كي لا يكون دولة بين الأغنياء
الخيانة والفداء:
قد علمنا فيما سبق:
أنه قد كان فيما بين بني النضير، وبين المسلمين عهد وعقد.. وقد نقض بنو
النضير عهدهم هذا، وخانوا وغدروا، فكان من الطبيعي أن يهب المسلمون
للدفاع عن أنفسهم، وأن يقاتلوا عدوهم، وأن يلقى هذا العدو جزاء غدره
وخيانته..
وحين رأى بنو النضير:
أن الأمور تسير في غير صالحهم، وأنهم قد أخطأوا في حساباتهم خطأ فاحشاً،
وأن لا أحد يستطيع أن يمنع المسلمين من إنزال العقاب العادل بهم، فإنهم
قد رضوا بأن يقدموا أموالهم وأرضهم لرسول الله «صلى الله عليه وآله» في
مقابل الإبقاء عليهم، وعدم قتلهم جزاء غدرهم وخيانتهم وصالحوا النبي
الأعظم «صلى الله عليه وآله» على ذلك؛ فكانت جميع أموالهم وأراضيهم
خالصة له «صلى الله عليه وآله» يتصرف فيها كما يشاء.
قال السهيلي:
«ولم
يختلفوا: أن سورة الحشر نزلت في بني النضير، ولا اختلفوا في أموالهم؛
لأن المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب، وإنما قذف الرعب في
قلوبهم، وجلوا عن منازلهم إلى خيبر، ولم يكن ذلك عن قتال من المسلمين
لهم؛ فقسمها النبي «صلى الله عليه وآله» بين المهاجرين، ليرفع بذلك
مؤونتهم عن الأنصار؛ إذ كانوا قد ساهموهم في الأموال والديار. غير أنه
أعطى أبا دجانة، وسهل بن حنيف لحاجتهما.
وقال غير ابن إسحاق:
وأعطى ثلاثة من الأنصار، وذكر الحارث بن الصمة فيهم»([1]).
وعن عمر بن الخطاب، قال:
كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله «صلى الله عليه وآله»
لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله «صلى الله عليه
وآله» خالصة.
وكان ينفق على أهله منها
نفقة سنة، وقال مرة:
قوت سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل([2]).
ونقول:
لو صح ذلك من فعل النبي «صلى الله عليه وآله»، فإنه يكون تبرعاً
منه «صلى الله عليه وآله» بما هو له، كسائر الأموال التي يملكها
الإنسان ويرغب في إنفاقها في مورد خاص.
وقد جاء عن عمر بن
الخطاب أيضاً قوله:
مال بني النضير، كان فيئاً
لرسول الله «صلى الله عليه وآله» خاصة([3]).
وكان عمر أيضاً يقول:
«كانت
لرسول الله «صلى الله عليه وآله» ثلاث صفايا([4])،
فكانت بنو النضير حبساً
لنوائبه..»،
ثم ذكر بقية الصفايا([5]).
وعبارة بعض المصادر:
أنها كانت حبساً
لنوائبه([6]).
وفي نص آخر:
حبساً
لمواليه([7]).
ولعله تصحيف.
وقال الزهري:
«..وكانت
أرض
بنو النضير للنبي «صلى الله عليه وآله» خالصاً،
لم يفتحوها عنوة، افتتحوها على صلح الخ..»([8]).
وكان أول أرض افتتحها رسول الله «صلى الله عليه وآله» أرض بني النضير([9]).
«وبقي
منها صدقة رسول الله «صلى الله عليه وآله» التي
كانت في
أيدي بني فاطمة»([10]).
«واصطفى
منها رسول الله «صلى الله عليه وآله» أموال بني النضير، وكانت أول
صافية قسمها رسول الله بين المهاجرين الأولين (والأنصار). وأمر علياً؛
فحاز ما لرسول الله «صلى الله عليه وآله» فجعله صدقة، وكانت في يده مدة
حياته، ثم في يد أمير المؤمنين «عليه السلام» بعده، وهو في ولد فاطمة
«عليها السلام» حتى اليوم»([11]).
وأرجع «صلى الله عليه وآله» ـ بعد فتح بني النضير ـ الأراضي والأشجار،
التي كانت قد وهبت له إلى أصحابها من الأنصار.
وقيل: بل كان ذلك حين فرغ «صلى الله عليه وآله» من خيبر([12]).
قالوا:
«كانت
بنو النضير صفياً
لرسول الله «صلى الله عليه وآله» خالصة له حبساً
لنوائبه، ولم يخمسها، ولم يسهم فيها لأحد. وقد أعطى ناساً
من أصحابه، ووسع في الناس منها، فكان ممن أعطى الخ..»([13]).
ولكننا نجد بعض الروايات
تقول:
«إنه
«صلى الله عليه وآله» خمسها، وذهب إليه الشافعي، وأعطى منها ما أراد
لمن أراد، ووهب العقار للناس، وكان يعطي من محصول البعض أهله وعياله
نفقة سنة، ويجعل ما بقي مجعل مال الله»([14]).
ولكن دعوى تخميسها لا
تصح:
فإن الثابت هو أنها لم تفتح عنوة، وأنها مما أفاءه الله على رسوله،
والفيء لا يخمس،
وإنما تخمس الغنيمة المأخوذة عنوة في الحرب.
إلا أن يكون المراد:
أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد خمس بعض ما أخذ من متاع القوم قبل
وقوع الصلح.. فعممه هؤلاء لحاجة في النفس قضيت.
ولعل دعوى التخميس لها تهدف إلى إلقاء الشبهة على مطالبة علي «عليه
السلام» وفاطمة «عليها السلام» والعباس بها. مع أن عمر بن الخطاب نفسه
يصرح في رواية المطالبة هذه([15])
بتركة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حينما انفرد أبو بكر برواية:
نحن معاشر الأنبياء لا نورث وفيما سبق بأن أموال بني النضير كانت من
الفيء.
بل لقد ورد:
أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله ألا تخمس ما أصبت من بني النضير؟
كما خمست ما أصبت من بدر؟!
فقال:
لا أجعل شيئاً جعله الله لي دون المؤمنين بقوله:
﴿مَا أَفَاء اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ
الْقُرَى..﴾([16])
الآية.. كهيئة ما وقع فيه السهمان([17]).
قال الواقدي:
«إنما
كان ينفق على أهله من بني النضير، كانت له خالصة، فأعطى من أعطى منها،
وحبس ما حبس، وكان يزرع تحت النخل زرعاً
كثيراً. وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يُدخل منها قوت أهله سنة،
من الشعير والتمر لأزواجه، وبني عبد المطلب، وما فضل جعله في الكراع
والسلاح، وأنه
كان عند أبي بكر وعمر من ذلك السلاح، الذي اشتري على عهد رسول الله
«صلى الله عليه وآله»، وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد استعمل
على أموال بني النضير أبا رافع مولاه، وربما جاء رسول الله بالباكورة
منها. وكانت صدقاته منها، ومن أموال مخيريق، وهي سبعة حوائط الخ..([18]).
ونقول: إن لنا على ما تقدم ما يلي:
فإن التعبير عن أموال بني النضير، وعن أموال مخيريق بـ
«صدقات
رسول الله»
نجده لدى معظم المؤرخين والمؤلفين من إخواننا أهل السنة.
وهو تعبير فني مدروس، قد جاء ليؤكد اتجاهاً
سياسياً
فرضه موقف السلطة مما حدث، من أجل تأكيد الحديث المزعوم الذي يقول:
نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة.
هذا الحديث الذي أنكره علي وفاطمة «عليهما السلام» والعباس وغيرهم.
فما كان من الفريق الآخر إلا أن أطلق على ما تركه الرسول «صلى الله
عليه وآله» من أموال، وعقار اسم:
«صدقة»([19])،
أو
«صدقات».
وقالوا:
«كل
ما ترك رسول الله «صلى الله عليه وآله» تصدق به»([20])،
ليركزوا ذلك الأمر الذي انفرد به أبو بكر،
وأنكره أهل البيت «عليهم
السلام»
في أذهان الناس بصورة تلقائية ولا شعورية.
أما بالنسبة لقول عمر:
إن بني النضير كانت من صوافي رسول الله «صلى الله عليه وآله» حبساً
لنوائبه، فإن ذلك بهدف الإيحاء بأنها لا بد أن تعود إلى بيت المال
بعده، أو للخليفة لتكون حبساً
لنوائبه أيضاً.
ولنا أن نعتبر هذا النحو من التعامل من لطائف الكيد السياسي، ومن جملة
حبائله.. ولكن ذلك لم يُجدهم شيئاً في تغيير الحقيقة، فقد عبر الآخرون
عن آرائهم بصراحة، وأبطلوا كيد هؤلاء ولم يمكن لأهل المكر والخداع
والكيد: أن يحققوا من مكرهم هذا شيئاً.
كما أننا نلاحظ:
أن ثمة تعمداً
وإصراراً
على أمر آخر، يراد للناس أن يقبلوه ويصدقوه، وهو: أن رسول الله الأكرم
«صلى الله عليه وآله» يطعم أهله من أراضي بني النضير، وخيبر، وحوائط
مخيريق قوت سنة، ثم يجعل الباقي في الكراع والسلاح.
وقد تقدم ذلك عن عمر بن الخطاب نفسه.
وليس من البعيد أن يكون سبب ذلك هو إرادة الإيحاء بأنه «صلى الله عليه
وآله» لم يكن يرى نفسه مالكاً،
بل هو يتعامل مع هذه الأراضي كما لو كانت ترجع إلى بيت مال المسلمين،
الأمر الذي يؤكد صدق الحكام بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» في
دعواهم: أنه «صلى الله عليه وآله» لا يورث، وحتى لو كان يورث،
فإن تعامله هذا يدل على أنه لم يكن مالكاً.
وإذاً..
فما وعد به أبو بكر، من أنه يطعم آل رسول الله قوت سنة، ويجعل الباقي
في الكراع والسلاح، لا يعتبر خروجاً
عما رسمه رسول الله «صلى الله عليه وآله» بل يكون متبعاً
له، ومقتدياً
به؛ فرفض أهل البيت «عليهم السلام» لهذا العرض يصبح بلا مبرر ظاهر،
وتكون الزهراء «عليها السلام» هي المخالفة للرسول الكريم «صلى الله
عليه وآله»، ولأحكام الشرع والدين
الحنيف،
وتطلب ما ليس لها بحق، وتصر على طلبها هذا، رغم توضيح الأمر لها!.
ولكننا مع ذلك نقول:
إنه حتى لو صح أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان يفعل ذلك، وصح
أيضاً: أن هذا السلاح قد بقي عند أبي بكر وعمر؛ فإنه لا يدل على عدم
ملكية الرسول «صلى الله عليه وآله» لتلك الأراضي، بعد أن نص القرآن
العظيم على ملكيته «صلى الله عليه وآله» لها. حيث يمكن أن يكون إنما
يفعل ذلك تبرعاً،
وإيثاراً
لرضا الله سبحانه، وطلباً
لمثوبته التي يرغب بها كل مؤمن.
لا سيما وأن القرآن قد حث الناس على أن يجاهدوا في الله بأموالهم
وبأنفسهم. ومن أولى من الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» بالمسارعة
إلى امتثال أمر الله هذا؟!.
قال النيسابوري:
«اعترض
بعضهم: بأن أموال بني النضير أخذت بعد القتال؛ لأنهم حوصروا أياماً،
وقاتلوا وقتلوا، ثم صالحوا على الجلاء؛ فوجب أن تكون تلك الأموال من
الغنيمة، لا من الفيء.
وأجاب المفسرون من وجهين:
الأول:
إنها لم تنزل في بني النضير، وإنما نزلت في فدك، ولهذا كان رسول الله
«صلى الله عليه وآله» ينفق على نفسه، وعلى عياله من غلة فدك، ويجعل
الباقي في السلاح والكراع.
الثاني:
تسليم أنها نزلت فيهم، ولكن لم يكن للمسلمين يومئذ كثير خيل، ولا ركاب،
ولم يقطعوا إليها مسافة كثيرة، وإنما كانوا على ميلين من المدينة؛
فمشوا على أرجلهم، ولم يركب إلا رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكان
راكب جمل؛ فلما كانت العاملة قليلة، ولم يكن خيل، ولا ركاب، أجراه الله
مجرى ما لم يكن قتال ثمة»([21]).
ونقول:
1 ـ
إن ما ذكره من أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان يجعل باقي غلة
فدك في السلاح والكراع، بعد أن ينفق على نفسه وعياله «صلى الله عليه
وآله» منها.. محل مناقشة وبحث، فإن من المقطوع به: أن النبي
«صلى
الله عليه وآله»
قد أعطى فدكاً
لابنته فاطمة «عليها السلام»، وقد استولت عليها السلطة بعد
ثمانية، أو
عشرة أيام من وفاته «صلى الله عليه وآله».
وقد جرىت بين الزهراء «عليها السلام» وبين أبي بكر مناقشات ومحاورات
انتهت بإصرار الخليفة على ما أقدم عليه، فغضبت الزهراء عليه حتى ماتت،
وهي مهاجرة له ولنصيره عمر، وأوصت بأن تدفن ليلاً
ولا يحضرا جنازتها([22]).
ففدك لم تكن في يد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ولسوف نتحدث عن هذا
الأمر بشيء من التفصيل بعد غزوة خيبر إن شاء الله تعالى.
2 ـ
إنه إذا كانت فدك خالصة لرسول الله «صلى الله عليه وآله» وإذا كان قد
أنفق غلتها في الكراع والسلاح؛ فإنما فعل ذلك تكرماً، وطلباً للأجر
والثواب، وإيثاراً منه «صلى الله عليه وآله» على نفسه، حسبما ألمحنا
إليه، وليس لأجل أن حكم الفيء هو ذلك ـ وإن كنا
نحتمل قوياً
أن تكون دعوى ذلك من موضوعات خصوم أهل البيت «عليهم السلام» بهدف
التشكيك في أن يكون
«صلى
الله
عليه وآله»
قد نحلها لفاطمة الزهراء
«عليها
صلوات ربي وسلامه».
3 ـ
ولربما يؤيد القول بأن سورة الحشر قد نزلت بعد واقعة بني النضير،
التعبير بقوله:
﴿مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾
حيث إن وادي القرى قد افتتحت بعد ذلك.
ولكنه تأييد غير تام:
فإن الحكم في الفيء عام، ولا يختص بأهل وادي القرى،
كما أنه لم يثبت كون المراد بأهل القرى هو وادي القرى، إذ يمكن أن يكون
المراد: أهل البلاد مطلقاً.
أضف إلى ذلك:
أن الآية التالية، المشيرة إلى إعطاء المهاجرين، وعدم تغيظ الأنصار من
إعطاء إخوانهم، بل هم يؤثرونهم على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة ـ إن هذه
الآية ـ تؤيد كون المراد هو بنو النضير، لأن النبي «صلى الله عليه
وآله» لم يعط الأنصار من أموالهم شيئاً، سوى رجلين أو ثلاثة، كما
أوضحناه حين الكلام حول تقسيم أراضي بني النضير، فليراجعه من أراد.
4 ـ
إن ما ذكر في الجواب الثاني غير تام، فإن كثرة الخيل والركاب، وقلتها،
وبعد المسافة وقربها لا يؤثر شيئاً في حكم الفيء، ما دام أن الملاك هو
الأخذ عنوة وعدمه،
كما أن كثرة القتال وقلته لا يؤثر في ذلك شيئاً.
وعليه.. فالأولى في
الجواب:
أن يقال: إن القتال الذي كان ـ إن صح أنه قد كان ثمة قتال ـ لم يكن به
الفتح، وإنما فتحت صلحاً،
وهذا هو الميزان في الفيء والغنيمة، فإن كان الفتح صلحاً
كان فيئاً،
وإن كان بقتال كان غنيمة،
فالحكم تابع للنتيجة، مهما كانت مقدماتها.
هذا..
بالإضافة إلى أن ما أرعب اليهود وجعلهم ييأسون، وحملهم على الصلح لم
يكن هو القتال المشار إليه، وإنما كان قطع النخيل، وإحراقه.
ثم كان قتل أمير المؤمنين «عليه السلام» للعشرة هو السبب في استجابتهم
للصلح، كما تقدم..
وأما بالنسبة لما يذكرونه من قتال،
فنحن لا نستطيع أن نؤكد صحته، بل القرآن والتاريخ يدلان على عدمه، وإن
كنا لا نمانع من أن تكون قد جرت بعض المناوشات اليسيرة، ولكنها لم تكن
سبب الفتح قطعاً.
لقد هاجر من مكة عدد كبير من الذين أسلموا، وتركوا ما كانوا يملكونه
وراءهم،
وقد قدم الأنصار لهم كل ما أمكنهم تقديمه من العون والرعاية، حتى لقد
أرادوا أن يقاسموهم أموالهم؛ فمنعهم النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله»،
وأمرهم أن يعملوا في مزارعهم وبساتينهم وفقاً
لقواعد المساقاة والمزارعة، وهكذا كان([23]).
وحين أفاء الله على رسوله أموال وأراضي بني النضير، كانت خالصة له «صلى
الله عليه وآله»، بمقتضى قوله تعالى:
﴿.. مَا أَفَاء اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ
أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾([24]).
وقد روى القرشي عن
الكلبي أنه قال:
«قسم
رسول الله «صلى الله عليه وآله» أموال بني النضير، إلا سبعة حوائط
منها، أمسكها ولم يقسمها»([25]).
ثم إنه «صلى الله عليه وآله» قد خيَّر
الأنصار، بين أن يقسم ما أفاءه الله عليه، عليهم وعلى المهاجرين، ويكون
المهاجرون مع الأنصار كما كانوا، وبين أن يخص المهاجرين بها، فيستقلون
عن الأنصار، ويرجعون إليهم أراضيهم.
فقال السعدان ـ سعد بن
معاذ، وابن عبادة ـ:
بل نقسم أموالنا وديارنا على المهاجرين، ويؤثرونهم بالقسمة أيضاً، ولا
يشاركونهم فيها،
فاقتدى بهما سائر الأنصار،
فأنزل الله:
﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ
بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾([26]).
فقسمها النبي «صلى الله عليه وآله» بين المهاجرين، وأمرهم برد ما كان للأنصار
حسب تعبير الحلبي([27]).
فكانت أول صافية قسمها «صلى الله عليه وآله» بين المهاجرين الأولين([28]).
وفي بعض المصادر:
أن المهاجرين إنما ردوا ما كان للأنصار بعد الفراغ من خيبر([29]).
إننا رغم أننا نشك في
إرجاع المهاجرين أموال الأنصار، ونحتمل قوياً:
أن يكون الهدف من هذا الزعم هو تقوية موقف المهاجرين، حيث لا يكون
للأنصار ـ والحالة هذه ـ فضل يذكر، إلا أننا نغض النظر عن ذلك فنقول:
يرد هنا سؤال، وهو:
أنه إذا كانت أموال بني النضير خالصة لرسول الله «صلى الله عليه وآله»،
بنص القرآن الكريم، فلماذا يطلب «صلى الله عليه وآله» موافقة الأنصار
على أن يخص المهاجرين بها؟
أليس هو «صلى الله عليه وآله» حر التصرف فيما ملَّكه
الله إياه، يضعه حيث يشاء، ويعطيه لمن يشاء!.
ونحن في مقام الإجابة على هذا السؤال نشير إلى ما يلي:
1 ـ
إنه «صلى الله عليه وآله» يريد أن لا يسيء
أحد من الأنصار تفسير تصرفه ذاك، فيتوهم: أن ذلك منه «صلى الله عليه
وآله» بسبب حبه لقومه دونهم، أو لغير ذلك من أسباب.
كما أنه «صلى الله عليه وآله» لا يريد أن يثير في الأنصار حسداً
لا مبرر له، أو ما هو أكثر من الحسد، وهم يرون إخوانهم يحصلون على
الأموال والأراضي دونهم، حتى ولو كانوا يعلمون: أن هذا المال ملك لرسول
الله «صلى الله عليه وآله» يضعه حيث يشاء، ويعطيه لمن أراد، ويعلمون
أيضاً: أنه لا ينطلق في إعطائه ذاك من سلبيات يخشون وجودها.
2 ـ
إنه يريد للمسلمين جميعاً: أن لا يفهموا هذا التصرف على أنه امتياز لهم
دون غيرهم، وليتخذ ذلك أصحاب الأهواء منهم ذريعة للابتزاز، أو لإعمال
سياسات ظالمة تجاه إخوانهم من الأنصار، حينما تسنح لهم الفرصة لذلك.
3 ـ
إنه يريد للمسلمين جميعاً أن يفهموا: أن على القيادة أن لا تستبد
بالرأي وبالتصرف، فإن التفاهم، والمشاركة في الرأي، وعدم التفرد فيه،
يجب أن يكون هو السمة المميزة للإنسان المسلم.
4 ـ
إنه «صلى الله عليه وآله» يريد أن يعلم الأنصار، ويستفيد من ذلك
المهاجرون درساً
في الإيثار على النفس ما دام أن ذلك من شأنه أن يوثق عرى المودة، ويثير
كوامن الحب في مجتمع يشعر أعضاؤه بآلام ومشاكل بعضهم البعض، ويعملون
على حلها، ويبذلون جهدهم في هذا السبيل.
5 ـ
كما أننا نستفيد بالإضافة إلى ما تقدم الأمور التالية:
ألف:
أنه
كما أن من مسؤوليات قائد الأمة تصريف أمور الرعية، ورعاية شؤونها،
وإدارتها، وهدايتها إلى أفضل السبل وأجداها في دفع الأخطار الكبرى
عنها، وحل المعضلات التي ربما تواجهها..
كذلك فإن من مسؤولياته تربية الأمة تربية صالحة، ورعاية شؤونها الروحية
وتزكيتها، وبعث الفضائل والسجايا الكريمة في نفوس أبنائها جماعات
وآحاداً،
ثم إبعاد كل ريب ورين عنها؛ لتكون خالصة خلوص الجوهر، نقية صافية صفاء
النور..
هذا بالإضافة إلى رعاية العلاقات الروحية فيما بين أفراد وجماعات
الأمة، لتبقى سليمة وحميمة، وقائمة على أسس قوية وثابتة من تلك السجايا
والسمات والصفات الراسخة في أعماق الذات الإنسانية..
فلا يجوز أن يصدر منه أي عمل ـ حتى ولو كان بملاحظة خصوصيته الفردية،
والعادية حلالاً
ومباحاً
له ـ من شأنه أن يلحق أدنى ضرر في البنية الاجتماعية، سواء على المستوى
النفسي أو الفكري، أو المادي، أو غير ذلك.
كما أن عليه أن يتكهن بآثار أي عمل يصدر منه، ويقدر ما له من سلبيات
وإيجابيات مستقبلية، وعلى جميع المستويات.
ب:
إن ما تقدم يوضح لنا مدى حساسية موقع هذه القيادة، وخطورة مسؤولياتها،
ويوضح كذلك: أنه ليس باستطاعة كل أحد؛ أن يتسلم أزمة الحكم، ويتولى
مسؤوليات قيادية، إلا إذا اجتمعت فيه خصال ومواصفات ذات طابع معين، من
شأنها أن تساعد على تحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من الأهداف التي تتوخاها
الأمة من قياداتها.
ج:
إن ما فعله الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» قد أفهمنا أنه يفترض في
القائد: أن يرعى الشؤون المادية للأمة، ولو من ماله الخاص، حينما لا
يكون ثمة مصادر أخرى قادرة على سد حاجاتهم في هذا المجال.
د:
ودرس آخر نتعلمه من موقف النبي «صلى الله عليه وآله» هنا، وهو: أن
الإنسان، وإن كان له الحق في أن يتصرف في ماله كيف يشاء، ولكن حينما
تنشأ عن هذا التصرف سلبيات من نوع ما، فإن عليه أن يعمل على معالجة تلك
السلبيات، وأن يعطي تصرفه مناعات كافية، تحصن الواقع من أن تنشأ فيه
تلك السلبيات، أو أن تؤثر أثرها البغيض المقيت، حتى ولو كانت تلك
السلبيات ناشئة عن تقصير الآخرين، أو عن سوء تصرفهم، أو عن عدم
التزامهم الأكيد بالحدود والقيود التي يفترض التزامهم بها، أو غفلتهم
عن ذلك، بل وحتى لو كان ذلك من قبيل الطموحات الباطلة واللامشروعة، أو
التي تستتبع حسداً
لا مبرر له لدى الآخرين، أو حقداً
كذلك.
هـ:
إننا نلاحظ: أنه «صلى الله عليه وآله» قد كانت معالجته لسلبيات لا مبرر
لها بطريقة بناءة ورائدة، ثم هي زاخرة بالمعاني الإيجابية الكبيرة،
التي من شأنها ليس فقط أن تؤثر في الصيانة والحصانة بدرجة كافية، وإنما
هي تسـاهم
بدرجة كبيرة في تكـامل
الأمـة،
وفي حصولهـا
على المعاني والسجايا الإنسـانية،
ثـم
تعميقهـا
وترسيخهـا
بصورة عملية، لا بمجرد التنظـير،
وإطلاق الشعارات في الهواء.
وهذا هو الأسلوب الأمثل والأجدى في بناء الأمة، وتأكيد خصائصها
الإنسانية، وسجاياها الكريمة الفضلى.
ويذكر المؤرخون أسماء طائفة من الناس أعطاهم الرسول «صلى الله عليه
وآله» من أراضي بني النضير، بل يرى البعض: أنه لم يعط سوى الأشخاص
التالية أسماؤهم وهم:
1 ـ
أبو بكر بن أبي قحافة؛ فقد حصل على موضع يقال له: «بئر حجر»([30]).
2 ـ
عمر بن الخطاب، الذي حصل على موضع يقال له:
«جرم»([31]).
3 ـ
عبد الرحمن بن عوف، الذي حصل على موضع يقال له:
«سوالة»،
أو
«كيدمة»،
وهو الذي يقال له:
«مال
سليم»([32]).
4 ـ
الزبير بن العوام، الذي حصل على أرض يقال لها:
«بويّلة»([33]).
5 ـ
صهيب بن سنان، حصل على أرض يقال لها
«ضراطة»([34]).
6 ـ
أبو سلمة بن عبد الأسد، حصل على أرض من بني النضير، عند الواقدي أن
اسمها:
«بويلة»
شاركه الزبير فيها أيضاً، كما أشرنا إليه([35]).
7 ـ
أبو دجانة.
8 ـ
وسهل بن حنيف، حصلا على أرض يقال لها:
«مال
ابن خرشة»([36]).
9 ـ
الحارث بن الصمة، استفاد هو الآخر من ذلك حسبما ذكروه([37]).
وعند البعض:
الحرث بن أبرهة([38]).
والظاهر:
أنه تصحيف.
10 ـ
وأعطى ـ
كما
زعموا ـ سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق([39]).
11 ـ
وأعطى عثمان بن عفان أيضاً بعض أراضي بني النضير، في مكان يقال له:
الدومة([40]).
ونشير هنا إلى نصين غير متوافقين، وهما:
1 ـ
ما قاله العيني:
«..ولم
يخمس، ولم يسهم منها لأحد، إلا لأبي بكر، وعمر، وابن عوف، وصهيب بن
سنان، والزبير بن العوام، وأبي سلمة بن عبد الأسد، وأبي دجانة»([41]).
فالعيني إذاً يرى:
أنه «صلى الله عليه وآله» لم يعط أحداً غير هؤلاء. ولكن التعبير بـ
«يسهم»
فيه شيء من المسامحة؛ لإشعاره بأنها مفتوحة عنوة، وليس الأمر كذلك.
2 ـ
قال ابن شبة:
«..عن
محمد بن إسحاق، قال: قسمها رسول الله «صلى الله عليه وآله» في
المهاجرين إلا سهل بن حنيف، وأبي دجانة، وكذا نفراً،
فأعطاهما منها»([42]).
وقال النسفي:
قد أعطى ثلاثة من الأنصار([43]).
لكنه لم يذكر لنا أسماءهم بالتحديد.
فنجد العيني لا يذكر سهل بن حنيف، ونجد آخرين يذكرون سهلاً
وأبا دجانة، ونجد عدداً
آخر يصر على أنهم ثلاثة من الأنصار، ولعله يقصد الحارث بن الصمة؛ فإنه
أنصاري أيضاً.
ولكن ابن شبة ذكر سهلاً
وأبا دجانة، وكذا نفراً
من الأنصار.
ومعنى ذلك:
هو أنه قد أعطى الثلاثة الآنفة أسماؤهم.
مع أن ظاهر النصوص:
الحصر بهم، أو بواحد، أو باثنين منهم. فالأولى الاقتصار
على ذلك،
إلى أن يرد ما يؤيد كلام ابن شبة.
وقد علل الله سبحانه عطاء بعض الفئات دون بعض، من الفيء بقوله:
﴿وَمَا أَفَاء اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ
فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ
يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللُه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ، مَا أَفَاء اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى
فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ
الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ﴾([44]).
ونستفيد من هذه الآية الأمور التالية:
الأول:
إنه سبحانه قد علل إعطاء الفيء للفقراء اليتامى، والمساكين، وابن
السبيل بأن لا يكون المال محصوراً
بين الأغنياء، يتداولونه فيما بينهم.
وهذا يعطي:
أن الإسلام يريد أن يمكن الجميع من الحصول على المال، ولا يكون حكراً
على جماعة دون غيرها.
أي أنه يريد للمال أن يتحرك، وأن ترتفع الموانع والحواجز من طريقه
وينطلق من خلال الالتزام بالحكم الإلهي، والوقوف عند الحدود الشرعية،
لتتداوله جميع الأيدي فلا بغي من أحد على أحد، ولا استئثار بشيء دون
الآخرين وإنما الإيثار على النفس، ولو مع شدة الحاجة والخصاصة.
كما أنه يريد للفقير:
أن يحصل على المال بصورة مشروعة، ومن دون منة من أحد عليه، ما دام أن
المال قد أعطاه الله إياه، وليس لأحد من الخلق فيه أي دور.
الثاني:
إن الإسلام حين قبل بالملكية الفردية، وجعل القوانين والنظم لحمايتها،
وقبل أيضاً بملكية الدولة والجهة، وأعطى المجال لطموحات الإنسان،
وقدراته الخلاقة للتعبير عن نفسها، وتأكيد وجودها، فإنه قد قرر إلى
جانب ذلك قاعدته، وأعطى ضابطته التي لا مجال لتخطيها في شأن المال
بقوله:
﴿كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء
مِنكُمْ﴾([45])؛
فإنه
يكون بذلك قد قرر الحد الذي يفصل نظام الإسلام الإقتصادي عن النظام
الرأسمالي الفاسد، والذي ينتهي بالمال إلى أن يصبح دولة بين الأغنياء.
وذلك لأن الإسلام، وإن كان قد قبل بالملكية الفردية، إلا أنه قد حدد
مصادر الحصول عليها في جهات معينة، لا يجوز تعديها إلى غيرها..
كما أنه قد وضع من الأحكام والضوابط في مختلف شؤون الحياة وجهاتها، ما
يمنع من تكدس المال بصورة فاحشة لدى أفراد بخصوصهم.
وقد بين الله سبحانه هذا الأصل الأصيل بعبارة واضحة وموجزة حينما قال:
﴿لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء﴾.
ثم هو قد حرم وأدان، وعاقب على كل عمل من شأنه أن يهدم هذا الأصل، ويضر
في مسيرة تحقيقه، أي ما يوجب صيرورة المال
﴿دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء﴾،
فحرم الربا، ومنع من الاحتكار، ومن أكل المال بالباطل، و..
و..
الخ..
وبما تقدم يتضح أيضاً:
البون الشاسع فيما بين المذاهب الإقتصادية
الأخرى ـ كالإشتراكية
ـ وبين نظام الإسلام الإقتصادي،
كما هو ظاهر لا يخفى.
الثالث:
إن ما أفاءه الله على رسوله، ليس لأحد أن يدَّعي
أن له فيه أدنى أثر أو أي دور في تحصيله. فإن المسلمين لم يوجفوا عليه
بخيل ولا ركاب، وإنما عاد إلى رسول الله بسبب تسليط الله رسله على من
يشاء، كاليهود الناقضين للعهود والمواثيق.
ومعنى ذلك هو أنه ليس
لأحد الحق في أن يدَّعي:
أنه قد تنازل للنبي «صلى الله عليه وآله» عن شيء هو له، أو ساهم فيه،
وجاء الحكم الإلهي ليأخذه منه، ويعطيه للنبي لمصلحة كامنة في ذلك، كما
ربما يتوهم في الزكاة والخمس، وذلك لأن الله قد صرح بأن تسليط الله
سبحانه للرسول على أولئك الناس قد كان سبباً
في حصول ما يسمى بالفيء؛ فالفيء إذاً هو نتيجة عمل إلهي، وتصرف رباني
في واقع سلطة الرسول وبسطها على أولئك المعاندين.
وأما مناشئ هذه السلطة، ومقوماتها، فيجب أن لا تكون منحصرة في العدة
والعدد والحشود لدى المسلمين، فإن ذلك يتحقق بتأييدات إلهية غيبية،
تساهم فيها معرفة اليهود بنبوَّته
«صلى الله عليه وآله»، ورؤيتهم لمعجزاته وكراماته، وحبهم للدنيا،
وخوفهم من الموت وغير ذلك من أمور.
الرابع:
بقي أن نشير إلى أن الآيات قد نصت على أن الفيء لله، وللرسول، ولذي
القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل؛ فكيف نوفق بين ذلك وبين ما
هو معلوم من أن الفيء خالص لرسول الله «صلى الله عليه وآله»؟
ونقول في الجواب:
إن الآيات لم تتعرض لتشريع حكم الفيء، وبيان تقسيماته اللازمة شرعاً،
من حيث مالكية هؤلاء الأصناف له، وإنما هي تبين قضية في واقعة، يراد
توضيح المراد فيها، وإزالة الشبهة عن موقف النبي «صلى الله عليه وآله»
منها. ذلك لأن الآيات التالية لتلك الآية، قد بينت: أن المراد بهؤلاء
الأصناف هو خصوص المهاجرين منهم، أما الأنصار؛ فإنهم لا يجدون في
أنفسهم حرجاً
في أن يأخذ إخوانهم المهاجرون من الفيء دونهم، رغم ما كان يعاني منه
الأنصار من حاجة وخصاصة، بل هم يؤثرونهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
كما أن الآية الآنفة
الذكر قد بينت:
أن المراد هو الفيء الحاصل من أهل القرى، لا كل فيء، وذلك يؤيد أنها في
صدد الحديث عن قضية في واقعة، من أجل إبراز ما بها من خصوصيات، ومن
معان إنسانية هامة، ومن دقائق أخرى لا بد من الإلفات إليها، والتنبيه
عليها، وليست في صدد إعطاء الضابطة والقاعدة العامة.
ومعنى ذلك هو:
أن المراد بيان أن ما فعله النبي «صلى الله عليه وآله» في الفيء الحاصل
له من أهل القرى، حيث قسمه على المهاجرين دون الأنصار، رغم وجود
الخصاصة في الأنصار، إنما كان لمصالح اقتضت التخصيص منه «صلى الله عليه
وآله». ولا حرج على النبي أو الإمام في أن يلاحظ المصالح، ويقدم قوماً
على قوم، ويعطي هؤلاء، ويحرم أولئك، لأجل تلك المصالح المقتضية لذلك،
ولا يجب عليه أن يساوي بين الناس دائماً،
فإن المساواة ليست مطلوبة على كل حال، وإنما هي مطلوبة حيث لا مصلحة في
الترجيح، وحيث لا توجب تعميق الهوة بين الفئات التي يراد المساواة
بينها.
إذاً،
فلا معنى لاستغلال هذا الأمر للدعاية ضد نبي الإسلام، واتهامه بالتحيُّز
والتجني، ولا سيما إذا علمنا أن ما يقسمه إنما هو حقه الشخصي، وهو حر
في أن يجعل ما يختص به لمن يشاء، كيف يشاء.
الخامس:
لا بد من التذكير أخيراً
بأن آية الفيء هنا كآية الخمس في سورة الأنفال، قد ذكرت أصنافاً
ستة: ثلاثة منهم من قسم الواجب، وهم: سهم الله، وسهم الرسول، وسهم ذوي
القربى، وثلاثة لا يجب ذلك فيهم، وهم اليتامى، والمساكين، وابن
السبيل..
ومن الغريب العجيب أن
البعض بعد أن ذكر:
أن المراد بذوي القربى في الآية التي في سورة الحشر، وفي آية الخمس هم
قرابة رسول الله، قد علل البعض اختصاصهم بالفيء والخمس بقوله:
«إن
كانت الصدقات لا تحل لهم فليس لهم في الزكاة نصيب، وإن كان النبي لا
يورث فليس لذوي قرابته من ماله شيء، وفيهم الفقراء الذين لا مورد لهم،
فجعل لهم من خمس الغنائم نصيباً،
كما جعل لهم من هذا الفيء وأمثاله نصيباً»([46]).
إذاً فهذا البعض يرى:
أن فقر الفقراء منهم، وحرمانهم من الإرث والزكاة كان هو السبب في ذلك!!
ونقول: إن كلامه غير صحيح، وذلك لما يلي:
1 ـ
لقد علق هو نفسه في هامش كتابه على كلمة
«الفقراء»
بقوله:
«هناك
خلاف فقهي، هل الفقراء من قرابة الرسول هم المستحقون؟! أم جميعهم،
والراجح جميعهم»([47]).
ومعنى ذلك هو:
أن فقرهم ليس هو سبب إعطائهم، إذ ليس ثمة خصوصية للفقراء منهم تقتضي
ترجيحهم على سائر الفقراء، وإنما السبب في الترجيح هو ـ فقط ـ قرابتهم
من رسول الله «صلى الله عليه وآله».
2 ـ
لا ندري كيف حرمهم الله هذا المقدار القليل من إرث النبي «صلى الله
عليه وآله» ثم عوَّضهم
هذه الأموال الهائلة والطائلة، التي تحصل من الفيء والغنائم!!..
3 ـ
ثم إننا لا ندري كيف يحرم
شخص واحد وهو الزهراء صلوات الله عليها، ثم يعوض جميع قرابة رسول الله
«صلى الله عليه وآله» حتى من لم يكن في طبقتها في الإرث، بل وحتى جميع
بني هاشم، ولو لم يكونوا من أولاده «صلى الله عليه وآله» ولا من
وراثه!!
بل لقد نال هذا التعويض جميع بني هاشم إلى يوم القيامة.
وما كان أحراه أن يكون لو أنه كان ذلك قد جاء على سبيل الإهتمام بأمور
الفقراء والضعفاء من سائر الناس، فيورّث فاطمة «عليها السلام»، ثم
يتعامل مع جميع بني هاشم على أنهم بعض من غيرهم، فلا يحرمهم من ذاك
ليعطيهم من هذا أكثر مما يستحقون، وأضعاف ما به كانوا يطالبون.
أليس في ذلك تضييع لحقوق الكثيرين من الفقراء من غيرهم؟!
حاشاه أن يصدر ذلك منه، أو أن يفكر فيه.
4 ـ
هذا كله عدا عن أن حديث: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة،
والذي تفرد بروايته الخليفة الأول أبو بكر!! قد أثبت العلماء بالأدلة
القاطعة والبراهين الساطعة عدم صحته. وقد رد علي وفاطمة «عليهما
السلام» وكثير غيرهما روايته كما ذكرته الروايات الكثيرة وليس ههنا محل
بحث هذا الأمر فمن أراد ذلك، فليراجع كتب العقائد.
([1])
مسند أحمد ج2 ص106 ووفاء الوفاء ج3 ص822 عنه، وعن أبي يعلى.
([2])
الروض الأنف ج3 ص251. وحكاية الإجماع حول أموالهم في فتح
الباري ج7 ص254.
([3])
مسند أحمد ج1 ص25 وفتح القدير ج5 ص199 عن الصحيحين وغيرهما،
ومسند أبي عوانة ج4 ص132 و 140 وصحيح البخاري ج3 ص128 وصحيح
مسلم ج5 ص151 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص335، والجـامع لأحكـام
= = القرآن ج18 ص11 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص429 وفتوح
البلدان قسم 1 ص20 و 34 والجامع الصحيح ج4 ص216 وسنن النسائي
ج7 ص132 والتراتيب الإدارية ج1 ص393 وسنن أبي داود ج3 ص141
والخراج للقرشي ص34 والمغني لابن قدامة ج7 ص308 و 309 والتبيان
ج9 ص561 و 562 وراجع: أحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1772 والدر
المنثور ج6 ص192 عن بعض من تقدم، وعن ابن المنذر، والأموال ص14
وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص123 وتاريخ المدينة ج1 ص208
والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص262 و 263 والإكتفاء ج2 ص148 ومعجم
البلدان ج5 ص290 ومدارك التنزيل مطبوع بهامش لباب التأويل ج4
ص247 لكن ليس في المصادر الثلاثة الأخيرة: أن القائل هو عمر.
([4])
الصفايا: الغنائم التي يختاره الرئيس لنفسه.
([5])
التبيان ج9 ص561 وأنساب الأشراف قسم حياة النبي «صلى الله عليه
وآله» ص519 و 518 وراجع المصادر التالية: (ولكنها لم تصرح باسم
عمر) تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص120 والكامل في التاريخ
ج2 ص174 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص201 وراجع ص203 والمصنف
للصنعاني ج5 ص360 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص555 والجامع لأحكام
القرآن ج18 ص13 والسيرة الحلبية ج2 ص268 وتفسير القرآن العظيم
ج4 ص332 ونسب هذا القول إلى الزهري ومحمد بن إسحاق في كتاب
الخراج للقرشي ص32.
([6])
المغازي ج1 ص377 وفتح القدير ج5 ص199.
([7])
فتوح البلدان قسم 1 ص20 والسيرة الحلبية ج2 ص269 عن الإمتاع
وفتح الباري ج6 ص143 والمغازي للواقدي ج1 ص378 وسنن أبي داود
ج3 ص141 والدر المنثور ج6 ص192 عنه وعن ابن مردويه والخراج
للقرشي ص34.
([8])
مسند أبي عوانة ج4 ص142.
([9])
فتوح البلدان قسم 1 ص17.
([10])
سنن أبي داود ج3 ص157 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص121
ووفاء الوفاء ج3 ص998 والمصنف للصنعاني ج5 ص361 والدر المنثور
ج6 ص189 عن عدة مصادر وفتح الباري ج6 ص140 وتفسير القرآن
العظيم ج4 ص331 والمناقب لابن شهرآشوب ج1 ص197 والإرشاد للمفيد
ص50 وتاريخ الخميس ج1 ص463.
([11])
راجع: البحار ج20 ص173
والإرشاد للمفيد ص50 والمناقب لابن شهرآشوب ج1 ص197 وكشف الغمة
ج1 ص201 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص463.
([12])
راجع: مسند أبي عوانة ج4 ص174 ـ 176 وصحيح مسلم ج5 ص162 و 163
وصحيح البخاري ج3 ص11 وج2 ص125 وتاريخ الإسلام للذهبي
(المغازي) ص368 و 369 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص25 و 26
وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1777 وتفسير القرآن العظيم ج4
ص336 وفتح الباري ج7 ص256 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص270.
([13])
الطبقات الكبرى ج2 ص58 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص462 والبحار
ج20 ص166 عن الكازروني، وراجع: تاريخ المدينة ج1 ص176 وزاد
المعاد ج2 ص71.
([14])
تاريخ الخميس ج1 ص462.
([15])
ستأتي هذه الرواية مع مصادرها في الفصل السادس إن شاء الله
تعالى.
([16])
الآية 6 من سورة الحشر.
([17])
المغازي ج1 ص377 والسيرة الحلبية ج2 ص268.
([18])
المغازي للواقدي ج1 ص378.
([19])
في الطرائف ص283: «لعل أبا بكر وأتباعه هم الذين سموها صدقات».
([20])
التراتيب الإدارية ج1 ص401 عن السهيلي.
([21])
راجع: التفسير الكبير ج29 ص284 و285، وغرائب القرآن (مطبوع)
بهامش جامع البيان ج28 ص37 و38 وراجع: الجامع لأحكام القرآن
ج18 ص11 و12 فإنه ذكر ذلك ضمناً وأجاب عنه كذلك، حيث قال: ولم
يكن ثمة قتال على التحقيق؛ بل جرى مبادئ القتال، وجرى الحصار
الخ..
([22])
ستأتي مصادر ذلك كله إن شاء الله، حين الحديث حول فدك بعد غزوة
خيبر إن شاء الله تعالى. وبالإمكان مراجعة كتاب: أصول مالكيت
(فارسي) للأحمدي، وفدك للقزويني، ودلائل الصدق، وغير ذلك.
([23])
مسند أبي عوانة: ج4 ص174 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص116
والسيرة الحلبية ج2 ص269 وصحيح مسلم ج5 ص162.
([24])
الآية 7 من سورة الحشر. وليراجع هنا: مجمع البيان ج9 ص260
والتبيان ج9 ص562 والإكتفاء ج2 ص148 و 149.
([25])
الخراج للقرشي: ص36.
([26])
الآية 9 من سورة الحشر.
([27])
راجع: فيما تقدم، كلاً، أو بعضاً المصادر التالية: البحار ج20
ص171 و 172 وفي هامشه عن الإمتاع للمقريزي ص182 وتفسير القمي
ج2 ص360 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص368 و 369 ومجمع
البيان ج9 ص260 ومسند أبي عوانة ج4 ص175 والسنن الكبرى ج6 ص116
وفتح الباري ج7 ص256 ووفاء الوفاء ج1 ص299 وتاريخ المدينة ج2
ص489 وتاريخ الخميس ج1 ص463 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص263
والسيرة الحلبية ج2 ص268 و 269 وصحيح مسلم ج5 ص163 ولباب
التأويل ج4 ص249 وغرائب القرآن مطبوع بهـامش جـامع البيـان ج28
ص41 و42 وفتح القـديـر ج5 ص201 = = والجامع لأحكام القرآن ج18
ص25 و 23 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1776 والتفسير الكبير
ج29 ص287 والكشاف ج4 ص505 وجوامع الجامع ص487 وتفسير البرهان
ج4 ص313 والمغازي للواقدي ج1 ص379 والخراج للقرشي ص33 وراجع:
الروض الأنف ج3 ص250 وعمدة القاري ج15 ص47 وإرشاد الساري ج5
ص210.
([28])
فتوح البلدان: قسم 1 ص21 والبحار ج20 ص173 وفي هامشه عن
المناقب ج1 ص169 و 170 وعن الإرشاد ص49 و48.
([29])
صحيح مسلم ج5 ص162 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص368
والسيرة الحلبية ج2 ص270.
([30])
طبقات ابن سعد ج2 ص58 ومغازي الواقدي ج1 ص379 وراجع: فتوح
البلدان قسم 1 ص18 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص463 وراجع: السيرة
الحلبية ج2 ص269 ومعجم البلدان ج5 ص290.
([31])
راجع: المصادر المتقدمة باستثناء فتوح البلدان.
([32])
وفاء الوفاء ج4 ص1296 وج3 ص945 ومعجم البلدان ج4 ص497 وراجع ج5
ص290 وطبقات ابن سعد ج2 ص58 ومغازي الواقدي ج1 ص379 وراجع:
تاريخ الخميس ج1 ص463 وراجع: فتوح البلدان قسم 1 ص18 وراجع:
السيرة الحلبية ج2 ص269.
([33])
طبقات ابن سعد ج2 ص58،
لكنه ذكر بويلة له ولأبي سلمة بن عبد الأسد، وفتوح البلدان قسم
1 ص21 و 22 ووفاء الوفاء ج4 ص1157 وإرشاد الساري ج4 ص210
والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج7 ص147 عن صبح الأعشى ج13
ص105 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص269 ونيل الأوطار ج6 ص57.
([34])
الطبقات الكبرى ج2 ص58 وراجع ج3 ص104 ومغازي الواقدي ج1 ص379
و380، وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص463 والسيرة الحلبية ج2 ص269.
([35])
طبقات ابن سعد ج2 ص58 ومغازي الواقدي ج1 ص380 وذكرا أنه «صلى
الله عليه وآله» أعطاه (بويلة) ووفاء الوفاء ج4 ص1157 وراجع:
تاريخ الخميس ج1 ص463 والسيرة الحلبية ج2 ص269.
([36])
راجع: مغازي الواقدي ج1 ص380 و 379 والسيرة النبوية ج3 ص201
و202 وتاريخ الخميس ج1 ص462 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص555
والتبيان ج9 ص563 والإكتفاء ج2 ص148 وغرائب القرآن بهامش جامع
البيان ج28 ص38 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص11 وراجع ص14 و24
وراجع: البحار ج20 ص171 وتفسير القمي ج2 ص360 وفي هامش البحار
عن الإمتاع ص182 ومجمع البيان ج9 ص260 وأحكام القرآن لابن
العربي ج4 ص1771 و1772 والتفسير الكبير ج28 ص285 وزاد المعاد
ج2 ص110 ومنهاج السنة ج4 ص173 والخراج للقرشي ص32 وتفسير
البرهان ج4 ص313 وجوامع الجامع ص487 والعبر وديوان المبتدأ
والخبر ج2 قسم 2 ص28 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص159 وراجع: تاريخ
اليعقوبي ج2 ص49 وطبقات ابن سعـد ج2 ص58 وفتوح البلـدان قسـم 1
ص18 و 19 و 21 = = والمصنف ج6 ص361 لكنه لم يسم الرجلين،
ولباب التأويل ج4 ص246 وجامع البيان ج28 ص28 وأشار إليه في سنن
أبي داود ج3 ص143 و 157 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص197 وتاريخ
الإسلام للذهبي (المغازي) ص122 ووفاء الوفاء ج1 ص299 وتاريخ
المدينة ج2 ص490 والكامل في التأريخ ج2 ص174 والدر المنثور ج6
ص192 عن ابن مردويه والسيرة الحلبية ج2 ص269 وتفسير القرآن
العظيم ج4 ص332 وأنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى الله عليه
وآله») ص518 ومعجم البلدان ج5 ص290.
([37])
مجمع البيان ج9 ص260 وتاريخ الخميس ج1 ص251 و462 عن المدارك،
ومعالم التنزيل والسيرة الحلبية ج2 ص269، وقال: «نظر فيه
بعضهم: بأنه قتل في بئر معونة»، ولباب التأويل ج4 ص246 وجوامع
الجامع ص487 والتفسير الكبير ج29 ص285 والكشاف للزمخشري ج4
ص505 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص11 وراجع ص14 و24 وأحكام
القرآن لابن العربي ج4 ص1771 و 1772 والروض الأنف ج3 ص251 عن
غير ابن إسحاق، وبهجة المحافل ج1 ص216 ومناقب آل أبي طالب ج1
ص197.
([38])
غرائب القرآن، مطبوع بهامش جامع البيان ج28 ص38.
([39])
تاريخ الإسلام للذهبي (قسم المغازي) ص112 وتاريخ الخميس ج1
ص463 والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج18 ص11، والمغازي للواقدي
ج1 ص379، والسيرة الحلبية للحلبي الشافعي ج2 ص269.
([40])
وفاء الوفاء ج3 ص944 عن ابن شبة.
([41])
عمدة القاري ج18 ص126.
([42])
تاريخ المدينة ج2 ص490.
([43])
مدارك التنزيل (مطبوع بهامش لباب التأويل) ج4 ص246.
([44])
الآيتان 6 و7 من سورة الحشر.
([45])
الآية 7 من سورة الحشر.
([46])
في ظلال القرآن ج6 ص3524.
|