صفحة : 47-96   

الفصل الثالث: رسائل من الربذة إلى أبي موسى..

عصيان أبي موسى:

1 ـ قال محمد بن إسحاق: لما قدم محمد بن جعفر، ومحمد بن أبي بكر الكوفة استنفرا الناس، فدخل قوم منهم على أبي موسى ليلاً، فقالوا له: أشر علينا برأيك في الخروج مع هذين الرجلين إلى علي «عليه السلام».

فقال: أما سبيل الآخرة، فالزموا بيوتكم، وأما سبيل الدنيا فاشخصوا معهما.

فمنع بذلك أهل الكوفة من الخروج.

وبلغ ذلك المحمدين، فأغلظا لأبي موسى، فقال أبو موسى: والله، إن بيعة عثمان لفي عنقي وعنق علي، وأعناقكما. ولو أردنا قتالاً ما كنا لنبدأ قبل قتلة عثمان.

فخرجا من عنده فلحقا بعلي «عليه السلام»([1]).

وعند الطبري أنه قال: لا يحل لك القتال مع علي حتى لا يبقى أحد من قتلة عثمان إلا قتل حيث كان([2]).

2 ـ وروى الطبري عن عمر بن شبة، قال: حدثنا أبو الحسن: قال: حدثنا بشير بن عاصم، عن ابن أبي ليلى، عن أبيه، قال: خرج هاشم بن عتبة إلى علي «عليه السلام» بالربذة، فأخبره بقدوم محمد بن أبي بكر، وقول أبي موسى، فقال [«عليه السلام»]: أردت عزله وسألني الأشتر أن أقره [فأقررته].

فرد علي [«عليه السلام»] هاشماً إلى الكوفة، وكتب معه إلى أبي موسى.

إني وجهت هاشم بن عتبة لينهض من قبلك من المسلمين إلي الخ..([1]).

3 ـ ورووا: أنه لما بعث أبو موسى إلى هاشم بن عتبة يتوعده، كتب إلى علي بإمتناعه وأنه شاق، بعيد الود، ظاهر الغل والشنآن. وأنه هدده بالسجن والقتل!!

فلما ورد كتابه على أمير المؤمنين «عليه السلام»، [وقد] أتاه به المحل بن خليفة، فسلم عليه ثم قال:

الحمد لله الذي أدى الحق إلى أهله، ووضعه موضعه، فكره ذلك قوم قد والله كرهوا نبوة محمد «صلى الله عليه وآله»، ثم بارزوه وجاهدوه، فرد الله كيدهم في نحورهم، وجعل دائرة السوء عليهم. والله يا أمير المؤمنين لنجاهدنّهم معك في كل موطن، حفظاً لرسول الله «صلى الله عليه وآله» في أهل بيته، إذ صاروا أعداء لهم بعده([3]).

فرحب به علي «عليه السلام» وقال له خيراً، ثم أجلسه إلى جانبه، وقرأ كتاب هاشم، وسأله عن الناس وعن أبي موسى، فقال: والله يا أمير المؤمنين، ما أثق به ولا آمنه على خلافك إن وجد من يساعده على ذلك.

فقال علي «عليه السلام»: والله ما كان عندي بمؤتمن ولا ناصح، ولقد أردت عزله، فأتاني الأشتر، فسألني أن أقره، وذكر أن أهل الكوفة به راضون فأقررته([4]).

4 ـ قال المفيد «رحمه الله»:

ثم دعا هاشم بن عتبة المرقال وكتب معه كتاباً إلى أبي موسى الأشعري ـ وكان بالكوفة من قبل عثمان ـ وأمره أن يوصل الكتاب إليه، ليستنفر الناس منها إلى الجهاد معه.

وكان مضمون الكتاب:

«بسم الله الرحمن الرحيم.. من علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس.

أما بعد، فإني أرسلت إليك هاشم بن عتبة [المرقال]، لتشخص معه من قبلك من المسلمين، ليتوجهوا إلى قومٍ نكثوا بيعتي، وقتلوا شيعتي، وأحدثوا في هذه الأمة الحدث العظيم. فاشخص [فانهض] بالناس إلي معه حين يقدم الكتاب عليك، ولا تحبسه، فإني لم أقرك في المصر الذي أنت فيه إلا أن تكون من أعواني وأنصاري على هذا الأمر، والسلام»([5]).

فقدم هاشم بالكتاب على أبي موسى الأشعري.

فلما وقف عليه دعا السائب بن مالك الأشعري، فأقرأه الكتاب، وقال له: ما ترى؟!

فقال السائب: اتبع ما كتب به إليك.

فأبى أبو موسى ذلك، وكسر الكتاب ومحاه، وبعث إلى هاشم بن عتبة يخوفه ويتوعده بالسجن!

فقال السائب بن مالك: فأتيت هاشماً، فأخبرته بأمر أبي موسى.

فكتب هاشم إلى علي بن أبي طالب «عليه السلام»:

«أما بعد، يا أمير المؤمنين، فإني قدمت بكتابك على امرئ عاقٍ شاقٍ، بعيد الرحم، ظاهر الغل والشقاق، وقد بعثت إليك بهذا الكتاب مع المحل بن خليفة أخي طيء، وهو من شيعتك وأنصارك، وعنده علم ما قِبَلَنا، فسله عما بدا لك، واكتب إلي برأيك أتبعه، والسلام»([6]).

فلما قدم الكتاب إلى علي «عليه السلام»، وقرأه، دعا الحسن ابنه، وعمار بن ياسر، وقيس بن سعد فبعثهم إلى أبي موسى، وكتب معهم:

«من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس.

أما بعد، يا ابن الحائك! والله إني كنت لأرى أن بُعدك من هذا الأمر الذي لم يجعلك الله له أهلاً، ولا جعل لك فيه نصيباً، سيمنعك من رد أمري، وقد بعثت إليك الحسن وعماراً وقيساً، فاخل لهم المصر وأهله، واعتزل عملنا مذؤوماً مدحوراً([7]).

فإن فعلت وإلا فإني أمرتهم أن ينابذوك على سواءٍ. إن الله لا يحب الخائنين. فإن ظهروا عليك قطعوك إرباً إرباً! والسلام على من شكر النعمة، ورضي البيعة، وعمل لله رجاء العاقبة»([8]).

إختلاف نصوص الكتاب:

لكن الطبري يقول: بعث علي «عليه السلام» الحسن بن علي، وعمار بن ياسر يستنفران له الناس. وبعث قرظة بن كعب الأنصاري أميراً على الكوفة. وكتب معه إلى أبي موسى بالكتاب المذكور أعلاه مع اختلاف يسير، لكنه ذكر أنه كتب فيه:

«بعثت الحسن بن علي وعمار بن ياسر يستنفران الناس، وبعثت قرظة بن كعب والياً على المصر، فاعتزل إلخ..»([9]).

وفي بعض نصوص الكتاب: اعتزل عملك يا ابن الحائك، فما هذا أول يومنا منك، وإن لك فينا لهنات وهنات([10]).

ونقول:

ولعل هذا كان كتاباً آخر أرسله بعد أن ظهرت عداوة أبي موسى، ولعله أرسله من ذي قار لا من الربذة.. أو أنه كتاب واحد قطع وجزئ، ونقل كل واحد منه ما يناسب هواه.

ومهما يكن من أمر لا بأس بملاحظة ما يلي:

أشخص معه من قبلك:

1 ـ قد يكون سائغاً فهم رسالة أمير المؤمنين «عليه السلام» مع هاشم المرقال إلى أبي موسى على أنها كانت ملائمة لطبع أبي موسى، حيث إنها ليس فقط لم تصرح له بأي موقف سلبي منه، ولا أشارت إلى أية نية في عزله، وإنما هي تلمح إلى إبقائه على عمله، حيث أمره بأن يشخص الناس إليه مع هاشم المرقال. فدل ذلك على أنه يريد أن يبقيه في موقعه، حتى إنه لم يطلب منه المشاركة معه في حرب الناكثين، إلا بمقدار إمداده بالرجال، وترتيب الأمور في هذا المستوى.

2 ـ إن هذا يدل: على أن قوله: «فاشخص بالناس إلي معه» قد تعرض للتصحيف أو التحريف، لأنه أمره أولاً: أن يشخص إليه الناس مع المرقال، فكيف يأمره مرة أخرى أن يشخص هو بالناس مع المرقال؟! فالأصح هو ما في النسخة الأخرى، وهو قوله: «فانهض بالناس إلي معه».

3 ـ إن قوله: «إني لم أقرك في المصر إلا لتكون من أعواني وأنصاري» لا يعدو كونه استدلالاً عليه بأمر بديهي يدركه كل من سمعه. فإن أحداً لا يستعمل أحداً من أعدائه على أي بلد، لأنه يعرف أنه يخذله، ولا يطيعه..

ولعله «عليه السلام»، أراد أن يفهم أبا موسى: بأنه لم يستعمله لعلمه، ولا طمعاً في قوته ومودة عشيرته، ولا خوفاً من عداوته ولا استجابة لرأي عام ضاغط عليه، بل استعمله ليدير ويدبر الأمور وفق ما يصدره إليه من أوامر وتوجيهات.. فلا يظنن أبو موسى بنفسه: أنه رجل مهم، أو أسطورة لا غنى عنها حتى بالنسبة لعلي «عليه السلام».

