1 ـ
وروى عبد الله
بن السائب قال: رأيت عبد الله بن أبي ربيعة على سرير في المسجد، يحرض
الناس على الخروج في طلب دم عثمان، ويحمل من جاءه.
وكان يعلى بن منية التميمي حليف بني نوفل عاملاً لعثمان
على الجند، فوافى الحج ذلك العام، فلما بلغه قول ابن أبي ربيعة خرج من
داره وقال: أيها الناس من خرج بطلب دم عثمان فعَلَيَّ جهازه. وكان قد
صحب ابن أبي ربيعة مال كثير، فأنفقه في جهاز الناس إلى البصرة([1]).
2 ـ
وروى الواقدي، قال: حدثني سالم بن عبد الله، عن أبيه،
عن جده، قال: سمعت يعلى بن منية يقول ـ وهو مشتمل بصنعانية ـ: هذه عشرة
آلاف دينار ـ وهي عين مالي ـ أقوي بها من طلب بدم عثمان، فجعل يعطي
الناس. واشترى أربعمائة بعير، فأناخها بالبطحاء([2])،
وحمل عليها الرجال([3]).
3 ـ
وفي نص آخر:
بلغ عايشة قتل عثمان وبيعة علي بـ «سرف»، فانصرفت إلى
مكة تنتظر الأمر، فتوجه طلحة والزبير، وعبد الله بن عامر بن كريز،
فعزموا على قتال علي. واختاروا عبد الله بن عمر للإمامة، فقال:
أتلقونني بين مخالب علي وأنيابه.
ثم أدركهم يعلى بن منبه [قادماً] من اليمن، وأقرضهم
ستين ألف دينار، والتمست عايشة من أم سلمة الخروج فأبت، وسألت حفصة
فأجابت.
ثم خرجت عايشة في أول نفر.
فكتب الوليد بن عتبة (الصحيح: عقبة):
بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم ولا
تـهـبـوه لا تحـل مـواهـبـه([4])
زاد في بعض المصادر قوله:
فـإن لم تـردوه عـلـيــه فـــإنـــه سـواء
عـلـيـنـا قـاتلـوه وسـالبـه
بـنـي هـاشـم إنـه وما كان بيننا وسيف بن أروى
عندكم وحرائبـه
غـدرتـم بعثـمان بن عفـان ظلـه كـما غدرت
يومـاً بكسرى مرازبـه
فأقسمت لا أنسى ابن أمي وقتله وهل ينسين
الماء من هـو شاربه([5])
4 ـ
فانصرفت [عائشة] إلى مكة، فقصدت الحجر، فاجتمع الناس
إليها، فقالت:
أيها الناس إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه
وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلماً بالأمس، ونقموا
عليه استعمال من حدث سنه ـ وقد استعمل أمثالهم من قبله ـ ومواضع من
الحمى حماها لهم، فتابعهم ونزع لهم عنها، فلما لم يجدوا حجة ولا عذراً
بادروا بالعدوان، فسفكوا الدم الحرام، واستحلوا البلد الحرام والشهر
الحرام، وأخذوا المال الحرام..
والله لإصبع من عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم!!
ووالله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنباً لخلص منه
كما يخلص الذهب من خبثه والثوب من درنه إذا ماصوه كما يماص الثوب
بالماء.
فقال عبد الله بن عامر الحضرمي،
وكان عامل عثمان على مكة:
ها أنا أول طالب بدمه ـ فكان أول مجيب ـ وتبعه بنو
أمية، وكانوا هربوا من المدينة بعد قتل عثمان إلى مكة، فرفعوا رؤوسهم
وكان أول ما تكلموا بالحجاز، وتبعهم سعيد بن العاص، والوليد بن عتبة،
[و] سائر بني أمية.
وقدم عليهم عبد الله بن عامر من البصرة بمال كثير،
ويعلى بن منية من اليمن ومعه ست مائة بعير، وستة آلاف دينار، فأناخ
بالأبطح.
وقدم طلحة والزبير من المدينة،
ولقيا عائشة، فقالت:
ما وراؤكما؟!
