بـدايـة:
قد يتحير الناس في حقيقة موقف الأحنف من الناكثين، بسبب
تضارب الروايات.
هل كان موقفه هذا بسبب تحيره وعدم وضوح الأمر له، حيث
لم يعرف المحق من المبطل؟!
أم أنه أراد تقديم خدمة لعلي «عليه السلام»؟!
أو أنه لم يكن مهتماً للحق ولا للباطل؟! إذ كان يهمه
سلامة نفسه وقومه، فتصرف تصرف الأذكياء الأكياس، ورأى أنه هو الرابح
على كل حال، إذ سيكون باستطاعته أن يقول لأي منهما: لو كنت وقومي مع
الطرف الآخر لم تربح أنت الحرب..
إننا من أجل الإجابة على هذه الأسئلة سنحاول نحن في هذا
الفصل أن نذكر بعض النصوص، التي تحدثت عن موقفه هذا، ثم نشير إلى بعض
ما تحسن الإشارة إليه.. فنقول:
الأحنف ـ واسمه الضحاك ـ رجل عرف بالحلم والسيادة، وكان
يهتم بشؤون قومه وقبيلته، ومسايرتهم، وإبعادهم عن الاخطار وعن الحروب..
ومات سنة 67([1])،
وصلى عليه مصعب بن الزبير، ومشى في جنازته([2])،
وكانت له صداقة معه، وكان معه في مسيره إلى الكوفة([3]).
وكانت له منزلة حسنة عند معاوية([4]).
ولعل هذا الذي أشرنا إليه آنفاً قد شجع بعض الناس على
بذل المحاولة للتشكيك في موقف الأحنف من أمير المؤمنين
«عليه السلام»
في حرب الجمل، ويدعي أنه لم يكن راضياً عن تلك الحرب،
وأن امتناعه عن المشاركة فيها كان لأجل عدم وضوح الأمر له، وعدم
موافقته على سياسة أمير المؤمنين «عليه السلام» فيها..
غير أننا نقول:
إنه بالرغم من صداقة الأحنف لبعض أعداء أمير المؤمنين
كمصعب بن الزبير ومن أنه كانت له منزله حسنة عند معاوية، فإنه كان ظاهر
الميل والطاعة لعلي «عليه السلام».
وحين قرأ ابن عباس كتاب علي «عليه السلام» إلى أهل
البصرة يدعوهم إلى قتال معاوية، قام الأحنف فقال: «نعم
والله، لنجيبنك، ولنخرجن معك على العسر واليسر، والرضا والكره، نحتسب
في ذلك الخير، ونأمل من الله العظيم من الاجر»([5]).
كما أن الأحنف لم يكن يرضى بالنيل من أمير المؤمنين
«عليه السلام»، وكان يثني عليه، ويُظْهِرُ تعظيمه حتى عند معاوية([6]).
وكان من قادة جيش علي «عليه السلام» في صفين([7]).
وعرض على أمير المؤمنين «عليه السلام» أن يكون هو
الموكل عنه في قضية التحكيم، ولكن خوارج أهل العراق فرضوا أبا موسى
الأشعري([8]).
قال ابن أعثم:
«ثم إنهم بعثوا إلى الأحنف بن قيس، فدعوه، وقالوا: إنا
نريد منك أن تنصرنا على دم عثمان بن عفان، فإنه قتل مظلوماً.
قال:
فالتفت الأحنف إلى عائشة، وقال: يا أم المؤمنين، أنشدك
الله، أما قلت لي (لعل الصحيح: لك) ذلك اليوم: إن قتل عثمان فمن
أبايع؟!
قلتِ:
علي بن أبي طالب؟!
فقالت عائشة:
قد كان ذلك يا أحنف. ولكن ها هنا أمور نحن بها أعلم
منك.
فقال الأحنف:
لا والله، لا
أقاتل علي بن أبي طالب أبداً، وهو أخو رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»،
وابن عمه، وزوج ابنته، وأبو سبطيه. وقد بايعه المهاجرون والأنصار.
قال:
ثم وثب الأحنف حتى صار إلى ديار قومه من بني تميم، ثم
نادى فيهم، فاجتمع إليه أربعة آلاف رجل، فسار بهم حتى نزل بهم على
فرسخين من البصرة»([9]).
ونقول:
في هذا النص أمور عديدة ينبغي التوقف عندها، وهي
التالية:
قد أظهر هذا النص:
أن عائشة لم يكن لها رأي واحد في أمر الخلافة بعد
عثمان، فهي تقول للأحنف قبل قتل عثمان. إن قتل عثمان بايع علياً.. ثم
تنتفض ضد علي «عليه السلام» بمجرد علمها بالبيعة له، ثم تقود العساكر
لحربه.. فكيف نفسر ذلك؟!..
وقد يجاب عن ذلك بملاحظة
المثال التالي:
إن بعض النساء إذا ذكر لها زوجها:
أنه يريد أن يتزوج بامرأة أخرى فإنها تظهر له التجلد،
وتكابر على نفسها، وتزعم أن ذلك لا يهمها. ولكنها بمجرد أن تحس بجدية
هذا الكلام تثور وتنتفض، ولا يقر لها قرار، فإذا صدَّق القول بالفعل،
فإن ثورتها تصير أشد، وهيجانها يصبح أقوى وأعظم.. ولعل عائشة قد
استهانت بالأمر أولاً، فلما تحقق ذلك بالفعل ثارت ثائرتها..
ولكننا نقول:
إن هذا الجواب لا يكفي لتبرير فعل عائشة، فإن سؤال
الأحنف لها لم يكن يدعوها للتجلد ولا للمكابرة.
وقد يكون الأصح في الجواب هو أنها كانت قبل قتل عثمان
تدبر الأمور لمصلحة طلحة بهدوء. وكانت تريد أن لا تشيع ذلك بين الناس
خوفاً من تحرك بني هاشم، وتحاشياً لانتقاض بني أمية ضد طلحة، كما أنها
كانت تريد صرف همة الأمويين إلى مناوأة علي «عليه السلام»..
ولعلها كانت أيضاً تريد بتبريرها
هذا:
تطمين الأحنف إلى أن الأمور تسير بالاتجاه الذي يحبه.
ولعلها لم تكن تريد أن تظهر أنها خلاف الاتجاه العام
الذي ظهر فيه الإجماع على البيعة لعلي «عليه السلام» فتمت بالشكل الذي
رأيناه، وهو ما لم يحدث لغيره أبداً.
لأن إظهار نواياها الحقيقية في ذلك الوقت سيحبط كل
مساعيها وخططها وسيضعف موقفها ويشل حركتها.
فلذلك وجهت نظر الأحنف بذلك الاتجاه، ثقة منها بأن
البيعة لو تمت لطلحة، فإن الأحنف الذي هو من أهل البصرة لن يشكل خطراً
في ذلك، بل هو سيتابع أهل المدينة، ويبايع من بايعوه.
1 ـ
وقد اعترفت عائشة بصحة ما ذكره الأحنف، ربما لأنها وجدت
أن إنكارها له من شأنه أن يذهب بثقة الأحنف بها.. وهي إنما تسعى
لكسبها، وتأكيدها.. وقد كانت مصيبة وموفقة في اعترافها هذا.
2 ـ
ولكنها أخطأت حين أحالت الأحنف على مجهول، فما مثل الأحنف يرضى بمثل
هذه الإحالة.. وإنما تنفع أمثال هذه الإحالات، مع الناس البسطاء،
السذج، الذين لا رأي لهم. ولم يكن الأحنف من هؤلاء قطعاً..
3 ـ
أضف إلى ذلك:
أن الأحنف لم يكن يرى لعائشة ولاية عليه ولا على غيره، وإنما هو
يحترمها إكراماً لرسول الله
«صلى الله
عليه وآله».
كما أنه لا يرضى بأن يفكر أحد عنه، ويقرر له، ثم يكون
هو مجرد آلة تنفذ قرارات الآخرين. ولم يكن يرضى من عائشة أن تعتبر
معرفتها ببعض الأمور مبرراً لإصدار الأوامر العمياء لغيرها، بل عليها
أن تعرض ما تعرفه عليه، ثم يكون هو الذي يقرر الإقدام أو الإحجام، فإن
معرفة أمرٍ دون الناس لا يعطي الولاية للعارف بذلك على أحد من الناس..