توصيف علي لأعدائه:

إنه «عليه السلام» لم يصرح لأبي موسى بما قد يثير حفيظته وعصبيته لمن يحبهم من الناكثين، بل اكتفى «عليه السلام» بالإخبار بالحدث الذي صدر منهم، بالكلمات البريئة والخالية من أية إشارة حتى لقبح ما صدر منهم.. وبعبارة أخرى: لم يكن «عليه السلام» هو المتصدي للحكم بقبح ما أتوه، بل اكتفى بذكر نفس الفعل الذي ارتكبوه، ليترك للطرف الآخر وللمخاطب أن يحكم بميزان العقل، وبمقتضى الفطرة الصافية، والإنصاف، فإن أدنى درجات الإنصاف أن يعاملوه كخليفة بيعة لازمة في أعناقهم، فيطيعوه ولا يعصوا له «عليه السلام» أمراً.. هذا مع غض النظر عن كونه إمام مفترض الطاعة من قبل الله ورسوله، لو أمكن غض النظر، وفضلاً عن الإجماع على بيعته الذي لم يتيسر لمن سبقه، ولا لمن جاء بعده.

مما يعني: أنه «عليه السلام» يريد أن يكون الحدث نفسه هو الذي يحكي عن نفسه، ويفرض مقتضياته، فإن نكث البيعة، وقتل الناس لمجرد انتمائهم وولائهم وتشيعهم لشخص، والسعي لإنشاب حرب بين المسلمين.. يكفي لاستتباع أثاره، وهو لزوم التصدي لمن يفعل ذلك، وإيقافه عند حده، وإجراء أحكام الله تعالى فيه. وذلك لا يختص بالإمام، بل هو واجب على الأمة بأسرها.

أبو موسى ليس أهلاً لهذا الأمر!!:

إننا لم نستطع التأكد من حقيقة مراده «عليه السلام» بالأمر الذي لم يكن أبو موسى أهلاً له، هل المراد به: ما كان يطمع به من الولاية على هذا البلد أو ذاك؟!

أم المراد به: أمر الولاء والمحبة لعلي وأهل البيت، الذي لم يكن أبو موسى أهلاً للفوز به، ولا لائقاً لأن يكون له نصيب منه؟!

أو المقصود به: أمر البيعة لعلي «عليه السلام»، وبعده عن أحداثها وحرمانه من أن يكون له أي نشاط فيها؟!

أو المراد: أنه ليس أهلاً للخلافة، فيتحتم عليه طاعة الخليفة الذي تكون له بيعته، وبه تكون صولته؟!

نعم.. إن المقصود بهذه الكلمة لم يتضح لنا بصورة دقيقة.. مع احتمال أن يكون كل ذلك مقصوداً أيضاً.

خيانة أبي موسى:

ولسنا بحاجة إلى التذكير: بأن ما فعله أبو موسى كان خيانة بكل ما لهذه الكلمة من معنى. فهو قد خان بعهده، ونقض ما بايع أمير المؤمنين عليه، وخان الأمانة التي وضعها «عليه السلام» بين يديه، بتوليته له.. حيث حاول أن يغش الناس، ويوجههم في غير الاتجاه الصحيح، بل هو كان يسعى لحملهم على سلوك طريق الهلاك والبوار، في وضح النهار.

قطعوك إرباً إربا:

أما بالنسبة لتهديد علي «عليه السلام» لأبي موسى بتقطيعه إرباً إربا، فقد يقال: إن ذلك غير جائز، فكيف يتهدده بفعل أمر محرم؟!

ونجيب:

إن أمير المؤمنين «عليه السلام» لم يتهدده بأنه هو الذي يفعل به ذلك، أو بأنه سيأمر بفعله، بل هو قد أخبره بما يجري له على أيدي الناس، الذين إن أتيحت لهم الفرصة، فإنهم لا يراعون حدود الشرع فيه، بل يندفعون إلى الانتقام منه من دون روية، أو تدبر.

فإذا انضمت إليهم الغوغاء، وأراد كل منهم أن يصل إليه بضربة أو بطعنة، فإنهم سوف لا يبالون بما ينتهي إليه أمره، ولا يتركونه إلا بعد أن يقطعوه إرباً إرباً..

أما رواية المسعودي في مروج الذهب، التي تقول: «فإن لم تفعل فقد أمرت من يقطعك إرباً إرباً» فهي مرفوضة.

أولاً: لأن علياً «عليه السلام» لا يأمر بما يخالف الشرع الشريف كما تقدم.

ثانياً: قد يقال: إنها لا تنافي الرواية الأخرى، لأنه قال: «أمرت من يقطعك» ولم يقل: أمرت فلاناً بأن يقطعك.

والعبارة الأولى لم يذكر له فيها بماذا أمر «عليه السلام» ذلك الشخص. ولكنه بيَّن أن الشخص الذي أمره بشيء (غير معلوم) لا مانع عنده من أن يقطع أبا موسى إرباً إرباً، لو وجد السبيل إلى إلحاق الأذى به، أو لو وجد السبب والمبرر، الذي يبيح له ذلك..

خاتمة كتاب علي :

وقد استرعى الانتباه أيضاً: أنه «عليه السلام» حين ختم كتابه، بكلمات ثلاث، تحمل كلها رسائل وإرشادات، وإشارات لأبي موسى، تدعوه إلى نبذ هذا الموقف الشاذ، والعودة إلى صراط الحق والخير، فقد قال «عليه السلام»:

1 ـ والسلام على من شكر النعمة، ليشير بذلك إلى أمرين:

أحدهما: أن الله قد وصف ولايته «صلوات الله عليه» بأنها إتمام للنعمة، فقال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي([11]).

الثاني: إنه «عليه السلام» بإبقائه أبا موسى على الكوفة، رغم علمه بسوء رأيه، وانحرافه عنه قد حفظ له كرامته، ومكانته، ولم يكسر هيبته، لأن إبقاءه يشير إلى درجة من حسن الرأي فيه، وبأهليته لمقامه، وكفايته لما تحت يده.. إلا أن يظهر أبو موسى خلاف ذلك.

وفي هذا إلماح إلى أن شكر أبي موسى سوف يتتبع الزيادة في إكرامه من قبل أمير المؤمنين «عليه السلام»، على قاعدة: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ([12]).

2 ـ ثم قال «عليه السلام»: «ورضي بالبيعة» ليرشد أبا موسى إلى أن عمله في تثبيط الناس عنه، معناه: عدم رضاه ببيعته، وسيدخله في دائرة النكث الذي كان أبو موسى يعرف تبعاته وأحكامه، ويعرف أنه غير قادر على تحملها، أو على التخلص منها..

3 ـ إنه يشير إلى أن على أبي موسى أن يلاحظ أمرين:

أولهما: أن يكون عمله لله، لا لنفسه، أو لعشيرته، أو للدنيا بصورة عامة..

الثاني: أن يفكر في عاقبة أمره.. وما سيجره عليه استمراره في مواقفه هذه من بلاء وعناء في الدنيا.. أو في الآخرة، حيث يقف أمام الله ليسأله عن أعماله وعن مبرراتها ومخارجها الشرعية..

وأنى له بالجواب الصريح والصحيح، وهو أمام علام الغيوب والعالم بما في القلوب.

أرسلهم من ذي قار:

قال أبو مخنف: فلما أبطأ ابن عباس وابن أبي بكر عن علي «عليه السلام»، ولم يدر ما صنعا، رحل عن الربذة إلى ذي قار، فنزلها، فلما نزل ذا قار بعث إلى الكوفة الحسن ابنه «عليه السلام»، وعمار بن ياسر، وزيد بن صوحان، وقيس بن سعد بن عبادة، ومعهم كتاب إلى أهل الكوفة.

فأقبلوا حتى كانوا بالقادسية، فتلقاهم الناس، فلما دخلوا الكوفة قرؤوا كتاب علي وهو:

من عبد الله عليٍ أمير المؤمنين، إلى من بالكوفة من المسلمين.

أما بعد.. فإني خرجت مخرجي هذا إما ظالماً وإما مظلوماً، وإما باغياً وإما مبغياً علي، فأنشد الله رجلاً بلغه كتابي هذا إلا نفر إلي، فإن كنت مظلوماً أعانني، وإن كنت ظالماً استعتبني، والسلام([13]).

ونقول:

نتوقف مع ما يلي:

هل هذا كتاب؟!:

صرح بعض ناقلي النص السابق بأنه كتاب. ولكن الطبري، ومن تابعه زعم أنه قول نقله الإمام الحسن «عليه السلام» إلى أهل الكوفة عن لسان أبيه «عليه السلام»، ونص كلامه كما يلي:

«فلما قرأ الكتاب (أي كتاب العزل) على أبي موسى اعتزل. ودخل الحسن وعمار المسجد، فقالا:

أيها الناس، إن أمير المؤمنين يقول: إني خرجت مخرجي هذا إما ظالماً وإما مظلوماً. وإني أذكر الله عز وجل رجلاً رعى لله حقاً إلا نفر، فإن كنت مظلوماً أعانني، وإن كنت ظالماً أخذ مني..

