إنــذار الـعـشـــيــــرة 

   

صفحة :147-196   

إنــذار الـعـشـــيــــرة 

أهداف الإسلام:

إن من الواضح: أن أهداف الإسلام القصوى ليست هي مجرد تحقيق العدل، ولو بمفهومه الأوسع، إذ لو كان كذلك لم يبق معنى للأوامر الداعية إلى الجهاد والتضحية بالنفوس في سبيل الله والمستضعفين، إذ لماذا يتخلى هذا الشخص عن نفسه وعن حياته في حين يبقى الآخرون يتمتعون بالحياة، وبمباهجها ولذائذها؟!.

كما أنه لو كان العدل هو الهدف فلا يبقى معنى لمحبوبية الإيثار على النفس ومطلوبيته له تعالى، ثم مدح من يفعل ذلك من الناس كما في قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}([1]).

كما أنه لا معنى لنهي الإنسان عن الحقد والحسد، وغير ذلك مما لا يمكن تتبعه واستقصاؤه، فإن ذلك كله وسواه ليدل على أن الهدف ليس هو مجرد تحقيق العدل، وإنما هو فوق وأهم وأقدس من ذلك.

إنه تجسيد إنسانية الإنسان، وإظهار كنوزها، والارتفاع بهذا الإنسان إلى مستوى الجدارة الحقيقية لأن يمثل النموذج الذي يريده الله للإنسان الكامل، وليس العدل وسواه من كمالات وفضائل إلا واحداً من تلك المراحل والوسائل الموصلة إلى ذلك الهدف المقدس والأسمى، الذي يستبطن في داخله: كل العدل، وكل الكمالات وكل الفضائل، وأخيراً كل السعادة، والفوز والنجاح.

هذا هو هدف الإسلام، وهذا ما يسعى إليه، ويعمل من أجل الوصول والحصول عليه، وليس أدل على ذلك من الآية الكريمة التي تحدد مهمة النبي الرسول، بأنه يُعلِّم الناس الحكمة، ويطهرهم، ويزكيهم، بالإضافة إلى تبليغ رسالة الله لهم، قال تعالى:

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}([2]).

وليلاحظ: أيضاً قوله تعالى: {.. مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}([3]).

ومن يراجع الآيات القرآنية يجد الكثير الكثير مما يدل على ذلك دلالة واضحة، حتى إن ذلك لا يحتاج إلى أي بيان أو توضيح، ولا إلى المزيد من الدلالات والشواهد.

الحاجة إلى الوزير والوصي:

وبعد أن عرفنا حقيقة هدف الإسلام، فإننا نعرف:

أن مهمته شاقة وعسيرة جداً لأنها تصطدم أولاً وبالذات بالإنسان الفرد، حيث لا بد له من السيطرة على غرائزه وشهواته وطموحاته، ليوجهها ويستفيد منها في مجال بناء الشخصية الإنسانية المثالية والفضلى، كما أنها تهدف إلى التغيير الجذري في البنية الاجتماعية والسياسية وغيرها للمجتمع، ليقتلع كل جذور الشر، ويستأصل كل عوامل الانحراف؛ ليغرس عوضاً عنها كل معاني الخير والصلاح، والبركة والفلاح.

نعم، إنها مهمة شاقة وعسيرة جداً، ولا أشق ولا أعسر منها، وهي تحتاج لإنجازها ثم إلى استمرارها إلى جهد هائل ومستمر، ما دام أن الإنسان يحمل في داخله عوامل التغيير والتحول، التي منحه الله إياها لتكون عوامل لبقائه وسعادته ولراحته، وأعطاه أيضاً وسائل ضبطها والهيمنة عليها وتوجيهها، ولكن تلك الوسائل كثيراً ما تضعف عن السيطرة على تلك العوامل.

ولسوف يبقى هذا الخطر قائماً، ما دام ذلك الصراع قائماً.

وإذا كان الصراع مستمراً باستمرار وجود الإنسان على مدى الزمان، وكان خطر الشذوذ والانحراف مستمراً أيضاً:

فإن الأنبياء >عليهم السلام< سيكونون بحـاجة إلى مواصلة القيام بمهمة التربية والتزكية، وغرس الفضائل الإنسانية والأخلاقية في نفوس الناس، بالإضافة إلى الاستمرار في تلاوة الآيات القاهرة للعقل؛ والمـرضـيـة للوجدان، وبالإضافة إلى تعليم الشريعة والأحكام، ثم الإشراف على تطبيقها، والرقابة المستمرة على ذلك.

ومن هنا تبرز الحاجة إلى الوزير والوصي، والنصير والأخ والولي، والخليفة للنبي >صلى الله عليه وآله<، فجاء تنصيب علي >عليه السلام< من قبل الرسول الأكرم >صلوات الله عليه وآله< هو الحركة السليمة والطبيعية في خط الجهاد والدعوة إلى الله سبحانه، وما يوم الدار، وما جرى من تنصيب علي >عليه السلام< فيه خليفة ووزيراً ووصياً للرسول إلا واحداً من تلك المناسبات الكثيرة التي جرى فيها التأكيد على هذا الأمر، وترسيخه بصورة قوية وحاسمة.

فإلى حديث الدار فيما يلي من مطالب.

وأنذر عشيرتك الأقربين:

إنه بعد السنوات الثلاث الأولى، بدأت مرحلة جديدة وخطيرة وصعبة، هي مرحلة الدعوة العلنية إلى الله تعالى.

وقد بدأت أولاً على نطاق ضيق نسبياً، حيث نزل عليه >صلى الله عليه وآله< قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}([4]) فيقول المؤرخون، (والنص للطبري) ما ملخصه: إنه لمـا نزلت هذه الآية دعـا عليـاً >عليه السـلام<؛ فـأمره أن يصنع طعـامـاً، ويدعو لـه بني عبد المطـلب ليكلمهم، ويبلغهم ما أُمِر به.

فصنع علي >عليه السلام< صاعاً من طعام، وجعل عليه رجل شاة، وملأ عساً من لبن، ثم دعاهم، وهم يومئذٍ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً، أو ينقصونه، فيهم أعمام النبي >صلى الله عليه وآله<: أبو طالب، وحمزة والعباس، وأبو لهب؛ فأكلوا.

قال علي >عليه السلام<: فأكل القوم، حتى ما لهم بشيء من حاجة، وما أرى إلا موضع أيديهم، وأيم الله الذي نفس علي بيده، وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم.

ثم قال: إسق القوم؛ فجئتهم بذلك العس؛ فشربوا منه حتى رووا منه جميعاً، وأيم الله، إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله >صلى الله عليه وآله< أن يكلمهم بدره أبو لهب فقال: لقدْماً سحركم صاحبكم، فتفرق القوم، ولم يكلمهم الرسول >صلى الله عليه وآله<.

فأمر >صلى الله عليه وآله< علياً >عليه السلام< في اليوم الثاني: أن يفعل كما فعل آنفاً، وبعد أن أكلوا وشربوا قال لهم رسول الله >صلى الله عليه وآله<: يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة.

وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه؛ فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي، ووصي، وخليفتي فيكم؟.

قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقال علي: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثم قال: إن هذا أخي، ووصي، وخليفتي فيكم؛ فاسمعوا له وأطيعوا.

قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.

وفي بعض نصوص الرواية: أنه لما قام علي >عليه السلام< فأجاب، أجلسه النبي >صلى الله عليه وآله<.

ثم أعاد الكلام، فأجابه علي، فأجلسه، ثم أعاد عليهم، فلم يجيبوا، وأجاب علي >عليه السلام<، فقال له >صلى الله عليه وآله< ذلك.

وعلى حسب نص الإسكافي: أنه >صلى الله عليه وآله< قال: هذا أخي، ووصيي، وخليفتي من بعدي.

وأنهم قالوا لأبي طالب: أطع ابنك، فقد أمره عليك([5]).

التعصب الأعمى:

ولا بد أن نشير هنا: إلى أن الطبري، قد ذكر هذا الحديث في تاريخه على النحو المتقدم.

ولكنه ندم على ذلك ـ على ما يظهر ـ فذكر نفس هذا الحديث في تفسيره برمته حرفياً، متناً وسنداً، ولكنه غير فيه عبارة واحدة، فذكرها على النحو التالي: >فأيكم يوازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي، وكذا وكذا.

إلى أن قال:

ثم قال: إن هذا أخي وكذا وكذا<!!([6]).

وقد تبعه على هذا ابن كثير الشامي أيضاً؛ فلم تسمح نفسه بذكر ما في تاريخ الطبري.

بل نقل خصوص ما في التفسير، مع أن تاريخ الطبري هو مصدره ومعتمده في تاريخه!! ([7]).

كما أن محمد حسنين هيكل بعد أن ذكر في كتابه حياة محمد، في الطبعة الأولى ص104 نص الطبري في التاريخ، عاد فحذف من الطبعة الثانية ص139 ط سنة354 ه‍. قوله: >وخليفتي فيكم< واقتصر على قوله: >ويكون أخي ووصيي< وذلك لقاء خمسمائة جنيه، أو لقاء شراء ألف نسخة من كتابه([8]).

ابن تيمية، وحديث الدار:

أما ابن تيمية، فقد أنكر ـ على عادته في إنكار فضائل سيد الأوصياء أمير المؤمنين >عليه السلام< ـ حديث الدار، وأورد عليه بما ملخصه:

أولاً: إن في سند رواية الطبري أبا مريم الكوفي، وهو مجمع على تركه، وقال أحمد: ليس بثقة، واتهمه ابن المديني بوضع الحديث إلخ.

ثانياً: تنص الرواية على أنه قد جمع بني عبد المطلب وهم أربعون رجلاً.

ومن الواضح: أنه حين نزول الآية لم يكن بنو عبد المطلب بهذه الكثرة.

ثالثاً: قول الرواية إن الرجل منهم ليأكل الجذعة، ويشرب الفرق([9]) من اللبن، كذب، إذ ليس في بني هاشم من يعرف بأنه يأكل جذعاً، ويشرب فرقاً.

رابعاً: إن مجرد الإجابة للمعاونة على هذا الأمر لا يوجب أن يكون المجيب وصياً وخليفة بعده >صلى الله عليه وآله<؛ فإن جميع المؤمنين أجابوا إلى الإسلام، وأعانوه على هذا الأمر، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيله.

كما أنه لو أجابه الأربعون، أو جماعة منهم فهل يمكن أن يكون الكل خليفة له؟

خامساً: إن حمزة، وجعفر، وعبيدة بن الحرث قد أجابوا إلى ما أجاب إليه علي، بل حمزة أسلم قبل أن يصير المؤمنون أربعين رجلاً([10]).

الرد على ابن تيمية:

ولكن كل ما ذكره ابن تيمية لا يصح، ولا يلتفت إليه، وذلك لما يلي:

1 ـ فأما بالنسبة لما ذكره أولاً عن أبي مريم، فقد قال ابن عدي: سمعت ابن عقدة يثني على أبي مريم ويطريه، وتجاوز الحد في مدحه([11]) وأثنى عليه شعبة([12]).

وقال عنه الذهبي: كان ذا اعتناء بالعلم وبالرجال([13]).

وعدا عن ذلك فقد صرحوا بسبب تضعيفهم له، وهو كونه شيعياً، ونحن نرى أن ذلك لا يضره؛ فقد روى أصحاب الصحاح، ولا سيما البخاري ومسلم عن عشرات الشيعة([14]).

ومع غض النظر عن ذلك؛ فإن المتقي الهندي قد نقل عن الطبري: أنه قد صحح هذا الحديث([15]).

كما وصححه الإسكافي المعتزلي([16]).

وصححه أيضاً: الخفاجي في شرح الشفاء([17]).

وقد رواه أحمد بسند جميع رجاله رجال الصحاح بلا كلام، وهم: شريك، والأعمش، والمنهال، وعباد، وعلي >عليه السلام<([18]).

ولو سلم كل ذلك؛ فإن طرق الحديث مستفيضة، يقوي بعضها بعضاً؛ فلا يضر ضعف بعض الرجال في بعض الأسانيد.

وأعجب من ذلك دعوى أن لا تكون قضية الخلافة بعده >صلى الله عليه وآله< مذكورة في المسانيد، فإن من راجع المصادر التي ذكرناها للحديث آنفاً؛ يعرف أنها موجودة في عشرات المصادر والمسانيد.

وأما الطعن في رواية ابن أبي حاتم باشتمال سندها على عبد الله بن عبد القدوس.

وقد ضعفه الدارقطني.

وقال النسائي: ليس بثقة.

وقال ابن معين: ليس بشيء، رافضي خبيث، أما هذا ـ فقد قال الشيخ المظفر >رحمه الله تعالى< في جوابه: >وفيه: أن تضعيفهم معارض بما في تقريب ابن حجر: أنه صدوق.

وفي تهذيب التهذيب: قال محمد بن عيسى: ثقة.

وذكره ابن حبان في الثقات.

وقال البخاري: هو في الأصل صدوق، إلا أنه يروي عن أقوام ضعاف.

مع أنه أيضاً من رجال سنن الترمذي.

ومدح هؤلاء مقدم؛ لعدم العبرة في قدح أحد المتخالفين في الدين في الأخر، ويقبل مدحه فيه.

وهم قذفوه بذلك؛ لأنهم رموه بالتشيع، ولا نعرفه في رجالهم.

لكن قد ذكر ابن عدي: أن عامة ما يرويه في فضائل أهل البيت. ولعل هذا هو سر تهمتهم له([19]).

2 ـ وأما ما ذكره ابن تيمية ثانياً: فإن الظاهر هو أن كلمة (عبد) زيادة من الرواة، بدليل: أن عدداً من الروايات يصرح بأنه قد دعا بني هاشم([20]).

وجاء في روايات أخرى: أنه دعا بني عبد المطلب، ونفراً من بني المطلب([21]) فلعل الأمر قد اشتبه على الراوي وأضاف كلمة >عبد<، وهذا كثير.

وعليه فلا يلزم من ذلك كذب أصل الواقعة المتفق عليها إجمالاً، كما أن أبناء عبد المطلب إذا كانوا عشرة، وكان أصغرهم يصل عمره حينئذٍ إلى ستين عاماً؛ فلماذا لا يكون لهم من الولد ما لو انضموا إليهم لبلغوا أربعين رجلاً، بل أكثر من ذلك بكثير، وما وجه الاستبعاد لذلك؟

3 ـ وأما ما ذكره ثالثاً: فقد أجاب عنه الشيخ المظفر: بأن عدم معروفيتهم بالأكل لا تدل على عدم كونهم كذلك، فلعلهم كذلك في الواقع، ولو سلم؛ فإنه يلزم منه مبالغة الراوي في إظهار معجزة النبي >صلى الله عليه وآله< في إطعامهم رجل الشاة، وعس اللبن الواحد([22]).

4 ـ وأما ما ذكره ابن تيمية رابعاً: فجوابه ما ذكره الشيخ المظفر أيضاً: من أن قوله هذا ليس علة تامة للخلافة، ولم يدّع ذلك النبي >صلى الله عليه وآله<، ليشمل حتى من لم يكن من عشيرته، بل أمره الله بإنذار عشيرته؛ لأنهم أولى بالدفع عنه ونصره؛ فلم يجعل هذه المنزلة إلا لهم، وليعلم من أول الأمر: أن هذه المنزلة لعلي >عليه السلام< لأن الله ورسوله يعلمان:

أنه لا يجيب النبي >صلى الله عليه وآله< ويؤازره غير علي >عليه السلام<؛ فكان ذلك من باب تثبيت إمامته، بإقامة الحجة عليهم. ومع فرض تعدد المجيبين يعين الرسول الأحق بها منهم([23]).

وقد أوضح ذلك المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني: بأن الخطاب إنما هو للجميع، لكن النبي >صلى الله عليه وآله< كان يعلم من خلقهم وعلاقاتهم، وطبائعهم: أنهم سوف لا يجيبون إلا علي >عليه السلام<، هذا بالإضافة إلى إعلام الله له بذلك.

ونقول نحن: إن مما يؤيد ذلك، النص الذي سوف يأتي نقله عن البحار، عن ابن طاووس، تحت عنوان: >ماذا قال النبي >صلى الله عليه وآله< يوم الإنذار<.

وقد قلنا هناك: إن ذلك النص هو المنسجم مع الآية الكريمة، وقد جاء فيه: >إن الله لم يبعث رسولاً إلا جعل له أخاً، ووزيراً، ووصياً، ووارثاً من أهله، وقد جعل لي وزيراً كما جعل للأنبياء من قبلي..<.

إلى أن قال:

>وقد والله أنبأني به، وسماه لي، ولكن أمرني أن أدعوكم وأنصح لكم، وأعرض عليكم لئلا تكون لكم الحجة فيما بعد<([24]).

واحتمل صديقنا المحقق الروحاني: أن يكون الخطاب لواحد منهم على سبيل البدل، ولذا قال لهم: أيكم يؤازرني إلخ..

فالمجيب أولاً هو الذي يستحق ما وعد به >صلى الله عليه وآله<، وإجابة أكثر من واحد بعيدة الوقوع جداً، ولا يعتنى باحتمالها عرفاً، لا سيما وأن الذي يضر هو التقارن في الإجابة، وذلك أبعد وأبعد.

هذا مع علمه >صلى الله عليه وآله< بأنه لا يجيب سوى واحد منهم.

ولكن قد ذكر بعض الأعلام: أن كون المراد هو المؤازرة في الجملة بعيد؛ لكون المسلمين على اختلاف مراتبهم قد آزروه في الجملة، فالمراد هو المؤازرة في جميع الأمور والأحوال، والموازرة الكاملة في الدين تحتاج إلى أعلى درجات الوعي، والعلم، والسمو الروحي إلى درجة العصمة.

الأمر الذي يعني: أن شخصاً كهذا هو الذي يستحق الإمامة، ولا يستحقها سواه؛ ممن تلبس بالظلم، كما قـال تعالى: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}([25]).

وليس ذلك سوى عليٍّ >عليه السلام<.

أضف إلى ذلك: أن إمامة وخلافة علي >عليه السلام<، إنما هي بجعل من الله سبحانه وتعالى، لا بجعل من النبي >صلى الله عليه وآله< لتترتب على المؤازرة المنشودة، والمرغّب بها، مع علم النبي >صلى الله عليه وآله< بعدم إجابة غير علي >عليه السلام<، فيكون ما جرى في يوم الإنذار لأجل إقامة الحجة، وقطع كل عذر، فكلام المظفر هو الأولى والأقرب انتهى.

وأما ما ذكره ابن تيمية خامساً وأخيراً فهو لا يصح أيضاً بأي وجه:

أولاً: لأن وجود حمزة إنما يضر لو كان قد أسلم قبل نزول آية الإنذار، ونحن لم نستطع أن نحتمل ذلك، فضلاً عن أن نجزم به؛ إذ من القريب جداً، بل هو ظاهر، إن لم يكن صريح ما ورد في كيفية إسلام حمزة: أن يكون إسلامه بعد الإعلان بالدعوة، وبعد وقوع المواجهة بين النبي >صلى الله عليه وآله< وقريش، وبعد مفاوضاتها لأبي طالب.

ثانياً: لو سُلِّم فإن إنذار عشيرته يمكن أن يكون أثناء الدعوة السرية، وقبل إسلام حمزة، حتى لو كان قد أسلم في الثانية من البعثة، ويكون ما جرى بين حمزة وأبي جهل بمثابة إعلان جزئي للدعوة.

وتكون قريش قد بدأت تتعرض لشخص النبي >صلى الله عليه وآله< حتى في الدعوة السرية، وأما بالنسبة لسائر من أسلم فقد كان ثمة محدودية في التعامل معهم، وسرية بالنسبة لمن يدخل في الإسلام منهم.

ويدل على ما ذكرناه: أنهم يذكرون: أن قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}([26]) كان هو السبب في إخراج الدعوة من السر إلى العلن.

ولا ريب أن إنذار العشيرة كان قبل ذلك.

ثالثاً: إن وجود حمزة، إن كان قد أسلم آنئذٍ، كوجود أبي طالب بينهم، فلعلهما كانا يريان أنهما غير مقصودين بهذه الدعوة.

ولا سيما إذا كانا يدركان: أن بقاءهما إلى ما بعد وفاة النبي >صلى الله عليه وآله< أبعد احتمالاً؛ فإن سن حمزة كان يقارب سن النبي >صلى الله عليه وآله<، كما يدعون.

ولكننا نعتقد: أنه كان أكبر من النبي >صلى الله عليه وآله< بأكثر من عشرين سنة، لأنه كان أكبر من عبد الله، والد النبي >صلى الله عليه وآله< والذي كان أصغر أولاد عبد المطلب.

وهكذا يقال بالنسبة للعباس أيضاً.

وأما أبو طالب؛ فإنه كان شيخاً هرماً لا يحتمل البقاء إلى ما بعد وفاته >صلى الله عليه وآله<، فلا معنى لأن يقدم أي منهما نفسه على أنه خليفته من بعده، أو على الأقل هكذا فكرا آنئذٍ.

وهكذا يتضح: أن جميع ما جاء به ابن تيمية إنما كان كسراب بقيعة، أو كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.

نقاط هامة في حديث الإنذار

أ ـ روايات لا يمكن أن تصح:

هذا، وقد حاول ابن تيمية أن يقوي جانب روايات أخرى تبعد علياً وأهل البيت >عليهم السلام< عن الأنظار، بل وتستبعد الهاشميين منه عموماً أيضاً كتلك الروايات التي في الصحيحين، والتي تقول:

إنه >صلى الله عليه وآله< جمع قريشاً حين نزل قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} فاجتمعوا، فخص وعمّ، فقال:

يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار إلخ([27]).

وفي رواية أخرى: إنه >صلى الله عليه وآله< جمع بني هاشم وأجلسهم على الباب، وجمع نساءه فأجلسهم في البيت.

ثم كلَّم بني هاشم، وبعد ذلك أقبل على أهل بيته؛ فقال: يا عائشة بنت أبي بكر، ويا حفصة بنت عمر، ويا أم سلمة، ويا فاطمة بنت محمد، ويا أم الزبير عمة رسول الله، اشتروا أنفسكم في الله، واسعوا في فكاك رقابكم؛ فإني لا أملك لكم من الله شيئاً، ولا أغني؛ فبكت عائشة وقالت.. إلخ..

ثم تذكر الرواية محاورة لها معه >صلى الله عليه وآله<([28]).

وثمة نصوص أخرى كلها تؤكد على دعوته قريشاً وإنذاره لها، وهذه الروايات لا يمكن أن تصح.

أولاً: لقد تقدم: أن فاطمة صلوات الله وسلامه عليها لم تكن حينئذٍ قد ولدت.

ثانياً: إن عائشة([29]) وحفصة، وأم سلمة لم يكنّ من أزواجه حينئذٍ، ولا كنّ من أهله، وإنما صرن من أهله في المدينة بعد ذلك بسنين كثيرة..

ثالثاً: إن هذه الروايات تناقض ما ورد من أنه >صلى الله عليه وآله< إنما دعا قريشاً وبادأها حين نزل قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}([30])، وليس حين نزل قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}.

رابعاً: إن هذه الروايات تناقض نص الآية نفسها، فإنها تأمره بإنذار العشيرة الأقربين، لا مطلق عشيرته، ولا مطلق الناس، وعشيرته الأقربون إما هم بنو هاشم، أو بنو عبد المطلب، والمطلب.

والقول بتعدد الإنذار: لا يدفع الإشكال، بعد تصريح الروايات: بأن مفادها قد وقع حين نزول الآية عليه >صلى الله عليه وآله<.

وهذا كله مع غض النظر عما في أسانيد هذه الروايات، فإن جميع رواتها ـ كما يقولون ـ : لم يدركوا زمان إنذار عشيرته >صلى الله عليه وآله<.

ب ـ ما المراد بكونه خليفته في أهله:

وقد ذكر الشيخ المظفر >رحمه الله<: أن من الواضح: أن قوله: خليفتي فيكم، أو في أهلي لا يضر، ما دام أن ثمة إجماعاً على عدم جواز وجود خليفتين: خاص، وعام، فخلافته الخاصة تقتضي خلافته المطلقة.

ولعل الأصح هو: أنه قال ـ كما في الروايات الأخرى ـ: >من بعدي<، أو أنه قال: >فيكم<، باعتبار أنهم من المسلمين.

وأما القول بأن المقصود: هو أنه القائم بشؤونهم الدنيوية؛ فيكذبه الواقع؛ فإن علياً >عليه السلام< لم يكن كذلك بالنسبة لأي من الهاشميين، ولو كان المقصود هو خصوص الحسنين >عليهما السلام<، وفاطمة صلوات الله وسلامه عليها، فإن من الواضح أنهما وكذلك أمهما ما كانوا قد ولدوا بعد.

كما أن نفقة هؤلاء واجبة عليه بالأصالة لا بالخلافة، وأما غيرهم فلم يكن >عليه السلام< مكلفاً بالإنفاق عليه، ولا كان يفعل ذلك([31]).

أضف إلى ذلك كله: أنه بعد أن يصبح الإنسان رجلاً عاقلاً وكاملاً، فإنه لا يبقى بحاجة إلى ولي يدبر شؤونه، بل يستقل هو نفسه في ذلك، وعلى هذا، فلا يبقى للولي وللخليفة معنى، إذا كان هذا هو المراد.

ونشير هنا: إلى أن الدواعي كانت متوفرة لتحريف هذه الواقعة، وجعلها خاصة بالخلافة على الأهل، ولا تشمل الخلافة العامة التي هي موضع الأخذ والرد كما هو معلوم.

ج ـ لماذا تخصيص العشيرة بالدعوة؟!:

هذا ولا يخفى: أن الاهتمام بدعوة عشيرته الأقربين كان خير وسيلة لتثبيت دعائم دعوته، ونشر رسـالته؛ لأن الإصلاح يجب أن يبدأ من الداخل، حتى إذا ما استجاب له أهله وقومه، اتجه إلى غيرهم بقدم ثابتة، وعزم راسخ ومطمئن.

كما أن دعوته لهم سوف تمنحه الفرصة لاكتشاف عوامل الضعف والقوة في البنية الداخلية، من حيث ارتباطاته وعلاقاته الطبيعية، وليعرف مقدار الدعم الذي سوف يلاقيه؛ فيقدر مواقفه، وإقدامه، وإحجامه على أساسه.

أضف إلى ذلك: أنه حين يبدأ بالأقربين من عشيرته، ولا يبدو أنه على استعداد لتقديم أي تنازل أو مساومة حتى بالنسبة إلى هؤلاء، فإن معنى ذلك هو أن على الآخرين أن يقتنعوا بأنه منسجم مع نفسه، ومقتنع بصحة ما جاء به، ويريد لأحب الناس إليه، الذين لا يريد لهم إلا الخير، أن يكونوا في طليعة المؤمنين الذين يضحون بكل غالٍ ونفيس في سبيل هذا الدين.

وقد رأينا: أن النصارى قد تنبهوا إلى ذلك في قضية المباهلة، فراجع.

ومن الجهة الأخرى: فإنه يعيش في مجتمع يقيم علاقاته على أساس قبلي ـ فحين يريد أن يقدم على مواقف أساسية ومصيرية ـ وحين لا يكون هو نفسه يرضى بالاعتماد على القبلية كعنصر فعال في حماية مواقفه، وتحقيق أهدافه؛ فإن من اللازم: أن يتخذ من ذوي قرباه موقفاً صريحاً، ويضعهم في الصورة الواضحة؛ وأن يهيئ لهم الفرصة ليحددوا مسؤولياتهم، بحرية، وصراحة، وصفاء، بعيداً عن أي ضغط وابتزاز ولو كان هذا الضغط من قبيل العرف القبلي فيما بينهم؛ لأنه عرف مرفوض إسلامياً.

وهنا تبرز واقعية الإسلام في تعامله مع الأمور، وفي معالجته للقضايا، الإسلام الذي لا يرضى أن يستغل جهل الناس وبساطتهم، وحتى أعرافهم ـ الخاطئة ـ التي ارتضوها لأنفسهم في سبيل منافعه، وتحقيق أهدافه.

نعم، إن الإسلام يعتبر الوسيلة جزءاً من الهدف، فلا بد أن تنسجم وتتلاءم معه، كما لا بد أن تنال من الطهر والقداسة بالمقدار الذي يناله الهدف نفسه.

وفقنا الله للسير على هدى الإسلام، والالتزام بتعاليمه؛ إنه خير مأمول، وأكرم مسؤول.

وعلى كل حال، فقد خرج >صلى الله عليه وآله< من ذلك الاجتماع بوعدٍ أكيد من شيخ الأبطح، أبي طالب >عليه السلام< بالنصر والعون؛ فإنه لما رأى موقف أبي لهب اللاإنساني، واللامعقول، قال له: >يا عورة، والله لننصرنه، ثم لنعيننه!! يا ابن أخي، إذا أردت أن تدعو إلى ربك فأعلمنا، حتى نخرج معك بالسلاح<([32]).

د ـ علي عليه السلام في يوم الإنذار:

ونجد في يوم الإنذار: أن اختيار النبي >صلى الله عليه وآله< يقع على أمير المؤمنين >عليه السلام<، ليكون المضيف لجماعة يناهز عددها الأربعين رجلاً، فيأمره بأن يصنع طعاماً، ويدعوهم إليه.

والظاهر: أن ذلك قد كان في بيت النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه، لأن علياً >عليه السلام< كان عند رسول الله >صلوات الله عليه وآله< في بيته على ما يظهر، وقد كان بإمكانه >صلى الله عليه وآله< أن يطلب من خديجة أن تصنع لهم الطعام، هذا، مع وجود آخرين، أكثر وجاهة ومعروفية من علي >عليه السلام<، كأبي طالب، وكجعفر، الذي كان يكبر علياً في العمر، وغيرهما ممن يمكن أن يستفيـد من نفوذه وشخصيته في التـأثير على الحاضرين، ولكنه قد اختار علياً بالذات ليتفادى أي إحراج يبعد القضية عن مجالها الطبيعي، الذي يرتكز على القناعة الفكرية والوجدانية بالدرجة الأولى ـ ولأن علياً وإن كان حينئذٍ صغير السن، إلا أنه كان في الواقع كبيراً في عقله، وفي فضائله وملكاته، كبيراً في روحه ونفسه، كبيراً في آماله وأهدافه، ولا أدل على ذلك من كونه هو المجيب للرسول، دون كل من حضر، ليؤازره ويعاونه على هذا الأمر.

وقد رآه النبي >صلى الله عليه وآله< منذئذٍ أهلاً لأن يكون أخاه، ووصيه، وخليفته من بعده، وهي الدرجة التي قصرت همم الرجال عن أن تنالها، بل وحتى عن أن يدخل في وهمها: أن تصل ولو في يومٍ ما إليها، وتحصل عليها.

ولكن علياً كان منذ نعومة أظفاره هو السباق إليها دون كل أحد؛ لأنه عاش في كنف الرسول، وكان >صلى الله عليه وآله< كفيله ومربيه، وكان يبرد له الطعام، ويشمه عرفه، وكان يتبع الرسول اتباع الفصيل أثر أمه، وكان كأنه ولده([33]).

{.. ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}([34]).

ه‍ ـ موقف أبي طالب عليه السلام:

وأما أبو طالب >عليه السلام< فكان موقفه الراعي لهذا الأمر، والمحامي عنه، والحريص عليه..

وكان يعلم: أنه لم يكن هو المقصود بهذا الخطاب، لأنه لم يكن يرى أنه يعيش إلى ما بعد وفاة النبي >صلى الله عليه وآله< ليكون وصيه ووزيره وخليفته من بعده.

و ـ موقف أبي لهب:

ولقد أدرك أبو لهب مغزى تلك الدعوة، ورأى أن الأمر قد بلغ مرحلة الجد، وها هو يرى بأم عينيه معجزة أخرى، تضاف إلى الكثير مما رآه من معاجز وكرامات للنبي >صلى الله عليه وآله<، طيلة السنوات الكثيرة التي عرف فيها النبي >صلى الله عليه وآله< وأحواله ـ فيرى أن فخذ شاة، وعساً من لبن، يكفي أربعين رجلاً، وأبو لهب هو ذلك الرجل الذي يعرف طبيعة وأهداف هذا الدين الذي يبشر فيه محمد >صلى الله عليه وآله<.

وأنه لا يقيم وزناً لأي امتياز أو مكسب شخصي حصل عليه الإنسان من طريق الابتزاز والظلم، وسائر أنواع التعدي والانحراف.

إذن، فلا بد لأبي لهب، بحسب منطقه اللامنطقي: أن يقف في وجه هذا الدين، ويمنعه من تحقيق أهدافه بكل وسيلة ممكنة.

ولا بد من تضييع الفرصة على النبي >صلى الله عليه وآله<، وذلك حفاظاً على ما يراه أنه مصلحته أولاً، وليرضي حقده وحسده الذي يعتمل في صدره ثانياً؛ ذلك الحقد الذي لا مبرر له إلا أنه: يرى في شخصية النبي الأكرم >صلى الله عليه وآله< الصفات الحميدة، والأخلاق الرضية الكريمة، والسجايا الفاضلة، فإن ذلك يعتبر عنده ذنباً، وأي ذنب.

فبادر إلى المواجهة الصريحة، والوقحة والقبيحة، حيث استغل معجزة الطعام التي يراها الجميع بأم أعينهم، فرمى النبي الأكرم >صلى الله عليه وآله< بالسحر وقال: لَقِدماً سحركم صاحبكم، فتفرق الجمع في اليوم الأول، ولم يستطع الرسول >صلى الله عليه وآله< أن يقول كلمته حتى اليوم التالي؛ حيث استطاع النبي >صلى الله عليه وآله< أن يصدع بما أمره الله تعالى، ويقيم عليهم الحجة، كما تقدم بيانه.

ز ـ الإنذار أولاً:

وما دمنا في الحديث عن إنذار عشيرته الأقربين؛ فإننا نسجل هنا: أنه >صلى الله عليه وآله< قد أُمِر من قبل الله تعالى بالإنذار أولاً لعشيرته، فقال تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}.

وكذلك الحال بالنسبة لغيرهم من سائر الناس، فإنه تعالى قد قال لنبيه، كما في سورة المدثر، التي هي من العتائق النازلة في أوائل البعثة: {قُمْ فَأَنذِرْ}.

فقد جاء الإنذار أولاً، مع أنه >صلى الله عليه وآله< قد أُرسل مبشراً ونذيراً، ومع أن القرآن هدى وبشرى أيضاً، لأن الناس لم يكونوا على واقع الفطرة، والغفلة، وعدم الالتفات، بل كانوا في أول البعثة كفاراً، معاندين ومنغمسين في الظلم والانحراف إلى أبعد مدى، فلا بد من إنذارهم أولاً؛ ليلتفتوا إلى عواقب ما هم عليه من واقع سيء يعيشونه، وإلى العواقب المدمرة والمرعبة، التي تنتظرهم نتيجة لذلك.

والتفاتهم هذا، لسوف يؤثر فيهم للتطلع، ثم الحركة نحو الخروج من ذلك الواقع، والتخلص منه.

ثم يأتي بعد ذلك دور تخليص المجتمع من رواسبه، ومن حركاته، وأعماله، ومواقفه السيئة، على مستوى الفرد، وعلى مستوى الجماعة، وتطهيره من كل غريب ومريض.

ومعه جنباً إلى جنب تكون عملية وضع الأسس المتينة والسليمة لبناء الهيكل العام للمجتمع المسلم في عواطفه، وفي علاقاته، وفي روابطه.

والأهم من ذلك؛ في فكره وثقافته، وإعطائه المفهوم الحقيقي والواقعي عن الكون، وعن الحياة، وبالذات عن هذا الإنسان القوي الضعيف، وليطَّرد قدماً في عملية بناء الإنسان من الداخل، وتربيته وتزكيته، كما هي وظيفة النبي والإمام، وكل داعية إسلامي على الإطلاق، وقد أشرنا في أول هذا الفصل إلى هذا، مستفيدين من قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ..}([35]).

وهذا الذي ذكرناه عن أسلوب الإسلام في دعوته، هو التحرك الطبيعي لأية دعوة تستهدف الإصلاح الجذري، والتغلب على مشاكل الحياة، والتخطيط لمستقبل مشرق سعيد.

ح ـ ماذا قال النبي صلى الله عليه وآله في يوم الإنذار؟!:

وقد جاء في بعض النصوص أنه >صلى الله عليه وآله< قال لهم: >يا بني عبد المطلب، إني لكم نذير من الله جل وعز، إني أتيتكم بما لم يأت به أحد من العرب، فإن تطيعوني ترشدوا، وتفلحوا، وتنجحوا، إن هذه مائدة أمرني الله بها؛ فصنعتها لكم، كما صنع عيسى بن مريم >عليه السلام< لقومه؛ فمن كفر بعد ذلك منكم، فإن الله يعذبه عذاباً شديداً، لا يعذبه أحداً من العالمين، واتقوا الله، واسمعوا ما أقول لكم، واعلموا يا بني عبد المطلب: أن الله لم يبعث رسولاً إلا جعل له أخاً، ووزيراً، ووصياً، ووارثاً من أهله.

وقد جعل لي وزيراً كما جعل للأنبياء من قبلي، وإن الله قد أرسلني إلى الناس كافة، وأنزل علي: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} ورهطك المخلصين([36])، وقد والله أنبأني به، وسماه لي.

ولكن أدعوكم، وأنصح لكم، وأعرض عليكم؛ لئلا يكون لكم الحجة فيما بعد، وأنتم عشيرتي وخالص رهطي، فأيكم يسبق إليها على أن يؤاخيني في الله، ويؤازرني<، إلى آخر كلامه >صلى الله عليه وآله<، الذي ينسجم مع النص الذي ذكرناه في أوائل هذا الفصل فراجعه([37]).

وهذا النص هو الأوفق والأنسب لموقف كهذا، وهو ينسجم تماماًً مع أمر الآية بالإنذار، فإن الإنذار أولاً هو الخطوة الطبيعية لأية دعوة، كما ذكرنا آنفاً.

ولا بد من لفت النظر هنا إلى أن قوله: >ورهطك< الخ.. ، ليس من الآية المباركة، بل هي زيادة نبوية توضيحية.

ط ـ التبشير والإنذار:

ويقول المحقق البحاثة المرحوم الشيخ مرتضى المطهري: إن من يريد إقناع إنسان ما بعمل ما، فله طريقان:

أحدهما: التبشير، بمعنى تشويقه، وبيان فوائد ذلك العمل.

الثاني: إنذاره ببيان ما يترتب على تركه من مضار، وعواقب سيئة.

ولذلك قيل: الإنذار سائق، والتبشير قائد.

والقرآن والإسلام يريان: أن الإنسان يحتاج إلى هذين العنصرين معاً، وليس ـ كغيره ـ يكفيه أحدهما.

بل ويرى الإسلام: أنه لا بد أن ترجح كفة التبشير على كفة الإنذار.

ولذلك قدم الأول على الثاني في أكثر الآيات القرآنية.

ومن هنا، فقد قال >صلى الله عليه وآله< لمعاذ بن جبل، حين أرسله إلى اليمن: >يسّر ولا تعسّر، وبشّر ولا تنفّر<، فهو هنا لم يستبعد الإنذار، بل هو جزء من خطته، وإنما اهتم بجانب التبشير إذ يمكن بواسطته إدراك مزايا الإسلام وخصائصه الرائعة، وليكون إسلامهم من ثم عن قناعة حقيقية، وقبول تام.

وأما قوله >صلى الله عليه وآله<: ولا تنفّر، فهو واضح المأخذ، فإن روح هذا الإنسان شفافة جداً، وتبادر إلى ردة الفعل بسرعة، ومن هنا فإننا نجد النبي >صلى الله عليه وآله< يأمر بالعبادة ما دامت النفس مقبلة، ولا يقبل بالضغط عليها، وتحميلها ما لا تطيق، ولهذا شواهد كثيرة في الشريعة السهلة السمحاء([38]).

ومما تقدم نستطيع أن ندرك: لماذا اشتملت دعوته >صلى الله عليه وآله< لعشيرته على التبشير أيضاً؛ بأن من يؤازره سوف يكون خليفة بعده، وأنه قد جاءهم بخير الدنيا والآخرة، تماماً كما بدأت بالإنذار، فإن ذلك ينسجم مع ما تشتاق إليه نفوسهم، ويتلاءم مع رغباتهم، ويأتي من قبل من لا يمكن اتهامه لديهم بأي وجه.

ي ـ أخي ووصيي:

ويلفت نظرنا هنا قوله >صلى الله عليه وآله<: على أن يكون أخي إلخ.. فإن ذلك يؤكد لهم على مدى التلاحم والمحبة بينه وبين ذلك الذي يؤازره ويعاونه، إلى حد أنه يعتبره أخاً له، فليست العلاقة بينهما علاقة رئيس ومرؤوس، وآمر ومأمور، ولا عالٍ بدانٍ، وإنما هي علاقة بين متكافئين في الإنسانية، كما أنها علاقة تعاون وتعاضد على العمل البناء والمثمر، وعلاقة أخ مع أخيه، تغمرها المحبة، والثقة والصفاء، بكل ما لهذه الكلمات من معنى.

أضف إلى ذلك، ما في ذلك من دلالة على المستوى السامي الذي كان قد بلغه أمير المؤمنين >عليه السلام< حتى يستحق وسام الأخوة فيما بينه وبين سيد البشر، من مضى منهم، ومن غبر.

آخر حملات التشكيك في حديث الإنذار:

طرح أحد المخالفين تشكيكات في متن حديث الإنذار فقال بعد أن أورد الحديث المشار إليه، ما يلي:

أقول نقد المتن سيكون على أمرين:

أولاً: العدد.

بالنسبة لوصول رجال بني عبد المطلب إلى أربعين رجلاً في ذلك الوقت، فهذا يحتاج أولاً إلى إثبات وإلى بحث، وخلال بحث سريع لدي اتضح لي الآتي:

نبدأ بذكر أعمام النبي >صلى الله عليه وآله< ثم القول فيهم بعد ذلك:

في البداية والنهاية لابن كثير (3/354) نقل لنا قول الزهري، حيث قال عن عبد الله والد الرسول >صلى الله عليه وآله<:

>وكان أجمل رجال قريش وهو أخو الحارث والزبير وحمزة وضرار وأبي طالب واسمه عبد مناف وأبي لهب واسمه عبد العزى والمقوم واسمه عبد الكعبة وقيل، هما اثنان، وحجل واسمه المغيرة والغيداق وهو كثير الجود واسمه نوفل ويقال: انه حجل والعباس فهؤلاء اعمامه<.

وبعض المؤرخين أضافوا رجلاً آخر واسمه قثم بن عبد المطلب كما جاء في الروض الأنف (1/439).

الآن نرى أمامنا أعمام الرسول >صلى الله عليه وآله<..

نأتي الآن إلى أقوال النسابة والمؤرخين فيهم:

جاء في كتاب الرحمة المهداة صفحة (47) لعبد العزيز المدني ونور الإسلام شفيع السلفي: >كان الحارث أكبر أولاد عبد المطلب مات في حياة أبيه وكان له أربعة أبناء: نوفل وعبد الله وربيعة وأبو سفيان كلهم خدموا الإسلام<.

وقال البلاذري في كتابه أنساب الأشراف (1/87): >وقال في السنة التي نحر فيها عبد المطلب الإبل مات الحارث بن عبد المطلب ولابنه ربيعة سنتان<.

وجاء في كتاب التبيين في أنساب القرشين صفحة (79) لابن قدامة: >كان أكبر عمومة رسول الله >صلى الله عليه وآله< الحارث بن عبد المطلب ولم يدرك الإسلام<.

وفي كتاب الطبقات لابن سعد (1/93): >ولد عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف اثني عشر رجلاً وست نسوة: الحارث وهو أكبر ولده وبه كان يكنى ومات في حياة أبيه<.

وجاء في كتاب نشوة الطرب في تاريخ الجاهلية والعرب (1/335) لابن سعيد الأندلسي المتوفى سنة 685هـ :

قال عن الزبير بن عبد المطلب: >وكان محباً للنبي >صلى الله عليه وآله< ولم يلحق نبوته<.

وفي كتاب الرحمة المهداة صفحة (53): >مات الزبير قبل بعثة النبي >صلى الله عليه وآله<..<.

إذن عرفنا هنا: هلاك الحارث والزبير ابنا عبد المطلب قبل دعوة النبي >صلى الله عليه وآله< وهذا ما يفيد عدم حضورهم لحادثة الإنذار..

(قلت أنا عبد الله السقاف: غير أننا سنذكر لاحقاً أن للحارث أبناء عاصروا الحادثة وكذلك للزبير له ابن عاصر الحادثة..).

ثم نأتي إلى ضرار بن عبد المطلب:

قال ابن سعد في الطبقات (1/93): >وضراراً وكان من فتيان قريش جمالاً وسخاء ومات أيام أوحى الله إلى النبي >صلى الله عليه وآله< ولا عقب له<.

وجاء في كتاب أنساب الأشراف للبلاذري (1/97) قال: >وضرار بن عبد المطلب وأمه نتيلة أيضاً مات حدثاً قبل الإسلام<.

وجاء في كتاب الجوهرة في نسب النبي >صلى الله عليه وآله< وأصحابه العشرة للأديب الأندلسي محمد بن أبي بكر الأنصاري الشهير بالبُري الذي ألفه عام 644هـ يقول في (1/44):

>ضرار بن عبد المطلب: ومات ضرار قبل الإسلام ولا عقب له<.

وهنا وضح كذلك أن ضرار بن عبد المطلب لم يكن موجوداً وقت حادثة الإنذار..

أما المقوم بن عبد المطلب فهو نفسه عبد الكعبة كما قال بذلك الزهري في البداية والنهاية (3/354): >والمقوم واسمه عبد الكعبة وقيل هما اثنان<.

وجاء في تاريخ ابن الوردي (1/150): >وقيل عبد الكعبة هو المقوم<.

وفي كتاب الرحمة المهداة صفحة (44): >وعبد الكعبة هو المقوم<.

وعلى ذلك نقول:

جاء في كتاب الجوهرة في نسب النبي >صلى الله عليه وآله< وأصحابه العشرة للأديب الأندلسي محمد بن أبي بكر الأنصاري الشهير بالبُري (1/44): >المقوم بن عبد المطلب: ولم يدرك أيضاً المقوم الإسلام، ولا عقب له<.

وجـاء في أنسـاب الأشراف للبلاذري (1/96): >عبد الكعبة درج صغيراً<.

وهنا نستفيد كذلك من هلاك المقوم (عبد الكعبة) وعدم حضورة حادثة الإنذار..

ثم نأتي الآن إلى قثم بن عبد المطلب على اختلاف في تسميته وإلحاقه بعبد المطلب من عدمها:

جاء في الروض الأنف (1/439): >قثم وقد مات صغيراً<.

وجاء في تاريخ ابن الوردي (1/150): >وقثم مات صغيراً<.

وفي كتاب جمهرة النسب للكلبي صفحة (28) قال: >وقثم درج صغيراً<.

وفي كتاب نسب قريش صفحة (18) لأبي عبد الله المصعب الزبيري المتوفى سنة 236هـ قال: >وقثم هلك صغيراً<.

وجاء في أنساب الأشراف للبلاذري (1/99): >وقثم بن عبد المطلب هلك صغيراً<.

وهنا نستفيد كذلك من هلاك قثم وهو صغير وهذا دليل على عدم حضورة حادثة الإنذار..

أما الغيداق وحجل فقد جزم العلامة النسابة السيد جعفر الحسيني في كتابه مناهل الضرب صفحة (34) قال: >والصحيح ما ذكرناه في كتابي رياض الأقحوان في أنساب قحطان وعدنان: أن حجل بن عبد المطلب اسمه المغيرة ولقبه الغيداق وعن غير واحد أنه لقب بذلك لجوده<.

وقال ابن الوردي في تاريخه: >والغيداق وقيل هو حجل<.

وفي كتاب عيون المعارف للقاضي محمد سلامة الشافعي القضاعي المتوفى سنة 454هـ قال في صفحة (174) تحت عنوان: ذكر أعمامه وهم تسعة: >وحجل ولقبه الغيداق لكثرة خيره<.

في كتاب الرحمة المهداة في صفحة (44) لعبد العزيز المدني ونور الإسلام شفيع السلفي: >غيداق المذكور في شجرة أولاد عبد المطلب الآتية هو حجل<.

والزهري في البداية والنهاية لابن كثير (3/354) قال: >والغيداق وهو كثير الجود واسمه نوفل ويقال: إنه حجل<.

والغيداق وحجل سواء كانا رجلاً واحداً أو رجلين فإنهما لم يكونا موجدين وقت حادثة الإنذار وهذا يتضح من خلال تأكيد ثلاثة مؤرخين: أن أعمام النبي >صلى الله عليه وآله< من أبناء عبد المطلب وقت بعثته كانوا أربعة فقط:

قال ابن قدامة في كتابه: التبيين في أنساب القرشيين صفحة (76): >ولم يدرك الإسلام منهم إلا أربعة، حمزة والعباس وأبو طالب وأبو لهب، أسلم اثنان وكفر اثنان<.

وفي كتاب المنمق في أخبار قريش صفحة (21) لمحمد بن حبيب البغدادي المتوفى سنة 245هـ يقول: >ففضل الله هاشماً على إخوته ثم افترق بنو هاشم فرقاً فدرجوا كلهم وانقرضوا والبقية منهم لعبد المطلب بن هاشم؛ فبعث الله نبيه >صلى الله عليه وآله< وله أربعة أعمام: حمزة والعباس وأبو طالب وأبو لهب، فاتبعه اثنان وخالفه اثنان؛ ففضل الله الفرقة التي تبعته على التي خالفته<.

وفي كتاب ذخائر العقبى صفحة (293) لأبي العباس الطبري المتوفى عام 694هـ حين ذكر أعمام النبي >صلى الله عليه وآله< قال: >ولم يدرك الإسلام منهم غير أربعة: أبوطالب وأبو لهب وحمزة، والعباس، ولم يسلم غير حمزة والعباس رضي الله عنهما<.

يبقى الآن لنا الأعمام الذين كانوا حاضرين للحادثة وبقوا إلى أن بعث النبي >صلى الله عليه وآله<، وهم: أبو طالب وله أربعة أبناء، وأبو لهب وله ثلاثة أبناء، والعباس وله ابن واحد فقط عاصر الحادثة، وحمزة.

أما حمزة بن عبد المطلب >رضي الله عنه< فليس له من الذكور إلا اثنين: عمارة ويعلى، وهذان الذكران لم يكونا وقت الحادثة وظاهر الأمر أنهما ولدا في المدينة بعد الهجرة أي بعد حادثة الإنذار لسببين:

الأول: جاء في كتاب سيرة آل بيت النبي >صلى الله عليه وآله< (1/238) للدكتور حمزة النشرتي والشيخ عبد الحفيظ فرغلي والدكتور عبد الحميد مصطفى: >وتزوج حمزة امرأة من الأنصار من بني مالك بن عوف وأعقب منها علياً وكان يكنى به، وأعقب منها أيضاً ولداً آخر اسمه عامر مات.

ويروى أنه تزوج امرأة أخرى من الأنصار اسمها خولة بنت قيس بن فهد الأنصارية من بني ثعلبة بن غنم بن مالك النجار وأعقب منها ولداً اسمه عمارة وبه كان يكنى أيضاً<.

ومصطلح لفظة الأنصار لم تنشأ وتستخدم وتطلق على الأوس والخزرج في المدينة إلا بعد الهجرة النبوية..

الثاني: ما ذكره ابن حجر في الإصابة في ترجمة عمارة بن حمزة بن عبد المطلب رقم الترجمة (6475): >كان له ولأخيه يعلى عند وفاة النبي >صلى الله عليه وآله< أعوام ولا أحفظ لواحد منهما رواية<.

وهذه قرينة أخرى تدل على أن عمارة ويعلى كانا صغيرين وقت وفاة النبي >صلى الله عليه وآله< وأن حمزة >رضي الله عنه< لم يكن له أبناء حين وقوع حادثة الإنذار..

أخيراً:

بعد هذا العرض التاريخي البسيط نستفيد: أنه لم يكن حاضراً من أولاد عبد المطلب سوى أربعة فقط، هم: العباس وأبو لهب وحمزة وأبوطالب..

إضافة إلى عدد من أحفاد عبد المطلب كما نقلت لنا السيرة معاصرتهم للنبي >صلى الله عليه< في بداية دعوته بمكة المكرمة فعلى ذلك نقول:

1 ـ العباس بن عبد المطلب.

2 ـ الفضل بن العباس بن عبد المطلب ـ على صغره وقت الحادثة ـ إذ إن عبد الله بن العباس لم يدرك الحادثة! حيث إنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين..

3 ـ أبوطالب ـ واسمه عبد مناف ـ بن عبد المطلب.

4 ـ طالب بن أبي طالب بن عبد المطلب.

5 ـ عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب.

6 ـ جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب.

7 ـ علي بن أبي طالب بن عبد المطلب.

8 ـ نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.

9 ـ عبد الله ـ سابقاً اسمه عبد شمس ـ بن الحارث بن عبد المطلب.

10 ـ أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.

11 ـ ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.

12 ـ حمزة بن عبد المطلب ولم يكن له ولد في مكة كما بينا ذلك من قبل.

14 ـ أبو لهب ـ واسمه عبد العزى ـ بن عبد المطلب.

15 ـ عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب.

16 ـ معتب بن أبي لهب بن عبد المطلب.

17 ـ عتيبة بن أبي لهب بن عبد المطلب.

18 ـ عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب.

خلاصة الأمر:

أن عدد بني عبد المطلب لم يبلغوا العشرين رجلاً ولا يزيدون عنها بأي حال من الأحوال؛ فمن أين جاء الأربعون؟!

بل لم يبلغوا الأربعين رجـلاً في مدة حيـاة النبي >صلى الله عليه وآلـه<!!

الأمر الثاني: على نقد المتن هو قول الرواية: >فأيكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم<.

هذا الكلام غير صحيح؛ فذلك لأن مجرد الإجابة للشهادة والمؤازرة والمناصرة للدعوة والإسلام لا توجب الخلافة والوصاية، فالذين أجابوا الرسول >صلى الله عليه وآله< كثيرون، فقد أجاب النبي >صلى الله عليه وآله< من آل بيته مثلاً: جعفر بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، والعباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، وأبو طالب ـ على قول الشيعة: إنه أجاب الرسول >صلى الله عليه وآله< للإسلام ـ إضافة إلى أن علياً >رضي الله عنه< كان صغيراً في ذلك الوقت حين بعث النبي >صلى الله عليه وآله< بل لم يروَ ولم يعرف دفعاً لعلي >رضي الله عنه< عن النبي >صلى الله عليه وآله< حال وجوده في مكة إلا ما وقع في مبيته في فراش النبي >صلى الله عليه وآله< عند هجرته..

وجيد أن أنقل لكم قول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (7/306): >أن قوله للجماعة: >من يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي< كلام مفترى على النبي >صلى الله عليه وآله< لا يجوز نسبته إليه، فإن مجرد الإجابه إلى الشهادتين والمعاونة على ذلك لا يوجب هذا كله، فإن جميع المؤمنين أجابوا إلى هاتين الكلمتين وأعانوه على هذا الأمر وبذلوا أنفسهم وأموالهم في إقامته وطاعته وفارقوا أوطانهم وعادوا إخوانهم وصبروا على الشتات بعد الألفة وعلى الذل بعد العز وعلى الفقر بعد الغنى وعلى الشدة بعد الرخاء وسيرتهم معروفة مشهورة ومع هذا فلم يكن أحد منهم بذلك خليفة له<.

ثم قال شيخ الإسلام في موضع أخر (7/307): >أن حمزة وجعفراً وعبيـدة بـن الحـارث أجـابـوا إلى ما أجابه علي ـ >رضي الله عنه< ـ من الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر، فإن هؤلاء من السابقين الأولين الذين آمنوا بالله ورسوله في أول الأمر<. (انتهى كلام هذا المشكك).

مناقشة ما تقدم:

إن التشكيكات التي أوردها هذا البعض حول حديث الإنذار، ليست جديدة علينا، فقد طرحها قبله ابن تيمية، ومن هم في خطه.

وقد ذكر في هذا الكتاب بعض ما يفيد في دفع هذه المغالطات، ونعود فنقول: إن جميع ما ذكره لا يصح، وذلك لما يلي:

1 ـ لقد شكك هذا المعترض في أن يكون تعداد رجال بني عبد المطلب يبلغ الأربعين رجلاً آنئذٍ، وذكر أن أبناء عبد المطلب كانوا أحد عشر رجلاً.. ولم يعدَّ قثم في جملتهم..

وزعم أن المقصود بالمقوم عبد الكعبة.

وأن المقصود بحجل المغيرة.

وأن المقصود بالغيداق نوفل. وقيل: حجل..

ولا نريد أن نناقشه في زعمه هذا.

ثم ذكر: أن الحارث عم النبي >صلى الله عليه وآله< قد مات في حياة عبد المطلب نفسه، حين أراد عبد المطلب نحر الإبل: وكان عمر ابنه ربيعة حين مات أبوه الحارث سنتين كما في أنساب الأشراف ج1 ص87.

وأن الزبير بن عبد المطلب مات قبل النبوة.

وأن ضرار بن عبد المطلب مات حدثاً قبل الإسلام.

ولكن لنا كلام حول ضرار هذا سيأتي إن شاء الله.

وأن المقوم قد مات قبل الإسلام أيضاً. وهو عبد الكعبة الذي مات صغيراً.

وأن قثم مات وهو صغير.

ثم استدل بما في ذخائر العقبى ص293 والتبيين في أنساب القرشيين ص76 والمنمق ص21 من أنه لم يدرك الإسلام من أولاد عبد المطلب إلا أربعة هم: حمزة، والعباس، وأبو طالب، وأبو لهب. أسلم اثنان وكفر اثنان.

وبعدما تقدم نقول:

إننا نحسب أن: عدهم لأبي طالب في جملة الكافرين لهو من الأمور الظاهرة الزيف، التي تحتاج إلى بيان، ولكننا نذكر القارئ بما يلي:

أولاً: إن ما أشار إليه من وجود اختلافات في أن يكون عبد الكعبة لقباً للمقوم أو أنه اسم رجل آخر.. والخلاف في أن يكون حجل هو الغيداق، أو رجل آخر.. وكذلك الحال بالنسبة لنوفل ـ إن ذلك ـ يجعلنا لا نثق فيما ينقله هؤلاء المؤرخون من تحديدات لتاريخ موت وولادة، وعدد أولاد، أو أحفاد هذا وذاك.

وأما إذا كان يراد الإستناد إلى سكوت الـراوي عن ذكـر هـذه الخصوصية أو تلك، فإن الأمر يصير أعقد وأشكل، لأن عدم ذكر المؤرخ أولاداً لبعض الناس، لا يدل على عدم وجود الأولاد له فعلاً..

ثانياً: إن ما ذكره هذا المشكك من أن للزبير بن عبد المطلب ابناً عاصر الحادثة غير دقيق، لأن له أبناء آخرين أيضاً، كان عليه أن يذكرهم، وهم بالإضافة إلى عبد الله:

1 ـ الطاهر.

2 ـ حجل.

3 ـ قرة([39]).

كما أنه لم يذكر أن للمقوم أولاداً، وهم:

4 ـ بكر

5 ـ عبد الله([40]).

 

وأن لحمزة ولداً اسمه:

6 ـ يعلى.

وقد كناه به أخوه أبو طالب في شعره، حيث قال مخاطباً له:

فصبراً أبــا يعـلى عـلى ديـن أحمد              وكـن مظهراً للدين وفقت نـاصراً

بالإضافة إلى ابنه عامر.

والإستدلال بكلمة (الأنصارية) في وصف زوجة حمزة، على أن حمزة قد تزوجها بعد الهجرة.. لا يفيد شيئاً، فإن هذا الاصطلاح إنما جرى على ألسنة المؤلفين، الذين يريدون تحديد المرادات والمسميات في تعابيرهم، ولو بالاستعانة بالمصطلحات التي نشأت بعد الإسلام، أو بالمصطلحات التي قرروها هم، للتعبير عن مراداتهم.

كما أن هذا المشكك لم يذكر: أولاد نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وهم:

7 ـ الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، الذي استعمله النبي >صلى الله عليه وآله< على بعض أعمال مكة([41]).

8  ـ عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.

9 ـ جعفر بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، الذي أسلم مع أبيه، وشهد حنيناً، وأدرك زمن معاوية([42]).

10 ـ عبد الله (المعروف بأبي الهياج) بن سفيان بن الحارث بن عبد المطلب([43]).

11 ـ أمية بن الحارث بن عبد المطلب([44]).

12 ـ المطلب (أو عبد المطلب) بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. فإنه هو والفضل بن العباس سألا رسول الله >صلى الله عليه وآله< أن يزوجهما، فأمر >صلى الله عليه وآله< بتزويجهما([45]).

13 ـ عبد شمس (سماه النبي >صلى الله عليه وآله<: عبد الله([46])) ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، مات بالصفراء، فدفنه النبي >صلى الله عليه وآله<، وكفنه في قميصه([47]).

ثالثاً: إن هناك أشخاصاً كثيرين، من أحفاد عبد المطلب أو من أبنائهم لم يسجل التاريخ إلا أسماءهم، أو سكت حتى عن ذكر الأسماء، فلا يمكن الجزم بنفي وجودهم، ولا بمقدار عمر من ذكر منهم، ولكن المحاسبات التاريخية لا تمنع من كونهم في زمن الحادثة كانوا في سن البلوغ أيضاً، وإن لم يكن إثبات ذلك بالاعتماد على الدليل والحجة، فمثلاً، قد ذكر ابن حزم أسماء سبعة من أولاد ربيعة بن الحارث، لا نعرف عن أكثرهم شيئاً، وهم:

1 ـ محمد.

2 ـ عبد الله.

3 ـ عبد شمس.

4 ـ العباس.

5 ـ عبد المطلب.

6 ـ أمية.

7 ـ الحارث([48]).

وأمثال هؤلاء كثيرون، والذين لم ترد أسماؤهم في كتب الأنساب والتراجم أكثر، وما أكثر الناس الذين عاشوا وماتوا في الجزيرة العربية، ولم يرد لهم ذكر في كتاب، ولا في رواية..

رابعاً: لقد ذكر هذا المستشكل: أن ضراراً لم يكن موجوداً حين إنذار العشيرة.. مع أنه هو نفسه قد ذكر عن ابن سعد: أن ضراراً قد مات أيام أوحي إلى رسول الله >صلى الله عليه وآله<([49]).

فكيف جزم هذا المستشكل بأنه قد مات قبل النبوة؟!

خامساً: إنه تارة يقول: إنه مات أيام أوحي إلى رسول الله >صلى الله عليه وآله<، وتارة يقول: إنه مات حدثاً قبل الإسلام..

ألف: إذا كان النبي >صلى الله عليه وآله< قد بعث بعد موت عبد المطلب بحوالي اثنين وثلاثين سنة، وكان موت ضرار أيام أوحي إلى رسول الله >صلى الله عليه وآله<، فإن معنى ذلك: أن عمره لو كان قد ولد سنة وفاة أبيه هو حوالي اثنين وثلاثين سنة.

فكيف يكون حين موته غلاماً حدثاً؟!

ب: إذا كان حين موته غلاماً حدثاً؛ فما معنى قول ابن سعد عنه: إنه >كان من فتيان قريش جمالاً وسخاءً([50]).

سادساً: إن أبناء عبد المطلب كلهم قد ولدوا وأصبحوا رجالاً قبل موت أبيهم، لأنهم يقولون: إن عبد المطلب >عليه السلام< >قد نذر: لئن ولد له عشرة نفر، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه، ليذبحن أحدهم لله عند الكعبة، فلما تكامل بنوه عشرة، وعرف أنهم سيمنعونه، وهم: الحارث والخ..<([51]). أراد أن يفي بنذره بذبح عبد الله..

ومعنى ذلك: أن أولاد عبد المطلب إلى حين بعثة النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله< كانوا قد بلغوا في أعمارهم إلى ما بين الستين والسبعين سنة، فلا بد أن يكونوا قد تزوجوا وولد لهم أولاد، ومات عدد منهم، وبقي أولادهم هؤلاء، ليحضروا مناسبة إنذار العشيرة.

سابعاً: قول التلمساني: إن المقوم لا عقب له، لا يراد به: أنه لم يعقب أصلاً، بل المراد: أن عقبه قد انقرض وانقطع، وقد قال ابن حزم: >ولد المقومُ بن عبد المطلب بكراً، وعبد الله، فولد بكر بن المقوم عبد الله. ولا عقب للمقوم<([52]).

وهذا معناه: أنه يقصد أنه لا عقب للمقوم باقياً.. ويشهد لذلك قول ابن حزم أيضاً عن أولاد عبد المطلب: >فلم يعقب أحد منهم عقباً باقياً إلا أربعة: العباس، وأبو طالب، والحارث، وأبو لهب<([53]).

ثامناً: قول هذا المستشكل عن المقوم ـ الذي هو عنده عبد الكعبة بن عبد المطلب ـ إنه هلك صغيراً، وكذلك قوله عن قثم بن عبد المطلب: مات صغيراً.. لا يمكن قبوله حسبما قدمناه حول نذر عبد المطلب..

فإذا ثبت أنهم كانوا كباراً، فإن موتهم، وكذلك موت إخوتهم في الجاهلية لا يعني أنهم لم يتزوجوا، ولم يولد لهم أولاد، يحضرون مناسبة إنذار العشيرة.

فعدم حضور الغيداق والحارث، وغيرهما من أبناء عبد المطلب للمناسبة لا يضر، ولا يثبت أن الحاضرين كانوا أقل من أربعين رجلاً، لجواز أن يكون أبناؤهم وأحفادهم قد حضروها..

تاسعاً: إن الروايات قد صرحت بحضور آخرين من بني هاشم في تلك المناسبة.. ولا مانع من أن يتصرف الرواة ببعض الكلمات سهواً، أو لأجل عدم تعلق أغراضهم بالتدقيق فيها.. أو لغير ذلك من أسباب، ولا يضر ذلك في الرواية، ولا يسقطها عن الإعتبار..

ولعل بعض الرواة قد أجرى الكلام على سبيل التغليب، حين رأى أن بني عبد المطلب كانوا هم الأكثر عدداً، في تلك المناسبة، وأن غيرهم لا يكاد يلتفت إليهم بسبب قلة عددهم..

بل ربما يقال: إن ما صرحت به الروايات الأخرى من التعميم لبني عبد المطلب تارة ولبني هاشم أخرى، يصلح قرينة على أن كلمة (عبد) مقحمة في الكلام سهواً، وأن المقصود هو بنو المطلب، فيشمل الأمر عبيدة بن الحارث بن المطلب الشهيد في حرب بدر، وغيره.. ولا أقل من كون ذلك قرينة على إرادة التغليب، إن كانت كلمة (عبد) مذكورة في الكلام عمداً..

وعلى كل حال: فإن هناك روايات تقول: دعا بني هاشم([54]).

وروايات أخرى تقول: دعا بني عبد المطلب ونفراً من بني المطلب([55]).

هذا كله بالنسبة لما أورده المستشكل حول عدد الحاضرين في تلك المناسبة..

وأما بالنسبة لما أورده حول دلالة هذا الحديث، فهو أيضاً غير صحيح، إذ يرد عليه:

أولاً: إن النبي الأكرم >صلى الله عليه وآله< لم يعلق أمر الخلافة بعده على مجرد النطق بالشهادة والمؤازرة والمناصرة في الجملة، بل علقها على المؤازرة التامة في الدين، في جميع الموارد والأحوال.. وهذا يحتاج إلى أعلى مراتب الكمال، والتضحية والجهاد، والعلم والوعي، والسمو الروحي، وقد أظهرت الوقائع أن الذي ينصر النبي >صلى الله عليه وآله< هو خصوص علي أمير المؤمنين >عليه السلام<..

وإجابة غير علي من المؤمنين لم تكن تامة وشاملة، حتى لقد فروا عن النبي >صلى الله عليه وآله< في كثير من الوقائع والأحداث، خصوصاً في أحد، وحنين، وخيبر، وغير ذلك..

وما ذكره ابن تيمية عن نصرة المؤمنين له >صلى الله عليه وآله< لا يفيد أنهم قد بلغوا في نصرته ما يستحقون به ذلك المقام.

ثانياً: إن مؤازرة علي >عليه السلام< للنبي >صلى الله عليه وآله< قبل الهجرة، كانت حاصلة، من حيث أن حديث الإنذار نفسه يفيد أن هذه النصرة قد حصلت، وذلك حين وافق النبي >صلى الله عليه وآله< على اتخاذه وزيراً، وأخاً، ووصياً في ذلك اليوم، ولم يزل يؤكد على ذلك في المناسبات المختلفة، خصوصاً تأكيداته >صلى الله عليه وآله< على ذلك في تبوك، حين أطلق: كونه منه بمنزلة هارون من موسى.. ثم حسم الأمر في غدير خم في حجة الوداع وفي غير ذلك من مناسبات..

وعدم بلوغ كيفيات ومفردات هذه النصرة لنا لا يدل على عدم حصولها بالفعل.

ثالثاً: إن نفس هذا الموقف في حديث الإنذار كان النبي >صلى الله عليه وآله< بأمس الحاجة إلى النصرة فيه، فإذا أحجموا عن بذلها له في هذا الموقف، فإنهم استحقوا الحرمان من مقام الأخوة والإمامة والوصاية، حتى لو بذلوا ما بذلوا بعد ذلك، مما شاركهم فيه علي >عليه السلام<، وزاد عليهم فيه..

أي أن حمزة وجعفراً، وعبيدة بن الحارث، لم يجيبوا إلى ما أجاب إليه علي >عليه السلام< في ذلك اليوم، وسكتوا، ولم ينصروا النبي >صلى الله عليه وآله< في يوم الإنذار أمام عشيرته الأقربين، رغم أنه كان بأمس الحاجة إلى ذلك..

رابعاً: إن جعفر، وحمزة، وعبيدة بن الحارث، وأبا طالب.. إن فرض أنهم كانوا جميعاً قد أسلموا آنئذٍ، فإنهم قد لا يرون أنهم أهل لمقام خلافة النبوة لأسباب يعرفونها في أنفسهم وحالاتهم. ولعل بعضهم كأبي طالب، أو كلهم، لم يكن يأمل بالبقاء على قيد الحياة إلى ما بعد وفاة الرسول >صلى الله عليه وآله< أو لغير ذلك من أسباب، جعلتهم يرون: أن المقصود بالخطاب سواهم..


([1]) الآية 9 من سورة الحشر.

([2]) الآية 2 من سورة الجمعة.

([3]) الآية 6 من سورة المائدة.

([4]) الآية 214 من سورة الشعراء.

([5]) راجع هذه القضية في: تاريخ الطبري ج2 ص63، ومختصر تاريخ أبي الفداء ج2 ص14 ط دار الفكر بيروت وشواهد التنزيل ج1 ص372 و421 وكنز العمال الطبعة الثانية ج15 ص16 و117 و113 و130 عن ابن إسحاق، وابن جرير وصححه، وأحمد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي معاً في الدلائل، وتاريخ ابن عساكر، ترجمه الإمام علي بتحقيق المحمودي ج1 ص87 و88، وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص244 عن الإسكافي، وحياة محمد لهيكل الطبعة الأولى ص286.

وراجع: مسند أحمد ج1 ص159 وكفاية الطالب ص205 عن الثعلبي ومنهاج السنة ج4 ص80 عن البغوي وابن أبي حاتم والواحدي والثعلبي وابن جرير، ومسند أحمد ج1 ص111، وفرائد السمطين، بتحقيق المحمودي ج1 ص86، وإثبات الوصية للمسعودي ص115 و116، والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص460 و459. والغدير ج2 ص278 ـ 284 عن بعض من ذكرنا وعن: أنباء نجباء الأبناء ص46 و47، وشرح الشفاء للخفاجي ج3 ص37.

وراجع أيضاً: تفسير الخازن ص390، وكتاب سليم بن قيس وغيرهم، وخصائص النسائي ص86 الحديث 63، وراجع: البحار ج38 والدر المنثور ج5 ص97 عن مصادر كنز العمال لكنه حرف فيه ومجمع الزوائد ج8 ص302 عن عدد من الحفاظ بإسقاط منه أيضاً، وينابيع المودة ص105 وغاية المرام ص320 وابن بطريق في العمدة، وتفسير الثعالبي، وتفسير الطبري ج19 ص75، والبداية والنهاية ج3 ص40، وتفسير ابن كثير ج3 ص350 و351.

([6]) راجع تفسير الطبري ج19 ص75.

([7]) راجع: تفسير ابن كثير ج3 ص351، والبداية والنهاية ج3 ص40 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص459.

([8]) راجع: فلسفة التوحيد والولاية ص179 و132 وسيرة المصطفى ص131 و130.

([9]) الفُرْق: إناء يُكتال به.

([10]) منهاج السنة ج4 ص81 ـ 83.

([11]) راجع: الغدير ج2 ص280، ولسان الميزان ج4 ص43.

([12]) لسان الميزان ج4 ص42.

([13]) ميزان الاعتدال للذهبي ج2 ص631 و640، ولسان الميزان ج4 ص42.

([14]) المصدر السابق.

([15]) كنز العمال ج15 ص113.

([16]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج13 ص244.

([17]) راجع: الغدير ج2 ص280.

([18]) راجع: المصدر السابق، ومسند أحمد ج1 ص111.

([19]) دلائل الصدق ج2 ص234.

([20]) كما في السيرة النبوية لابن كثير ج1 ص459 عن ابن أبي حاتم وكذا في البداية والنهاية ج3 ص40، راجع كنز العمال ج15 ص113، ومسند أحمد ج1 ص111 وتفسير ابن كثير ج3 ص350 وابن عساكر ترجمة الإمام علي بتحقيق المحمودي ج1 ص87، وإثبات الوصية للمسعودي ص115، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص27، ومسند البزار مخطوط في مكتبة مراد رقم 578.

([21]) الكامل لابن الأثير ج2 ص62 ط صادر.

([22]) دلائل الصدق ج2 ص235.

([23]) دلائل الصدق ج2 ص236.

([24]) البحار ج18 ص215 و216، عن سعد السعود ص106.

([25]) الآية 124 من سورة البقرة.

([26]) الآية 94 من سورة الحجر.

([27]) راجع: منهاج السنة ج4 ص83، والدر المنثور ج5 ص95 و96 عن: أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي عن عائشة، وأنس، وعروة بن الزبير، والبراء، وقتادة، وتاريخ الخميس ج1 ص287.

([28]) الدر المنثور ج5 ص96 عن: الطبراني، وابن مردويه، عن أبي أمامة، وهذه الروايات موجودة في مصادر كثيرة أخرى ولا سيما تلك التي ذكرناها في أوائل هذا البحث كمصادر للنص الأول.

([29]) والغريب في الأمر: أنهم يعتقدون: أن عائشة إنما ولدت في الخامسة من البعثة، والإنذار للعشيرة كان في الخامسة، فهم يناقضون أنفسهم مناقضة صريحة، وإن كنا نحن نعتقد: أن عائشة قد ولدت قبل البعثة بسنوات، كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى.

([30]) الآية 94 من سورة الحجر.

([31]) راجع: دلائل الصدق ج2 ص239.

([32]) تاريخ اليعقوبي (ط صادر) ج2 ص28 و27.

([33]) وليس في كفالة النبي >صلى الله عليه وآله< لعلي غضاضة على أبي طالب شيخ الأبطح ـ كما يقول البعض ـ لأن عبد الله وأبا طالب كانا من أم واحدة بخلاف سائر أبناء عبد المطلب، وقد ربي النبي >صلى الله عليه وآله< في حجر أبي طالب وكان >صلى الله عليه وآله< يخاطب فاطمة بنت أسد بيا أماه، وكانت عناية أبي طالب وزوجته به >صلى الله عليه وآله< فائقة جداً، وكان علي >عليه السلام< كأنه ابن لرسول الله >صلى الله عليه وآله<، مع ملاحظة التفاوت في السن فيما بينهما.

([34]) الآية 4 من سورة الجمعة.

([35]) الآية 4 من سورة الجمعة.

([36]) هذا توضيح منه >صلى الله عليه وآله< وتفسير للمراد من الآية.

([37]) البحار: ج18 ص215 و216 عن سعد السعود لابن طاووس ص106.

([38]) راجع: جريدة جمهوري إسلامي الفارسية رقم 254 سنة 1359 ه‍. ش في مقالات للمطهري رحمه الله تعالى.

([39]) جمهرة أنساب العرب ص17.

([40]) نفس المصدر.

([41]) الإصابة ج1 ص292 و 187 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص297 وجمهرة أنساب العرب ص70.

([42]) الإصابة ج1 ص237 والإستيعاب (مع الإصابة) ج1 ص213.

([43]) جمهرة أنساب العرب ص70 والإصابة ج2 ص320.

([44]) جمهرة أنساب العرب ص70.

([45]) الإصابة ج2 ص430 عن صحيح مسلم.

([46]) الإصابة ج2 ص427 و 292.

([47]) الإصابة ج2 ص292.

([48]) جمهرة أنساب العرب ص70.

([49]) الطبقات الكبرى ج1 ص93.

([50]) المصدر السابق.

([51]) البداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي سنة 1413هـ) ج2 ص306 ، وراجع: السيرة النبوية لابن هشام (ط سنة1413هـ) ج1 ص151، والسيرة الحلبية (ط دار إحياء التراث العربي) ج1 ص35 و36 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص174 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص26  وشرح المواهب للزرقاني ج1 ص174.

([52]) جمهرة أنساب العرب ص17.

([53]) جمهرة أنساب العرب ص15.

([54]) كما في السيرة النبوية لابن كثير ج1 ص459 عن ابن أبي حاتم وكذا في البداية والنهاية ج3 ص40، راجع كنز العمال ج15 ص113، ومسند أحمد ج1 ص111 وتفسير ابن كثير ج3 ص350 وابن عساكر ترجمة الإمام علي بتحقيق المحمودي ج1 ص87، وإثبات الوصية للمسعودي ص115، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص27، ومسند البزار مخطوط في مكتبة مراد رقم578.

([55]) الكامل لابن الأثير ج 2 ص 62 ط صادر.

   
 
 

العودة إلى موقع الميزان