علي
والزبير في الميدان:
1 ـ
قالوا: خرج علي بنفسه حاسراً على بغلة رسول الله «صلى الله عليه وآله»،
لا سلاح عليه، فنادى: يا زبير، اخرج إلي!؟
فخرج شاكاً سلاحه.
فقيل لعائشة، فقالت: واحرباه بأسماء؟!
فقيل لها: إن علياً حاسر، فاطمأنت.
واعتنق كل واحد منهما صاحبه.
فقال له علي: ويحك يا زبير؟! ما الذي أخرجك؟!
قال: دم عثمان.
قال: قتل الله أولانا بدم عثمان.
أما تذكر يوم لقيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» في
بني بياضة (في بني غنم) وهو راكب حماره، فضحك إليَّ رسول الله «صلى
الله عليه وآله» وضحكت إليه، وأنت معه، فقلت أنت: ما يدع ابن أبي طالب
زهوه.
فقال لك: ليس به زهو. أتحبه يا زبير؟!
فقلت: والله إني لأحبه.
فقال لك: إنك والله ستقاتله وأنت له ظالم.
فقال الزبير: أستغفر الله، ولو ذكرتها ما خرجت.
فقال: يا زبير!؟ ارجع.
فقال: وكيف أرجع الآن وقد التقت حلقتا البطان؟! هذا
والله العار الذي لا يغسل؟!
فقال «عليه السلام»: يا زبير! ارجع بالعار قبل أن تجمع
العار والنار..
فرجع الزبير وهو يقول:
اخترت عاراً على نار مؤججة ما إن يقوم لها
خلق من الطين
نادى علي بأمر لست أجهله عار لعمرك في
الدنيا وفي الدين
فقلت حسبك من عذلٍ أبا حسن
بعض الذي قلت منذ اليوم يكفيني
فقال ابنه عبد الله: أين تدعنا؟!
فقال: يا بني ذكرني أبو الحسن بأمر كنت قد أنسيته.
فقال: لا والله، ولكنك فررت من سيوف بني عبد المطلب،
فإنها طوال حداد، تحملها فتية أنجاد.
زاد في رواية ابن أعثم وشرح نهج البلاغة بعده: فقال
الزبير: ما لك؟! أخزاك الله من ولد! ما أشأمك!
وفي رواية المسعودي:
قال الزبير: لا والله، ولكني ذكرت ما أنسانيه الدهر،
فاخترت العار على النار. أبالجبن تعيِّرني؟! لا أبالك!! ثم أمال سنانه،
وشد في الميمنة.
فقال علي: أفرجوا له فقد هاجوه، ثم رجع فشد في الميسرة،
ثم رجع، فشد في القلب، ثم عاد إلى ابنه فقال: أيفعل هذا جبان؟! ثم مضى
منصرفاً([1]).
2 ـ
عن الزهري قال: خرج علي على فرسه، فدعا الزبير، فتواقفا، فقال علي
للزبير: ما جاء بك؟!
قال: أنت، ولا أراك لهذا الأمر أهلاً، ولا أولى به منا.
فقال علي: لست له أهلا بعد عثمان! قد كنا نعدك من بني
عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء، ففرق بيننا وبينك.
وعظم عليه أشياء، فذكر أن النبي «صلى الله عليه وآله»
مر عليهما، فقال لعلي «عليه السلام»: ما يقول ابن عمتك؟! ليقاتلنك وهو
لك ظالم.
فانصرف عنه الزبير، وقال: فإني لا أقاتلك.
فرجع إلى ابنه عبد الله، فقال: ما لي في هذه الحرب
بصيرة.
فقال له ابنه: إنك قد خرجت على بصيرة، ولكنك رأيت رايات
ابن أبي طالب، وعرفت أن تحتها الموت، فجبنت.
فأحفظه حتى أرعد وغضب، وقال: ويحك؟! إني قد حلفت له ألا
أقاتله.
فقال له ابنه:
كفِّر عن يمينك بعتق غلامك سرجس، فأعتقه، وقام في الصف
معهم.
وكان علي قال للزبير: أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته؟!
سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره([2]).
وقول علي «عليه السلام» للزبير: أتطلب مني دم عثمان،
وأنت قتلته؟! أخرجه العاصمي في زين الفتى.