والله إن طلحة والزبير لأول من بايعني، وأول من غدر، فهل استأثرت بمال، أو بدلت حكماً؟!

فانفروا، فمروا بمعروف، وانهوا عن منكر([14]). انتهى.

مع نص الطبري:

ونلاحظ ما يلي:

1 ـ قوله: دخل الحسن وعمار، فقالا. إنما عنى: أن الإمام الحسن «عليه السلام» هو الذي تكلم. وكان عمار يوافقه، لأن عماراً لا يتقدم على الإمام الحسن «عليه السلام» في قولٍ ولا فعل.

2 ـ قوله: إن أبا موسى اعتزل يريد به الإبتعاد عن الملأ العام.. وإن أراد به اعتزال الولاية، فهو غير دقيق، فإن عزله إنما تم حين دخل الأشتر الكوفة، وأخرجه بالقوة، وعلى كل حال، فإن أبا موسى بقي يماطل، ويكابر، ويخذِّل الناس. ولم يكف عن ذلك إلى لحظة إخراجه.

3 ـ إن بيعة الناس كلهم لأمير المؤمنين «عليه السلام»، بما فيهم طلحة والزبير وبإصرار منهما، حتى كانا أول من بايع بمثابة اعتراف صريح بأنه «عليه السلام» ليس فيه أية شائبة أو هنات توجب صرف الأمر عنه، فكيف إذا كانت البيعة طوعية، وبعد رفض منه وإصرار منهم طيلة خمسة أو ثمانية أيام، كما صرح به ابن الأثير، ولعله الصحيح، فإن الأشعار في رثاء عثمان تدل على أنه قتل في العاشر من ذي الحجة وكانت البيعة لأمير المؤمنين «عليه السلام» في الثامن عشر.

كما أنه لم يطرأ ما يوجب نكثهما، فليس لهما أن يدعيا عليه ما ادعياه على عثمان من تبديل للأحكام، وتصرف في الأموال. فينحصر الأمر بالبغي عليه بهدف استلاب الحكم منه.

عدة كتب إلى أهل الكوفة:

1 ـ إن من يراجع مكاتيب أمير المؤمنين «عليه السلام» يلاحظ: أن ثمة كتباً عديدة أرسلها «عليه السلام» إلى أهل الكوفة، وعدد منها يصرح: بأنه «عليه السلام» أرسلها إليهم مع الإمام الحسن «عليه السلام» وعمار، ومنها هذا الكتاب، والكتاب الآتي، والكتاب الذي أوله:

«أما بعد، فإني أخبركم عن أمر عثمان، حتى يكون أمره كالعيان لكم»([15]).

أما الكتاب الذي أوله: أما بعد.. فإني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه كعيانه([16])، فلعله ليس كتاباً آخر غير الذي سبقه، بل يبدو: أن الراوي قد خلط بين هذا الكتاب، وبين الكتاب الآتي ذكره..

2 ـ هناك سؤال يقول:

أيُّ هذه الكتب الثلاثة أرسله «عليه السلام» مع الإمام الحسن «عليه السلام»، وعمار إلى أهل الكوفة، وقرأه عليهم؟!

ويمكن أن يجاب:

بأن من الممكن أن يكون «عليه السلام» قد أرسل هذه الكتب بصورة متوالية، فالكتاب الأول حمله الإمام الحسن «عليه السلام» معه، وقرأه عليهم.. ثم أرسل كتاباً آخر، فسلمه الرسول إلى الإمام الحسن «عليه السلام»، فقرأه عليهم.. ثم أرسل كتاباً ثالثاً، فكان كذلك أيضاً.

ويحتمل أن يكون «عليه السلام» قد أرسل كتاباً واحداً، وقد اختار كل ناقل منه ما راق له.. أو لعل بعض الناقلين نقل ما حفظه منه، أو أنه نقله بالمعنى، أو أن أحد الكتب كان قبل عزل أبي موسى والآخر بعده.

استقبال الناس لمبعوثي علي :

وقد لفت نظرنا: خروج النس لاستقبال الإمام الحسن «عليه السلام» وعمار وقيس حتى بلغوا إلى القادسية، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على مزيد من الاحترام والتكريم، ولو أن أبا موسى نظر إلى هذا الأمر فقط بعين التدبر والإنصاف، ونظر في مصلحة الناس، وفي ما يوجبه الله عليه، من الوفاء بالبيعة، والطاعة لولي الأمر، والنصر له، ودفع البغاة عنه.. لكفاه ذلك دليلاً وحافزاً على أن يكون في طليعة المتفانين في نصرة أمير المؤمنين «عليه السلام»، فضلاً عما يوجبه عليه الشرع والإنصاف من الكف عن تخذيل الناس عن علي «عليه السلام»..

منطق علي منطق القرآن:

والذي يقرأ كتاب علي «عليه السلام» إلى أهل الكوفة، فلا بد أن يفاجأ يمضمونه، فإن أحداً من الناس لا يمكن أن يضع نفسه في دائرة الخطأ، أو فقل في دائرة الريب والشك في صوابية نهجه، وصحة موقفه. وسيتضح له: أن علياً «عليه السلام» والطاهرين من ولده وحدهم الذين يستقون من القرآن، وهو نهجهم ومنطقهم، فإن القرآن يقول: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ([17]).

نعم.. إن علياً «عليه السلام» يكتب لهم بهذا بالرغم، من أنه مقدم على حرب صعبة وخطيرة، وربما مصيرية ليدلهم على مدى ثقته بحقه وسلامة نهجه، ووضوح مظلوميته، وسطوع رهانه، وظهور حجته.

خطورة حرب الناكثين:

ونستطيع أن نقول:

إن ما ذكرناه من خطورة فائقة لحرب الجمل يرجع لأسباب كثيرة منها:

1 ـ أنها حرب مع أم المؤمنين، زوجة الرسول، وبنت أبي بكر، ومدللة عمر بن الخطاب، حيث فضلها على من سواها وقدمها، وأرجع إليها.

2 ـ هي حرب ترفع فيها شعارات مثيرة للعواطف، منسجمة مع أعراف الناس، ومع عصبياتهم. وهي شعارات الطلب بدم خليفة مقتول..

3 ـ يضاف إلى ذلك: شبهات تلقى في الناس حول دور علي «عليه السلام» في ذلك القتل، وفي حماية القتلة، فيزعمون أنه يؤوي القتلة، ويمنع من الاقتصاص منهم..

4 ـ الذين يتلقون هذه الشبهات، لا يملكون من الوعي والمعرفة بالحقائق ما يخولهم التخلص من عبئها.

5 ـ يعزز ذلك: أن المعروف الشائع عن علي هو عدم رضاه عن خلافة المتقدمين عليه، وهو يراهم غاصبين لحقه، ويجاهر بهذا الأمر كلما سنحت له الفرصة.

6 ـ يضاف إلى ذلك: أن العرب لا يحبون علياً «عليه السلام»، لأنه رفض تقديمهم على غيرهم في العطاء، ورفض تفضيلهم على من سواهم في أي اتجاه، ولأنه كان قد كسر شوكتهم، وقمع عنفوان الشرك فيهم، دفاعاً عن دينه ونبيه في عصر رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

هل هذه مفارقة؟!:

وهذا يعطي: أنه «عليه السلام»، كان بأمس الحاجة إلى المؤيدين، والأنصار. ولكنه يخاطب أهل الكوفة خطاب المستغني عنهم، ولا يتلمس، ولا يلح، ولا يرجو، ولا يتوسل.. بل هو يذهب إلى أبعد من ذلك، إنه يقول للناس: ابدأوا من الصفر، وابحثوا في صحة موقفي، فكأنه يقول للمطمئن يمكنك أن لا تبقى على اطمئنانك، أو لا تلام إذا شككت، ولكن عليك أن تبحث وأن تتعرف على المحق، وتميزه عن المبطل.

وهذا إن دل على شيء فهو يدل على مدى ثقته بحقه، وسطوع برهانه، وتلألؤ أنواره وصحة نهجه ومساره.

فإن تحدَّوه بالشبهات، واستغفال الناس، واستغلال سذاجتهم وجهلهم، فإنه «عليه السلام» يتحداهم بنور الحقيقة، وبالوعي والتيقظ، والنباهة، ونفاذ البصيرة، والعلم والمعرفة..

رسالة فاحشة ومكذبة:

وروى أبو مخنف، قال: وبعث علي «عليه السلام» من الربذة ـ بعد وصول المُحِلِّ بن خليفة، أخي طئ ـ بعث ـ عبد الله بن عباس، ومحمد بن أبي بكر إلى أبى موسى، وكتب معهما:

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس..

أما بعد..

يا بن الحائك، يا عاض أير أبيه، فوالله إنى كنت لأرى أن بعدك من هذا الأمر الذي لم يجعلك الله له أهلاً، ولا جعل لك فيه نصيباً، سيمنعك من رد أمري، والإنتزاء علي. وقد بعثت إليك ابن عباس، وابن أبي بكر، فخلهما والمصر وأهله، واعتزل عملنا مذؤوماً مدحوراً. فإن فعلت وإلا فإني قد أمرتهما أن ينابذاك على سواء، إن الله لا يهدى كيد الخائنين، فإذا ظهرا عليك قطعاك إرباً إرباً، والسلام على من شكر النعمة، ووفى بالبيعة، وعمل برجاء العاقبة.