قالا:
إنا تحملنا هراباً من المدينة من غوغاء وأعراب، وفارقنا
قوماً حيارى لا يعرفون حقاً ولا ينكرون باطلاً، ولا يمنعون أنفسهم.
فقالت:
انهضوا إلى هذه الغوغاء.
فقالوا:
نأتي الشام؟!
فقال ابن عامر:
كفاكم الشام معاوية، فأتوا البصرة. فاستقام الرأي على
البصرة([6]).
5 ـ
ولما اتصل بأمير المؤمنين «عليه السلام» خبر ابن أبي
ربيعة، وابن منية، وما بذلاه من المال في شقاقه والفساد عليه، قال:
والله إن ظفرت بابن منية وابن أبي ربيعة لأجعلن أموالهما في مال الله
عز وجل.
ثم قال:
بلغني أن ابن منية بذل عشرة آلاف دينار في حربي! من أين
له عشرة آلاف دينار؟! سرقها من اليمن ثم جاء بها! لئن وجدته لآخذنّه
بما أقر به. فلما كان يوم الجمل وانكشف الناس هرب يعلي بن منية([7]).
ولما رأت عائشة اجتماع من اجتمع إليها بمكة على مخالفة
أمير المؤمنين «عليه السلام»، والمباينة له، والطاعة لها في حربه تأهبت
للخروج.
وكانت في كل يوم تقيم مناديها ينادي بالتأهب للمسير،
وكان المنادي ينادي ويقول: من كان يريد المسير فليَسِر، فإن أم
المؤمنين سائرة إلى البصرة تطلب بدم عثمان بن عفان المظلوم([8]).
6 ـ
وكانت أزواج النبي «صلى الله عليه وآله» ـ باستثناء أم سلمة ـ معها على
قصد المدينة، فلما تغير رأيها إلى البصرة تركن ذلك وأجابتهم حفصة إلى
المسير معهم، فمنعها أخوها عبد الله. وجهزهم يعلى بن منية بستمائة بعير
وستمائة ألف درهم [وعند ابن حبان: بأربعمائة من الإبل، فدعاهم إلى
الحملان، فقال له الزبير: دعنا من إبلك هذه، ولكن أقرضنا من هذا المال.
فأعطاه ستين ألف دينار، وأعطى طلحة أربعين ألف دينار،
فتجهزوا وأعطوا من خف معهم]([9]).
وجهزهم ابن عامر بمال كثير ونادى مناديها. إن أم المؤمنين وطلحة
والزبير شاخصون إلى البصرة، فمن أراد إعزاز الإسلام وقتال المستحلين،
والطلب بثار عثمان، وليس له مركب، فليأت، فحملوا على ستمائة بعير
وساروا في ألف. وقيل: في تسعمائة من أهل المدينة ومكة، ولحقهم الناس،
فكانوا في ثلاثة آلاف رجل.
فلما بلغوا ذات عرق بكوا على الإسلام، فلم ير يوم كان
أكثر باكياً من ذلك اليوم [فكان] يسمى يوم النحيب، فمضوا ومعهم أبان
والوليد ابنا عثمان([10]).
ونقول:
إن ابن أبي ربيعة، وابن منية، وابن عامر، وغيرهم ممن
أنفق الأموال في حرب الجمل، إنما أرادوا إعانة من نكث بيعة أمير
المؤمنين «عليه السلام»، وحارب إمامه، واتهمه بالأباطيل والأضاليل، بل
اتهمه بجريمة كان هو الذي ارتكبها.
ثم هو يريد بنفقاته هذه إثارة الفتنة بين المسلمين،
وتفريق كلمتهم، والإخلال بأمنهم، وإسقاط نظامهم. ويريد بها الصد عن
سبيل الله سبحانه، وإضعاف الدين وأهله.. ولكن النتائج جاءت على خلاف
هواهم فقد غلبوا وافتضحوا، وخابوا وخسروا.
فهؤلاء أحد مصاديق:
﴿إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ
اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ
يُغْلَبُونَ﴾([11]).
وهناك قاعدة مسلمة عند أهل الاسلام
مفادها:
أن اليد أمارة على الملكية. وهناك قاعدة أخرى مفادها:
لزوم حمل فعل المسلم على الصحة. ولكن إذا ظهرت أمارات الخيانة في
الأموال، وقويت الشبهة، ولا سيما على الولاة والحكام، حيث يدخل أحدهم
في هذا الأمر، ولا يملك شيئاً، ثم يظهر فجأة: أنه يملك مئات الألوف
والملايين، مع علمنا: بأنه لا يمارس عملاً غير عادي، فإن لإمام
المسلمين أن يتحرى عن مصدر تلك الأموال التي ظهرت، لأن غض النظر عنها
يعد تفريطاً بمصالح المسلمين، وتعريضاً لأموالهم للسطو عليها من قبل
أناس ليسوا بمعصومين. فكيف إذا كانوا من الفاجرين أوالفاسقين؟!
وهذا هو المورد الذي لا بد فيه من
العمل بقانون:
«من أين لك هذا»؟!
أما إذا كان من في يده المال، ممن يعمل ويكافح في سبيل
تحصيله، وكانت ظواهر حاله تشير إلى أنه قادر على تحصيل هذا المقدار من
الأموال، من حيث الزمان، ومن حيث امتلاك الوسائل التي تجتذب مقادير
مقبولة ومعقولة.. فلا يصح لأحد مساءلته عن أمواله.
ولأجل ذلك نرى:
أن علياً «عليه السلام» تساءل عن مصدر العشرة آلاف
دينار التي بذلها ابن منية في حرب علي «عليه السلام»، فقال: «من أين له
عشرة آلاف دينار؟! سرقها من اليمن، ثم جاء بها، لئن وجدته لآخذنّه بما
أقرّ به».
فإنه «عليه السلام» اعتبر نفس ظهور هذا المقدار من
المال عند ابن منية بمثابة إقرار بالسرقة، ولا يكون ذلك كذلك إلا إذا
كان من المقطوع به أن ابن منية لم يكن يحتمل في حقه أن يملك هذه
الأموال فعلاً، ولم يكن يملك وسائل تحصيلها، بحسب إمكاناته، وطبيعة
عمله، والوقت الذي مر عليه فيه..
بل قد يجد البعض في هذا النص مبرراً للقول بأن على
الحاكم العادل أن يعرف مسبقاً وباستمرار مقادير ثروات عماله، ومصادر
ووسائل تحصيلها، لكي يتمكن من الحكم لهم أو عليهم، إذا ظهرت لهم أموال
بعد ذلك، قلّت أو كثرت..
كما أن التعبير بكلمة «سرقها» تشير إلى أن هذه الأموال
قد ظهرت فجأة، بعد أن لم تكن ولم يكن الناس يعرفون بوجودها. وأن ذلك
يبرر القول: بأنه أعمل الحيلة، وأخذها في الخفاء.
بل
قد يدعى:
أن هذا التعبير يشير: إلى أن الناس كانوا يعرفون بوجودها في بيوت
الأموال، ثم اختفت، ثم ظهرت لهم في يد ذلك الرجل.. تماماً كما تظهر
المسروقات بعد اختفاءها وفقدانها من قبل المتكفل بحفظها.
أما ما تقدم:
من أن نساء النبي «صلى الله عليه وآله» قد ودعن عائشة
حين مسيرها من البصرة يحتم علينا استثناء أم سلمة منهن، فإنها «رحمها
الله» رفضت طلب عائشة منها رفضاً قاطعاً، وكانت منابذة لها في هذا
الأمر، وقد صرح المؤرخون بذلك، وقد قال ابن حبان: «وشيعهم نساء النبي
«صلى الله عليه وآله»، وكان كلهن بمكة حاجات إلا أم سلمة، فإنها سارت
إلى المدينة»([12]).
تقدم:
أن طلحة والزبير اختارا ابن عمر للصلاة، فقال لهما:
أتلقونني بين مخالب علي وأنيابه؟!
وقد أوضح ذلك ابن حبان، فقال:
أجمع طلحة والزبير على المسير بعائشة، فقال طلحة: ما لنا أمر أبلغ في
استمالة الناس إلينا من شخوص ابن عمر معنا.
وكان من أمره في عثمان وخلافه له على ما يعلمه من
نعلمه، وكان مقيماً بمكة.
فأتاه طلحة، فقال:
يا أبا عبد الرحمن، إن عائشة قصدت الإصلاح بين الناس،
فاشخص معنا، فإن لنا بك أسوة.
فقال ابن عمر:
أتخدعونني لتخرجوني كما تخرج الأرنب من جحرها؟! إن
الناس إنما يخدعون بالوصيف والوصيفة، والدنانير والدراهم، ولست من
أولئك. قد تركت هذا الأمر عياناً، وأنا أدعى إليه في عافية، فاطلبوا
لأمركم غيري.
فقال طلحة:
يغنى الله عنك([13]).
ونقول:
1 ـ
إن ما أراده طلحة والزبير هو أن يتخذوا من صلاة ابن عمر بهم ذريعة إلى
مقاصدهم، ولو بالإيحاء للناس: بأن علياً «عليه السلام» قد خالف نهج
عمر، وسيرته، بدليل موافقة ابن عمر لهم في موقفهم السلبي منه «عليه
السلام»، وكونه معهم.
2 ـ
إن ابن عمر رفض ذلك، لا خوفاً من الله تعالى، من حيث أن
ذلك يعد مساعدة لهم على نكث بيعتهم، والنكث، والمساعدة عليه من الكبائر
المهلكة.
ولا حباً منه بإخماد نار فتنتهم، وحفظ نظام الأمة،
وسلامتها من المآسي والحروب.
ولا تديناً وموافقة لأحكام الشريعة.
وإنما رغبة في حفظ نفسه كشخص، من أن تناله مخالب علي
«عليه السلام» وأنيابه، وكأنه يرى في علي «عليه السلام» ـ والعياذ
بالله ـ وحشاً فاتكاً، ونسراً كاسراً، يحطم الناس بأنيابه، ويمزق
أجسادهم بمخالبه، دون سؤال وجواب. كأنه لا يعرف شيئاً عن عدل علي «عليه
السلام»، وعن إنصافه المظلوم، وعن رقته وتواضعه، وزهده في الدنيا، وعن
خشيته وتقواه، والتزامه بأحكام الشرع والدين.
3 ـ
على أن من الواضح: أن على ابن عمر أن يسألهم عن هذا التحرك الذي بدأوه،
فإن كانوا محقين فيه، فيجب عليه نصرة حقهم، وإن كانوا مبطلين، كان عليه
ردعهم، ومنعهم، ومنابذتهم، وإن بقي في شبهة وشك، فعليه أن يستوضح الأمر
من العالمين به.
4 ـ
إن طلحة والزبير قد عبرا عن تفكير وصولي، يعتمد قاعدة: أن الغاية تبرر
الوسيلة.. ولو كانت هذه الوسيلة هي خداع أقرب المقربين إليهم. فلا تجد
للمبادئ العليا، ولا لأحكام الشرع أي أثر أو دور يذكر في تحركهم وفي
سلوكهم. ولا يمكن توقع شيء من ذلك ممن ينكث بيعته، ويخرج على إمامه،
ويقتل الأسرى، ويغدر بمن يعطيه الأمان، ويقتل عشرات الألوف من المسلمين
بلا جهة ولا سبب سوى حب الدنيا، والسعي وراء الرئاسة..
5 ـ
إن هذا النص يدل على أنه حتى ابن عمر كان قد شارك في التأليب على
عثمان.
6 ـ
إنهما أطمعا ابن عمر في أمر كانا قد نكثا ببيعتهما وأعلنا الحرب على
علي «عليه السلام» من أجل الحصول عليه.. فكيف يصدقهما ابن عمر فيما
يعرضانه عليه، أو يعدانه به؟!
7 ـ
إنهما يعترفان لابن عمر بأنه أحق منهما بالخلافة.
8 ـ
إنهما يهربان من تاريخهما، كما دل عليه كلام الزبير، حيث طلبا من ابن
عمر، أن لا ينظر في أول أمرهما، بل ينظر إلى آخره. . مع أن من ينقلب
ويتنكر لأول أمره، قد يستعيض عنه بنقيضه المتوافق مع أوله، أو يستبدله
بأمر آخر.
9 ـ
إنهما يعترفان بأن عائشة كانت خائفة.. ولم يكن خوفها إلا من الفشل في
مواجهة علي.. وفيما عدا ذلك، فإنها كانت مقدمة على مخالفة أمر رسول
الله «صلى الله عليه وآله» بكل قوة وحزم، ولم تكن مهتمة لتحذيراته «صلى
الله عليه وآله»، ولما لأخبرها به من نبح كلاب الحوأب، وغير ذلك.
ولم تذكر لنا الرواية المتقدمة من هو الشخص الذي كتب
الوليد بن عتبة (عقبة) شعره إليه، ولو كان المكتوب إليه هو علي «عليه
السلام»، لسمعنا أو قرأنا جوابه القاطع والصادع بالحق، الذي يعلن أن
مال الله لا يملكه أحد، ولا يرد إلى من استولى عليه بغير حق.
ولكان قال له:
ليس لأحد أن يتفقه علينا، ويعلمنا السنة. بل السنة منا
تؤخذ، والراد علينا راد على الله، وأمر أموال الله يعود إلينا، ويحل
لنا أن نهب منها ما نشاء إلى من نشاء من المستحقين له، ولا حرج علينا
في ذلك..
وهذا السلاح الذي تدعيه ليس ملكاً لعثمان، لكي تحرم
هبته أو التصرف فيه.
ولكننا وجدنا الفضل بن العباس بن أبي لهب يجيب الوليد
بن عقبة على أبياته تلك، فيقول:
سلوا أهل مصر عن سلاح ابن أختكم
فـهـم سـلـبـوه سـيـفـه وحرائبـه
وشـبـهـتـه كسرى وما كـان مثله شـبـيـهـا
بكسرى هديه وضرائبـه
وكـان ولي الأمـر بـعـد مـحـمـد علي وفى كـل
المـواطـن صـاحـبـه
وصـي رسـول الله حقـاً وصهـره وأول مـن صـلى
ومـن لان جانبـه
وحـارب حـتى أظـهر الله ديـنــه وأنت
مـع الـكـفـار فـيمن يحاربه
وقـد أنـزل الـرحـمـن أنك فاسق وما لك في
الإسـلام سهم تطـالبـه
فـدع عنك قول الشعر إنك فاسق وإنـك في كـل
المـواطـن كـاذبــه
وهـاك لسـمـع شعـر غـير مفاخر ولا كـاذب
مـيـلا وإنـك جـانـبـه
واثـن عـلى آل الــنـبـي محـمــــد وقـل
فــيـهم قــولا يسير.. (...)
فـحـبـهـم فرض عـلى كل مسلـم تـرجـى ثـواب الله
مـن هو طالبـه
كـرام قـريش من حمـدن كآبـائهـم الـفـرع
مـنـهـم والذرى وذوائبـه
لـهـم مـآثـر في المـكـارم كـلـهــا ومجـد
رفـيـع مـا يـرام مـراتـبـــه
هـم الـقـادة المهدون والمهتدى بهم دعـاة
إلى الخـير الـكـثـير رغـائبـه
هـم
الأمـة
الـوسـطـى
التي تقتدى بهم
وهم أهـل
هـذا
الـديـن
قـد
خط كاتبه
هـدوا بـنـبي الله رحمـــة ربـهــم وقـد
حـال عن باب الرشاد مجانبه
فـمـنـهـم علي الخير صاحب خيبر وصاحب بـدر
يـوم سارت كتائبه
وصـي نـبـي المصطـفى وابن عمه فـمـن ذا
يـدانـيـه ومن ذا يقـاربـه
وحـمـزة منهـم ليث حرب مجرب عـلـيـه
بفعـل الخير قامت نوادبـه
وجعفر منهم ذو الجناحـين لم يكن هبوبـاً
إذا ولى مـن المـوت هـاربـه
وفي حسـن أعـلام خـير مـنـــيرة وجـود
إذا مـا جـاء للجـود راغبه
ومـنـهـم حسـين أمـه بـنت أحمد وخـير
قـريش حين ينسب ناسبــه
ومنهم بنو العباس والفضل منهم وعـم
الـنـبي المصطفى ومصاحبـه
ومنهم أبو سفيان ذو الفضل والنهى
بـحـب حـسـين يـوم ولت مناقبه
وقـد ولـت الأعـداء عـنـه أذلـــة وقـد عرضت
للمسلمين مشاربـه
يصدون عن ذات الشمال وجوههم
كـظـلـمـة ليـل ما تحسُّ كـواكبـه
فـلا تـذكـرنّ عثـمان واذكر فعـاله
فـإن إلـه الناس لا شك حاسبه([14])
ونلاحظ هنا ما يلي:
1 ـ
أن هذه الأبيات تضمنت الطعن في نسب عقبة، وأنه علج من أهل صفورية،
فراجع ما قلناه في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه
وآله» حين ذكرنا ما جرى بين النبي «صلى الله عليه وآله» وبين عقبة بن
أبي معيط، حيث قال «صلى الله عليه وآله» له: إنما أنت علج من أهل
صفورية.
2 ـ
بالنسبة لمقولة: كرام قريش الخ.. لعل الصحيح:
كـرام قـريـش مـن حمدنـا كأنهم
هم
الفرع منهم والـذرى وذوائـبه
مـآثـرهـم فـوق المـآثـر كـلـهـا ومجـد
رفـيـع مــا تــرام مـراتـبـه
هم القادة الهادون والمهتدى بهـم لهـم
دعـوة تهـدي إلى الحق راغبـه
3 ـ
إنه «عليه السلام» يصف علياً بوصي النبي «صلى الله عليه وآله». وما
أكثر ورود هذا التوصيف على ألسنة الصحابة وغيرهم في ذلك الزمان.
ولا نحتاج إلى بيان مدى مجانبة أقوال عائشة عند حجر
إسماعيل لحقيقة ما جرى لعثمان. فإن أمرها أوضح من الشمس، وأبين من
الأمس.
ولم تراع أي نوع من أنواع الدقة في أقوالها تلك، رغم
أنها قالتها في أقدس مكان، وأجل وأعظم مقام، ألا وهو حجر إسماعيل، عند
الكعبة بيت الله الأقدس، ونكتفي بالإشارة إلى ما يلي:
1 ـ
أنها وصفت الذين انتقدوا عثمان، وطالبوه بإصلاح الأمور،
هم الغوغاء، وعبيد أهل المدينة، مع أنهم هم أكثر الصحابة، وأكثر أهل
المدينة، وفيهم الأعيان، والرؤساء، وعلية القوم، ولم نسمع أحداً يقول:
إن فيهم أحداً من عبيد أهل المدينة، أو من الغوغاء سوى عائشة.
مع أن على رأس المحرضين على عثمان هو عاشة نفسها، كما
أن على رأس المحاصرين والمهاجمين له: طلحة بن عبيد الله..
2 ـ
إذا كان عثمان قد قتل ظلماً، فإنها هي التي أمرت الناس بقتله، وقولها:
«اقتلوا نعثلاً فقد كفر» أشهر من نار على علم.
3 ـ
إن المؤخذات على عثمان كانت تعد بالعشرات، فلماذا اقتصرت على أمرين
اثنين، وتركت المآخذ الكبيرة والخطيرة، وإن كانت المؤاخذات هي هذه
فلماذا كفرته عائشة، وأمرت الناس بقتله.
4 ـ
ما المراد بأخذهم المال الحرام، فإن كانت تقصد ما استرجعوه من أموال
بيت المال، فإن هذا ليس من المؤخذات عليهم، بل هو من أفعالهم الحميدة،
والرشيدة، وإن كانت تقصد غير ذلك، فلا بد من البيان.
5 ـ
من اين علمت: أن صبعاً من عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم، فهل هو
عندها أفضل من طلحة والزبير؟! أو أفضل من عمار؟! مع أن هؤلاء قد حرضوا
على عثمان، وطلحة هو الذي قاد الحصار له، والهجوم عليه.
6 ـ
من أين علمت عائشة: أنهم ماصوه كما يماص الثوب، فإن عثمان لم يقبل منهم
أي عرض قدموه له، ولم يتنازل عن شيء..
([1])
الجمل للمفيد (ط مكتبة الداوري ـ قم) ص123 و 124 والإستيعاب ج3
ص663 و (ط دار الجيل) ج4 ص1585 وقارن بسمط النجوم ج2 ص433 ـ
434 وقاموس الرجال للتستري ج11 ص143 وأسد الغابة ج5 ص128
والوافي بالوفيات ج29 ص13.
([2])
البطحاء: مسيل فيه دقاق الحصى. وبطحاء مكة وأبطحها معروفة.
وقريش البطاح: الذين ينزلون أباطح مكة وبطحاءها. وقريش
الظواهر: الذين ينزلون ما حول مكة. راجع: لسان العرب ج2 ص412 ـ
413.
([3])
الجمل للشيخ المفيد (ط مكتبة الداوري ـ قم) ص124 وقارن بتاريخ
الأمم والملوك ج4 ص450 والفتوح لابن أعثم ج1 ص454 ونهاية الإرب
ج20 ص28.
([4])
بحار الأنوار ج32 ص117 و 118 ومناقب آل أبي طالب (ط النجف) ج2
ص335.
([5])
الفتوح لابن أعثم ج2 ص276 وقال في هامشه: انظر هذه الأبيات
الأغاني ج5 ص120 ومروج الذهب ج1 ص443 والحماسة البصرية (ط
دائرتنا) ج1 ص197 والإستيعاب ج2 ص605 وفي هذه المراجع اختلاف
قليل في الألفاظ.
وراجع: المحلى لابن حزم ج10 ص513 ومناقب أهل البيت للشيرواني
ص370 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج4 ص1557 والوافي بالوفيات ج27
ص278.
([6])
بحار الأنوار ج32 ص144 و 145 وراجع: الفتنة ووقعة الجمل ص111 و
112 و 113 والكامل في التاريخ ج3 ص207 و 208 وتاريخ الأمم
والملوك ج3 ص469 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص154 وشرح
إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص457 وأعيان الشيعة ج1 ص448 والنص
والإجتهاد ص428 والثقات لابن حبان ج2 ص277 وراجع: مروج الذهب
ج2 ص357.
([7])
الجمل للشيخ المفيد (ط مكتبة الداوري ـ قم) ص124 وقارن بعضه
بكشف الغمة ص182 وسمط النجوم ج2 ص433 ـ 434 ومعادن الحكمة ج1
ص161.
([8])
الجمل للشيخ المفيد (ط مكتبة الداوري ـ قم) ص124 وقارن بشرح
الأخبار ج1 ص401 وتثبيت دلائل النبوة ج1 ص296 ونهاية الإرب ج20
ص29 ونور الأبصار ص183.
([9])
الثقات لابن حبان ج2 ص279 وما تقدم منقول عن بحار الأنوار ج32
ص145.
([10])
بحار الأنوار ج32 ص145 وراجع: الثقات لابن حبان ج2 ص280
والكامل في التاريخ ج3 ص208 و 209 وإمتاع الأسماع ج13 ص231
وتاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص478 وشرح إحقاق
الحق (الملحقات) ج32 ص460 و الفتنة ووقعة الجمل ص117 والفصول
المهمة لابن الصباغ ج1 ص379.
([11])
الآية 36 من سورة الأنفال.
([12])
الثقات لابن حبان ج2 ص280.
([13])
الثقات لابن حبان ج2 ص278 و 279 وراجع: الفتوح لابن أعثم ج2
ص278 و 279 وقد مزجنا بين النصين.
([14])
الفتوح لابن أعثم (هامش) ج2 ص277 و 278.
|