الـنـصــوص والآثــــــــــار
![](03.files/image001.gif)
تمهيد
ضروري:
هناك بعض الأحداث الهامة، والمواقف الحساسة، التي تحمل
في طياتها الكثير من العبر والعظات، وتترك لها آثاراً بارزة على منحى
وعمق الفكر الإنساني، والرسالي، وعلى الفهم الدقيق للمسار العام في خط
الرسالة..
هذا عدا عن التأثير الظاهر لها في البنية العقائدية،
وفي اللاشعور، والشعور الوجداني المهيمن على الموقف، والحركة، والسلوك
للإنسان في مختلف مراحله وأدواره، وفي كثير من أحواله وأطواره.
ولكن هذه الأحداث والمواقف بالذات، وخصوصاً
ما كان منها في العهد النبوي الشريف لم تنل قسطها من البحث والتقصي من
قبل العلماء وأهل الفكر بل مروا عليها ـ تقريباً ـ مرور الكرام، فبدت:
وكأنها أمور تافهة وحقيرة، ومحدودة وصغيرة، وخُيِّل
إلى الكثيرين: أنها ليس فيها ما ينفع ولا ما يجدي.. فكان طبيعياً
أن
يبقى
الكثير من جوانبها، وحقائقها، وظروفها وملابساتها رهن الإبهام،
والإهمال،
وكأنها ليست حقيقة ثابتة، وإنما هي محض وهم أو خيال.
ولا نبعد كثيراً إذا قلنا:
إن غزوة بني النضير كانت واحدة من هذه الأحداث، التي لها هذه الحالة
التي أشير إليها، فهي حدث فريد ومتميز، لا يقل في أهميته عن أي من
الأحداث الكبرى في العهد النبوي الشريف..
ويتضح ذلك بصورة أجلى وأتم من خلال دراستنا لكثير من
النصوص والآثار التي وردت في هذه الواقعة..
ولا أدل على ذلك من أنهم يقولون:
إن سورة الحشر ـ بتمامها ـ قد نزلت في هذه المناسبة.. وهذا يبرهن على
الأهمية البالغة لهذه الواقعة، وعلى أنها كانت تمثل تحولاً
كبيراً
وإيجابياً، في مسيرة العمل والعاملين في سبيل الله سبحانه من جهة.. كما
أنها تعتبر ـ من الجهة الأخرى ـ ضربة قاسية وقاصمة لأعداء الله، وأعداء
دينه من الكافرين..
فقد كان اليهود ـ الذين كان بنو النضير أقواهم شوكة،
وأشدهم شكيمة، وأعزهم عزة ـ يعيشون في قلب الدولة الإسلامية، وحيث كان
بإمكانهم الاطلاع
على أدق دقائقها، وعلى حقائق خفاياها
ونواياها، ثم الوقوف على المستوى الحقيقي والدقيق لما تملكه من قدرات
وإمكانات مادية ومعنوية.. وعلى كل الـواقـع
الـذي
كان قائماً
في داخل المجتمع الإسلامي، سواء على مستوى العلاقات والارتباطات فيما
بين فئات ذلك المجتمع، أو سائر المجالات، ومختلف المواقع.
كما أنهم ـ أعني اليهود ـ كانوا يملكون أذرعة ظاهرة
وخفية، ممتدة هنا وهناك، وفي عمق المجتمع الإسلامي الجديد، حتى على
مستوى بعض القيادات فيه، والتي كانت تساهم بشكل فعال في صنع القرار، أو
في عرقلته وتعطيله. ثم إن لليهود الهيمنة الروحية والثقافية والعلمية
على الأكثرية الساحقة، التي يفترض فيها: أن تكون القاعدة الصلبة،
والقوية، التي تعتمد عليها تلك القيادة في تنفيذ القرار،، وفي فعاليته،
وقوة تأثيره، ثم في الحفاظ عليه وحمايته على المدى القريب أو البعيد
على حد سواء..
هذا..
وعلينا أن لا ننسى أن اليهود كانوا يملكون قوة كبيرة في
حساب الثروات والأموال..
ويكفي أن نذكر:
أنهم كانوا يملكون من (الحلي) الشيء الكثير، قال بعضهم: إنهم كانوا
يعيرونه للعرب من أهل مكة وغيرهم. وكان يكون عند آل أبي الحقيق([1]).
وسيأتي في
غزوة خيبر: أن آل أبي الحقيق قد قتلوا بسبب ذلك الحلي كما ذكر ذلك غيره
أيضاً([2]).
هذا..
بالإضافة إلى ما كان لليهود من ديون على الناس، قد بلغت
حداً جعلهم يجدون فيها حائلاً
دون تسهيل أمر رحيلهم، لولا أن تصدى النبي «صلى الله عليه وآله» لحل
هذا المشكل بالصورة التي لم يبق لهم معها أي خيار، حينما أمرهم بالوضع
(أي حذف بعض المال) وبالتعجيل في الآجال([3]).
وعلينا أن لا ننسى:
أن هذه الضربة القاسية والقاصمة التي تلقاها اليهود عامة، وبنو النضير
بصورة أخص، إنما تمثل إضعافاً لواحد من أهم مصادر القوة والتحدي لدى
أعداء الإسلام والمسلمين، ولا سيما بالنسبة إلى المشركين، وكل من
يتعاطف معهم من القبائل والطوائف في المنطقة العربية، حيث خسروا واحداً
من أهم حلفائهم، وذوي القوة والنفوذ فيهم.
وقد نجد فيما يأتي من فصول إلماحة أو أكثر إلى هذا
الأمر، وإلى غيره من أمور فرض علينا البحث التذكير بها، والإلماح
إليها.
ولذا..
فإننا سوف نكتفي هنا بهذا القدر، ونبدأ ـ بحول الله
وقوته ـ بالحديث عن غزوة بني النضير، حسبما يتهيأ لنا في نطاق مراعاة
نسق الكتاب ومستواه، وكثير من الأمور الأخرى التي لا بد لنا من
مراعاتها، فيما يرتبط بمقتضيات البحث بصورة عامة..
فنقول..