ونقول:

نلاحظ هنا عدة أمور، نذكر منها ما يلي:

من الربذة؟! أم من ذي قار؟!:

ذكرت الرواية المتقدمة: أن هذا الكتاب قد كتب من الربذة، مع أن عزل أبي موسى تقدم وسيأتي قد كان حين كان علي «عليه السلام» في ذي قار، ومن هناك أرسل «عليه السلام» ابن عباس إلى الكوفة([18]).

كما أنه أرسل كتاب عزل أبي موسى مع ابن عباس، ومحمد بن أبي بكر حسب نص هذا الكتاب المزعوم..

مع أن سائر الروايات تقول: إنه «عليه السلام» أرسل كتاب عزل أبي موسى مع الإمام الحسن «عليه السلام»، وعمار بن ياسر.

الألفاظ الفاحشة في كلام علي :

قال ابن الأثير في حديث علي «عليه السلام»:

من يطل أير أبيه ينتطق به. هذا مثل ضربه: أي من كثرت إخوته اشتد ظهره بهم وعز([19]).

والرسالة المتقدمة تدعي: أنه «عليه السلام» كتب إلى أبي موسى يقول: «يا عاض أير أبيه».

وفسر المجلسي «رحمه الله» المراد:

بأنه «عليه السلام» يلوم أبا موسى لأخذه بسنة أبيه الكافر، ولزومه بجهله، وعصبيته، ومعائبه، أو قلة أعوانه وأنصاره، ودناءته([20]).

غير أننا نقول:

أولاً: إن الظاهر: هو أن ابن الأثير قد حرف المثل الذي أورده، والصحيح فيه: هو ما ذكره الميداني المتوفى سنة 518 هـ وهو:

«من يطل هن أبيه ينتطق به»([21]).

وقد تصرف ابن الأثير المتوفى سنة 606 هـ في هذا المثل بتبديل كلمة غير صريحة، بكلمة صريحة وقبيحة، ليشنع بذلك على خير الخلق واكرمهم، واعظمهم أدباً، وأفضلهم خلقاً، فإن كلمة «الهن» كناية عن اسم جنس، ومعناه «شيء»([22]).

ثانياً: بالنسبة لما يزعم من أنه «عليه السلام» قد وصف أبا موسى بذلك الوصف الممجوج نلاحظ انحصار نقل هذه الرواية بالمعتزلي عن أبي مخنف، فإن أحداً سواه ـ فيما نعلم ـ لم يذكر هذه الفقرة في ضمن الرسالة، مع أن الكثيرين قد نقلوها([23]).

ثالثاً: إن الروايات الأخرى تقول: إنه «عليه السلام» كتب له في الرسالة: أنه بعث إليه الإمام الحسن «عليه السلام» وعماراً.

وزادت رواية المفيد: قيس بن سعد.

وهذه الرواية تدعي: أنه «عليه السلام» ذكر فيها: ابن عباس، وابن أبي بكر، مع أن نص الرواية في سائر الفقرات متقارب بحيث يمنع من الإعتقاد بأنهما رسالتان.

رابعاً: إن الروايات الكثيرة تؤكد على ورود النهي عن البذاء، واستعمال الألفاظ القبيحة والفاحشة.

ونذكر من هذه الروايات:

1 ـ عن أمير المؤمنين «عليه السلام» قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»:

«إن الله حرم الجنة على كل فحاش بذيء، قليل الحياء، لا يبالي ما قال ولا ما قيل له، فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغية، أو شرك شيطان.

فقيل: يا رسول الله، وفي الناس شرك شيطان؟!

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أما تقرأ قول الله عز وجل: ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ([24])»([25]).

2 ـ وفي حديث عن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار»([26]).

3 ـ عن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إن الله يحب الحيي الحليم، الغني المتعفف. ألا وإن الله يبغض الفاحش البذيء، والسائل الملحف([27]).

والأحاديث في ذم الفاحش المتفحش، والبذيء كثيرة، فراجع([28]).

خامساً: عن عمير بن إسحاق قال: ما تكلم أحد أحب إلي أن لا يسكت من الحسن بن علي «عليهما السلام».

وما سمعت منه كلمة فحش قط، وإنه كان بين الحسن بن علي وعمرو بن عثمان خصومة في أرض، فعرض الحسن أمراً لم يرضه عمرو.

فقال الحسن «عليه السلام»: ليس له عندنا إلا ما أرغم أنفه.

 

فإن هذه أشد وأفحش كلمة سمعتها منه قط([29]).

فهل كان الإمام الحسن «عليه السلام» إلا غصناً من شجرة الإمامة، وفرعاً من أهل بيت النبوة، وألم يكن سيده ومعلمه رسول الله «صلوات الله وسلامه عليهما» وأبوه علي «عليه السلام»؟! وهما قدوته، وبهما أسوته، وكانوا جميعاً من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، في أقوالهم وأفعالهم وكل وجودهم.

سادساً: إن إطلاق الألفاظ الفاحشة والصريحة يخل بالمروءة، ويسقط الإنسان عن محله في النفوس، ويحط من مقامه، ويهينه ويشينه، ولم يكن علي «عليه السلام» ليفعل ذلك، أو ليرضى به لنفسه، ولا لغيره..

حديث الإعضاض:

ولا يمكن أن نصدق الحديث الذي ينسب إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» أنه قال: من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه، ولا تكنوا. أي قولوا له: يا عاض أير أبيك([30]).

فإنه «صلى الله عليه وآله» لا يمكن أن يأمر بما يقبح صدوره من العقلاء.

ويدلنا على ذلك: ما رووه بأسانيد ـ صرحوا بصحتها ـ عن عتي بن ضمرة، عن أبي بن كعب: أن رجلاً اعتزى بعزاء الجاهلية، فأعضه ولم يكنه.

فنظر القوم إليه، فقال للقوم: إني قد أرى الذي في أنفسكم، إني لم أستطع إلا أن أقول هذا. إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أمرنا: إذا سمعتم من يعتزي بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا([31]).

فإن هذا الحديث الذي أريد به الإستدلال على جواز التفوه بالكلمات الفاحشة هو نفسه يدل على عدم صحة مضمونه، لأنه يصرح باستهجان الناس صدور الكلمات الفاحشة من أبي، ولم يكن النبي «صلى الله عليه وآله» ليأمر الناس بالتفوه بما هو قبيح وبذيء وفاحش، كما قلنا.

إيراد الطحاوي وجوابه:

وقد أورد الطحاوي: بأن هذا الكلام لا يتلاءم مع الحديث المروي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار»

ثم أجاب: بأن المراد بالبذاء الذي في النار: هو البذاء على من لا يستحق أن يبذأ عليه، وهو من قبيل العقوبة له، والمذكور في الحديث عن أبي بن كعب هو البذاء على رجل كافر، يتعزى بعزاء الجاهلية([32]).

ونحن نرى: أن هذا الجواب غير صحيح، فإن العقوبة يجب أن تكون مما يصح صدوره من فاعله، ويكون فعله سائغاً له.. فلا يصح العقاب بأمر يوجب صدوره الإخلال بالمروءة، والحط من المقام، والتعرض للمهانة والضعة، فيكون مصداقاً لقول أمير المؤمنين «عليه السلام»: «كالطاعن نفسه لقتل ردفه» ولذا لا يصح أن يعاقبه بكشف عورته له مثلاً. أو بأن يضرط له، أو بإخراج له الريح لإزعاجه بالرائحة الكريهة، أو بأن ينبح له نباح الكلاب، بهدف إخافته بذلك.

كلمتنا الأخيرة:

وكلمتنا الأخيرة هنا: هي أن هؤلاء رأوا أن عثمان هو الذي أفحش لعمار بن ياسر، وهو الذي أعضه بأير أبيه، ووجدوا أن ذلك مما يقبح التصريح بهن، فأرادوا أن ينسبوا لعلي «عليه السلام» نظيره، لكي تخف حدة النقد لعثمان..

ولعل حديث: «فأعضوه بهن أبيه، ولا تكنوا» قد وضع إكراماً لعين عثمان أيضاً، بهدف تبرئته، وجعل صدور هذا القول منه لعمار من العبادات التي يثاب عليها.

مبعوثون من الربذة إلى الكوفة:

يبدو: أن أمير المؤمنين «عليه السلام» قد أرسل العديد من المبعوثين إلى الكوفة حين نزل الربذة. وأولهم: محمد بن أبي بكر، ومحمد بن جعفر([33]).

وقيل: محمد بن أبي بكر، ومحمد بن الحنفية([34]).

وقيل: ابن أبي بكر، ومحمد بن عون([35]).

وها هو يذكر هنا: أنه قد بعث من الربذة إلى الكوفة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص([36]).

ثم أرسل عمار بن ياسر «رحمه الله»، والإمام الحسن بن علي «صلوات الله عليهما»([37]).

وحسب نص المفيد: أنه أرسل معهم قيس بن سعد([38]).

وفي رواية ابن قتيبة: بعث عمار بن ياسر، ومحمد بن أبي بكر([39]).

