صفحة :143-180   

الفصل السادس: أحداث جرت في الربذة..

طيء عند علي :

روى المفيد، عن الكاتب، عن الزعفراني، عن الثقفي، عن إسماعيل بن أبان، عن عمرو بن شمر قال: سمعت جابر بن يزيد الجعفي يقول: سمعت أبا جعفر محمد بن علي «عليه السلام» يقول: حدثني أبي عن جدي قال:

لما توجه أمير المؤمنين «عليه السلام» من المدينة إلى الناكثين بالبصرة نزل الربذة، فلما ارتحل منها لقيه عبد الله بن خليفة الطائي، وقد نزل بمنزل يقال له: «فيد»([1])، فقربه أمير المؤمنين «عليه السلام».

فقال له عبد الله: الحمد لله الذي رد الحق إلى أهله، ووضعه في موضعه. كره ذلك القوم أم سروا به، فقد والله كرهوا محمداً «صلى الله عليه وآله» ونابذوه وقاتلوه، فرد الله كيدهم في نحورهم، وجعل دائرة السوء عليهم.

والله لنجاهدن معك في كل موطن حفظاً لرسول الله «صلى الله عليه وآله».

فرحب به أمير المؤمنين، وأجلسه إلى جنبه. وكان له حبيباً وولياً. وأخذ يسائله عن الناس، إلى أن سأله عن أبي موسى الأشعري، فقال: والله ما أنا واثق به، ولا آمن عليك خلافه، إن وجد مساعداً على ذلك.

فقال له أمير المؤمنين «عليه السلام»: والله ما كان عندي مؤتمناً ولا ناصحاً، ولقد كان الذين تقدموني استولوا على مودته، وولوه وسلطوه بالإمرة على الناس. ولقد أردت عزله فسألني الأشتر فيه، وأن أقره، فأقررته على كره مني له، وعملت على صرفه من بعد.

قال: فهو مع عبد الله في هذا ونحوه إذ أقبل سواد كثير من قبل جبال طيء، فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: أنظروا ما هذا السواد؟! وقد ذهبت الخيل تركض، فلم تلبث أن رجعت، فقيل: هذه طيء قد جاءتك تسوق الغنم والإبل والخيل، فمنهم من جاءك بهداياه وكرامته، ومنهم من يريد النفوذ معك إلى عدوك.

فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: جزى الله طياً خيراً، ﴿وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً([2]). فلما انتهوا إليه سلموا عليه.

قال عبد الله بن خليفة، فسرني والله ما رأيت من جماعتهم، وحسن هيئتهم. وتكلموا فأقروا ـ والله ـ لعيني، ما رأيت خطيباً أبلغ من خطيبهم.

وقام عدي بن حاتم الطائي، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

أما بعد.. فإني كنت أسلمت على عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأديت الزكاة على عهده، وقاتلت أهل الردة من بعده. أردت بذلك ما عند الله، وعلى الله ثواب من أحسن واتقى.

وقد بلغنا أن رجالاً من أهل مكة نكثوا بيعتك، وخالفوا عليك ظالمين، فأتيناك لننصرك بالحق، فنحن بين يديك فمرنا بما أحببت، ثم أنشأ يقول:

فنحن نصرنـا الله من قبـل ذاكـم         وأنـت بـحـق جئتـنـا فسـنـنـصر

سنكفيك دون الناس طراً بنصرنا               وأنت به مـن سائـر النـاس أجـدر

فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: جزاكم الله من حي عن الإسلام وأهله خيراً، فقد أسلمتم طائعين، وقاتلتم المرتدين، ونويتم نصر المسلمين.

وقام سعيد بن عبيد البختري، من بني بختر، فقال: يا أمير المؤمنين، إن من الناس من يقدر أن يعبر بلسانه عما في قلبه، ومنهم من لا يقدر أن يبين ما يجده في نفسه بلسانه، فإن تكلف ذلك شق عليه، وإن سكت عما في قلبه برح به الهم والبرم. وإني والله ما كل ما في نفسي أقدر أن أؤديه إليك بلساني، ولكن والله لأجهدن على أن أبين لك، والله ولي التوفيق..

أما أنا فإني ناصح لك في السر والعلانية، ومقاتل معك الأعداء في كل موطن. وأرى لك من الحق ما لم أكن أراه لمن كان قبلك، ولا لأحد اليوم من أهل زمانك، لفضيلتك في الإسلام، وقرابتك من الرسول. ولن أفارقك أبداً حتى تظفر أو أموت بين يديك.

فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: يرحمك الله، فقد أدى لسانك ما يجد ضميرك لنا. ونسأل الله أن يرزقك العافية، ويثيبك الجنة.

وتكلم نفر منهم، فما حفظت غير كلام هذين الرجلين.

ثم ارتحل أمير المؤمنين، واتبعه منهم ستمائة رجل، حتى نزل «ذا قار»، فنزلها في ألف وثلاثمائة رجل([3]).

ونقول:

تضمن النص المتقدم أموراً هامة، نكتفي بذكر بعضها هنا، وهي التالية:

الخلافة حق لعلي :

1 ـ يدل هذا النص على أن الناس كانوا يعرفون: أن الخلافة ليست أمراً يرجع البت فيه إلى الناس، بل هي حق جعله الله تعالى لشخص بعينه، وقد اعتدي على صاحب الحق، وأقصي عن المقام الذي جعله الله تعالى له.. ولأجل ذلك عبَّر عبد الله بن خليفة بكلمة «رد الحق»، ثم عبر بكلمة «إلى أهله» ليدل على ما ذكرناه..

وهذا يسقط دعوى الشورى، ودعوى صحة بيعة خمسة، أو ستة، أو أقل، أو أكثر..

2 ـ ثم جاء قول عبد الله بن خليفة: «ووضعه في موضعه»، ليفيد أمراً آخر، وهو: أن لهذا المقام مؤهلات لا بد من توفرها في من يتصدى له، وبدونها يكون قد وضع في غير موضعه.

ودل أيضاً: على أن هذا الأمر كان قبل البيعة لأمير المؤمنين «عليه السلام» التي حدثت بعد مقتل عثمان في غير موضعه الطبيعي، لأن المتصدين له لا يملكون المواصفات المطلوبة للاضطلاع به..

الكارهون أمر علي :

صرح هذا النص: بأن الذين كرهوا خلافة علي «عليه السلام» هم أنفسهم الذين كرهوا أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله». وكما رد الله كيدهم إلى نحورهم ونصر الله رسوله عليهم، كذلك سيكون حالهم مع علي «عليه السلام»، فإن الله سيخذل مناوئيه، وسينصره عليهم..