ومن الله نستمد الحول والقوة، ومنه نطلب التوفيق
والتسديد:
إننا نذكر في البداية نصاً لهذه الغزوة، نختاره مما هو
بحوزتنا من نصوص، وسوف يكون هذه المرة لابن كثير في سيرته، وفي بدايته
ونهايته، مع حذف بعض ما رأينا من المناسب حذفه.. ثم نشير في نهاية النص
إلى جانب من المصادر والمراجع، التي يمكن الرجوع إليها للاطلاع على
نصوص هذه الغزوة.
فنقول:
قال ابن كثير:
عن سورة الحشر في صحيح البخاري عن ابن عباس أنه كان يسميها سورة بني
النضير.
وحكى البخاري عن الزهري، عن عروة
أنه قال:
كانت بنو النضير بعد بدر بستة أشهر قبل أحد.
وقد أسنده ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه، عن عبد الله
بن صالح، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري به.
وهكذا روى حنبل بن إسحاق، عن هلال بن العلاء، عن عبد
الله بن جعفر الرقي، عن مطرف بن مازن اليماني، عن معمر، عن الزهري،
فذكر غزوة بدر في سابع عشر رمضان سنة اثنتين.
قال:
ثم غزا
بني النضير، ثم غزا أُحداً
في شوال سنة ثلاث، ثم قاتل يوم الخندق في شوال سنة أربع.
وقال البيهقي:
وقد كان الزهري يقول: هي قبل أُحد.
قال:
وذهب آخرون إلى أنها بعدها، وبعد بئر معونة أيضاً.
قلت:
هكذا ذكر ابن إسحاق كما تقدم، فإنه بعد ذكره بئر معونة ورجوع عمرو بن
أمية وقتله ذينك الرجلين من بني عامر، ولم يشعر بعهدهما الذي معهما من
رسول الله «صلى الله عليه وآله»،
ولهذا قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»:
«لقد
قتلت رجلين لأدينّهما».
قال ابن إسحاق:
ثم خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى بني النضير يستعينهم في دية
ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتلهما عمرو بن أمية، للعهد الذي كان
«صلى الله عليه وآله» أعطاهما، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عهد
وحلف، فلما أتاهم «صلى الله عليه وآله» قالوا: نعم يا أبا القاسم نعينك
على ما أحببت.
ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا:
إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه ـ ورسول الله «صلى الله عليه
وآله» إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد ـ فمَن رجل يعلو على هذا البيت
فيلقي عليه صخرة ويريحنا منه.
فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب،
فقال:
أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال، ورسول الله «صلى الله عليه
وآله» في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي، فأتى رسول الله الخبر
من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعاً
إلى المدينة.
فلما استلبث النبي «صلى الله عليه وآله» أصحابه قاموا
في طلبه، فلقوا رجـلاً
مقبـلاً
من المدينة، فسألوه عنه فقـال:
رأيته داخـلاً
المدينة. فأقبل أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى انتهوا إليه،
فأخبرهم الخبر بما كانت اليهود أرادت من الغدر به.
قال الواقدي:
فبعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» محمد بن مسلمة
يأمرهم بالخروج من جواره وبلده، فبعث إليهم أهل النفاق يثبتونهم
ويحرضونهم على المقام ويعدونهم النصر، فقويت عند ذلك نفوسهم، وحمي حيي
بن أخطب، وبعثوا إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أنهم لا يخرجون،
ونابذوه بنقض العهود. فعند ذلك أمر الناس بالخروج إليهم.
قال الواقدي:
فحاصروهم خمس عشرة ليلة.
وقال ابن إسحاق:
وأمر النبي «صلى الله عليه وآله» بالتهيؤ لحربهم والمسير إليهم.
قال ابن هشام:
واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وذلك في شهر ربيع الأول.
قال ابن إسحاق:
فسار حتى نزل بهم فحاصرهم ست ليال، ونزل تحريم الخمر حينئذٍ، وتحصنوا
في الحصون، فأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بقطع النخيل والتحريق
فيها، فنادوه: أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيب من صنعه، فما
بال قطع النخيل وتحريقها؟
قال:
وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج منهم عبد الله بن أُبي،
ووديعة،
ومالك،
وسويد،
وداعس قد بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، إن
قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم. فتربصوا ذلك من نصرهم فلم
يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله أن يجليهم ويكف عن
دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة.
وقال العوفي:
عن ابن عباس، أعطى كل ثلاثة بعيراً يعتقبونه (و) وسقاً([4]).
رواه البيهقي.
وروى:
من طريق يعقوب بن محمد، عن الزهري، عن إبراهيم بن جعفر
بن محمود بن محمد بن مسلمة، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن مسلمة، أن
رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعثه إلى بني النضير وأمره أن يؤجلهم
في الجلاء ثلاث ليال.
وروى البيهقي وغيره:
أنه كانت لهم ديون مؤجلة، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: ضعوا
وتعجلوا.
وفي صحته نظر،
والله أعلم.
قال ابن إسحاق:
فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن
نجاف([5])
بابه،
فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به، فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى
الشام، فكان من أشراف من ذهب منهم إلى خيبر: سلاّم
بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب، فلما
نزلوها دان لهم أهلها.
فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه
حُدث:
أنهم استقبلوا بالنساء والأبناء والأموال، معهم الدفوف والمزامير
والقيان يعزفن خلفهم بزهاء وفخر، ما رؤي مثله لحي من الناس في زمانهم.
قال:
وخلوا الأموال لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، يعني
النخيل والمزارع، فكانت له خاصة يضعها حيث شاء، فقسمها على المهاجرين
الأولين دون الأنصار، إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة ذكرا فقرا
فأعطاهما، وأضاف بعضهم إليهما الحارث بن الصمة. حكاه السهيلي.
قال ابن إسحاق:
ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان وهما يامين بن عمير بن كعب ابن عم
عمرو بن جحاش وأبو سعد بن وهب، فأحرزا أموالهما.
قال ابن إسحاق:
وقد حدثني بعض آل يامين أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال ليامين:
ألم تر ما لقيت من ابن عمك وما همّ به من شأني؟ فجعل يامين لرجل جُعلاً
على أن يقتل عمرو بن جحاش، فقتله لعنه الله.
قال ابن إسحاق:
فأنزل الله فيهم سورة الحشر بكاملها، يذكر فيها ما أصابهم به من نقمته،
وما سلط عليهم به رسوله، وما عمل به فيهم.
إلى أن قال ابن كثير:
فأسرهم بالمحاصرة بجنوده ونفسه الشريفة ست ليال، فذهب بهم الرعب كل
مذهب حتى صانعوا وصالحوا على حقن دمائهم وأن يأخذوا من أموالهم ما
استقلت به ركابهم، على أنهم لا يصحبون شيئاً من السلاح إهانة لهم
واحتقاراً،
فجعلوا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، فاعتبروا يا أولي
الأبصار.
إلى أن قال:
وقد روى البخاري ومسلم جميعاً عن قتيبة، عن الليث، عن نافع، عن ابن عمر:
أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» حرق نخل بني النضير وقطع، وهي
البويرة، فأنزل الله:
﴿مَا قَطَعْتُم مِن لِينَةٍ
أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ
وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾([6]).
وعند البخاري من طريق جويرية بن أسماء، عن نافع، عن ابن
عمر، أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» حرق نخل بني النضير وقطع، وهي
البويرة، ولها يقول حسان بن ثابت:
وهــان
عـلـى ســراة بـن لــؤي حــريــق بـالـبـويـرة مسـتطيـر
فأجابه أبو سفيان بن الحارث يقول:
أدام الله ذلــك مــن
صـنــيـــع وحــرق فـي نـواحـيـهـا السعير
ستـعـلـم أيـنــا مــنــهــا بستر وتـعـلــم أي
أرضــيــنــا نضير
قال ابن إسحاق:
وقال كعب بن مالك يذكر إجلاء بني النضير وقتل كعب بن
الأشرف فالله
أعلم:
لقـد خـزيـت بغـدرتهـا الحبور([7])
كـذاك الـدهـر ذو صـرف يـدور
وذلـك أنـهـم كـفــروا بـــرب عـظـيـم أمــره أمــر
كـبـــيـــر
وقـد أوتــوا مـعـاً فـهـماً وعـلماً وجــاءهـم مـن الله
الــنــذيـــر
نــذيــر صـادق أدى كـتـابـــاً وآيــات مـبــيــنــة
تـــنـــيــر
فـقـالــوا ما أتيت بـأمر صـدقٍ وأنــت بـمــنــكر مـنــا
جـدير
فـقـال: بلى لـقـد أديـت حـقـاً يصـدقـنـي بـه الـفـهـم
الخــبـير
فـمـن يـتـبعـه يهـد لكـل رشدٍ ومـن يـكـفر بـه يـخـز
الـكـفـور
فـلـمـا أشـربـوا غدراً وكفــراً وجـدّ بـهـم عـن الحـق
الـنـفـور
أرى الله الــنــبـي بـرأي صدق وكــان الله يــحــكــم لا
يـجور
فــأيــده وســلـطـه عـلـيـهـم وكــان نــصــيـره نـعـم
النصـير
فـغـودر مـنـهم كـعب صريعـاً فــذلــت بـعـد مصـرعه
النضير
عـلـى الـكـفـيـن ثم وقـد علته بــأيــديــنــا مـشـهـرة
ذكـــور
بـأمـر مـحـمـد إذ دس لـيــلاً إلـى كــعــب أخــا كعـب
يسير
فـمـاكــره فــأنــزلـه بمـكــر ومـحـمـود أخــو ثـقـة
جســور
فـتـلـك بـنـو النضير بدار سوء أبـارهم بـمـا اجـتـرمـوا
المـبـير([8])
غـداة أتاهم في الـزحف رهـواً ([9])
رســول الله وهـــو بـهــم بـصير
وغسـان الـــحـمـاة مــؤازروه عـلـى الأعــداء وهـو لهـم
وزيـر
فـقال السـلـم ويـحكم فصدوا وخـالـف أمـرهم كـــذب وزور
فـذاقـوا غـب أمـرهـم وبــالاً لـكـل ثــلاثــة مـنـهـم
بـعــيــر
وأجـلـوا عـامـديـن لـقينقـاع وغــودر مــنــهـم نــخـل
ودور
وقد ذكر ابن إسحاق جوابها لسمال اليهودي، فتركناه قصداً.