وفي رواية أبي مخنف الآتية: أنه بعد أن وصل المحل بن خليفة من الكوفة إلى علي «عليه السلام» أرسل عبد الله بن عباس، ومحمد بن أبي بكر([40]).

وفي رواية أخرى لأبي مخنف: أنه أرسل الإمام الحسن «عليه السلام»، وعمار بن ياسر، وزيد بن صوحان، وقيس بن سعد وقد بعثهم من ذي قار([41]).

وسيأتي: أنه أرسل إليهم الأشتر أيضاً..

لماذا خصوص هؤلاء؟!:

والذي نراه: أنه «عليه السلام» قد توخى إرسال هؤلاء الأشخاص إلى أهل الكوفة متوخياً الأمور التالية:

1 ـ إنه «عليه السلام» أراد أن تكون له همزة وصل بجميع الفئات، ومختلف الإتجهات، ولذلك أرسل إليهم:

ألف: هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وهو من بيت أموي، ربما ليدل الناس على أن مشكلته ليست مع العشيرة والقبيلة، والعرق الأموي، بل مع أهل الأطماع، وأهل الباطل من بني أمية..

ب: اختار «عليه السلام» صحابياً جليلاً، ومجاهداً في سبيل الله تعالى يحمل أعلى الأوسمة من نبي الإسلام «صلى الله عليه وآله»، وقد جعله «صلى الله عليه وآله» علماً يهتدى به إلى الحق حين يحتاج الناس إلى هذه الهداية بعد أن يحاصر أهل الباطل بعصيانهم، وبشبهاتهم، وبغيهم، وإغراءاتهم وأباطيلهم وعي الناس، وعقولهم، وبصائرهم، وقلوبهم التي ران عليها ما كانوا يكسبون بكراهتهم وبغضهم ومخالفتهم أمر الله، وأمر رسوله، وأمر سيد الأوصياء، ووارث علم الأنبياء ومن لهج القرآن بعصمته، وطهارته، وأكد إمامته، وأعلن أنه نفس رسول الله «صلى الله عليه وآله».

ج: اختار أيضاً محمد بن أبي بكر ليرسله أيضاً إلى الكوفة، ليبين للناس من أهل الكوفة وغيرهم: أن مشكلته مع أبي بكر تبقى محصورة في شخص أبي بكر ومن أعانه، وهو الذي سيسأل عنها يوم القيامة، ولا تتعداه إلى أبنائه. ولا إلى غيرهم من قومه إذا لم يشاركوه فيما أقدم عليه من غصب مقام ليس له..

كما أنه إذا كان ابن أبي بكر يخالف أباه، ويدين تصرفه هذا، فإن أمر الإمامة يصبح للناس أبين وأوضح، وأظهر وأصرح.

د: أرسل أيضاً محمد بن جعفر، وهو أخو محمد بن أبي بكر لأمه، وابن جعفر الطيار «رضوان الله تعالى عليه» وهو من بني هاشم.

هـ: عبد الله بن عباس ـ وهو ابن العباس عم النبي «صلى الله عليه وآله». وكان عمر بن الخطاب وكذلك أبو بكر قبله يظهران الاهتمام والاحترام له ولأبيه وبهما.

متى كانت هذه الرسائل؟!:

صرحت الرسالة الأولى: بأنه «عليه السلام» أرسلها بعد وصول طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة، وارتكابهما جرائم قتل بحق شيعة علي «عليه السلام»..

الولاة أعوان على الحق:

وقد تضمنت رسالته «عليه السلام» لأبي موسى التصريح بأنه «عليه السلام» لم يوله الكوفة إلا ليكون من أعوانه على الحق.. فدل ذلك على:

1 ـ أنه لم يوله الكوفة، لتكون الكوفة طعمة له. يتألفه بها، ويتصرف فيها بما يروق له..

كما أنه لم يوله إياها لكونه عربياً، أو يمنياً، ولا لكونه من العشيرة الفلانية، ولا لصداقته له، أو لحبه إياه، ولا لغير ذلك من الأمور ترتبط بالدنيا.

2 ـ أنه لم يوله الكوفة ليكون من أعوانه مطلقاً، بل ليكون من أعوانه على الحق، فلا يقبل من الناس ـ ومنهم الخلفاء والملوك الولاة أن يطلبوا من الناس أن ينصروهم في كل ما يقدمون عليه، حتى حين يكونوا معتدين وظالمين، إذ ليس لهم أن يعرضوا أرواح الناس، وأموالهم وكراماتهم للخطر، من أجل الحصول على منافع شخصية، أو عشائرية، أو فئوية لهم.

أبو موسى يرفض أوامر علي :

ويبدو من رواية الطبري عن عمر بن شبة: أن علياً «عليه السلام» قد أرسل محمد بن أبي بكر إلى أبي موسى في الكوفة، وأن جواب أبي موسى لمحمد كان سلبياً، فجاء هاشم بن عتبة إلى علي «عليه السلام» في الربذة، وأخبره بذلك، فأعاده إلى الكوفة بالرسالة المتقدم ذكرها.

ولكن أبا موسى أصر على موقفه الرافض للانقياد، وبقي يثبط أهل الكوفة عن نصرة علي «عليه السلام».

فبعث إليه يؤنبه على ذلك، بصورة أكيدة وشديدة، ثم بعث إليه مبعوثين آخرين كما سنرى، إلى أن بعث «عليه السلام» الإمام الحسن «عليه السلام»، وعمار بن ياسر بعزله، واستنفار الناس، وبعث قرظة بن كعب والياً على الكوفة عوضاً عن أبي موسى.

ولكننا قبل أن ندخل في هذه التفاصيل لا بد من بيان بعض الأمور، وما تضمنته كتبه «عليه السلام» إلى أبي موسى وغيره، فنقول:

لماذا ولى علي أبا موسى؟!:

وقد لوحظ: أنه «عليه السلام» قد ألزم أبا موسى بطاعته في أمره له بحشد الناس لمعاونته على البغاة بقوله:«فإني لم أولك المصر، ولم أقرك عليه إلا لتكون من أعواني على الحق، وأنصاري على هذا الأمر».

ونقول:

قد بين «عليه السلام» في هذا المورد أموراً، نذكر منها:

1 ـ إنه «عليه السلام» يريد أن يجعل أبا موسى أمام رذيلة الخيانة المرفوضة لدى أهل النبل والكرامة، فقد عمل أبو موسى على خلاف ما يقتضيه الوفاء بالوعد والعهد الذي تقتضيه توليته له.

2 ـ إنه «عليه السلام» قد أكد شناعة ما فعله أبو موسى حين ذكر أنه أبى أن يعينه على الحق، وأن ينصره عليه، لا أنه لم يعنه على أمر خاص به «عليه السلام»، أو بعشيرته، أو ما إلى ذلك.

3 ـ كأنه «عليه السلام» يريد أن يقول: إنه ليس لأبي موسى أن يجتهد في الأمور المرتبطة بولايته من عند نفسه، وأن توليته لا تعدو كونها تفويض إنجاز أمور يحددها له من ولاه.. حتى لو خالفت هوى أبي موسى، أو رأيه، أو ميوله..

أهل العراق لا يعرفون علياً :

مر على وفاة الرسول «صلى الله عليه وآله» نصف قرن كانت السياسة فيها تقضي بتغييب علي وأهل بيته «عليهم السلام» عن الساحة.. والعمل على إخماد ذكرهم، وقطع صوتهم، فنشأ جيل له هذه الصفة، ولا يحمل في داخله أية علاقة بأهل البيت «عليهم السلام»..

أما أهل العراق، فإنهم ما كانوا يعرفون علياً «عليه السلام»، ولا وقفوا على مزاياه، وفضائله، وجهاده، وأقوال النبي «صلى الله عليه وآله» فيه.

وقد كان ذلك من أهم أسباب عدم الانقياد له، حيث كان الناس يرونه رجلاً عادياً كسائر من عرفوهم من رجال الحكم والسياسة، فهو عندهم يخطئ ويصيب، ويحب ويبغض، ويعدل ويظلم، ويحسد ويحقد، ويطيع ويعصي، فلم تكن له تلك القدسية التي يستحقها في نفوسهم، ولا كانوا يثقون به ثقة مطلقة، تخولهم اتباعه فيما أحبوا وكرهوا.

وقد كانت سياسة الذين سبقوه هي محو ذكره «عليه السلام»، وطمس مزاياه وفضائله، ولم تكن معه إلا ثلة قليلة من العارفين به، والمعتقدين بإمامته سرعان ما التهمتهم الحروب الضارية، فكان «عليه السلام» يتلهف عليهم، ويتأسف على فقدهم، ويقول:

«أوّه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه، أحيوا السنة، وأماتوا البدعة، دُعوا للجهاد، فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتبعوه»([42]).

وحول محاولات خصومه «عليه السلام» محو ذكره، وإذهاب صوته وصيته، نجد المعتزلي يقول:

«وهذا يدلك على أن علياً «عليه السلام» اجتهدت قريش كلها، من مبدأ الأمر في إخماد ذكره، وستر فضائله، وتغطية خصائصه، حتى محي فضله ومرتبته من صدور الناس كافة إلا قليلاً منهم»([43]).

