الإســـراء والـمـعــــراج 

   

صفحة : 89-146  

الإســـراء والـمـعــــراج 

الإسراء والمعراج:

بعد بعثة النبي >صلى الله عليه وآله<، وفي أثناء المرحلة السرية، التي استمرت ثلاث، أو خمس سنوات، كان ـ على الأرجح ـ الإسراء والمعراج: الإسراء إلى بيت المقدس، حسب نص القرآن الكريم.

والمعراج من هناك إلى السماء، الذي وردت به أخبار كثيرة.

وحيث إن التفاصيل الدقيقة لهاتين القضيتين يصعب الجزم في كثير منها إلا بعد البحث الطويل والعميق.

ذلك لأن هذه القضية، وجزئياتها قد تعرضت على مر الزمان للتلاعب والتزيد فيها، من قبل الرواة والقصاصين، ثم من قبل أعداء الإسلام؛ بهدف تشويه هذا الدين، وإظهاره على أنه يحوي الغرائب والعجائب، والأساطير والخرافات، لأسباب شخصية، وسياسية وغيرها.

ولم يسلم من مكائد هؤلاء حتى رموز الإسلام، وحفظته وأئمة المسلمين أيضاً.

وقد حذر الإمام الرضا >عليه السلام< من هؤلاء ـ حسبما روي عنه ـ حيث قال لابن أبي محمود: >إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على أقسام ثلاثة:

أحدها: الغلو.

وثانيها: التقصير في أمرنا.

وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا.

فإذا سمع الناس الغلو فينا كفّروا شيعتنا، ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا.

وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا.

وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا وقد قال الله عز وجل: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ}<([1]).

وبعدما تقدم، فإن التعرض لبحث التفاصيل الدقيقة لقضية الإسراء والمعراج يحتاج إلى توفر تام، وتأليف مستقل؛ ولذا فنحن لا نستطيع في هذه الفرصة المتوفرة لنا أن نعطي تصوراً دقيقاً عنه.

وعلى هذا، فسوف نكتفي بالإشارة إلى بعض الجوانب التي رأينا أن من المناسب التعرض لها؛ فنقول:

متى كان الإسراء والمعراج؟!

إن المشهور هو: أن الإسراء والمعراج قد كان قبل الهجرة بمدة وجيزة؛ فبعضهم قال: ستة أشهر.

وبعضهم قال: في السنة الثانية عشرة للبعثة، أو في الحادية عشرة أو في العاشرة.

وقيل: بعد الهجرة([2]).

وفي مقابل ذلك نجد البعض يقول: إنه كان في السنة الثانية من البعثة([3])، وقيل: في الخامسة، وقيل في الثالثة ـ وهو الأرجح عندنا ـ ولعل ابن عساكر يختار ما يقرب مما ذكرنا، حيث إنه ذكر الإسراء في أول البعثة كما ذكره عنه ابن كثير([4]).

وقال مغلطاي، بعد أن ذكر بعض الأقوال: >وقيل: كان بعد النبوة بخمسة أعوام، وقيل: بعام ونصف عام.

وقال عياض: بعد مبعثه بخمسة عشر شهراً<([5]).

وقال ملا علي القاري: >وذكر النووي: أن معظم السلف، وجمهور المحدثين والفقهاء على أن الإسراء والمعراج كان بعد البعثة بستة عشر شهراً<([6]).

وقال ابن شهر آشوب: >ثم فرضت الصلوات الخمس بعد إسرائه في السنة التاسعة من نبوته<([7]).

فإن قوله: >في السنة التاسعة< راجع إلى فرض الصلوات، وقد ظهر من كلامه: أن فرضهما كان بعد الإسراء والمعراج، ولكنه لم يبين لنا تاريخه بالسنة ولا باليوم والشهر.

وقال الديار بكري: >فأما سنة الإسراء، فقال الزهري: كان ذلك بعد المبعث بخمس سنين.

حكاه القاضي عياض، ورجحه القرطبي، والنووي.

وقيل: قبل الهجرة بسنة إلخ<([8]).

الأدلة على المختار:

وأما ما يدل على أن الإسراء قد كان في السنوات الأولى من المبعث؛ فعدا عن الأقوال المتقدمة، ولا سيما ما ذكره الزهري والنووي، نشير إلى الأمور التالية:

1 ـ ما روي عن ابن عباس أن ذلك كان بعد البعثة بسنتين([9]) وابن عباس كان أقرب إلى زمن الرسول، وأعرف بسيرته من هؤلاء المؤرخين، فإذا ثبت النص عنه قدم على أقوال هؤلاء.

ولربما لا يكون هذا مخالفاً لما تقدم عن الزهري وغيره، إذا كان ابن عباس لا يحسب الثلاث سنوات الأولى، على اعتبار: أنه >صلى الله عليه وآله< إنما أُمر بإنذار الناس بعدها.

2 ـ قد ورد عن الإمام أمير المؤمنين >عليه السلام<: أن الإسراء قد كان بعد ثلاث سنين من مبعثه([10])، وهذا هو الأصح والمعتمد.

3 ـ ويدل على ذلك بشكل قاطع ما روي عن: ابن عباس، وسعد بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، والإمام الصادق >عليه السلام<، وعمر بن الخطاب، وعائشة، من أنه >صلى الله عليه وآله< ـ حينما عاتبته على كثرة تقبيله ابنته سيدة النساء، فاطمة >عليها السلام< ـ قال لها: نعم يا عائشة، لما أسري بي إلى السماء أدخلني جبرئيل الجنة، فناولني منها تفاحة، فأكلتها، فصارت نطفة في صلبي، فلما نزلت واقعت خديجة، ففاطمة من تلك النطفة؛ ففاطمة حوراء إنسية، وكلما اشتقت إلى الجنة قبلتها([11]).

ومعلوم مما سبق: أن فاطمة قد ولدت بعد البعثة بخمس سنوات؛ فالإسراء والمعراج كانا قبل ذلك بأكثر من تسعة أشهر، ولعله قبل ذلك بسنتين.

حتى أذن الله لتلك النطفة بالظهور، والاستقرار في موضعها.

4 ـ إن سورة الإسراء قد نزلت في أوائل البعثة، ويدل على ذلك:

أ ـ ما رواه البخاري وغيره، من أن قوله تعالى في سورة الإسراء: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا}([12]) قد نزل بمكة، ورسول الله >صلى الله عليه وآله< مختف.

وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن؛ فإذا سمع المشركون سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به إلخ([13]).

ومعلوم: أن اختفاء النبي >صلى الله عليه وآله< في دار الأرقم إنما كان في أوائل البعثة، والمقصود بالاختفاء هو التخفي عن أعين المشركين حين الصلاة.

وأجاب المحقق الروحاني على ذلك، بأن من الممكن أن يكون >صلى الله عليه وآله< حينئذٍ مختفياً في شعب أبي طالب.

فلا تدل هذه الرواية على أن الإسراء كان في أول البعثة.

ولكن، لنا أن نناقشه بأن الداعي إلى دخولهم الشعب لم يكن هو التخفي في الصلاة وتلاوة القرآن، وإنما اضطرهم المشركون إلى دخوله، وحاصروهم فيه، فالتعبير بالاختفاء يدل على أن ذلك قد كان في أوائل البعثة.

ووجود هجوم في سورة الإسراء على عقائد المشركين لا يضر إذا كانت السورة قد نزلت في أوائل البعثة.

ب ـ ما ذكره البعض في مقال له([14]) من أن سورة الإسراء قد نزلت بعد الحجر بثلاث سور([15]) وسورة الحجر قد نزلت في المرحلة السرية.

وفيها جاء قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ}([16]).

الأمر الذي تسبب عنه الجهر بالدعوة وإظهارها.

وإيراد المحقق الروحاني هنا: بأن في السورة ما يدل على وجود الصدام بين النبي >صلى الله عليه وآله< والمشركين.

وهذا الصدام إنما حصل بعد الاختفاء في دار الأرقم، وبعد الإعلان بالدعوة.

يجاب عنه بما تقدم: من أن من غير البعيد أن تكون هذه السورة قد نزلت تدريجاً؛ فبدأ نزولها في أول البعثة.

ثم أكملت في فترة التحدي والمجابهة بين النبي >صلى الله عليه وآله< والمشركين.

ويدل على قدم نزولها أيضاً: قول ابن مسعود عن سور الإسراء، والكهف، ومريم: إنهن من العتاق الأول، وهن من تلادي([17]).

وابن مسعود ممن هاجر إلى الحبشة، ورجع منها، والنبي >صلى الله عليه وآله< يتجهز إلى بدر([18]).

إلا أن يقال: إن ابن مسعود إنما هاجر إلى الحبشة بعد الطائف، أي في الهجرة الثانية، لا في الأولى؛ فلاحظ؛ فإن ذلك لا يلائم قوله: إنهن من العتاق الأول.

5 ـ إن سورة النجم ـ التي يذكرون أنها تذكر المعراج في آياتها ـ قد نزلت هي الأخرى في أوائل البعثة؛ فإنها نزلت بعد اثنتين أو ثلاث وعشرين سورة، ونزل بعدها أربع وستون سورة في مكة([19]).

وسيأتي في قصة الغرانيق المكذوبة أو المحرفة: أنهم يقولون: إنها إنما نزلت بعد الهجرة إلى الحبشة بثلاثة أشهر، والهجرة إلى الحبشة إنما كانت في السنة الخامسة.

بل لقد قيل: إن سورة النجم هي أول سورة أعلن النبي >صلى الله عليه وآله< بقراءتها؛ فقرأها على المؤمنين والمشركين جميعاً([20]).

والنقاش في كون آيات سورة النجم ناظرة إلى المعراج، يمكن تجاوزه، وعدم القبول به كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

6 ـ ويؤيد كون هذه القضية قد حصلت في أوائل البعثة، أنه حين عرج به >صلى الله عليه وآله< صار الملائكة يسألون: أو قد أرسل إليه؟([21]).

فإن هذا يشير إلى أن ذلك إنما كان في أول بعثته >صلى الله عليه وآله< لا بعد عشرة أو اثنتي عشرة سنة، فإن أمره >صلى الله عليه وآله< كان قد اشتهر في أهل السماوات حينئذٍ.

بل يمكن أن يكون قد اشتهر ذلك منذ الأيام الأولى من البعثة.

7 ـ ما يدل على أن الإسراء قد كان قبل وفاة أبي طالب: فإن بعض الروايات تذكر أن أبا طالب >عليه السلام< قد افتقده ليلته، فلم يزل يطلبه حتى وجده، فذهب إلى المسجد، ومعه الهاشميون، فسل سيفه عند الحجر، وأمر الهاشميين بإظهار السيوف التي معهم، ثم التفت إلى قريش، وقال: لو لم أره ما بقي منكم عين تطرف.

فقالت قريش: لقد ركبت منا عظيماً([22]).

8 ـ ما روي من أن جبرئيل قال للنبي >صلى الله عليه وآله< حين رجوعه: حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومني السلام([23]).

9 ـ وعن عمر: أن رسول الله >صلى الله عليه وآله< قال: ثم رجعت إلى خديجة، وما تحولت عن جانبها([24]).

فكل ذلك يدل على أن هذا الحدث قد كان قبل وفاة شيخ الأبطح، وأم المؤمنين خديجة >رحمها الله< وهما قد توفيا في السنة العاشرة من بعثة النبي >صلى الله عليه وآله<، فكيف يكون الإسراء والمعراج قد حصل في الحادية عشرة أو الثانية عشرة أو بعدها؟!.