نصر علي نصر لله تعالى:

إن الجهاد مع علي «عليه السلام» ضد أعدائه لا يقتصر على تقوية أمره، ونصرته، بل يتعدى ذلك، لتصبح نصرته حفظاً لرسول الله «صلى الله عليه وآله».. الأمر الذي دل على أن هدف مناوئيه هو إسقاط النهج الذي يلتزم به، ويسعى لتكريسه وحفظه، وهو نهج رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ودينه، وأطروحته..

فالقتال معه «عليه السلام» سيكون حفظاً للرسول «صلى الله عليه وآله» أيضاً.

علي يسأل عن الناس:

وقد يقال: رأينا: أن علياً «عليه السلام»، أجلس عبد الله بن خليفة إلى جنبه، وصار يسأله عن الناس، فلماذا السؤال إذا كان علياً «عليه السلام» مسدداً بالعصمة وبعلم الإمامة.

وربما يجاب: بأن التسديد وعلم الشاهدية، وإن كان حاصلاً للإمام، لكن ذلك لا يمنع من أن يكون المطلوب منه التعامل الطبيعي مع الناس، وإفهامهم بصورة عملية أن على الحاكم أن يعرف أوضاع الناس، ولا يهمل تتبع أخبارهم بالطرق التي يعتمدها العقلاء، وتكون وفق الضوابط الشرعية. فإن من الضروري أن يكون واقفاً على أوضاعهم العامة، وعلى الأفكار المهيمنة عليهم، وعارفاً بتوجهاتهم وسياساتهم، ليتمكن من إصلاح ما فسد منها، ومد يد العون لمن يحتاج منهم إلى المعونة، وحل المشكلات التي يواجهونها إن كان ثمة مشكلات..

علي يعرف دخيلة أبي موسى:

وحين سأل «عليه السلام» عن أبي موسى لم يسأل عن معايبه الشخصية، بل سأل عن أحواله وسياساته مع الناس، وموقفه من إمام الأمة، لأن هذا الموقف سيؤثر على عموم الناس، إذا كان موقفه هذا سيصل إلى حد إعلان خلافه لإمامه، ونكثه لبيعته.

وتزداد خطورة هذا الأمر حين يكون قد مهد له بتهيئة أعوان، وإثارة أجواء معينة.

وقد بيَّن أمير المؤمنين «عليه السلام»: أنه كان عارفاً بحال أبي موسى. وقبل أن يقره على عمله، فدل بذلك على أنه «عليه السلام» لم يفاجأ بأمره، ولم يخدع، ولم يقصر في البحث والتحري عن حاله ومآله.. ولكن المصلحة العامة اقتضت أن يعامله على هذا النحو.

منشأ بغض أبي موسى لعلي :

وظهر مما تقدم أيضاً: أن انحراف أبي موسى عن أمير المؤمنين «عليه السلام» يرجع: إلى أن الخلفاء قبله «عليه السلام» استولوا على مودته..

فدل بذلك: على أن المودة لأولئك الخلفاء تستبطن الانحراف، والخصومة معه، إن وجدوا فرصة لذلك، وأعواناً..

وهذا يشير: إلى أن القضية لم تبق في حدود العدوان عليه، والاستيلاء على حقه، بل تجاوزت ذلك إلى التأسيس لخط ينتهج العداء، ويتخذ ذلك له ديناً وطريقة ومذهباً.

مع أن النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» قد حذر من بغض علي «عليه السلام» أشد التحذير. وبيَّن: أن بغضه «عليه السلام» بغض له، وأن حربه حربه، وسلمه سلمه، فلماذا لم تؤخذ هذه التحذيرات بنظر الاعتبار، ولم يرتب عليها الآثار؟!

ضرورة الاستجابة لطلب الأشتر:

وتصريح أمير المؤمنين «عليه السلام» بأنه أقر أبا موسى على كره منه «عليه السلام» له.. لا يعني أنه قد انقاد الأشتر خوفاً منه، فلم يكن الأشتر ليخيف علياً «عليه السلام»، بل كان السامع المطيع له، وإنما هو قد أطاعه، لأن الأشتر كان مصيباً فيما أشار به، ولم يكن «عليه السلام» غافلاً عنه إذ كان أهل الكوفة مخدوعين بأبي موسى، فكان لا بد من الكشف عن بصيرتهم ليروا الحقائق بأم أعينهم، فلا يظنوا أنه لو بقي عليهم لكانت أمورهم أكثر اتساقاً، وأقرب إلى الصلاح والنجاح، بل إن اتساق أمورهم، ونجاحهم متوقف على عزله..

ولم يكن ذلك ليخفى على علي «عليه السلام». ولكن كان من المصلحة أن يظهر لهم معرفته «عليه السلام» به، وأنه يريد عزله، ثم يبقيه استجابة لطلب الأشتر.

متى أراد عزل أبي موسى؟!:

إذا كان هذا الحوار بين علي «عليه السلام» وبين عبد الله بن خليفة قد جرى حين ارتحال علي «عليه السلام» من الربذة، فهو يدل: على أن علياً «عليه السلام» كان بصدد عزل أبي موسى قبل ذلك، لقوله «عليه السلام»: «وعملت على صرفه من بعد»، ومعنى ذلك: أن إرادة عزله كانت سابقة على ما ظهر من أبي موسى من تخذيل حين أرسل إليه الإمام الحسن «عليه السلام» وعماراً بعد وصوله إلى ذي قار.

تفضيل المجاهدين:

ولعل بعض الذين جاؤوا بالهدايا كانوا غير قادرين على المشاركة في الحرب بأنفسهم، فأرادوا التعبير عن محبتهم وتأييدهم ومعونتهم بما جاؤوا به من هدايا..

أما البعض الآخر القادر على الحرب، وأرادوا أن يكتفوا بالهدايا والمعونة المالية، فإن لهم عند أمير المؤمنين «عليه السلام» كرامة المحب أيضاً، ولكنهم يعدون من القاعدين الذين ليس لهم مقام المجاهدين في الكرامة والفضل عند الله.

وقد صرح علي «عليه السلام» بهذا المعنى تنويهاً بالمجاهدين، وتعليماً وتوجيهاً لغيرهم، فقال:

﴿وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً([4]).

إلا إن كان مقصوده «عليه السلام» بالمجاهدين: الأعم من المجاهدين بأموالهم، والمجاهدين بأنفسهم، فيكون «عليه السلام» قد طبق الآية المباركة على كلا الصنفين.

أثر القيادة الصالحة:

إن الذي ميز قبيلة طيء في موقفها هذا: أنها جاءته قبل أن يدعوها، فكانت مبادرتها إلى نصرته بقرار خالص منها، انطلاقاً من شعورها بالواجب، ونصرة للحق.

وهذا يدل على أنها تملك درجة عالية من الوعي ومن الإخلاص والصفاء..

ولا نشك في أن وجود الصالحين بينهم، وعلى رأسهم، أمثال عدي بن حاتم كان له الأثر الكبير في صلاحهم، وفي وضوح الرؤية لديهم..