ويقول أيضاً، نقلاً عن محمد بن سليمان، الذي «لم يكن يتعصب لمذهب بعينه»([44]).

«لأن علياً دحضه الأوّلان، وأسقطاه، وكسرا ناموسه بين الناس؛ فصار نسياً منسياً، ومات الأكثر ممن يعرف خصائصه، التي كانت في أيام النبوة وفضله. ونشأ قوم لا يعرفونه، ولا يرونه إلا رجلاً من عرض المسلمين، ولم يبق مما يمتّ به إلا أنه ابن عم الرسول، وزوج ابنته، وأبو سبطيه، ونسي الناس ما وراء ذلك كله. واتفق له من بغض قريش وانحرافها ما لم يتفق لأحد الخ..»([45]).

بل إن بعض النصوص تشير إلى أن الناس كانوا لا يطيقون سماع شيء من فضائله «عليه السلام»، ويرون الخوض فيها بلا فائدة ولا عائدة، فقد قال جندب بن عبد الله في حديث له:

«فانصرفت إلى العراق، فكنت أذكر فضل علي على الناس؛ فلا أعدم رجلاً يقول لي ما أكره، وأحسن ما أسمعه قول من يقول: دع عنك هذا وخذ في ما ينفعك. فأقول: إن هذا مما ينفعني وينفعك، فيقوم عني، ويدعني»([46]).

وهو «عليه السلام» نفسه يقدم لنا أوضح صورة للحال التي كان عليها صلوات الله وسلامه عليه، فإنه «عليه السلام» يجيب على سؤال: لو أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» مات وترك ولداً، أكانت العرب تسلم إليه أمرها، فيقول:

«لا، بل كانت تقتله، إن لم يفعل ما فعلت».

ثم يذكر «عليه السلام» الفتوح، التي جاءت بالثروة والمال، ويقول: «ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها، فتأكد عند الناس نباهة قوم، وخمول آخرين؛ فكنا نحن ممن خمل ذكره، وخبت ناره، وانقطع صوته وصيته، حتى أكل الدهر علينا وشرب، ومضت السنون، والأحقاب بما فيها؛ ومات كثير ممن يعرف، ونشأ كثير ممن لا يعرف الخ..»([47]).

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة، والتي لا مجال لتتبعها.

وأما السبب في أنهم قد أخفوا فضائله «عليه السلام»، فهو إما العداوة والحسد، أو الخوف، أو ما إلى ذلك. وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ([48]).

وأما إخفاء فضائله «عليه السلام» خوفاً، فشواهده لا تكاد تخفى على أحد، حتى إذا ما أراد هو نفسه أن يذكرّ الناس بتلك الفضائل، أو يذكرها لهم؛ فإنهم يرمونه بإرادة الإفتخار والإدلال، والتكبر، أو يكذبونه في ذلك، ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً.

جهل العراقيين:

ومن جهة أخرى، فقد أظهر النص المتقدم حقيقة هامة وهي: أن قوماً من أهل الكوفة يقصدون أبا موسى ليستشيروه في أمر الخروج مع علي «عليه السلام»، فيقول لهم: إن من يريد الدنيا، يخرج معه، ومن يريد الآخرة لا يخرج معه، «فمنع بذلك أهل الكوفة من الخروج.

وهذا إن دل على شيء فهو يدل ليس فقط على عدم معرفتهم بفضائله وبالآيات النازلة فيه، وما صدر عن النبي «صلى الله عليه وآله» في حقه». بل يزيد على ذلك إظهاره مدى جهلهم بأبسط أحكام الدين والإسلام، وعجزهم عن التمييز بين الحق والباطل، وعلى أنهم لا يملكون بصيرة في دين، ولا علماً في يقين.

وظهر بذلك مصداق قوله «عليه السلام»: «ما تتعلقون من الإسلام إلا باسمه، ولا تعرفون من الإيمان إلا رسمه»([49]).

وقوله «عليه السلام»: «لا تعرفون الحق كمعرفتكم الباطل»([50]).

الكوفة أخلاط، وعثمانية:

يقول اليعقوبي: كان أهل الكوفة أخلاطاً من الناس([51]).

وكان جل حي الناعطيين من العثمانية([52]).

وكانت باهلة تعادي علياً([53]).. وكرهت الخروج معه إلى صفين([54]).

وذكر الثقفي: أن من جملة من كان على خلاف مع علي «عليه السلام»: «جل أهل الكوفة، وقراؤهم»([55]).

وقال ابن كثير: «واستقرار أمر العراقيين على مخالفة علي فيما يأمرهم وينهاهم عنه، والخروج عليه، والبعد عن أحكامه وأقواله، وأفعاله لجهلهم، وقلة عقولهم، وجفائهم، وغلظتهم، وفجور كثير منهم»([56]).

وروي عن الإمام الباقر «عليه السلام» قوله: «كان علي بن أبي طالب «عليه السلام» عندكم بالعراق يقاتل عدوه، ومعه أصحابه، وما كان معه خمسون رجلاً يعرفونه حق معرفته، وحق معرفة إمامته»([57]).

ولأجل هذا وذاك، ولأسباب أخرى ذكرناها في كتابنا «علي والخوارج»، الجز الأول، يطلب الكوفيون من أبي موسى الأشعري أن يشير عليهم في أمر طاعتهم للخليفة الذي بايعوه، وهو ـ كما روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ـ مع الحق والقرآن، والحق والقرآن معه.. وهو باب مدينة العلم، وعنده علم الكتاب إلى غير ذلك مما لا يرتاب فيه أحد.

سبيل الآخرة وسبيل الدنيا:

ونحن لم نستطع أن نعرف الميزان الذي بنى عليه أبو موسى الأشعري حكمه القائل: بأن نصرة علي «عليه السلام» سبيل الدنيا، والحال: أن علياً «عليه السلام» لم يملك هو ولا أي من الذين تولوا البلاد في وقته ما يصلح أن يعد مالاً، بل هو يحاسب عامله عثمان بن حنيف على إجابته دعوة إلى وليمة، ويكتب له تلك الرسالة الشهيرة.

كما أنه يكتب إلى عماله أن يقتصدوا حتى في رسائلهم التي يريدون بها تنظيم أمور ولاياتهم وأعمالهم. فيأمرهم بتدقيق أقلامهم، وبالمقاربة بين السطور، وتصغير الأحرف، وحذف فضول الكلام..

وهل ترى أحداً ممن كان مقرباً إلى عثمان، بسبب أو نسب، إلا كان يحصل على مئات الألوف والملايين من الدراهم والدنانير، ويملك بالإضافة إلى ذلك البساتين الواسعة والمساحات الشاسعة..

وقد قرأنا التاريخ أرقاماً خيالية عن ثروات عبد الرحمان بن عوف، وطلحة والزبير، وابن عامر، ومروان و.. و.. و.. إلخ..

ولكن علياً «عليه السلام» لم يبن لبنة على لبنة، ولم يظلم نملة جلب شعيرة طيلة حياته. بل أنفق كل ما حصل عليه بكد يده في سبيل الله، وعلى المحتاجين، والأيتام، وسائر سبل الخير.

وأي دنيا أصابها الذين حاربوا البغاة مع علي «عليه السلام»..

وأية آخرة يمكن أن تكون من نصيب الذين لم يخرجوا لحرب البغاة، إذا كان عدم خروجهم هذا يعد عصياناً لإمامته. ونقضاً للعهد الذي أعطوه إياه. وعزوفاً عن امتثال أمر الله تعالى له في كتابه: ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ([58])، وإفساحاً في المجال للطلقاء وأبنائهم لتشتيت أمر الأمة، وإثارة الفتن، وتمكين أهل الضلال من رقاب المؤمنين وأهل الدين، وكف أيدي أهل الصلاح والإصلاح؟!

ألم يكن يكفي أبا موسى تلك الحجة التي سجلها عليه أمير المؤمنين «عليه السلام»، والتي تقضي بلزوم حرب البغاة، حيث ذكر له أنهم ارتكبوا ثلاثة أمور، كل واحد منها جزاؤه القتل ويوجب قتالهم، وهي أنهم نكثوا البيعة، وقتلوا النفوس التي حرم الله قتلها، وأحدثوا في الإسلام حدثاً عظيماً، فقد قال له: «ليتوجهوا إلى قوم نكثوا بيعتي، وقتلوا شيعتي، وأحدثوا في الإسلام هذا الحدث العظيم».

الأشعري، وقتلة عثمان:

وقد ذكر الأشعري: أنه لا يحل القتال مع علي «عليه السلام» إلا بعد أن لا يبقى أحد من قتلة عثمان إلا قتل حيث كان..

وهذا كلام عجيب، فـ:

أولاً: إن طلحة والزبير كانا من قتلة عثمان، وكانت عائشة من أشد المحرضين على قتله، فلماذا لا يستحل أبو موسى قتال هؤلاء إذن؟!

ثانياً: إن الذين حصروا عثمان وقتلوه، أو ساعدوا على قتله هم أكثر الصحابة، وطائفة كبيرة من أهل مصر، والعراق بالإضافة إلى كثيرين آخرين وفيهم طلحة والزبير وعائشة. فهل يطالب هذا الرجل بقتل كل هذه الطوائف الكبيرة من المسلمين؟! وكيف يمكن قتل هؤلاء جميعاً؟!