مضافاً إلى أن هذه المعرفة لا تعني سلامة التفكير وصحة
النتائج المستندة إليها، فكم من الناس من عرفوا بعض الأمور، وقرروا على
ضوئها، ثم ظهر أن قراراتهم كانت خاطئة.. وربما كانت قرارات كارثية، لأن
القرار ربما تأثر بعوامل أخرى غير تلك المعرفة المزعومة..
ولعل للعواطف والأطماع والطموحات غير المشروعة، والحب
والبغض التابع للأهواء والشهوات الدنيوية الرخيصة تأثيراً في تلك
القرارات، فلماذا يتحمل الآخرون أوزارها، ويعرضون أنفسهم لأضرارها؟!
وبملاحظة هذا الذي قدمناه، رفض الأحنف أن يعطي قياده
لامرأة تتناقض في مواقفها ثم تبرر هذا التناقض بالإحالة على مجهول، ثم
تنصِّب نفسها ولياً على الناس، فإن هذا القبول منها والانقياد لها دخول
في الشبهة، واقتحام للمجهول من دون مبرر، فآثر أن يمضي على بصيرته
ويقينه المستند إلى مسلمات لا مراء فيها.
فأولاً:
إن علياً
«عليه
السلام»
أخو رسول الله «صلى الله عليه وآله».. وقد اختاره الرسول نفسه لهذه
الأخوة، وهو لا ينطق عن الهوى..
فدل ذلك على أن له
«عليه السلام»
منزلة خاصة ليست لأحد سواه، فما معنى التعرض للإساءة إليه، والمشاركة
في الحرب عليه..
ثانياً:
إن حربه
«عليه
السلام»
معناها الإساءة إلى النبي «صلى الله عليه وآله» في ابن عمه وصهره،
والإساءة للزهراء وللحسنين
«عليهم
السلام».
ومن ذا الذي يتجرأ على الإساءة لهؤلاء، إلا من حرم رضا
الله، وباء بسخط الله ورسوله وأوليائه؟!
ثالثاً:
ومن المنطلق الإيماني والإسلامي والشرعي العام فإنه
«عليه السلام»
قد بويع بيعة شرعية صحيحة، فقد بايعه المهاجرون والأنصار، فأصبح الخروج
عليه خروجاً على الإمام، وهو من أعظم الموبقات في الاسلام.
ولم تجد عائشة ولا غيرها ما تجيب به الأحنف، أو ما
يجعله يتردد في اتخاذ قراره الحازم والحاسم..
غير أن الظاهر: هو أن الأحنف لم يكن قد بلغ في معرفته
للإمام الحد المطلوب، أو فقل: المأمول من مثله، فهو لم يستدل مثلاً
ببيعة الغدير، وبنصب النبي «صلى الله عليه وآله» له، وبأقواله فيه في
المواقع المختلفة، ولو بمثل قوله «صلى الله عليه وآله»: علي مع الحق
والحق مع علي، أو بقوله له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى. وبغير ذلك
مما تواتر عنه «صلى الله عليه وآله» في حقه «عليه السلام». أو على
الأقل لم ينقل لنا أنه استدل بذلك، وربما أراد أن يفهمها: أنه لو لم
يكن فيه إلا هذه الأمور لكفى فضلاً عما سوى ذلك.
وعلى كل حال، فإن الأحنف ليس بالمعصوم.
إن الأحنف قد رضي لقومه ما رضيه لنفسه، فقد استطاع أن
يبعد أربعة آلاف منهم كما ورد في هذا النص، أو ستة آلاف كما ورد في
غيره([10])،
عن دائرة البغي على الإمام. وهذا إنجاز مهم يحمد ويشكر عليه الأحنف
رحمه الله تعالى.
عن الحسن البصري:
أن الأحنف بن قيس قال لعائشة يوم الجمل: يا أم
المؤمنين، هل عهد عليك (لعل الصحيح: إليك) رسول الله «صلى الله عليه
وآله» هذا المسير؟!
قالت:
اللهم لا.
قال:
فهل وجدته في شيء من كتاب الله جل ذكره؟!
قالت:
ما نقرأ إلا ما تقرؤون.
قال:
فهل رأيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» استعان بشيء
من نسائه، إذا كان في قلة، والمشركون في كثرة.
قالت:
اللهم لا.
قال الأحنف:
فإذا ما هو ذنبنا([11]).
ونقول:
رحم الله الأحنف، فقد سد جميع الطرق أمام عائشة،
بإيضاحه لها:
1 ـ
أن الحروب فيها قتل النفوس وقطع الأعضاء، وفيها يُتم،
وترمل نساء، وعداوات، وثارات، وكوارث لا تطاق، وفيها سؤال في الآخرة،
وثواب وعقاب.
2 ـ
إذا أمكن غض النظر عن الخسائر في الدنيا، فلا يمكن لأحد أن يقدم على ما
يخسر به في الدنيا والآخرة معاً، إلا إذا فرض أنه مصاب في عقله.
ولذلك سأل الأحنف عائشة عن جميع الاحتمالات التي يمكن
تصورها لليقين بالنجاة في الآخرة، وقد ظهر: أن أياً من تلك الإحتمالات
لا وجود له.. فرسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يعهد إليها بهذا
المسير، بل عهد إليها بعدمه.
وكتاب الله لا يتضمن أي شيء يبيح لها أن تقدم على هذا
الأمر، بل فيه ما يدل على لزوم مكثها في بيتها، وفيه أيضاً: ما يدل على
حرمة نكث البيعة، وحرمة الخروج على الإمام العادل..
كما أنه ليس في سيرة رسول الله «صلى الله عليه وآله» ما
يحتمل أن يستفاد منه لتبرير هذا التصرف منها، فإنه «صلى الله عليه
وآله» لم يستعن بنسائه في أي من الموارد، حتى حينما كان في قلة، وبأمس
الحاجة إلى الناصر والمعين.
3 ـ
إن هذا يعني: أن تصبح المقامرة بدماء الناس، وإلقاؤهم
في المهالك والأخطار بلا مبرر.. ومع فقد المبررات الشرعية، لا يبقى أي
احتمال لتبرير الإقدام على أمرٍ كهذا، إلا أن يكون على سبيل العقوبة
للناس على ذنبٍ صدر منهم. ليكون ذلك من قبيل أمر الله بني إسرائيل أن
يقتلوا أنفسهم عقوبةً لهم.
ولم يجد الأحنف أن الناس قد ارتكبوا مثل ذنب بني
إسرائيل، ليمكن تعريضهم لمثل هذه العقوبة.
1 ـ
ذكر الطبري: أن السري كتب إليه، عن شعيب، عن سيف، عن
محمد وطلحة قالا: «خرج إليه [أي إلى علي «عليه السلام»] الأحنف بن قيس
وبنو سعد مشمرين، قد منعوا حرقوص بن زهير، ولا يرون القتال مع علي بن
أبي طالب، فقال: يا علي، إن قومنا بالبصرة يزعمون أنك إن ظهرت عليهم
غداً أنك تقتل رجالهم، وتسبي نساءهم؟!
فقال:
ما مثلي يخاف هذا منه، وهل يحل هذا إلا ممن تولى وكفر؟!
ألم تسمع إلى قول الله عز وجل: ﴿لَسْتَ
عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ، إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ﴾؟!.
وهم قوم مسلمون؟! هل أنت مغن عني قومك؟
قال:
نعم، واختر مني واحدة من ثنتين، إما أن أكون آتيك فأكون
معك بنفسي، وإما أن أكف عنك عشرة آلاف سيف.
فرجع
إلى الناس فدعاهم إلى القعود وقد بدأ فقال:
يال خندف، فأجابه ناس.
ثم نادى:
يال تميم، فأجابه ناس.
ثم نادى:
يال سعد، فلم يبق سعدي إلا أجابه.
فاعتزل بهم، ثم نظر ما يصنع الناس، فلما وقع القتال
وظفر علي جاؤوا وافرين، فدخلوا فيما دخل فيه الناس»([12]).
2 ـ
قال الطبري أيضاً:
وأما الذي يرويه المحدثون من أمر الأحنف فغير ما رواه
سيف عمن ذكر من شيوخه. والذي يرويه المحدثون، من ذلك ما حدثني يعقوب بن
إبراهيم، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت حصيناً يذكر عن عمرو بن
جأوان، عن الأحنف بن قيس، قال:
قدمنا المدينة ونحن نريد الحج، فإنَّا لبمنازلنا نضع
رحالنا إذ أتانا آت، فقال: قد فزعوا، وقد اجتمعوا في المسجد.
فانطلقنا، فإذا الناس مجتمعون على نفر في وسط المسجد،
وإذا علي، والزبير، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص.
وإنا كذلك إذ جاء عثمان بن عفان،
فقيل:
هذا عثمان قد جاء وعليه مليئة له صفراء قد قنع بها
رأسه، فقال: أههنا علي؟!
قالوا:
نعم.
قال:
أههنا الزبير.
قالوا:
نعم.
قال:
أههنا طلحة.
قالوا:
نعم.
قال:
أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله
صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: «من يبتع مربد بني فلان غفر الله له
فابتعته بعشرين أو بخمسة وعشرين ألفاً، فأتيت النبي صلى الله عليه
[وآله] وسلم فقلت: يا رسول الله قد ابتعته».
قال:
اجعله في مسجدنا وأجره لك؟!
قالوا:
اللهم نعم. وذكر أشياء من هذا النوع.
(قال الأحنف) فلقيت طلحة والزبير،
فقلت:
من تأمراني به وترضيانه لي فإني لا أرى هذا الرجل إلا
مقتولاً؟!
قالا:
علي.
قلت:
أتأمراني به، وترضيانه لي.
قالا:
نعم.
فانطلقت حتى قدمت مكة، فبينا نحن بها إذ أتانا قتل
عثمان «رضي الله عنه»، وبها عائشة أم المؤمنين «رضي الله عنها»،
فلقيتها، فقلت: من تأمريني أن أبايع؟!
قالت:
علي.
قلت:
تأمريني به، وترضينه لي؟!
قالت:
نعم.
فمررت على علي بالمدينة فبايعته، ثم رجعت إلى أهل
بالبصرة، ولا أرى الأمر إلا قد استقام.
قال:
فبينا أنا كذلك إذ أتاني آت.. فقال: هذه عائشة وطلحة
والزبير قد نزلوا جانب الخريبة.
فقلت:
ما جاء بهم؟!
قالوا:
أرسلوا إليك يدعونك، يستنصرون بك على دم عثمان «رضي
الله عنه»، فأتاني أفظع أمر أتاني قط.
فقلت:
إن خذلاني هؤلاء، ومعهم أم المؤمنين، وحواري رسول الله
«صلى الله عليه وآله» لشديد، وإن قتالي رجلاً ابن عم رسول الله «صلى
الله عليه وآله» ـ قد أمروني ببيعته ـ لشديد.
فلما أتيتهم قالوا:
جئنا لنستنصر على دم عثمان «رضي الله عنه»، قتل
مظلوماً.
فقلت:
يا أم المؤمنين، أنشدك بالله، أقلت لك: من تأمريني به؟!
فقلت:
علي.
فقلت:
أتأمريني به، وترضينه لي؟!
قلت:
نعم؟!
قالت:
نعم، ولكنه بدل.
فقلت:
يا زبير، يا حواري رسول الله «صلى الله عليه وآله»، يا
طلحة، أنشدكما الله أقلت لكما: ما تأمراني؟!
فقلتما:
علي؟!
[فقلت:]
أتأمراني به وترضيانه لي؟!
فقلتما:
نعم.
قالا:
نعم، ولكنه بدل.
فقلت:
والله لا أقاتلكم ومعكم أم المؤمنين، وحواري رسول الله
«صلى الله عليه وآله»، ولا أقاتل رجلاً ابن عم رسول الله «صلى الله
عليه وآله»، أمرتموني ببيعته.
اختاروا مني واحدة من ثلاث خصال:
إما أن تفتحوا لي الجسر، فألحق بأرض الأعاجم حتى يقضى
الله عز وجل من أمره ما قضى. أو ألحق بمكة، فأكون فيها حتى يقضى الله
عز وجل من أمره ما قضى. أو أعتزل فأكون قريباً.
قالوا:
إنا نأتمر ثم نرسل إليك، فائتمروا فقالوا: نفتح له
الجسر ويخبرهم بأخباركم، ليس ذاكم برأي، اجعلوه ههنا قريباً حيث تطأون
على صماخه، وتنظرون إليه. فاعتزل بالجلحاء من البصرة على فرسخين،
فاعتزل معه زهاء على ستة آلاف.
ثم التقى القوم فكان أول قتيل طلحة «رضي الله عنه»،
وكعب بن سور معه المصحف، يذكِّر هؤلاء وهؤلاء، حتى قتل من قتل منهم.
ولحق الزبير بسفوان من البصرة كمكان القادسية منكم،
فلقيه النعر رجل من مجاشع، فقال: أين تذهب يا حواري رسول الله «صلى
الله عليه وآله»؟! إلّي، فأنت في ذمتي لا يوصل إليك.
فأقبل معه..
فأتى الأحنف، فقيل:
ذاك الزبير قد لقى بسفوان فما تأمر؟!
قال:
جمع بين المسلمين حتى ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيوف، ثم
يلحق ببيته!!
فسمعه عمير [الصحيح عمرو] بن جرموز، وفضالة بن حابس،
ونفيع، فركبوا في طلبه، فلقوه مع النعر.
فأتاه عمير بن جرموز من خلفه، وهو على فرس له ضعيفة،
فطعنه طعنة خفيفة، وحمل عليه الزبير وهو على فرس له يقال له: ذو الخمار
حتى إذا ظن أنه قاتله نادى عمير بن جرموز، يا نافع، يا فضالة، فحملوا
عليه فقتلوه.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال:
حدثنا معتمر بن سليمان، قال: حدثني أبي، عن حصين، قال:
حدثنا عمرو بن جأوان رجل من بني تميم، وذاك أني قلت له: أرأيت اعتزال
الأحنف ما كان؟!
فقال سمعت الأحنف يقول:
أتيت المدينة وأنا حاج.. فذكر نحوه، الحمد لله على ما
قضى وحكم.
([13])
3 ـ
وقال الطبري أيضاً:
(كتب إلي السري) عن شعيب، عن سيف، عن الضريس البجلي، عن
ابن يعمر، قال: لما رجع الأحنف بن قيس من عند علي، لقيه هلال بن وكيع
بن مالك بن عمرو، فقال: ما رأيك؟!
قال:
الاعتزال، فما رأيك؟
قال:
مكانفة أم المؤمنين، أفتدعنا وأنت سيدنا؟!
قال:
إنما أكون سيدكم غداً إذا قتلتَ، وبقيتُ أنا.
فقال هلال:
هذا وأنت شيخنا؟
فقال:
أنا الشيخ المعصي، وأنت الشاب المطاع.
فاتبعت بنو سعد الأحنف، فاعتزل بهم إلى وادى السباع.
واتبعت بنو حنظلة هلالاً، وتابعت بنو عمر وأبا الجرباء
فقاتلوا([14]).
4 ـ
(كتب إلي السري) عن شعيب، عن سيف، عن محمد، عن أبي
عثمان قال: لما أقبل الأحنف، نادى: يال زيد اعتزلوا هذا الأمر، وولوا
هذين الفريقين كيسه، وعجزه.
فقام المنجاب بن راشد، فقال:
يال الرباب، لا تعتزلوا واشهدوا هذا الأمر، وتولوا
كيسه، ففارقوا.
فلما قال:
يال تميم، اعتزلوا، وولوا هذين الفريقين كيسه وعجزه،
قام أبو الجرباء وهو من بني عثمان بن مالك بن عمرو بن تميم، فقال: يأل
عمرو، لا تعتزلوا هذا الأمر، وتولوا كيسه.
فكان أبو الجرباء على بني عمرو بن تميم، والمنجاب بن
راشد على بني ضبة.
فلما قال:
يال زيد مناة، اعتزلوا هذا الأمر، وولوا هذين الفريقين
كيسه وعجزه، قال هلال بن وكيع: لا تعتزلوا هذا الأمر.
ونادى:
يال حنظلة تولوا كيسه، فكان هلال على حنظلة، وطاوعت سعد
الأحنف، واعتزلوا إلى وادي السباع([15]).
وقد اعترف الطبري كما تقدم في أول
هذا الفصل:
بأن ما يرويه المحدثون عن موقف الأحنف يخالف رواية سيف.
وهذا من شأنه:
أن يزيد من وهن رواية سيف المعروف بالكذب، والمتهم
بالزندقة، ولكنه لا يقوي من رواية المحدثين، لأن رواياتهم تختلف
وتتفاوت، وفيها ما لا يمكن قبوله، بسبب ما فيه من هنات وإشكالات، وما
ظهرت عليه علائم التحيز لفريق بعينه، والسعي لتضعيف أمر الفريق الآخر،
انسياقاً مع عصبيات، وإحن ومذهبيات، وغيرها..
وحيث إنه لا يمكن لأحد ترويج الأكاذيب المحضة، فإن
الكذاب قد يعمد إلى خلط الحق بالباطل، ليتمكن من ترويج باطله، أو يشكك
في الحق.. على أقل تقدير..
وهذا يكون على أنحاء:
أحدها:
أن يروي الرواية المزيفة إلى جانب الرواية الصحيحة.
الثاني:
أن يدس في الرواية الصحيحة عبارات مكذوبة، ويضيف إليها
عناصر مختلقة، مع حرصه على عدم ظهور أي تنافر بين المكذوب وغيره، وربما
يحاول الحذف من النص، من دون أن يستبدل المحذوف بشيء آخر.
الثالث:
أن يتصرف في نفس العبائر بما يخرجها عن مسارها، ويُغير
معانيها، إما بالزيادة أو بالنقيصة في الكلمات، أو بتبديل بعضها بغيرها
مما يغير معناه..
من أجل ذلك نقول:
إننا قد نجد بعض اللمحات الصحيحة في روايات بعض
الكذابين، ولعلها تكون من بقايا الصحيح الذي تصرفوا فيه بالزيادة
والنقيصة، وهذا يدعونا إلى محاولة إلقاء بعض الأضواء على مضامين بعض
العناصر والعبائر التي تحويها روايات المتهمين بالكذب، إذا لم نجد فيها
ما يوجب ردّها، أو ما يوجب الشك في صحتها..
إن الرواية رقم [1] هي من روايات سيف المعروف بالكذب
والمتهم بالزندقة، ونلاحظ: أنه قبل أن يذكر أي شيء عما دار بين علي
والأحنف، يشير إلى أن بني سعد قد منعوا حرقوص بن زهير، وحرقوص هذا كان
من زعماء الخوارج الذين حاربوا علياً «عليه السلام»..
وكأنه يريد التذكير باتهام حرقوص بأنه من قتلة عثمان،
وأن الأحنف زعيم الذين منعوا الناكثين من قتل حرقوص، كان يميل إلى قتلة
عثمان، وإن لم يكن من حزب علي «عليه الصلاة والسلام» بصورة حاسمة..
ثم هو يسعى لإشاعة الشك والشبهة في موقف علي «عليه
السلام»، عن طريق التشكيك بموقف الأحنف، وإظهار أنه لم يكن متأكداً من
أن الحق كان مع علي «عليه السلام».
وهذه سياسة إعلامية خبيثة ترمي إلى تكثير الشاكين، لأن
ذلك يقوي من موقف الناكثين، ويجعل لهم شركاء، ويجعل علياً «عليه
السلام» وموقعه في موضع الشك والريب، وليس فوق الشبهات..
وقد لوحظ في النص المتقدم ـ وهو من
روايات سيف أيضاً ـ:
أن الأحنف
يقول لعلي:
«إن أهل
البصرة يزعمون أنه إن ظفر بهم، فإنه يقتل رجالهم ويسبي نساءهم»..
وهذا معناه:
أنه «عليه السلام» كان يتعرض لحملة إعلامية شرسة، تهدف
إلى دفع الناس إلى بذل كل ما في وسعهم لمنع النصر عنه، كما أنّ تلك
الشائعات تريد أن تبعد عائشة وطلحة والزبير عن الواجهة، وأن لا يعتبر
الناس: أن جهدهم يبذل من أجل غيرهم، ممن قد يتهم بأنه يجر الناس إلى
قرصه، بل هم يدافعون عن أنفسهم ولحفظ أعراضهم، وبذلك تصبح الحرب
مصيرية، وحرب دفاع عن النفس بالنسبة لكل فرد منهم..
وما أشبه هذا بقول فرعون لقومه، وهو يحرضهم على موسى:
﴿يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ
أَرْضِكُمْ﴾
([16])..
أو
﴿إنِّي
أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ
الْفَسَادَ..﴾([17]).
ولكن موسى «عليه السلام» قد بادر إلى انتزاع هذا البرقع
عن وجه فرعون، حين ألجأه إلى الاقرار بأنه يريد أن يستفيد من غيره
للوصول إلى مآربه فقال: لموسى «عليه السلام»:
﴿لَئِنِ
اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لاَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾..
كما أن هذه الشائعات تسقط عظمة علي «عليه السلام» من
النفوس وتحوله من انسان إلهي قائد، وهاد ورائد، وعالم وزاهد، ومتق
وعابد، إلى سفاح ظالم، ومتغطرس غاشم، وقاتل آثم، يسفك دماء الناس بغير
حق، ويهتك الحرمات، ويسبي الاطفال والنساء..
وهذه المصارحة من الأحنف لعلي «عليه السلام» بما يقوله
الناس عنه ـ إذا لوحظت مع سائر مواقفه ـ لا تعدو كونها استدراجاً
للجواب لكي يسمعه الناس منه «عليه السلام» مباشرة.. وليفهمهم: أنه
«عليه السلام» ينطلق من شرع ودين، ومبادئ وقيم..
وليعرفهم:
أنه «عليه السلام» ليس ممن يتوهم في حقه ذلك، فليس هو
رجل نكرة، بل هو رجل يعرف الناس حياته وسيرته، وخلقه، ودينه، ومبادئه..
فمن اطلق هذه الشائعات كان على درجة من السذاجة، وعدم الانصاف.. وهي
تشبه الشائعات التي كانت تطلق في جيش معاويه من أن علياً «عليه السلام»
لا يصلي..([18]).
أما موقف الأحنف في حرب البصرة فنوضحه فيما يلي:
أولاً:
إن عائشة قد طلبت منه أن يلتحق بها، فلم يجبها كما تقدم
عن الطبري([19]).
ثانياً:
إنه بعث إلى أمير المؤمنين «عليه السلام» رسولاً يقول
له:
«إني مقيم على طاعتك في قومي، فإن شئت أتيتك في مئتين
من أهل بيتي فعلت، وإن شئت حبست عنك أربعة آلاف سيف من بني سعد».
فأرسل إليه علي «عليه السلام»:
بل احبس وكُف.
فجمع الأحنف قومه، فقال:
«يا بني سعد، كفوا عن هذه الفتنة، واقعدوا في بيوتكم،
فإن ظهر أهل البصرة، فهم إخوانكم، لم يهيجوكم، وإن ظهر علي سلمتم».
فكفوا وتركوا القتال([20]).
ويفهم من هذا ومن غيره:
أن الذين كانوا من أهل البصرة يميلون للقتال إلى جنب
عائشة، كانوا أسرع إلى ذلك من الذين يرغبون في نصرة علي «عليه السلام»،
وفاء منهم ببيعتهم له.
ثالثاً:
روى الطبري عن عمرو بن شبة، عن أبي الحسن، عن مسلمة بن
محارب، عن قتادة: أن الأحنف أرسل إلى علي «عليه السلام»: إن شئت أتيتك،
وإن شئت كففت عنك أربعة آلاف.
فأرسل إليه علي:
كيف بما أعطيت أصحابك من الاعتزال؟!
قال:
إن من الوفاء لله عز وجل قتالهم.
فأرسل:
كف من قدرت على كفه([21]).
رابعاً:
إن معاوية قد عيره بتخذيله الناس عن عائشة، وبنصرته
علياً «عليه السلام» في صفين، فلم يعتذر من أي من الأمرين، بل قال له:
إن السيوف التي قاتلناك بها على عواتقنا، والقلوب التي أبغضناك بين
جوانحنا، والله لا تمد إلينا شبراً من غدر إلا مددنا إليك ذراعاً من
ختر إلخ..([22]).
والختر يشبه الغدر والخديعة، بل
قيل:
هو أسوأ الغدر وأقبحه([23]).
وذكر
النص المتقدم:
أن الذين اعتزلوا مع الأحنف كانوا أربعة آلاف([24])..
ولكن بعض النصوص تذكر أرقاماً أخرى، وبعضها تزيد عليه،
والروايات التي في أول هذا الفصل ذكرت: أن عددهم ستة آلاف، وقد تحدثنا
عن ذلك في موضع آخر، فليراجع ما ذكرناه هناك..
ذكرت الرواية المذكورة في أول هذا
الفصل برقم [2]:
أن الأحنف يروي مناشدة عثمان لعلي وطلحة والزبير بمآثر
له وأنهم كانوا يصدقون ما يدعيه عثمان، وكنا قد فندناها كلها في فصول
هذا الكتاب، ومنها:
1ـ
أن عثمان سألهم حين جاء إلى المسجد: أفيكم علي؟! أفيكم
طلحة؟! أفيكم الزبير؟! مع أن عثمان كان صحيح العينين، ولن يخفى عليه
مكان علي وطلحة والزبير وغيرهم إذا كانوا في المسجد.
كما أن الأحنف نفسه ـ وهو راوي هذا الحديث حسب زعمهم ـ
قد عرف علياً «عليه السلام» والزبير وطلحة، وسعداً، حين رأى الناس
محدقين بهم.. بمجرد دخوله إلى المسجد.. فهل عرفهم الأحنف ورآهم، وجهلهم
عثمان ولم يرهم؟!
2 ـ
إن عثمان قد سأل عن هؤلاء الثلاثة وناشدهم بمآثره،
فلماذا لم يسأل عن غيرهم، مثل: سعد بن أبي وقاص، أو عمار بن ياسر، أو
سلمان، أو غيرهم؟!
أم أن المطلوب هو الإيحاء باتهام
هؤلاء دون سواهم بدمه، والحال:
أن علياً «عليه السلام» كان قد بذل جهده في حل الإشكال
بين عثمان وبين الناس، وردهم عنه أكثر من مرة، وأوصل إليه الماء حال
الحصار، وأرسل ولديه لمحاولة المنع عن قتله؟! فكيف يساوي عثمان بينه
وبين طلحة والزبير، اللذين كانا من أشد الناس في التأليب عليه، وكان
لطلحة اليد الطولى في المكر به، وإيصال الأذى إليه.. حتى انتهى الأمر
بقتله؟!
3 ـ
صرحت الرواية بمجيء عثمان إلى المسجد، ثم صرحت: بأن ذلك
كان قبيل موسم الحج، وكان الأحنف وصحبه في طريقهم من البصرة إلى مكة..
ثم صرحت:
بأن عثمان ما لبث أن قتل، فبلغ الأحنف وصحبه قتله، وهم
في مكة.. مع أن حصار عثمان كان قد بدأ قبل موسم الحج بعشرات الأيام،
ولعله بدأ في أوائل شوال، فلم يكن عثمان قادراً على الخروج من بيته في
كل تلك الفترة، بل كان غير قادر على الحصول على الماء، لولا أن علياً
«عليه السلام» كان يخترق حصارهم له، ويرسل إليه الماء، رغم صعوبة ذلك..
فكيف جاء عثمان إلى المسجد، وناشدهم بفضائله؟!
4 ـ
قول الرواية:
إن عثمان ناشدهم فأقروا له بابتياعه مربد بني فلان ـ غفر الله له ـ
بعشرين أو خمس وعشرين ألفاً، فزاده النبي «صلى الله عليه وآله» في
المسجد.. فيه الكثير من الأسئلة، فإننا
لا ندري لماذا لم يذكر لنا عثمان، أو الرواي اسم صاحب
المربد، رغم أنه قد دعا له بالمغفرة؟!
كما أنه لم يحدد لنا أيضاً ما هي هذه الألوف التي دفعها
له، أهي من الدراهم؟! أم من الدنانير؟!
وهل كانت عشرين ألفاً، أو خمسة وعشرين ألفاً؟!
يضاف إلى ذلك:
أننا لم نكن نعلم أن قيمة المربد في زمن رسول الله «صلى
الله عليه وآله» كانت قد بلغت هذه المقادير الضخمة جداً..
ولم يذكر الراوي سائر ما ناشد به عثمان هؤلاء الثلاثة..
ولعل منها بئر رومة وتجهيز جيش العسرة، وما إلى ذلك.. مما أثبتنا في
كتابنا هذا عدم صحته من الأساس.
ولا ندري أيضاً لماذا ردد الأمر بين العشرين والخمس
وعشرين ألفاً، فإنّ من يدفع مالاً وينال الجنة به لا ينسى مقداره مهما
طال الزمن؟!
وإن كان الأحنف هو الذي ابتلي بنسيان هذا وذاك وذلك،
فسؤالنا هو: لماذا خانته ذاكرته في خصوص هذه الموارد، وأسعفته فيما
عداها، حتى ذكر أدق التفاصيل، والخصوصيات؟!
5 ـ
ويبقى هنا
سؤال يقول:
إن هذه المناشدات وتصديقها لا يجدي في تبرئة عثمان مما كان الناس
يدَّعونه عليه، وعلى عماله من تجاوزات.
فلا يبرؤه ذلك من تعدياته، بالضرب، والإهانة، لعمار بن
ياسر، ولابن مسعود، وأبي ذر، ولكثيرين آخرين..
ولا يبرئه من هباته أموال بيت المال لأقاربه، إلى كثير
آخر من المخالفات والمؤاخذات التي صدرت منه وعنه..
كما أن هذه المآثر لا تبرر سكوته عن عماله في تعدياتهم
على أموال بيت المال، وعلى كرامات الناس، وظلمهم لهم، وغير ذلك مما
يعرفه كل أحد..
ونعتقد:
أن حديث هذه المناشدات قد دس في خبر الأحنف، بهدف إجهاض
آثار وصية عائشة وطلحة والزبير له بالبيعة لعلي «عليه السلام»، إن حدث
بعثمان حدث.. فلاحظ ما نذكره فيما يلي:
وذكر الأحنف:
أن طلحة والزبير أمراه بالبيعة لعلي «عليه السلام» بعد
قتل عثمان..
ونقول:
إن هذا هو المتوقع منهما في تلك
الفترة، لأنهما كانا يعلمان:
أن الناس لا يلتفتون لغير علي «عليه السلام»، ولا
يعدلون به أحداً، في علمه، وزهده، وتقواه، وملازمته للكتاب والسنة..
ويرون:
أن كل صفات الخير، التي وجدوها في رسول الله «صلى الله
عليه وآله» متجسدة فيه «عليه السلام»، وليس لأحد سواه هذه المكانة، ولا
هذه الخصوصية.. فإنه بقي على العهد، لم يغير ولم يبدل، كما صنع غيره..
فمن أراد منافسته بصورة ظاهرة، فإنه سيفشل بلا ريب..
وقد تحدثنا حول هذا الموضوع في فصول البيعة لعلي «عليه
السلام»، فلتراجع..
تقدم في أول الفصل في الرواية رقم
[2]:
أن عائشة وطلحة والزبير، قد أمروا الأحنف بالبيعة لعلي
«عليه السلام» إن قتل عثمان..
فلما قتل عثمان بايعوا، ثم نكثوا البيعة، وخرجوا لقتال
علي «عليه السلام»، فلما سألهم الأحنف عن ذلك ادعوا للأحنف: أنه «عليه
السلام» قد بدل..
والسؤال هو:
ما الذي بدله علي «عليه السلام»؟!
ونجيب:
بأن البعض قد يبادر إلى الإجابة:
بأن جميع النصوص، والشواهد ـ وما أكثرها ـ تدل على أنه «عليه السلام»
لم يغير ولم يبدل، وأن هذه الدعوى باطلة من أساسها، وإنما أراد
الناكثون التعمية بها على الأحنف، وإلقاء التهمة بصورة غائمة، ثقة منهم
بأن الأحنف وسائر الناس لا يظنون بهم إلا الخير، وأنهم سيقبلون كل ما
يقولونه لهم من دون أي نقاش..
غير أننا نقول:
إن هذه الإجابة غير كافية، وهناك إجابة أخرى أوضح
دلالة، وأقرب مأخذاً، ولها شواهد كثيرة..
وملخصها:
أن الناكثين
قد صَدَقوا فيما ادعوه على علي
«عليه السلام»
من التغيير والتبديل، ولكن لا لسنة رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»،
ولأحكام الله تعالى، ولا لسياسات نبيه الأكرم
«صلى الله
عليه وآله»..
وإنما بدل سنة العمرين، وعدل عن سياستهما إلى سياسة رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»،
وألغى الكثير من الأحكام الباطلة التي أشاعوها، أو أجروها في الناس
وعلى الناس..
ولعل أول تبديل أجراه:
هو إلغاء دواوين العطاء التي أقيمت على التمييز العرقي
والقبلي، والعودة إلى سنة المساواة بين الناس، التي كانت في عهد الرسول
الاعظم «صلى الله عليه وآله»..
ثم تبع ذلك الكثير الكثير من التصحيح للأحكام والسياسات
التي خالف فيها السابقون السنة والكتاب.
ومراجعة كتب الفقه، والحديث والتاريخ، والتدقيق في سيرة
علي «عليه السلام» وأحكامه، ومقارنتها بسيرة غيره كاف في إثبات هذا
الأمر..
واعتبار الناكثين هذا النوع من التبديل ذنباً يوجب
المبادرة إلى نكث البيعة، والخروج عليه، أمر له دلالاته الخطيرة،
وآثاره الكبيرة على مختلف الصعد، وفي الكثير من المجالات. ولا نريد أن
نقول أكثر من ذلك..
وذكرت الرواية التي في أول هذا
الفصل برقم [2]:
أن الأحنف قد خير الناكثين بين ثلاث خصال: أن يفتحوا له
الجسر، فيلحق بأرض الأعاجم، أو يلحق بمكة، حتى يقضي الله، أو يعتزل
فيكون قريباً منهم..
فأْتمروا بينهم، فلم يرق لهم:
أن يفتحوا له الجسر، خوفاً من أن يخبر العجم بأخبارهم.
وقرروا أن يجعلوه قريباً منهم حتى يطأوا على صماخه. فاعتزل بالجلحاء
على فرسخين من البصرة ومعه ستة آلاف.
ونقول:
إن معالجة هذه الفقرة تكون كما يلي:
أولاً:
لو أنهم اختاروا له أن يسير إلى مكة، لكان سار مع نفر
يسير من أهله وقومه وبقي سائرهم في البصرة، وربما انخرط كثير منهم في
القتال إلى جانبهم ضد علي «عليه السلام»..
فلماذا لم يأخذوا بهذا الخيار يا ترى؟!
ويلاحظ:
أنهم حين ائتمروا بينهم لم يشيروا إلى سلبية السماح
للأحنف بالذهاب إلى مكة، بل أبقوا الأمر مبهماً ومهملاً.
إلا أن يُدَّعى:
أن الفقرة التي ترتبط بذلك قد سقطت من الرواية..
ثانياً:
قالت الرواية: إن الأحنف قد اعتزل بالجلحاء.. مع أنه
سيأتي: أنه اعتزل في وادي السباع، وهو الموضع الذي قتل فيه الزبير، كما
سيأتي إن شاء الله تعالى.
الجلحاء:
ـ كما قالوا ـ: هو موضع العقبة والقاع، وهي تبعد عن
القاع ستة أميال([25]).
القاع:
منزل بطريق مكة بعد العقبة لمن يتوجه إلى مكة([26]).
فالآتي من مكة يمر على زبالة، ثم القاع، ثم الجلحاء، ثم
العقبة، ثم واقصة، ثم القرعاء في الزبيدية، ثم المغيثية، ثم القادسية([27]).
وبين زبالة والقاع 24 ميلاً، وبين العقبة وواقصة 39
ميلاً، وقيل: ثمانية فراسخ، وبين واقصة والقرعاء ثمانية فراسخ، وبين
القرعاء والمغيثية 32 ميلاً، وبين المغيثية والقادسية 30 ميلاً.
مع أنهم يقولون:
إن وادي السباع تبعد عن البصرة خمسة أميال، وهو بين
البصرة ومكة([28]).
يضاف
إلى ذلك:
تصريح الرواية: بأن الجلحاء كانت على بعد فرسخين..
ثالثاً:
يبدو لنا: أن الأحنف كان التقى بعائشة وطلحة والزبير، وأعطاهم وعداً
بأن يكف عنهم ولا يقاتلهم مع علي «عليه السلام»، فلما قدم علي «عليه
السلام» عرض عليه الأحنف أن يأتيه، أو يكف عنه أربعة آلاف.
فقال له علي«عليه السلام»:
كيف بما أعطيت أصحابك من الاعتزال؟!
قال:
إن من الوفاء لله عز وجل قتالهم.
فأرسل:
كف من قدرت على كفه([29]).
رابعاً:
إن أرض الأعاجم فتحت في عهد عمر بن الخطاب. ولم يكن
للأعاجم في عهد أمير المؤمنين «عليه السلام» حكومة ولا دولة، ولا ملك
ولا أمير يمكنه أن يستفيد من اخبار الناكثين فيما يضرهم..
والرواية الصحيحة هي تلك التي ذكرها الشيخ المفيد «رحمه
الله»، فقد قال:
«فبلغ طلحة والزبير ما فعله الأحنف وقاله. فبعثا إليه
يستميلانه، ويرومان أن يدخل في طاعتهما، فقال: اختاروا مني احدى ثلاث
خصال:
إما أن أقيم في بيتي، وأكف بنفسي [نفسي] ولا أكون
معكما، ولا عليكما.
وإما أن ألحق بعلي بن أبي طالب.
وإما أن آتي إلى الأهواز فأقيم بها.
فقالا:
ننظر في ذلك.
ثم استشارا من حضرهما، فقالوا لهما:
أما علي فعدوكم، ولا حظَّ له في أن يكون معه الأحنف.
وأما الأهواز، فإنه إن أتاها يلحق به كل من لا يريد
القتال معكما.
ولكن فليكن قريباً منكما، فإن تحرك وطأتما على صماخه.
فأمراه بالقعود..
فأتى وادي السباع، فأقام به»([30]).
وهذا هو النص المعقول الذي حتَّم على الناكثين اختيار
قبول اعتزاله بالقرب منهم.
ويبدو لنا:
أن الراوي لم يكن يطيق أن يذكر الخصلة الثالثة التي
اقترحها الأحنف، وهي أن يلتحق بعلي «عليه السلام»، فابدلها بما لا
يسمن، ولا يغني من جوع، وحذفها، ثم اضطرب أمره في الفقرات الأخرى كما
رأينا..
وقد حاولت الرواية رقم [2]:
أن تعطي الزبير دوراً قتالياً، وأن ثلاثة رجال اشتركوا
في قتله.. مع أنّ الروايات الأخرى تقول:
إن ابن جرموز قد أوهمه أنه من أصحابه، وصلى خلفه، ثم
قتله غدراً..
وسيأتي الحديث عن ذلك، وسيأتي
أيضاً:
رواية الشيخ المفيد حول ما جرى بين ابن جرموز وبين
الزبير، وذلك حين التعرض لقتل الزبير في حرب الجمل([31]).
وذكرت الرواية رقم [2]:
أن أول قتيل
كان طلحة،
«وكعب بن سور، معه المصحف، يذكِّر هؤلاء، وهؤلاء»..
ونلاحظ هنا:
1ـ
أن هؤلاء يريدون إظهار كعب بن سور بصورة الرجل المتقي،
الحريص على مصلحة الأمة، وغير المتحيز لأي من الفريقين، الساعي لدفع
الفتنة..
وقد قلنا في موضع آخر من هذا
الكتاب:
إن الأمر لم يكن كذلك، وإن هذه الصورة مفتعلة ومسمومة،
وأُريد بها تشويه الواقع، وفيها الكثير من التجني على الحق وأهله، ولا
سيما أمير المؤمنين «عليه السلام»..
ويكفي أن نذكر:
أن عائشة قد قصدته إلى بيته، وطلبت منه أن يخرج معها،
وبكت له، وطلبت منه أن يكون هو الآخذ بخطام جملها، فرضي وخرج معها،
وعلق المصحف بعنقه([32]).
وكان هو الآخذ بخطام الجمل([33]).
فكعب بن سور لم يكن منصفاً ولا محايداً، بل كان من
أعلام جيش الناكثين، مناصراً لهم على باطلهم.
2 ـ
بيَّن علي «عليه السلام»: أنه كان مخالفاً له حين مر
عليه وهو قتيل، فقال: أجلسوه، فأجلسوه، فقال: يا كعب بن سور، قد وجدت
ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدت ما وعدك ربك حقاً؟!([34])
3 ـ
لو كان ابن سور محايداً، فلماذا لم نره في جيش أمير
المؤمنين، ولو ساعة واحدة.. بل كان دائماً في جيش الناكثين؟!
4 ـ
إن ما زعمته الرواية من أنه قد قتل ومعه المصحف، يحتاج
إلى الإجابة على العديد من الأسئلة، فهل كان معه المصحف فقط؟! أم كان
معه المصحف والسلاح أيضاً؟! وهل كان في وسط المعركة مقاتلاً؟ أم مجرد
واعظ؟!..
وإن كان مجرد واعظ:
وقد أرسل علي «عليه السلام» شاباً ومعه مصحف، يدعو جيش
عائشة إلى العمل بما فيه، فلماذا لم يستجب له ابن سور، ولم يكن معه
وإلى جانبه؟! ولماذا لم يدافع عنه حين قتله الناكثون؟!
5 ـ
هل المطلوب هو ان يجعل مصحف كعب بن سور مقابل ذلك الشاب
الذي جاء بالمصحف من قبل علي «عليه السلام»؟!
ولماذا تريد هذه الرواية:
أن تساوي بين الناكثين الظالمين، وبين أهل الحق
المظلومين؟! في أن كلاً منهما لا يستجيب للدعوة إلى القرآن!!
بل إذا كان فريق كعب هو الباغي، والناكث للبيعة والقاتل
للمئات من المؤمنين الصالحين، والخارج على إمام زمانه، والمخالف لأوامر
الرسول في عدم خروج وإخراج نسائه من
بيته
«صلى الله عليه وآله»، وفي عدم قتال علي «عليه السلام»،
وعدم التعرض لنباح كلاب الحوأب، فإن هؤلاء هم الأولى بالدعوة إلى
المصحف وما فيه..
أما المظلومون، والمبغي عليهم، فلا كلام لكعب ولا لغيره
معهم، لأنهم لم يخالفوا كتاب الله ولا سنة رسوله «صلى الله عليه وآله»
في شيء.
وقال ابن قتيبة:
«عن السكن: كتب الحسين بن علي «رضي الله عنهما» إلى
الأحنف، يدعوه إلى نفسه، فلم يردَّ الجواب، وقال: قد جربنا آل أبي
الحسن، فلم نجد عندهم إيالة للملك، ولا جمعاً للمال، ولا مكيدة في
الحرب»([35]).
والإيالة:
هي السياسة([36]).
قال العلامة الأحمدي «رحمه الله»:
«إن
صح هذا ـ أي عدم استجابته لدعوة الإمام
«عليه السلام»،
فهو دليل على ركونه إلى الدنيا، وتزعزع عقيدته»([37]).
غير أننا نقول:
إننا لا نعرف أسباب عدم إجابته، فهل كان مراقباً من
قِبَلِ عامل يزيد، ومن الأخطبوط الأموي، الذي لم يكن يرحم أحداً، ولا
يرعى لأحد حرمة ولا كرامة؟! أم كان مريضاً؟! أو أن الرسالة لم تصل إليه
في الوقت المناسب؟! أم ماذا؟!
على أن ثمة ما يدل على أن الأحنف كان مرضياً عند أمير
المؤمنين «عليه السلام»، وكان يسرع إلى ما يحب.. فلاحظ ما يلي:
1 ـ
روى الشيخ المفيد «رحمه الله»: أنه لما جاء رسول الأحنف
ـ وقد قدم علي «عليه السلام» ـ بما بذل له من كف قومه عنه، قال رجل: يا
أمير المؤمنين، من هذا؟!
قال:
«هذا أدهى العرب، وخيرهم لقومه».
فقال علي «عليه السلام»:
«كذلك هو، وإني لأُمثِّل بينه وبين المغيرة بن شعبة،
لزم الطائف فأقام بها، ينتظر على من تستقيم الأمة.
فقال الرجل:
إني لأحسب أن الأحنف لأسرع إلى ما تحب من المغيرة.
فقال علي «عليه السلام»:
أجل، ما يبالي المغيرة أي لواء رفع، لواء ضلالة، أو
لواء هدى»([38]).
وإنما يتحدث «عليه السلام» عن المغيرة بهذه الصراحة،
لأن المغيرة كان معلناً بهذا الأمر، متجاهراً بهذا السلوك، ومن كان
كذلك فإنه يجوز ذكره في ما هو متجاهر به.
كما أن هذا الحديث يدل على دقة معرفته «عليه السلام»
بأحوال الناس، وبخيرهم وشرهم، وبنفسياتهم، وباهتماماتهم فرداً فرداً.
ولولا ذلك لم يطلق «عليه السلام» حكمه بهذا القدر من الدقة والتحديد
والجزم..
2 ـ
وتقدم: أن الأحنف كان يرى قتال الناكثين، وفاء بعهد
الله، وأن ذلك يسوغ له نقض العهد الذي أعطاهم إياه بعدم محاربتهم([39]).
فإن دلّ هذا على شيء، فهو يدلّ على وفور عقل الأحنف،
وعلى أنه يزن الأمور بموازين صحيحة.. وما أوضح انسجام موقفه هذا مع قول
علي «عليه السلام»: «الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله، والغدر بأهل
الغدر وفاء عند الله»([40]).
3 ـ
تقدم أيضاً:
أنه عرض أن يكون هو الذي يتولى التحكيم.
4 ـ
تقدم أيضاً: أنه قد أجاب علياً «عليه السلام» وشارك في حرب صفين، وقال:
«نحتسب في ذلك الخير، ونأمل من الله العظيم من الأجر..».
فمن كان هذا حاله، فإنه يبعد أن لا يجيب الإمام الحسين
«عليه السلام» من غير مانع منعه من ذلك.
([1])
تاريخ خليفة بن خياط ص203 وتاريخ مدينة دمشق ج24 ص301 و 302
وسير أعلام النبلاء ج4 ص96 والأنساب للسمعاني ج3 ص255 وراجع:
الغارات للثقفي ج2 ص753 وتاريخ الإسلام للذهبي ج5 ص345 وإكليل
المنهج للكرباسي ص566 ومشاهير علماء الأمصار لابن حبان ص142.
([2])
البداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج8 ص361
والاستيعاب (ط دار الجيل) ج2 ص716 وإكليل المنهج للكرباسي ص566
وطبقات خليفة بن خياط ص334 والثقات لابن حبان ج4 ص56 ومشاهير
علماء الأمصار لابن حبان ص142 وتاريخ مدينة دمشق ج24 ص301 و
355.
([3])
الطبقات الكبرى لابن سعد ج7 ص97 وتاريخ الأمم والملوك ج6 ص95
وتاريخ مدينة دمشق ج24 ص301 والاستيعاب (ط دار الجيل) ج2 ص716
وطبقات خليفة بن خياط ص334.
([4])
سير أعلام النبلاء ج4 ص95 وتاريخ الإسلام للذهبي ج5 ص352
ووفيات الأعيان ج2 ص503 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث
العربي) ج8 ص361.
([5])
صفين للمنقري ص116 وبحار الأنوار ج32 ص407 وشرح نهج البلاغة
للمعتزلي ج3 ص187 والدرجات الرفيعة ص110 ومستدركات علم رجال
الحديث ج1 ص520 وأعيان الشيعة ج1 ص475 وج7 ص384.
([6])
راجع: العقد الفريد ج3 ص87 ووفيات الأعيان ج2 ص504 و 505
وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج2 ص231 ونهاية الإرب ج7 ص237
والغدير ج10 ص261.
([7])
تاريخ مدينة دمشق ج24 ص299 وسير أعلام النبلاء ج4 ص87 وصفين
للمنقري ص117 و 205 وتاريخ خليفة بن الخياط ص146 وأنساب
الأشراف ص295 وأعيان الشيعة ج1 ص475 وتاريخ الأمم والملوك ج4
ص559 والكامل في التاريخ ج4 ص268.
([8])
تاريخ الأمم والملوك ج4 ص37 والكامل في التاريخ ج3 ص319 وبحار
الأنوار ج32 ص541 وصفين للمنقري ص501 وتاريخ الأمم والملوك ج5
ص52 والأخبار الطوال ص193 ونهج السعادة ج2 ص264 وشرح نهج
البلاغة للمعتزلي ج2 ص230 والفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص484
و 485.
([9])
الفتوح لابن أعثم ج2 ص289 و (ط دار الأضواء) ج2 ص458 و 459.
([10])
راجع: الغارات للثقفي ج2 ص754 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص338
وبحار الأنوار ج32 ص120 وأنساب الأشراف ص237 والبداية والنهاية
ج7 ص267 ومستدركات علم رجال الحديث ج1 ص521.
([11])
المحـاسـن والمسـاوي ص49 و (ط أخـرى) ج1 ص35 والنص والإجتهـاد
= = ص439 وأعيان الشيعة ج7 ص384.
([12])
راجع: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص509 والكامل في التاريخ ج3 ص238
والفتنة ووقعة الجمل ص152 وأعيان الشيعة ج1 ص455.
([13])
راجع: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص510 و 511 وراجع: الكامل في
التاريخ ج3 ص238 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص265 وج8 ص714 وسنن
النسائي ج6 ص233 والسنن الكبرى للنسائي ج4 ص95 وسنن الدارقطني
ج4 ص121 و 122 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج2 ص15 و 16.
([14])
تاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص516 والفتنة ووقعة
الجمل ص153.
([15])
تاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص516 والفتنة ووقعة
الجمل ص154.
([16])
الآية 11 من سورة الاعراف، والآية 35 من سورة الشعراء.
([17])
الآية 26 من سورة غافر.
([18])
راجع: المعيار والموازنة ص160 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص30
والكامل في التاريخ ج3 ص313 ووقعة صفين للمنقري ص354 وبحار
الأنوار ج33 ص36 والغدير ج9 ص122 والإمام علي بن أبي طالب
للهمداني ص752.
([19])
راجع: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص510 و 511 وراجع: الكامل في
التاريخ = = ج3 ص238 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص265 وج8 ص714
وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج2 ص15 و 16.
([20])
الجمل للشيخ المفيد ص295 و (ط مكتبة الداوري ـ قم) ص158.
([21])
تاريخ الأمم والملوك ج4 ص500 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص513
وراجع: الجمل للشيخ المفيد ص295 و (ط مكتبة الداوري ـ قم)
ص158والفتوح لابن أعثم (ط دار الأضواء) ج2 ص463 وفتح الباري
ج13 ص30 وأنساب الأشراف للبلاذري ص237 والإمامة
والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص67 و (تحقيق الشيري) ج1 ص91.
([22])
راجع: تاريخ مدينة دمشق ج24 ص326 وعن عيون الأخبار لابن قتيبة
ج2 ص230 وعن العقد الفريد ج3 ص86 وراجع: تاريخ الاسلام للذهبي
ج5 ص351 ووفيات الأعيان ج2 ص500 وأعيان الشيعة ج7 ص385.
([23])
لسان العرب ج4 ص229.
([24])
تاريخ الأمم والملوك ج4 ص500 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص513
= =والجمل
للشيخ المفيد ص295 و (ط مكتبة الداوري ـ قم) ص158 والفتوح لابن
أعثم (ط دار الأضواء) ج2 ص463 وفتح الباري ج13 ص30 وأنساب
الأشراف للبلاذري ص237 والإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1
ص67 و (تحقيق الشيري) ج1 ص91.
([25])
معجم البلدان ج2 ص150.
([26])
معجم البلدان ج4 ص298.
([27])
راجع: معجم البلدان ج4 ص325 وتاريخ الكوفة للسيد البراقي ص175
عن الأعلاق النفيسة لابن رستة ص175 ـ 176.
([28])
راجع: تاريخ الكوفة للسيد البراقي ص175 عن الأعلاق النفيسة
لابن رستة ص175 ـ 176.
([29])
تاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص513 وراجع: الكامل
في التاريخ ج3 ص239 وإمتاع الأسماع ج13 ص242.
([30])
الجمل ص295 و 296 و (ط مكتبة الداوري ـ قم) ص159 وأشار في
هامشه (الطبعة الأولى) إلى: المصنف لابن أبي شيبة ج7 ص538
والإمامة والسياسة ج1 ص71 وأنساب الأشراف ص237 وتاريخ الأمم
والملوك ج4 ص498 و 499 و 504 والعقد الفريد ج4 ص320 وتجارب
الأمم ج1 ص322 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص152 والكامل في التاريخ
ج3 ص238 و 239. وراجع: جواهر المطالب لابن الدمشقي ج2 ص16.
([31])
الجمل للمفيد ص390 و (ط مكتبة الداوري ـ قم) ص208 و 209
والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص111 وراجع: الإمامة والسياسة
(تحقيق الزيني) ج1 ص69 و (تحقيق الشيري) ج1 ص94.
([32])
الجمل للشيخ المفيد ص322 و 323 و (ط مكتبة الداوري ـ قم) ص173.
([33])
الجمل للمفيد ص347 و 348 و 338 و (ط مكتبة الداوري ـ قم) ص173
و 186 وأخبار القضاة لابن حيان ج1 ص282 وتاريخ خليفة بن خياط
ص138 وكتاب الكنى، جزء من التاريخ الكبير للبخاري ص18 والجرح
والتعديل للرازي ج9 ص353 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص485 وأعيان
الشيعة ج1 ص457 والإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص72 و
(تحقيق الشيري) ج1 ص97 وكتاب الفتوح لابن أعثم (ط دار الأضواء)
ج2 ص479.
([34])
الجمل للمفيد ص392 و (ط مكتبة الداوري ـ قم) ص210 والجمل لابن
شدقم ص157 والإرشاد للمفيد ج1 ص256 والفصول المختارة ص141
وبحار الأنوار ج6 ص254 وج32 ص209 والكافئة للمفيد ص26 وتصحيح
اعتقادات الإمامية ص93.
([35])
عيون الأخبار ج1 ص211 وغريب الحديث لابن قتيبة ج2 ص217 والفايق
في غريب الحديث ج1 ص60.
([36])
النهاية في اللغة ج1 ص85 ولسان العرب ج11 ص34 وغريب الحديث
لابن قتيبة ج2 ص217.
([37])
مكاتيب الإمام علي «عليه السلام» ج1 ص525.
([38])
الجمل ص296 و (ط مكتبة الداوري ـ قم) ص159 وقاموس الرجال
للتستري ج10 ص200.
([39])
تاريخ الأمم والملوك ج3 ص513 وراجع: الكامل في التاريخ ج3 ص239
وإمتاع الأسماع ج13 ص242.
([40])
راجع: نهج البلاغة (بشرح عبده) ج4 ص57 وبحار الأنوار ج72 ص97
وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص316 و ج19 ص102 وجامع أحاديث
الشيعة ج13 ص162 وغرر الحكم ج1 ص60 وموسوعة أحاديث أهل البيت
للنجفي ج8 ص22 وج12 ص207 ومستدرك الوسائل ج11 ص47 وروض الأخيار
ص111 وربيع الأبرارج3 ص375 وغرر الخصائص الواضحة ص59 ومصادر
نهج البلاغة ج4 ص4 و 401 عن بعض من تقدم.
|