إن معرفة الإنسان بطبائع عدوه ومزاياه وأخلاقه لها أثر
عظيم في صناعة المفاجأة، وتحقيق النصر، وتوجيه مسار الأمور. وهذا ما
دعا علياً «عليه السلام» لاختيار الزبير لخطابه، وتذكيره ببعض ما يزلزل
موقفه، ويغير في مسار الأمور على الصعيد النفسي على أقل تقدير.
لقد عرف «عليه السلام»: أن في الزبير ما يدعوه إلى
الإعتراف بالحق، ولعله استفاد من أخواله بني هاشم بعض الخصال النفسية،
وبعض السلوكيات.. فإن الزبير كان ألين عريكة، وأشد حياءً. ولم يكن فيه
بأو ولا كبر طلحة، ولا صلافته وجرأته.
وقد بدأ «عليه السلام» أسئلته للزبير بما يفترض بالزبير
أن يتحرج منه وجدانياً، ويجد في نفسه الرغبة بعدم معاندة علي «عليه
السلام»، فأقر له بما سأله عنه، مدَّعياً أنه قد أنسي هذا المقام.
وإقرار الزبير بما قاله له رسول الله «صلى الله عليه
وآله» هو الذي هيأه للإقرار الآخر بعده، بأنه قد بايع علياً «عليه
السلام» طائعاً.. مع أنه كان لا يزال إلى هذا الوقت يكابر ويدَّعي
للناس: أنه قد بايع علياً «عليه السلام» واللج (يعني السيف) على عنقه..
ولعل نفس وقوفه وجهاً لوجه مع علي «عليه السلام» قد
أيقظ بعضاً من كبريائه، وصعَّب عليه السقوط أمامه في حمأة الكذب
الفاضح، فاعترف له بما طلب منه الإقرار به..
ولعله ظن أنه سيتمكن من التعويض عن هذا الإقرار
بادِّعاءات أو مطالبات أخرى تأتي بعده، ولكن علياً «عليه السلام» عاجله
بأسئلته المحرجة، التي قادته من إقرار إلى آخر يجعله صفر اليدين من أي
شيء يمكنه أن يناور به، ويقطع الطريق عليه في أي عمل يمكن أن يتوهم أنه
يفيده في توجيه خروجه عليه وحربه له.. وبذلك استطاع «عليه السلام» أن
يجعل كل جهد الزبير، وكل مساعيه التي بلغ بها إلى هذا الموقف هباءً
منثوراً.
فقد قادته أسئلة علي «عليه السلام» إلى الاعتراف بأنه
لم ير منه أي حدث يوجب مفارقته له.
فلما بلغ الأمر بالزبير إلى هذا الحد وجد أن حربه له
أصبحت بلا معنى ولا مبرر، فأعلن قراره بالإنصراف عنه. وأقسم على ذلك،
ثم نكث بعهده وحنث بقسمه، ففضح بذلك نفسه.
وقد وقع الناكثان طلحة والزبير في تناقض كبير حين أظهرا
حرصهما على إبعاد نسائهما عن الظهور بين الرجال، وصاناهما عن مواطن
الخطر في ساحات القتال، وإظهارهما الغيرة عليهن بأن خبآ نساءهما في
البيوت..
ولكنهما أظهرا عكس ذلك حين رضيا بإبراز زوجة الرسول
الأكرم والأعظم «صلى الله عليه وآله» إلى الرجال، حيث جاءا بها إلى
ساحة الحرب ليقاتلا بها، وجعلاها علماً للجيش، فدلا بذلك على أن
تغايرهما على نسائهما لا لأنهما يرون لزوم صون الأعراض، وحفظ
الكرامات.. ولا لأجل حفظ كرامة المرأة وصونها، من حيث هي مخلوق له
حقوقه، وله كرامته عند الله. بل من منطلق الأنا الطاغية عليهما، ومن
موقع جاهلي بغيض هما اللذان سوَّغا لهما حفظ زوجتيهما إيثاراً منهما
لأنفسهما.
كما أنهما حين رضيا بإظهار عرس رسول الله «صلى الله
عليه وآله» في أسوأ الحالات، وأبشع المناظر، وابعد المواضع عن الصون
والحفظ، وحيث تهتك الحرمات، وتزهق الأرواح، وتقطع الرؤوس، وتتطاير
الأيدي والأرجل، وتبقر البطون، ولم يرعيا حرمة أقدس المخلوقات وأشرف
الموجودات.. فإنما فعلا ذلك بدافع من أنانيتهما الطاغية، وشهوتهما
الجامحة إلى الملك، والمال، والجاه والسلطان.
ونلاحظ:
1 ـ
أنه حين تواقف طلحة والزبير، وعلي، فإنه «عليه السلام» قد بذل محاولة
فريدة، ورائدة تنطلق من معرفته بطموحات هذين الرجلين، وتحاكي في شكلها
صورتهما النفسية، فقد تضمنت في البداية ملاحظة سجلها في وصف ما أعدَّاه
من رجال وخيل وسلاح لقتاله، وأنه يلفت النظر في نوعه وحجمه، ليشعرا
بالرضا عن الجهد الذي بذلاه، أي أنه «عليه السلام» لم يحقر جمعهما ولا
استهزأ، ولا استهان به، فقال لهما: «لعمري لقد أعددتما سلاحاً وخيلاً،
ورجالاً».
والرجل الطامح الأناني والمصاب بداء الكبر، يشعر بالزهو
بشهادة كهذه، ولا سيما إذا أتته من عدوه، لأن المعيار عند أصحاب
الأطماع هو القوة المادية، والإعتماد على الكثرات والمظاهر.
أما أهل المعرفة بالله، وخصوصاً علي «عليه السلام»،
فإنهم يعرفون أن الكثرات ليست هي التي تأتي بالنصر، بل ربما جاءت
بالهزيمة، وهذا ما حصل لمن اغتر بها في حرب حنين، كما أن القلة هي التي
انتصرت في حنين بعد هزيمة الكثرة.. كما أن القلة هي التي انتصرت في بدر
وأحد، والخندق، وخيبر، وهزم أهل الكثرات في هذه المواقع بالذات أيضاً.
2 ـ
ثم إنه «عليه السلام» قد انطلق من هذه الملاحظة التي
سجلها حول كثرة الرجال، وجودة السلاح الذي أعده الناكثون ليقول لهما:
إن مقومات النصر لا تنحصر بالعدة والعدد، بل تحتاج إلى
أمر يكمن في داخل الإنسان، ليكون هو الذي يعطي الخيل والسلاح والرجال
الفاعلية والتأثير، ألا وهو القيادة الصالحة التي تضمن رضا الله تعالى
في كل ما تخطط له، وما تقدم عليه. ولذلك قال لهما «عليه السلام»:
«لعمري لقد أعددتما سلاحاً وخيلاً، ورجالاً، إن كنتما أعددتما عند الله
عذراً»، إذ بدون رضا الله، فإن السلاح والخيل والرجال لن تأتي بالفلاح
والنجاح، بل تأتي بالخسران والخذلان على كل حال، إن لم نقل: إن الخذلان
والخسران في صورة الإنتصار سيكون آكد وأشد، لأن النصر الذي يكون ثمنه
خذلان الحق وأهله، وهيمنة الباطل وأهله سيكون أعظم، سواء في الدنيا أو
في الآخرة، حيث سيشتد غضب الله سبحانه، وسيكون الله تعالى على أهل
الباطل أشد بأساً، وأشد تنكيلاً.
3 ـ
ثم جاءت النصيحة الأخيرة منه «عليه السلام» لهما متلائمة مع ما يسعيان
إليه من جر النار إلى قرصهما، حيث تضمنت: الإشارة لهما إلى أن من
المفترض بهما أن يحفظا تاريخهما الطويل، وأن يكونا قد وفرا فيه
لأنفسهما الكثير من الأعمال التي يعتبرونها صالحة، ويرون أنها قد هيأت
لهما مكانة مرموقة، ورصدت لهما سجلاً حافلاً بالمعطيات التي يعتمدان
عليها كركيزة صالحة للبناء عليها، وتكريس نتائجها الإيجابية، في رسم
مستقبلهما الذي يحلمان به..
وأرشدهما إلى لزوم حفظ ذلك، وعدم التفريط به، لأن ضرر
هذا التفريط يعود عليهما. فلا معنى لأن يتوهما أن يكون «عليه السلام»
قد قال لهم هذا بدافع الخوف من مواجهتهم، أو أن تكون كثرة ما جمعاه من
سلاح وخيل ورجال قد دعته إلى التماس لطائف الحيل لصدهما عما يريدان..
وأوضح «عليه
السلام»
ذلك كله بمثال ظاهر البداهة يدلل على قبح ما يقدمان عليه، من حيث إنه
يتضمن التفريط بهذا الرصيد الذي أنفقا زهرة العمر في جمعه، وتهيئته،
وحفظه.. فقد مثَّل لهما بتلك التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً..
وهذه طريقة رائعة وفريدة في محاورة العدو، وفي سوقه إلى
محكمة الوجدان ليعيش الصراع في داخل نفسه. ويُهزم من الداخل أولاً، ثم
تلحقها هزيمة حاسمة ونهائية على أرض الواقع العملي..
ثم بادر «عليه
السلام»
إلى توجيه سؤال وجداني آخر لهما، لا يخرج عن دائرة المنطق والعقل،
والإنصاف. مستفيداً في تقرير سؤاله من كلمات حميمة، تلامس المشاعر،
وتثير فيها نسيمات الحنين الصافي والبريء من كل غرض شخصي أو دنيوي، حين
قال لهما:
«ألم
أكن أخاكما في دينكما، تحرمان دمي وأحرم دمكما»؟!
فلاحظ كلمة «أخاكما»،
وما فيها من وداد وحنين، وإلى كلمة: «في
دينكما»
التي تبعد عن واهمتهما كل أثر للأنا وللهوى، وللعصبية العشائرية
وسواها. وذلك ليمهد السبيل بذلك لاستلال اعتراف آخر، من شأنه أن يقوض
الركائز التي يعتمدان عليها في كل ما بذلاه من جهد لإعداد ما أعدَّاه
من سلاح، وخيل ورجال.. حيث قال لهما:
«فهل
حدث من حدث أحل لكما دمي»؟!
وكان طلحة هو المبادر للجواب هنا، لأنه الأكثر جفاء
وجرأة، ولا يدعه بأوه ولا كبره أن يتواضع للحق، أو ينقاد للمنطق..
فاتهمه بالتأليب على عثمان..
فأسقط بجوابه هذا منطق العقل، وجانب طريق الإنصاف.
فلم يكن أمام علي «عليه
السلام»
إلا أن يرجعهما إلى ما لا يمكنهما التخلص منه، وهو الرقابة الإلهية،
التي لا تحابي ولا تجامل أحداً.. وأوكل الأمر إليه تعالى، وقطع بذلك
على طلحة طريق المكابرة، وأكد ذلك بطلبه من الله طرد قتلة عثمان من
رحمته، ثم توجه بالحديث إلى الزبير، فانتهى الأمر بإقراره له، ولزمته
الحجة، وأخرج نفسه من الحرب، ثم نُكس على رأسه، ونكث يمينه، وعاد إلى
الحرب من جديد. كما أوضحته الروايات المتقدمة..
1 ـ قد ذكرت الرواية المتقدمة: أن علياً «عليه السلام»
احتج على طلحة بحديث: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه»، وأقر طلحة
بأنه قد سمعه من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وهذا هو حديث الغدير،
الذي أعقبته بيعة يوم الغدير المعروفة لدى القاصي والداني.
وسؤالنا هو:
لماذا اقتصر «عليه السلام» في مخاطبته طلحة على خصوص
هذه الفقرة، ولم يذكر بيعته يوم الغدير، ولا ذكر نكثه لها، بل اقتصر
على الإشارة إلى نكثه بيعته بعد قتل عثمان.
ونجيب:
أولاً:
إن الإحتجاج عليه بذلك سيكون غير ذي أثر، لأن طلحة سيجيبه: بأنه لم يكن
هو الذي نقض بيعته يوم الغدير، بل الذين استولوا على الخلافة هم الذين
أطاحوا بتلك البيعة، وعطلوها، وأذهبوا أثرها.
ثانياً:
إنه «عليه السلام» إنما أراد أن يجعل كلام رسول الله
«صلى الله عليه وآله» منطلقاً ومرتكزاً للحكم على طلحة ومن معه، بأنهم
ممن يعاديهم الله سبحانه.. فما معنى تأييد الناس لهم، وانضوائهم تحت
لوائهم، وجعلهم أنفسهم في موضع غضب الله سبحانه وتعالى:
وهنا سؤال آخر:
وهو أنه لماذا طلب «عليه السلام» من طلحة أن يعترف
بحديث الغدير، لا من الزبير؟!
ونجيب:
أولاً:
لأن الزبير كان سيجيبه: بأنني قد ناصرتك وكنت معك حين أرادوا الإستيلاء
على الأمر منك يوم السقيفة، فلماذا تحتج عليّ وتقررني بهذا الحديث؟!
ثانياً:
إن طلحة من بني تيم، ومن قوم أبي بكر، الذي كان أول من عدا على علي
«عليه السلام»، وأخذ الخلافة منه، فكان إقراره بحديث الغدير مهم جداً.
أما الزبير، فلم يكن لإقراره أية أهمية تذكر، لإمكان
الطعن به، بأنه إنما يقرّ لأهل قرابته، فإن بني هاشم أخواله، ولأنه قد
ناصر علياً «عليه السلام» في يوم السقيفة. فلم يكن لينقض أمراً قد شارك
في تأييده وتأكيده.
2 ـ
ذكرت الرواية أيضاً: أنه «عليه السلام» قد عقب هذا الشاهد بالطعن
بصلاحية طلحة لقيادة الناس قيادة صالحة، فإن من يكون أول من بايع، ثم
ينكث بيعته لإمامه لا يصلح لأن يؤتمن على دماء الناس وأديانهم،
وأعراضهم، ومستقبلهم، ومصالحهم. فكيف إذا كان قد وضعهم في موضع من
يعاديه الله ورسوله؟!
3 ـ
وقد استشهد «عليه السلام» بالآية القرآنية ليفيد ما يلي:
ألف:
إن هذا الرجل ـ يعني طلحة ـ إذا كان يجرؤ على مخالفة آيات القرآن
الصريحة والواضحة، فما الذي يضمن أن لا يدفعهم إلى أعظم العظائم،
ويرتكب بهم أعظم الجرائم.
ب:
إن الآية تبين لهم عاقبة فعلهم هذا، وهو أن يعود بغيهم عليهم، وان لا
يحققوا فيه فلاحاً ولا نجاحاً. بسبب خذلان الله تعالى لهم.
ثم زعمت نفس الرواية التي نحن بصدد الحديث عنها: أن
طلحة لما سمع كلام علي «عليه السلام» قال: «أستغفر الله، ثم رجع».
فقال مروان: رجع الزبير، ويرجع طلحة.. ثم رماه فقتله.
ونقول:
قال الشيخ المفيد
«رحمه
الله»
ما ملخصه:
إن طلحة قتل بين الصفين، وهو مصمم على الحرب، ومن
ادَّعى غير هذا فهو يدعي علم غيب، لا يقبل منه إلا ببرهان، وهو مفقود.
مع أن الأخبار المستفيضة كقول: إن علياً «عليه
السلام»
مر به وهو قتيل، فقال لأصحابه: أجلسوه، فأجلسوه فقال: هل وجدت ما وعدك
ربك حقاً، فقد وجدت ما وعدني ربي حقاً، ثم قال: أضجعوا طلحة([1]).
وقال في موضع آخر:
لقد كان لك برسول الله صحبة، لكن الشيطان دخل منخريك
فأوردك النار([2]).
وكتب «عليه
السلام»
إلى عماله بالفتح، وفيه: «إن
الله تعالى قتل طلحة والزبير على بغيهما وشقاقهما، ونكثهما، وهزم
جمعهما، ورد عائشة خاسرة».
وهذا يدل على عدم توبة طلحة والزبير. والمعتزلة هم
الذين يدَّعون توبتهما([3]).
وفي نص لكتابه «عليه السلام» لأهل الكوفة:
«فقتل
طلحة والزبير، وقد تقدمت إليهما بالمعذرة، وأقبلت إليهما بالنصيحة،
واستشهدت عليهما صلحاء الأمة، فما أطاعا المرشدين، ولا أجابا الناصحين»([4]).
والخلاصة:
إننا نعتقد: أن حديث رجوع طلحة عن الحرب، وتوبته، مخترع من محبيه، أو
من الذين يريدون تبرير عمل الصحابة، حتى لا تلحق بهم تهمة خروجهم على
إمامهم، وقتالهم له، وبغيهم عليه، فإن مروان هو الذي قتل طلحة، لأنه
كان يرى أنه هو الذي قتل عثمان، ولا بد أن يقتل به.. ومروان باعتقادهم
هو من الصحابة الذين لا يروق لهم نسبة المعصية إليهم.
ويبدو لنا: أن مروان قد عرف أن نجاح طلحة والزبير في
الوصول إلى الحكم لن يكون في صالحه. وأدرك أن علياً «عليه السلام» هو
الرابح في هذه الحرب، فآثر أن ينتقم لعثمان، ويبقى مستظلاً بظل عائشة،
ومتكلاً على حلم علي «عليه السلام»، وعفوه.
ورغم أن طلحة قد شارك في قتل الخليفة الذي أنتجته
الشورى التي اخترعها عمر بن الخطاب، ورغم أنه لا شيء يعطي الشرعية لهذه
الشورى، لأنها مجرد اختراع وانتقاء عُمري بحت، لا يستند إلى أي أساس
ديني، يمكن الأخذ به، أو الإعتماد عليه.
ورغم أن عمر نفسه لم يكن قادراً على إثبات الشرعية
لنفسه، لأن مجرد إيصاء أبي بكر له لا يعطيه الحق في التسلط على رقاب
المسلمين.
فضلاً عن الكلام الذي لا مجال للنقاش فيه حول عدم
مشروعية خلافة أبي بكر.
وبالرغم من أن جميع الناس بما فيهم طلحة والزبير قد
أجمعوا على البيعة لعلي «عليه السلام» بعد قتل عثمان؛ فلا عبرة بنكث
طلحة والزبير لبيعتهما، لأن هذا النكث من الباطل، والباطل لا ينتج عنه
إلا الباطل.
وبالرغم من أن سعد بن أبي وقاص قد اكتفى بالإعتزال، ولم
يعلن بطلان خلافة علي «عليه السلام». ولم يشارك الناكثين في الخروج على
علي «عليه السلام».
نعم، بالرغم من ذلك كله نلاحظ: أن طلحة قد ضم سعداً هذا
إليه وإلى الزبير حتى صاروا ثلاثة مقابل واحد، وهو علي «عليه السلام»!!
فجاءه الرد العلوي الصاعق ليقول له: إنه بعد عقد
البيعة، فإن النكث لا ينقضها، بل الذي ينقضها هو أن لا يفي الإمام
بتعهداته التي بويع عليها. وقد طالبهما «عليه السلام» بأن يسموا له
حدثاً واحداً أحدثه، وخالف فيه ما بايعوه عليه.. فلم يجد لديهم شيئاً
من ذلك..
ولكنه «عليه
السلام»
قد ذكر لهما حدثاً يسقطهما عن الصلاحية لما يطمحان إليه، وهو إخراجهما
عائشة إلى ساحات الحرب، وتركهما نساءهما.. وقد اعتبر «عليه السلام» هذا
أعظم الحدث منهما. لأنهما أقدما على ما لا يرضاه رسول الله «صلى
الله عليه وآله»
من أحد في حق زوجته.. فكيف إذا كانا قد رضيا بهتك سترها، الذي حرمه
الله عليها، مع مبالغتهم في ستر نسائهم؟! فإن ذلك يدل على أنهما مدركان
لقبح ما يأتيانه في حق الرسول «صلى الله عليه وآله»، وأنهما لم يفعلا
ذلك غفلة عن حقيقة الحال.
فاعتذر طلحة: بأنها إنما جاءت للإصلاح. وهو اعتذار لا
يحل المشكلة لأن الإصلاح لا يكون بالتخلي عن أمر الله تعالى، ومخالفة
آياته..
ولو جاز لها ذلك، لجاز لكل النساء أن يبرزن من خدورهن
ويأتين إلى ساحات القتال، بحجة الإصلاح، ولم يعد لأمر الله تعالى لنساء
النبي «صلى الله عليه وآله» بالقرار في بيوتهن مورد ولا معنى.
على أن الله تعالى علام الغيوب، فكيف أمرهن بما يعلم
أنه سينقض في موارد الإصلاح وما أكثرها؟! وهل أمر الله شيء لا بد من
نقضه مرة بعد أخرى؟!
ولماذا لم تأت أم سلمة ولا غيرها من نساء النبي «صلى
الله عليه وآله» للقيام بهذا الإصلاح.
وهل الإصلاح يكون بجمع الجيوش، وبالأمر بقتل المسلمين
في البصرة قبل وصول علي «عليه السلام»، وبهتك حرمة عثمان بن حنيف،
والعدوان على بيت مال المسلمين، وبالكون مع فريق بعينه؟! وبغير ذلك من
أمور؟!
لقد قال طلحة لعلي: اعتزل الأمر، ونجعله شورى بين
المسلمين، فإن رضوا بك دخلت فيما دخل به الناس الخ..
ونقول:
أولاً:
إن الإمامة إن كانت بالنصب من الله تعالى، فقد تحقق ذلك في يوم الغدير،
وقد بايع طلحة في ذلك اليوم، وكذلك سائر الصحابة علياً «عليه السلام»،
بأمر من الله ورسوله.. ولم يرد شيء يوجب نقض هذه البيعة.
وإن كانت الإمامة تأتي من خلال رضا المسلمين، فقد بايع
الناس كلهم علياً «عليه السلام» أيضاً بعد قتل عثمان، بعد إلحاح شديد
عليه، وبعد مضي عدة أيام كانوا هم الذين يلاحقونه، ويصرون عليه فيها
بقبول هذا الأمر، فأي شورى أعظم من هذه الشورى؟!
ونكث بعض الناس ببيعتهم بعد ذلك لا يعني بطلان تلك
البيعة، لأن النكث ليس من موجبات بطلانها.. بل هو معصية عظيمة لله
تعالى، يستحق فاعلها العقاب العظيم عليها، ولا يلحق الإمام بمعصية
الناس أي ضير أو وهن، أو نقص، ولا يغير شيئاً من إمامته ولزوم طاعته..
ثانياً:
لنفترض: أن طلحة والزبير يريدان إرجاع الأمر شورى، فإنما هما رجلان من
عشرات ألوف الرجال من هذه الأمة، فمن الذي خولهما الحديث باسم سائر
الناس، فلعل تلك الألوف لا تريد هذه الشورى ولا ترضاها؟!
فإن احتجا بفعل عمر، فيجاب: بأن عمر إنما استفاد من
سلطانه ومن القوة المسلحة التي كانت تأتمر بأمره. وهي لا تعطي مشروعية
لشيء، ولا تصوب فعل أحد من الناس..
ثالثاً:
ما ادعاه طلحة من الإكراه على البيعة تكذبه الوقائع التي رآها الناس
كلهم، وقد فندها علي «عليه
السلام»
بصورة لا تقبل الشك، حيث قدم دليلاً حسياً حياً يمكن لكل أحد أن يرجع
إليه، ويتأكد منه، وهو: أن هناك ثلاثة أشخاص أبو البيعة، واعتزلوا،
فتركهم..
ولعلك تقول:
قد تقدم ما يدل على أن هؤلاء الثلاثة أيضاً قد بايعوه
«عليه السلام». وأنهم إنما امتنعوا عن نصرته وعن المشاركة في الحرب ضد
الناكثين، والقاسطين والمارقين!!
ونجيب:
أولاً:
يمكن أن يكونوا قد امتنعوا عن البيعة مدة، ثم بايعوه بعد ذلك رغبة
وطوعاً، حين علموا أنه لن يجبرهم على الخروج معه إلى حرب أعدائه..
ثانياً:
حتى لو كانوا قد استمروا على الامتناع عن بيعته، فإن ضرر ذلك يعود
عليهم، لأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.. وهناك أحاديث
كثيرة تذكر حال من مات وليس في عنقه بيعة. أوليس له إمام..
ولا ضير في ذلك على علي «عليه السلام»، إذ لا يمكن أن
يترك الأمة بلا راع لأجل ثلاثة أشخاص.
ثالثاً:
قلنا فيما سبق: إن عدم بيعة هؤلاء لا تضر، وقد ذكر «عليه
السلام»:
أن سبب امتناعهم هو: أن سعد بن أبي وقاص حسود، وأما محمد بن مسلمة،
فذنبه إليه أنه قتل أخاه مرحباً يوم خيبر..
وأما ابن عمر، فلا ضير في عدم بيعته، وهو الذي يقول
أبوه عنه: إنه لم يحسن أن يطلق امرأته..
كما أنه في حين يمتنع عن بيعة علي «عليه
السلام»
فإنه يبايع حتى يزيد بن معاوية قاتل الحسين «عليه
السلام»،
ثم يبايع رِجل الحجاج، كما ذكرنا في موضع آخر في هذا الكتاب..
وقد ناشد علي «عليه
السلام»
طلحة والزبير بأن يقرَّا بأنهما يعلمان: بأن أصحاب الجمل والنهروان
ملعونون على لسان محمد «صلى
الله عليه وآله»،
وقد خاب من افترى.. إلى آخر ما جرى..
ونلاحظ في هذه المناشدة أموراً عديدة، نذكر منها ما
يلي:
1 ـ
إنه «عليه
السلام»
قد طلب في هذا المورد انضمام طلحة والزبير، وخاطبهما بخطاب واحد..
2 ـ
إنه «عليه
السلام»
لم يقتصر أيضاً على طلحة والزبير، بل ضم إليهما عائشة بنت أبي بكر..
3 ـ
إنه يؤكد على عِلم هؤلاء الثلاثة: طلحة، والزبير، وعائشة، وأضاف إليهم
أهل العلم من آل محمد بما يطلب من طلحة والزبير الإقرار به، ويؤكد ذلك:
بـ «إن» وبـ «اللام» وبـ «الدعاء على المفتري في هذا الأمر بالخيبة
والخسران»، حيث قال «عليه
السلام»:
﴿وَقَدْ خَابَ
مَنِ افْتَرَى﴾([5]).
وقد جعل نفسه أيضاً في جملة من يشمله هذا الدعاء، إن كان يفتري هذا
الأمر.. وهذا يدل على مدى ثقته بصحة ما يقول..
4 ـ
إن إضافة آل محمد مع وصفهم
بأنهم أهل العلم يدل:
أولاً:
على أن ما يذكره عن آل محمد «عليهم السلام» معروف وموصوف.
ثانياً:
إنه يدل على أن آل محمد على قسمين:
الأول:
ليس من أهل العلم.
والثاني:
من لهم ميزة تخصهم، وهي: أنهم أهل العلم..
فدلنا بذلك:
على أنه
«عليه
السلام»
أراد بكلمة آل محمد المعنى العام الذي يستعمله عامة الناس لا المعنى
الخاص الذي قرره رسول الله «صلى
الله عليه وآله»..
وقصدته آية التطهير..
والمراد بـ «العلم»
الذين هم أهله هو: العلم الخاص الذي خصهم به رسول الله «صلى
الله عليه وآله»
دون كل من عداهم..
وهذا يعني:
أنهم بهذا العلم يشاركون غيرهم فيما يعلمهم به النبي «صلى
الله عليه وآله»
حتى لو لم يحضروا مجلس الخطاب..
5 ـ
إنه «عليه
السلام»
لم يقتصر في إثبات اللعن على لسان محمد «صلى الله عليه وآله» على خصوص
أهل الجمل، بل ذكر معهم فريقاً لا يزال أمره في ضمير الغيب، ولم تظهر
أية إشارات أو إرهاصات لوجوده، وهم أهل النهروان.. ليؤكد بذلك: على أنه
إنما يخبر عن غيب خاص تلقاه من رسول الله «صلى
الله عليه وآله»
عن الله سبحانه..
وتكون هذه آية أخرى للناكثين كان يفترض بهم أن ينصاعوا
لها، ويرتدعوا بها عن غيِّهم.
وقد لوحظ:
أن الزبير لم يجرؤ على إنكار ما قاله علي «عليه
السلام»
مباشرة، بل حاول اللف والدوران، فواجه المناشدة بطرح أسئلة من شأنها أن
تعفيه من الجواب الصريح بالتصديق أو بالتكذيب، وكأنه يريد أن يدعي أن
أسئلته إن لم توجب رد كلام علي «عليه
السلام»،
فإنها توجب التوقف والحيرة.
ولكنه «عليه السلام» قد نقض كل ما تشبث به الزبير، ولم
يستطع أن يخرج الزبير من دائرة اللعنة التي وضعه «عليه
السلام»
فيها..
وقد تشبث الزبير بعدة أمور، جعلتها حجج علي «عليه
السلام»
الدامغة كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.. وهي التالية:
قال الزبير: إنه هو وطلحة من أصحاب بدر، ومن أهل الجنة،
فكيف يكونون ملعونين؟!
وقد أبطل علي «عليه
السلام»
قوله هذا بصورة فيها الكثير من الرفق والمراعاة، حيث اكتفى بنفي علمه
بأنه من أهل الجنة.. ولعله رأى: أن ذلك يكفي ليفهم الزبير وغيره: أن
حديث: « إن
الله قد اطلع
على أهل بدر، فقال: افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم..»
لا يفيدهم، إما لأن هذا التعبير لم يصدر عنه «صلى
الله عليه وآله»..
وإما لأن معنى هذا الكلمة: أن المغفرة إنما تعلقت
بأعمالهم السابقة، وعليهم أن يستأنفوا العمل، وسيحاسبون على ما يستجد
من أفعالهم. فإن أحسنوا فلهم المثوبة والمقام المحمود، وإن أساؤا
عوقبوا بما يستحقونه..
واحتج الزبير لإثبات أنهم من أهل الجنة بحديث: «أوجب
طلحة (الجنة)»([6])،
ومن أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض (حياً)، فلينظر إلى
طلحة»([7]).
وهذا الاستدلال لم يعد له معنى، بعد أن أعلن علي «عليه
السلام»:
أنه لا علم له بما يخبر الزبير عنه، بأنهم من أهل الجنة..
يضاف إلى ذلك:
أنه لا معنى لهذا الوسام الذي يزعمون أن طلحة قد حصل عليه من رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»..
فإن طلحة لم يفعل شيئاً يمتاز به على غيره سوى أنه قد فرَّ من الزحف مع
الفارين..
بل روي إنه قال يوم أحد: لألحقن بالشام، فإن لي بها
صديقاً نصرانياً، فأنزل الله: ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى
أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾([8])»([9]).
وهو الذي آذى النبي
«صلى
الله عليه وآله»
في أمر نسائه، حيث قال: لو قد مات محمد، لأجلنا على نسائه بالسهام.
أو قال: لنجلسنّ بين خلاخيلهن.
أو لأتزوجن أم سلمة..
أو نحو ذلك..
فأنزل الله: ﴿وَمَا
كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا
أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ
عَظِيمًا﴾([10])»([11]).
بل لقد عدَّ الرواة طلحة والزبير، وسعد بن أبي وقاص،
وعبد الرحمان بن عوف، وغيرهم في جملة من نفَّر الناقة برسول الله «صلى
الله عليه وآله»
ليلة العقبة، بهدف قتله([12]).
وهو الذي نكث بيعته، وخرج على إمامه، وقُتل وهو على
حالة البغي، وقتل في البصرة المئات، ثم تسبب في قتل عشرات الألوف من
الناس في حرب الجمل..
وهذا كله يدلنا:
على أن النبي «صلى
الله عليه وآله»
لا يمكن أن يكون قد منح طلحة الجنة، والشهادة.. وما إلى ذلك..
ثم استدل الزبير على أنه من أهل الجنة بحديث سعيد بن
عمرو بن نفيل عن العشرة المبشرين بالجنة. وكلهم من قريش.
وقد رأينا أن علياً «عليه
السلام»
قد استدرجه، ليقول كل ما عنده فيه حيث جاراه، فذكر له: أنه قد سمع سعيد
بن عمرو يرويه لعثمان في أيام خلافته..
وكأن الزبير قد توهم أنه قد قارب الوصول إلى ما يريد..
فبادر إلى التأسيس لما يريد، فقال: أفتراه يكذب على رسول الله «صلى
الله عليه وآله»؟!
فإن أجاب «عليه
السلام»
بالنفي، فقد أبلغه مراده، فيقرر الزبير الحديث الذي يثبت أنه من أهل
الجنة، ولا يبقى مجال للنقاش، ولن تُسمع بعد هذا دعوى الإشتباه أو
الغلط، أو ما إلى ذلك..
وإن أجاب «عليه
السلام»
بالإثبات، وحكم على سعيد بن عمرو بأنه كاذب، فسيواجه عاصفة من
الإستنكار لهذا الطعن برجل لم يظهر منه ما يوجب ذلك. بل قد يتعدى الأمر
ذلك إلى الإتهام بأنه ينطلق في موقفه هذا من الرغبة في تكذيب الخبر بأي
نحو كان، ولو بالخروج على الضوابط والمعايير الدينية والعقلائية.
فآثر «عليه
السلام»
أن لا يتعرض للشخص، بل يعالج الحديث نفسه، بأن يثبت كذب الحديث بالدليل
القاطع، فجرت المحاورة على النحو التالي:
قال الزبير لعلي «عليه
السلام»
عن راوي الحديث: أفتراه يكذب على رسول الله «صلى
الله عليه وآله»؟!
فقال «عليه السلام»: لست أخبرك بشيء حتى تسميهم ـ يعني
العشرة ـ.
فيلاحظ هنا:
أنه «عليه
السلام»
لم يَعِد الزبير بأن يخبره برأيه في ذلك الرجل، فلم يقل: لست أخبرك
برأيي فيه.. بل قال: لست أخبرك بشيء، ولم يذكر له نوع ما سيخبره به..
هل يرتبط بالراوي؟! أو يرتبط بخبره؟! أو بأي شيء آخر؟!
فسماهم الزبير له، وكتم اسم العاشر..
وكان هذا استدراجاً منه «عليه
السلام»
ليظهر خيانة الزبير، ليدفعه إلى أن يسجل على نفسه اعترافاً صريحاً أمام
الناس كلهم: بأنه يقاتل رجلاً يعرف هو أنه من أهل الجنة، ويسعى في
قتله..
ولكن علياً «عليه
السلام»
لا يعترف له، ولا لطلحة بأنهما من أهل الجنة، بل هو يضعهما في دائرة
الذين يحتمل أن يكونا ممن إذا أراد الله تسعير جهنم رفع الصخرة عن الجب
الذي فيه تابوته، فتستعر جهنم به.
وبذلك يكون «عليه
السلام»
قد استدرج عدوه ليعترف له بما يدينه به أعظم إدانة..
وقد فتح «عليه
السلام»
عيون الناس وخصوصاً الذين جاء بهم طلحة والزبير ليحاربوه ـ فتح أعينهم
ـ على أمر يرونه صبح مساء، ولهم نوع مشاركة فيه. وهو صلاتهم التي يفترض
بأمرائهم أن يتعاملوا مع بعضهم فيها بروح الورع والتقوى، وأن تكون
سبباً في تذكرهم لله، واعتصامهم به، ولجوئهم إليه، وأن تنسيهم الدنيا،
وتبعدهم عن التفكير فيها..
وإذ بصلاتهم هذه بالذات تصبح مسرحاً للتنافس على
الدنيا، وعلى ما فيها من جاه، وسلطان.. وتصبح هذه الصلاة من أسباب ظهور
عدم ثقتهم ببعضهم، حتى انتهى الأمر بهم إلى التدافع والتخاصم على
إمامتها، حتى تدخلت عائشة، وحسمت الأمر، ونصبت أحد أبنائهم لها، وألزمت
الآباء بالصلاة خلف الأبناء، فصار طلحة يأتم بابن منافسه، وصار الزبير
يأتم أيضاً بابن منافسه. وهذا أمر يعاينه الناس كل يوم، ويمارسونه
معهما([13]).
وقد اتضح:
أن طلحة والزبير قد بايعا، ثم نكثا، وصارا يطالبان علياً «عليه السلام»
بالإعتزال، ليعيدا الأمر شورى.
وقد نقض عليهما علي «عليه
السلام»
بما أظهر سخافة هذا الطلب، فقد ذكر لهما صورة ما لو فعل هو مع عثمان
نفس ما يطالبانه.. بأن طلب منه أن يعتزل لكي يرجع الأمر شورى..
فاعترضا عليه:
بأنه ليس له ذلك.. بحجة أنه قد بايع طائعاً..
فبين لهما: أنه لم يبايع طائعاً، بل تحت وطأة التهديد
بالقتل، حيث كانت هناك جماعة قد سلَّت سيوفها، وطالبتهم بحسم الأمر أو
القتل.
فلو أن علياً «عليه السلام» قد طالب عثمان ـ والحالة
هذه ـ بالإعتزال لم يكن ملوماً، ولكان له الحق في ذلك..
أما طلحة والزبير، فقد بايعا علياً «عليه السلام»
طائعين، بل إن كان أحد يمكن أن يدعي الإكراه، فإن طلحة والزبير لا
يمكنهما ذلك.. بدليل: أنهما بقيا أياماً عديدة يلاحقانه من مكان إلى
مكان ليبايعاه، وهو يأبى عليهما، فلما رضي بذلك كانا أول من بايع..
والمكره إنما يؤتى به بعد أن تسبقه بيعة الذين أكرهوه..
وهذه حجة بالغة، لا مناص لهم منها، ولا محيد عنها كما
هو ظاهر.
([1])
راجع: الفصول المختارة ص142 والكافئة ص26 وبحار الأنوار ج32
ص210 والإرشاد ص136 و 137 والجمل للشيخ المفيد ص209 و 210
والإحتجاج ج1 ص239 وتصحيح الإعتقاد ص72 و 73 والشافي ج4 ص344
وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص248.
([2])
راجع: الفصول المختارة ص141 و 142 والكافئة ص25 و 26 والإحتجاج
ج1 ص239 وبحار الأنوار ج32 ص201.
([3])
راجع: الفصول المختارة ص141 و 142.
([4])
راجع: الفصول المختارة ص141 و 142 والكافئة ص28 وبحار الأنوار
ج32 ص252 و 253 و 333 ونهج السعادة ج4 ص76 والجمل للشيخ المفيد
ص215 و 216 والشافي ج4 ص330 و 331 وتلخيص الشافي ج4 ص136 و 137
ومستدرك الوسائل ج11 ص52.
([5])
الآية 61 من سورة طه.
([6])
بحار الأنوار ج32 ص216 وكتاب سليم بن قيس (تحقيق الأنصاري ـ
بمجلد واحد) ص327 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص226 والثقات
لابن حبان ج1 ص230 وتفسير الثعلبي ج3 ص146 وج8 ص24 وتاريخ
مدينة دمشق ج25 ص70 و 68 وراجع: مسند أحمد ج1 ص165 وسنن
الترمذي ج3 ص119 وج5 ص307 والمستدرك للحاكم ج3 ص25 و 374 و 376
والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص370 وج9 ص46 وفتح الباري ج7 ص278
والجهاد لابن المبارك ص108 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص509
ومسند سعد بن أبي وقاص ص152 والشمائل المحمدية ص63 وكتاب السنة
لابن أبي عاصم ص598 ومسند أبي يعلى ج2 ص33 وصحيح ابن حبان ج15
ص436 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج2 ص765 وموارد الظمآن ج7 ص152
وتفسير البغوي ج1 ص357 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص218
وتهذيب الكمال ج13 ص417 وسير أعلام النبلاء ج1 ص26 والمعارف
لابن قتيبة ص228 والعثمانية للجاحظ ص333 وتاريخ الأمم والملوك
ج2 ص203 والكامل في التاريخ ج2 ص158 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2
ص184 وج3 ص524 والوافي بالوفيات ج16 ص272 والبداية والنهاية (ط
دار إحياء التراث العربي) ج7 ص275 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص210
وج11 ص309 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص603 وسيرة ابن إسحاق
ج3 ص311.
([7])
بحار الأنوار ج32 ص216 وكتاب سليم بن قيس (تحقيق الأنصاري ـ
بمجلد واحد) ص327 وراجع: سنن الترمذي ج5 ص307 والمستدرك للحاكم
ج3 ص376 ومجمع الزوائد ج9 ص149 والمعجم الكبير ج1 ص117
والإستيعاب (ط دار الجيل) ج2 ص766 وتخريج الأحاديث والآثار ج3
ص100 والجامع الصغير ج2 ص554 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة)
ج11 ص696 وفيض القدير ج6 ص43 وتفسير الثعلبي ج8 ص24 وتفسير أبي
السعود ج7 ص99 وتاريخ مدينة دمشق ج24 ص196 وج25 ص86 و 87
وتهذيب الكمال ج13 ص98 وتهذيب الكمال ج13 ص98 وتذكرة الحفاظ ج1
ص366 وسير أعلام النبلاء ج1 ص25 و 26 و 29 وتاريخ الإسلام
للذهبي ج3 ص524 والوافي بالوفيات ج16 ص273 والبداية والنهاية
(ط دار إحياء التراث) ج7 ص276 والسيرة النبوية لابن هشام ج3
ص598 وعيون الأثر ج1 ص418 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2
ص400 وتاريخ الخميس ج1 ص430.
([8])
الآية 51 من سورة المائدة.
([9])
تقريب المعارف ص357 و 358 وبحار الأنوار ج31 ص311.
([10])
الآية 53 من سورة الأحزاب.
([11])
تقريب المعارف ص357 و 358 وعين العبرة في غبن العترة ص29 وبحار
الأنوار ج32 ص218.
([12])
تقريب المعارف ص357 و 358 وبحار الأنوار ج82 ص267.
([13])
راجع: تاريخ اليعقوبي (ط صادر) ج2 ص181 وشرح نهج البلاغة
للمعتزلي ج9 ص110 وراجع: والطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص39 و (ط
دار صادر) ج5 ص54 والجمل للشيخ المفيد ص281 و 282 و (ط مكتبة
الداوري ـ قم ـ إيران) ص151 و 152 والجمل لابن شدقم ص39 و 40
وراجع: تاريخ الأمم والملوك ج4 ص468 و 469 ومروج الذهب ج2 ص358
والنص والإجتهاد ص445 و 446.
|