ثالثاً: لنفترض أن عدواً شرساً هاجم المسلمين، ويريد أن يستأصلهم، وأن يمحو دين الله الذي هم عليه، فهل يجب على علي «عليه السلام» أن يدفعه؟! أم يجب أن يتركه، ويقول له: اصبر حتى نقتل قتلة عثمان، ثم أتفرغ لك. لأن أبا موسى أفتى بعدم جواز القتال معي إلا بعد أن لا يبقى أحد من قتلة عثمان؟!

رابعاً: لو أن أحداً أراد قتل أبي موسى، وجميع من يلوذ به، ويريد علي أن يدفع هذا الطاغي، فهل يحل للناس أن يعينوا علياً «عليه السلام» على قتال ذلك الباغي والطاغي، أم يتركونه يقتله ويقتلهم، لأن قتلة عثمان لم يقتلوا بعد؟!

خامساً: من أين استفاد أبو موسى هذا الحكم الشرعي؟! أمن آية؟! أم من رواية عن رسول الله؟! أم بحكم العقل؟! أم باجتهاد وقياس؟! أم ماذا؟!

سادساً: إذا كان طلحة والزبير من قتلة عثمان، فلماذا لا يخرج مع علي «عليه السلام» لقتلهما أولاً، ثم يطالبه بقتل من تبقى من قتلته؟!

سابعاً: من أين علم الأشعري أنه لا بد من قتل قتلة عثمان؟! فلعلهم لا يستحقون القتل، أو لا يمكن قتلهم حتى مع استحقاقهم؟! ولماذا لم يسأل علياً «عليه السلام» عن سبب إحجامه عن قتلهم، فلعل له عذراً وأنت تلوم؟!

ثامناً: من الذي يجب أن يتولى عقوبة الجاني وقتل القاتل؟! هل هم الغوغاء؟! أو من شاء من الناس؟! أم يتولى ذلك الإمام الممسك بالسلطة؟!

فلماذا لا يرجع أبو موسى هذا الأمر إلى الإمام، ويطالبه به. ويقدم القتلة إليه، ليحكم عليهم بعد توفر الأدلة على ارتكابهم ما يستحقون به القتل؟!

أم أن أبا موسى قد أصدر حكمه على شخص بعينه، ويريد من علي «عليه السلام» أن ينفذ أمره فيه؟!..

وهل سمع من القتلة دفاعهم عن أنفسهم؟! وعرف حججهم؟! أو هل عرفهم بأشخاصهم وأسمائهم؟!

علي يطيع الأشتر!!:

وقد تضمنت الروايات السابقة: أنه «عليه السلام» أراد أن يعزل أبا موسى عن الكوفة، فطلب إليه الأشتر أن يبقيه، فإن أهل الكوفة به راضون، فأبقاه «عليه السلام»..

فيرد سؤال.. كيف يعدل علي «عليه السلام» عن رأيه ويأخذ برأي الأشتر؟!

هل اكتشف أنه كان هو المخطئ، وأن الأشتر هو المصيب؟!

وهل يخطئ المعصوم؟!

أم أنه كان يعرف أنه هو المصيب، ولكنه أخذ بقول الأشتر إرضاءً له؟! فهل يجوز له العدول عن الصواب إلى الخطأ في مثل هذا الأمر الخطير لمجرد إرضاء شخص؟!

وأين هي مصلحة الأمة التي يجب مراعاتها في جميع الأحوال؟!

وهل يجوز التفريط بمصالح الناس إرضاءً لهذا الشخص أو ذاك؟!

وهل يحق لأمير المؤمنين أن يجعل عزله وتنصيبه لولاته تابعاً لما يرضى أفراداً من الناس ويسخطهم؟!

ويجاب:

بأن علياً «عليه السلام» كان عارفاً بحقيقة أبي موسى، فكان لا بد له من أن يعلن عزمه على عزله. ولكن الناس كانوا لا يعرفون حال هذا الرجل، وقد لا يقنعهم إخبار «عليه السلام» لهم بذلك، ويظنون به الظنون ـ رغم أنه لم يزل يخبرهم بالغيوب، ليؤكد لهم إمامته، وصواب مواقفه، وليحملهم على طاعته، ولكنهم كانوا يستجيبون له ببطء ظاهر..

فجاءت مشورة الأشتر وإخباره إياه برغبة الناس بإبقاء أبي موسى والياً عليهم، لتبرر له «عليه السلام» إبقاء أبي موسى، ليرى الناس بأم أعينهم صدق ما كان يعتقده فيه.. ولكي تقوم عليهم الحجة حين يضطرون إلى جعله ممثلاً عنه في قضية التحكيم فجرَّ الويلات على الأمة، لأنه حكم فيها بهواه ولم يحكم بالقرآن.

والخلاصة أن المطلوب هو أن يعرف الناس صدق رأي علي «عليه السلام» فيه، وأن يعرفوا حقيقة أبي موسى، ليتحملوا هم مساوئ ما سيقررونه في المستقبل في قضية التحكيم. وكان من الضروري أيضاً أن يستجيب للأشتر..

كما أن من المطلوب أن يعرِّفهم «عليه السلام» أنه يحترمهم ويحترم رأيهم، ولا يريد أن يعزلهم عن الحياة السياسية، ولكن المطلوب منهم أيضاً أن يفوا بوعودهم وعهودهم، وأن يثقوا بإمامهم، ولا يفسدوا تدبيره. وأن لا يجعلوا أنفسهم هم حكاماً عليه ولا أن يكونوا الآمرين والناهين له..

ولا يقاس حال أبي موسى بحال معاوية الذي كان يطمع بالأمر لنفسه، ولديه أخطبوط يعمل له في طول البلاد وعرضها.. أما أبو موسى فلا يستطيع إلا أن يكون أداة لغيره، وليس أكثر من ذلك..


([1]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص9 وراجع ص16 و 17 عن الطبري، والدر النظيم ص340 وراجع: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص493 والإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص62 و (تحقيق الشيري) ج1 ص85.

([2]) نهج السعادة ج4 ص48 وراجع: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص512 والدر النظيم ص340.

([3]) بحار الأنوار ج32 ص86 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص9 و 10 والدر النظيم ص342.

([4]) بحار الأنوار ج32 ص86 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص9 و 10 والدر النظيم ص342.

([5]) الجمل للشيخ المفيد ص130 و 131 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص499 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص8 والدر النظيم ج1 الورقة 122 ونسخة أخرى ص340 وبحار الأنوار ج32 ص85 ومعادن الحكمة ج1 ص342 ـ 343 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج4 ص163 ونهج السعادة ج4 ص46.

([6]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص499 والكامل في التاريخ ج3 ص260 وشرح نهج البلاغة ج14 ص9 والدر النظيم ج1 ص341 الورقة122 وبحار الأنوار ج32 ص86 والجمل للمفيد ص243 و 131 ونهج السعادة ج4 ص48.

([7]) «الدحور: الطرد والإبعاد، قال الله عز وجل: ﴿اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً﴾ [الآية 18 من سورة الأعراف]. أي مقصىً، وقيل: مطروداً» [لسان العرب ج4 ص278 (دحر)].

([8]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص500 ومروج الذهب ج2 ص368 وتجارب = =الأمم ج1 ص312 ـ 313 والكامل في التاريخ ج3 ص260 ـ 261 وشرح نهج البلاغة ج14 ص10 والدر النظيم ج1 الورقة124 وبحار الأنوار ج32 ص86 ـ 87 ومعادن الحكمة ج1 ص343 ـ 344 والجمل للمفيد ص242 و 243 ومروج الذهب ج2 ص358.

([9]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص500 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص512 وراجع: نهج السعادة ج4 ص49 والكامل في التاريخ ج3 ص260 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص165.

([10]) راجع: نهج السعادة ج4 ص56 ومروج الذهب (ط سنة 1377هـ) ج2 ص368 وتذكرة الخواص (ط النجف) ص75 عنه، وفيه: «فإن لم تفعل فقد أمرت من يقطعك إرباً إرباً». وعن أنساب الأشراف ص350 و 351 وجمهرة = = رسائل العرب ج1 ص147.

([11]) الآية 3 من سورة المائدة.

([12]) الآية 7 من سورة إبراهيم.

([13]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص11 وج17 ص140 وبحار الأنوار ج32 ص87 ونهج السعادة ج4 ص61 وراجع: الدرجات الرفيعة ص263 و 264 وجمهرة رسائل العرب ج1 ص376 ونهج البلاغة ج3 ص114 (المختار من الكتب) الكتاب رقم 57 والدر النظيم (مخطوط) ج1 ص114 و (ط مركز النشر الإسلامي) ص345.

([14]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص500 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص512 ونهج السعادة ج4 ص62 وراجع: الكامل في التاريخ ج3 ص230 وتاريخ الكوفة للبراقي ص308 وأعيان الشيعة ج1 ص455 والفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص395 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج33 ص522 عن حياة الإمام علي «عليه السلام» لمحمود شلبي (ط دار الجيل ـ بيروت) ص42.