تسمية أبي بكر بالصديق

إنه إذا تأكد لنا: أن الإسراء والمعراج كان في السنة الثالثة من البعثة، أي قبل أن يسلم من المسلمين أربعون رجلاً؛ فإننا نعرف: أن الإسراء كان قبل إسلام أبي بكر بمدة طويلة؛ لأنه كما تقدم قد أسلم بعد أكثر من خمسين رجلاً، بل إنما أسلم حوالي السنة الخامسة من البعثة، بل في السابعة أي بعد وقوع المواجهة بين قريش وبين النبي >صلى الله عليه وآله< أو بعد الهجرة إلى الحبشة فهو أول من أسلم بعد هذه المواجهة أو الهجرة ـ على الظاهر.

وإذا كان الإسراء قد حصل قبل إسلامه بمدة طويلة، فلا يبقى مجال لتصديق ما يذكر هنا، من أنه قد سمي صديقاً حينما صدق رسول الله >صلى الله عليه وآله< في قضية الإسراء([25])، ولا لما يذكرونه من أن ملكاً كان يكلم رسول الله حين المعراج بصوت أبي بكر([26]) وقد صرح الحفاظ بكذب طائفة من تلك الروايات([27]).

والصحيح: هو أنه قد كلمه بصوت علي >عليه السلام<([28]).

وبذلك يظهر حال سائر ما يذكر هنا لهذا الرجل من فضائل ومواقف تنسب إليه في السنوات الثلاث الأولى من البعثة.

وبعدما تقدم نقول: جاء في الشفاء عن أبي حمراء قال:

قال رسول الله >صلى الله عليه وآله<: لما أسري بي إلى السماء إذا على العرش مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدته بعلي >عليه السلام<([29]).

الإسراء والمعراج في اليقظة أو في المنام؟!

يرى البعض: أن الإسراء قد كان بالروح فقط، في عالم الرؤيا، ويحتجون بما عن عاثشة: ما فقدت جسد رسول الله >صلى الله عليه وآله<([30]).

وعن معاوية: إنها رؤيا صالحة([31]).

وحكي مثل ذلك عن الحسن البصري.

ولكن الصحيح هو ما ذهب إليه الإمامية ومعظم المسلمين من أن الإسراء إنما كان بالروح والجسد معاً.

أما المعراج فذهب الأكثر إلى أنه كان بالروح والجسد وهو الصحيح أيضاً.

ونحن نشير هنا إلى ما يلي:

أولاً: بالنسبة لعائشة، قال القسطلاني: >وأجيب: بأن عائشة لم تحدث به عن مشاهدة؛ لأنها لم تكن إذ ذاك زوجاً، ولا في سن من يضبط، أو لم تكن ولدت بعد، على الخلاف في الإسراء متى كان<([32]).

وأما معاوية فحاله معلوم مما ذكرناه في الجزء الأول: >المدخل لدراسة السيرة<.

ثانياً: قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى}([33]) وقال في سورة النجم ـ إذا كانت الآيات ناظرة إلى المعراج، ويرجع الضمير فيها إلى النبي >صلى الله عليه وآله< لا إلى جبرئيل ـ : {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}([34]).

فإن لفظ العبد إنما يطلق على الروح والجسد معاً، ولو كان مناماً، لكان قال: بروح عبده، وإلى روح عبده.

كما أن قوله تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} ظاهر في البصر الحقيقي أيضاً([35]).

أضف إلى ذلك: أن آية سورة الإسراء، وآيات سورة النجم واردة في مقام الامتنان.

وفيها ثناء على الله، وعجيب قدرته، وذلك لا يحسن، ولا يتم لمجرد رؤيا رآها النبي >صلى الله عليه وآله< ؛ إذ ربما يرى غير النبي، وحتى الفاسق الفاجر رؤيا أعظم من ذلك.

هذا بالإضافة إلى أن الرؤيا عند عامة الناس لا تدل على عظيم قدرته تعالى، إذ ربما تفسر على أنها نوع من الأوهام والخيالات، فيفوت الغرض المقصود من الإسراء والمعراج، كما هو ظاهر([36]).

ثالثاً: إنه لو كان الإسراء مجرد رؤيا صالحة؛ فلا يبقى فيه إعجاز؛ ولما أنكره المشركون والمعاندون، ولما ارتد ناس ممن كان قد أسلم، كما سنشير إليه.

رابعاً: لو كان مجرد رؤيا، لم يخرج أبو طالب والهاشميون في طلبه >صلى الله عليه وآله<.

وكان العباس يناديه حتى أجابه من بعض النواحي، حسبما ورد في بعض الروايات.

وأما لماذا ينكرون: أن يكون ذلك بالروح والجسد معاً؛ فهو إما لعدم قدرتهم على تعقل ذلك، أو لأجل الحط من كرامة النبي >صلى الله عليه وآله< كما تقدم في المدخل لدراسة السيرة، أو لعدم قدرتهم على إقناع الناس بأمر مبهم كهذا.

الإسراء والمعراج في القرآن:

إنه لو صح التفريق بين الإسراء والمعراج، لقلنا:

إننا نؤمن بالإسراء استناداً إلى قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}([37]).. فمحط النظر في الآية هو بيان الإسراء فقط.

لكن الحقيقة هي: أن المراد بالإسراء هو السير بالليل سواء كان سيراً صعودياً أو أفقياً، فالآية ناظرة إلى المعراج كما أظهرته الروايات التي ذكرت أن المسجد الأقصى في السماء، وقد شرحنا ذلك بشيء من التفصيل في كتابنا المسجد الأقصى أين؟!

وبذلك يكون المعراج قد ذكر في القرآن صراحة، وقد يقال: إنه قد ذكر صراحة أيضاً في آيات سورة النجم وهي قوله تعالى: {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى، وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى، ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى، مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}([38])، إن قلنا إن الضمير فيها يرجع إلى النبي >صلى الله عليه وآله<، لا إلى ذي المرة، الذي هو جبرئيل.

مع ملاحظة: أن آية سورة بني إسرائيل تتحدث عن إسراء، وآيات سورة النجم تتحدث عن إسراء آخر بلغ النبي >صلى الله عليه وآله< به سدرة المنتهى، حيث رأى هناك جبرئيل على صورته الحقيقية.

وقد يقال: إن رجوع الضمير إلى جبرئيل >عليه السلام< في قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} هو الظاهر، ويدل عليه رواية صحيحة السند، عالية الإسناد، عن الإمام الرضا >عليه السلام<: أنه كان المراد بقوله: {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} هو جبرئيل >عليه السلام< كما سنشير إليه.

والرواية تستشهد وتستدل بنص الآيات في السورة([39]).

ويدل على ذلك أيضاً ويفسره قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ}([40]) فراجع.

ويدل عليه: ما روي عن الإمام السجاد >عليه السلام< أنه قال في خطبته بالشام: >أنا ابن من دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى..<.

أضف إلى ذلك: أن كثرة الأخبار الواردة في المعراج، وحتى تواترها القطعي لا يبقي مجالاً للشك في حصول المعراج؛ فنحن نؤمن به أيضاً استناداً إلى ذلك.

وأما القول بوجود تعارض بين آية سورة الإسراء، وبين الروايات الدالة على المعراج، على اعتبار: أن الآية تدل على أن انتهاء السير كان في المسجد الأقصى، ولم يكن بعده سير، فلا يصح لأن هناك رحلتين مختلفتين من حيث الكيفية والقصد.

وقد كان انتهاء الرحلة الأولى في المسجد الأقصى، الذي هو في السماء كما دلت عليه الروايات، ولم يتعلق غرض في الآية ببيان الرحلة الثانية أصلاً، ثم جاءت الروايات لتبين الإسراء الذي تحدثت عنه آيات سورة النجم، والذي رأى فيه >صلى الله عليه وآله< عند سدرة المنتهى جبرئيل على صورته الحقيقية.

توضيح:

إن الروايات تشير إلى أن المشركين قد صعب عليهم الإيمان بالمعراج، فاختار >صلى الله عليه وآله< أسلوب البيان لبعض الأمور التي يعرفونها عن طريق الحس ليكون التصديق به أيسر وأقرب.

ورغم ذلك فإنه: قد صعب عليهم التصديق به، بل واستهزؤوا وشنعوا عليه ما شاء لهم بغيهم وحنقهم.

رغم أنه قد أخبرهم بما جرى للقافلة التي رآها في طريقه، وبأنها قد أضلت بعيراً، وكسرت فيها ناقة حمراء في الوقت الفلاني، وبان لهم صدقه في ذلك.

ورغم أنه >صلى الله عليه وآله< وصف لهم بيت المقدس وصفاً دقيقاً، يعلمون صحته وصدقه، مع علمهم بعدم رؤيته >صلى الله عليه وآله< له فيما مضى.

وأيضاً، إذا كان بعض ضعفاء المسلمين قد ارتدوا حين أخبرهم النبي >صلى الله عليه وآله< ببعض ذلك([41])، الذي هو من جملة المعجزات القاطعة، والبراهين الساطعة.

نعم، إذا كان ذلك كله، فكيف تكون الحال إذا أخبرهم بما هو أكثر غرابة وبعداً عن أذهانهم، وهو رحلته إلى السماوات العلى، وما شاهد فيها من عجائب الصنع، وبديع الخلق؟!.

ولهذا، فإننا نرجح: أنه >صلى الله عليه وآله< قد تدرج في إخبارهم بذلك كله، بحسب ما تقتضيه المصلحة، ومتطلبات الدعوة إلى الله تعالى.

الداعية الحكيم:

ولعل مما تقدم يظهر: أنه إذا كان النبي >صلى الله عليه وآله< إنما جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى، فإن من الطبيعي أن يهتم في الحفاظ على الركيزة الإيمانية التي يحصل عليها، وأن لا يدخلها في أجواء ليس لها القدرة على استيعابها ولا على مواجهة أخطار الانحراف فيها.

ومن الواضح: أنه إذا أخبرهم بقضية المعراج، مع عدم قدرتهم على التحمل والتفـاعـل معها ولا على تصورهـا، فإنهم إذا ارتـدوا حينئذٍ فسيكونون معذورين، ولا سيما إذا كان التصديق بهذه القضية إنما يستند إلى المستوى الإيماني لديهم بالدرجة الأولى.

وأما إخبارهم بالأمور الحسية أو القريبة من الحس، فقد كان بالإمكان أن يؤدي الإخبار عنها نفس النتيجة المتوخاة، وهي الجهة الإعجازية ذات الطابع المعين مع إمكان الاستناد في مقام الإقناع بها إلى أدلة تقربها إلى الحس، وتجعل القبول بها أيسر وأسهل من تلك، ولا يعتمد فيها على المستوى الإيماني وحسب.

وإذاً؛ فلا يبقى ثمة مبرر لارتداد هؤلاء، ولا لعناد أولئك.

ومن الواضح: أن كل هذا الكلام لا يمنع من كون سورة النجم ناظرة إلى المعراج، فإن الروايات تقول:

أنه >صلى الله عليه وآله< قد عرج به إلى السماوات أكثر من مرة، فأخبرهم >صلى الله عليه وآله< عن الإسراء في المرة الأولى، ثم بعد أن أصبحوا مؤهلين لتلقي هذه القضية، نزلت السورة وأخبرهم بالمعراج إلى السماوات.

لا تدركه الأبصار:

ويرى البعض، استناداً إلى قوله تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى..}([42]): أن النبي >صلى الله عليه وآله< قد رأى الله حين المعراج بعين رأسه، ورووا ذلك عن ابن عباس.

بل لقد حكى النقاش عن أحمد بن حنبل، أنه قال: أنا أقول بحديث ابن عباس: بعينه رآه، رآه، حتى انقطع نفسه، يعني نفس أحمد([43]).

ونحن لا نريد أن نفيض في الحديث حول الرؤية له تعالى، فلقد أثبت علماؤنا الأبرار، بما لا مجال معه للشك استحالة رؤيته تعالى، سواء في الدنيا، أو في الآخرة.

وقد فندوا أدلة المجسمة المثبتين للرؤية في الدنيا والآخرة، أو في الآخرة فقط بشكل علمي وقاطع.. فمن أراد الاطلاع على ذلك فعليه بمراجعة دلائل الصدق، وغيره من الكتب المعدة لذلك([44]).

ونكتفي هنا بالإشارة إلى أن الرواية عن ابن عباس غير ثابتة، فقد روي عنه أيضاً خلافها([45]).

وروي عن عائشة: أن مسروقاً قال لها: يا أم المؤمنين، هل رأى محمد >صلى الله عليه وآله< ربه؟

قالت: لقد قف شعري مما قلت..

إلى أن قالت: من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: لا تدركه الأبصار الخ..([46]).

وعند مسلم: أنها أضافت: أنها سألت النبي >صلى الله عليه وآله< عن ذلك، فأخبرها: أنه لم يره، وإنما رأى جبرئيل([47]).

والروايات في أن المقصود بمن {رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} هو جبرئيل كثيرة جداً وكذلك الروايات التي تؤكد: على أنه >صلى الله عليه وآله< قد رآى الله بقلبه وفؤاده، لا بعينه وبصره، فإنها كثيرة أيضاً([48]).

وليس بين هاتين الطائفتين أي تناف أو تعارض..

بل إن نفس الآيات ظاهرة ـ إن لم تكن صريحة ـ في أن المقصود هو جبرئيل، بيان ذلك باختصار: أن قوله تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} يراد بشديد القوى هو جبرئيل >عليه السلام<، ثم وصف جبرئيل، الذي وصفه الله بالقوة في قوله: {ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ}([49]) بكونه ذا مرة، >أي شدة وحصافة في العقل والرأي<([50])، وقوله: {فَاسْتَوَى} أي أن ذلك الشديد، ذا المرة، استقام أو استولى، وهو بالأفق الأعلى.

وقوله: {ثُمَّ دَنَا}، أي النبي >صلى الله عليه وآله<، فكان قاب قوسين أو أدنى من حجب النور، حيث رأى ملكوت السماوات، ثم تدلى >صلى الله عليه وآله< فنظر تحته إلى ملكوت الأرض، فأوحى الله تعالى إلى عبده محمد >صلى الله عليه وآله< ما أوحى.

ورجوع الضمير إلى الله مع عدم سبق ذكره، لا ضير فيه لوضوحه، كما قال العلامة الطباطبائي، أو على أن يكون ضمائر فأوحى إلى عبده ما أوحى راجعة إلى الله تعالى.

ثم قال: ما كذب الفؤاد ما رأى.

والمرئي هو الآيات الكبرى، ومنها ما تقدم من الدنو، والتدلي، وكونه >صلى الله عليه وآله< بالأفق الأعلى، ورؤيته جبرئيل عند سدرة المنتهى، ثم تجاوزها >صلى الله عليه وآله< كما قلنا.

وليس في الآية ما يدل على أن الرؤية قد كانت لله تعالى.

ويدل على ما نقول قوله تعالى الآتي: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}([51]).

ثم قال تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى}([52]) أي أتجادلونه في رؤيته جبرئيل على حقيقته العجيبة التي هي من آيات الله الكبرى، وهل هذا أمر نظري عقلي يصح الجدال والمراء فيه؟

وهل بإمكانه أن يُكذِّب بصره ويقول: لا أراه؟!

فإن الكفار كانوا ينكرون رؤيته الملك على حقيقته رغم أنهم ليس لديهم أي علم بهذا الأمر، كما لا سبيل لديهم إلى معرفته، ثم قال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ}، ـ والضمير يرجع إلى ذلك الذي لا يزال يتحدث عنه ـ {نَزْلَةً أُخْرَى}، أي في نزول آخر، والذي كان ينزل عليه >صلى الله عليه وآله< هو جبرئيل، فإنه رآه والتقى معه على صورته في نزلة ثانية عند سدرة المنتهى.

وربما تكون النزلة لرسول الله >صلى الله عليه وآله<، فإنه بعد أن تجاوز سدرة المنتهى إلى حجب النور، ورأى العرش وملكوت السماوات فإنه تدلى لكي يرى ملكوت الأرض حتى كان قاب قوسين أو أدنى فرأى جبرئيل على صورته الحقيقية مرة أخرى عند سدرة المنتهى.

ويرى البعض: أنه لا بد أن تكون هذه الرؤية الثانية في الأرض، وإلا لوجب أن يقول: ولقد رآه نزلة أخرى، ثم عرج به إلى السماء، حتى انتهى إلى السدرة، فرآه عندها، ويبدو: أنه كان في الأرض ـ كما يراه بعض المحققين ـ شجرة سدر كان لقاء النبي >صلى الله عليه وآله< بجبرئيل عندها، وعند تلك السدرة توجد جنة المأوى، أي جنة وبستان يؤوى إليها، أو أن الجنة في الآخرة ستكون في تلك المنطقة.

وبعض المحققين يرى: أن المراد بالنزلة الدفعة، وأنه قد رأى جبرئيل بعد العروج عند سدرة المنتهى، وأن الجنة الحقيقية موجودة هناك.

ونقول:

إن هذا الكلام خلاف ظاهر التعبير بسدرة المنتهى، التي فسرت في الروايات بما ذكرناه..

وتحقيق مكان الجنة ليس هنا محله.

وهكذا يتضح: أن هذه الآيات ناظرة إلى رؤية النبي >صلى الله عليه وآله< لجبرئيل على صورته الحقيقية مرتين في نزلتين، لجبرئيـل أو للنبي >صلى الله عليه وآله<، وجبرئيل في صورته الحقيقية هو من آيات الله الكبرى..

ولأجل ذلك تجده تارة يتحدث عنه في صورة المفرد فيقول: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}([53])، وتارة يتحدث عنه في ضمن آيات ربه فيقول: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}([54]). أو أنه >صلى الله عليه وآله< قد رأى جبرئيل في نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، ثم رأى هناك بعض الآيات الكبرى الأخرى.

وهذا هو ما أكده الإمام الرضا >عليه السلام<، في رواية صحيحة السند عنه، جاء فيها: قال أبو قرة: إنا روينا: أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين؛ فقسم الكلام لموسى، ولمحمد الرؤية.

فقال أبو الحسن >عليه السلام<: فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين، من الجن والإنس: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}([55])، و{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}([56])، و{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}([57]) أليس محمد >صلى الله عليه وآله<؟

قال: بلى.

قال: كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً، فيخبرهم: أنه جاء من عند الله، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله، فيقول: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}، {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} و{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، ثم يقول: أنا رأيته بعيني، وأحطت علماً، وهو على صورة البشر؟! أما تستحون؟!. ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشيء، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر.

قال أبو قرة: فإنه يقول: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}؟

فقال أبو الحسن >عليه السلام<: إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى، حيث قال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}، يقول: ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأى، فقال: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}؛ فآيات الله غير الله، وقد قال الله: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}، فإذا رأته الأبصار؛ فقد أحاط به العلم، ووقعت المعرفة.

فقال أبو قرة: فتكذب بالروايات؟!.

فقال أبو الحسن >عليه السلام<: إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها، وما أجمع المسلمون عليه: أنه لا يحاط به علماً، ولا تدركه الأبصار، وليس كمثله شيء([58]).

وفي الرواية دلالة على حجية ظواهر الكتاب، وعلى حجية السياق القرآني أيضاً، صلوات الله وسلامه عليك يا أبا الحسن وعلى آبائك وأبنائك الطاهرين، فإنكم ما زلتم حصون الإسلام، والمدافعين عنه، والباذلين مهجكم في سبيله، فأنتم مصابيح الدجى، والعروة الوثقى، والحجة على أهل الدنيا.

الإسراء من المسجد:

صريح القرآن: أن الإسراء كـان من المسجد، وجـاء في عـدد من الروايات: أنه كان من بيت أم هاني([59]) واحتمل السيد الطباطبائي أن يكون الإسراء حصل مرتين، إحداهما من بيت أم هاني([60]).

ويحتمل أيضاً التجوز، وإرادة مكة من >المسجد الحرام<، وهو إطلاق متعارف، قال تعالى: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ}([61]) ويقال: هو يسكن في مشهد الرضا، مع أنه يسكن في البلد المحيطة به، وأطلق في الروايات مسجد الشجرة على ذي الحليفة، ومثل ذلك كثير، فإن من المتعارف أن يطلق على المكان الذي فيه شيء معروف اسم ذلك الشيء المعروف.

ويحتمل أيضاً أن يكون >صلى الله عليه وآله< خرج تلك الليلة إلى المسجد من بيت أم هاني، ثم أسري به من المسجد.

موسى، وفرض الصلوات الخمس:

هذا، وقد جاء في بعض الروايات: أن الصلوات الخمس قد فرضت حين المعراج، وأنها فرضت أولاً خمسين صلاةً في اليوم، وحين عودة الرسول >صلى الله عليه وآله< التقى بموسى، فأشار عليه أن يرجع إلى الله، ويسأله التخفيف، لأن الأمة لا تطيق ذلك ـ كما لم تطقه بنو إسرائيل ـ فرجع، وطلب إلى الله التخفيف فخففها إلى أربعين، وعاد الرسول؛ فمر بموسى، فأشار عليه بطلب التخفيف، ففعل، فخففت إلى ثلاثين، ثم إلى عشرين، ثم إلى عشرة، ثم إلى خمسة، ثم استحيا الرسول >صلى الله عليه وآله< من المراجعة من جديد فاستقرت الصلوات على خمس([62]).

وهذه الرواية وإن كانت قد وردت في بعض المصادر الشيعية أيضاً، إلا أننا لا نستطيع قبولها، وقال عنها السيد المرتضى >رحمه الله<: >أما هذه الرواية فهي من طريق الآحاد، التي لا توجب علماً، وهي مع ذلك مضعفة<([63]).

ونحن هنا نشير إلى الأسئلة التالية:

لماذا يفرض الله على الأمة هذا العدد أولاً، ثم يعود إلى تخفيفه بعد المراجعة، فإنه إن كانت المصلحة في الخمسين، فلا معنى للتخفيف، وإن كانت المصلحة في الخمس، فلماذا يفرض الخمسين، ثم الأربعين، ثم الثلاثين وهكذا؟!

وفي بعض الروايات: أنه كان في كل مرة يحط عنه خمساً، حتى انتهى إلى خمس صلوات.

وقد أجاب بعض المحققين عن هذا بأن ما جرى هنا ما هو إلا نظير إضافة الرسول >صلى الله عليه وآله< الركعتين الأخيرتين في الرباعية من الصلاة اليومية؛ ونظير التكليف بعدم الفرار من الزحف، مع أنه علم أن فيكم ضعفاً، ونظير الرفث إلى النساء ليلة الصيام، فقد نسخت حرمته بعد وقوع المخالفات منهم؛ قال تعالى: {عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ}([64]).

ونقول:

إن ما ذكره ـ حفظه الله ـ لا يكفي لدفع ما ذكرناه، أما بالنسبة لتشريع الركعتين الأخيرتين في الرباعية من قِبَله >صلى الله عليه وآله< ؛ فإن الله سبحانه قد فوض له ذلك حينما يعلم >صلى الله عليه وآله< بتحقق مصلحته ومقتضيه في متن الواقع.

وأما بالنسبة لقوله تعالى: {عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً}([65]) و{عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ}([66]) فهو تحقق معلوم الله سبحانه في الخارج، أي أن الحكم السابق، وهو حرمة الفرار بملاحظة قلة العدد، وحرمة الرفث قد استمر وبقي إلى أن تجسد الضعف وحصل وحصلت الخيانة وتغير الموضوع، فنسخ الحكم الأول، وهو حرمة الرفث وحرمة الفرار، وليس المراد أن الله قد علم ذلك بعد جهله، والعياذ بالله.

أما السيد المرتضى، فقد أجاب >رحمه الله< عن التساؤل الذي طرحناه فيما سبق بنحو آخر، وهو: أن من الممكن أن تكون المصلحة أولاً تقتضي الخمسين، ثم تغيرت هذه المصلحة بسبب المراجعة، وأصبحت تقتضي الخمس([67]).

ولكنه جواب منظور فيه؛ فإن النبي إذا كان يعلم: أن الله تعالى لا يشرع إلا وفق المصلحة، فإنه لا يبقى مجال لمراجعته أصلاً؛ لأنه كأنه حينئذٍ يطلب تشريعاً لا يوافق المصلحة.

ولو صحت المراجعة هنا، وأوجبت تبدل المصلحة صحت في كل مورد، وأوجبت ذلك أيضاً، فلماذا كانت هنا، ولم تكن في سائر الموارد؟.

كما أن تعليل موسى للتخفيف بعدم طاقة الأمة، كأنه يدل على أنه يعتقد: أن هذا التشريع يخالف المصلحة، وهذا محال بالنسبة إلى الله تعالى، ولا يمكن صدوره لا من موسى >عليه السلام< ولا من نبينا >صلى الله عليه وآله<.

قال صاحب المعالم: >المطالبة بصحة الرواية، مع أن فيها طعناً على الأنبياء بالإقدام على المراجعة في الأوامر المطلقة..<([68]).

وسؤال آخر: كيف لم يعلم الله تعالى: أن الأمة لا تطيق ذلك، وعلم بذلك موسى؟.

وسؤال آخر، وهو: ما المراد بعدم الإطاقة؟

هل المراد بها عدم الإطاقة عقلاً؟

فيرد عليه: أنه لا يمكن القول بجواز التكليف بما لا يطاق.

أو المراد به ما كان في مستوى العسر والحرج، المنفي في الشرع الإسلامي، كما دلت عليه الروايات والآيات ولا سيما قوله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}([69]) و{مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}([70]) وغير ذلك من الآيات.

ومما ذكرناه يتضح: أنه لا يمكن أن يكون تعالى قد كلف بني إسرائيل ما لا يطيقون.

وأما قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا}([71]).

فهو لا يدل على ذلك لعطف قوله: {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ}([72]) عليه؛ فيدل على أن المراد بالإصر هو ما يطاق، لا ما لا يطاق، ويمكن أن يكون المراد بالإصر: جزاء السيئات الثقيل والشاق، أو المبادرة بعذاب الاستيصال.

وأما طلبهم أن لا يحمّلهم ما لا طاقة لهم به، فليس المراد أنه يحمّلهم ذلك في التكليف الابتدائي، لأن العقل لا يجيز ذلك، بل المراد ما لا طاقة لهم به، مما يتسبب عن المخالفة وهو العذاب الأليم، والعقاب العظيم.

وسؤال آخر هنا، وهو: هل نسي الله تعالى ـ والعياذ بالله من أمثال هذه التعابير والأوهام ـ تلك التجربة الفاشلة مع بني إسرائيل، حتى أراد أن يكررها مع أمة محمد من جديد؟!.

ولعل هذه التجربة كانت هي عذر إبراهيم الذي مر عليه محمد >صلى الله عليه وآله< ذهاباً وإياباً عشر مرات، أو عشرين([73]) على اختلاف النقل.

ولكنه لم يسأله عن شيء، ولا أمره بشيء!!.

وإن كنا نستغرب عدم سؤاله عن سر هذه الجولات المتتالية ذهاباً وإياباً!!.

ولماذا لم يلتفت نبينا الأعظم >صلى الله عليه وآله< إلى ثقل هذا التشريع على أمته، والتفت إليه نبي الله موسى؟

ولماذا بقي يغفل عن ذلك خمس مرات، بل ستاً أو أكثر ولا يعرف: أن هذا ليس هو الحد المطلوب، حتى يضطر موسى لأن يرصد له الطريق باستمرار، ولولاه لوقعت الأمة في الحرج والعسر؟.

ولماذا لا ينزل الله العدد إلى الخمس مباشرة من دون أن يضطر الرسول إلى الصعود والنزول المتعب والمتواصل باستمرار؟!

استبعاد الإسراء والمعراج:

وبعد، فلا بد لنا من الإشارة هنا: إلى أن استبعاد الإسراء والمعراج؛ بدعوى عدم إمكان تصور أن تقطع تلك المسافات الشاسعة، التي تعد بآلاف الأميال في ليلة واحدة ذهاباً وإياباً ـ هذا الاستبعاد ـ في غير محله.

فقد حضر عرش بلقيس لدى سليمان من اليمن إلى بلاد الشام في أقل من لمح البصر، وكان عفريت من الجن قد تكفل بأن يأتيه به قبل أن يقوم من مقامه.

وأما بالنسبة لنا اليوم فقد أصبح التصديق بالإسراء والمعراج أكثر سهولة، والإقناع به أقرب منالاً، ولا سيما بعد أن تمكن هذا الإنسان العاجز المحدود من أن يصنع ما يمكنه من قطع 13 كيلومتراً في ثانية واحدة، ولربما يتضاعف ذلك عدة مرات في المستقبل، كما أنه قد اكتشف أن سرعة النور هي حوالي ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية([74])، بل يعتقد بعض العلماء: أن الموجات غير المرئية للجاذبية تستطيع أن تقطع العالم بلحظة واحدة من دون حاجة إلى الزمان..

وبعد كل هذا فإنه إذا كان قطع المسافات البعيدة بهذه السرعة المذهلة ليس مستحيلاً على هذا الإنسان المحدود، الذي بقي الأعوام الطوال يفكر ويستعد، ويجمع الخبرات والإمكانات، فهل يستحيل على خالق الإنسان والكون، ومبدعه أن يسري بعبده الذي اصطفاه رسولاً للبشرية جمعاء، ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وإلى ملكوت السموات، ثم يعيده إلى مكانه الأول؟!.

من أهداف الإسراء والمعراج:

إننا إذا أردنا معرفة الأهـداف والحكـم، والمعجزات، والتأثيرات العميقة للإسراء والمعراج، فلا بد لنا من دراسة كل نصوصه، وفقراته، ومراحله بدقة وعمق، بعد تحقيق الصحيح منها، وحيث إن ذلك غير متيسر بل هو متعذر علينا في ظروفنا الحاضرة، فإننا لا بد أن نكتفي بالإشارة إلى الأمور التالية:

أولاً: إن حادثة الإسراء والمعراج معجزة كبرى خالدة، ولسوف يبقى البشر إلى الأبد عاجزين عن مجاراتها، وإدراك أسرارها ولعل إعجازها هذا أصبح أكثر وضوحاً في هذا القرن الواحد والعشرين، بعد أن تعرف هذا الإنسان على بعض أسرار الكون وعجائبه، وما يعترض سبيل النفوذ إلى السماوات من عقبات ومصاعب.

وإعجازها هذا إنما يكون بعد التسليم بنبوة النبي >صلى الله عليه وآله< عن طريق الخضوع لمعجزته الخالدة، وهي القرآن، أو اليقين بصدقه >صلى الله عليه وآله< عن أي طريق آخر، بحيث يكون ذلك موجباً لليقين بصدق إخباراته كلها؛ فإذا أخبر >صلى الله عليه وآله< بهذه الحادثة، فإن إخباره مساوق لليقين بوقوعها، وهي حينئذٍ تكون معجزة خالدة تتحدى هذا الإنسان على مدى التاريخ.

ثانياً: يلاحظ: أن هذه القضية قد حصلت بعد البعثة بقليل، وقد بيّن الله سبحانه الهدف من هذه الجولة الكونية؛ فقال في سورة الإسراء: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}([75]).

وإذا كان الرسول الأكرم >صلى الله عليه وآله< هو الأسوة والقدوة للإنسانية جمعاء، وإذا كانت مهمته هي حمل أعباء الرسالة إلى العالم بأسره، وإذا كان سوف يواجه من التحديات، ومن المصاعب والمشكلات ما هو بحجم هذه المهمة الكبرى، فإن من الطبيعي: أن يعده الله سبحانه إعداداً جيداً لذلك، وليكن المقصود من قصة الإسراء والمعراج هو أن يشاهد الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله< بعض آثار عظمة الله تعالى، في عمليةٍ تربويةٍ رائعة، وتعميق وترسيخ للطاقة الإيمانية فيه، وليعده لمواجهة التحديات الكبرى التي تنتظره، وتحمل المشاق والمصاعب والأذايا التي لم يواجهها أحد قبله، ولا بعده، حتى لقد قال حسبما نقل >ما أوذي نبي مثلما أوذيت<.

وعلى حسب نص السيوطي، والمناوي، وغيرهما: >ما أوذي أحد ما أوذيت<([76]) ولا سيما إذا عرفنا: أن عمق إدراك هذا النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله< ـ وهو عقل الكل، وإمام الكل ـ لأخطار الانحرافات في المجتمعات، وانعكاساتها العميقة على الأجيال اللاحقة كان من شأنه أن يعصر نفسه ألماً من أجلهم، ويزيد في تأثره وعذاب روحه حتى لقد خاطبه الله تعالى بقوله: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}([77]).

وأيضاً، فإنه بالإسراء والمعراج يفتح قلبه وعقله ليكون أرحب من هذا الكون، ويمنحه الرؤية الواضحة، والوعي الأعمق في تعامله مع الأمور، ومعالجته للمشكلات، ولا سيما إذا كان لا بد أن يتحمل مسؤولية قيادة الأمة والعالم بأسره.

وكذلك ليصل هذا النبي الأمي إلى درجة الشهود والعيان بالنسبة إلى ما أوحي إليه، وسمع به عن عظمة ملكوت الله سبحانه، ولينتقل من مرحلة السماع إلى مرحلة الرؤية والشهود، ليزيد في المعرفة يقيناً، وفي الإيمان رسوخاً.

ثالثاً: لقد كان الإنسان ـ ولا سيما العربي آنئذٍ ـ يعيش في نطاق ضيق، وذهنية محدودة، ولا يستطيع أن يتصور أكثر من الأمور الحسية، أو القريبة من الحس، التي كانت تحيط به، أو يلتمس آثارها عن قرب، وذلك من قبيل الفرس، والسيف، والقمر، والنجوم، والماء والكلاء، ونحوها، ويشعر بالحب، والبغض والشجاعة وغير ذلك.

فكان ـ والحالة هذه ـ لا بد من فتح عيني هذا الإنسان على الكون الأرحب، الذي استخلفه الله فيه، ليطرح على نفسه الكثير من التساؤلات عنه، ويبعث الطموح فيه للتعرف عليه، واستكناه أسراره، وبعد ذلك إحياء الأمل وبث روح جديدة فيه، ليبذل المحاولة للخروج من هذا الجو الضيق الذي يرى نفسه فيه، ومن ذلك الواقع المزري، الذي يعاني منه.

وهذا بالطبع ينسحب على كل أمة، وكل جيل، وإلى الأبد.

رابعاً: والأهم من ذلك: أن يلمس هذا الإنسان عظمة الله سبحانه، ويدرك بديع صنعه، وعظيم قدرته، من أجل أن يثق بنفسه ودينه، ويطمئن إلى أنه بإيمانه بالله، إنما يكون قد التجأ إلى ركن وثيق لا يختار له إلا الأصلح، ولا يريد له إلا الخير، قادر على كل شيء، ومحيط بكل الموجودات.

خامساً: وأخيراً، إنه يريد أن يتحدى الأجيال الآتية، ويخبر عما سيؤول إليه البحث العلمي ـ من التغلب على المصاعب الكونية، وغزو الفضاء ـ فكان هذا الغزو بما له من طابع إعجازي خالد هو الأسبق والأكثر غرابة وإبداعاً؛ وليطمئن المؤمنون، وليربط الله على قلوبهم، ويزيدهم إيماناً كما قلنا.

الأذان:

ونحن نعتقد: أن الأذان قد شرع في مناسبة الإسراء والمعراج كما جاء في الخبر الصحيح، ولكنهم إنما يذكرون ذلك بعد الهجرة؛ فنحن نرجئ الحديث عنه إلى هناك، إن شاء الله تعالى.

اليهود والمسجد في القرآن:

قال تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً، فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً، ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً، إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً، عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً، وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}([78]).

مفاد الآيات إجمالاً:

هذه الآيات الكريمة تتضمن:

أ ـ أحداثاً أربعة هامة، هي التالية:

1 ـ إن بني إسرائيل سوف يفسدون في الأرض، ويعلون علواً كبيراً، بعد أن كتب الله عليهم الجلاء، وضرب عليهم الذل والمسكنة، وباؤوا بغضب من الله.

2 ـ إن عباداً لله أولي بأس شديد سوف يحاربون الإسرائيليين، بعد فسادهم وعلوهم، ويطأون بلادهم، ويجوسون خلال ديارهم جزاء على بغيهم وفسادهم، ويدخلون المسجد أيضاً.

3 ـ إن بني إسرائيل سوف تكثر بعد ذلك أموالهم، وأولادهم، وذلك يحتاج إلى مدة طويلة نسبياً، ولسوف يجهزون جيشاً أعظم من جيش أولئك العباد، وتكون الكرة لهم عليهم.

4 ـ ثم إنهم بعد أن يعودوا إلى الإفساد من جديد؛ في مهلة زمنية لا بأس بمقدارها يعود أولئك العباد إلى حربهم، ليسوؤوا وجوههم، وليدخلوا المسجد، والظاهر أن المراد به المسجد الحرام، وليتبروا ما علوا تتبيراً.

ولم تبين الآية من هم هؤلاء الذين يصيبهم هذا التتبير، فإن الظاهر هو أنهم قوم آخرون غير بني إسرائيل.

ب ـ إن حصول المرتين الأولى والثانية، يعني الإفساد الأول من بني إسرائيل ثم إرسال الله تعالى عباداً له عليهم، أمر حتمي، لقوله تعالى: {وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً}([79]). وأما المرتان الأخيرتان فهما تتوقفان على اعتبار بني إسرائيل بما حصل، ثم اختيارهم أحد الأمرين.

فلأجل إبراز عنصر الاختيار هذا والتشكيك بصدوره منهم، عبر بـ >إن<: {إِنْ أَحْسَنتُمْ..} لأنها تستعمل في مقام الترديد والشك في صدور الإحسان منهم.

ضرب القاعدة، وإعطاء الضابطة:

ثم إنه بالنسبة للإفساد الثاني قد اختار التعبير بـ >إذا< كما استعمل نفس هذه الكلمة بالنسبة لإفسادهم الأول، وذلك لإفادة أن اختيارهم لطريق الشر أمر حتمي، ولا شك فيه لما يعلمه الله فيهم من خصائص، وطموحات.

ولكن جواب الشرط قد جاء بصيغة المضارع لإفادة حصول سَوْءِ الوجوه لهم والتتبير لعلو قوم آخرين بصورة تدريجية، ليكون ذلك أدعى في الإذلال، وأدل على المساءة، ولكن هذا المضارع إنما هو بملاحظة زمان تحقق الشرط في المستقبل.

ويلاحظ هنا: كثرة المؤكدات على صدور ذلك منهم؛ فلاحظ قوله تعالى: {قَضَيْنَا} المشير إلى حتمية ذلك لكن لا على سبيل الجبر، وإنما على سبيل الإخبار بما هو حتمي الوقوع بحسب ما يعلمه الله من أحوالهم، ثم عبر بكلمة: {فِي الْكِتَابِ} المفيدة إلى نوع التأكيد أيضاً.

ثم أتى بلام الابتداء في أكثر من مورد، فقال: {لَتُفْسِدُنَّ} {وَلَتَعْلُنَّ}.

 

ثم أتى بنون التوكيد، مشفوعة بإذا التي تستعمل في مقام الجزم بتحقق الشرط.

وعقّب على ذلك باعتباره وعداً قد جاء بصيغة التحقق والوقوع، حيث قال: {فَإِذَا جَاء وَعْدُ} ولم يقل: وقت أو موعد وهو يقتضي الحصول والتحقق أيضاً، ثم ألحقه بكلمة: {بَعَثْنَا}، ولم يقل: >سنبعث<، ليشير إلى أنه أمر حاصل لا محالة، فهو يخبر عن وقوعه.

ثم عاد فكرر كونه وعداً ولكن بصيغة تؤكد وقوعه وحصوله حيث قال: {وَكَانَ وَعْداً} ثم وصفه بقوله: {مَّفْعُولاً}.

ونلاحظ أيضاً أنه لم يزل يعبر بـ : >أَمْدَدْنَا، بَعَثْنَا، جَعَلْنَا، رَدَدْنَا< بصيغة الخبر عن أمر حاصل، وإظهاراً للثقة بحصوله أيضاً، فلاحظ الآيات.

ج  ـ إن المستفاد من هذه الآيات هو: أن من سوف تجري لهم مع بني إسرائيل هذه الأحداث هم جماعة واحدة، يجوسون خلال ديار بني إسرائيل أولاً، ثم ترد الكرة لبني إسرائيل عليهم، ثم يعودون هم إلى ضرب بني إسرائيل ضربة تسوء لها وجوههم، ويتبروا فيها ما علوا.

وذلك لأن الضمائر في: >جاسوا، وعليهم، وليسوؤوا، وليدخلوا، ودخلوه وليتبروا< ـ كل هذه الضمائر ترجع إلى جماعة واحدة، عبر عنها بقوله تعـالى: {عِبَاداً لَّنَا}، وليس غيره في الآيات يصلح مرجعاً لهذه الضمائر ـ أصلاً.

د ـ يستفاد من هذه الآيات: أن هؤلاء العباد سوف يدخلون المسجد مرتين.

والظاهر: أن المراد به هو المسجد الحرام، أما المسجد الأقصى الذي حصل الإسراء إليه، والذي بارك الله حوله، فهو في السماء، وأن دخولهم هذا سوف يكون على نحو واحد في المرتين معاً، أي بالقوة والقهر، والغلبة {كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ}.

ه‍ ـ إنه تعالى بعد أن ذكر الأحداث الأربعة عاد فقال: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} وهو لبيان قاعدة كلية، وسنة إلهية في مواجهة طغيان بني إسرائيل وفسادهم، وهو لا يدل على أن ذلك سوف يقع منهم، بعد تلك الأحداث الأربعة، بل إن ما سوف يقع جزماً هو ما ذكر، والظاهر: أن دولتهم تبقى، ولا يصيبهم في المرة الثانية سوى سوء الوجوه..

أما ما سواه فلا دليل على حدوثه، بل إن تعبيره بـ >إن< الشرطية، الموضوعة للاستعمال في غير موارد الجزم لربما يشير إلى عدم الوقوع.

والظاهر هو أن القضاء عليهم إنما يكون على يد الإمام الحجة >صلوات الله وسلامه عليه<.

و ـ إن المقصود بـ : {عِبَاداً لَّنَا} قوم مؤمنون، وذلك لاقتضاء ظاهر قوله: {بَعَثْنَا}، وقوله: {عِبَاداً لَّنَا} ([80]) لأن البعث للبشر على غيرهم، وكلمة: {عِبَاداً لَّنَا}، لم يستعملا في القرآن ـ إلا ما شذ ـ إلا في مقام المدح والثناء، ولا سيما مثل قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}، وغير ذلك.

ولا أقل من أنه قصد به ما سوى الكافرين.

ولربما يشير إلى ذلك أيضاً: أنه تعالى بعد أن ذكر انتصار عباده على بني إسرائيل وما سوف يحيق ببني إسرائيل من سوء، وأنه جعل جهنم للكافرين حصيراً، عاد فأجمل كل ذلك على شكل قاعدة كلية، فبين: أن سنة الله هي أن يبشر عباده المؤمنين الذين يقفون المواقف الصالحة، ويدافعون عن دينه ـ كهؤلاء العباد الذين أرسلهم على بني إسرائيل ـ بأن لهم أجراً عظيماً، وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة، ويفسدون في الأرض، ويعلون علواً كبيراً، كما هو حال بني إسرائيل قد أُعدّ لهم عذاباً أليماً، فقال:

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً، وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}([81]).

ثم دخل في موضوع آخر.

ويرى العلامة المحقق البحاثة السيد الطباطبائي >رحمه الله<: أنه لا دليل في الكلام ـ أي في قوله تعالى: {وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً} ـ يدل على كون المبعوثين >مؤمنين<؛ إذ لا ضير في عد مجيئهم إلى بني إسرائيل، مع ما كان فيه من القتل الذريع، والأسر، والسبي، والنهب، والتخريب، بعثاً إلهياً؛ لأنه كان على سبيل المجازاة على إفسادهم في الأرض، وعلوهم، وبغيهم بغير الحق؛ فما ظلمهم الله ببعث أعدائهم، وتأييدهم عليهم، ولكن كانوا هم الظالمين لأنفسهم([82]).

 

ونقول:

إننا لا نستطيع ـ بدورنا ـ أن نقبل:

أن الله تعالى يؤيد الظالمين والمجرمين بأي وجه، نعم، هو يخلي بينهم وبينهم، ويوقف تأييداته لهم، وهذا غير تأييده لأولئك، وبعثهم على هؤلاء.

إلا أن يدعى أن المراد هو التسليط عليهم، وذلك بالتخلية فيما بينهم، ووقف التأييدات للفئة المؤمنة بسبب ما فعلته.

لكن يرد عليه: أن نسبة البعث والإمداد، ورد الكرة ـ والحالة هذه إلى الله سبحانه ـ تصبح غير ظاهرة، ولا مقبولة.

كما أننا قد أشرنا فيما سبق إلى وجود بعض القرائن المشيرة إلى إيمان المبعوثين.

فالأظهر هنا: هو أن أولئك العباد سوف يدفعهم أمر الله تعالى والتكليف الشرعي إلى القيام بذلك العمل؛ فيصح أن يقال: إن الله هو المحرك والباعث لهم.

هذا ما يستفاد من الآيات بشكل عام.

بقي الكلام في تطبيقها الخارجي؛ فهل حصل وتحقق مفادها كله في السابق؟ أو أنه لسوف يحصل ذلك كله في الآتي!. أو أن بعض ذلك قد حصل؟. والبعض الآخر متوقع الحصول؟!.

أقوال الرواة والمفسرين:

لقد راجعنا عدداً من كتب الحديث والتفسير، فوجدنا الروايات والأنظار مختلفة ومتباينة في ذلك..

ونحن نذكر موجزاً عن تلك الروايات والآراء بتلخيص منا، وذلك على النحو التالي:

1 ـ عن ابن مسعود: إن الفساد الأول هو قتل زكريا، فبعث الله عليهم ملك النبط، ثم عادوا هم فغزوا النبط، فأصابوا منهم.

2 ـ عن عطية العوفي: بعث الله عليهم أولاً جالوت، ثم قتله طالوت على يد داود، ثم قتلوا يحيى؛ فبعث عليهم بخت نصّر، وكذا عن ابن عباس.

3 ـ عن علي: الفساد الأول قتل زكريا، والثاني قتل يحيى، مع عدم بيان من بعث عليهم في المرتين.

4 ـ عن حذيفة: المرة الأولى بخت نصّر، ثم ردهم كورش، ثم عادوا في المعاصي، فسلط عليهم ابطنا نحوس، ثم عادوا في المعاصي، فسلط عليهم ثالثاً إسبيانوس.

5 ـ عن ابن زيد: الأولى قتل زكريا ويحيى، فسلط عليهم سابور ذا الأكتاف الفارسي، من قبل زكريا، وبخت نصّر من قبل يحيى.

6 ـ عن مجاهد: إن ملك فارس بعث جنداً إليهم ليتجسسوا أخبارهم ويسمعوا حديثهم، ثم رجعت فارس، ولم يكثر قتال، ونصرت عليهم بنو إسرائيل، ثم بعث عليهم ملك فارس ببابل جيشاً، أمّر عليه بخت نصّر؛ فدمروهم([83]).

رأي العلامة الطباطبائي &:

قال العلامة البحاثة المحقق الطباطبائي >رحمه الله<: >.. والذي يظهر من تاريخ اليهود: أن المبعوث أولاً لتخريب بيت المقدس هو بخت نصّر، وبقي خراباً سبعين سنة، والمبعوث ثانياً هو قيصر الروم إسبيانوس، سيّر إليهم وزيره طوطوز، فخرب البيت، وأذل القوم قبل الميلاد بقرن تقريباً.

وليس من البعيد: أن تكون الحادثتان هما المرادتان في الآيات؛ فإن الحوادث الأخرى لم تفن جمعهم، ولم تذهب بملكهم واستقلالهم بالمرة، لكن نازلة بخت نصّر ذهبت بجمعهم وسؤددهم إلى زمن كورش، ثم اجتمع شملهم بعد برهة، ثم غلب عليهم الروم، وأذهبت بقوتهم، وشوكتهم، فلم يزالوا على ذلك إلى زمن ظهور الإسلام<.

قال هذا >رحمه الله< بعد أن ذكر: أنه كالمسلّم: أن إحدى هاتين النكايتين كانت على يد بخت نصّر([84]).

ولكنه عاد فأورد على نفسه بأن في الآيات إشعاراً بأن المبعوث إلى بني إسرائيل هم قوم بأعيانهم في كلا المرتين.

وأجاب عن ذلك: بأنه مجرد إشعار؛ من دون تصريح.

ونقول:

إن الضمائر حسبما تقدم ليس لها مرجع في الكلام سوى قوله: {عِبَاداً لَّنَا}. وهذا يدل دلالة واضحة على وحدة القوم المرسلين على بني إسرائيل وليس مجرد إشعار.

ومرادنا بالوحدة هو أن يكون لهم رابطة تجمعهم ككونهم فُرساً، أو مسلمين مثلاً، ويرد على كلامه >رحمه الله<، وعلى جميع الروايات المتقدمة، عن الدر المنثور وغيره ما يلي:

1 ـ إننا لم نجد لبني إسرائيل كرة على بخت نصّر، ولا على سابور ولا غيرهما، بل إن كورش قد أرجعهم إلى بلادهم بعد حوالي مئة سنة من أسر بخت نصّر لهم، مع أن الآية تكاد تكون صريحة بأن لبني إسرائيل كرة على أولئك العباد المبعوثين.

2 ـ إن النبط لم يدخلوا المسجد الأقصى ـ حسب تفسيرهم ـ مرتين وكذلك بخت نصّر، وقيصر، وغيرهم ممن ذكر جميعاً، وقد أشارت الآية إلى أن المبعوثين سوف يدخلون المسجد مرتين.

3 ـ إن جميع أولئك ما كانوا من المؤمنين، بل كانوا من الطغاة والمتجبرين.

4 ـ إن بخت نصّر كان قبل الميلاد بست مئة سنة تقريباً([85]) وكان يحيى معاصراً للمسيح >عليه السلام<([86]) فكيف ينتقم له بخت نصّر؟ كما أن سابور متأخر عن بخت نصّر، لا مقدم عليه كما في الرواية.

5 ـ هذا كله عدا عن الإشكال في أسانيد تلكم الروايات([87]).

6 ـ إن إفسادهم في منطقة محدودة لا يعني كون ذلك هو المقصود من الآية التي تتحدث عن إفساد كبير، وعلو لهم في الأرض، ولا شك أنهم كانوا على مدى التاريخ أضعف من أن يكون لهم علو في الأرض كلها، بل وحتى على سابور، أو بخت نصّر أو غيرهما، فضلاً عن أن يكون لهم علو فرعون، أو نظير استكبار قوم عاد.

رأي آخر في الآيات:

ويحتمل البعض: أن الفساد الأول كان في منطقة الحجاز، فبعث الله النبي >صلى الله عليه وآله< عليهم، وضربهم الضربة القاصمة، وكان دخول عمر إلى المسجد الأقصى، الذي يمثل دخول المسلمين، هو المعني في الآيات، وتبقى المرة الثانية ستأتي. كما ويحتمل أن تكون هي ضربة بخت نصّر لهم هي الأولى، والثانية هي ضربة عمر لهم.

ولكن ذلك لا يمكن قبوله؛ لأن عمر حينما دخل المسجد الأقصى لم يكن في بيت المقدس أحد من اليهود، وإنما كان تحت سيطرة النصارى، الذين استولوا عليه قبل ذلك بعقود من الزمن، وكانوا يجعلون الأقذار والأوساخ على >الصخرة<، التي هي قبلة اليهود، بل كانت المرأة ترسل بخرقة حيضها من بلاد الروم إلى بيت المقدس لتلقى على الصخرة، مبالغة في امتهانها، وإذلالاً لليهود واحتقاراً لهم([88]).

كما أنه لا معنى لإرادة بخت نصّر؛ ليكون هو بطل المرة الأولى، وذلك لما أشرنا إليه في النقاط الست الآنفة الذكر.

رأي آخر:

وثمة رأي أخر يقول: إن الفساد الأول هو إنكارهم نبوة نبينا >صلى الله عليه وآله<، مع أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، واتفقوا مع المشركين ضده.

وإرسال عباد الله على هؤلاء المفسدين هو ما جرى في صدر الإسلام، فأرسل الله النبي >صلى الله عليه وآله< والمسلمين عليهم؛ فضربوهم في خيبر وقريظة؛ وقينقاع، وغير ذلك، وجاسوا خلال ديارهم، ثم دخل المسلمون المسجد الأقصى في زمن عمر.

والفساد الثاني هو ما جرى ويجري منهم في فلسطين ولبنان، والمنطقة بشكل عام، في هذا القرن الرابع عشر، ولسوف يأتي المهدي >عجل الله فرجه الشريف< لينتقم منهم، ويدخل المسلمون المسجد، كما دخلوه أول مرة في عهد عمر.

وقد قرر بعض الأعلام هذا، وطبق الآيات عليه، على النحو التالي:

إنه ليس في الآيات ما يدل على أن الغلبة على اليهود، وغلبة اليهود على أولئك العباد تكون في مكان واحد محدد، وقوله تعالى: {كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} يشعر، بل يدل على أن قوله: {فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ}، هو غير دخولهم المسجد، أي إنهما أمران متغايران، كما يدل على أن الجوس خلال الديار متقدم على دخولهم المسجد، وذلك لمكان اللام في قوله: {وَلِيَدْخُلُواْ} التي هي لام العاقبة وقد تحقق ذلك في زمن عمر، كما أن عدم ذكر دخول العباد بيت المقدس حينما بعثهم أولاً يدل على أن دخول المسجد لمّا يتحقق لهم عند ذلك.

وتدل الآية على أن دخول المسجد في الثانية يكون أشد على اليهود لقوله تعالى: {وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً}، ففسادهم الثاني يكون في غلبتهم على البلاد المقدسة، وقتلهم المسلمين، وهذا ما يحصل في هذا العصر. وجزاؤهم سيكون عاجلاً على يد أهل قم إن شاء الله تعالى، أو المهدي المنتظر >عجل الله تعالى فرجه<، أو بإمارته مع كون الجيش من أهل قم، والله العالم.

ونقول:

هذا رأي لا يمكن المساعدة عليه، لأن ما ذكر في تطبيق الآيات عليه مخالف لظاهرها.

فأولاً: إنه حين دخل عمر بيت المقدس لم يكن هناك مسجد أصلاً، فضلاً عن أنه يسمى بالأقصى.

ثانياً: إن الظاهر: هو أن دخول المسجد سيكون عنوة وقهراً ورغماً عن بني إسرائيل، وحينما دخل المسلمون بيت المقدس في عهد عمر لم يكن في بيت المقدس أحد من اليهود، وإنما كان النصارى هم المسيطرين.

فلم يحارب المسلمون اليهود ليدخلوا المسجد بالرغم عنهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن عمر قد دخل بيت المقدس صلحاً وليس عنوة، وظاهر الآية: هو أن الدخول سيكون عنوة، معه سوء الوجوه، وفيه القهر والغلبة على اليهود أنفسهم، {لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً}.

فإذا كان الدخول في إحدى المرتين عنوة فسيكون في الثانية كذلك، وقد دلت كلمة: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا..} على أن الدخول الأول سيكون عنوة إن كان المقصود هو الدخول في هذه المرة..

ثالثاً: ما ذكر من أن اللام في {وَلِيَدْخُلُواْ} تدل على أن الدخول سيتأخر عن الجوس خلال الديار، وأن التفريق بين الجوس خلال الديار، ودخول المسجد، يدل على ذلك أيضاً، وكذا عدم ذكر الدخول للمسجد في المرة الأولى.

إن هذا الذي ذكر، لا يدل على ذلك؛ لأن ظاهر الآيات: أنه قد اكتفى في المرة الأولى عن ذكر دخول المسجد، بذكر الجوس خلال الديار، لأنه مستبطن له ويكون في ضمنه، ثم أوضحه بقوله: {كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} وقوله: {وَلِيَدْخُلُواْ} معطوف على {لِيَسُوؤُواْ} بالواو، التي لا تدل على الترتيب الزماني.

بل لعل ذكر دخول المسجد بين التتبير لما علوا، وبين سوء الوجوه للإشارة إلى أن دخول المسجد سيكون في وسط المعركة في المرة الثانية، وكذلك سيكون في المرة الأولى لقوله تعالى: {كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ}.

وإلا، فلو صح ما ذكره صاحب هذا الرأي، لوجب أن يكون الدخول الثاني للمسجد صلحاً، لا عنوة، كما كان دخول عمر بن الخطاب في السابق، وحينئذٍ فلا يبقى معنى لذكر دخول المسجد فيما بين قوله: {لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ}، وبين قوله: {وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً}.

ثالثاً: إنه لم يكن لليهود في زمن النبي >صلى الله عليه وآله< فساد في الأرض، وعلو كبير فيها، وإنما كانوا في محيط ضيق جداً محصورين في نواحي المدينة، وكانوا مقهورين من قبل الأوس والخزرج، ويمالئون مشركي مكة، وسائر القبائل في المنطقة، فلا يصح أن يقال: إن لهم {عُلُوّاً كَبِيراً}.

فضلاً عن إضافة قوله: {فِي الأَرْضِ} سواء قلنا: إن المراد: الأرض المقدسة، يعني فلسطين، أو قلنا: بأن المراد الأرض مطلقاً أي معظمها، أو السيطرة على مراكز القوة والنفوذ فيها.

نقول هذا كله: مماشاة للمستدل فيما زعمه من أن المراد بالمسجد هو خصوص ما يسمى بالمسجد الأقصى، والموجود في بيت المقدس فعلاً.

وثمة رأي آخر أيضاً:

وهو أن الحروب التي جرت بين العرب وإسرائيل تمثل المراحل الثلاث الأولى، وبقيت المرحلة الأخيرة، التي أشارت إليها الآية بالقول: {فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ..} وهي سوف تأتي إن شاء الله تعالى([89]).

وهذا أيضاً رأي لا يمكن المساعدة عليه؛ لأن العرب الذين حاربوا إسرائيل لم يجوسوا خلال ديار بني إسرائيل في حروبهم تلك، ولا دخلوا المسجد عنوة، بل إنهم ليسوا من عباد الله المؤمنين؛ لأنهم قد تخلوا عن دينهم، وجروا خلف شهواتهم، واستبدت بهم انحرافاتهم بشكل واضح لكل أحد.

ماذا تقول الروايات؟!

لقد وردت بعض الروايات ـ التي ليس لها أسانيد معتبرة ـ تفيد:

أن الفساد الأول هو قتل علي، وطعن الحسن >عليهما السلام<، والعلو الكبير هو قتل الحسين، ووعد أولاهما نصر دمه >عليه السلام<، والمبعوثون أولاً هم قوم قبل خروج القائم، وكان وعداً مفعولاً: خروج القائم >عليه السلام<.

وثم رددنا لكم الكرة عليهم: خروج الحسين في سبعين من أصحابه([90]).

وفي تفسير القمي:

الفساد الأول: فلان وفلان، ونقضهم العهد، والعلو الكبير: ما ادَّعوه من الخلافة.

ووعد أولاهما: الجمل.

وجاسوا خلال الديار: طلبوكم، وقتلوكم.

ورددنا لكم الكرة: بنو أمية.

ووعد الآخرة: القائم >عليه السلام<.

وكما دخلوه أول مرة: رسول الله >صلى الله عليه وآله<.

وواضح: أن مفاد هذه الروايات ليس هو محط نظر الآيات صراحة، وإنما هي ـ إن صحت ـ من باب الإشارة إلى أن ما يجري لبني إسرائيل، يجري مثله لهذه الأمة أيضاً؛ إذ من الواضح: أن ما ذكرناه في مفاد الآيات لا ينسجم مع ما جاء في هذه الروايات، كما يظهر بالملاحظة، والمقارنة.

الرأي الأمثل:

وإذ قد عرفنا معنى الآيات إجمالاً، وعرفنا أن مفادها لم يحصل ولم يقع لبني إسرائيل بعد، لا في تاريخهم القديم، ولا الحديث، فإننا نعلم: أن مفادها سيقع في المستقبل، ومفادها هو:

1 ـ أن يفسد بنو إسرائيل في الأرض >ولتلاحظ كلمة في الأرض<، فإنه لا يصدق ذلك على بلد أو قرية صغيرة في نواحي الحجاز مثلاً، بل لا بد أن يكون فسادهم وعلوهم في الأرض المقدسة، أو في الأرض بصورة عامة، أو على الأقل في مراكز هامة، بحيث يرون أنفسهم لا غالب لهم، ولا شيء يقف في وجههم.

ثم يعلون علواً كبيراً >ولتلاحظ هذه الجملة بدقة أيضاً<.

2 ـ أن يبعث الله عليهم عباداً له أتقياء مؤمنين، فيجوسون خلال ديارهم، ويدخلون المسجد، (والتعبير بالجوس لربما يشير إلى عدم المكث طويلاً فيها)؛ لأن الجوس هو الوطء مع الاستقصاء، وربما يكون هو الوطء الخفيف، وهو وطء خلال الديار أو فيما بينها من دون ثبات وتحكم فيها نفسها أو لعله إشارة إلى الدخول السري للمجاهدين.

3 ـ ثم يمد الله بني إسرائيل بأموال وبنين، ويصير جيشهم أعظم، ويرد لهم الكرة على السابقين.

4 ـ ثم يعود أولئك المؤمنون فيقومون بعمل تكون له ثلاث نتائج.

الأولى: سوء وجوه الإسرائيلين.

والثانية: دخولهم المسجد الحرام من جديد، كما دخلوه أول مرة.

والثالثة: أنهم يتبرون ما علاه قوم آخرون لم تحددهم الآية، ولم تذكر هويتهم، لكنهم معروفون بالاستكبار.

كل ذلك سوف يحصل في المستقبل، حسبما تفيده الآيات الكريمة، مع العلم بأنه لم يحصل من ذلك شيء في الماضي.

ويبقى أن نشير إلى المؤيدات التالية:

القميون يقاتلون الإسرائيليين:

ويؤيد ما تقدم: ما رواه المجلسي عن كتاب تاريخ قم، تأليف: الحسن بن محمد بن الحسن القمي:

>روى بعض أصحابنا قال: كنت عند أبي عبد الله >عليه السلام< جالساً؛ إذ قرأ هذه الآية: حتى([91]) {فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً} فقلنا: جعلنا فداك، من هؤلاء؟

فقال ـ ثلاث مرات ـ : هم والله أهل قم<([92]).

ولقد قال هذا >عليه السلام< قبل أن تخلق إسرائيل بأكثر من اثني عشر قرناً، وفي حين لم يكن لليهود أية قوة في منطقة بيت المقدس.

وقوله >عليه السلام< هذا يعني: أن أهل قم باعتبارهم مسلمين، أو قادة للمسلمين هم الذين سوف يقودون الحرب ضد بني إسرائيل في المرة الأولى، وهم المعنيون بقوله: {عِبَاداً لَّنَا} وباقي الحديث يفهم من الآيات الكريمة؛ حيث تعود لإسرائيل الكرة عليهم بجيش أعظم، ثم يعود المسلمون بقيادة أهل قم أو بقيادة غيرهم (المهدي مثلاً) ليسوؤوا وجوه الإسرائيليين وليدخلوا المسجد الحرام كما دخلوه أول مرة، وليتبروا علوَّ قوم معروفين بالاستكبار.

الغرب وإسرائيل:

وثمة رواية ضعيفة أيضاً تقول: >وتشب نار بالحطب الجزل من غربي الأرض، رافعة ذيلها، تدعو يا ويلها لرحلة ومثلها؛ فإذا استدار الفلك، قلتم مات أو هلك بأي واد سلك، فيومئذٍ تأويل هذه الآية:

{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً}<([93]).

فهذه الرواية تشير إلى أن علو الإسرائيليين وكرتهم على {عِبَاداً لَّنَا} لسوف تكون بمعونة غربية، تمدهم بالمال والجيوش حتى يصبحوا أكثر نفيراً وجنداً.

ولسوف تكون حرباً ضروساً وقاسية، كما يفهم من لحن الرواية المشار إليها، لو صحت.

الحروب الطويلة والصعبة:

وهذه دولة الإسلام قد ظهرت، وهي بقيادة أهل قم، ولكنها تواجه الحروب المدمرة، والمؤامرات الصعبة من قبل قوى الاستكبار العالمي.

وقد جاء في الرواية المروية عن: علي بن عيسى، عن أيوب بن يحيى الجندل، عن أبي الحسن الأول >عليه السلام<، أنه قال:

>رجل من أهل قم، يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم كزبر الحديد، لا تزلّهم الرياح العواصف، ولا يملون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله يتوكلون، والعاقبة للمتقين<([94]).

ولربما يمكن أن نستفيد من قوله: >لا تزلهم الرياح العواصف<: أن دولة الإسلام هذه سوف تواجه مشكلات صعبة، لا يثبت أمامها الرجال العاديون.

ومن قوله: >لا يملون من الحرب<: أنهم سوف يواجهون حروباً طويلة، يمل منها الإنسان العادي.

ولكنهم سوف يصمدون، وفي النهاية سوف ينتصرون إن شاء الله، وذلك لقوله: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.

الفلسطينيون والأرض:

والإسلام حين حث على الجهاد، فإنه ربط بأمرين، كل منهما له حضور في قضية اغتصاب فلسطين، وهما:

الأول: القتال في سبيل الله سبحانه، المتمثل بقتال من تجرأ على المقدسات، واستولى على بيت المقدس، أولى القبلتين.. والذي يقدسه المسلمون عامة، وفيه محاريب الأنبياء، وباب حطة وما إلى ذلك..

الثاني: القتال في سبيل المستضعفين، فإن نفس الإستضعاف مرفوض بمنطق القرآن والإسلام، بغض النظر عن الخسائر المادية، وغيرها..

وقد أوجب الله على الناس القتال ضد من يستضعف الناس، ويقهرهم حتى لو لم يأخذ منهم أرضاً أو مالاً، أو ما إلى ذلك.

وقد قال تعالى مشيراً إلى هذين الأمرين: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ}([95]).

وقد أصبح التعدي على المقدسات، والإستضعاف للناس أكثر حضوراً وظهوراً فيما يجري على أرض فلسطين.

ولا بد من إبراز هذا وذاك في كل هذا النضال والجهاد ضد الغاصب المستكبر، ولا يصح تجاهل الجانب الإنساني في هذه القضية، لأن أية قضية إذا أفرغت من محتواها الإنساني؛ فإنها تفقد زخمها وقوتها، ورافدها العاطفي، وقد يصل الأمر بهذا الإنسان العادي إلى حد القول: بأنه لماذا يقاتل ويضحي؟ ما دام أن الأرض يمكن أن تباع وتشترى، ويقايض عليها، والإنسان وحده هو الأعلى والأغلى؛ فلماذا إذن تزهق النفوس والأرواح في سبيلها، ما دام يمكن الاستعاضة عنها بثمنها، ثم الاحتفاظ بهذا الإنسان ومواهبه وطاقاته لما هو أهم، ونفعه أعم؟.

وحتى بالنسبة للمقدسات في بيت المقدس أيضاً، فقد تجد من يقول: ليكن لأنصاف الحلول فيه مجـال، ولن يمانع الإسرائيليون من وصول المسلمين إلى مقدساتهم في كل حين، وممارسة عباداتهم فيه بحرية، إذا كانوا هم الحكام.

نعم، يمكن أن يخطر كل هذا في ذهن الإنسان العادي.

ولربما يؤثر هذا الخاطر على تعامله مع أقدس قضية، فيما إذا فصل الجانب الإنساني والعاطفي والإسلامي عن الأرض، فيضعف الدافع لتحريرها.

وهناك الكارثة الحقيقية والخيانة والجريمة الكبرى، إذاً، فلا بد أن تبقى المآسي والمظالم التي تعرض ويتعرض لها الشعب الفلسطيني ماثلة للعيان أمام المقاتل المسلم والمؤمن بعدالة قضيته، ليندفع إلى التضحية والفداء في سبيل قضيته المقدسة، بروح رضية، ونفس أبية، وليمتزج من ثم الوعي بالعاطفة، وكلاهما بالإيمان.

مع التأكيد على أنه ليس للمسؤولين والسياسيين أن يربطوا مصيرهم ومصير أمتهم بأولئك المنحرفين، ولا أن يثقوا بهم، لأن أولئك المنحرفين سوف يدفعونهم في النهاية ثمناً لمصالحهم، ويساومون عليهم وبهم.


([1]) الآية 108 من سورة الأنعام، راجع: البحار ج26 ص239 وعيون أخبار الرضا ج1 ص304.

([2]) راجع: السيرة الحلبية، وتاريخ الخميس، وغير ذلك.

([3]) البحار ج18 ص319 عن العدد، ونقل ذلك عن الزهري في عدة مصادر.

([4]) البداية والنهاية ج3 ص108.

([5]) سيرة مغلطاي ص27.

([6]) شرح الشفاء للقاري ج1 ص222.

([7]) المناقب لابن شهرآشوب ج1 ص43.

([8]) تاريخ الخميس ج1 ص307.

([9]) البحار ج18 ص319 و381 عن المناقب لابن شهرآشوب ج1 ص177، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص26، حيث ذكر ذلك بعد المبعث، وقبل الإنذار.

([10]) البحار ج18 ص379 عن الخرائج والجرايح.

([11]) تاريخ بغداد ج5 ص87، والمواهب اللدنية ج2 ص29، ومقتل الحسين للخوارزمي ص63/64 وذخائر العقبى ص36، وميزان الاعتدال ج2 ص297 و160، ومستدرك الحاكم ج3 ص165، وتلخيصه للذهبي، ومجمع الزوائد ج9 ص202، وينابيع المودة ص97، ونزهة المجالس ج2 ص179، ومناقب المغازلي ص358 والبحارج18 ص315 و350 و364، ونور الأبصار ص44 و45 وعلل الشرائع ص72، وتفسير القمي ونظم درر السمطين ص176 ومحاضرة الأوائل ص88 وملحقات إحقاق الحق للمرعشي ج10 ص1 ـ 11 عن بعض من تقدم، وعن: أرجح المطالب ص239، ووسيلة المآل ص78 /79، وإعراب ثلاثين سورة ص120، وكنز العمال ج14 ص97 وج3 ص94، ومفتاح النجا ص98 مخطوط وأخبار الدول ص87 وعن ميزان الاعتدال ج1 ص38 و253 وج2 ص26 و84 والدر المنثور ج4 ص153 عن الطبراني والحاكم.

([12]) الآية110 من سورة الإسراء.

([13]) صحيح البخاري طبع سنة1309هـ ج3 ص99، والدر المنثور ج4 ص206 عنه وعن: مسلم وأحمد والترمذي، والنسائي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وابن مردويه، والطبراني والبيهقي.

([14]) راجع: مجلة الوعي الإسلامي المغربية عدد163 ص56.

([15]) راجع: الإتقان ج1 ص11، وتاريخ القرآن للزنجاني ص37.

([16]) الآية94 من سورة الحجر.

([17]) صحيح البخاري ج3 ط سنة 1309 ص96 والدر المنثور ج4 ص136 عنه وعن ابن الضريس وابن مردويه.

([18]) فتح الباري ج7 ص145.

([19]) راجع الإتقان ج1 ص10 ـ 11 و25.

([20]) تفسير الميزان مجلد 19 ص26.

([21]) مجمع الزوائد ج1 ص69/70 عن البزار والمواهب اللدنية ج2 ص6، وتاريخ الخميس ج1 ص310.

([22]) مناقب ابن شهرآشوب ج1 ص180، والبحار ج18 ص384.

([23]) البحار ج18 ص385 عن العياشي، عن زرارة، وحمران بن أعين، ومحمد بن مسلم، عن الباقر >عليه السلام<.

([24]) تاريخ الخميس ج1 ص315.

([25]) تاريخ الخميس ج1 ص315، والمواهب اللدنية ج2 ص40 ومستدرك الحاكم، وابن إسحاق.

([26]) المواهب اللدنية ج2 ص29 و30، وراجع الدر المنثور ج4 ص155 وراجع ص154.

([27]) راجع: الغدير ج5 ص303 و324 و325 فإنه قد نقل هذه الروايات وتكذيبها عن: ميزان الاعتدال ج1 ص370، ولسان الميزان ج5 ص235، وتهذيب التهذيب ج5 ص138، والسيوطي في الموضوعات، وابن حبان، وابن عدي.

([28]) المناقب للخوارزمي ص37 وينابيع المودة ص83.

([29]) تاريخ الخميس ج1 ص313.

([30]) تاريخ الخميس ج1 ص308، والمواهب اللدنية ج2 ص2، والبحار ج18 ص291 وفي المناقب لابن شهرآشوب ج1 ص177: أن الجهمية قالت بهذا.

([31]) البحـار ج18 ص291 عن: المقـاصد وشرحـه، وراجع تاريـخ الخميس ج1 ص308.

([32]) المواهب اللدنية ج2 ص2.

([33]) الآية 1 من سورة الإسراء.

([34]) الآيتين 9 و10 من سورة النجم.

([35]) الآية17 من سورة النجم، راجع هذا الاستدلال في: البحار ج18 ص286 عن الرازي، والمواهب اللدنية ج2 ص4، وتاريخ الخميس ج1 ص308.

([36]) راجع: تفسير الميزان ج13 ص24.

([37]) الآية 1 من سورة الإسراء.

([38]) الآيات 6 إلى 11 من سورة النجم.

([39]) راجع البرهان للبحراني ج4 ص248 وستأتي الرواية تحت عنوان: لا تدركه الأبصار.

([40]) الآية 23 من سورة التكوير.

([41]) المصنف لعبد الرزاق ج5 ص328، وتفسير ابن كثير ج3 ص21، وأخرجه أبو نعيم، ومنتخب كنز العمال هامش مسند أحمد ج4 ص353 وحياة الصحابة ج3 ص73 عن بعض من تقدم، وتاريخ الخميس ج1 ص308 و315، والمواهب اللدنية ج2 ص40.

([42]) الآيات من 12 إلى 14 من سورة النجم.

([43]) تاريخ الخميس ج1 ص314.

([44]) مثل: دلائل الصدق، وغيره من الكتب الباحثة في الشأن العقائدي.

([45]) راجع في الروايات الكثيرة عنه: الدر المنثور ج6 ص122 ـ 126.

([46]) المواهب اللدنية ج2 ص34 عن البخاري ومسلم، وتاريخ الخميس ج1 ص313، والدر المنثور ج6 ص124 عن عبد بن حميد، والترمذي، وابن جرير وابن المنذر، والحاكم وابن مردويه.

([47]) المواهب اللدنية ج2 ص35 عن مسلم.

([48]) يكفي أن يرجع الطالب إلى الدر المنثور ج6 ص122 ـ 126 وتاريخ الخميس ج1 ص313 و314 والمواهب اللدنية ج2 ص36 و37 وغير ذلك من المصادر الكثيرة جداً.

([49]) الآية 20 من سورة التكوير.

([50]) احتمل بعض المحققين: أن يكون وصف الله تعالى لجبرئيل بالشدة في مقابل التابع من الجن الذي كان ضعيفاً بحيث يستطيع الإنسان أن يتسلط عليه.

([51]) الآيتان 17 و18 من سورة النجم.

([52]) الآية 12 من سورة النجم.

([53]) الآية 17 من سورة النجم.

([54]) الآية 18 من سورة النجم.

([55]) الآية103 من سورة الأنعام.

([56]) الآية110 من سورة طه.

([57]) الآية11 من سورة الشورى.

([58]) أصول الكافي (ط سنة 1388هـ. في إيران) ج1 ص74 و75، والبرهان للبحراني ج4 ص248.

([59]) السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص43.

([60]) تفسير الميزان ج13 ص31.

([61]) الآية95 من سورة المائدة.

([62]) لقد وردت هذه الرواية في مختلف كتب الحديث والتاريخ عند غير الشيعة، ولذا فلا نرى حاجة لذكر مصادرها، فراجع على سبيل المثال: كشف الأستار عن مسند البزار ج1 ص45، ووردت أيضاً في كتب الإمامية رحمهم الله تعالى، وأعلى درجاتهم، فراجع: البحار ج18 ص330 و335 و348 و349 و350 و408 عن: أمالي الصدوق ص270 و271 و274 و275، وتوحيد الصدوق ص167 و168، وعلل الشرائع ص55 و56، والخصال ج1 ص129.

([63]) تنزيه الأنبياء ص121.

([64]) الآية 187 من سورة البقرة.

([65]) الآية66 من سورة الأنفال.

([66]) الآية 187 من سورة البقرة.

([67]) تنزيه الأنبياء ص121.

([68]) معالم الدين ص208 مبحث النسخ.

([69]) الآية 185 من سورة البقرة.

([70]) الآية 78 من سورة الحج.

([71]) الآية 286 من سورة البقرة.

([72]) الآية286 من سورة البقرة.

([73]) لأن إبراهيم حسب نص الرواية كان في السماء السابعة، وموسى كان في السادسة وكان موسى يُرجع النبي إلى ربه، كي يسأله التخفيف، فيرجع ثم يعود إليه فيرجعه من جديد.

([74]) راجع حول سرعة النور: موسوعة المعارف والعلوم ص10.

([75]) الآية 1 من سورة الإسراء.

([76]) راجع: الجامع الصغير ج2 ص144 وكنوز الحقائق، هامش الجامع الصغير ج2 ص83.

([77]) الآية 8 من سورة فاطر.

([78]) الآيات4 الى10 من سورة الإسراء.

([79]) الآية 5 من سورة الإسراء.

([80]) تفسير الميزان ج13 ص39.

([81]) الآيتين 9 و10 من سورة الإسراء.

([82]) تفسير الميزان ج13 ص39.

([83]) راجع هذه الروايات في الدر المنثور للسيوطي ج4 ص163 ـ 165 عن ابن جرير، وابن عساكر، وابن أبي حاتم، متفرقاً، وراجع: تفسير الطبري، وتفسير ابن كثير، وفتح القدير، وغير ذلك من التفاسير، في تفسير الآيات في سورة الإسراء.

([84]) تفسير الميزان ج13 ص44و45.

([85]) تفسير الميزان ج13 ص44 وفي تاريخ الخميس ج1 ص173: من وقت تخريب بخت نصر بيت المقدس إلى مولد يحيى أربع مئة وإحدى وستون سنة.

([86]) راجع: قصص الأنبياء للنجار ص369.

([87]) هذه النقاط أشار إليها الأخ العلامة الشيخ إبراهيم الأنصاري حفظه الله تعالى في مقاله، في مجلة الهادي.

([88]) تقدم ذلك في تمهيد الكتاب.

([89]) هذا رأي الشيخ إبراهيم الأنصاري في مجلة الهادي.

([90]) راجع: البحار ج51 ص56 وتفسير البرهان، وتفسير نور الثقلين.

([91]) الموجود في القرآن: (فإذا) فلعل كلمة (حتى) من كلام الراوي.

([92]) البحار ج60 ص216.

([93]) البحار ج52 ص272 و273. وراجع ج51 ص57.

([94]) البحار ج60 ص216.

ويلاحظ وجود بعض الاختلاف بين هذا النص وبين ما في الترجمة الفارسية لكتاب تاريخ قم، فلعل المترجم قد تصرف في العبارة، ولعل نسخة المجلسي تختلف عن النسخة المتداولة لكتاب تاريخ قم، فليلاحظ ذلك.

([95]) الآية 75 من سورة النساء.

   
 
 

العودة إلى موقع الميزان