ولو أن قيادة القبيلة كانت بيد إنسان فاسد لوجدنا القبيلة قد سارت في غير الاتجاه الصحيح الذي سارت فيه.

عدي منسجم مع علي :

صحيح أن خطاب عدي بن حاتم كان موجهاً إلى شخص يخاطب علياً «عليه السلام»، وكان يؤكد له على أنهم يريدون نصره، ولكن علياً «عليه السلام» حين تقبل منهم هذا النصر لم يشر إلى نفسه بشيء، بل حوله إلى الإسلام وأهله حين جزاهم عن الإسلام وأهله خيراً..

غير أن ذلك لا يعني أن ثمة اختلافاً في النظرة، لأن عدي بن حاتم لم يخرج عن المسار الذي رسمه علي «عليه السلام»، لأنه «رحمه الله» قد صرح: بأنه قد نصر الله أولاً، ونصر النبي «صلى الله عليه وآله»، واعتبر نصره لعلي «عليه السلام» نصراً لله تعالى ولرسول الله «صلى الله عليه وآله». مصرحاً: بأن هدفه من ذلك: هو رضا الله سبحانه، والتماس ثوابه.

كما أنه «رحمه الله» قد صرح: بأنه بادر إلى نصره على الناكثين ليس لأجل الانتصار لشخص علي «عليه السلام»، بل لأنه ينصر بذلك الحق، ومن جاء به، ولأنه «عليه السلام» الأجدر بالنصر من الناكثين والمبطلين..

امتياز الطائيين:

إنه «عليه السلام» قد أثنى على طيء بأمور ثلاثة، هي:

الأول: أنهم أسلموا طائعين.

الثاني: أنهم قاتلوا المرتدين.

الثالث: أنهم نووا نصر المسلمين.

وبفيدنا ذلك:

ألف: أن إسلامهم طوعاً يدل على مزيد من التعقل والتدبر، والإدراك لمحاسن الأمور، وتمييزها عن مساوئها، وهذه فضيلة لم نجدها عند الكثيرين ممن يدعون لأنفسهم العقل والدهاء والفهم، ومنهم جبابرة قريش وفراعنتها، الذين ساقوا الناس إلى محاربة الله ورسوله، ﴿جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً([5]).

ب: كما أن قتالهم للمرتدين، من أمثال أتباع مسيلمة، وسجاح، والأسود العنسي، وطليحة يدل على مدى تذوقهم حلاوة هذا الدين، وشدة تعلقهم به، إلى حد التضحية بأنفسهم وبعلاقاتهم من أجله. وعلى مدى نفرتهم من الكفر والشرك، والارتداد إلى حد أنهم على استعداد لمحاربة وقتل من يرغب عن دين الإسلام، ويرغب عنه إلى الكفر والشرك.

ج: إن عزمهم على نصرة أمير المؤمنين «عليه السلام» على أهل النكث والغدر، معناه: أن وعيهم وصلابتهم في دينهم جعلهم يدركون عواقب النكث والغدر، حتى لم يعد يوقفهم شيء عن إجراء أحكام الله في الناكثين والغادرين، بالرغم من أنهم يظهرون الإسلام، ويلتزمون بشعائره، ويمارسونها. وبالرغم من أنهم كانوا بقيادة زوجة نبيهم، وبنت أبي بكر، ومدللة عمر بن الخطاب.. ولم يمنعهم من ذلك: أن يصبح الأمويون، والتيميون، والزبيريون وغيرهم أعداء لهم.. رغم معرفتهم بعواقب ذلك.

تفضيل علي :

أما سعيد بن عبيد، فقد بيَّن لنا: أن لأمير المؤمنين «عليه السلام» من الحق، ما ليس لأحد سواه بعد الرسول «صلى الله عليه وآله». وأن هذا الحق لم يعط له اعتباطاً، أو لدوافع شخصية أو دنيوية، بل أعطي له لفضله في الإسلام.. فليس لأحد أن يدعي تفضيل أي كان من الناس على علي «عليه السلام»..

علي يرفض كلام العائف:

قال أبو جعفر «رحمه الله»: وسار علي «عليه السلام» نحو البصرة، ورايته مع ابنه محمد بن الحنفية، وعلى ميمنته عبد الله بن عباس، وعلى ميسرته عمر بن أبي سلمة، وعلي «عليه السلام» في القلب على ناقة حمراء، يقود فرساً كميتاً. فتلقاه بفيدٍ غلام من بني سعد بن ثعلبة، يدعى مرة، فقال: من هؤلاء؟!

قيل: هذا أمير المؤمنين.

فقال: سفرة قانية، فيها دماء من نفوس فانية.

فسمعها علي «عليه السلام»، فدعاه، فقال: ما اسمك؟!

قال: مرة.

قال أمر الله عيشك! أكاهن سائر اليوم؟!

قال: بل عائف.

فخلى سبيله.

ونزل بفيد، فأتته أسد وطيء، فعرضوا عليه أنفسهم.

فقال: الزموا قراركم، ففي المهاجرين كفاية([6]).

توضيح: الكميت من الخيل الذي خالط حمرته سواد غير خالص.

ونقول:

في هذا النص أمور كثيرة تحتاج إلى توضيح، ومنها:

1 ـ إن هذا الرجل قد أطلق كلمات تشاؤمية متبرعاً بها، من دون أن تستند إلى أي أساس تقبله العقول. وبدا كأنه مدسوس ليثبط الناس عن أداء واجبهم، ويخوفهم من القتل بإخباراته الغيبيبة هذه، التي لا تستند إلى أساس..

2 ـ إن علياً «عليه السلام» حين دعا عليه: بأن يمر الله عيشه، إنما خاطبه بما يستحقه، لأنه إذا كان يثبط الناس عن الجهاد، ويتسبب بإفساح المجال أمام الباطل وأهله ليهيمن على الناس، أو يتسبب في تخاذل بعض الناس عن واجبهم، فذلك يعني: أنه قد أمرَّ عيش هؤلاء المتخاذلين وربما الأمة بأسرها، فيستحق أن يذوق مرارة العيش بنفس القدر الذي كان هو السبب في حصوله لغيره..

3 ـ إن ذلك الرجل أنكر لنفسه الكهانة، التي تعني الاتصال ببعض الجن، والأخذ منهم، وإطلاق بعض الكلمات الطنانة التي تحمل في طياتها القليل من الحق، والكثير من الباطل، ويتلاعب بذلك في مصائر الناس، ويؤثر على حركتهم وعلى حياتهم، وفق ما تقوده إليه أهواؤه..