([15]) الجمل للمفيد ص244 و (مكتبة الداوري ـ قم) ص132 والإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص63 و (تحقيق الشيري) ج1 ص86.

([16]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3 ص2 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج4 ص109 وبحار الأنوار ج32 ص72 والغدير ج9 ص104 ونهج السعادة ج4 ص54 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص6 والأمالي للطوسي ص329 و (ط دار الثقافة ـ قم) ص718 وراجع: مناقب آل أبي طالب ج3 ص151 ومكاتيب الأئمة ج1 ص108 و 109.

([17]) الآية 24 من سورة سبأ.

([18]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص10 وبحار الأنوار ج32 ص86 و 87 عنه، وراجع: الغارات للثقفي ج2 ص918 والفتنة ووقعة الجمل ص138.

([19]) النهاية لابن الأثير (نشر المكتبة الإسلامية) ج1 ص85 وغريب الحديث لابن قتيبة ج1 ص351 وبحار الأنوار ج32 ص91 ولسان العرب ج10 ص355 وج4 ص36 وج15 ص367 وراجع: الصحاح للجوهري ج6 ص2536 وتاج العروس ج13 ص459 وج20 ص342.

([20]) بحار الأنوار ج32 ص91.

([21]) مجمع الأمثال ج2 ص300 والصحاح للجوهري ج4 ص1559.

([22]) أقرب الموارد ج2 ص1407 وراجع: تاج العروس ج20 ص343 والنهاية في غريب الحديث ج5 ص279.

([23]) راجع: كتاب الجمل لابن شدقم ص113 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص500 = = وعن الكامل في التاريخ ج2 ص349 وعن مروج الذهب ج3 ص368 وعن تجارب الأمم ج1 ص312 و 313 وعن الدر النظيم وغير ذلك. وراجع: ونهج السعادة ج4 ص47 والكنى والألقاب ج1 ص162

([24]) الآية 64 من سورة الإسراء.

([25]) الكافي ج2 ص323 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج16 ص35 و (ط دار الإسلامية) ج11 ص329 وكتاب سليم بن قيس (تحقيق محمد باقر الأنصاري) ص476 وكتاب الزهد للحسين بن سعيد الكوفي ص7 و 8 وبحار الأنوار ج60 ص206 و 207 وج74 ص147 وج76 ص112 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص434 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص310 وتفسير العياشي ج2 ص299 والتفسير الصافي ج3 ص203 وتفسير نور الثقلين ج3 ص182 وتحف العقول ص44.

([26]) وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج16 ص36 و (ط دار الإسلامية) ج11 ص330 ومستدرك الوسائل ج8 ص461 و 463 وكتاب الزهد للحسين بن سعيد الكوفي ص6 ومشكاة الأنوار لعلي الطبرسي ص411 وتحف العقول ص394 وبحار الأنوار ج1 ص149 وج75 ص309 وج76 ص112 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص431 وج14 ص281 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص310.

([27]) وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج16 ص33 و (ط دار الإسلامية) ج11 ص328 وكتاب الزهد للحسين بن سعيد الكوفي ص10 وبحار الأنوار ج76 ص112 و 113 وج93 ص156 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص430 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص310.

([28]) بحار الأنوار ج76 ص110 ـ 113 وج72 ص360 و 309 و 255 وج68 ص334 وج70 ص303 وج74 ص48 و 147 و 151 وج75 ص310 و 176 وج60 ص207 وج16 ص258 و 281 وج69 ص107 ـ 115 وج71 ص161 وج73 ص151 و 155 وج22 ص131. والخصال ج1 ص83 و 108 و 128 والأمالي للطوسي ج1 ص73 و 193 والأمالي للمفيد ص107 وعلل الشرائع ج2 ص165 وعيون أخبار الرضا ج2 ص92 وتفسير العياشي ج1 ص198 وثواب الأعمال، والكافي.

([29]) بحار الأنوار ج43 ص358 ونظم درر السمطين ص201 و 202 وتاريخ مدينة دمشق ج13 ص252 وتهذيب الكمال ج6 ص235 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص227 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج8 ص43 وترجمة الإمام الحسن لابن عساكر ص157 و 158 والدر النظيم ص491 والعدد القوية ص29 وترجمة الإمام الحسن من طبقات ابن سعد ص59.

([30]) النهاية لابن الأثير ج5 ص278 و (مؤسسة إسماعيليـان ـ قـم) ج3 ص252 = = وبحار الأنوار ج32 ص91 عنه، ولسان العرب ج7 ص188.

([31]) مسند أحمد ج5 ص136 والأدب المفرد للبخاري 1963 والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم 974 و 976 والمعجم الكبير للطبراني ج1 ص199 ومشكل الآثار ج4 ص237 و 238 وشرح السنة للبغوي ج13 ص120 ومجمع الزوائد ج3 ص3 والإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان ج7 ص424 و 425 والسنن الكبرى للنسائي ـ كما في التحفة ـ ج1 ص35.

([32]) راجع: مشكل الآثار للطحاوي ج4 ص237 و 238 و 239.

([33]) نهج السعادة ج4 ص45 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص499 و 478 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص494 والكامل في التاريخ ج3 ص223 والبداية والنهاية ج7 ص234 وإمتاع الأسماع ج13 ص237 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص8 و 16 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج1 ص105 والفتنة ووقعة الجمل ص135 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص473.

([34]) الجمل للمفيد ص257 و 258 و (ط مكتبة الداوري ـ قم) ص139.

([35]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص477 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص493.

([36]) بحار الأنوار ج32 ص85 و 86 ونهج السعادة ج4 ص46 و 48 وتاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص512 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج4 ص163 وفتح الباري ج13 ص48 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص8 و 9 ومستدركات علم رجال الحديث ج8 ص133 والأخبار الطوال للدينوري ص144 وأنساب الأشراف ص234 والكامل في التاريخ ج3 ص260 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص165.

([37]) المعيار والموازنة ص115 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج4 ص183 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص174 وفتح الباري ج13 ص48 و 49 وعمدة القاري ج16 ص251 وعمدة القاري ج24 ص205 وتحفة الأحوذي ج10 ص262 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص32 والتاريخ الصغير للبخاري ج1 ص109 وإمتاع الأسماع ج13 ص230 وترجمة الإمام الحسن من طبقات ابن سعد ص57 والجمل (ط النجف) ص131 والأخبار الطوال للدينوري ص144.

([38]) الجمل (ط النجف) ص131.

([39]) الإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص62 و (تحقيق الشيري) ج1 ص84

([40]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص10 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج4 ص163 وبحار الأنوار ج32 ص86 ونهج السعادة ج4 ص50 وراجع: أعيان الشيعة ج1 ص565.

([41]) بحار الأنوار ج32 ص87 ونهج السعادة ج4 ص61 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص11 والدرجات الرفيعة ص263 وأعيان الشيعة ج1 ص565.

([42]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص109 خطبة رقم182، وبحار الأنوار ج34 ص127 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج2 ص405 وج5 ص203 والدرجات الرفيعة ص323 ومستدركات علم رجال الحديث ج6 ص330 وينابيع المودة ج2 ص29 والكنى والألقاب ج1 ص184.

([43]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج8 ص18 وكتاب الأربعين للشيرازي ص595 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص727 والدرجات الرفيعة ص272.

([44]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص25 وبحار الأنوار ج31 ص83.

([45]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص28 و 29 وبحار الأنوار ج31 ص84.

([46]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص58 وكتاب الأربعين للشيرازي ص219 والسقيفة وفدك للجوهري ص91.

([47]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج20 ص298 و 299 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص728 والدرجات الرفيعة ص37.

([48]) الآية 54 من سورة النساء.

([49]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص155 وبحار الأنوار ج14 ص474 وج34 = = ص223 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص179.

([50]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج1 ص118 وبحار الأنوار ج34 ص79 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص102.

([51]) كتاب البلدان ص309.

([52]) تاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج4 ص45 والكامل في التاريخ ج3 ص325.

([53]) الغارات ج1 ص20 و 21 وكتاب الفتوح لابن أعثم ج2 ص544 وبحار الأنوار ج22 ص314 وج32 ص406 وج33 ص356 وج34 ص171 و 307 ونهج السعادة ج2 ص119 وأعيان الشيعة ج1 ص476 وصفين للمنقري ص116 والأمالي للطوسي ج1 ص116 والأمالي للمفيد ص200 و 201 و (ط دار المفيد) ص339 و 340 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص402 وبشارة المصطفى ص394 والكنى والألقاب ج1 ص386.

([54]) صفين للمنقري ص116 الغارات ج1 ص20 و 21 وبحار الأنوار ج32      = = ص406 ونهج السعادة ج2 ص119 وأعيان الشيعة ج1 ص476.

([55]) الغارات للثقفي ج2 ص554.

([56]) البداية والنهاية ج7 ص317 وراجع ج8 ص11 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج7 ص350.

([57]) إختيار معرفة الرجال ج1 ص26 وبحار الأنوار ج42 ص152.

([58]) الآية 9 من سورة الصافات.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان