روى الكليني «رحمه الله» بسند صحيح في حديث دخول الحكم
بن عيينة وسلمة بن كهيل على الإمام الباقر «عليه السلام»، وأنه «عليه
السلام» قال: إن علياً «عليه السلام» كان قاعداً في مسجد الكوفة فمر
عليه عبد الله بن قفل التميمي ومعه درع طلحة.
فقال له «عليه السلام»:
هذه درع طلحة، أخذت غلولاً يوم البصرة.
فقال له عبد الله بن قفل:
فاجعل بيني وبينك قاضيك الذي رضيته للمسلمين.
فجعل بينه وبينه شريحاً.
فقال علي «عليه السلام» هذه درع طلحة أخذت غلولاً يوم
البصرة.
فقال له شريح:
هات على ما تقول بينة.
فأتاه بالحسن «عليه السلام»، فشهد أنها درع طلحة، أخذت
غلولاً يوم البصرة.
فقال
شريح:
هذا شاهد. ولا أقضي بشهادة شاهد حتى يكون معه آخر.
فدعا قنبراً، فشهد أنها درع طلحة، أخذت غلولاً يوم
البصرة.
فقال شريح:
هذا مملوك، ولا أقضي بشهادة مملوك.
فغضب علي «عليه السلام» وقال:
خذها، فإن هذا قد قضى بجور ثلاث مرات.
فتحول شريح، ثم قال:
لا أقضي بين اثنين حتى تخبرني من أين قضيت بجور ثلاث
مرات؟!
فقال له:
ويلك، إني لما أخبرتك أنها درع طلحة أخذت غلولاً يوم
البصرة، فقلت: هات على ما تقول بينة، وقد قال رسول الله «صلى الله عليه
وآله»: حيثما وجد غلولاً أخذ بغير بينة، فقلت: رجل لم يسمع الحديث،
فهذه واحدة.
ثم أتيتك بالحسن فشهد، فقلت:
هذا واحد ولا أقضي بشهادة واحد حتى يكون معه آخر، وقد
قضى رسول الله بشهادة واحد ويمين، فهذه ثنتان
ثم أتيتك بقنبر فشهد أنها درع طلحة، وأخذت غلولاً يوم
البصرة.
فقلت:
هذا مملوك، ولا أقضي بشهادة مملوك.
وما بأس بشهادة مملوك إذا كان عدلاً.
ثم قال:
ويلك، إمام المسلمين يؤمن من أمورهم على ما هو أعظم من
هذا([1]).
ونقول:
إن هذه الرواية أشارت إلى أمور عديدة، نذكر منها:
قال العلامة التستري «رحمه الله»:
«مفهوم قوله «عليه السلام»: ثم أتيتك بقنبر.. إلى قوله:
إذا كان عدلاً إن قنبراً كان عادلاً. وإلى ذلك أشار الشيخ في رجاله،
حيث عنونه في حرف القاف من أصحاب أمير المؤمنين «عليه السلام»..»([2]).
علي
يلاحق السراق بشدة:
من المهم النظر إلى هذه المتابعة الدقيقة للسارقين
والمعتدين، من قبل شخص علي «عليه السلام»، حتى إنه لا يغض الطرف حتى عن
درعٍ أخذت غلولاً في حرب شارك فيها ألوف من الناس، وحصلوا فيها على
غنائم كثيرة، وقد قسمت تلك الغنائم وانتهى الأمر.. إنه يحرص حتى هذا
المقدار من حقوق المسلمين فما بالك بما هو أعظم وأهم، وما نفعه أعم
وأتم..
علي
لا يصول بسلطانه:
قد يقال:
كان بإمكان علي «عليه السلام» أن يأخذ الدرع التي يعلم
بأنها أخذت غلولاً، استناداً إلى سلطانه وهيبته وشوكته، ولو فعل ذلك
لحفظ الدرع لأصحابها. ولكن قبوله بالمرافعة إلى شريح قد ضيع المال على
أهله ـ وهم مسلمون.. فكيف نفسر ذلك؟!
ويجاب:
بأنه «عليه السلام» لو فعل ذلك لاتخذ ذلك حكام الجور
ذريعة للتعدي على الناس، وأخذ حقوقهم بلا بينة وبلا برهان، ولكان فعله
هذا مبرراً لظلم أعظم وسلب حقوق أفظع وأبشع. فلتذهب إذن درع طلحة أدراج
الرياح، ولتحفظ مصالح أهل الإسلام بعدم إفساح المجال لتبرير تعدياتهم،
وتشريع ظلمهم..
وكان بإمكانه «عليه السلام» أن يأخذ الدرع بلا مراجعة
قاضٍ، ويستند في ذلك إلى قول رسول الله «صلى الله عليه وآله»: حيثما
وجد غلولاً أخذ بغير بينة..
وكان بإمكانه أن يرجع إلى القاضي، وينبهه إلى هذا
الحديث بمجرد طلبه البينة، فيقول له: إن الشرع الشريف يقول: إن الغلول
تؤخذ بغير بينة. ولكنه لعله «عليه السلام» أراد:
أولاً:
أن يظهر أن هذا القاضي الذي يلح المسلمون على إبقائه في منصبه،
وفاءً وحباً
منهم بعمر بن الخطاب لا يليق بالمقام الذي هو فيه.
ثانياً:
إن أعداء علي قد يوهمون الناس بأنه في تصرفه هذا إنما يجر النار إلى
قرصه، ويريد أن يحصل على الدرع بأية صورة كانت.. ولعله قد ورَّى في
كلامه، أو لعله غلط في تطبيق كلام الرسول «صلى الله عليه وآله»، إذ قد
يكون المقصود هو أخذ الغلول، بلا بينة إذا توفرت بعض الشروط الأخرى..
ثالثاً:
قد يكون الخلفاء قبله قد حكموا بما يخالف قول الرسول «صلى الله عليه
وآله» في موضوع الغلول، فلم يرد أن يظهر مخالفته لهم، لأسباب عديدة..
1 ـ
إن طلب البينة من المعصوم الذي شهد الله له بالطهارة
جرأة كبيرة، ورد على الله سبحانه في آية التطهير، ورد أيضاً لقول رسول
الله «صلى الله عليه وآله»: علي مع الحق، والحق مع علي..
كما أن رد شهادة الإمام الحسن «عليه السلام»، وهو مطهر
ومعصوم بنص آية التطهير جرأة أخرى لا يمكن السكوت عنها..
2 ـ
إن اعتراضه «عليه السلام» على شريح لرده دعواه، وهو إمام مؤتمن على
مصالح الأمة، وعلى ما هو أعظم وأهم من درع.. يدل على أن المطلوب من
شريح هو أن يقضي هنا بعلمه بصدقه «عليه السلام» في دعواه..
1 ـ
في معتبرة إسحاق بن عمار، قال: إن علياً «عليه السلام»
قطع نباش القبر، فقيل له: أتقطع في الموتى؟!
فقال:
إنا نقطع لأمواتنا، كما نقطع لأحيائنا([3]).
2 ـ
وروي: أن أمير المؤمنين «عليه السلام» أتي برجل نباش،
فأخذ بشعره، فضرب به الأرض، ثم أمر الناس أن يطأوه بأرجلهم، فوطأوه حتى
مات([4]).
3 ـ
وفي نص آخر عن أبي عبد الله «عليه السلام»: أتي أمير
المؤمنين «عليه السلام» بنباش، فأخر عذابه إلى يوم الجمعة.
فلما كان يوم الجمعة ألقاه تحت أقدام الناس، فما زالوا
يتوطأونه بأرجلهم حتى مات([5]).
قال الحر العاملي «رحمه الله»:
«حمله الشيخ على من تكرر منه ذلك ثلاث مرات، وأقيم عليه
الحد»([6]).
4 ـ
في خبر زيد الشحام عن الإمام الصادق «عليه السلام»،
قال: أخذ نباش في زمن معاوية، فقال لأصحابه: ما ترون؟!
فقالوا:
تعاقبه، وتخلي سبيله.
فقال رجل من القوم:
ما هكذا فعل علي بن أبي طالب.
قال:
وما فعل؟!
قال:
فقال يقطع النباش، وقال: هو سارق، وهتاك للموتى([7]).
ونقول:
لنا هنا وقفات هي التالية:
دلت الروايات المتقدمة:
على أن نباش الموتى السارق لأكفانهم تقطع يده. ولم يقيد
ذلك بتكرر النبش والسرقة منه وعدمهما. لكن صحيحة الفضيل عن الإمام
الصادق «عليه السلام» تقول: «النباش إذا كان معروفاً بذلك قطع»([8]).
كما أن رواية علي بن سعيد عن أبي
عبد الله «عليه السلام» تقول:
سألته عن رجل أخذ وهو ينبش..
قال:
لا أرى عليه قطعاً، إلا أن يؤخذ وقد نبش مراراً، فأقطعه([9]).
وروايته الثانية عن أبي عبد الله
«عليه السلام»:
إذا لم يكن النبش له بعادة، لم يقطع، ويعزر([10]).
ورواية أخرى عن بعض أصحابنا، عن الإمام الصادق «عليه
السلام»: النباش إذا أخذ أول مرة عزر، فإن عاد قطع([11]).
فكيف نوفق بينها؟!
ويجاب عن ذلك:
أولاً:
قد يقال: إن صحيحة الفضيل تحدثت عن معروفية النباش
بالنبش ولم تصرح بسرقته الأكفان.. فلعل تكرر نبشه للموتى يوجب اليقين
بأنه لغرض سرقة الكفن. إذ قد ينبش أحدهم الميت لأغراض أخرى غير السرقة.
ولو للتأكد من بعض الأمور التي تهمه لأسباب كانت بينه وبينه في حال
الحياة..
كما أن رواية علي بن سعيد تقول:
إنه أخذ وهو ينبش. مما يشير إلى أنه لم يصل بعد إلى
الكفن ليسرقه أو لا يسرقه. ولكن تكرر أخذه وهو ينبش، قد يعد قرينة على
سعيه لسرقة الأكفان..
وذلك لأن العناوين في الروايات
متعددة، مثل:
نباش، هتاك الموتى، سارق الخ.. ولعل لكل كلمة عنوان
عقوبة تختلف عن العقوبة على العنوان الآخر، وكذا الحال مع تكرر صدور
هذا الفعل، أو ذاك منه، وكذا لو اختلفت مراتبه، فقد يؤخذ وهو ينبش، وقد
يؤخذ وهو يسرق الكفن بعد النبش، وقد يكون هدفه من النبش هتك الميت
برائحته، أو بإظهار جسده، وقد ينبش ويسرق الكفن، ويعتدي على الميت
بأنحاء أخرى.
ولكل مرتبة من هذه المراتب عقوبتها المناسبة لقبحها،
كما أن لكل عنوان من تلك العناوين عقوبته الخاصة به، فاختلاف الروايات
هنا، وهي روايات لوقائع حدثت يشير إلى أن خصوصيات لم يذكرها لنا الرواة
هي التي اقتضت هذا الاختلاف.
ثانياً:
قد تكون عقوبة من يتكرر منه نبش القبور لأي غرض كان هو
قطع يده. ويؤيد ذلك: ما ورد في صحيحة حفص بن البختري: سمعت أبا عبد
الله «عليه السلام» يقول: حد النباش حد السارق، حيث أوجبت قطع يده
لمجرد كونه نباشاً، ولم تشر إلى سرقة كفنه وعدمها..
ويلاحظ منها أيضاً:
أنها عبرت بكلمة «النباش» الدال على النبش الكثير، أو على أنه عمله
وصفته. ولم تعبر بصيغة اسم الفاعل، أو بأية صيغة أخرى تدل على مجرد
صدور الفعل منه ولو مرة واحدة كما تدل عليه روايتا علي بن سعيد.
ذكر المحقق الخوئي «قدس سره»:
أنه لا يمكن الأخذ بروايتي علي بن سعيد، إذ لم يرد في
علي بن سعيد مدح ولا ذم. وصحيحة الفضيل تحدثت عن المعروفية، لا عن
تكرار النبش. ولم يقل أحد بأن المعروفية تكفي للحكم بقطع اليد..
يضاف إلى ذلك:
أنها معارضة بمعتبرة إسحاق بن عمار، إذ مقتضاها: أنه لا فرق في قطع يد
السارق بين سرقته من حي أو من ميت. فإذا تعارضتا تساقطتا فيرجع إلى
إطلاقات قطع يد السارق.
ويمكن حمل روايات الفضيل وعلي بن سعيد على التقية،
لذهاب أبي حنيفة والثوري إلى عدم القطع، لأنهما لا يعتبران القبر حرزاً([12]).
ونقول:
إننا نلاحظ هنا ما يلي:
ألف:
إن روايتي علي بن سعيد، ورواية ابن بكير عن بعض أصحابنا
عن الإمام الصادق «عليه السلام» بمجموعها قرينة على المراد من صحيحة
الفضيل.
يضاف إلى ذلك:
ما ذكرناه، من أن كلمة نباش في روايات عديدة ذكرها في
الوسائل تدل إما على المبالغة في كثرة صدور النبش منه، أو على كون
النبش عملاً له، وهذا مؤيد آخر، يوضح لنا المراد من المعروفية التي
وردت في صحيحة الفضيل..
ب:
إن عدم وجود قائل بأن المعروفية تكفي للحكم بالقطع ـ
إنما هو لأن فقهاءنا «رضوان الله تعالى عليهم» قد فهموا من كلمة
«معروفاً» معنى التكرار وفقاً لما ذكرناه، إذ لا يظن بأن القائلين بأن
الحكم بالقطع يتوقف على تكرر النبش قد اعتمدوا على تلك الروايات
الضعيفة، وأهملوا رواية الفضيل الصحيحة، ولا سيما مع وجود معتبرة إسحاق
بن عمار في البين، التي يقول المحقق الخوئي نفسه: إن مقتضاها عدم الفرق
بين الحي والميت في قطع يد سارقه.. إذ لا يعقل تقديمهم هذه الروايات
الضعيفة على تلك الرواية المعتبرة..
ج:
يمكن حل الإشكال بنحو آخر، هو أن دلالة رواية إسحاق بن
عمار على القطع في المرة الأولى إنما هي بالإطلاق. حيث أنها لم تصرح
بأن القطع هو في المرة الأولى من النبش أو في المرات التالية.. فتأتى
رواية الفضيل، وعلي بن سعيد وسواها لتدل على المراد: وأن سارق الميت
إنما هو كسارق الحي بعد حصول التكرار..
د:
إن معتبرة إسحاق بن عمار ذكرت: أن علياً «عليه السلام» قد قطع النباش،
من دون بيان الشرائط التي توفرت، حتى وجب القطع.
وأما حديث علي «عليه السلام» عن المساواة بين سارق الحي
وسارق الميت، فقد جاء بعد استهجان قطعه النباش. مما يعني: أن أصل القطع
في سرقة الميت هو المستهجن، فَرَفع «عليه السلام» هذا الاستهجان، وأثبت
عدم الفرق بين الحي والميت في أصل حرمة سرقته، وفي أنهما معاً يوجبان
القطع، ولم يكن بصدد بيان شرائط هذا القطع هنا، وشرائطه هناك.
وهذا نظير القول:
بأنه لا فرق بين كسر عظم الميت وكسر عظم الحي في أنه
يوجب الدية. ولكنه ليس بصدد بيان الفرق بين الديتين في مقدارهما، أو في
شيء آخر..
هـ:
وأما الحمل على التقية، لمجرد ذهاب أبي حنيفة والثوري إلى عدم القطع في
سرقة الميت، لأنهما لم يعتبرا القبر حرزاً، فيرد عليه:
أولاً:
إن مورد التقية هو ما إذا كانت الفتوى مورد اهتمام الحكام وأهل المذهب
المقابل، بحيث يكون لديهم حساسية تجاه مخالفتها.. ومجرد ذهاب الثوري
وأبي حنيفة إلى رأي بعينه لا يجعل ذلك الرأي مورداً للتقية.. ولا نعرف
أن الفتوى في هذا المورد قد بلغت من الأهمية والحساسية هذا الحد..
ثانياً:
لو كان المقصود هو الفتوى على سبيل التقية، فقد كان اللازم موافقة أبي
حنيفة والثوري بعدم القطع أصلاً.. مع أن الروايات المشار إليها إنما
تثبت القطع بعد التكرار.. إلا إن كان القطع في المرة الأولى قد أصبح من
سمات فتاوى أهل البيت وشيعتهم، بحيث إذا أفتوا بها عرفهم الناس
بالتشيع.. فأراد الإمام «عليه السلام» أن يحدث قولاً ثالثاً يحفظ به
حكم القطع، ويتضمن مجاراة الثوري وأبي حنيفة في فتواهما، ولو بهذا
المقدار.
ولكن كيف يمكن إثبات أن الحكم بالقطع في المرة الأولى
أصبح من سمات الشيعة؟! ولو ثبت ذلك لم نحتج إلى هذا البحث، ولم نصل إلى
الحكم بتعارض الروايات. لأن حكم المسألة يصير معلوماً..
بقي أن نشير:
إلى أن العقوبة التي عاقب بها علي «عليه السلام» ذلك
النباش بأخذ شعره، ووطء الناس له بالأقدام. لم تكن متوقعة، ولذلك يقول
الشيخ الطوسي «رحمه الله»: إن سببها: أنه «عليه السلام» كان قد عاقب
النباش مرة بعد أخرى، حتى استحق القتل في الثالثة.. والإمام هو الذي
يختار له كيفية القتل([13]).
وقد اختار له هذه الكيفية لتكون أشد تعبيراً عن قبح ما
أتاه، وليكون ذلك أبلغ في الردع للآخرين عن الإقدام على مثل هذا الفعل
الرذيل والقبيح.
الخوئي
رحمه الله
يضعِّف رواية الوطء بالأقدام:
غير أن المحقق الخوئي
«قدس سره»
قد ضعَّف هذه الرواية أيضاً، فقال: «إن ابن أبي عمير
روى ذلك عن غير واحدٍ من أصحابنا»([14]).
قال:
ولو أغمضنا النظر عن السند، فهي قضية في واقعة([15]).
غير أننا نقول:
إذا كان ابن أبي عمير قد روى هذا المضمون عن غير واحد
من أصحابنا، فمعنى أن أكثر من واحد قد رووها له عن الإمام الصادق «عليه
السلام».
وكان
ابن أبي عمير يريد أن يقول لنا من خلال هذا التعبير:
إنه لا حاجة إلى ذكر أسمائهم.
وأصحابنا يسكنون إلى مراسيل ابن أبي عمير ـ كما يقول النجاشي([16])
ـ فكيف بمسانيده التي يرويها عن غير واحد من أصحابنا؟!
يضاف إلى ذلك:
أن ابن أبي عمير ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم كما رواه
الكشي([17]).
كما أن أبا يحيى الواسطي قد روى هذه الرواية مرسلة عن
الإمام الصادق، ورواها الصدوق مرسلةً عن الإمام أمير المؤمنين «عليه
السلام» أيضاً..
فتعدد طرق الرواية يرقى بها عن درجة الضعف، إن لم نقل
إنه يبلغ بها درجة من المقبولية..
ومع غض النظر عن ذلك نقول:
إن كونها قضية في واقعة إنما يوجب الإبهام في حيثيات ما
صدر عنه «عليه السلام» في حق ذلك الرجل، إذ لعل ذلك الرجل قد صدر منه
زيادة على سرقة الكفن ما أوجب أخذه بشعره، وقتله على النحو المذكور في
الرواية، فقد نسمع أن بعضهم كان يعتدي على المرأة الميتة بالزنا بها،
فلم يكن قتله بالوطء بالأقدام لمجرد تكرار سرقة الأكفان، وتكرار
عقوبته..
وقد قرر «عليه السلام»:
أننا نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا.. فدلنا على أن
حرمة الميت كحرمة الحي([18]).
والله تعالى هو الذي يجعل الحرمة لما شاء، ولمن شاء من
خلقه.. وهناك حرمات عامة جعلها الله تعالى لمختلف صنوف المخلوقات..
وحرمات خاصة، لا تنال إلا بالاستحقاق..
ومن المحرمات العامة لذوات الأرواح حرمة المثلة بها،
ولو بالكلب العقور.
ومن الحرمات التي تنال بالعمل والسعي والاستحقاق حرمة
الإسلام، والتي تنشأ عنها امتيازات للإنسان في حياته، وبعد مماته.
ومنها حرمة نبش قبره، وسرقة كفنه. وحرمة التعدي عليه بقطع أعضائه، أو
كسر عظامه، فإن الشارع قرر ديات وعقوبات على من يفعل ذلك..
ونستفيد اختصاص هذه الحرمات بالمسلم من قول أمير
المؤمنين «عليه السلام» هنا: «نقطع لأمواتنا، كما نقطع لأحيائنا». إذ
لو كان هذا الحكم شاملاً لغير المسلمين لقال: نقطع للأموات كما نقطع
للأحياء..
وسؤال معاوية لأصحابه عن حكم النباش يُظْهر مدى بعده عن
الفقه وأهله، وأنه غير قادر على حل أبسط الأمور الشرعية، فضلاً عن أن
يتمكن من مواجهة المشكلات الصعبة، وحل المعضلات.. فكيف إذن يجلس في
مقام خلافة النبوة، ويدعي ما ليس له؟!
ولو وسعه أن يفتيهم بما خطر على باله لم يتردد في ذلك،
ولكنه كان يخشى من الفضائح.
وقد روى لنا الشامي:
على لسان علي «عليه السلام» ما دل على حرمة هتك الموتى
وأن للميت حرمات لا بد من حفظها، وهذا ما أشرنا إليه آنفاً فلاحظ.
([1])
راجع: الكافي ج7 ص385 و 386 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص63 وتهذيب
الأحكام ج6 ص273 و 274 والإستبصار ج3 ص34 و 35 ومستدرك سفينة
البحـار ج8 ص10 و 11 ووسـائـل الشيـعـة (ط مؤسسة آل البيت) ج27
= = ص266 و 227 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص193 و 194 عنهم.
وبحار الأنوار ج40 ص302 وقضاء أمير المؤمنين «عليه السلام»
للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص199 و 200 وجامع أحاديث الشيعة ج25
ص253 و 254 وعجائب أحكام أمير المؤمنين للسيد محسن الأمين
ص102.
([2])
قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي)
ص200
([3])
تهذيب الأحكام ج10 ص116 و 117 ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص67
والإستبصار ج4 ص246 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص281
و 280 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص513 و 512 وغوالي اللآلي ج3
ص569.
([4])
من لا يحضره الفقيه ج4 ص67 والكافي ج7 ص229 وتهذيب الأحكام ج10
ص118 والاستبصار ج4 ص247 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28
ص280 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص512 ومستدرك الوسائل ج18 ص137
وجامع أحاديث الشيعة ج25 ص575.
([5])
تهذيب الأحكام ج10 ص118 والإستبصار ج4 ص247 و 248 ووسائل
الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص282 و (ط دار الإسلامية) ج18
ص514 وجامع أحاديث الشيعة ج25 ص576.
([6])
وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص282 و (ط دار الإسلامية)
ج18 ص514.
([7])
قضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري(ط الأعلمي) ص64 و 65
والكافي ج7 ص229 وتهذيب الأحكام ج10 ص115 والإستبصار ج4 ص245
وبحار الأنوار ج33 ص272 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28
ص279 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص511 وجامع أحاديث الشيعة ج25
ص574.
([8])
تهذيب الأحكام ج10 ص117 ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص67 والاستبصار
ج4 ص246 ووسائل الشيعة وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28
ص282 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص513 وجامع أحاديث الشيعة ج25
ص576.
([9])
تهذيب الأحكام ج10 ص118 والإستبصار ج4 ص247 ووسائل الشيعة (ط
مؤسسة آل البيت) ج28 ص281 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص513 وجامع
أحاديث الشيعة ج25 ص577.
([10])
تهذيب الأحكام ج10 ص117 والإستبصار ج4 ص246 ووسائل الشيعة (ط
مؤسسة آل البيت) ج28 ص281 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص513 وغوالي
اللآلي ج3 ص570 وجامع أحاديث الشيعة ج25 ص576.
([11])
تهذيب الأحكام ج10 ص117 والاستبصار ج4 ص246 و 247 ووسائل
الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص282 و (ط دار الإسلامية) ج18
ص514 وغوالي اللآلي ج3 ص570 وجامع أحاديث الشيعة ج25 ص576.
([12])
راجع: مباني تكملة المنهاج ج1 ص297.
([13])
راجع: مباني تكملة المنهاج ج1 ص298.
([14])
راجع: مباني تكملة المنهاج ج1 ص298.
([15])
راجع: مباني تكملة المنهاج ج1 ص299.
([16])
رجال النجاشي ص326 وقاموس الرجال ج8 ص4 و 6 عنه، ونقد الرجال
للتفرشي ج4 ص106.
([17])
قاموس الرجال ج8 ص5 و 6 عن الكشي، ونقد الرجال للتفرشي ج4
ص106.
([18])
تهذيب الأحكام ج10 ص272 وج1 ص419 والإستبصار ج4 ص297 ووسائل
الشيعة (ط دار الإسلامية) ج19 ص251 وعن الكافي ج1 ص302.
|