فخشي ذلك الرجل من العقوبة والمؤاخذة لو اعترف بالكهانة، فلجأ إلى ادعاء العيافة وزجر الطير، الذي هو مجرد انسياق مع انفعالات نفسية، وخطرات لا أساس لها سوى الوهم والتخيل المستند إلى أسباب تافهة لا أثر لها، ولا واقع وراءها، منشؤها: ملاحظة حال الطير الذي يصادفه، في اسمه، وفي صوته، وفي مساقطه، فيتشاءم أو يتسعَّد بها.

وهذا لا أساس له من الناحية العلمية أو الواقعية.

الزموا قراركم:

1 ـ وقد أمر علي «عليه السلام» الوافدين عليه من طيء وأسد بلزوم أماكنهم، وعدم الالتحاق به، على الرغم من أنه كان بأمس الحاجة إلى الرجال.

وهذا يعطي: أنه «عليه السلام» لا يريد أن يحقق النصر على عدوه بأي ثمن كان، بل المهم عنده هو رعاية حال الناس من جميع الجهات، ولو نفر الناس جميعهم، فقد تختل حياة المقيمين بعدهم من الناحية المعيشية، أو الأمنية. فيتعرضون لسلب أو نهب، أو غارة من بعض من لهم ثأر عليهم.. ولعل.. ولعل..

2 ـ ويبدو لنا: أن هؤلاء الذين جاؤوا من طيء هم مجموعة أخرى، غير الست مئة الذين لحقوا به «عليه السلام» منهم، بقيادة عدي بن حاتم «رحمه الله»..

في المهاجرين كفاية:

وقد قال «عليه السلام» لبني أسد وطيء: «في المهاجرين كفاية». ولم يذكر الأنصار على الرغم من أنهم كانوا معه أيضاً..

ولعل سبب ذلك: هو أن حربه المتوقعة إنما هي مع قريش.. فأراد «عليه السلام» أن يعرف الناس: بأن المهاجرين الذين حكى الله عنهم أو لهم كرامة عند الله ليسوا قريشاً، التي تناوئه. فإن الذين يناوؤنه هم الطلقاء وأبناؤهم منها. أما المهاجرون فهم معه. وهذه مسألة حساسة وهامة كان لا بد من إيضاحها للناس.

أخبرني عما وراءك:

وقدم رجل من الكوفة فيداً، فأتى علياً «عليه السلام».

فقال له: من الرجل؟!

قال: عمار بن مطرف.

قال: الليثي؟!

قال: الشيباني.

قال: أخبرني عما وراءك؟!

قال: إن أردت الصلح فأبو موسى صاحبك، وإن أردت القتال فأبو موسى ليس لك بصاحب.

فقال «عليه السلام»: ما أريد إلا الصلح، إلا أن يُرد علينا([7]).

ونقول:

إننا نكتفي بالنقاط التالية:

علم علي :

إذا أردنا أن نأخذ الأمور وفق النظرة التي تقول: إن علم الإمامة عند علي «عليه السلام» يمنع من جهله «عليه السلام» بالأشخاص.

فقد يجاب بما يدعيه البعض، من أن المعصوم نبياً كان أو إماماً لا يعلم بالجزئيات والتفاصيل.

ويرد عليه:

أن عيسى «عليه السلام» يقول للناس: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ([8]).

وكان النبي «صلى الله عليه وآله» يخبرهم من خلال علم الشاهدية ببعض الأمور التفصيلية والجزئيات.. ومن ذلك قوله «صلى الله عليه وآله» لعمر: لن تؤمن بها حتى تموت([9]). إشارة إلى متعة الحج.

ويمكن أن يجاب بنحو آخر، يكون به تفسير سؤاله «عليه السلام» عن اسم الرجل، ثم عن قبيلته، فيقال:

أولاً: إن علياً «عليه السلام» كان عارفاً بالرجل وبقبيلته، ولكنه عمل بتكليفه الظاهري، إذ لا يحق له التعامل مع الناس بعلومه الخاصة، التي تصل إليه بطرق غير عادية، وغير مقدورة ولا ميسورة لعامة الناس.

ثانياً ولعل المطلوب: هو أن يعرِّف غيره باسم ذلك الشخص، أما هو نفسه فكان في غنى عن ذلك.. كما أن المطلوب بسؤاله الثاني هو تحقيق اسم ذلك الرجل لغيره، حتى لا يقع في الغلط إذا أراد نقل هذا الحدث للآخرين..

يجب أن يسمع الناس:

إن أول سؤال ألقاه «عليه السلام» على ذلك الرجل: هو السؤال عن أخبار الشأن العام. وأتته الإجابة التي كان يتوقعها عن أبي موسى، فقد أخبره عامر بأن أبا موسى لم يكن رجل حرب، بل هو سيتقاعس حتى لو كان تقاعسه عنها يجر عليه الخزي والذل.

هذا فضلاً عن أنه لا يمكن أن يحارب أحباءه وأولياءه، بل سيحاول الدفع عنهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، حتى لو كان ذلك بقيمة نكث بيعته ونقض عهوده.

ونتيجة ذلك: أنه سيكون مع علي إن حفظ له علي «عليه السلام» أحباءه، وكف عنهم. وإن قاتلهم «عليه السلام» ولو دفاعاً عن النفس، كما هو حاصل بالفعل، فسيكون أبو موسى ضده، والمخذل عنه.

ودليلنا على ذلك: أن أعداء علي «عليه السلام» قد سفكوا الدماء، وانتهبوا بيوت الأموال، وغدروا، ونكثوا بيعتهم، وأبو موسى يواصل تخذيل الناس عن مساعدة من يريد دفع شرهم عن نفسه، وعن الناس، وإيقافهم عند حدهم..

لقد كان مطلوب علي «عليه السلام»: هو أن يسمع الناس هذه الأمور، ليعرفوا عدوهم من صديقهم، ولكي لا يفاجأوا بالأمور حين حدوثها..

عثمان بن حنيف عند علي :

وحين كان علي «عليه السلام» في الربذة، ولكن رواية سيف تقول: لما نزل علي الثعلبية أتاه الذي لقى عثمان بن حنيف وحرسه، فقام وأخبر القوم الخبر، وقال: اللهم عافني مما ابتليت به طلحة والزبير، من قتل المسلمين، وسلمنا منهم أجمعين.

ولما انتهى إلى الأساد أتاه ما لقى حكيم بن جبلة، وقتلة عثمان بن عفان، فقال: الله أكبر، ما ينجيني من طلحة والزبير إذا أصابا ثأرهما، أو ينجيهما، وقرأ: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا([10]).

وقال:

دعـا حـكـيـم دعـوة الـزمــــاع           حـل بـهـا مـنـزلـــة الـــنـــزاع

ولما انتهوا إلى ذي قار              انتهى إليه فيها عثمان بن حنيف الخ..([11]).

قال أبو جعفر: وقدم عليه عثمان بن حنيف، وقد نتف طلحة والزبير شعر رأسه ولحيته وحاجبيه، فقال: يا أمير المؤمنين، بعثتني ذا لحية، وجئتك أمرد.

فقال: أصبت خيراً وأجراً.

ثم قال: أيها الناس، إن طلحة والزبير بايعاني، ثم نكثا بيعتي، وألبا علىَّ الناس.

ومن العجب انقيادهما لأبي بكر وعمر، وخلافهما علي، والله إنهما ليعلمان أني لست بدونهما([12]).

اللهم فاحلل ما عقدا، ولا تبرم ما قد أحكما في أنفسهما، وأرهما المساءة فيما قد عملا([13]).

الإنتقام من الأبرياء:

قال الشيخ المفيد «رحمه الله»:

ثم قال طلحة والزبير لعائشة: ما تأمرين في عثمان [يعني: ابن حنيف]؟! فإنه لما به.

فقالت: اقتلوه قتله الله!

وكانت عندها امرأة من أهل البصرة، فقالت لها: يا أماه! أين يذهب بك؟! أتأمرين بقتل عثمان بن حنيفٍ وأخوه سهل خليفة على المدينة؟! ومكانه من الأوس والخزرج ما قد علمت!

والله لئن فعلت ذلك لتكونن له صولة بالمدينة يقتل فيها ذراري قريش.

فناب إلى عائشة رأيها وقالت: لا تقتلوه، ولكن احبسوه، وضيقوا عليه حتى أرى رأيي.

فحبس أياماً ثم بدا لهم في حبسه، وخافوا من أخيه أن يحبس مشايخهم بالمدينة ويوقع بهم، فتركوا حبسه([14]).

حزن علي :

وقال الشيخ المفيد «رحمه الله» أيضاً:

فخرج ابن حنيفٍ حتى أتى أمير المؤمنين «عليه السلام» وهو بذي قارٍ، فلما نظر إليه أمير المؤمنين «عليه السلام»، وقد نكل به القوم، بكى وقال: «يا عثمان بعثتك شيخاً ألحى، فردوك أمرد إلي! اللهم إنك تعلم أنهم اجترؤوا عليك، واستحلوا حرماتك.

اللهم اقتلهم بمن قتلوا من شيعتي، وعجل لهم النقمة بما صنعوا بخليفتي»([15]).

ونقول:

هنا أمور يحسن التوقف عندها:

علي والبطش بالأبرياء:

صحيح أن عائشة ومن معها قد خافوا من سهل بن حنيف الذي كان والياً على المدينة من قبل علي «عليه السلام»، فأطلقوا سراح أخيه عثمان بن حنيف بعد تعذيبه، وبعد أن كانوا قد صمموا على قتله..

ولكن الصحيح أيضاً: هو أن هذه النظرة خاطئة بكل ما لهذه الكلمة من معنى.. وأن ما توهموه لم يكن ليقع، فإن سهل بن حنيف كان أتقى لله من أن يقدم على ذلك، كما أنه كان والياً على المدينة من قبل علي «عليه السلام». ولا يمكن أن يرضى علي «عليه السلام» بأخذ الحق من غير صاحبه.

كيف وهو يقرأ قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى([16]).

ولا يمكن أن يترك علي «عليه السلام» لسهيل بن حنيف حرية التصرف بأهل المدينة كما يحلو له.. ولا سيما فيما يرتبط بكرامات الناس، وحفظ حقوقهم وأمنهم.. فكيف إذا كانت دواعي التصرف شخصية، ولمجرد أن المعتدى عليه هو أخوه أو قريبه؟! مع كون من يريد الإنتقام منهم لم يكن لهم أي دور فيما جرى على ذلك الأخ أو القريب!!

وكيف إذا كان المسؤول عن أمن هؤلاء الناس هو علي «عليه السلام» بالذات، فإنه هو القائل: «لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة، فأسلبها جلب شعيرة ما فعلته، وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها»([17]).

عائشة تأمر بقتل عثمان بن حنيف:

وقد أظهر النص المتقدم: أن عائشة قد أمرت بهذا الرجل المسلم، والتقي والوفي، في بيعته، والعامل بأمر الله تعالى له بالطاعة والنضرة لإمامه المنصوص عليه من الله ورسوله.

ولئن راود البعض شك في أن يكون قولها: «اقتلوه، قتله الله» لا يعني: أن القرار في ذلك كان لها، بل هو على حد قول أي إنسان يرى أحد أعدائه في يد جلاديه، فيقول لهم: اقتلوه.. مع أنه قد لا يكون ممن له الأمر والنهي أبداً..

فإن هذه الشبهة مردودة، لأن النص المتقدم نفسه يذكر: أنها لما نبهتها المرأة، عادت فقالت: «لا تقتلوه، ولكن احبسوه وضيقوا عليه حتى أرى فيه رأيي».

ابن حنيف في ذي قار أم في الربذة؟!:

ولا نريد أن نصرف الوقت والجهد في التحقيق التدقيق في الموضع الذي لقي فيه عثمان بن حنيف «رحمه الله» أمير المؤمنين «عليه السلام».. هل لقيه في ذي قار؟! أم في الربذة؟!([18]) أو في الطريق بينهما؟!

غير أننا نقول:

أولاً: لقد كتب علي «عليه السلام» إلى عثمان بن حنيف من الربذة، يخبره بمسير أصحاب الجمل نحو البصرة..

وأخبره أنه سيسرع اللحاق بهم ـ وقد تقدمت هذه الرسالة في فصل سابق من هذا الكتاب.

ونحن وإن قلنا: إن من الممكن أن تصل الرسالة إلى ابن حنيف.. ومن الممكن أيضاً: أن يصل الناكثون إلى البصرة، وأن يعيثوا فيها فساداً، ثم يأتي ابن حنيف إلى الربذة. ولكن ذلك يتوقف على إثبات: أن يكون علي «عليه السلام» قد أطال إقامته في الربذة بمقدار يمكن أن يحصل ذلك كله..

ولكنه يبقى احتمالاً بعيداً بحسب العادة، إذ يبعد أن يكون «عليه السلام» قد توقف في الربذة أكثر من شهر واحد، ولذلك نرجح الروايات التي تقول: إن ابن حنيف قد لقي علياً «عليه السلام» في ذي قار.

ثانياً: لقد ذكرت رواية الطبري ما يحل به الإشكال، ففيها: أنه لما نزل «عليه السلام» الثعلبية([19]) أتاه الخبر عما لقيه عثمان بن حنيف وحرسه، فقام وأخبر القوم، وقال: «اللهم عافني مما ابتليت به طلحة والزبير من قتل المسلمين، وسلمنا منهم أجمعين».