قال ابن إسحاق:
وكان مما قيل في بني النضير قول ابن لقيم العبسي، ويقال: قالها قيس بن
بحر بن طريف الأشجعي:
أهـلـي فـداء لامرئ غير هـالك أحـل الـيـهود
بالحسي المزنـــم([10])
يـقـيلون في جمـر العضـاة وبدلوا أهـيـضـب عوداً بالودي
المكمم([11])
فـإن يك ظني صــادقـاً بمحمد تـروا خـيـله بين الصـلا
ويرمرم([12])
يـؤم بهـا عمرو بـن بهثـة إنـهـم عـدو ومـا حي صديـق كمحـرم
عليهن أبطال مساعير في الوغى يهـرون أطـراف الـوشيج
المقوم([13])
وكـل رقـيـق الشفرتين مهـنـد تـوورثن من أزمـال عـاد وجرهم
فـمـن مبلغ عني قـريشاً رسـالة فـهـل بعدهم في المجـد من متكرم
بـأن أخـاهـم فـاعـلـمن محمداً تليـد النـدى بين الحـجون
وزمـزم
فدينوا له بالحق تجسم أمـوركم وتسمـو من الـدنـيا إلى
كل معظم
نـبـي تـلاقته مـن الله رحــمــة ولا تسـألــوه أمـر غـيـب مرجم
فـقد كان في بدر لعمري عسيرة لـكم يا قريـش والقليب المـلـمـم
غـداة أتـى في الخـزرجية عامداً إلـيـكم مطيعـاً للعـظـيـم
المكرم
معـاناً بروح القدس ينكى عدوه رسـولاً من الـرحمـن حقاً لم
يتلعم
رسـولاً مـن الـرحمـن يتلو كتابه فـلمـا أنــار الـحـق
لـم يتـلعثـم
أرى أمره يـزداد في كـل مـوطن عــلــواً لأمــر حمـه الله
محــكـم
قال ابن إسحاق:
وقال علي بن أبي طالب، وقال ابن هشام: قالها رجل من
المسلمين، ولم أر أحداً يعرفها لعلي:
عـرفـت ومـن
يـعتـدل يعـرف وأيـقـنــت حقــاً ولـم أصـدف
عـن الـكـلم المحكـم اللاء من لــدى الله ذي الــرأفــــة
الأرأف
رسـائـل تـدرس في المـؤمنـين بـهـن اصطفى أحمـد المـصـطـفى
فـأصبح أحـمـد فـيـنـا عزيزاً عــزيــز الـمـقــامــة
والمــوقف
فـيـا أيـهـا الموعـدوه سفـاهـاً ولـم يـأت جــوراً ولـم
يـعـنـف
ألستم تـخـافون أدنى العذاب ومـــا آمـــن الله كــالأخـــوف
وأن تـصـرعوا تـحت أسيـافه كــمــصــرع كعب أبي الأشرف
غــداة رأى الله طـغـيـانــــه وأعــرض كــالجـمـل الأجـنف
فــأنـزل جـبـريـل فـي قـتله بـوحـي إلـى عــبــده
مـلـطـف
فـدس الـرسـول رسـولاً لــه بـأبــيـض ذي هــبــة
مــرهــف
فـبـاتـت عـيـون لـه معولات مــتــى يــنــع كـعـب لها
تذرف
وقـلـن لأحـمـد ذرنـا قليــلاً فـإنـا مـن الــنــوح
لـم نـشـتـف
فـخـلاهـم ثـم قـال اظـعـنوا دحــوراً عــلــى رغــم الآنــف
وأجـلى الـنـضـيـر إلـى غربة وكــانــوا بـــدار ذوى
أخــرف
إلـى أذرعــات ردافــاً وهـم عــلـى كـل ذي ذمـر
أعــجـف
وتركنا جوابها أيضاً من سمال اليهودي قصداً.
ثم ذكر تعالى حكم الفيء، وأنه حكم بأموال بني النضير
لرسول الله «صلى الله عليه وآله» وملكها له، فوضعها رسول الله «صلى
الله عليه وآله» حيث أراه الله تعالى.
كما ثبت في الصحيحين، عن عمر بن
الخطاب أنه قال:
كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون
عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله «صلى الله عليه وآله» خاصة، فكان
يعزل نفقة أهله سنة ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله.
إلى أن قال:
قال الإمام أحمد:
حدثنا عارم وعفان، قالا: حدثنا معتمر: سمعت أبي يقول:
حدثنا أنس بن مالك، عن نبي الله «صلى الله عليه وآله»: أن الرجل كان
يجعل له من ماله النخلات أو كما شاء الله، حتى فتحت عليه قريظة
والنضير، قال: فجعل يرد بعد ذلك.
قال:
وإن أهلي أمروني أن آتي نبي الله «صلى الله عليه وآله»
فأسأله الذي كان أهله أعطوه، أو بعضه،
وكان نبي الله «صلى الله عليه وآله» أعطاه أم أيمن أو كما شاء الله.
قال:
فسألت النبي «صلى الله عليه وآله» فأعطانيهن، فجاءت أم أيمن فجعلت
الثوب في عنقي وجعلت تقول: كلا والله الذي لا إله إلا هو لا أعطيكهن
وقد أعطانيهن أو كما قالت.
فقال النبي «صلى الله عليه وآله»:
لك كذا وكذا.
وتقول:
كلا والله.
قال:
ويقول لك كذا وكذا، وتقول: كلا والله.
قال:
ويقول لك كذا وكذا، حتى أعطاها حسبت أنه قال عشرة أمثاله، أو قال قريباً
من عشرة أمثاله أو كما قال. أخرجاه بنحوه من طرق عن معتمر به. ثم ذكر
ابن كثير وغيره:
حين مر على ديار بني النضير وقد صارت بعدها ليس بها داع
ولا مجيب، وقد كانت بنو النضير أشرف من بني قريظة، حتى حداه ذلك على
الإسلام وأظهر صفة رسول الله «صلى الله عليه وآله» من التوراة.
قال الواقدي:
حدثنا إبراهيم بن جعفر، عن أبيه، قال: لما خرجت بنو النضير من المدينة
أقبل عمرو بن سعدى فأطاف بمنازلهم، فرأى خرابها وفكر، ثم رجع إلى بني
قريظة فوجدهم في الكنيسة، فنفخ في بوقهم،
فاجتمعوا.
فقال الزبير بن باطا:
يا أبا سعيد أين كنت منذ اليوم لم تزل؟.
وكان لا يفارق الكنيسة وكان يتأله في اليهودية.
قال:
رأيت اليوم عبراً
قد عبرنا بها، رأيت منازل إخواننا خالية بعد ذلك العز والجلد، والشرف
الفاضل، والعقل البارع، قد تركوا أموالهم، وملكها غيرهم، وخرجوا خروج
ذل، ولا والتوراة ما سلط هذا على قوم قط لله بهم حاجة، وقد أوقع قبل
ذلك بابن الأشرف ذي عزهم ثم بيّته في بيته آمناً،
وأوقع بابن سنينة سيدهم، وأوقع ببني قينقاع فأجلاهم وهم أهل جد يهود،
وكانوا أهل عدة وسلاح ونجدة، فحصرهم فلم يخرج إنسان منهم رأسه حتى
سباهم.
وكلم فيهم فتركهم على أن أجلاهم من يثرب. يا قوم قد
رأيتم ما رأيتم فأطيعوني وتعالوا نتبع محمداً،
والله إنكم لتعلمون أنه نبي قد بشرنا به وبأمره ابن الهيبان أبو عمير
وابن حراش، وهما أعلم يهود جاءانا يتوكفان قدومه وأمرانا باتباعه،
جاءانا من بيت المقدس وأمرانا أن نقرئه منهما السلام، ثم ماتا على
دينهما ودفناهما بحرتنا هذه.
فأسكت القوم فلم يتكلم منهم متكلم.
ثم أعاد هذا الكلام ونحوه، وخوفهم
بالحرب والسباء والجلاء، فقال الزبير بن باطا: قد والتوراة قرأت صفته
في كتاب باطا، التوراة التي نزلت على موسى، ليس في المثاني الذي
أحدثنا.
قال:
فقال له كعب بن أسد: ما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من اتّباعه؟
قال:
أنت يا كعب.
قال كعب:
فلم؟ والتوراة ما حلتُ بينك وبينه قط.
قال الزبير:
بل أنت صاحب عهدنا وعقدنا فإن اتّبعته
اتّبعناه
وإن أبيتَ
أبينا.
فأقبل عمرو بن سعدى على كعب، فذكر ما تقاولا في ذلك،
إلى أن قال عمرو: ما عندي في أمره إلا ما قلت،
ما تطيب نفسي أن أصير تابعاً!
رواه البيهقي([14]).
والنضير اسم
جبل نزلوا به، فسموا باسمه([15]).
يقول اليعقوبي، بعد أن ذكر إنذار النبي «صلى الله عليه
وآله» إياهم بالخروج من ديارهم وأموالهم،
فلم يمتثلوا استناداً لوعود ابن أبي والمنافقين:
«..فسار
إليهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعد العصر، فقاتلهم، فقتل منهم
جماعة، وخذلهم عبد الله بن أبي وأصحابه، فلما رأوا: أنه لا قوة لهم على
حرب رسول الله طلبوا الصلح،
فصالحهم على أن يخرجوا من بلادهم ولهم ما حملت الإبل، من خرتي([16])
متاعهم.
لا يخرجون معهم بذهب، ولا فضة، ولا سلاح»([17]).
وقال ابن الجوزي:
«فقاموا
على حصنهم يضربون بالنبل والحجارة»([18]).
وعند البعض:
أنه لما جاء يستعينهم:
«هموا
بالغدر به، وخرجوا يجمعون الرجال والسلاح»([19]).
وسيأتي ـ حين الحديث عن خراب بيوتهم ـ ما يدل على ذلك
أيضاً..
وبعد أن ذكر الواقدي قدوم النبي «صلى الله عليه وآله»
لحصارهم، قال:
«..
وجعلوا يرمون ذلك اليوم بالنبل والحجارة، حتى أظلموا، وجعل أصحاب رسول
الله «صلى الله عليه وآله» يقدمون من كان تخلف في حاجته، حتى تتاموا
عند صلاة العشاء.
فلما صلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» العشاء رجع
إلى بيته في عشرة من أصحابه، عليه الدرع، وهو على فرس، وقد استعمل علياً
على العسكر، ويقال: أبا بكر.
وبات المسلمون يحاصرونهم، يكبرون حتى أصبحوا.
ثم أذن بلال بالمدينة،
فغدا رسول الله «صلى الله عليه وآله» بأصحابه الذين كانوا معه، فصلى
بالناس في فضاء بني خطمة، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم»([20]).
وسيأتي عن قريب:
أن بعض النصوص تقول: إنه «صلى الله عليه وآله» حصرهم، وطلب منهم: أن
يعطوه عهداً،
فأبوا.
فقاتلهم يومهم ذاك، ثم غدا على بني قريظة، ودعاهم إلى أن يعاهدوه،
ففعلوا، فغدا على بني النضير بالكتائب فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء.
وإنما قاتلهم
لأنه كان بينهم وبين رسول الله «صلى الله عليه وآله» عهد ومدة، فنقضوا
عهدهم([21]).
قال السمهودي بعد ذكره رواية ابن
إسحاق:
«وأصح منه ما رواه ابن مردويه، بسند صحيح: أنهم أجمعوا
على الغدر، فبعثوا إلى النبي «صلى الله عليه وآله»: أخرج إلينا في
ثلاثة من أصحابك، ويلقاك ثلاثة من علمائنا، فإن آمنوا بك اتبعناك.
فاشتمل اليهود الثلاثه على الخناجر، فأرسلت امرأة من
بني النضير إلى أخ لها من الأنصار مسلم، تخبره بأمر بني النضير،
فأخبر أخوها النبي «صلى الله عليه وآله» بأمر بني النضير قبل أن يصل
إليهم، فرجع وصبحهم بالكتائب.
فحصرهم يومه، ثم غدا على بني قريظة، فحاصرهم فعاهدوه.
فانصرف عنهم إلى بني النضير، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء الخ..»([22]).
وفي بعض النصوص:
أنه «صلى الله عليه وآله» أجلهم عشراً
ـ أو ثلاث ليال ـ فمن رؤي بعد ذلك ضربت عنقه، فمكثوا أياماً
يتجهزون، وأرسلوا إلى ظهر لهم بذي الجدر، وتكاروا من أشجع إبلاً،
فأرسل إليهم ابن أُبي:
أن معه ألفين من قومه، وغيرهم من العرب، يدخلون معهم حصنهم، ويموتون عن
آخرهم، وتمدهم قريظة، وحلفاؤهم من غطفان، فطمع حيي بن أخطب الخ..([23]).
وتذكر بعض النصوص:
أنهم حين حاصرهم «صلى الله عليه وآله» وقطع نخلهم، قالوا: نحن نخرج من
بلادك..
فقال «صلى الله عليه وآله»:
لا أقبله اليوم. ولكن اخرجوا منها، ولكم دماؤكم، وما
حملت الإبل، إلا الحلقة، فنزلت يهود على ذلك. وكان حاصرهم خمسة عشر
يوماً..
إلى أن قال:
وتحملوا على
ستمائة بعير([24]).
ونلاحظ هنا:
اختلاف
النصوص في مدة الحصار، من خمسة عشر يوماً حسبما أشير إليه آنفاً..
إلى: ست ليال([25]).
وقيل:
خمساً
وعشرين([26]).
أو ثلاثاً
وعشرين وفيها نزلت صلاة الخوف([27]).
أو نيفاً
وعشرين([28]).
أو قريباً
من عشرين([29]).
أو عشرين([30]).
أو إحدى
وعشرين([31]).
ومن جهة أخرى روي عن بعض أهل العلم:
أن بني النضير قد ألقوا الحجر على رسول الله «صلى الله عليه وآله»،
فأخذه جبرئيل([32]).
وفي نص آخر:
أنه لما أشرف
حامل الصخرة بها أخبر النبي «صلى الله عليه وآله» جبرائيل بالأمر([33]).
وكان الذين
ذهبوا مع النبي «صلى الله عليه وآله» إلى بني النضير، لا يبلغون عشرة،
وهم: أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد بن معاذ، وأسيد بن
حضير، وسعد بن عبادة([34]).
وفي رواية:
لما رأوا قلة أصحابه «صلى الله عليه وآله» قالوا:
«نقتله،
ونأخذ أصحابه أسارى إلى مكة،
فنبيعهم من قريش»([35]).
«ولزم
رسول الله «صلى الله عليه وآله» الدرع فبات فيه»([36]).
«وكان
سعد بن عبادة يحمل التمر إلى المسلمين»([37]).
ولم يغثهم أحد، ولم يقدر ابن أبي أن يصنع شيئاً، فجهدهم
الحصار، وضاقت عليهم الأحوال.
فأرسلوا إلى النبي «صلى الله عليه وآله» بقبولهم الجلاء([38]).
وبعد حصارهم، وقطع نخلهم قالوا:
«يا
محمد نخرج من بلادك، وأعطنا مالنا، فقال: لا، ولكن تخرجون ولكم ما حملت
الإبل، فلم يقبلوا ذلك، فبقوا أياماً
ثم قالوا: نخرج ولنا ما حملت الإبل، فقال: لا ولكن تخرجون ولا يحمل أحد
منكم شيئاً، فمن وجدنا معه شيئاً من ذلك قتلناه.
فخرجوا على ذلك»([39]).
وكان منهم جماعة من أولاد الأنصار، لأن المرأة من
الأنصار كان إذا لم يعش لها ولد تجعل على نفسها: إن عاش لها ولد،
تهوده، فلما أجليت بنو النضير، قال آباء أولئك: لا ندع أبناءنا، وأنزل
الله:
﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾([40])،
وهي مخصوصة بهؤلاء الذين تهودوا قبل الإسلام، وإلا.. فإكراه الكفار
الحربيين سائغ الخ..([41]).
وقد ذكر البعض:
أن ابن يامين قد جعل لرجل عشرة دنانير، ليقتل عمرو بن جحاش([42]).
وذكر البعض:
أن المسلمين قد مشوا إلى بني النضير على أرجلهم؛ لأنهم كانوا على ميلين
من المدينة، وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» على حمار فحسب([43])
أو على جمل([44]).
وكانت منازلهم
بناحية الفرع، وما يقربها، بقرية يقال لها: زهرة([45]).
وتذكر النصوص:
أنهم حين
ائتمروا بإلقاء الصخرة عليه «صلى الله عليه وآله» قال لهم سلام بن مشكم:
لا تفعلوا، والله، ليخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذي بيننا
وبينه([46]).
زاد الواقدي:
ألا فوالله،
لو فعلتم الذي تريدون، ليقومن بهذا الدين منهم قائم إلى يوم القيامة،
يستأصل اليهود، ويظهر دينه([47]).
وفي نص آخر:
أنه «صلى الله
عليه وآله» حين قام من بين أصحابه، وأبطأ، ولم يرجع قال كنانة بن
صوريا: جاءه والله الخبر الذي هممتم به([48]).
وفي نص آخر:
أنه قال لهم: هل تدرون لم قام محمد؟!
قالوا:
لا والله، ما ندري، وما تدري أنت!
قال:
بلى والتوارة إني لأدري، قد أخبر محمد ما هممتم به من الغدر، فلا
تخدعوا أنفسكم، والله، إنه لرسول الله، وما قام إلا لأنه أخبر بما
هممتم به، وإنه لآخر الأنبياء، كنتم تطمعون أن يكون من بني هارون،
فجعله الله حيث شاء.
وإن كتبنا، الذي درسنا في التوراة
التي لم تغيَّر ولم تبدل:
أن مولده بمكة، ودار هجرته يثرب، وصفته بعينها لا تخالف
حرفاً
مما في كتابنا، وما يأتيكم به أولى من محاربته إياكم، ولكأني أنظر
إليكم ظاعنين، يتضاغى([49])
صبيانكم، قد تركتم دوركم خلوفاً
وأموالكم، وإنما هي شرفكم، فأطيعوني في خصلتين، والثالثة لا خير فيها.
قالوا:
ما هما؟
قال:
تسلمون وتدخلون مع محمد، فتأمنون على أموالكم، وأولادكم، وتكونون من
علية أصحابه، وتبقى بأيديكم أموالكم، ولا تخرجون من دياركم.
قالوا:
لا نفارق التوراة، وعهد موسى.
قال:
فإنه مرسل إليكم: أخرجوا من بلدي، فقولوا: نعم، فإنه لا يستحل لكم دماً
ولا مالاً، وتبقى أموالكم، إن شئتم بعتم، وإن شئتم أمسكتم.
قالوا:
أما هذا فنعم.
قال:
أما والله إن الأخرى خيرهن لي، قال: أما والله، لولا أني أفضحكم
لأسلمت، ولكن والله، لا تعيَّر شعثاء بإسلامي أبداً،
حتى يصيبني ما أصابكم،
وابنته شعثاء التي كان حسان ينسب بها، فقال: سلام بن مشكم: قد كنت لما
صنعتم كارهاً
الخ..»([50]).
ثم أرسل إليهم النبي «صلى الله عليه وآله» محمد بن
مسلمة وذكرهم بما كانوا ذكروه له من علامات النبي الموعود، والمنطبقة
على رسول الله «صلى الله عليه وآله».
وتستمر الرواية إلى أن تذكر رفض حيي بن أخطب مغادرة
بلادهم، فقال له سلام بن مشكم:
لا تفعل يا حيي، فوالله، إنك لتعلم ونعلم معك: أنه رسول
الله،
وأن صفته عندنا، وإن لم نتبعه، حسدناه حين خرجت النبوة من بني هارون.
فتعال،
فلنقبل ما أعطانا من الأمن، ونخرج من بلاده. فقد عرفت أنك خالفتني في
الغدر به، فإذا كان
أوان
الثمر جئنا، أو جاءه من جاء منا إلى ثمره.
فباعها وصنع ما بدا له، ثم انصرف إلينا.
فكأنَّا
لم نخرج من بلادنا إذا كانت أموالنا بأيدينا الخ..([51]).
وفي نص آخر:
«فجاء
عمرو بن جحاش إلى رحى عظيمة، ليطرحها عليه، فأمسك الله يده، وجاء
فأخبره، فخرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» راجعاً
إلى المدينة.
ثم دعا علياً، وقال:
لا تبرح مقامك.
فمن خرج عليك من أصحابي، فسألك عني، فقل: توجه إلى المدينة، ففعل ذلك
علي، حتى انصبوا إليه، ثم تبعوه ولحقوا به»([52]).
كانت تلك طائفة من النصوص الواردة حول قضية بني النضير،
وقد حان الآن وقت تسجيل ما يفيد ويجدي في الاستفادة منها، أو في
التأييد، أو التفنيد لأي منها،
فيما سيأتي في الفصل الثاني.
([1])
السيرة الحلبية ج2 ص267.
([2])
الأموال ص242 وزاد المعاد ج2 ص136.
([3])
المغازي للواقدي ج1 ص374.
([5])
النجاف: أسكفة الباب.
([6])
الآية 5 من سورة الحشر.
([7])
الحبور: جمع حبر، وهم علماء اليهود.
([9])
رهواً: يسيراً سهلاً.
([10])
الحسي: ما يحسى من الطعام.
والمزنم: الرجل يكون في القوم ليس منهم، يريد: أحلهم بأرض غربة
في غير عشائرهم، وانظر الروض الأنف ج2 ص177.
([11])
جمر: الأصل خمر. وما أثبته من ابن هشام، والعضاة: شجر، وأهيضب:
مكان مرتفع، والودي: صغار النخل، والمكمم: الذي خرج كمامه.
([12])
الصلا: موضع، ويرمرم: جبل.
([13])
الوشيج: شجر الرِّماح.
([14])
السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص145 ـ 156 والبداية والنهاية ج4
ص74 ـ 81 والنصوص المتقدمة موجودة ـ كلاً أو بعضاً ـ في
المصادر التـالية: الثقات ج1 = =
ص240 ـ 243 وتاريخ
اليعقوبي ج2 ص49 والطبقات الكبرى ج2 ص57 وفتوح البلدان قسم 1
ص18 ـ 22 والوفاء ص689 ـ 213 والتنبيه والإشراف ص213 والبدء
والتاريخ ج4 ص212 و 213 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص422 ـ 431
وتاريخ الخميس ج1 ص460 ـ 463 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص196 و 197
ومجمع البيان ج9 ص257 ـ 262 والبحار ج20 ص157 ـ 173 وتفسير
القمي ج2 ص359 و 360 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص197 و
198 و 119 ـ 123 والكامل لابن الأثير ج3 ص173 و 174 وحياة
الصحابة ج2 ص397 و 398 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص199 ـ
212 وبهجة المحافل ج1 ص213 وشرحه بهامشه، نفس الصفحات والمصنف
للصنعاني ج5 ص357 ـ 361 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص260 ـ 263
وأنساب الأشراف قسم حياة النبي «صلى الله عليه وآله» ج1 ص339
وتاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج2 ص550 ـ 555 ولباب
التأويل ج4 ص244 فما بعدها، ومدارك التنزيل بهامشه، نفس الجزء
والصفحة، وتفسير جامع البيان ج28 ص19 فما بعدها، وغرائب القرآن
بهامشه ج28 ص29 فما بعدها والجامع لأحكام القرآن ج18 ص2 فما
بعدها وفتح القدير ج5 ص195 فما بعدها وأحكام القرآن للجصاص ج3
ص428 فما بعدها وأسباب النزول ص236 ـ 239 وأحكام القرآن لابن
العربي ج4 ص1764 فما بعدها والتفسير الكبير ج29 ص278 فما بعدها
وزاد المعاد ج2 ص110 و 71 و 72 وكذلك في ج4 ص498 فما بعدها
والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص28 وجوامع الجامع ص486
ـ 488 وتفسير الصافي ج5 ص153 فما بعدها وتفسير البرهان ج4 ص313
والدر المنثور ج6 ص187 ـ 202 وحبيب السير ج1 ص355 ـ 356 ومغازي
الواقدي ج1 ص365 ـ 383 والسيرة الحلبية ج2 ص263 ـ 270 وتفسير
القرآن العظيم لابن كثير ج4 ص330 ـ 344 وعمدة القـاري ج12 ص43
وج17 ص125 فما بعدها.
([15])
تاريخ اليعقوبي ج2 ص49.
([16])
الخرتي: أردأ المتاع، راجع: لسان العرب ج2 ص145.
([17])
تاريخ اليعقوبي ج2 ص49.
([18])
الوفاء ص689 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص461 وسيرة مغلطاي ص53
والبحار ج20 ص165 عن الكازروني وغيره وزاد المعاد ج2 ص71
ومغازي الواقدي ج1 ص371 والسيرة الحلبية ج2 ص265.
([19])
البدء والتاريخ ج4 ص212.
([20])
مغازي الواقدي ج1 ص371 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص265.
([21])
تفسير القمي ج2 ص359. ومصادر كثيرة أخرى ستأتي في الفصل الثاني
حين الكلام حول تاريخ غزوة بني النضير.
([22])
وفاء الوفاء ج1 ص398 وحياة الصحابة ج1 ص296 و 297 وفتح الباري
ج7 ص255 وقال الكاندهلوي: وأخرجه أيضاً أبو داود من طريق عبد
الرازق عن معمر بطوله مع زيادة، وعبد الرزاق، وابن المنذر
والبيهقي في الدلائل كما في بذل المجهود ج4 ص124 عن الدر
المنثور. وعن عبد بن حميد في تفسيره وراجع: شرح بهجة المحافل
ج1 ص214 والمصنف ج5 ص359 وتفسير لباب التأويل ج4 ص244 وأسباب
النزول ص237 والدر المنثور ج6 ص189 عن عبد الرازق، وعبد بن
حميد، وأبي داود، وابن المنذر والبيهقي في الدلائل والسيرة
الحلبية ج2 ص264 و 263 وتفسير القمي ج2 ص359.
([23])
راجع على سبيل المثال: طبقات ابن سعد ج2 ص57.
([24])
الطبقات الكبرى ج2 ص58 وعمدة القاري ج17 ص126 وحول حصرهم خمسة
عشر يوماً، راجع: الوفاء ص690 والتنبيه والإشراف ص213 ودلائل
النبوة لأبي نعيم ص429 وتاريخ الخميس ج1 ص461 وسيرة مغلطاي ص53
والبحار ج20 ص165 و 166 عن الكازروني وغيره، والسيرة النبوية
لدحلان ج1 ص261 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص553 وأنساب الأشراف
(قسم حياة النبي «صلى الله عليه وآله») ص339.
([25])
تاريخ ابن الوردي ج1 ص59 والبدء والتاريخ ج4 ص213 وتاريخ
الخميس ج1 ص461 عن سيرة ابن هشام، وعن الوفاء، وتاريخ الإسلام
للذهبي (المغازي) ص198 ووفاء الوفاء ج1 ص297 والسيرة النبوية
لابن هشام ج3 = = ص220 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص261 وزاد
المعاد ج2 ص110 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص28
وحبيب السير ج1 ص355 والمغازي للواقدي ج1 ص394 والسيرة الحلبية
ج2 ص265 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص332.
([26])
عمدة القاري ج17 ص126 والسيرة الحلبية ج2 ص265.
([27])
عمدة القاري ج17 ص126
والجامع للقيرواني ص278 والسيرة الحلبية ج2 ص265.
([28])
مناقب آل أبي طالب ج1 ص197.
([29])
السيرة النبوية لدحلان ج2 ص261.
([30])
السيرة الحلبية ج2 ص265.
([31])
البحار ج20 ص166 عن الكازروني وغيره وتاريخ الخميس ج1 ص462
والجامع لأحكام القرآن ج18 ص4 وبهجة المحافل ج1 ص214 والكشاف
ج4 ص498 ولباب التأويل ج4 ص244 ومدارك التنزيل بهامش لباب
التأويل ج4 ص244.
([32])
دلائل النبوة لأبي نعيم ص423.
([33])
دلائل النبوة لأبي نعيم ص425 وراجع: مغازي الواقدي ج1 ص365.
([34])
دلائل النبوة لأبي نعيم ص425 والمغازي ج1 ص364 وعمدة القاري
ج17 ص125 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص260.
([35])
السيرة الحلبية ج2 ص263.
([36])
مغازي الواقدي ج1 ص372.
([37])
مغازي الواقدي ج1 ص372 والسيرة الحلبية ج2 ص265.
([38])
راجع: تاريخ الخميس ج1 ص461.
([39])
تفسير القمي ج2 ص359 والبحار ج2 ص169 و 170 عنه وراجع حول عدم
قبول النبي «صلى الله عليه وآله» منهم: لباب التأويل ج4 ص244 ـ
245 ومدارك التنزيل بهامشه نفس الجلد والصفحة. وغرائب القرآن،
مطبوع بهامش جامع البيان ج28 ص33 ـ 38 والجامع لأحكام القرآن
ج18 ص11 وتفسير الصافي ج5 ص155.
([40])
الآية 256 من سورة البقرة.
([41])
السيرة الحلبية ج2 ص267 والجامع لأحكام القرآن ج3 ص280 عن أبي
داود ولباب التأويل ج1 ص185 وفتح القدير ج5 ص275 عن أبي داود
والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن حبان،
وابن مردويه والبيهقي في السنن والضياء في المختارة والدر
المنثور ج1 ص328 عنهم وعن ابن مندة في غرائب شعبة وعن النحاس
في ناسخه وعبد بن حميد وسعيد بن منصور.
([42])
مغازي الواقدي ج1 ص374.
([43])
تاريخ الخميس ج1 ص461 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص262 وراجع:
ص261 وذكر المسافة في فتح القدير ج5 ص197. وراجع: الجامع
لأحكام القرآن ج18 ص11.
([44])
غرائب القرآن مطبوع بهامش جامع البيان ج28 ص38 وراجع: الجامع
لأحكام القرآن ج18 ص11.
([45])
وسيأتي توضيح ذلك مع مصادر أخرى إن شاء الله تعالى..
([46])
الطبقات الكبرى ج2 ص57 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص425 والسيرة
النبوية لدحلان ج1 ص260 وزاد المعاد ج2 ص71 والسيرة الحلبية ج2
ص263 وعمدة القاري ج17 ص125.
([47])
مغازي الواقدي ج1 ص365.
([48])
الثقات ج1 ص241 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص552 والمغازي للواقدي
ج1 ص365 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص261 وزاد: من الغدر، فلا
تخدعوا أنفسكم والله، إنه لرسول الله، فأبوا أن يقبلوا.
([49])
تضاغى: تضور من الجوع وصاح.
([50])
مغازي الواقدي ج1 ص365 و 366 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص426 ـ
427 ويوجد ملخص عنه في إعلام الورى ص88 و 89 والبحار ج20 ص163
ـ 169 وتفسير القمي ج2 ص359 وتفسير الصافي ج5 ص153.
([51])
دلائل النبوة لأبي نعيم ص428 و 429.
([52])
تاريخ الخميس ج1 ص460 وراجع البحار ج20 ص164 عن الكازروني
وغيره وشرح بهجة المحافل ج1 ص214.
|