3 ـ
وفي رواية المفيد: أنه «عليه السلام» قال للزبير:
أما تذكر يوماً كنت مقبلاً عليَّ بالمدينة تحدثني، إذ
خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» فرآك معي وأنت تبسم إلي، فقال لك:
يا زبير، أتحب علياً؟!
فقلت: وكيف لا أحبه وبيني وبينه من النسب والمودة في
الله ما ليس لغيره؟!
[وفي نص آخر: وما لي لا أحبه، وهو أخي، وابن خالي؟!]
فقال: إنك ستقاتله وأنت له ظالم.
فقلت: أعوذ بالله من ذلك؟!
فنكس الزبير رأسه، ثم قال: إني أنسيت هذا المقام.
فقال له أمير المؤمنين «عليه السلام»: دع هذا، أفلست
بايعتني طائعاً؟!
قال: بلى.
قال: فوجدت مني حدثاً يوجب مفارقتي؟!
فسكت ثم قال: لا جرم والله لا قاتلتك، ورجع متوجهاً نحو
البصرة.
[وحسب نص ابن مردويه: ثم قال أمير المؤمنين «عليه
السلام»: دع هذا، بايعتني طائعاً، ثم جئت محارباً؟! ما عدا مما بدا؟!
فقال: لا جرم والله لا أقاتلك]([3]).
فقال له طلحة: ما لك يا زبير؟! تنصرف عنا؟! سحرك ابن
أبي طالب؟!
فقال: لا، ولكن ذكَّرني ما كان أنسانيه الدهر، واحتج
علي ببيعتي له.
فقال له طلحة: لا، ولكن جبنت، وانتفخ سحرك!!
فقال الزبير: لم أجبن لكن أُذكِرتُ فذكرت.
فقال له عبد الله: يا أبه، جئت بهذين العسكرين العظيمين
حتى إذا اصطفا للحرب قلت: أتركهما وأنصرف، فما تقول قريش غداً
بالمدينة؟! الله الله يا أبه، لا تشمت الأعداء، ولا تشين نفسك بالهزيمة
قبل القتال.
قال: يا بني ما أصنع وقد حلفت له بالله ألا أقاتله؟!
قال له: فكفر عن يمينك ولا تفسد أمرنا.
فقال الزبير: عبدي مكحول حرٌّ لوجه الله كفارة يميني.
ثم عاد معهم للقتال.
فقال همام الثقفي في فعل الزبير وما فعل، وعتقه عبده في
قتال علي «عليه السلام»:
أيعتق مكحولا ويعصي نبيه لقد تاه عن قصد
الهدى ثم عوق
أينوي بهذا الصدق والبر والتقى سيعلم
يوما من يبر ويصدق
لشتان ما بين الضلالة والهدى وشتان من يعصي
النبي ويعتق
ومن هو في ذات الاله مشمر يكبِّر برا ربه
ويصدق
أفي الحق أن يعصى النبي سفاهة ويعتق عن
عصيانه ويطلق
كدافق ماء للسراب يؤمه ألا في ضلال ما
يصب ويدفق([4])
وروى نصر بن مزاحم:
أن أمير المؤمنين «عليه السلام» حين وقع القتال وقتل طلحة تقدم على
بغلة رسول الله «صلى الله عليه وآله» الشهباء بين الصفين، فدعا الزبير،
فدنا إليه حتى اختلف أعناق دابتيهما، فقال: يا زبير، أنشدك بالله أسمعت
رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: إنك ستقاتل علياً وأنت له ظالم؟!
قال: اللهم نعم.
قال: فلم جئت؟!
قال: جئت لأصلح بين الناس.
فأدبر الزبير وهو يقول:
تَرْكُ الأمور التي تخشى عواقبها
لله أجمل في الدنيا وفي الدين
نادى علي بأمر لست أذكره إذ كان
عمرو أبيك الخير مذحين
فقلت حسبك من عذل أبا حسن فبعض ما
قلته ذا اليوم يكفيني
فاخترت عاراً على نار مؤججة ما إن
يقوم لها خلق من الطين
أخاك طلحة وسط القوم منجدلاً ركن الضعيف ومأوى
كل مسكين
قد كنت أنصر أحياناً وينصرني في النائبات ويرمي
من يراميني
حتى ابتلينا بأمر ضاق مصدره فأصبح
اليوم ما يعنيه يعنيني
قال: فأقبل الزبير على عائشة، فقال: يا أمه، والله ما
لي في هذا بصيرة، وأنا منصرف.
قالت عائشة: أبا عبد الله، أفررت من سيوف ابن أبي
طالب؟!
فقال: إنها والله طوال حداد، تحملها فتية أنجاد.
ثم خرج [الزبير] راجعاً، فمر بوادي السباع، وفيه:
الأحنف بن قيس قد اعتزل في بني تميم.
فأخبر الأحنف بانصرافه، فقال: ما أصنع به إن كان الزبير
لف بين غارين من المسلمين، وقتل أحدهما بالآخر، ثم هو يريد اللحاق
بأهله؟!
فسمعه ابن جرموز، فخرج هو ورجلان معه، وقد كان لحق
بالزبير رجل من كلب ومعه غلامه.
فلما أشرف ابن جرموز وصاحباه على الزبير حرك الرجلان
رواحلهما، وخلّفا الزبير وحده، فقال لهما الزبير: ما لكما؟! هم ثلاثة
ونحن ثلاثة.
فلما أقبل ابن جرموز قال له الزبير: إليك عني..
فقال ابن جرموز: يا أبا عبد الله، إنني جئتك أسألك عن
أمور الناس؟!
قال: تركت الناس على الركب يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف.
قال ابن جرموز: يا أبا عبد الله، أخبرني عن أشياء أسألك
عنها.
قال: هات.
قال: أخبرني عن خذلك عثمان، وعن بيعتك علياً، وعن نقضك
بيعته، وعن إخراجك أم المؤمنين، وعن صلاتك خلف ابنك، وعن هذه الحرب
الذي جنيتها [لعل الصحيح: التي جنيتها]، وعن لحوقك بأهلك؟!
قال: أما خذلي عثمان، فأمر قدم الله فيه الخطيئة، وأخر
فيه التوبة.
وأما بيعتي علياً، فلم أجد منها بداً، إذ بايعه
المهاجرون والأنصار.
وأما نقضي بيعته، فإنما بايعته بيدي دون قلبي.
وأما إخراجي أم المؤمنين، فأردنا أمراً وأراد الله
غيره.
وأما صلاتي خلف ابني، فإن خالته قدمته.
فتنحى ابن جرموز وقال: قتلني الله إن لم أقتلك([5]).
4 ـ
وقال الأربلي «رحمه الله»:
فلما رأى أنه لم يبق إلا مصافحة الصفاح، والمطاعنة
بالرماح، صاح بأعلى صوته: أين الزبير بن العوام، فليخرج إلي؟!
فقال الناس: يا أمير المؤمنين، أتخرج إلى الزبير وأنت
حاسر، وهو مدجج في الحديد؟!
فقال «عليه السلام»: ليس علي منه بأس.
ثم نادى ثانية، فخرج إليه [الزبير] ودنا منه حتى واقفه،
فقال له علي: يا أبا عبد الله، ما حملك على ما صنعت؟!
فقال: الطلب بدم عثمان!!
فقال: أنت وأصحابك قتلتموه، فيجب عليك أن تقيد من
نفسك!! ولكن أنشدك الله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل الفرقان على نبيه
محمد «صلى الله عليه وآله»، أما تذكر يوماً قال لك رسول الله «صلى الله
عليه وآله»: يا زبير أتحب علياً؟!
فقلت: وما يمنعني من حبه وهو ابن خالي؟!
فقال لك: أما أنت فستخرج عليه يوماً، وأنت له ظالم.
فقال الزبير: اللهم بلى، فقد كان ذلك.
فقال علي «عليه السلام»: فأنشدك الله الذي أنزل الفرقان
على نبيه محمد «صلى الله عليه وآله»، أما تذكر يوماً جاء رسول الله
«صلى الله عليه وآله» من عند ابن عوف وأنت معه، وهو آخذ بيدك،
فاستقبلته أنا فسلمت عليه، فضحك في وجهي، فضحكت أنا إليه، فقلت أنت: لا
يدع ابن أبي طالب زهوه أبداً.
فقال لك النبي «صلى الله عليه وآله»: مهلاً يا زبير
فليس به زهو، ولتخرجن عليه يوماً وأنت ظالم له!!
فقال الزبير: اللهم بلى، ولكن أنسيت، فأما إذا ذكرتني
ذلك، فلأنصرفن عنك، ولو ذكرت هذا لما خرجت عليك.
ثم رجع إلى عائشة، فقالت: ما وراءك يا أبا عبد الله؟!
فقال الزبير: والله، ورائي أني ما وقفت موقفاً في شرك
ولا إسلام إلا ولي فيه بصيرة، وأنا اليوم على شك من أمري، وما أكاد
أبصر موضع قدمي.
ثم شق الصفوف وخرج من بينهم، ونزل على قوم من بني تميم.
فقام إليه عمرو بن جرموز المجاشعي، فقتله حين نام، وكان
في ضيافته، فنفذت دعوة أمير المؤمنين «عليه السلام» فيه.
وأما طلحة، فجاءه سهم وهو قائم للقتال، فقتله ثم التحم
القتال([6]).
قال أبان:
قال سليم: لما التقى أمير المؤمنين «عليه السلام» وأهل البصرة يوم
الجمل نادى [علي «عليه السلام» الزبير]: يا أبا عبد الله، اخرج إليَّ.
فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، تخرج إلى الزبير
الناكث بيعته وهو على فرس شاك في السلاح وأنت على بغلة بلا سلاح؟!
فقال علي «عليه السلام»: إن علي [من الله] جنة واقية،
لن يستطيع أحد فراراً من أجله، وإني لا أموت ولا أقتل إلا على يدي
أشقاها كما عقر ناقة الله أشقى ثمود.
فخرج [إليه] الزبير، فقال: أين طلحة ليخرج؟!
فخرج [طلحة]، فقال: نشدتكما بالله، أتعلمان [في
الإحتجاج: والله إنكما لتعلمان] وأولوا العلم من آل محمد وعائشة بنت
أبي بكر: أن أصحاب الجمل وأهل النهر ملعونون على لسان محمد، وقد خاب من
افترى؟!
فقال الزبير: كيف نكون ملعونين ونحن من [أصحاب بدر]،
وأهل الجنة؟!
فقال علي «عليه السلام»: لو علمت أنكم من أهل الجنة لما
استحللت قتالكم.
فقال الزبير: أما سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله»
يقول يوم أحد: «أوجب طلحة الجنة، ومن أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على
الأرض حياً فلينظر إلى طلحة»؟!
أوما سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: «عشرة
من قريش في الجنة»؟!
[في الإحتجاج: أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل وهو
يروي: أنه سمع رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: «عشرة من قريش في
الجنة»؟!]
قال علي «عليه السلام»: سمعته يحدِّث بذلك عثمان في
خلافته.
فقال الزبير: أفتراه يكذب على رسول الله «صلى الله عليه
وآله»؟!
فقال علي «عليه السلام»: لست أخبرك بشيء حتى تسميهم.
فقال علي «عليه السلام» فسمِّهم!
فقال: فلان، وفلان، وفلان، حتى عدَّ تسعة فيهم أبو
عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.
[في الإحتجاج: قال الزبير: أبو بكر، وعمر، وعثمان،
وطلحة، والزبير، وعبد الرحمان بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن
الجراح، وسعيد بن عمرو بن نفيل].
فقال علي «عليه السلام»: عددت تسعة، فمن العاشر؟!
قال الزبير: أنت.
فقال: أما أنت فقد أقررت أني من أهل الجنة.. وأما ما
ادعيت لنفسك وأصحابك، فإني به لمن الجاحدين.. والله إن بعض من سميت لفى
تابوت في جب في أسفل درك من جهنم، على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله أن
يسعر جهنم رفع تلك الصخرة فأسعرت جهنم..
سمعت ذلك من رسول الله «صلى الله عليه وآله» وإلا
فأظفرك الله بي، وسفك دمي بيدك، وإلا فأظفرني الله بك وبأصحابك.
[في الإحتجاج: وإلا أظفرني الله عليك وعلى أصحابك، وسفك
دمائكم على يدي، وعجل أرواحكم إلى النار].
فرجع الزبير إلى أصحابه وهو يبكي.
ثم أقبل على طلحة، فقال: يا طلحة، معكما نساؤكما؟!
قال: لا.
قال: عمدتما إلى امرأة موضعها في كتاب الله القعود في
بيتها، فأبرزتماها وصنتما حلائلكما في الخيام والحجال؟!
ما أنصفتما رسول الله «صلى الله عليه وآله» [من أنفسكم،
حيث أجلستما نساءكما في البيوت، وأخرجتما زوجة رسول الله «صلى الله
عليه وآله»]، وقد أمر الله أن لا يُكَلَّمْن إلا من وراء حجاب..
أخبرني عن صلاة [عبد الله] ابن الزبير بكما، أما يرضى
أحدكما بصاحبه؟!
أخبرني عن دعائكما الأعراب إلى قتالي ما يحملكما على
ذلك؟!
فقال طلحة: يا هذا، كنا في الشورى ستة مات منا واحد،
وقتل آخر، فنحن اليوم أربعة، كلنا لك كاره!!
فقال له علي «عليه السلام»: ليس ذاك علي. قد كنا في
الشورى والأمر في يد غيرنا، وهو اليوم في يدي. أرأيت لو أردت بعدما
بايعت عثمان أن أرد هذا الأمر شورى أكان ذلك لي؟!
قال: لا.
[قال:] ولم؟!
قال: لأنك بايعت طائعاً.
فقال علي «عليه السلام»: وكيف ذلك والأنصار معهم السيوف
مخترطة يقولون: لئن فرغتم وبايعتم واحداً منكم، وإلا ضربنا أعناقكم
أجمعين؟!
فهل قال لك ولأصحابك أحد شيئاً من هذا وقت ما
بايعتماني؟!
وحجتي في الإستكراه في البيعة أوضح من حجتك، وقد
بايعتني وأصحابك طائعين غير مكرهين. وكنتما أول من فعل ذلك.. ولم يقل
أحد: لتبايعان أو لنقتلكما؟!
فانصرف طلحة، ونشب القتال، فقتل طلحة وانهزم الزبير([7]).
طلحة وعلي
مطالبات في الميدان:
1 ـ قال المسعودي:
ثم نادى علي طلحة بعد أن رجع الزبير، فقال له: يا أبا محمد ما الذي
أخرجك؟!
قال: الطلب بدم عثمان.
قال علي: قتل الله أولانا بدم عثمان.. أما سمعت رسول
الله «صلى الله عليه وآله» يقول: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».
وأنت أول من بايعني ثم نكثت، وقد
قال الله عز وجل: ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا
يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾([8]).
فقال: استغفر الله، ثم رجع.
فقال مروان بن الحكم: رجع الزبير ويرجع طلحة([9]).
ما أبالي رميت ها هنا، أم ها هنا!! فرماه في أكحله،
فقتله الخ..([10]).
وفي نص آخر:
قال: نعم.. وذكره.
قال: فلم تقاتلني([11]).
وفي نص آخر:
أن علياً «عليه السلام» قال لطلحة:
نشدتك الله، ألم تسمع رسول الله «صلى الله عليه وآله»،
يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه؟!
فقال: بلى والله. ثم انصرف عنه([12]).
2 ـ
وعن ابن قتيبة أن طلحة قال لعلي «عليه السلام»: اعتزل
هذا الأمر، ونجعله شورى بين المسلمين، فإن رضوا بك دخلت فيما دخل فيه
الناس، وإن رضوا غيرك كنت رجلاً من المسلمين.
قال علي: أولم تبايعني يا أبا محمد طائعاً غير مكره؟!
فما كنت لأترك بيعتي.
قال طلحة: بايعتك والسيف في عنقي.
قال: ألم تعلم أني ما أكرهت أحداً على البيعة؟! ولو كنت
مكرهاً أحداً لأكرهت سعداً، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة. أبوا البيعة
واعتزلوا، فتركتهم.
قال طلحة: كنا في الشورى ستة، فمات اثنان وقد كرهناك،
ونحن ثلاثة.
قال علي: إنما كان لكما ألا ترضيا قبل الرضى وقبل
البيعة، وأما الآن فليس لكما غير ما رضيتما به، إلا أن تخرجا مما بويعت
عليه بحدث، فإن كنت أحدثت حدثاً فسموه لي..
وأخرجتم أمكم عائشة، وتركتم نساءكم، فهذا أعظم الحدث
منكم، أَرِضىً هذا لرسول الله «صلى الله عليه وآله» أن تهتكوا ستراً
ضربه عليها، وتخرجوها منه؟!
فقال طلحة: إنما جاءت للإصلاح.
قال علي «عليه السلام»: هي لعمر الله إلى من يصلح لها
أمرها أحوج.
أيها الشيخ، اقبل النصح، وارض بالتوبة مع العار، قبل أن
يكون العار والنار([13]).
3 ـ
وفي رواية: ثم قال علي «عليه السلام» لطلحة: ما أنصفت
رسول الله «صلى الله عليه وآله»، جئت بعرسه تقاتل بها، وخبأت عرسك في
البيت([14]).
4 ـ قال الطبري:
حدثنا عمر قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن قتادة قال:
سار علي من الزاوية يريد طلحة والزبير وعائشة. وساروا من الفرضة يريدون
علياً، فالتقوا عند موضع قصر عبيد الله بن زياد في النصف من جمادى
الآخرة سنة 36 يوم الخميس.
فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح. فقيل
لعلي: هذا الزبير.
قال: أما إنه أحرى الرجلين إن ذُكِّر بالله أن يذكر.
وخرج طلحة، فخرج إليهما علي، فدنا منهما حتى اختلفت
أعناق دوابهم،
فقال علي:
لعمري لقد أعددتما سلاحاً وخيلاً ورجالاً إن كنتما أعددتما عند الله
عذراً، فاتقيا الله سبحانه ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة
أنكاثاً، ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي وأحرم دماءكما؟! فهل من
حدث أحل لكما دمي؟!
قال طلحة:
ألبت الناس على عثمان رضي الله عنه.
قال علي:
﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ
وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾([15]).
يا طلحة، تطلب بدم عثمان «رضي الله عنه»، فلعن الله
قتلة عثمان..
يا زبير، أتذكر يوم مررت مع رسول الله «صلى الله عليه
وآله» في بني غنم، فنظر إليَّ فضحك وضحكت إليه، فقلت: لا يدع ابن أبي
طالب زهوه.
إلى أن قال:
فدعا بغلام له يقال له: مكحول، فأعتقه.
فقال: عبد الرحمن بن سليمان التميمي:
لم أر كاليوم أخا إخوان أعجب من مكفر
الأيمان
بالعتق في معصية الرحمن
وقال رجل من شعرائهم:
يعتق مكحولاً لصون دينه كفارة
لله عن يمينه
والنكث قد لاح على جبينه([16])
وفي نص آخر:
أن ابنه قال له: والله لقد فضحتنا، لا نغسل رؤوسنا منها أبداً.
إلى أن قال:
فقال
له عبد الله:
ما أراك إلا جبنت عن سيوف بني عبد المطلب، إنها لسيوف
حداد تحملها فتية أمجاد (أو أنجاد).
فقال الزبير: ويلك! أتهيجني على حربه؟! أما إني قد حلفت
أن لا أحاربه.
قال: كفِّر عن يمينك، لا تتحدث نساء قريش أنك جبنت، وما
كنت جباناً.
فقال الزبير: غلامي مكحول حرٌّ كفارة عن يميني الخ..([17]).
5 ـ
وفي رواية: أنه لما رجع الزبير، وذكر لهم: أن علياً
«عليه السلام» ذكَّره بكلام رسول الله «صلى الله عليه وآله»، قالت
عائشة:
«لا والله، بل خفت سيوف ابن أبي طالب، فإنها طوال حداد،
تحملها سواعد أنجاد، ولئن خفتها فلقد خافها الرجال من قبلك الخ..»([18]).
ونقول:
إن هذه النصوص تحتاج إلى مناقشة في فصل مستقل هو
التالي.
([1])
مروج الذهب ج2 ص371 و (ط بيروت سنة 1982م) ج1 ص652 وجواهر
المطالب لابن الدمشقي ج2 ص31 و 32 وراجع: أنساب الأشراف ج3 ص51
والفتوح لابن أعثم ج2 ص469 و 470 والإمامة والسياسة (تحقيق
الزيني) ج1 ص68 و (تحقيق الشيري) ج1 ص92 والمناقب للخوارزمي
ص179 ـ 180 و 216 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص182 وتذكرة الخواص (ط
النجف ـ العراق) ص70 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص166 والجمل
لابن شدقم ص130 ـ 132 والنصائح الكافية ص48.
([2])
الغدير ج9 ص102 وتاريخ الأمم والملوك ج5 ص204 و (ط دار المعارف
سنة 1977م) ج4 ص508 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص520 والكامل في
التاريخ ج2 ص335 ومروج الذهب ج2 ص10 وراجع: أسد الغابة ج2 ص310
ومسند أبي يعلى ج1 ص320 والبداية والنهاية ج7 ص241 والامالي
للطوسي ص137 والصراط المستقيم ج3 ص120 وموسوعة الإمام علي بن
أبي طالب ج5 ص215 عنهم، وراجع: تذكرة الخواص (ط النجف) ص71
ومروج الذهب ج2 ص380.
([3])
بحار الأنوار ج32 ص172 و 173 و 204 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص340
والأمالي للطوسي ص137 وحلية الأبرار ج2 ص347 و 348.
([4])
الأمالي للشيخ الطوسي ص137ـ 139 وراجع: مناقب آل أبي طالب ج2
ص340 وحلية الأبرار ج2 ص347 ـ 349 وبحار الأنوار ج32 ص204 و
205 عن الأمالي ص172 وبشارة المصطفى ص379 ـ 381.
([5])
رسائل المرتضى ج4 ص71 ـ 73 والإحتجاج ج1 ص237 ـ 239 وبحار
الأنوار ج32 ص198 و 199.
([6])
كشف الغمة ج1 ص 241 و 242 وبحار الأنوار ج32 ص189 و 190 ومطالب
السؤول ص214 و 215.
([7])
كتاب سليم بن قيس ج2 ص798 و 799 و 800 و (الطبعة المختصرة ـ
مجلد واحد) ص327 ـ 329 وبحار الأنوار ج32 ص216 و 217 وص196 و
197 عن سليم بن قيس، وعن الكافئة في إبطال توبة الخاطئة ص24 و
25 وعن الإحتجاج. وراجع: الإحتجاج ج1 ص237 ورواه في الكافئة عن
عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر محمد بن علي «عليهما
السلام».
([8])
الآية 10 من سورة الفتح.
([9])
مروج الذهب ج2 ص11 والنصائح الكافية لابن عقيل ص49 والغدير ج1
ص186.
([10])
مروج الذهب ج2 ص364 وراجع: المستدرك للحاكم ج3 ص419 والمناقب
للخوارزمي ص182 ومختصر تاريخ دمشق ج11 ص204 وموسوعة الإمام علي
بن أبي طالب «عليه السلام» ج5 ص219 عنهم، وتاريخ مدينة دمشق
ج25 ص108 والنصائح الكافية لابن عقيل ص49.
([11])
تاريخ مدينة دمشق ج25 ص180 والمستدرك للحاكم ج3 ص371 وتخريج
الأحاديث والآثار ج2 ص235 وراجع: كنز العمال (ط مؤسسة الرسالة)
ج11 ص332 والمناقب للخوارزمي ص182 .
([12])
تذكرة الخواص (ط النجف ـ العراق) ص72 و (ط أخرى) ص42.
([13])
الإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص70 و (تحقيق الشيري) ج1
ص95 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» ج5 ص219 و
220.
([14])
تذكرة الخواص (ط النجف ـ العراق) ص71 وراجع: النص والإجتهاد
ص447 والإصابة (ط دار الكتب العلمية) ج1 ص63 وتاريخ الأمم
والملوك ج3 ص520 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص439.
([15])
الآية 25 من سورة النور.
([16])
تاريخ الأمم والملوك ج4 ص501 و 502 والكامل في التاريخ ج2 ص334
وموسوعة الإمام علي «عليه السلام» ج5 ص216 وتذكرة الخواص (ط
النجف ـ العراق) ص69 و 70 والبداية والنهاية ج7 ص241.
([17])
هذا النص ذكره بعضهم ملحقاً بالنص المتقدم، الذي ذكر أنه «عليه
السلام» خاطب طلحة والزبير معاً.. وبعضهم لم يذكر فيه طلحة، بل
اقتصر على ذكر الزبير. وبعضهم ذكر ذلك بصياغة أخرى، وتتضح
الفروق بمراجعة المصادر التالية: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1
ص233 و 234 والأخبار الطوال ص147 والفصول المختارة ص142 وتذكرة
الخواص (ط النجف) ص71 والأمالي للطوسي ص137 وبشارة المصطفى
ص247 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» ج5 ص216 و
217 و 218 عنهم، ومناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج2
ص340 وبحار الأنوار ج32 ص173 عن حلية الأولياء، وعن ابن
مردويه، من ثمانية طرق، وعن ابن شهرآشوب ص204 عن الأمالي.
وراجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص182 و 183.
([18])
مناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص340 وبحار الأنوار
ج32 ص174 عنه.
|