ولما انتهى إلى الإساد([20]) أتاه خبر ما لقي حكيم بن جبلة، وما لقيه سائر الذين قتلهم الناكثون. فقال «عليه السلام»:

الله أكبر، ما ينجني من طلحة والزبير إذا أصابا ثأرهما، أو ينجيهما..

ولما انتهى إلى ذي قار أتاه عثمان بن حنيف، وليس في وجهه شعر([21]).

من الكذب على علي :

غير أن نفس هذا النص الذي ذكرناه قد تضمن تزويراً واضحاً على لسان أمير المؤمنين «عليه السلام». حيث ذكر: «أنه «عليه السلام» حين بلغه في الإساد، ما جرى لحكيم بن جبلة وقتلة عثمان بن عفان، قال: ما ينجيني من طلحة والزبير([22]) إلى آخر العبارة المتقدمة..».

وهذا مكذوب على لسان أمير المؤمنين «عليه السلام» من جهتين:

الأولى: قوله: «وقتلة عثمان بن عفان». فإن علياً «عليه السلام» لا يمكن أن ينسب للناس ما هم بريئون منه.. فإن أهل البصرة الذين قتلهم الناكثون لم يقتلوا عثمان بن عفان.

بل قد عرفنا: أن طلحة والزبير قد ساهما في قتل عثمان. ومكنوا أهل مصر من قتله..

ولنفترض: أن بعض أهل البصرة شارك في قتله، فهل يمكن أن يشارك ست مئة رجل في قتل رجل..

ولنفترض أيضاً: أن ذلك ممكن، فهل انحصر القتلة، بأهل البصرة. دون أهل الكوفة ومصر، وأهل المدينة وسائر الأقطار؟!

وإذا كان الأمر قد انحصر بأهل البصرة، فما المبرر لحرب الجمل، بعد أن أدرك الناكثون ثأرهم بحسب زعمهم؟!

الثانية: تضمنت الرواية كذبة أخرى، وهي: أنه «عليه السلام» قال: ما ينجيني من طلحة والزبير، إذا أدركا ثأرهما، إذ لم يكن لطلحة والزبير ثأر عند أحد..

ومع غض النظر عن ذلك.. هل أدركا ثأرهما بقتل ست مئة بريء من أهل البصرة؟! إلى آخر الأسئلة التي قدمناها آنفاً.

يضاف إلى ذلك: أن علياً «عليه السلام» لم يكن يخاف من طلحة والزبير، فما معنى قوله: ما ينجيني من طلحة والزبير؟!

وإن كان الزبير يريد تخويف أصحابه من عدوهم، فهذا نقض للغرض، ومخالف للحكمة، فإن أحداً لا يقدم على تخويف أصحابه من عدوه، وهو بصدد حربه!!

بكاء علي لحال ابن حنيف:

وفي النص المتقدم: أن علياً «عليه السلام» حين رأى ابن حنيف بتلك الحالة بكى..

ويجب أن يُعلم: أن هذا البكاء ليس دليل ضعف وانهزام، بل هو:

أولاً: دليل كمال علي «عليه السلام» في إنسانيته، لأن الإنسان القاسي ليس هو الرجل المثالي بنظر الإسلام، لأن الإسلام يعتبر القسوة والجفاف العاطفي نقصاً، ولذلك روي: أن الأقرع بن حابس قال لرسول الله «صلى الله عليه وآله» حين رآه يقبل الحسن والحسين «عليهما السلام»: لي عشرة من الولد، ما قبَّلت واحداً منهم..

فقال «صلى الله عليه وآله»: من لا يرحم لا يرحم([23]).

ثانياً: إن هذا البكاء يدل أيضاً على محبة علي «عليه السلام» لذلك الرجل الصالح المظلوم، عثمان بن حنيف. وعلى طبيعة علاقته «عليه السلام» بأصحابه. وأنها لم تكن علاقة مصلحة، ولا علاقة حاكم بمحكوم، يلقي إليه أوامره، ويطالبه بإجرائها، ولا يهمه بعد ذلك ما يحل به.. بل هي علاقة، مسؤولية، ومشاركة، ومحبة ورعاية..

وقدوته في ذلك رسول الله «صلى الله عليه وآله»، الذي تحدث الله تعالى عنه فقال:

﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ([24]).

وبعد.. فهل من يبكي لما أصاب ابن حنيف، يرضى بقتل الأبرياء في المدينة على يد سهل بن حنيف انتقاماً منهم لما فعله أقاربهم بأخيه؟! حاشا!! ثم حاشا!!

روايات سيف لا تشبه غيرها:

إن من يلاحظ روايات سيف في تاريخ الأمم والملوك يجد: أنها عالم آخر لا يشبه روايات غيرها للأحداث لا من قريب ولا من بعيد..

فإذا قرأت حرب الجمل في روايات سيف، أو حديث مقتل عثمان، أو غير ذلك، ثم قرأتها من روايات سائر المحدثين والمؤرخين، فستجد نفسك أمام حدثين لا يكاد يلتقيان على شيء إلا في بعض الأسماء، وفي كون كل منهما يتحدث باللغة العربية، ولا نستطيع أن تعقل مقولة صدق سيف، إلا إذا قررنا تكذيب جميع المؤرخين والمسلمين، ونصدق من اتهم بالوضع والإختلاق حتى بما هو أعظم من ذلك، وهذا غير معقول، ولا مقبول لدى أي عاقل يحترم نفسه، وعقله ووجدانه. ولولا الخوف من دخول الشبهة على بعض القراء لما تعرضنا لأمثال هذه الأضاليل والأباطيل.

خبر مقتل عثمان:

وقد ذكرت رواية سيف وصول خبر ما جرى لحكيم بن جبلة، وقتلة عثمان، وسيأتي: أن هذا الكلام ليس له أساس من الصحة، بل هو من مفردات التدليس، والتزوير، والخداع، فإن قتلة عثمان لم يكونوا في البصرة، باعتراف طلحة والزبير كما سنرى.

فإن طلحة كان هو قائد الهجوم على عثمان إلى أن قتل، وكان الزبير من المحرضين على قتله، وكانت عائشة تأمر الناس بقتله، وتقول: «اقتلوا نعثلاً فقد كفر»، إلى غير ذلك مما ستأتي الإشارة إليه في هذا الكتاب.

ثأر طلحة والزبير:

ولا ريب في كذب الذي ذكره الطبري عن سيف، عن أن علياً «عليه السلام» قال: الله أكبر، ما ينجيني من طلحة والزبير إذا أصابا ثأرهما، أو ينجيهما.

فأولاً: إن علياً «عليه السلام» كان على يقين من النتائج، ولم يكن خائفاً من طلحة والزبير، حتى لو أصابا ثأرهما، وهو القائل: «قد كنت وما أهدد بالحرب، ولا أرهب بالضرب»([25])، و «وهل أحد منهم أشد لها مراساً وأقدم فيها مقاماً مني»([26])، ويقول: «لألف ضربة بالسيف أهون من موتة على فراش»([27]).

ثانياً: أي ثأر لطلحة والزبير يخشى علي «عليه السلام» أن يصيباه؟! ألم يقل لنا «عليه السلام» مرات ومرات: أنهم يطلبون دماً هم سفكوه، وحقاً هم تركوه؟!

ثالثاً: ما ربط الآية الكريمة بما جرى؟! إلا إن كان المراد تبرئة الناكثين من دماء المسلمين المقتولين، وإلقاء التبعة على الله سبحانه، بالإلتجاء إلى نظرية الجبر الإلهي، التي أثبت العلماء بطلانها، لمنافاتها العدل الإلهي.

لحية ابن حنيف:

هناك أمور يحسبها الإنسان بسيطة، ولا أهمية لها.. والحال أنها هامة جداً في دلالتها، وإيحائها. منها: قول ابن حنيف لأمير المؤمنين «عليه السلام»: بعثتني ذا لحية، وجئتك أمرداً. حيث نتف البغاة شعر رأسه، ولحيته، وحاجبيه، وأشفار عينيه، حتى ما بقي في وجهه شعرة. وأرادوا قتله لكنهم خافوا وطأة أخيه سهل بن حنيف على من كان في المدينة من اقاربهم.

فهل ما فعلوه بابن حنيف هو من العقوبات الشرعية المقررة؟! أم هي من التعذيب والأذى الذي نهى الشارع عن ممارسته في حق أي كان من الناس، إن لم نقل: إنه من المثلة التي ورد التشديد في النهي عنها؟!

ومن البديهي: أن أفعالاً من هذا القبيل لا يمكن أن تصدر عمن يرشح نفسه لإمامة الأمة، لأنها تدل على عدم التزامه بالحدود الشرعية. وعلى أنه لا يؤتمن على دماء الناس، وأعراضهم، وأموالهم، وكراماتهم، ولا على دين الله وشرائعه..

أصبت خيراً وأجراً:

قال «عليه السلام» لعثمان بن حنيف: «أصبت خيراً وأجراً». ثم ذكر أفاعيل الناكثين، ليدل على أن آثار ما تعرض له ابن حنيف ليست سيئة بالنسبة إلى شخص ابن حنيف، بل هي خير محض، لأنها أعطته بصيرة بهؤلاء الناس الذين يدعون الصحبة لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، ويرشحون أنفسهم لخلافته، وتبوأ مقامه.

كما أن نفس هذا الفعل سيسهم في فضح أمرهم، وكشف دخائلهم، ويدل الناس على عدم التزامهم بأحكام الشرع والدين. ويعجل في دفع شرهم عن الأمة، ومنهم ابن حنيف نفسه.

فالعمل الذي مارسوه ضد ابن حنيف وإن كان جريمة قبيحة في حد ذاتها ومؤذية ومؤلمة، ولكنها نافعة له.

كما أن ابن حنيف قد أصاب أجراً، ومثوبة ستنفعه في الآخرة وترفع من مقامه عند الله تعالى إن شاء الله تعالى..

الناكثون في كلام علي :

ولم يزد علي «عليه السلام» على تذكير الناس بما فعله طلحة والزبير، من دون أن يضيف على تعدادها أي توصيف لها من عند نفسه. فذكر أنهما قد بايعاه، ثم نكثا. ثم ألبا الناس عليه.

وعلى الناس بعد هذا أن يفهموا أن من لا عهد له، وينكث البيعة، ويؤلب الناس على إمامه الذي سبقت بيعته له كيف يمكن أن يؤتمن على الدين، وعلى مصالح المسلمين؟!

المفارقة يثيرها باستمرار:

ثم أثار «عليه السلام» أمراً لم يزل يثيره في المناسبات المختلفة، وسيأتي: أن الإمام الحسن «عليه السلام» قد أثاره أيضاً في الكوفة.. وهو: أن طلحة والزبير قد ناقضا أنفسهما حين قبلا بيعة أبي بكر وعمر، وسلما لهما، بالرغم مما جرى في تلك البيعة من قهر المسلمين، ومصادرة حرياتهم وتعد على حرماتهم، فضلاً عما جرى من قهر وتعدٍ على فاطمة الزهراء «عليها السلام»، وضربها، وإسقاط جنينها، وهتك حرمة بيتها..

وبالرغم من عدم إجماع الناس عليهما..

وبالرغم من علمهما: بأنه «عليه السلام» ليس بدون أبي بكر وعمر، بل لا يقاس به أحد كما عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»([28]).

وبالرغم من إجماع الناس عليه، ومن رفضه لهذا الأمر أياماً كثيرةً، وكان طلحة والزبير في طليعة المصرين عليه بالقبول، ثم كانا أول من بايعه..

دعاء علي على الناكثين:

وقد دعا «عليه السلام» على طلحة والزبير: اللهم فاحلل ما عقدا، ولا تبرم ما أحكما في أنفسهما، وأرهما المساءة فيما قد عملا.

فنلاحظ: أنه لم يدع عليهما بغير ما يدخل في دائرة حفظ نظام الأمة، ودفع بغيهما، وإبطال تدبيرهما، ولم يتعرض لأي شيء يمس شخصهما، لا في بدنهما، ولا في مالهما، ولا في أي شيء آخر..

محاولة إصلاحية لابن عباس:

قال أبو جعفر: وعاد محمد بن أبي بكر وابن جعفر إلى علي «عليه السلام»، فلقياه وقد انتهى إلى ذي قار، فأخبراه الخبر، فقال علي «عليه السلام» لعبد الله بن العباس: اذهب أنت إلى الكوفة، فادع أبا موسى إلى الطاعة، وحذره من العصيان والخلاف، واستنفر الناس.

فذهب عبد الله بن عباس حتى قدم الكوفة، فلقي أبا موسى، واجتمع الرؤساء من أهل الكوفة. فقام أبو موسى فخطبهم، وقال:

إن أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» صحبوه في مواطن كثيرة، فهم أعلم بالله ممن لم يصحبه، وإن لكم علي حقاً، وأنا مؤديه إليكم، أمر ألا تستخفوا بسلطان الله، وألا تجترئوا [على الله] أن تأخذوا كل من قدم عليكم من أهل المدينة في هذا الأمر، فتردوه إلى المدينة، حتى تجتمع على إمام ترتضي به، إنها فتنة صماء، النائم فيها خير من اليقظان، واليقظان خير من القاعد، والقاعد خير من القائم، والقائم خير من الراكب، فكونوا جرثومة من جراثيم العرب، أغمدوا سيوفكم، وأنصلوا أسنتكم، واقطعوا أوتار قسيكم، حتى يلتئم هذا الأمر، وتنجلي هذه الفتنة([29]).


([1]) في أمالي المفيد: «قديد».

([2]) الآية 95 من سورة النساء.

([3]) الأمالي للمفيد ص295 ـ 298 وبحار الأنوار ج32 ص101 ـ 103 عنه، والأمالي للشيخ الطوسي ج1 ص67 و 68 و (ط دار الثقافة ـ قم) ص70 ـ 72.

([4]) الآية 95 من سورة النساء.

([5]) الآية 7 من سورة نوح.

([6]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص17 و 18 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص158 والفتنة ووقعة الجمل ص137 و 138 وتاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص495 والكامل في التاريخ ج3 ص225.

([7]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص18 والفتنة ووقعة الجمل ص137 وراجع: تاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص495.

([8]) الآية 49 من سورة آل عمران.

([9]) الإرشاد للشيخ المفيد (ط دار المفيد) ج1 ص174 وبحار الأنوار ج21 ص386= = وجامع أحاديث الشيعة ج10 ص332 وكشف الغمة ج1 ص237 وكشف اليقين ص239 وغوالي اللآلي ج2 ص90 وفقه القرآن للراوندي ج1 ص266.

([10]) الآية 22 من سورة الحديد.

([11]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج4 ص481 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص496 والكامل في التاريخ ج3 ص225 والفتنة ووقعة الجمل ص137.

([12]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص18 وراجع ج20 ص278 وتاريخ الأمم والملوك (ط أوربا) ج1 ص3141 ـ 3143 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص495 و 496 وراجع: مناقب آل أبي طالب ج2 ص112 وبحار الأنوار ج41 ص206 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص718 والكامل في التاريخ ج3 ص226 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص158 وراجع: إمتاع الأسماع ج13 ص238.

([13]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص19 ـ 21 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج1 ص291 والإرشاد للشيخ المفيد ج1 ص250 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص112 والجمل لابن شدقم ص116 وبحار الأنوار ج32 ص64 و 78 و 116 وج41 ص206 ونهج السعادة ج1 ص286 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص310 وج9 ص38 وج14 ص18 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص496 والكامل في التاريخ ج3 ص226 وإمتاع الأسماع ج13 ص238 والجمل للشيخ المفيد ص144.

([14]) الجمل ص284 و (ط مكتبة الدواري ـ قم) ص153 و 154 وأشار في هامشه إلى المصادر التالية: أنساب الأشراف ج1 ص228 ـ 229 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص474 ـ 475 والأوائل ص140 والإستيعاب ج1 ص326 ـ 327 ومثالب النواصب ج3 الورقة25 وتذكرة الخواص ص67 والكامل في التاريخ ج2 ص217 ـ 220 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص321 ونهاية الأرب ج20 ص38.

([15]) الجمل ص285 و (ط مكتبة الدواري ـ قم) ص154 وقال في هامشه: قـارن  = = بتاريخ اليعقوبي ج2 ص182 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص480 والكامل في التاريخ ج3 ص226 وتذكرة الخواص ص68 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص321 وتاريخ مختصر الدول ص106 ونهاية الأرب ج20 ص45.

([16]) الآية 15من سورة الإسراء.

([17]) راجع: نهج البلاغة ج2 ص218 وبحار الأنوار ج41 ص162 وج42 ص346 و ج72 ص360 ومستدرك سفينة البحار ج3 ص361 وج10 ص150 وحلية الأبرار ج2 ص201 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج1 ص354 وج7 ص189 ونهج السعادة ج3 ص90 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج11 ص246 وينابيع المودة ج1 ص442.

([18]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج4 ص480 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص495 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص18 والأعلام للزركلي ج4 ص205.

([19]) الثعلبية: منزل على طريق مكة من الكوفة. وكانت عامرة ثم خربت [معجم البلدان ج2 ص78].

([20]) الأساود: ماء على يسار الطريق للقاصد إلى مكة من الكوفة. وفي المصدر الأساد. ولعل الواو سقطت من النساخ.

([21]) لخصناه من تاريخ الأمم والملوك ج4 ص481 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص496 وراجع: الكامل في التاريخ ج2 ص326 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص321 وتذكرة الخواص ص93 وراجع: الفتنة ووقعة الجمل ص137.

([22]) لاحظ تاريخ الأمم والملوك والمصادر المتقدمة.

([23]) إحقاق الحق (الملحقات) ج10 ص756 وبحار الأنوارج43 ص282 و 295 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج21 ص485 و (ط دار الإسلامية) ج15 ص203 وروضة الواعظين ص369 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص155 و 189 والعمدة لابن البطريق ص401 وجامع أحاديث الشيعة ج21 ص415 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص552 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص394 ومسند أحمد ج2 ص241 و 269 و 514 وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج7 ص75 وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج7 ص77 وسنن أبي داود ج2 ص522 وسنن الترمذي ج3 ص212 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص100.

([24]) الآية 128 من سورة التوبة.

([25]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج1 ص60 وج2 ص88 والكافي ج5 ص53 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج2 ص268 والأمالي للطوسي ص169 وعيون الحكم والمواعظ للواسطي ص406 وبحار الأنوار ج31 ص599 وج32 ص54 و 60 و 95 و 100 و 188 و 193 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص7 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج5 ص434 ونهج السعادة ج1 ص295 و 300 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص303 وج10 ص3 ومطالب السؤول ص213 وكشف الغمة ج1 ص241.

([26]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج1 ص70 وبحار الأنـوار ج34 ص65 و 143  = = وج38 ص279 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص10 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص732 ونهج السعادة ج2 ص564 وج5 ص317 والمعيار والموازنة ص95 وراجع: مقاتل الطالبيين ص15 ومعاني الأخبار ص310 والغارات للثقفي ج2 ص477.

([27]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص2 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج2 ص269 وج3 ص289 وبحار الأنوار ج32 ص61 و 100 و 189 و 194 وج33 ص455 وج34 ص146 وج68 ص264 وج74 ص403 وج97 ص11 و 14 و 40 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص7 و 127 والإرشاد للشيخ المفيد ج1 ص238 والأمالي للطوسي ص169 و 216 والكافي ج5 ص54 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص14 و (ط دار الإسلامية) ج11 ص8 وعيون الحكم والمواعظ ص154.

([28]) العقد النضيد للقمي ص26 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص90 عن أبي الفوارس في كتابه الأربعين (مخطوط) ص43 والفضائل لشاذان ص169 وبحار الأنوار ج37 ص78 و 79 عنه.

([29]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص18 و 19 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص482 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص497 والكامل في التاريخ ج3 ص227 والغارات ج2 ص918 و 922 والفتنة ووقعة الجمل ص138 و 139 و البداية والنهاية (ط دار إحياء التراث) ج7 ص263.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان