر شاهد له.

وتحقيقه: أن لفظ الإجازة كعقد جديد، ومعنى إجازته ترتب جميع آثاره عليه إذا أطلقه.

ويمكن تقييد الإجازة بنقل الأصل بدون الفرع، كما يصح الإجازة بنقل الفرع بدون الأصل، وهو الظاهر من الخبر، فإن الظاهر من قوله: حتى ترسل ابني: أن سيدها أجاز بيع ابنه بالنسبة إلى ابن المشتري منها فقط»([13]).

ونقول:

إن العبارة الأخيرة من الرواية تدل على أن البائع لم يكن قد أجاز بيع ابنه، وهو إنما أجازه، بعد أن أخذ مشتري الجارية الشخص الذي باعه الجارية، وهو ابن ذلك السيد، وحبسه عنده، حتى يؤدي له ما عليه، بعد أن ظهر له أنه خدعه في بيع الجارية له وهي ليست له، ولا كان وكيلاً في بيعها.

وسيأتي المزيد من التوضيح لهذه الرواية.

دلالة هذه الرواية:

دلت هذه الرواية على أن من الممكن أن يستفيد الإنسان من الضغوطات العاطفية على غيره حين يسمح الشارع له بها، إذا كان ذلك الغير يريد أن يستفيد من كل ما يسمح له الشارع به، ولا يريد أن يراعي الحالة العاطفية للطرف الآخر..

وكأن تجويز هذا الأسلوب يدخل في دائرة حق المقابلة بالمثل. أي أنه إذا كان حق هذا الطرف يصادم مشاعر الطرف الآخر، وكان الطرف الآخر يملك حقاً يصادم مشاعر هذا، فقد أجاز الشارع، بل أرشد هذا الطرف إلى الإستفادة من حقه الضاغط على مشاعر ذاك، لكي يخف ضغط ذاك على مشاعر هذا من خلال الاستفادة من حقه.

وهذا نظير ما لو كان هناك رجلان قد تزوج كل منهما أخت الآخر.. فأراد أحدهما أن يطلق أخت ذاك، ليضغط عاطفياً على أخيها. ولأن الطلاق مشروع حتى لو كان بلا سبب فلا مانع من أن يبادر ذاك أيضاً إلى طلاق أخت هذا لأجل مبادلة الضغط العاطفي عليه بمثله..

والمثال الآخر هنا هو مورد الرواية التي نحن بصددها، وفيها:

أن شخصاً كانت له جارية، وكان غائباً فباعها ابنه إلى شخص آخر.. وكان ذلك الشخص غافلاً عن كونها للأب، معتقداً أنها للابن نفسه، أو أنه كان يرى أن ذلك الولد وكيل لأبيه.

فلما ولدت الجارية له عاد مالك الجارية من سفره، ففوجئ بالأمر، ولم يرض بالبيع، فاسترد الجارية، وولدها، إما لأن نماءها وهو ولدها يكون له أيضاً.. وإما لأن له أن يأخذ ولدها حتى يعطيه أبوه قيمته.

فتضايق المشتري بسبب أخذ ولده منه. فرفع أمره إلى أمير المؤمنين «عليه السلام» فأرشده علي «عليه السلام» إلى أن له الحق في أن يحبس الذي باعه الجارية، وهو ابن ذلك الرجل، حتى يرجع أبوه إليه ولده، أو يعطيه المال الذي أخذه منه، ليستخلص ولده..

أحكام لا يمكن الالتزام بها:

قد يقال: إن هذه الرواية وإن كانت صحيحة، ولكن لا يمكن الالتزام بكثير من أحكامها. وهي التالية:

1 ـ إنها تضمنت الحكم بأخذ الوليد وابنها من المشتري.. والمشتري يدعي إذن السيد في بيع الجارية، أو يدعي أنه قد وكل ابنه بالبيع، فكان اللازم هو أن تطلب البينة من المشتري على صحة ما يدعيه.. لا أن يبادر إلى الحكم للسيد بأن يأخذ الجارية وولدها.

والجواب:

أولاً: إن الإمام الباقر «عليه السلام» قد نقل هذه القضية كشاهد على أن الإجازة تصحح البيع الفضولي.. ولم يكن «عليه السلام» بصدد بيان سائر الخصوصيات.

ثانياً: لا دليل على أن المشتري كان يدعي إذن السيد، أو التوكيل بالبيع، ليصار إلى طلب البينة منه، أو غير ذلك من إجراءات.

2 ـ تضمنت الرواية أخذ السيد الجارية وابنها معاً، مع أن ابنها حر، لأنه الوطء كان لأجل الشبهة، إما لتخيل المشتري أن الجارية كانت للذي باعه إياها. أو لتوكيله بالبيع من قبل ابنه، أو لغير ذلك من أسباب

ويجاب:

أولاً: إن السيد قد أخذ الجارية لكونها ملكاً له. وأما أخذ ابنها، فلعله لجواز أخذه حتى يدفع أبوه قيمته يوم يصير إليه، فإن لم يكن مع أبيه ما يؤدى به استسعاه ذلك المالك حتى يؤدي ما عليه، ثم يعطيه ابنه كما ورد في موثقة سماعة.

ثانياً: لعل السيد قد أخذ ابن الجارية لكي يتثبت من أن المشتري لم يكن متواطئاً مع ولده، ويثبت له أن الوطء كان وطء شبهة، فإنه إن لم يثبت له ذلك، لم يسلمه إليه.

وأما القول: بأنه يجوز أخذه، لأنه نماء أمته، فلا يصح، لأن هذا النماء إذا كان بوطئ شبهة من رجل حر، فيكون الولد قد تشبث بالحرية، ولصاحب الجارية قيمته فقط.

3 ـ تضمنت أيضاً: حكم أمير المؤمنين بأن للمشتري أن يأخذ ابن السيد الذي باعه الجارية مع أنه رجل بالغ حر، ولا يجوز استرقاقه..

ويجاب:

بأنـه لم يحكم له بأخذه ليكون عبداً له، بل أخذه لأنه قد غره وأوقعه بما أوجب أخذ الوليـد منه، وأخذ قيمة ابنه أيضاً، والمغرور يرجع على من غره، فيجـوز له أخذه وحبسه بإذن الإمام «عليه السلام».. والمفروض أنه قد أذن له.

فإن قيل: إن قوله «عليه السلام»: «خذ ابنه الذي باعك حتى ينفذ لك البيع، يدل على أن أخذه لم يكن لأجل أنه يريد استحصال قيمة الجارية، بل لكي يجبر إياه على إمضاء البيع».

ويجاب:

بأنه «عليه السلام» قد ذكر أحد الشقين الذين يُحَّلُ الإشكال بكل واحد منهما، فكما أن إمضاء البيع يحل الإشكال، كذلك ينحل الإشكال بإرجاع البائع للمشتري القيمة التي دفعها ثمناً للجارية، لأنه ضامن لها وذلك سيمكن المشتري من دفع قيمة ابنه.

ولعل أمير المؤمنين «عليه السلام» قد ذكر أحد هذين الحلَّين لأنه كان يعلم أن البائع لا يملك مالاً، وأن الأب لا يترك ولده بيد ذلك الرجل، فيكون هذا الإجراء منه «عليه السلام» قضية حكم في واقعة.

4 ـ إن هذه الرواية تضمنت رد صاحب الجارية لبيع ولده، واستعادته جاريته وابنها. ثم عادت فذكرت أن المشتري حين قبض على البائع وأخذه، عاد أبوه ـ يعنى صاحب الجارية ـ فرضي بالبيع، وأجازه، فكيف تصح الإجازة بعد إبطال البيع الفضولي قبلها؟! فإن الإجازة لا أثر لها بعد الرد والفسخ إجماعاً.

ويجاب:

بأن المالك لم يصرح بالفسخ، فلعله أخذ الوليدة ليحفظ ماله، وليتأكد من صحة ما يدعيه المشتري، ثم يقرر أن يفسخ المعاملة، أو يمضيها.

وعلى كل حال، فإن هناك تفصيلات كثيرة، في توضيح المراد من هذه الرواية، فمن أرادها فليرجع إلى كتب الفقه والإستدلال([14]).

المؤمنون عند شروطهم:

ومن أقضيته «عليه السلام»: أن رجلاً كاتب مملوكه على قدر من المال، يدفعه إليه منجماً، فإذا قضى نجومه نال حريته، غير أن المملوك المكاتب جاء بالمال كله إلى سيده ضربة واحدة، وسأله أن يأخذ المال ويجيز عتقه، فأبى السيد إلا أن يأخذ ماله منجماً مقسطاً.

فقضى الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام»: بأن الشرط أحق بالإمضاء([15]).

ونقول:

توضيح وبيان:

إن دفع جميع الثمن مرة واحدة قد يكون فيه مصلحة للبائع. وقد يكون من مصلحته إبقائه في ذمة المشتري، ثم أخذه أقساطاً.

كما أن دفع المشتري للمال نجوماً قد يكون من مصلحة المشتري، وقد يكون من مصلحته إعطاؤه دفعة واحدة.

فإذا أطلقا عملية التبادل ولم يحددا شيئاً، انصرف الذهن إلى لزوم الدفع حالاً، دفعة واحدة، لا مؤجلاً بتقسيط أو بدونه..

ولكن إذا تضمن البيع اشتراط التقسيط، والدفع على دفعات، فلا بد من الالتزام بمقتضى الشرط. إذ قد يكون البائع غير قادر على الانتفاع بالمال، أو أنه عاجز عن حفظه بسبب بعض الظروف في بعض الأوقات، أو أن له أغراضاً أخرى في تأجيل الحصول عليه وما أكثرها..

بل قد يكون مطلوب السيد هو إبقاء العبد في دائرة الرقية كل تلك المدة إلى أن تنقضى أقساط مال الكتابة.. لأنه بحاجة إليه، لأن تحريره قبل ذلك يوقعه في إرباكات أو خسائر..

الدلالة الإلتزامية:

ويكفي العبد، قبول سيده بالسماح له بأن يقتطع قسماً من الوقت ليتمكن من تحصيل مال الكتابة، مع أن المفروض: هو أن وقته كله لسيده. ونفس مكاتبة السيد لعبده تعني قبوله باقتطاع وقت لا يضر بحال سيده، لكي يحصل المال فيه. وهذا هو ما تقتضيه الدلالة الإلتزامية. كما أن بقبوله مكاتبته يكون قد رضي بأن يمتلك العبد ما يكتسبه لهذا الغرض، وهي دلالة إلتزامية أخرى، مع أن العبد وما ملكت يداه لسيده ومولاه..

يستثني رأس وجلد البعير:

ومن أقضية أمير المؤمنين «عليه السلام»: أنه قد اختصم إليه رجلان، اشترى أحدهما من الآخر بعيراً، واستثنى البائع رأس البعير وجلده، ثم بدا للمشتري أن ينحر البعير.

فقال الإمام للمشتري: هو شريكك فيه على قدر الرأس والجلد([16]).

ونقول:

1 ـ من الواضح: أنه ليس للشريك أن يتصرف في البعير من دون إذن شريكه.

2 ـ إنه إذا كان شريكاً في مقدار الرأس والجلد، فليس له أن يتصرف بالجمل، بما يوجب عدم إمكان الإستفادة من الرأس والجلد. فإن فعل ذلك فلا بد أن يضمن لشريكه بمقدار الرأس والجلد حقه.

3 ـ إنما يمكن الاستفادة من مقدار الرأس والجلد في صورة بيع البعير، أو إرادة الإستفادة منه في الحمل والنقل، ولا يفيده في صورة ذبح البعير، وإعطائه الرأس والجلد.

4 ـ لا بد من تقدير مقدار الرأس والجلد بالنسبة إلى البعير كله.. فقد يكون نسبة خمسة بالمئة أو أقل أو أكثر، فيضمن له من ثمن الجمل بهذا المقدار.

كما أنه لو أراد أن يستفيد منه في الحمل والنقل، فلا بد أن يستفيد بمقدار هذه النسبة فقط..

الفرية واحدة، وإن تعدد المفترى عليهم:

روي عن الإمام الصادق «عليه السلام»: أن أمير المؤمنين «عليه السلام» جلد رجلاً افترى على جماعة، فجلده حداً واحداً([17])...

ونقول:

ما دام أن الفرية واحدة فإن العقوبة تكون واحدة. فإذا افترى على أهل بلد أو شتمهم، فلا تتعدد عقوبته بعدد أهل البلدة.

وشاهدنا على ذلك: أنه لو شهد شهادة زور على جماعة بأنهم سرقوا، أو قتلوا بريئاً، فقطعت أيديهم. أو قُتلوا قصاصاً استناداً إلى شهادته، فإنه لا تقطع يد شاهد الزور بعدد من قطعت أيديهم بسبب شهادته، ولا يقتل بعدد من قتلهم بشهادته أيضاً.

العفو عن المملوك لا يجعله حراً:

وروي: أن علياً «عليه السلام» دفع إليه مملوك قتل حراً قال: يدفع إلى أولياء المقتول.

فدفع إليهم، فعفوا عنه، فقال له الناس: قتلت رجلاً وصرت حراً.

فقال «عليه السلام»: لا هو رد على مواليه([18]).

ونقول:

إن من المعلوم: أن القاتل يدفع إلى أولياء المقتول، فإما أن يعفوا عنه، أو يقتلوه بصاحبهم.

وهذا ما فعله علي «عليه السلام» هنا.. ولكن الناس فهموا الأمر بطريقة خاطئة حين ظنوا أن تسليم العبد القاتل إلى علي «عليه السلام»، ثم إلى أولياء الدم معناه: أنه خرج عن ملك سيده.. وصار حراً.

أو أنهم ظنوا: أن العفو عنه يخرجه عن ملك سيده.

وكلا هذين التوهمين باطل، فإنه باق على رقيته، ولا بد من عودته إلى سيده الأول، فإن العفو إنما اسقط القصاص عنه، لا أكثر..

علي ولي من لا ولي له:

عن الخزاز القمي قال سلمة بن كهيل قال: أتي أمير المؤمنين «عليه السلام» برجل قد قتل رجلاً خطأً، فقال له «عليه السلام»: من عشيرتك وقرابتك؟!

قال: قرابتي بالموصل.

قال: فسأل عنه أمير المؤمنين، فلم يجد له قرابة، فكتب إلى عامله بالموصل:

أما بعد.. فإن فلان بن فلان، وحليته كذا وكذا، قتل رجلاً من المسلمين خطأً، فذكر أنه من أهل الموصل، وأن له بها قرابة وأهل بيت.

وقد بعثت به إليك مع رسولي فلان بن فلان، وحليته كذا وكذا، فإذا ورد عليك إن شاء الله وقرأت كتابي، فافحص عن أمره، وسل عن قرابته من المسلمين، فإن كان من أهل الموصل، ممن ولد بها، وأصبت له بها قرابة من المسلمين، فاجمعهم، ثم انظر: إن كان منهم رجل يرثه له سهم في الكتاب، لا يحجبه عن ميراثه أحد من قرابته، وكانوا قرابته سواء في النسب، وكان له قرابة من قبل أبيه، وعلى قرابته من قبل أمه، من الرجال المذكورين من المسلمين، ثم اجعل على قرابته من قبل أبيه ثلثي الدية، وعلى قرابته من قبل أمه ثلث الدية.

وإن لم يكن له قرابة من قبل أبيه، ففض الدية على قرابته من قبل أمه من الرجال المذكورين المسلمين، ثم خذهم بها، واستأدهم الدية في ثلاث سنين.

فإن لم يكن له قرابة من قبل أمه، ولا قرابة من قبل أبيه، ففض الدية على أهل الموصل، ممن ولد بها ونشأ. فلا تدخل فيهم غيرهم من أهل البلد، ثم استأد ذلك منهم في ثلاث سنين، في كل سنة نجم حتى تستوفيه إن شاء الله.

وإن لم يكن لفلان بن فلان قرابة من أهل الموصل، ولا يكون من أهلها، فرده إليَّ مع رسولي فلان بن فلان إن شاء الله، وأنا وليه، والمؤدي عنه، ولا أبطل دم امرئ مسلم([19]).

وقضى «عليه السلام» في عين فرس فقئت بربع ثمنها يوم فقئت عينها([20]).

ونقول:

لاحظ ما يلي:

1 ـ إن هذا الرجل قتل رجلاً خطأً، ودية قتل الخطأ تقع على عشيرة القاتل وهم المتقربون إليه بالأب، دون الأم كما هو المشهور شهرة عظيمة..

لكن الرواية تخالف المشهور، وتقسم الدية، فتجعل على المتقربين بالأب الثلثين، والأم الثلث. على النحو الذي فصّله «عليه السلام» فيها. ثم على أهل بلده.

وهذا الحكم أيضاً من مختصات هذه الرواية، وهي ضعيفة السند، ولم يعمل بها المشهور.

2 ـ كان لا بد لأمير المؤمنين «عليه السلام» أن يسأل عن قرابة ذلك الرجل، لأنه يريد تحصيل الدية من عشيرته، ليحفظ حق ورثة القتيل، من جهة، ولأنه لم يكن بالإمكان أخذ الدية من القاتل، لأنها لا تثبت عليه..

3 ـ قد ذكر «عليه السلام» لعامله بالموصل: أنه إن لم يجد لذلك الرجل قرابة، ولا كان من أهل ذلك البلد.. فإنه «عليه السلام» هو ولي ذلك الرجل، الذي سيؤدي عنه.

4 ـ ذكر أيضاً: أن كل هذه الإجراءات والإحتياطات التي اتخذها تهدف إلى الحفاظ على دم ذلك المسلم..

5 ـ إنه «عليه السلام» قد أرسل ذلك الرجل إلى الموصل مع أنه كان يمكنه أن يستبقيه عنده، لأنه لو لم يرسله إليها، لكان يسهل على الناس أن ينكروا قرابته أو المعرفة به، لكي لا يكلفوا بدفع تلك المبالغ.. ولكنه حين يحضر معهم، فإن إنكار قرابته والتصريح بعدم معرفته تصبح أكثر صعوبة.

أعذر من أنذر:

ومن أقضيته «عليه السلام»: أن صبياناً في زمنه كانوا يلعبون، فرمى أحدهم، فدق رباعية صاحبٍ من أصحابه.

فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين «عليه السلام»، فدعا بالرامي، فأقام البينة: بأنه قال قبل أن يرمي: ضرار.

فدرأ الإمام عنه القصاص قائلاً: لقد أعذر من أنذر([21]).

ونقول:

1 ـ ضرار كلمة تقال للتحذير من الضرر. وهي بمثابة إنذارٍ للطرف الآخر، ليتحاشى ويتحرز من ضرر محتمل..

2 ـ إن هذه الحادثة تعطي: أنه ليس لأحدٍ أن يمنع الطرف الآخر من ممارسة حقه، بحجة أنه ليس ملزماً بإطاعة أمره بالتحرز الذي يطلبه منه.. لأن الإصرار على عدم التحرز معناه السعي لسلب الطرف الآخر حريته.

3 ـ غير أن هذا التحذير إنما يفيد بصورةٍ عدم تقصد الرامي لذلك الشخص بالرمي عليه، ويبدو أن ذلك الصبي قد رمى الحجر، بعد التحذير فبادر الشخص الآخر إلى الظهور فجأةً في مسار الحجر المرمي، ولم يعد بالإمكان ردع الحجر عنه.. أما لو تقصَّده بالرمي فإن الشرع لا يرضى بذلك منه. ولا بد من ترتيب الآثار الشرعية على فعله هذا.

الحمل الجلال:

ومن أقضيته «عليه السلام»: أنه سئل عن حملٍ غذي بلبن خنزيرة.

فقال: قيدوه، ثم اعلفوه الكسب، والنوى، والخبز، إن كان قد استغنى عن اللبن، وإن لم يكن قد استغنى فأمكنوه من ضرع شاة سبعة أيام([22]).

ونقول:

1 ـ من الواضح: أن تغذية ذلك الحمل بلبن خنزيرة، يجعله بمثابة الجلال الذي يحتاج إلى الإستبراء، من آثار ذلك اللبن.. فلا معنى لحصر الجلل الذي يحتاج إلى ذلك بما لو تغذى الحيوان على العذرة، فيشمل كل ما تغذى على حرام.

2 ـ قد حكم «عليه السلام» أن المطلوب أحد أمرين:

أحدهما: أن يعلف بالنوى والخبز، والكُسب ـ بالضم ـ (وهو تفل الدهن وعصارته). ونحن نستبعد أن يكون هذا هو المراد. فلعل المراد: الكسوب، (وهو نبت يشبه العصفر)([23]).

هذا إذا كان قد استغنى عن اللبن.

الثاني: أن يُمَكَّنْ من ضرع شاة سبعة أيام، إن لم يكن قد استغنى عن اللبن..

فقول الرواية: سبعة أيام إن كانت راجعة للأمرين معاً. فلا إشكال، وإن كانت راجعة لإرضاعه من الشاة فقط، فمعنى ذلك: أن الرواية لم تحدد مدة العلف..

فهل تعمده «عليه السلام» إبهام الأمر؟! ولماذا يبهمه؟! أو أن الراوي أسقط ذلك؟! لا ندري!!

الجهالة وبيع المجازفة:

ومن أقضية علي «عليه السلام»: أن رجلين اختصما إليه، فادعى أحدهما: أنه باع من آخر عدداً من القواصر ـ أي أوعية التمر ـ واستثنى منها خمس قواصر لا يعلم محتوياتها.

فقضى علي «عليه السلام» بفساد البيع للجهالة. لكنه أجاز بيع المجازفة، أي بيع المقدرات بمجموعها بلا تقدير.

ونقول:

1 ـ تضمن هذا القضاء أحكاماً واضحة، فحكم «عليه السلام» ببطلان البيع لجهالة مقدار المبيع، فإن القواصر الخمس لا يعلم مقدار ما فيها، والجهالة بالمبيع تبطل البيع..

2 ـ كما أن المقصود ببيع المجازفة الجائز هو ما لو باعه مقداراً معيناً من التمر، وهي موضوعة في قواصر تختلف مقاديرها، فإن كان المجموع معلوم المقدار بالكيل، أو بالوزن، أو بالمشاهدة، كفى ذلك.

مربط الحبل يدل على المالك:

1 ـ أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله «عليه السلام» قال: سألته عن خص بين دارين، فزعم: أن علياً «عليه السلام» قضى (به) لصاحب الدار الذي من قبله (وجه) القماط.

2 ـ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي المغرا، عن منصور بن حازم: أنه سأل أبا عبد الله «عليه السلام» عن حظيرة بين دارين وذكر مثله.

3 ـ وروى عمر بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن جده، عن علي «عليهم السلام»: أنه قضى في رجلين اختصما إليه في خص، فقال: إن الخص للذي إليه القمط([24]).

قال الصدوق «رحمه الله»: القمط: هو شد الحبل، يعني: أن الخص هو للذي إليه شد الحبل([25]).

والخص: بيت من قصب، جمعه أخصاص.

4 ـ عن علي «صلوات الله وسلامه عليه»: أن رجلين اختصما إليه في حائط بين دارين ادعياه كل واحد منهما دون صاحبه، ولا بينة لواحد منهما، فقضى به للذي يليه القمط إلى الرباط، والعقد إن كان ذلك باللبن أو بالحجر نظر، فإن كان معقوداً ببناء أحدهما فهو له، وإن كان معقوداً ببنائهما معاً فهو بينهما معاً، وكذلك إن لم يعقد ببناء أحدهما، فإنه بينهما بعد أن يتحالفا، ومن حلف منهما ونكل صاحبه عن اليمين لمن حلف إذا كان معقوداً إليهما معاً، أو غير معقود.

وإن كان من قصب نظر إلى الرباط من قبل من هو، فيقام مقام العقد([26]).

ونقول:

توضيحات:

ألف: المراد: أن الخص يشد قصبه بحبل يقال له: القماط، فإن كانت عقدة القماط مشدودة إلى هذا الدار، فالخص يكون لصاحب الدار التي تكون عقدة القماط فيه، وإن كانت مشدودة بكلا الدارين كان الخص بينهما معاً..

ب: إنه «عليه السلام» يجعل هذه القرائن مرتكزاً للحكم الذي يصدره، فإن المسلم لا يقدم على شد القماط بدار غيره من دون إذنه.. ولا يقبل، أو فقل: لا يعقل أن يكون قد شده في ملك غيره، ولم يشده في ملكه، مع أن نسبة الدارين إلى القمط واحدة.. وذلك ظاهر..

ج: إذا كان القمط مشدوداً إلى الدارين معاً، فالحكم هو تنصيف الدار (الخصّ) بينهما، ولا يلتفت إلا احتمال أن يكون الخص لأحدهما، وقد استأذن جاره في شد القماط إليه أيضاً. لأن الأصل ينفي هذا الإحتمال.

من الذي مات أولاً؟!:

وروي أيضاً: أن الإمام علياً «عليه السلام» قضى في رجل وامرأة ماتا معاً في الطاعون على فراش واحد، ويد الزوج تضم الزوجة إلى صدره. فجعل الميراث للرجل قائلاً: إنها ماتت قبله، ثم لحقها هو فمات بعدها([27]).

ونقول:

دلت هذه الرواية: أنه يمكن الاستناد إلى الأمارات والإشارات والقرائن الموجبة لسكون النفس لتحديد من مات قبل الآخر، لمعرفة من يرث صاحبه منهما.

وإنما يلتجأ إلى القرعة بعد فقد هذه الدلائل.

وقد جعل «عليه السلام»، ضم الزوج لزوجته هنا قرينة على تأخر موته عن موتها.

شرط الله قبل شرطك:

ومن أقضية علي «عليه السلام»: أن رجلاً كاتب مملوكاً له مشترطاً عليه أن ميراثه له، فلما رفع ذلك إليه «عليه السلام» أبطل شرطه قائلاً له: إن شرط الله قبل شرطك([28]).

والمراد في هذه الرواية واضح، ولا حاجة إلى البيان..

حكمان في الميراث غير متناقضين:

يحى بن سعد عن عمر بن سعد الرقي قال: قال الصادق «عليه السلام»: مات عقبة بن عامر الجهنى وترك خيراً كثيراً: من أموال، ومواشي، وعبيد.

وكان له عبدان يقال لأحدهما: سالم، والآخر ميمون، فورثه ابن عم له.

وجاءت امرأة إلى علي «عليه السلام»، فذكرت أنها امرأة عقبة، وأنكرها بنو العم. فشهد لها سالم وميمون وعُدِّلا.

وذكرت المرأة أنها حامل، فقال «عليه السلام»: يوقف نصيب المرأة، فإن جاءت بولد، فلا شيء لها ولا لولدها من الميراث، لأنه إنما شهد لهما على قولهما عبدان لهما.

وإن لم تأت بولد فلها الربع، لأنه قد شهد لها بالزوجية حران، قد أعتقهما من يستحق الميراث([29]).

ونقول:

علينا أن نلاحظ الأمور التالية:

1 ـ إن قوله في الرواية: «وترك خيراً كثيراً» يريد بالخير المال، وفقاً لما ورد في القرآن الكريم: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ﴾([30]).

2 ـ إنه «عليه السلام» قد بين أمراً خفياً ودقيقاً هنا، وذلك أن تلك المرأة المدعية أنها حامل من الميت إن جاءت بولد، فإن شهادة العبدين تصبح بمثابة الإقرار ببقاء رقيتهما، لأن قبول شهادتهما معناه: أن للولد نصيباً فيهما، وأن عتقهما كان فضولياً، إذ لا عتق إلا في ملك، ولا تجوز شهادة العبد لسيده.. فلا مجال بعد هذا لتوريثهما.

وإن لم تأت بولد، فتكون شهادتهما جائزةٌ، لأنهما قد شهد لها بالزوجية وهما حران، وقد أعتقهما من يستحق الميراث، كما ذكرته الرواية عنه «عليه السلام».


([1]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص181 والعويص للشيخ المفيد ص51 ومستدرك الوسائل ج17 ص397 وجامع أحاديث الشيعة ج25 ص144.

([2]) تهذيب الأحكام ج8 ص213 وج9 ص374 وج10 ص143 والإستبصار ج4 ص255 ومسند محمد بن قيس ص88 و 121 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج23 ص179 وج26 ص26 وج28 ص331 و (ط الإسلامية) ج16 ص109 وج17 ص386 وج18 ص550 ونزهة الناظر لابن سعيد الحلي ص121 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص426 و 427 وج26 ص24.

([3]) وسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج18 ص550.

([4]) راجع باب: أن المرأة المرتدة لا تقتل، بل تحبس وتضرب ويضيق عليها، في: وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص330 و (ط دار الإسلاميـة) = = ج18 ص549 ومستدرك الوسائل ج18 ص166 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص23 وراجع: النهاية للشيخ الطوسي ص731 والمهذب لابن البراج ج2 ص552 والسرائر لابن إدريس ج3 ص532 ومنهاج الهداية ص539.

([5]) الإستبصار ج3 ص7 والكافي ج5 ص102 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج18 ص416 و (ط دار الإسلامية) ج13 ص147 وتهذيب الأحكام ج2 ص61 و 90 و (ط دار الكتب الإسلامية ـ طهران) ج6 ص191 و 299 وجامع أحاديث الشيعة ج18 ص378.

([6]) الكافي ج6 ص193 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص139 والإستبصار ج4 ص12 وتهذيب الأحكام ج8 ص238 وغوالي اللآلي ج2 ص309 ومختلف الشيعة ج8 ص130 و 135 وجامع أحاديث الشيعة ج18 ص229 ونزهة الناظر ص81 ورياض المسائل ج10 ص343 وج11 ص395 وجامع المدارك ج4 ص338.

([7]) كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري ج4 ص387 والمحلى لابن حزم ج9 ص218 والسنن الكبرى للبيهقي ج10 ص348 والمصنف للصنعاني ج7 ص289 ومعرفة السنن والآثار ج7 ص566 والإحكام لابن حزم ج4 ص519 وج6 ص795 والحدائق الناضرة ج22 ص542 ورياض المسائل ج9 ص465 وراجع: الإنتصار للشريف المرتضى ص392 والمختصر النافع ص164 وكشف الرموز للآبي ج2 ص71 وجواهر الكلام ج28 ص381 و 382 وج34 ص319 و 378 وجامع المدارك للخوانساري ج4 ص68 والكافي ج7 ص29 وتهذيب الأحكام للطوسي ج9 ص224 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج19 ص415 ووسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج13 ص470 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص255.

([8]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص195 والكافي ج7 ص428 وتهذيب الأحكام ج6 ص290 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج23 ص192 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص114 وجامع أحاديث الشيعة ج19 ص65 ومسند محمد بن قيس البجلي (تحقيق بشير المازندراني) ص89.

([9]) راجع: تهذيب الأحكام ج10 ص231 ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص120 و (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ج4 ص162 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص315 وج29 ص279 و (ط دار الاسلامية) ج18 ص538 وج19 ص210  وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص374.

([10]) إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص183 والمبسوط للسرخسي ج2 ص214 وج14 ص43.

([11]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص381 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص201 وبحار الأنوار ج101 ص259.

([12]) وسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج14 ص591 و (ط مؤسسة آل البيت) ج21 ص203 وتهذيب الأحكام ج7 ص74 والكافي ج5 ص211 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص72 و (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ج3 ص222 ومسند محمد بن قيس ص60 وقضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص197 والإستبصار ج3 ص85 و 205.

([13]) قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي ـ الطبعة العاشرة) ص197.

([14]) راجع: الحدائق الناضرة ج19 ص452 ورياض المسائل ج8 ص121 و 122 ومستند الشيعة للمحقق النراقي ج14 ص276 وكتاب المكاسب للشيخ الأنصاري ج3 ص353 ونهج الفقاهة للسيد محسن الحكيم ص212 وجامع المدارك ج3 ص84 وغيرها.

([15]) إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص153 عن كتاب علي إمام المتقين لأحمد حسن الباقوري المصري ص189.

([16]) إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص158 و 159 والكافي ج5 ص304 وعيون أخبار الرضا ج1 ص47 وتهذيب الأحكام ج7 ص81 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج18 ص275 و 276 و (ط دار الإسلامية) ج13 ص49= = وبحار الأنوار ج100 ص134 وجامع أحاديث الشيعة ج18 ص416 ومسند الإمام الرضا ج2 ص403.

([17]) إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص158 والإستبصار ج4 ص227 وتهـذيب = = الأحكام ج10 ص69 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص193 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص445 وجامع أحاديث الشيعة ج25 ص475.

([18]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص377 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص198 وراجع: مستدرك الوسائل ج18 ص302 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص195 وبحار الأنوار ج101 ص406.

([19]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص374 و 375 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص195 وجواهر الكلام ج43 ص418 وجامع المدارك ج6 ص174 والكافي ج7 ص364 ودعائم الإسلام ج2 ص414 ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص140 وتهذيب الأحكام ج10 ص171 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) = =ج29 ص392 و (ط دار الإسلامية) ج19 ص301 ومستدرك الوسائل ج18 ص413 وعوالي اللآلي ج3 ص664 وبحار الأنوار ج101 ص410 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص539 ونهج السعادة ج4 ص140 .

([20]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص375 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص195 وجامع المدارك ج5 ص217 وج6 ص291 والكافي ج7 ص367 ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص172 و 173 وتهذيب الأحكام ج10 ص309 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج29 ص355 و (ط دار الإسلامية) ج19 ص271 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص410 ومسند محمد بن قيس البجلي ص129.

([21]) إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص156 والكافي ج7 ص292 ومن لا يحضره = = الفقيه ج4 ص102 وخصائص الأئمة ص86 وتهذيب الأحكام ج10 ص207 و 208 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج29 ص69 و (ط دار الإسلامية) ج19 ص50 ومستدرك الوسائل ج18 ص235 وبحار الأنوار ج101 ص390 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص368.

([22]) الكافي ج6 ص250 والإستبصار ج4 ص76 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج24 ص162 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص353 ومستدرك الوسائل ج16 ص185 والنوادر للراوندي ص220 وبحار الأنوار ج62 ص246 وجامع أحاديث الشيعة ج23 ص189 وإحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص156.

([23]) تاج العروس ج2 ص373.

([24]) جامع أحاديث الشيعة ج18 ص405 والكافي ج5 ص295 و 296 وتهذيب الأحكام ج7 ص146 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص56 و 57 و (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ج3 ص100 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج18 ص454 و 455 و (ط دار الإسلامية) ج13 ص173 وعوالي اللآلي ج3 ص524.

([25]) من لا يحضره الفقيه ج3 ص56 و 57 و (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ج3 ص100.

([26]) دعائم الإسلام ج2 ص523 ومستدرك الوسائل ج13 ص446 وجامع أحاديث الشيعة ج18 ص405.

([27]) شرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص153 عن كتاب علي إمام المتقين لأحمد حسن الباقوري المصري ص189.

([28]) الكافي ج7 ص151 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص132 وج4 ص342 وتهذيب الأحكام ج8 ص270 وج9 ص353 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج23 ص158 وج26 ص56 و (ط دار الإسلامية) ج16 ص97 وج17 ص409 وإحقاق الحق (الملحقات) ج3 ص157.

([29]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص382 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص202 وبحار الأنوار ج101 ص 320 و 321 وشرح الأخبار ج2 ص328.

([30]) الآية 180 من سورة البقرة.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان